في اللغة السريانية
اللغة الآرامية السريانية هي إحدى اللغات السامية ، بها نزل جانب من الكتاب الإلهي كنبوءة دانيال وإنجيل متى . وهي عند قوم اقدم لغات العالم ، وعند المعتدلين من أقدمها . وأول شهادة ثابتة على عراقتها في القدم ما ورد في سفر التكوين ( 37 : 47 ) نحو سنة 1750 ق. م. حروفها اثنان وعشرون منها ستة أحرف يزدوج لفظها ” ليناً وقسوة ” كما نسمّيها في إصطلاحنا وتعرف بعلامات خاصة . وهي لغة طليّة غنيّة كافية للتعبير عن المقاصد وتصوير ما يعنّ من أحداث النفوس والخواطر ويخالج القلوب ، والإحاطة بصنوف العلوم القديمة
وكانت السريانية لسان أهل العراق وجزيرة ما بين النهرين وبلاد الشام وتغلغلت حتى قلب بلاد الفرس ، بل انتشرت بين الأمم المختلفة المجاورة للسريان وظلت دهوراً طويلة اللغة الرسمية للدول التي ملكت بلاد الشرق الأدنى ، وامتدّت إلى مصر الصغرى وشمالي بلاد العرب، ونشرها بعضهم في بِيَع جنوبي بلاد الصين ، وفي ملبار الساحل الغربي من بلاد الهند حيث لا تزال مستخدمة ولم تزل محكيّة حتى بدأت اللغة العربية بمزاحمتها في أواخر المائة السابعة وصدر المائة الثامنة فطفق ظلّها يتقلّص من بعض المدن واعتصمت بالأرياف والجبال ، ومع هذا لم يزل هزار فصاحتها يصدح في رياض العلماء والأدباء . وكان موطن اللغة الفصحى مدينة الرها وحرّان وحمص وأفامية وما والاها من بلاد الشام ، وكان صابئة حران يكتبون بها بفصاحة في آخر القرن التاسع . وبقيت على هذه الحالة في كثير من بلاد الجزيرة وأرمينية إلى أواخر المائة الثالثة عشرة وفي غيرها حتى المائة الخامسة عشرة
وحسبها فخراً تتيه به على لغات العالم أنّها تشرّفت بلسان ربّنا يسوع المسيح ورسله الأطهار. وهي أول لغة استخدمتها البيعة المسيحية في تقدمة القدّاس الإلهي ، ولأهلها فضل عظيم لنقلهم مؤلفات اليونانيين إليها ومنها إلى اللغة العربية ، وأضحت لغتنا الطقسيّة إلي وقتنا هذا ، وبنا منها صبابة لتراسل الاكليروس بها
وفي أوائل القرن السادس انقسمت السريانية من حيث لفظها وخطّها إلى قسمين يعرفان بالتقليدين الغربي والشرقي نسبة إلى مواطن الشعب الذي كان يزاولها ، أي بلاد الشام الغربية وبلاد ما بين النهرين الشرقية والعراق وأذربيجان ويستثنى من هذا القسم الشرقي الشعب العراقي الأرثوذكسي
ومن أهمّ الكتب التي وصلت إلينا التوراة والعهد الجديد بحسب النقل البسيط
وإذا استثنينا بعض التغيير في اللغات التي تفرّعت إليها فإنّ السريانية لم يطرأ عليها تبديل منذ استقرارها ، وما ورد منها في التوراة وما بقي من شعر الفيلسوف ” وفا ” يطابق حالتها اليوم كل المطابقة وهي لا تزال على نضارتها . وإنّما نُسيت منها ألفاظ بعتق الزمان فأمست عند بعضهم تافهة كما ذكر انطون التكريتي ، وأضاع أهلها بإهمالهم ألفاظاً حُفظت في العربية كما أثبت يعقوب البرطلي
ولم تكن لهذه اللغة كتب نحوية ولغوية إذ كان أهلها يتكلّمون بها بفصاحة فطرة شأنها في ذلك شأن اللغة العربية. وأول نحو وُضع لها كان في أواخر القرن السابع كما سيأتي بيانه
“ اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية “