العلم الطبيعي في المصادر السريانية

Posted by on Aug 16, 2012 in Library, الكيمياء والفيزياء في المصادر السريانية - المطران بولس بهنام | Comments Off on العلم الطبيعي في المصادر السريانية

– أولاً –

تحديد العلم الطبيعي أو الفيزيولوجيا

 

يحدد العالم السرياني ” العلم الطبيعي ” بكونه العلم الذي اتّحدت فيه الأعمال بالمادة ولا ينفصلان , وموضوعه العالم المادي عامةً , بإعتباره يتحرك ويسكن ويتغير.

 

– ثانياً –

الطريق المؤدية الى العلم الطبيعي

 

قبل ان يدخل بحثه الطبيعي يضع أمام المتعلم طريقاً خاصاً بدراسته , وهذا الطريق يتلخص في ابراز قواعد العلم ذاته , وهي لديه ثلاث : المبادي , والاسس , والبحث , ويعتبر هذه القواعد الثلاث أجزاء أصيلة للعلم , ويعتبر العلم ذاته شيئاً ” كلياً ” أما التقديم والتأخير بين القواعد والعلم , فيكون بالنسبة الى الطبيعة والادراك , فبالنسبة الى الطبيعة تتقدم القواعد على العلم باعتبارها أجزاءه الأصيلة التي يتركب منها , وبالنسبة الى الادراك فيتقدم العلم بإعتباره كلاً ينظره العقل وحده كأنه لا يتجزأ  .

ومعنى ذلك إرشاد الدارس الى إلقاء نظرة عامة الى هذا ( الكل ) ثم تجزئته بحسب أصوله وفروعه وتناول كل فرع من فروعه على حدى ليسهل درسه . واذا اقتضى الأمر تجزء الجزء أيضاً الى أجزائه الاخرى وبهذا يسير المتعلم سيراً وثيداً في طريق العلم حتى نهايته ماراً على كل جزء مرور الفهم الكامل والدرس الدقيق.

 

واذا اردنا دراسة هذا العلم دراسة علمية صحيحة ينبغي لنا تقسيمه تقسيماً منطقياً مضبوطاً ليسهل علينا فهمه . فبعد النظر الى ( الكل ) نظرة عامة نعود فنتناول الأجزاء بالنسبة الى القرب والسهولة ونأخذ الاقرب منها والاسهل الى الادراك ونطابقه على الاختبار والتجربة ثم نرتقي الى الاصعب فالاصعب من الحـركات والمحركات , وما يدور حولها من المفاهيم العلمية .

 

ونلحظ هنا ظاهرة علمية هامة , وهي دراسة العلم نفسه ومطابقته على العمل , الأمر الذي يمكننا من السير تدريجياً الى قمة الفهم بطريقة علمية صحيحة . وبما ان العلم الطبيعي يدور حول ( المادة ) ومن المادة يتركب ( العالم المادي ) الاكبر , فيلقي العالم نظرة شاملة ليتفهم مبادئ العالم عامة ومصدره ليعود بنا الى تجزئته جزءاً جزءاً . فما هو هذا ( العالم المادي الاكبر ؟ وما هو مصدره وهل هو شيء أزلي أم حادث ؟ ) كل ذلك سنراه في السطور التالية.

 

-ثالثاً-

نظرة العلماء الاقدمين الى العالم المادي وفكرة العلماء السريان

( العالم المادي )

 

العالم المادي هو هذه المجموعة الكبرى من القوى الطبيعية المتحدة بنظام واحد دقيق , والعاملة جنباً الى جنب كجسم واحد عظيم يتعلق كل عضو بعضو آخر . ويسير الجميع الى هدف مشترك واحد وضعه له الخالق الحكيم منذ الازل.

 

لا يهتم العلم اليوم بأصل ” العالم المادي ” ولا يهمه صدوره مهما كانت ينابيعه الاولى , انما يتناول ما كان في متناول الحاسة البشرية بدراسة دقيقة توصل بها الى أعلى الذرى . واستنتج منها نتائج باهرة , وسخّر قوى الطبيعة لخدمته بشتى مناحي الصناعة والابتكار , ولا ندري ماذا يخفي الغد من العجائب والغـرائب سيتوصل اليها علماء الطبيعة في العصور القادمة . أما العالم القديم فرغماً عن نشاطه ومثابرته على التفكير والعمل المضني , فقد كان ديدنه التفكير بما وراء هذه المرئيات والمحسوسات ليجد لها أصلاً ويندفع بكليته الفكرية ليصل الى الينبوع الأول الذي صدر عنه هذا الكون العجيب . وللفلاسفة الطبيعيين الأقدمين فكر متضاربة في هذا المضمار لا يخلو بعضها من تفكير عميق واستنتاج رائع , وقد اورد معظمها العلامة ابن العبري , كأمثلة لما اعتقده فلاسفة الطبيعة في هذا الكون المادي . ثم يعود الى تشريحها واحداً بعد واحد , وتفنيدها بصورة متتابعة ليحل محلها الفكرة الوحيدة التي يعتقدها  صحيحية بالنسبة الى تفكيره العلمي.

 

ولما كان هذا الكون منذ القديم مثاراً لدهشة الانسان كان لا بدّ للعلماء من التفكير به منذ شرع الانسان يفكر فيما حوله , ومن هذا التفكير نشأت الآراء المتضاربة في أصل العالم وينبوعه , وسبب هذا الاختلاف في الآراء هو كون العلماء القدماء أنهم كانوا يبنون نظرياتهم على الحدس والتخمين والترجيح والاستنتاج . وبطبيعة الحال , كلما اختلفت المقدمات اختلفت معها النتائج . وهكذا كان , فقد نظر بعض العلماء الى الطبيعة المائية المنتشرة في الكون , ولاحظوا ان الماء والرطـوبة عامل اساسي في تنمية الاجسام الحية , سواء النباتية أو الحيوانية , ومن هنا جاءت مقدمات خاصة تفرض ان أساس الحياة هو الماء , فذهب الباحثون الى الاستنتاج ان أصل هذا الكون هو ( الماء ) ونظر آخرون الى عمل الهواء في تكوين القوة الحية في الكائنات فاستنتجوا ان أصل الكون هو ( الهواء ) ولاحظ غيرهم ان الحرارة عامل هام في تكوين الحياة فقرروا ان أصل العالم الكوني هذا ( النار ) وهكذا اختلفت النتائج باختلاف المقدمات , وهذا انما يدل على تفكير عميق.

 

ولم يقف علماء الطبيعة عند هذا الحد بل راحوا يقدمون النتائج الكثيرة في هذا المضمار بعد التأمل في قوى الكون المختلفة . فقرر كثيرون منهم ان للكون مبادئ متعدّدة كتعدّد القوى الكونية , واعلنوا ان باتحاد هذه القوى المتضاربة نال هذا الكون وجوده , وسيبقى موجوداً طالما هي متآلفة متّحدة واذا ما اختلفت يوماً فحينئذٍ يكون فناؤه.

 

واعتقد جميع هؤلاء العلماء ان المادة أزلية . ولم نر حاجة لسرد هذه الآراء لبعدها عن الروح العلمية التي نتوخاها في بحثنا هذا , وقد اوردها علامتنا ابن العبري مقتضبة للسبب نفسه ثم فندها بطريقة منطقية رائعة وقرر تبعاً للفلاسفة الاثبات , والعلماء الثقات ان هذه المادة اوجدها الخالق الحكيم اداة لتكوين هذا العالم واسـتخدمها في جميع مرافقه , ووضع في بعضها ” بذرة ” الحياة.