الآرامية لغة الشرق

Posted by on Aug 14, 2012 in Library, دراسات سريانية | Comments Off on الآرامية لغة الشرق

 

لتاريخ الحضارات التي ظهرت في العصور القديمة طابع مؤثر ، فقد تطور من المدنيات المسكونية البدائية حضارات أخذت بالتطور والتكامل إلى أن ازدهرت وزالت الواحدة تلو الأخرى ، وقد أسهمت كل منها في نماء التراث البشري المشترك. ومن جهة أخرى ، فالحضارات الكبرى التي نشأت واستشرى أمرها ضمّت في كينونتها ممالك ودولًا تعايشت معا وتفاعلت على فترات من تطورها .. وهكذا بدأ العالم القديم وكأنّ قوة خفية تحركه وتدفعه من حيث لا يدري نحو وحدة إنسانية تتجدد دهراً بعد دهر .. فالحضارات تتعاقب وتهوي بعد أن تحاول كل منها أن تسهم على قدر طاقتها في خدمة البشرية

الكتـابة الآراميـة

بلغ الآراميون درجة عالية من المدنية فكانوا في سنة  1000 ق . م . يستعملون في كتاباتهم الحروف الهجائية التي أخذوها عن الفينيقيين . وهو أقدم أسلوب للكتابة معروف استعملت فيه الحروف الهجائية وحدها . وأخذوا عن المصريين القلم والحبر اللذين لا يستغني عنهما مطلقاً الكتابة بحروف الهجاء ، وكما حملت قوافل البابليين في الأزمنة الأولى قطع الآجر المكتوبة بالخط المسماري إلى أطراف آسيا الغربية كذلك حملت إليها القوافل الآرامية قوائم حسابات التجار وسنداتهم المكتوبة بالحروف الهجائية فحلت الحروف الهجائية الآرامية الفينيقية محل العلامات المسمارية.

وانتشرت في جميع أنحاء آسية الغربية ثم جاوزت الفرات . إلى بلاد فارس وأواسط آسية حتى بلغت أخيراً إلى الهند وصارت بعد زمان حروف هجاء للشعوب الشرقية أيضا.

وحينما سار التجار الآراميون كانت لغتهم بالطبع تسير معهم . فلم يمر عليها زمن طويل حتى شاع استعمالها تدريجياً على تخوم البادية . وأصبح عدد المتكلمين بها في بلاد آشور نفسها يربو على المتكلمين بالآشورية . وكلما وصلت إلى يد تاجر آرامي آجرة مكتوبة بالآشورية كان يتناول قلمه ويعلق عليها حواش بالآرامية . وبعد مدة من الزمان أجمع الرأي العام على أن تدار الأشغال العمومية باللغتين الآشورية والآرامية.

هذا في الشؤون العمومية . وأما في الحكومة فإذا كان الكاتب آراميا فبالطبع كان يدوّن المحاضر بقلم على ملف البردي وإذا كان آشوريا كان يكتب على الآجر بقلم قصب كالّ الرأس. وأصبحت اللغة الآرامية لغة الهلال الخصيب كله . حتى أنها حلت محل العبرانية الفلسطينية ، وهكذا صار هذا اللسان التجاري الآرامي بعد ذلك بقرون عديدة اللغة التي تكلم بها المسيح ومن عاصره من العبرانيين في فلسطين.

وكانت أولى نتائج ذلك انتشار لغتهم التي انصهرت لهجاتها المتعددة في لغة آرامية عامة . وهم لم يكتبوها بحروف مسمارية ، بل طبقوا عليها أبجدية مشتقة من الأبجدية الفينيقية . فحملت سهولة استعمالها الملوك الآشوريين على استخدام الكَتَبَة الآراميين المنتشرين هنا وهناك في إدارتهم ، للكتابة على البردي . وذهب الاخمينيون إلى ابعد من ذلك فجعلوا من الآرامية لغة إمبراطوريتهم الإدارية . وإذا ما أضفنا إلى ذلك نشاط الآراميين التجاري يتضح لنا كيف أن لغتهم قد عمَّ استعمالها وحلت محل لغات أخرى كثيرة . وتبين لنا نجاحاتها أسباب اضمحلال اللغات القديمة الخاصة في بلاد ما بين النهرين . فاصيبت العبرانية بالشلل حتى في فلسطين . لذلك نرى في التوراة بعض المقاطع الآرامية . فكتاب دانيال يعلموا بالعبرانية بل بالآرامية . وكذلك أيضا فإن اللغة السريانية وهي لغة المسيحيين في سوريا وبلاد ما بين النهرين طيلة أحقاب طويلة ، تشتق من اللغة الآرامية.

 

تاريـخ اللغـة الآراميـة

كانت الآرامية لهجة القبائل البدوية التي ذكرتها رسائل تل العمارنة في القرن الرابع عشر ق . م . والتي ذكرها الآشوريون في أحد نصوصهم وأطلقوا عليها اسم ( أكلامو) أو ( أخلامو) ، وكانت هذه القبائل تقيم في تخوم وديان دجلة والفرات . مع قلب الأزمنة ، واتساع رقعة سكن القبائل المذكورة ، ظهرت لهجات عديدة ، وأصبحت الآرامية تدل على تفرع اللغة السامية يضم عدة لهجات.

مقارنة الآرامية مع عبرية كتاب العهد القديم ، تظهر آثار تطور اكبر أصاب هذه اللغة ، على صعيد نظامها الصوتي والحرفي ، وفيما يتعلق بالإعراب الذي فُقِدَ فيها تماماً في حين احتفظت العبرية ببعض مظاهره . وقد اكتسبت الآرامية عدداً من مفردات الألفاظ والأدوات ، واغتنت بالتوريات والجمل التابعة .

ويمكن تمييز مرحلتين أساسيتين في تاريخ اللغة الآرامية:

المرحلة الأولى :    سابقة لانقسام اللغة إلى لهجات متعددة ، وتمتد من القرن التاسع ق . م. وحتى موت الاسكندر الكبير عام 323 ق . م . وتعرف بمرحلة الآرامية الشائعة أو المشتركة.

المرحلة الثانية :    تمتد من موت الاسكندر إلى يومنا هذا . وقد ظهرت في هذه المرحلة لهجات عديدة اصبح اغلبها من اللغات الأدبية.

ينقسم تاريخ الآرامية المشتركة إلى عدة مراحل . فهناك المرحلة القديمة وقد دونت بها كتابات القرنين التاسع والثامن ق. م. ، مثال نص إهداء ، من بر هدد إلى الإله ملقارت ( مطلع القرن الثامن ق. م. ) وكتابات ارسلان طاش ( قرابة القرن الثامن  ق. م. ) وكتابات زاكر ( نهاية القرن التاسع الميلادي) والنقوش على القرميد التي عثر عليها في حماة ( القرنان التاسع والثامن  ق. م. ) ومسلات السفيرة ( قرابة العام 75. ق . م. ) وكذلك سائر النصوص العائدة إلى العالم الآرامي السياسي ( جوزانا وشمبأل وارباد ودمشق) . هذه الكتابات دونت بالأبجدية الفينيقية ، مع فارق أن بعض الأحرف الحلقية والشبه صامتة استُعملت لترمز إلى الأحرف الصامتة ( الحركات ).

وانتشرت الآرامية في القرن الثامن ق. م. بفضل الفتوحات الآشورية والبابلية، فحلت مكان الأكادية كلغة دبلوماسية . وهذه الآرامية تسمى الآرامية الكلاسيكية المتأثرة بالأكادية . وآثارها في مسلات النيرب ، وألواح تل حلف ، وفي تعويذة آرامية لآشور ، وكتابات نمرود.

ومن ثمَّ تمَّ استيلاء قورش على بابل عام 539 ق .م. وأسس إمبراطورية تمتد من بلاد فارس إلى النيل والهندوس . وكانت الآرامية هي اللغة الرسمية للأجهزة الإدارية التي كانت تشرف من سوس على الجهاز السياسي الهائل . وكانت الآرامية في خدمة المبادلات التجارية والسياسية والثقافية . وقد تراكبت هذه اللغة مع اللهجات المحلية ، في مختلف المناطق ، محتفظة بوحدة بينه ومن دون أن تفسد اللهجات المذكورة . ويطلق على هذه الآرامية اسم آرامية الإمبراطورية . وقد عثر على عدد كبير من الوثائق العائدة للحقبة الأمينية في جميع مرزبانات الإمبراطورية الفارسية ، من الأفغانيتان والهند شرقاً إلى مصر غرباً .وأشهر هذه الوثائق هي برديات ( يت ) ( الفنتين) التي تعود إلى القرن الخامس  ق. م. والصادرة عن إحدى المستعمرات اليهودية العسكرية المستقلة.

تتكشف آرامية الإمبراطورية عن دلائل عديدة لتطورها الصوتي والغراماطيقي. وقد تطعمت بعبارات فارسية من المصطلحات الإدارية والعسكرية . وأتخذت الآرامية طابعاً صورياً رمزياً في الكتابات الفارسية استمر حتى العام 247ق . م. وذلك أن عدداً كبيراً من الكلمات كانت تُكتب بالآرامية وتحوَّل عند القراءة إلى مرادفها البهلوي.

وعندما فتح الاسكندر الكبير الشرق حلَّت اللغة الإغريقية محل الآرامية . وانقسمت الآرامية إلى لهجات عدة . أما الخط الآرامي المنحدر من الخط الأفريقي اعتباراً من القرن السابع   ق. م. فقد تولدت منه أقلام جديدة ، منها الأحرف المربعة ( سترانجلو ) التي تبنّاها العبرانيون والأحرف النبطية والتدمرية والسريانية والمائدية.

وانقسمت الآرامية إلى فرعين رئيسيين : فرع غربي وآخر شرقي. ويحتوي الفرع الغربي على اللهجات التالية:

أولا : آرامية الكتاب المقدس ( القرنان الثالث ، والثاني  ق. م.م) التي يطلق عليها خطأ اسم الكلدانية . وقد استعملت هذه اللهجة في سفر عزرا ثم في سفر دانيال ( 167 ــ  166) ق . م. وأصبحت لهجة محلية في  فلسطين.

ثانيـا: اللهجة التدمرية

ثالثـا: اللهجة النبطية

رابعـا: اللهجة اليهودية الآرامية الغربية

خامسا: اللهجة السامرية

سادسا: اللهجة المسيحية الآرامية

سابعـا: اللهجة الآرامية الجديدة

 

أما الفرع الشرقي الذي تطور في بابل ، منذ العصر السلوقي اعتبارا من القرن الرابع ق .م. فهو ينقسم إلى اللهجات التالية

اولا: السريانية

ثانيـا: اليهودية الآرامية الشرقية

ثالثـا: المندية

رابعـا: اللهجات الآرامية الشرقية الحديثة

 

تراجعت الآرامية الشرقية والغربية أمام اللهجة العربية التي عمت كامل المنطقة، فلم يسلم بعدها إلا لهجات ثلاث جماعات صغيرة من الشعوب الآرامية ، تتمثل إحداها في شعب طور عابدين في أعالي دجلة . وقد تبدلت البنية الآرامية القديمة تبدلاً كبيراً في هذه اللهجة فظهرت فيها صيغ فعلية جديدة مشتقة من المصدر حلت مكان صيغ الماضي والمضارع . واصبحت أداة التعريف تختلف باختلاف الجنس والعدد . وهناك لهجة ثانية هي السريانية الجديدة ، وثالثة هي لهجة الموصل . وهذه الأخيرة تقع بين لهجة طور عابدين ولهجة اورميا.

ومع آخر عهد الإمبراطورية الرومانية  بعثت الثقافة الآرامية مجدداً ، وتراجعت اللغة الإغريقية أمام السريانية ، وظهر عدد كبير من الكتاب يستعملون إحدى اللغتين المذكورتين . ونشأت بطريركيتا أورشليم وإنطاكية .وظهرت مدارس انطاكية والرها ونصيبين ، ورهبان أمثال القديس سابا ، ونساك ، وعموديون أمثال القديس سمعان، ما أسهم إسهاماً كبيرا في الحقبة ما بين القرنين الرابع والسابع الميلاديين ، بترسيخ أسس العقيدة المسيحية . وقد تميزت العقيدة المسيحية بالعاطفة الدينية القوية والروح القومية المعادية لبيزنطة ، مما أدى إلى ظهور الكنائس الهرطوقية التي كانت تستعمل السريانية لغة لها ، ونشأت النسطورية في القرن الخامس انطلاقا من إنطاكية ، ولاقت اتباعاً لها في شرقي الفرات . إلّا أن مذهب الطبيعة الواحدة ، الذي دافع عنه سويروس بطريريك إنطاكية ويعقوب البرادعي مؤسس الكنيسة اليعقوبية ، تغلب على المذهب الأرثوذكسي الممثل من يومها بالكنيسة الملكية ، وبموارنة لبنان الكاثوليكيين ذوي الطقس السرياني . وتدخل هيراقليوس الأول في الجدل القائم ، ونتج عن ذلك تحديد جديد للمسيحية قائم على مذهب الإرادة الواحدة لدى المسيح.

 

مصـادر الحلقـات

معجم الحضارات السامية _ هنري ، س ، عبودي  .

تاريخ الحضارات العام _ مجموعة مؤلفين  .

العصور القديمة _ جيمس برستد  .

تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين _ فيليب حتي  .

مقارنة الأديان _ د. احمد شلبي  .

بلادنا فلسطين _ مصطفى مراد الدباغ  .

العرب قبل الإسلام _ د. جواد علي .