الكيمياء في المؤلفات السريانية

Posted by on Aug 16, 2012 in Library, الكيمياء والفيزياء في المصادر السريانية - المطران بولس بهنام | Comments Off on الكيمياء في المؤلفات السريانية

 

الكيمياء

اذا اردنا دراسة علم الكيمياء في المؤلفات السريانية لا يجب علينا ان نتوقع كتباً خاصة بهذا العلم الجليل , لان الاقدمين لم يدرسوه دراسة منظمة كما درسوا غيره من العلوم وانما نستطيع ان نتصيّد مواضيعه او معظمها تصيداً فنراها منتشرة في مواضيع العلوم المختلفة . واذا ألقينا نظرات فاحصة الى تلك المواضيع نجد المؤلف السرياني قد بذل جهداً عظيماً في دراسة موضوعه بحسب ما سمحت له ظروفه , وتوصلت اليه معرفته.

 

ذاعت في العصور الوسطى فكرة خائبة في الكيمياء الكاذبة , ولم تجد اذناً صاغية عند العالم السرياني بل بالعكس نجده قد أهملها كل الاهمال , ولا نستطيع وجود شيء منها في المؤلفات السريانية الكثيرة , وفضلاً عن ذلك نجد العلامة ابن العبري يتجرد لتكذيبها وتزييفها حاملاً عليها حملة شعواء واليك كلامه في هذا الصدد .

 

” ان الاجسام المعدنية تخضع للانفصال والاجتماع والانكسار والطرق , وهي تؤثر في بعضها , وتتأثر بعضها في بعض . واذا ذابت بعضها في بعض تتمازج . واذا تنقت , انفصلت وبطريقة صناعية يمكن ان يتلون بعضها بألوان البعض الآخر , كالفضة التي اذا أُذيبت في الكبريت تنال لون الذهب , والنحاس اذا أذيب في الذئبق يبيض لونه , واذا اذيب النحاس في فومفولوكوس phompholocos  أي ” الطاطيا ” أو التوتياء يصفر كلون الزعفران . واذا ذوب الذئبق في الكبريت يحمر , الى ما هنالك من الامتزاجات العنصرية التي تسبب لها تغيرات كثيرة .”

 

ان الفكرة العلمية الصحيحة التي يقدمها هذا العالم في نظريته هذه تنفي استحالة العنصر المعدني الى عنصر آخر جديد فلم نجد الاّ تغييراً باللون فقط الامر الذي لا يستطيع تغيير الجوهر الى جوهر جديد لذلك نسمعه يوجه كلامه الى أصحاب الكيمياء الكاذبة بقوله .

 

” من جراء هذه الظواهر ( العرضية ) ضلّ أصحاب صناعة الكيمياء ” الكاذبة ” وظنوا ان هذه التغيرات نزلت الى لباب هذه المواد , وغيرت جواهرها تغييراً , وذلك لانهم وجدوا ان العمل الصناعي هذا يشبه العمل الطبيعي , ويمت اليه بكل الصلات , ويصير مثله تماماً بتمام . غير ان العلم الصحيح يكذب زعمهم هذا ويخيب ظنهم , لانه يميز بين التغيير الشكلي العرضي وبين العمل الطبيعي للطبيعة وحدها . وعليه اذا يستر بياض الفضة بصفرة الذهب , فان جوهر الفضة يبقى محفوظاً , واذا رأيته بالعين أصفر , فان البوتقة ( الكور ) كفيلة باظهار حقيقته . والنحاس الاحمر يستحيل الى لون الزعفران اذا مزج بالتوتياء , وأما معدنه يبقى نحاساً ولا يتغير مطلقاً , ومتى حاول ان يجعل النحاس فضية , يحاول ان يخلق عنصراً جديداً , الامر الذي لا يمكن ” .

 

هذه نظرة العلماء السريان الى الكيمياء الكاذبة , وعلينا الآن ايراد المواضيع الكيمياوية المنتشرة في مؤلفاتهم الطبيعية لنجد مدى جهودهم العلمية في هذا المضمار .

 

المادة

اتبع السريان في موضوع المادة , فكرة العناصر الاربعة فحدّدوها بقولهم ” ان المادة هي هذه العناصرالاربعة التي يتألف منها هذا الكون الطبيعي ومنها يتكون العالم بما فيه ” . وذكر يعقوب الرهاوي – وهو أول عالم وصلتنا مؤلفاته الطبيعية كاملة – بان هذه العناصر الاربعة خُلقت ممتزجة كأنها كائن مادي واحد ففي هذا التراب الارضي كانت بقية العناصر كامنة . وكان هذا الكون كتلة واحدة كروية الشكل تتمازج فيه عناصره الاساسية الأربعة , النار , والهواء , والماء , والتراب , ولم يكن بالامكان تمييز عنصر عن آخر , كما كان مستحيلاً ان يتغلغل بها شعاع من نور أو وميض من ضياء , لانها كانت ممتزجة بالتراب والماء والهواء , ولم يكن بالامكان تمييز عنصر عن آخر , وكذلك كان التـراب ممزوجاً بالعناصر الثلاثة الباقية ، ولم يكن بالامكان ان يلمس اذ لم يكن كيانه ترابياً نقياً , وكذلك الماء كان متغلغلاً في هذه العناصر الأخرى , ومثله الهواء , وخلاصة القول كان الكون كله خليطاً من هذه العناصر المختلفة .

أما عملية انفصال هذه العناصر الأربعة , فكانت عملية شاقة بالنسبة الى الطبيعة , أما بالنسبة الى الخالق فكانت سهلة جداً.

 

وقد اورد هذا العالم مثلاً لتنقية هذه العناصر عن بعضها البعض وشبهها بخليط من المعادن كأن يقصد بعض الغاشين ان يحتالوا بالناس فيمزجون مع الفضة أو الذهب مادة غريبة كالنحاس والزنك أو غيرها , فيأخذ الصائغ هذا المزيج المغشوش ويصهره في بوتقة مضيفاً اليه قليلاً من الرصاص , وبعد ان تصل الحرارة الى درجة معلومة نجد المعادن تنفصل عن بعضها بعض . ويتماسك كل معدن بذراته الخاصة نقياً , على هذه الصورة كانت عملية فصل العناصر الاربعة المتمازجة عن بعضها بعض . بكلمة واحدة من الخالق الحكيم.

 

وقد أورد مثلاً آخر لانفصال هذه العناصر عن بعضها البعض وقال:

 

 ” اذا اخذنا قنينة زجاجية  كروية الشكل شفافة , ووضعنا فيها بمقادير متساوية زئبقاً ويسميه hodrgoron ونظنه اساس كلمة hedrogen الهيدروجين , وعسلاً نقياً وماء وزيتاً . فنجدها حالاً تتصارع بقوة لتأخذ كل مادة مكانها المناسب بالنسبة الى نوعيته الطبيعية , فيستقر الذئبق في الطبقة السفلى , والعسل فوقه والماء فوق العسل والزيت فوق الجميع , واذا شئنا قلب القنينة رأساً على عقب نجد عملية الصراع العنصري بين هذه المواد يبدأ من جديد ولا تهدأ ثورته حتى تأخذ كل مادة مكانها الطبيعي بحسب النوعية العنصرية.

 

واذا شئت جرب عملية اخرى , خذ اناءً زجاجياً فارغاً . واسكب فيه ماء بصورة فجائية تجد حالاً صراع الهواء مع الماء ليرتفع فوق بالنسبة الى مكانه الطبيعي , فيمزق الماء تمزيقاً بشكل فقاقيع حتى لا يبقى شيء منه تحت الماء.

 

واذا شئت أفرغ الوعاء الى نصفه واضف على الماء كمية مناسبة من التراب واخلطه خلطاً كاملاً حتى يتمازجا تماماً فيفقد كل منهما منظره الطبيعي , ودعهما يركدان ساعة من الزمن نجد ان كل واحد منهما يأخذ مكانه الخاص به بالنسبة الى نوعيته الطبيعية , فيستقر التراب في القعر , ويصعد الماء فوقه , بينما يكون الهواء فوقهما جميعاً , وهكذا يحدث كلما امتزجت هذه العناصر في بعضها البعض , وهكذا كان انفصالها عندما أمرها الخالق بذلك.

 

والمادة هي مبدأ جميع الاجسام وبواسطتها تتخذ جميع الاجسام وتلتقي في نقطة طبيعية واحدة لان ” الجسم الطبيعي وبما انه جسم طبيعي له مبادئ خاصة , وبما انه ” مادة ” ويتغير له مبادئ أخرى , ومبادؤه الجسمية , أما هي أجزاؤه وأما ليست أجزاءه , ولديه جزآن طبيعيان أولاً كالخشب بالنسبة الى الكرسي , وهذه هي ” المادة ” , والثاني , كالشكل الخارجي بالنسبة الى الكرسي , وهذه تدعى الصورة او النوع – ولديه أيضاً مبدآن خارجان عن ذاته : الاول : علته الفاعلة , وهي القوة التي عملته بهذه الصورة الحاضرة , والثانية علته الكمالية أوالمثالية , وهي الغاية التي من اجلها عمل ذلك الجسم بالصورة الراهنة “.

 

ولما كانت جميع الاجسام تتبدل هيئاتها الخارجية وتنعدم الغاية التي عملت لأجلها تلك الهيئة المنعدمة , تبقى المادة ثابتة بصورتها المادية الطبيعية , ولا تتغير مطلقاً عن ماديتها كلما تغيرت أشكالها الخارجية , لذلك تكون المادة مجردة سالمة من التغير , لان النوع الجسمي العام سابق لجميع الانواع الطبيعبية الخاصة , والمادة اصل جميع الانواع العامة والخاصة , فالمادة اذاً , جوهر طبيعي سابق لجميع الأنواع , واذا أخذت مجردة فهي عديمة الشكل والشبه “.

 

ولما كانت المادة أصلاً لجميع الانواع الجسمية الطبيعية العامة والخاصة , وبما انها قابلة للتغير الشكلي , كان لابدّ لها من ( أصل ) أول تصدر عنه كمبدأ سابق لها . وهذا المبدأ السابق هو ” العلة الفاعلة ” الاولى لأن ” العلة الفاعلة ” هي مبدأ عام , وأصل مبدع لجميع الكائنات الطبيعية , وهذه العلة هي القوة الاولى التي عملت الكائن الطبيعي الاول , ومنه صدرت جميع الكائنات الطبيعية , أي المادة الاولى , التي كانت أصلاً أولاً للنوع الاول , ومنه صدرت بقية الانواع التابعة , كالعناصر والمعادن والنباتات والاشجار والحيوانات . ويجب ان يكون مبدأ جميع هذه الانواع سابقاً لها , ولا يجب ان يكون مبدأً طبيعياً لها , والا كان سابقاً لذاته , وهذا محال . فانه اذاً , العقل الاول والروح الفاعل , الذي عمل الكل في الكل في عالمنا هذا الارضي . وأما علة العالم الارضي , الكاملة العامة فهي الخير عامة , الذي لأجله خلقت جميع الكائنات الطبيعية “.

 

ثانياً – التركيب والتحليل والمزج

التركيب والتحليل حالتان تطرآن على الاجسام بالتناوب ففي الحالة الاولى , يظهر الجسم كاملاً مستوفياً شروطه الطبيعية , وفي الحالة الثانية تتميز العناصر عن بعضها بعض منفردة , الامر يدل على ان الجسم الكامل هو ما تألف منها جميعاً كاملة كجسم الانسان مثلاً , وهو الحاوي هذه العناصر مجتمعة , فانه يتركب من الاعضاء , والاعضاء تأتت من الحجيرة والحجيرة من الدم , والدم من الاغذية , والاغذية من الارض المؤلفة من العناصر الاربعة التراب والماء والهواء والنار , لانه اذا ألقى الانسان بذراً في الارض , فان لم يغطه التراب , فان حرارة الشمس تحرقه .

 

وفي حالة التحلل تظهر هذه العناصر الاربعة التي تألف منها المركب , لاننا اذا حلّلنا أحد أعضاء الحيوان بطريقة كيمياوية علمية نجده قد عاد تراباً وماء , وهذان العنصران اذا مزجا فمن الضرورة تكون الحرارة منضجة لهذا المركب.

 

ان ( النوعيات ) التي تتفاعل وتؤثر في بعضها بعض , تكون سبباً للكون والفناء , وهي الحرارة والبرودة , والرطوبة واليبسة , ولطافة التكوين وغلاظته . والقساوة واللين , والخشونة والنعومة , والالوان والاطعمة , وهذه وان كانت تكسو بعضها بعضاً , غير انها معلولة لهذه الحالات الأربع , فهذه اذاً , هي النوعيات الاولى التي تتركب منها أربع حالات , الحار اليابس وهذه هي النار , والحار الرطب وهذا هو الهواء , والبارد الرطب وهو الماء , والبارد اليابس وهو التراب .

 

وهذه العناصر الى ان تجمعت نتجت منها بعض الحالات الهامة في تركيب الأجسام الأمر الذي لا يناله الجسم الا بإجتماعها مثال ذلك اذا اجتمعت الرطوبة باليبوسة , وامكان تكييفه وقبوله الشكل المطلوب بواسطة الرطوبة . وبواسطة الحرارة ينال المركب ميوعة ونضوجاً واذا أضيفت اليهما البرودة ينال بقاء تركيبه . هذه هي الفوائد الضرورية لهذه النوعيات  الاربع الاولى . وهي قوى العناصر.

 

وللمزج نتائج عامة في تكوين المركبات , فان العناصر المتضادة للنوعيات , عندما تجتمع في مركب واحد تتلاشى نوعية كل منها في العناصر الباقية . وتظهر نوعية جديدة في ذلك المزيج متوسطة بين جميع هذه النوعيات وتشبه جميعها . وتلاشي نوعياتها تكون في تقلص اجزاء كل منها , لان أكثر كل نوع يتمازج مع أكثرية النوع الآخر.

 

ان نوعية كل من هذه العناصر لا تلاشيها نوعية العنصر الآخر , بل تخضع نوعيته لنوعية أخرى من جهة , وتخضعها لسلطانها من جهة أخرى وذلك لفائدة المركب الذي لولا هذا التمازج لما أصبح في حالته الحاضرة.

 

ثالثاً – العناصر الاربعة

 

علمنا سابقاً ان العناصر الاربعة هي النار , والهواء , والماء , والتراب . وكانت منذ فجر تكوينها متمازجة ثم انفصلت عن بعضها بأمر الخالق , وأصبح كل عنصر قائماً بذاته كائناً منفرداً , له صفاته الخاصة وميزاته النوعية الطبيعية , وهي تحوي كل ما في الكون من امكانيات طبيعية . ولكل منها طبيعتان بارزتان ، وهي أجسام بسيطة متحركة حركة دائمة في مركز الكون الى أقصى أقاصيه , وتدعى خفيفة وثقيلة بآن واحد وحركتها متأتية من قوة لا ارادية كامنة فيها بصورة طبيعية  وهذه العناصر يمكنها ان توجد في أي مكان كان ولكن بتفاوت وهي كل ما يلي , التراب ثم الماء ثم الهواء , أما النار فانها لا توجد الا في مكانها الخاص وحيث توجد مادة قابلة للأحتراق . واليك دراسة كل عنصر بمفرده.

 

أ – النار

النار يابسة وهي مكونة من جهة ومتلفة من جهة ثانية  , ولها تأثير عظيم في تماسك ذرات العناصر الثلاثة الباقية . لانها متصلة بجميعها اتصالاً وثيقاً فتشدها شداً وتكون منها شكلاً كروياً مستديراً وهي جسم متماسك حار خفيف لطيف , نيّر بل ينير جميع الاجسام الباقية , وبما ان النار متصلة بجميع الاجسام فهي كامنة مستترة في جميعها بصورة لا تضر بها ولكن اذا اصابها من الخارج يتلفها وياتي عليها . وهي دائرة يدورها الافلاك سواء في داخل الارض أو في أجوائها أو في اجواء بقية الاجرام السماوية . وطبيعتها الحارة تجعلها ترتفع فوق جميع العناصر كلما امزجت في أية مادة كانت , وتتأثر من البرودة التي تداهمها فتنطفئ . وكلما انطفأت منها ذرة أفسحت مجالاً لاضطرام ذرة جديدة , وهكذا حتى تنتهي المادة التي أصابتها.

 

وهناك نوع آخر من الاحراق يحدث عندما تتصل النار اللاهبة بجسم من الاجسام الارضية ” كالحجارة والمعادن ” والماء والهواء تشركها باضطرامها اشراكاً كلياً اذ تستحيل هذه الأجسام الى نار وتنيلها نفس لونها , وبعد فترة قصيرة تغادرها النار فتعود الى حالتها الطبيعية , وهكذا يحدث الانطفاء .

وللنار طبقة واحدة مشتعلة بالجو كما هي متصلة ببقية الاجسام الارضية ويبوسة النار هي يبوسة خاصة بحيث لا تلتصق في الاجسام ولكن ليست صعبة الاحتراق كالأرض.

 

ب- الهواء

الهواء جسم رقيق نقي شفاف صاف بل أكثر لطفاً ونقاءً من العناصر الثلاثة الباقية , لذلك يخترق البصر بدون مانع فينظر اجساماً كثيرة سابحة فيه عن بعد , وللطفه لا يمنع من ان تمتزج به بقية العناصر وكأنها تستحيل الى طبيعته وان كانت مضادة لها . كبرودة الماء , وحرارة النار , فيقال عنه تارةً بارداً , وطوراً حاراً لانه يقبل هاتين الحالتين بسهولة ولياقة تامة . ويسمح لهذين الجسمين ان يمتزجا فيصبح معهما كأنهما معه كائن واحد , وهو أيضاً يحيط بالعناصر احاطة تامة من جهاتها الست.

 

والهواء حار رطب . وبهذا تعيش الكائنات الحية ولذلك تستنشقه كسبب أساسي لحياتها , وكل شيء ينتج عن الهواء حار ورطب , ومكون للحياة والصحة , وحافظ للأجناس الحية جميعها , وخير هذا الكون يحفظ الحياة فيه سالمة كاملة ولذلك سمي الهواء , خيّراً وخيراً واستمرار البقاء.

والبرهان على كون الهواء حاراً هو:

 

أولاً : اننا عندما نريد جعل الماء بخاراً أو هواءً . نسخنه بوساطة الحرارة ونزيد في غليانه حتى يستحيل الى جسم بخاري يشبه الهواء تماماً , ولو كان الهواء بارداً لكان سائلاً أو جامداً مثل الماء.

 

ثانياً : لان الهواء رطـب , ولو كان بارداً لاصبح ماءً , وهو ليس كذلك اذاً هو حار رطب . والبرهان الاخير على كون الهواء رطباً سهولة قبوله كل شكل من الاشكال وسرعة زوالها عنه وسهولتها.

 

وللهواء أربع طبقات الاولى ملتصقة بالارض , والثانية عالقة بالابخرة المتصاعدة من الارض وهذه طبقة باردة , والثالثة طبقة الهواء الحقيقي , والرابعة طبقة الهواء الممزوجة بالنار.

 

واذا لامست طبقة الهواء الخارجية ” العليا ” مسام النار تكون كروية حقيقية , واذا لامست طبقته الداخلية السفلى الارض لا تكون بالحقيقية كروية بسبب الجبال والوديان والوهاد الكائنة على وجه الارض .

وله ثلاث حالات مختلفة بالنسبة الى الطبقات الثلاث المار ذكرها , الحالة الاولى تجرها على الارض وهونقي شفاف , والثانية عند ارتفاعه قليلاً تجد بعض الذرات الرملية عالقة فيه من الارض نفسها , وفي هذه الحالة يشبه الحصاة الشفافة متاثراً بعنصري التراب والماء . ولا يسمح لقوته وهدوئه ان يكون بعيداً عنهما , ولا ان يكونا قوته لئلا يكون تحتهما , وفي الحالة الثالثة , وهي الحالة العليا والاخيرة يحيط بجميع العناصر كجسم أصم قوي يحرسها لئلا تتبدد ذراتها وذلك بأمر الخالق .

 

ج- الماء

الماء جسم أكثر رقة وميوعة وليناً من عنصر التراب , وأكثر كثافة ووزناً وتماسكاً من الهواء . وهو رطب رقيق سـائل شفاف نقي , وأكثر برودة من التراب , وضد اليبوسة الارضية . ولونه وطعمه ورائحته من طراز خاص.

 

والماء طبيعياً بارد رطب وليس الماء سائلاً بطبيعته بل هو جامد الا اذا قلت برودته بحرارة العناصر الحاضرة أهمها النار واذا ابتعد عنه ما يسخنه وهو حرارة الشمس فيعود الى طبيعته الاولى وهي التجمد . وهو شفاف بصورة أقل من الهواء وبالتالي له بعض اللون والبرهان على ذلك اننا نراه ثم اذا ملأنا قنينة زجاجية نقية ماءً نقياً نجد شعاع الشمس يرجع عنه ولا يخترقه . أما الشكل العام للماء الكائن على سطح الارض فانه كروي مثل الارض , والدليل على ذلك رؤية الجالس في السفينة عند اقترابها الجبال , قمة الجبل أولاً ثم ينجلي رويداً حتى سفوحه.

 

ولرطوبة الماء حالتان , الاولى كونه ينال شكل الاناء الذي يحتويه , وحالما يغادره ذلك الشكل الراهن . والثانية سرعة تغلغله في دقائق التراب الامر الذي ينيله تماسكاً في هذه الذرات فيجعل منها جسماً متحداً متماسكاً.

 

الماء النقي عديم الطعم , وأما الماء الذي فيه ملوحة أو مرارة أو كبريت , فانه يكتسب ذلك من الاراضي التي يمر فيها أو يتجمع . ويوجد في بعض مناطق جزيرة صقلية ماء حامض الطعم بينما يوجد في مناطق أخرى ذو طعم مر اما المالح فيوجد منه في مناطق كثيرة. وللماء طبقة واحدة فقط في الكون الارضي.

 

د – التراب

التراب جسم بارد يابس مضاد للحار الرطب , وفيه خاصية الانحلال والفناء , وهذا ضد الحياة والخير وهو الموت , والدليل على برودة التراب واضح يحس به الانسان , أما يبوسته فهي واضحة من كونه يتكيف بصعوبة , ويترك شكله الكائن هو فيه بصعوبة أيضاً , ولذلك عندما تنفصل ذراته بعضها عن بعض لا تعود تتماسك وتتحد الا بواسطة الماء ورطوبته وذلك بعكس العناصر الثلاثة الباقية.

 

وللتراب ثلاث طبقات : الاولى وهي القريبة من المركز العام للأرض , والثانية هي الطبقة الممتزجة بالماء , والثالثة بعضها ظاهرة وبعضها مغطى بمياه البحار.

 

4- ترتيب العناصر عند العلماء وكيفية اتحادها

( الالفة الكيمياوية )

لم يذكر العلماء العناصر الاربعة بترتيب واحد ، بينهم اختلاف في التقديم والتأخير كل بالنسبة الى فكرته الخاصة , فالرهاوي ذكرها كما يلي وشرحها مجملة : التراب ثم الماء , ثم الهواء , ثم النار , وذلك في القرن السابع الميلادي , أما الاسقف الرهاوي المجهول صاحب كتاب ( علة كل العلل ) ذكرها وشرحها على نسق آخر وهو : الهواء , ثم التراب , ثم النار , ثم الماء وذلك في القرن العاشر , أما ابن العبري في القرن الثالث عشر , فقد ذكرها في كتابيه  ( الاشعة ) و ( منارة الاقداس ) على الترتيب التالي : التراب , الماء , الهواء , النار . وأما في موسوعة ( زبدة الحكم ) فذكرها كما يلي : النار , الهواء , الماء ، التراب  .

والسبب في هذا الاختلاف هو طريقة بحث كل منهم وحاجته الى الموضوع الثلاثي مثل غيره , وأما في شرح العناصر نفسها فانهم متفقون بالمعنى العام وان كان لكل منهم طريقته الخاصة ونقاطه التي اختار دراستها دون غيرها.

 

علمنا سابقاً ان العناصر الاربعة انفصلت بأمر الله لكي تفسح مجالاً لوجود الكائنات الحية , ومع ذلك بقيت لهذه العناصر المضادة بعضها لبعض علاقات وثقى في كيانها ووجودها . وهذه العلاقة هي سبب الوجود والبقاء للموجودات النباتية والحيوانية , فكيف امكن ائتلاف هذه العناصر وسيرها جنباً الى جنب في مضمار الوجود مع الفروق العنصرية السحيقة الكائنة في نوعياتها الطبيعية ؟ وكيف تولّد هذا الحب والشوق العظيمين بينها , بينما الحار مضاد للبارد , والرطب لليابس , والهواء مبيد للتراب , والماء يطفئ النار , ومع ذلك نجدها سائرة بنظام دقيق لا يتعداه ولا يتلف بعضها بعضاً . ان هذا الائتلاف نتج على النحو التالي : علمنا ان الهواء حار رطب . تآلف مع النار , وهي حارة يابسة , ومع الماء وهو بارد رطب وهكذا تآلفت حرارة الهواء مع حرارة النار من جهة , ورطوبته مع رطوبة الماء من جهة ثانية , واما التراب فانه بارد يابس , فتآلفت برودته مع برودة الماء ويبوسته مع يبوسة النار , وبهذه الطريقة  تآلفت هذه العناصر المتضادة ونجمت من تآلفها وتمازجها ( المادة ) وعنها نشأ كل ما في الكون تحت هذه القبة الزرقاء وذلك بقدرة الخالق بحكم القادر على كل شيء.

 

وقد أوجد المكون القدير ” شوقا ” طبيعياً بين هذه العناصر المتضادة لكي تأتلف وتتجاوز وتنتج نتائج الوجود العجيبة . وقد شبه الاسقف الرهاوي هذا ” الشوق ” بشوق الكائنات الحية بعضها الى البعض الآخر الأمر الذي منه يستمر وجود الكائنات الحية وذلك بفعل التزاوج والتآلف ولمحافظة الكائن على نوعه العنصري . وذكر انه اعتمد بهذا التعليل على فكرته الخاصة بعد تجارب في الحياة كثيرة .

 

خامساً – ذوبان الاجسام وتكييفها

تذوب بعض الاجسام في أجسام أخرى أو تتكيف بأشكال مختلفة , وذلك اما بتاثيرات طبيعية كالحرارة والبرودة , أو بتأثيرات كيمياوية . فالحرارة والبرودة عاملان مهمان جداً في عمليات التذويب أو عكسها . واذا أذابت الحرارة بعض الاجسام تكون البرودة سبباً لتصليبها والعكس بالعكس . فتاثيرات الحرارة بدرجات مختلفة تكون سبباً لأنواع التذويب والتحليل والتبخير أو بالعكس , وتأثيرات البرودة تكون سبباً لأنواع التصليب والتيبيس أو بالعكس . مثال ذلك , اذا اذابت الحرارة المعادن فالبرودة تصلبها , أما التأثيرات الكيمياوية في عملية التذويب والتصليب فهي كثيرة جداً .

 

ان تأثير الحرارة في الاجسام الرطبة يكون بحالات مختلفة فيكيفها بحسب نسبة رطوبتها فبعض الاجسام الصلبة عندما تطرأ عليها الحرارة بدرجات مختلفة تهيج ذراتها الرطبة فقط وتؤدي الى تبخر الرطوبة أو تصاعد الغازات الكامنة فيها , فمادة التبخر هي الماء , ومادة التصاعد الغازي هي الاجسام الترابية , والبخار ماء ذائب , والغاز جسم أرضي محلل .

 

أما الاجسام الصلبة التي فيها بعض الزيوت المعدنية أو العضوية المتأتية بسهولة كالشمع مثلاً , واذا كانت قوية كبعض الحجارة الكريمة لا تذوب ولا تلين مهما كانت درجة الحرارة قوية , وأما اذا كانت متوسطة الصلابة أو معدنية كالحديد وغيره فان درجة معينة من الحرارة تذيبها ولكن لا تقطع ذراتها عن بعضها , ولا تفرز بخاراً او غازاً . وهناك بعض الحجارة الكريمة ” كيبا اميانطيس ” لا تذوب وحدها من شدة الحرارة مهما كانت قوية , وعندما تدق وتصغر أجزاؤها وتختلط بأجزاء أخرى ذائبة من حجر ” ارمزونيسون ” وتسلط عليها جميعاً حرارة قوية جداً فانها تذوب , والنحاس النقي بدون خلط آخر , يذوب بحرارة قليلة , ويفرز النحاس والفضة غازاً كبريتياً عند ذوبانها بحرارة مناسبة . ولذلك يكون النحاس والفضة أكثر قبولاً للذوبان من جميع المعادن .

 

وأما الاجسام القابلة الاشتعال تفرز غازاً غير رطب ولا بارد , والاجسام التي فيها شيء من الرطوبة والبرودة هي غير قابلة الاشتعال ولا تستحيل الى كتلة ” نارية ” لان الرطوبة تمنع ذلك ، وجل ما تؤثر فيها الحرارة هو ان تسخنها . أما الاجسام اليابسة واللطيفة فاذا كانت يابسة قاسية , أو رطبة غير ذات زيت , فانها لا تحترق ولا تذوب , والجسم الذي يصبح كالجمرة ولا يشتعل يستحيل الى كتلة مضيئة منيرة , بدون ان ينفصل منه شيء لانه صلب جداً وذلك مثل الحجارة , أو يكون رطباً جداً فيفرز غازاً لطيفاً لا يشتعل ولا يذوب , والاجسام التي تحترق ولا تستحيل الى جمرات نارية , فاذا لا يستحيل الى غاز لا يصبح مضيئاً كالزيت . وما يشتعل ويستحيل الى جمر ففيه الوجهان.

 

والجسم الذي يذوب ويسيل , ويحتاج الى برودة جامدة مرافقة باليبوسة , لكن اذا اذيب بواسطة النار أو الحرارة وأصبح سائلاً تبقى ذراته متماسكة , لانها ان لم تبق فانه يستحيل غازاً ولا يمكن تجميره .

الاجسام المركبة , هي أقل رطوبة من الاجسام المحلولة , وكلما لان الجسم وذاب , اذا كيف بالحرارة الزيتية , فبواسطة حرارة قوية تلين صلابته , ويتفسخ جوهره , ثم يذوب , وذلك كالحديد , والنشادر والزرنيخ والملح , فان جميع هذه المـواد , اذا سخنت بالكبـريت او ” الارسهنيقون او الامهنيون او الالقارونيون ” فانها تذوب.

 

ومجمل القول ان معظم الاجسام , فانها تذوب في البرودة أو الرطوبة , وتجمد بالحرارة او اليبوسة , فالاجسام المائية تصلبها البرودة وتذيبها الحرارة , وكل جسم غلبت عليه الرطوبة كالشمع اوالشحم فان الحرارة تذوبه , والبرودة تجمده , وكل جسم غلبت عليه القوة الهوائية كالرغوة وغيرها فان الحرارة تجمده والبرودة تذيبه , فالرغوة تكون من يبوسة هوائية مزيجة من المواد المائية , والحليب يجمد بواسطة التجبن ودم بعض الحيوانات لا يجمد لقلة المواد الكافية للتجمد فيه , وتعرف مفاعيل كل من الحرارة والبرودة من التضاد الكائن بينهما.

 

سادساً- المعادن

في هذه الارض تختفي أنواع كثيرة وضروب من الاجسام المتنوعة وجدت لفائدة الانسان , كالحديد والنحاس , والزنك والرصاص والفضة والذهب والكهرباء واللآلىء والحجارة الكريمة الثمينة كاجزع والعقيق والزبرجد والفيروزج واليشب والبلو والمغناطيس والماس وانواع أخرى كثيرة من الحجارة كالكحل والزرنيخ والشب والمفر والزاج وتوبال النحاس وأنواع أخرى متنوعة وترسبات زيتية تسيل من دهونة الارض , وبعض هذه الامور هي صالحة وضرورة للطب وغيرها لصناعات كثيرة , ولاستعمال البشر كالحناء والقار والكبريت والنفط , والفحم الحجري والحجارة على اختلاف أنواعها تعدّ نوعاً من المعادن لأن مؤثرات كثيرة طرأت عليها حتى كونتها بالشكل الذي نراها عليه.

 

ولتكوين المعادن أسباب طبيعية وكيمياوية كثيرة سنراها في سياق هذا البحث واذا تكاملت المؤثرات على الجسم الفلاني فانه يستحيل من حالة الى حالة جديدة ليتكون منه معدناً من المعادن , وهذا هو عمل الطبيعة في تكيف هذه الكائنات الجامدة وصوغها واخراجها الى حيّز الوجود حاملة طابعاً جديداً وخواص طبيعية جديدة.

 

فتكوين الحجارة عامة يكون على شكلين : الاول بطريقة ( التخزيف الطبيعي ) المتأتي من مؤثرات الحرارة العامة والرطوبة الارضية وتفاعل قوى طبيعية أخرى , فالطين اللزج اذا تعرض لحرارة قوية بدرجة معينة ومرت عليه مدة من الزمن طويلة ومرت عليه تأثيرات طبيعية اخرى يستحيل في حالته الراهنة الى حالة الجماد . والثاني , بطريقة كيميائية , وذلك عند تسرّب ماء مشبع بالمعادن والكلس الى منطقة فيها تراب من نوع خاص , وتطرأ عليه الحرارة من الارض وتمر عليه فترة من الزمن , أو تصادفه برودة شديدة أو حالة كيميائية طبيعية اخرى فانه يستحيل الى جماد , كما يتجمد ماء البحر فيصبح ملحاً .

ويقدم العلامة ابن العبري برهاناً طبيعياً آخر على ذلك وهو تحجر بعض الحيوانات والاشجار في بعض المناطق وذلك بواسطة العوامل الطبيعية وانسكاب بعض الترسبات المعدنية عليها في حالات خاصة , ثم تحجر الترسبات نفسها في بعض المغاور والمناطق المائية بالطريقة نفسها , وهي غير ما نسميه اليوم بالستالكتايت والستالكمايت.

 

وبالطريقة الكيميائية الطبيعية نفسها تتكون الصواعق فتستحيل المواد السابحة في الجو جسماً نارياً يشبه معدناً ويسقط على الارض , ويذهب هذا العالم الى أبعد من ذلك فيقول ان التحجّر يصيب حتى بعض الشرايين الحيوانية فتنتج منه أمراض كيمياوية متأتية من بعض الافرازات في الدم الحيواني كداء النقرس وداء المفاصل أو التهاب المثانة أو حصر البول الأمر الذي يحدث من تحجّر الكريات الدموية من هذه الترسبات الشاذة.

 

ان المادة الاولى والاساسية لجميع المعادن أو القابلة الطرق , أو التي تذوب بالنار هو الزئبق , والدليل البسيط على ذلك عودة هذه المعادن الى سائل يشبهه تماماً , وجميع المعادن التي تذوب بحرارة قوية يحمّر زئبقها , فالرصاص يذوب بحرارة خفيفة , واذا ارتفعت درجة الحرارة عليه , فإن زئبقه يستحيل الى سائل أحمر تبعاً للاحمرار الناري . والدليل الثاني على كون الزئبق المادة الاساسية لهذه المعادن , هو كونه يمتزج بجميعها . ولكن باختلافه واختلاف الكبريت الذي يمتزج فيه يختلف نوع المعدن فتتولّد تبعاً لهذا الاختلاف المعادن الكثيرة لأن جميع هذه المعادن تتكون من الزئبق ممزوجاً بالكبريت.

 

والزئبق نفسه يتكون من مادة مائية ممزوجة بمادة ترابية خاصة لطيفة , ومادته المائية تغلب على مادته الترابية . وتبدو مادته ثقيلة بسبب انعدام المادة النارية فيه . فانعدام المادة النارية وقلة المادة الهوائية فيه تسبب ميوعته ولا سيما كثرة الرطوبة والمادة المائية فيه , واما سبب  بياض لونه , فان التمازج الشديد بين المادة الترابية اللطيفة والمادة الهوائية الخفيفة فضلاً عن قوة تماسك ذراته التي بواسطتها لا تنفصل عن بعضها بعض , ولكنها تغلي متمازجة في الحرارة وسبب هربه من النار اذا ادني منها فان كثرة المادة المائية فيه , والذي يجعله جامداً متماسكاً اكثر هو رائحة الكبريت التي تجعله مثل الرصاص . ولذلك , الرصاص المغلي السائل هو زئبق , والزئبق الجامد هو رصاص.

 

اما كيفية تكوين المعادن من الزئبق فيكون على النحو التالي : من الزئبق النقي , والكبريت الابيض النقي , تخلق الطبيعة الفضة . واذا كان الكبريت أكثر نقاء وأكرم نوعاً وفيه قوة نارية لطيفة , فاذا امتزج بالزئبق النقي فانه يتكون الذهب , واذا كان الكبريت عكراً مشوشاً فيخلق النحاس . واذا كان الزئبق سيئاً غير نقي وفيه مادة ترابية اكثر من الحاجة , ويكون الكبريت ايضاً معكراً فيتولد الحديد . واما تكوين الرصاص فيتكون من امتزاج الزئبق النقي , والكبريت غير النقي , وبما ان فيه مادة هوائية متحدة من المادتين اتحاداً قوياً , فانها تخرج عند اتحادهما وتمازجهما , وعند خروج المادة الهوائية هذه تبعت صوتاً رناناً . والقصدير يتكون من زئبق ممزوج بمادة ترابية ثقيلة , وكبريت غير نقي ضعيف آسن , لذلك يكون رخواً ضعيفاً.

 

والمعادن عامة أربعة انـواع : المعادن الحجرية , المعادن التي تذوب . الكبريتات والاملاح . المعادن الحجرية : كالزاج , والزئبق المدبر ( فوريطس ) والمغنيسيا , وهذه المعادن صلبة متفتتة قابلة للاحتراق ولا تذوب ولا تقبل الطرق , لانها تكونت من مادة مائية قليلة الرطوبة ومن مادة ترابية , الأمر الذي خلق منها مادة شبه مائية , ولذلك لا تذوب معظمها الا بتاثيرات طبيعية وعلى قلة.

 

والمعادن التي تذوب وتقبل الطرق , وان كان بعضها لا يذوب ولا يقبل الطرق , لكنها تلين ولكن بصعوبة ما خلا الماس فانه لا يقبل الطرق ولا يلين , واذا طرقت على سندان الصائغ يغوص فيه , ولا يؤثر فيه الحديد . والمعادن التي تقبل الطرق فانها متكونة من جوهر مائي ممزوج بجوهر ترابي بقوة , ولا تنفصل ذراتها عن بعضها البعض فيتجمد العنصر المائي بالبرودة الشديدة , وتبقى منها بعض الذرات الزيتية غير جامدة منتشرة بين ذراتها , ولذلك يقبل هذا الجسم الطرق فيتمدد أو يذوب.

 

والكبريتات . تتكون من عنصر مائي اختمر بشدة في العنصرين الترابي والهوائي , وفيها عنصر زيتي كثير مختمر بالحرارة , ثم بالبرودة . والشب والنشادر فيهما عنصر مائي اكثر من السابق ولذلك يغلي لا دفعة واحدة , فمادتهما هي غاز مائي حار لطيف ناري تمتزج فيه يبوسة شديدة فتجمده.

 

والاملاح تتكون من عنصر ملحي وكبريت , وذرات حجرية , فالزاج , يتكون من هذه العناصر وفيه شيء قليل من المواد التي تذوب . وتوبال النحاس يتكون من ذوب ملاحة الزاج والكبريت وعندما تستحيل الى عنصر الاجسام القابلة الذوبان تجمده . ولكن اذا امتزج ببعض عنصر الحديد يحمر لونه أو يكتسب لون الزعفران , وذلك مثل توبال النحاس نفسه واذا امتزج فيه بعض عنصر النحاس , فيصبح لونه اخضر .

والمعادن بالنسبة الى قوتها وضعفها تكون , اما صلبة الجوهر , وقابلة للطرق كالحديد والنحاس والفضة والذهب , أو قابلة التفتت كاليواقيت واللآلئ , او ضعيفة الجوهر وقابلة الليونة وحجرية كالزجاج , أو ملحية تذيبها الرطوبة بسهولة كالشب والزرنيخ الاحمر , او دسمية فيها مادة زيتية كثيرة , ولا تذوب بالرطوبة بسهولة كالكبريت والنشادر.

 

وأهم المعادن عند علماء الطبيعة هي سبعة وقد درسوها كما يلي

 

أولاً – الذهب

 يتكون الذهب في بيئة ترابية طيبة , والهواء النقي , وحيث تكون حرارة الشمس غالبة , ونضج فيها الكبريت النقي ممتزجاً مع الزئبق الطاهر , فاذا كان الكبريت أقل نسبة من الزئبق يكون الذهب المتكون منهما ابريزاً احمر , واذا كانت حرارته قليلة يتكون ذهبه اخضر ليناً , واذا امتزج فيه شيء من النحاس يتكون قوياً صلباً .

 

ثانياً – الفضة

 تكون الفضة في بيئة ترابية نقية ايضاً , والهواء المناسب , وتكون حرارته غالبة على الاولى , اما معدن الفضة فانه طيب كالذهب الا انه يختلف عنه بلونه وثقله , وهو أقل منه حرارة .

 

ثالثاً – النحاس

يتكون في بيئة جافة تغلب عليها الحرارة , ويكون الكبريت فيه اكثر صلابة وحرارة , فاذا امتزج فيه الكبريت حينئذٍ يستحيل الى نحاس احمر , وفي النحاس ايضاً انواع مختلفة بحسب الامتزاج والبيئة.

 

رابعاً – القصدير

يتكون القصدير في بيئة ترابية اكثر برودة ورطوبة من الاولى , ويكون الكبريت الذي يتكون منه قليل الحرارة ابيض , فاذا امتزج فيه الزئبق , يتكون منه القصدير الابيض , وهو من الاجسام الرخوة .

 

خامساً – الرصاص

 في بيئة ترابية رديئة , وهواء رديء تمتزج فيه غازات ثقيلة مشبعة بمواد رديئة كثيرة , فالكبريت الذي يطبخ وينضج في مثل هذه البيئة الرديئة الثقيلة فاذا امتزج فيها الزئبق تحيله الى رصاص اسود , ويسمى الفضة المجزومة , ويشبه بالاجسام الحيوانية الرديئة الصحة والتكوين فتضرب بالجزام .

 

سادساً – الحديد

ان البيئة الجبلية التي تكثر فيها البرودة واليبوسة , وتكون الابخرة المتصاعدة من اجواف الارض باردة يابسة , فالكبريت الذي في مثل هذه البيئة اذا امتزج بالزئبق يتكون من الحديد وفيه انواع كثيرة ايضاً كالحديد الصلب , والحديد اللين , والحديد الهندي المسمى الفولاذ . وتوجد انواع مختلفة في جميع المعادن , الذهب والفضة والنحاس والقصدير , والرصاص والحديد , وذلك ناتجمن كيفية تمازج الكبريت بالزئبق والتربة والبيئة والهواء والابخرة المتصاعدة من أجواف الارض.

 

 سابعاً – الكهرباء

المعدن الذي يسمى ” الكهرباء ” هو جسم مركب تارةً من الذهب والفضة , وطوراً من معادن اخرى ثمينة مثلها وهي تشبه معدن الجسم البشري مثلاً حيث تتحد العناصر في هذا الجسم الواحد بينما يحتفظ كل عنصر كيانه الخاص سلفاً . وأما الحجارة الكريمة فتكوينها ايضاً يشبه المعادن ولكن تختلف عنها التربة والحرارة والغازات المتصاعدة من جوف الارض الامور التي تتفاعل تفاعلاً طبيعياً وتنتج هذه الاجسام الثمينة . وهي نوعان اساسيان الحجارة الكريمة المعدنية , وهذه تتّبع في تكوينها الطريقة الطبيعية المذكورة , والحجارة الكريمة الحيوانية , وهذه تتكون حول بعض الحيوانات البحرية كالمرجان وغيره .

 

سابعاً – الذرة

” الذرة ” هي الاكتشاف العلمي الحديث الذي شغل فكر الانسان في هذا العصر , فهل خلقت نعمة للانسان أو وجدت نقمة للقضاء على المدنية البشرية ؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام القليلة القادمة , الا ان الانسان فكر في الذرة منذ عصور المدنية الاولى , ولكنه لم يستطع  ان ينتهج منها خيراً او شراً الى سنة 1945 حيث انجلى امـرها كسلاح رهيب يقضي على مدينة بكاملها.

 

درس علماء الطبيعة دقائق الكون , وعندما بلغوا بدراستهم ما يسمى ” الجسم ” وقفوا يفكرون بأجزائه فقرر علماء اليونان قديماً ان  ” الجسم ” يتكون من ” ذرات ” ولكن هذه الذرات كائنات دقيقة لا يمكن تجزأتها . وبقي العالم الطبيعي يدرس هذا العلم معتمداً على دراسات الفلاسفة القدماء , معتقداً ان ” ذرة ” الجسم لا يمكن تجزأتها ومن اجتماع ذرات كثيرة وتلاصقها تتكون جميع الاجسام المادية , الا اننا نلحظ في القرن الثالث عشر بادرة هامة جديدة في حقل هذا العلم اذ اعلن العلامة ابن العبري غير وجل ولا هياب ان ” الذرة ” التي يتكون منها الجسم لا يمكن الا تتجزأ وأعطانا براهين عقلية مبنية على العلم والتجربة . وقد عقد ثلاثة فصول منافية في كتابه الجليل ” زبدة الحكم ” معالجاً موضوع تجزئة ” الذرة ” أو كما يعبر المعنيون في هذا العلم اليوم بتحطيمها.

 

ولما لم يكن هناك طرق عملية لاختيار هذه الناحية الهامة كان لا بد للعلماء من الاعتماد على الشروح العقلية فجاءت البحوث في هذا الموضوع نظرية صرفة , ومع ذلك فقط توصل هذا العالم الجليل الى قلب هذه الحقيقة العلمية , فقدم لنا براهينه بصورة منطقية بحسب الطريقة التي كانت متبعة عندهم . يورد هذا العالم الجليل رأي العلماء القدامى في قضية عدمامكان تجزاة ” الذرة ” بالقوة أو بالفعل بحسب التعبير الفلسفي القديم  ثم يتصدر للرد عليهم بالطريقة المنطقية نفسها وهذا برهانه .

 

” لو كان هناك ” ذرة ” لا تتجزأ لكان أحد الامرين , اما ان لا يمكن ان تتحد معها ذرة اخرى واما يمكن , ولو لم يكن ممكناً لما شاهدنا ضخامة وحجوماً كبيرة في الاجسام , وذلك محال . واذا يمكن , يحدث ايضاً احد الأمرين , اما تداخل الذرات بعضها في بعض , واما لا , واذا تداخلت هذه الذرات بعضها في بعض , لما امكن ايضاً وجود الاجسام الكبيرة في المادة ولكان حجم السماء – او الارض – كحجم البيضة , وهذا محال , واذا امكن عدم تداخلها بعضها في بعض لأصبح لكل ” ذرة ” جانبان فتلتقي باحدهما بالتي تليها , وبالتالي لا تلتقي , ولكل جسم له جانبان فيقسم الى اثنين , فليس اذاً ” ذرة ” لا تتجزأ “.

ويدرس عالمنا الفاضل تجزأة الذرة او تحطيمها بأربع نظريات اخرى او اكثر , وكلها تسير طبقاً للطرق المنطقية المعروفة في الفلسفة القديمة فيؤيدها من الوجهة النظرية تأييداً كاملاً بحيث لم يترك مزيداً لمستزيد , الا اننا نلحظ في النظرية الثالثة في الفصل نفسه بادرة هامة في حقل دراسة ” الذرة ” فيتكلم عن وجود اجسام كروية متحركة حركة دائرية في داخل ” الذرة ” كأني به شاهدها بالطرق العلمية الحديثة.

واذا أردنا دراسة التجزأة الذرية في دراسات هذا العالم العبقري , لا نراها بعيدة عن التحطيم ” الذري ” الذي يقول به الآن علماء الطبيعة , اما عن ” القوة ” الكامنة في ” الذرة ” والتي يمكن استخدامها لاغراض بشرية كثيرة كما هو راهن الآن , فلم يكن معروفاً لدى علماء العصر , الا انهم عرفوا ان قوة تنبثق من بعض الاجسام المعدنية وتسبب انطلاقات تشبه ما عرفه الآن علماء الذرة , الا ان الفكرة كانت في طي التبلور.