الفـيزياء
علم الفيزياء وليد العصر المتأخر ، لذلك لا تجد دراسات فيزيائية منظمة في المؤلفات القديمة ، الا اننا لا نعدم مواضيع هامة في هذا المضمار منتشرة هنا وهناك في مؤلفاتنا السريانية كبحث الجاذبية الطبيعية العامة ، والقوة والحركة والهواء وضغطه ، وبعض صفات المادة ، وحالات الماء اللثلاث المعروفة ، والحرارة وما اليها ، والحركة ، والظلال ، وتموجات الصوت وسرعته وما الى ذلك من المواضيع الفيزيائية ، واليك هذه المواضيعز
– أولاً –
الجـاذبية
الجاذبية قوة عامة منتشرة في دقائق هذا الكون . وفي كل جسم شيء من هذه القوة تؤدي به الى حركة طبيعية خاصة بالنسبة حالته . فالحجرة الساقطة من علِ ، لا تسقط الا بواسطة هذا القانون الطبيعي العام ، وهذا ما يعرف ” بالحركة الجوهرية ” في الجسم ، فاذا القيت حجرة الى أعلى في الجو نراها صاعدة بسرعة حتى ينتهي تأثير القوة التي رشقتها ، وحينئذٍ تأخذ بالهبوط متـأثرة بالقوة الجاذبة العامة حتى تصل الى الارض مقرها الاساسيز
وكما ان قوة عظمى للجذب في الارض ، عامة ، في كل جسم من الاجسام المادية المنفصلة عنها شيء هذه القوة ، فهبوط الحجرة الملقاة من فوق ، ليس بتاثير الانعام فحسب ، بل بتاثير القوة الطبيعية الكامنة فيها والحاكمة عليها ضرورة بالهبوط من جهة ثانية . وبواسطة هذه القوة العامة نفسها تموت حركات الاجرام في طول الجو وعرضه منها دائرية ومنها مستقيمة ، والحركة الدائرية سابقة لجميع الحركات المتأتية من هذه القوة العامة ، ولا يمكن ان تجتمع الحركات في جسم واحد بآن واحد مطلقاًز
ولو اردنا مقابلة هذه النظرية العلمية التي قال بها القدماء بنظريتنا العامة في هذا العصر، لا نجدها بعيدة عنها كثيراً ، ويتوقف الفرق بينهما على نقطة واحدة ولكنها هامة ، وهي ان العلماء القدماء كانوا يعتقدون ان الحجرة الهابطة ذاتها فيها قوة الهبوط ، ولولا هذه القوة لما استطاعت الهبوط الى الارض ، بينما نعتقد اليوم ان سبب هبوطها ليست القوة الكامنة فيها للهبوط ، بل القوة الجاذبة العامة في الارض ، هذه القوة التي تسبب جذب جميع الاجسام ، وهذه القوة وان قال بها القدماء الا انهم اهتموا بالناحية الاولى اكثر ، اي بسقوط الجسم الى أسفل بقوة الهبوط الكائنة فيه نفسه ويفرد العلامة ابن العبري بحثاً خاصاً بهذه القوة نستفيد منه المعلومات التالية ز
في كل جسم قوة الانجذاب او ” الميل ” والدليل على ذلك ، ان الزق المملوء هواءً ، لا يستقر تحت الماء الا بقوة قسرية قاهرة ، ولو زالت هذه القوة نراه يعوم حالاً وذلك بقوة الهواء الكامن فيه والذي يطلب الارتفاع بالقوة الطبيعية التي فيه ، وكذلك الحجرة اذا رشقت في الفضاء نراها تهبط الى اسفل وذلك بقوة الانجذاب الكامنة فيه . وهذا الانجذاب اما طبيعي كسقوط هذه الحجرة او قسري كصعودها في الفضاء ولا يمكن ان يكون انجذابان طبيعي وقسري معاً في جسم واحد الى جهتين مختلفتين ويمكن اجتماعهما في جسم واحد فقط ، كرشق الحجرة من اعلى الى أسفل ، وفي هذه الحالة تتّحد القوتان القسرية والطبيعية في حجرة واحدة الى جهة واحدةز
والاجسام كلها حاوية هذه القوة ، وبها تعمل اعمالها الطبيعية بحسب الظروف التي وضعت لها ، وقد تصور العلامة ابن العبري جسمين احدهما مجرد من قوة الانجذاب ، والثاني مشحون بها ، وعمل مقارنة بينهما ليظهر عمل هذه القوة في انجذاب الاجسام الى محور الجاذبية العامة فقال : يستطيع الجسم الخالي من قوة الانجذاب ان يتحرك نحو الهدف بقوة قسرية مسافة ما معينة وذلك جزءاً واحداً بالمئة من الساعة ، بينما اذا وضع عوضه جسم آخر مفعم بهذه القوة ، تقطع عنه القوة القسرية ( التي كانت تحرك الجسم الاول ) فنجد ان زمن حركته تفوق زمن حركة الجسم الخالي من القوة الانجذابية الكامنة في جميع الاجسام المادية حتى يشبعها درساً وتحقيقاً بحسب نظام بحثه . أما الجاذبية الكونية العامة ، والتي تهبط بها ترتبط الافلاك والاجرام السماوية ، فهي مقررة عند هؤلاء العلماء ، فيذكر مؤلف ” علة كل العلل ” في القرن العاشر ان هذه الاجرام حول مرتبطة بنظام واحد دقيق ، وبواسطته تدور هذه الاجرام حول بعضها بعض دورة سريعة هائلة يشبه دورانها وعدم تفككها باناء ماء يعلق بسلك ويدار دورة سريعة فلا تهرق قطرة واحدة من الماء ، كذلك سرعة دوران هذه الافلاك تحفظ اتزانها في الدوران الامر الذي تحافظ على دقة وقوة الجاذبية التي بها ترتبط هذه الاجرام بعضها في بعضز
ويتحدث عن هذه الجاذبية فيقول : من التأمل بالتضاد والتبدل اللذين في طبيعة الافلاك العجيبة ، تأكدنا ان خاصتين او ” ذاتين ” تكمنان فيها كما رتبها الخالق العظيم هاتان الخاصيتان ترتبطان ببعضهما ارتباطاً وثيقاً لا ينفصم . وبواسطة هذا الارتباط ترتبط الافلاك كلها بعضها ببعض ، وتدور كلها بنظام دقيق ، ولا يستقر هذا النظام في جزء واحد من الفلك ولكنه منتشر بين جميع اجرامه بناموس طبيعي دقيق خفي ، ويعرف هذا الناموس بانه ثابت لا يتبدل ، وقد اخذنا معرفة هذا الناموس من التجارب الكثيرة التي في هذا الكون ز
واذا عدنا الى التأمل بسبب الارتباط الوثيق بين الاجرام الفلكية طبقاً لشرح هذا العالم ، نجد انه ناتج عن ” الخاصيتين ” التي تصل بينها ، وهاتان الخاصيتان هما القوتان المتضادتان اللتان تربطان دقائق هذا الكون بنظام عجيب ، وهما ، القوةالجاذبة والقوة الدافعة في كل جرم من أجرام هذا الفلك الواسع ، وهما السببان الرئيسيان في تسيير هذا النظام الكوني العجيب الذي أبدعه الخالق الحكيم جلّت قدرته ز
– ثانياً –
السـرعة والحركة
السرعة والحركة متلازمتان فلا سرعة بدون حركة ، ولا حركة بدون سرعة وان كانت بطيئة في بعض الاحيان ، لذلك يدرسهما العالم السرياني كشيئين غير منفصلين ، فهناك اذاً حركة سريعة ، وحركة بطيئةز
والحركة السريعة ، هي ان يقطع الجسم المتحرك مسافة طويلة في وقت معين ، او مسافة معينة في وقت قصير ، والأسرع من ذلك ان يقطع مسافة طويلة في وقت قصير ، والحركة البطيئة هي ان يقطع الجسم المتحرك مسافة قصيرة في وقت معين ، او مسافة معينة في وقت طويل ، والاكثر بطئاً من ذلك ان يقطع الجسم مسافة قصيرة في وقت طويل ز
وأسباب السرعة والبطء تعدد الى مذهلات الجسم الطبيعية ، والمؤثرات الخارجية الطارئة عليه . والحركة ، هي انتقال الجسم من حالة الى حالة ، كأن ينتقل من القوة الى الفعل ، وهي كمال للجسم ، لأن بدورها يبقى الجسم في حيز ( القوة ) وبما ان الحالة الجديدة اي ( الفعل ) هي خير للجسم ، والخير كمال أول ، فالحركة اذاً كمال أول تنقل هذا الجسم من اللاوجود الفعلي الى الوجود الفعلي ز
ويعود العالم السرياني فيحلل كيفية وجود الكمال الاول والكمال الثاني من الحركة نفسها ، فانها تكون تارةً كمالاً أول ، وطوراً كمالاً ثانياً ، ولا يحوز الجسم وجوده الحقيقي الا اذا حاز الكمالين بصورة تدريجية ، وهو يقرر ان الجسم لا يخرج من القوة الى الفعل بواسطة الحركة دفعة واحدة ، بل تدريجياً ، والكمال الاول هو خروج بعض اجزائه الى الفعل والكمال الثاني ، يتم عندما يخرج الكائن بكليته الى الفعل الحقيقي وتنتهي عندها الحركة
وكل متحرك يجب ان يكون له محرك ، والا لظل في حركة دائمة بدون هدف معين . وبالتالي يكرر الكائن علة لذاته ، وهذا محال ، والبرهان على ذلك ، لو تحرك الجسم من ذاته لتطلب ، أما مكاناً خاصة للحركة ، أو لم يتطلب ، وكلا الافتراضان باطلان ، الاول باطل ، لانه لو كان كذلك لتوقف عن الحركة عند حد ذلك المكان ، ولو توقف اذاً ، لا يتحرك من ذاته واذا لم يتطلب مكاناً خاصاً ، لكانت حركة بدون هدى ، وهذا ايضاً محلي ، فللجسم المتحرك اذاً محرك خارج عنه .
ولا يعتقد العالم السرياني ان كائناً طبيعياً هو سبب الحركة ، ولو كان كذلك لوجب ان يتحرك كل جسم . ويعلل عقيدته هذه بثبوت الاجسام الطبيعية ، ويقول ، لو كان الجسم الطبيعي اللامتحرك سبباً للحركة لما رأينا شيئاً في الكون يتحرك لثبوت السبب ، ويستنتج من ذلك ان كائناً آخر يجب ان يكون سبباً اساسياً لجميع المتحركات في الكون ، وهذا الكائن يجب ان يكون بعيداً عن الطبيعة كلها ، وهو ( القوة ) ويستعرض الحركة الارادية الصادرة من الكائنات الحية ويقول ان النفس وحدها كافية ايضاً ان تكون سبباً للحركة ويجب ان يكون هناك سبب آخر وهو ” أغراض النفس وأهدافها “.
وللحركة أنواع كثيرة منها :
أولاً – الحركة المكانية : كحركةالجسم من مكان الى آخر.
ثانياً – الحركة الوضعية : وهي تبدل أجزاء المتحرك كحركة الكون اللامكانية عامة.
ثالثاً – الحركة الكمية : وهي الزيادة والنقصان اللذان يطرآن على الجسم المتحرك.
رابعاً – الحركة الكيفية : كانتقال الجسم من لون الى آخر.
والحركات الثلاث الاولى هي حركات مكانية حقيقية . اما الحركة الاخيرة فيمكن ان تكون أحياناً عقلية فقط ، كتبدل الارادة ، ونسيان العلم أو بعضه . والحركة اما ان تكون ” قسرية ” وهي ان يحرك الجسم محرك خارجي أو ” طبيعية ” كأن تحرك الجسم ” قوة ” داخلية فيه ، وهذا اذا تحرك الجسم الى ناحية خاصة واحدة تدعى حركة طبيعية ، وسببه قوة طبيعية ، واذا تحرك الى جهات كثيرة بحسب الحاجة تدعى حركة ” ارادية ” وسببها النفس العاقلة ، وهو خاص بالانسان وحده.
وللحركة ثلاثة اتجاهات : الاول ، مستقيم كأن يتحرك الجسم على خط مستقيم من نقطة معينة الى نقطة معينة أخرى . والثاني مستدير ، وهو الدوران ، كدوران الافلاك حول بعضها بعض . والثالث : يتألف من كليهما كحركة العجلة السائرة . وهناك شـروح أخرى عن الحركة في مؤلفي العلامة ابن العبري ” زبدة الحكم – السماع الطبيعي ” و ” تجارة الفوائد ” . نكتفي هنا بما أوردنا لاطلاع القارىء على نوعية الفكرة السريانية في هذا الموضوع.