المصادر الاولى عن دير مارون

Posted by on Aug 16, 2012 in Library, الموارنة في التاريخ - الدكتور متي موسى, الموارنة في التاريخ -2 | Comments Off on المصادر الاولى عن دير مارون

4

    رأينا حتى الآن أن أقدم مرجع يحدد هوية ناسك القرن الخامس مارون هو ثيودوريطس أسقف قورش . إلا أن ثيودوريطس لم يذكر أن مارون هذا أو أياً من اتباعه قد بنوا ديراً باسمه . كما رأينا أيضاً أن جهود الكتّاب الهادفة إلى إرجاع تاريخ دير مارون إلى القرن الخامس هي مجرد تكهنات . إلا أن لدينا ثلاث وثائق تاريخية تُـشير إلى دير باسم مارون في سورية الجنوبية . أقدم هذه الوثائق هي وثيقة بطريرك أنطاكية السرياني ديونيسيوس التلمحري (ت 845) ؛ أما الثانية فهي وثيقة سعيد ابن بطريق (ت 941) ، بطريرك الاسكندرية الخلقيدوني أو الملكي ؛ والثالثة ، هي وثيقة المؤرخ العربي أبي الحسن المسعودي (ت 956) . وبينما تختلف شهادات هؤلاء الثلاثة الواحدة عن الأخرى بدرجات متفاوتة ، إلا أنها تشترك في امر واحد ً وهو أنها جميعاً تـشير إلى دير باسم مارون ذي صلة بعقيدة المشيئة الواحدة في المسيح (المونوثيلية) ، والتي فرضها الإمبراطور البيزنطي هرقل (ت 641) في سورية كوسيلة لمصالحة الخلقيدونيين مع المناوئين لهم من أجل الحفاظ على كيان الإمبراطورية ووحدتها.

 

    يقول التلمحري أن هرقل زار مدينة الرها (اورفة حالياً في تركيا) عام 628 ، بعد أن أخرج الفرس من سورية . كانت هذه المدينة مركزاً للمسيحية السريانية يقطنها في الغالب مناوئون للخلقيدونية أو “مونوفيزيون” يدينون بعقيدة الطبيعة الواحدة . وبما انه كان خلقيدونياً فقد أراد الإمبراطور أن يستميل هؤلاء الناس للاتحاد بالخلقيدونيين . وفي أحد أيام الاحتفالات حضر الإمبراطور القداس في الكاتدرائية السريانية في المدينة إلاّ أن الأسقف اشعيا الذي كان يحتفل بالقداس رفض مناولته القربان ما لم ينبذ نبذاً قاطعاً مجمع خلقيدونية ويحرم طومس لاون (البابا لاون الأول (440 ـ 461) . مما أثار حنق الإمبراطور فطرد الأسقف من الكاتدرائية وسلّمها إلى جماعة الخلقيدونيين.

 

    وفي سنة 629 قام الإمبراطور بزيارة مدينة منبج (حالياً في سورية) حيث التقى ببطريرك أنطاكية السرياني ، أثناسيوس (المعروف بالجمّال ، ت 631) واثني عشر أسقفاً من أساقفته لمناقشة مسائل تتعلق بالإيمان  . كان الإمبراطور قد كتب قبل ذلك إلى البطريرك بشأن المسائل العقائدية وتلقى جواباً منه  ، إلا أن الامبراطور وجد من الأنسب أن يلتقي بالبطريرك وأساقفته شخصيا ً . وكان يأمل ان يقنعهم بأن صيغة الإيمان الجديدة التي ارادها هي ، بأن في المسيح طبيعتين متحدتين بمشيئة واحدة منسجمة مع عقيدة القديس كيرلس الاسكندري . وبعد اثني عشر يوماً من الجدل ، رفض البطريرك وأساقفته صيغة الإيمان التي طرحها الإمبراطور بحجة أنها لم تكن تختلف عن صيغة نسطور (طبيعتان منفصلتان وشخصان منفصلان في المسيح) أو عن صيغة لاون (طبيعتان في المسيح متحدتان في شخص واحد ، لكن مع بقائهما منفصلتين بعد اتحادهما) وهي نفس صيغة الايمان التي حددها مجمع خلقيدونية . كان رد فعل الإمبراطور على هذا الرفض رداً غاضباً حيث أصدر أوامر بجدع أنف وقطع أذني أيِّ امرئ يرفض إيمان خلقيدونية ونهب بيته . وهكذا بدأ التنكيل بالسريان (اصحاب عقيدة الطبيعة الواحدة) المناوئين لمجمع خلقيدونية بشكل جاد مما نجم عنه كما يقول التلمحري ” قبول العديد من الرهبان مجمع خلقيدونية ومنهم رهبان بيت مارون (دير مارون) وكذلك أهالي منبج وحمص وغالبية سكان سورية الجنوبية مظهرين البطش واستولوا على العديد من كنائسنا وأديرتنا ” .

 

    هذه بالتأكيد ، المرة الأولى التي يُـشير فيها مؤرخ قديم إلى دير مارون ؛ إلا أن التلمحري لا يحدد هوية دير مارون هذا أو موقعه . ومن الممكن أن نستنتج بأنه كان يقصد ديراً بهذا الاسم في سورية الجنوبية ، مع أن هذا غير واضح في قوله . وما هو اكثر اهمية أن اسم دير مارون يظهر لأول مرة في عهد الإمبراطور هرقل في النصف الأول من القرن السابع وفي سياق خاص جداً ـ وهو المونوثيلية . لكن هذا لا يحل المشكلة القائمة وهي ان هذا الدير هو نفس الدير الذي يزعم الموارنة وجوده منذ أواسط القرن الخامس.

 

    اما الوثيقة الثانية التي تلقي الضوء على هوية دير مارون فترجع الى مؤرخ القرن العاشر سعيد ابن بطريق ، بطريرك الاسكندرية الملكي . فقد كتب تاريخاً مطولاً يضم شؤوناً كنسية وعلمانية حتى عام 938 . يُـشير ابن بطريق ، على غرار التلمحري ، إلى دير مارون في اطار ارتباطه بعقيدة المونوثيلية ، إلا أنه خلافاً للتلحمري يرجع تاريخ هذه العلاقة إلى عهد الإمبراطور موريس (582 ـ 602) ، الذي جاء قبل هرقل الى الحكم . فضلاً عن ذلك ، في الوقت الذي لا يذكر فيه التلمحري شيئاً عن موقع دير مارون ، فإن ابن بطريق يبيّن بأن أهالي حماه الذين تبعوا مارون بنوا ديراً في مدينتهم اطلقوا اسمه عليه . المشكلة هي اذن أن مارون هذا الذي يتحدث عنه ابن بطريق  لا يمكن أن يكون نفس الناسك الذي وصفه تيودوريطس أسقف قورش في القرن الخامس ، ولا يمكن أن يكون الدير هو نفس الدير الذي يدَّعي الكتّاب الموارنة بأن اتباع مارون الناسك قد بنوه بين حمص وحماه . فهذا يتناقض بالتأكيد مع الرواية المتأخرة جداً التي رواها أبو الفداء الذي قال بأن دير مارون بناه الإمبراطور البيزنطي مرقيان عام 452 . والمقصود هو أن ابن بطريق يواجهنا بافتراضين جديدين هما: وجود مارون مغاير مونوثيلي الإيمان توفي في زمن الإمبراطور موريس وقيام دير يحمل اسم مارون خلال هذه الفترة .

 

    المشكلة الظاهرة في شهادة ابن بطريق هي أنه لا يذكر اسم مرجعه . ولكنه من غير الممكن أن يكون قد حاكى كتابة التلمحري لأن روايته تختلف تماماً عن رواية الأخير ، مع أن الاثنين يتـفقان على ربط دير مارون ورهبانه بالمونوثيلية . ولكن من هو مارون هذا الذي يتحدث عنه ابن بطريق وهل هو مونوثيلي؟ واذا كان كذلك فانه يجب اعتباره بالنسبة لما يدعيه الموارنة المعاصرين هرطوقياً بكل صراحة .

    يرى بعض الكتّاب الموارنة أن مارون هذا الذي يتحدث عنه ابن بطريق كان راهباً نسطورياً عاش في الرها في عهد الإمبراطور البيزنطي موريس وكان أستاذاً للعقيدة المونوثيلية . ويقيمون دليلهم على المقالات التي كتبها بطريرك أنطاكية الخلقيدوني ، انستاسيوس (559 ـ 570) ، في تفنيد عقيدة المونوثيلية التي علَّمها هذا الراهب النسطوري . ويرى الكاهنان المارونيان ، برناردو غبيرة الغزيري وميخائيل شبابي أن مارون هذا كان المبتكر ” للهرطقة ” المونوثيلية التي نشرها بين الموارنة ابتداء برهبان دير مارون ، ومن هناك تسربت إلى سورية وتوقفت فجأة عند لبنان  . ويجادل هذان الكاهنان بالقول أن موارنة لبنان لم يتأثروا بالعقيدة المونوثيلية بالرغم من انتشارها في شرق سورية وخاصة في الرها . إلاّ أن رأي الغزيري وشبابي لا يحل مشكلة هوية دير مارون ورهبانه بل كل ما يفعله أنه يُعقد المشكلة وذلك بإدخال مارون آخر وهو راهب نسطوري ومونوثيلي . هذا ما يؤيد رأينا السابق بوجود العديد من النسّاك الذين يحملون اسم مارون ويعيشون في سورية وبأن مارون الذي يدَّعي الموارنة بأنه مارونهم يمكن أن يكون أي واحد منهم . فضلاً عن ذلك ، ليس هناك من دليل بأن هذا الراهب النسطوري سبق له أن نشر الهرطقة المونوثيلية في سورية وبأن رهبان دير مارون قد اعتـنقوها . نحن نعلم أن المونوثيلية كعقيدة لاهوتية مميزة ظهرت في النصف الأول من القرن السابع ، بينما كان هذا النسطوري راهباً من القرن السادس ، وكان ، على غرار البطريرك الخلقيدوني ، أنستاسيوس ، وهو أول من أشار إليه كمونوثيلي ، معاصراً للإمبراطور موريس . ان رهبان دير مارون لم يتبنوا المونوثيليةحتى عهد الإمبراطور هرقل . لذا ، فإن الادعاء ، كما يقول الغزيري وشبابي ، بأن هذا الراهب النسطوري المدعو مارون قد نشر المونوثيلية في سورية ، وبأن رهبان دير مارون اعتنقوا هذه العقيدة بالتالي ، هو محض هراء . هذا ما أدّى ببعض الكتّاب ، الذين لا معرفة لهم بالحقائق ، إلى استخلاص نتائج خاطئة بأن ابـن بطـريق لم يكن يُشير إلى يوحنا مارون ، بل إلى راهب القرن السـادس النسـطوري مارون الرهاوي  . والحقيقة هي ان ابن بطريق كان يعني بالفعل يوحنا مارون ، الذي يُعتـقد بأنه توفي عام 707 ، وهو الذي يدَّعي الموارنة بأنه رئيس دير مارون وأول بطريرك لهم . من البديهي لو أن ابن بطريق كان يعني بمارون الراهب النسطوري من الرها لقال ذلك ، لكنه لم يفعل ذلك . وحيث أنه كان عالماً متبحراً عارفاً بمثل هذه المسائل ، يمكننا أن نستنتج بأنه كان يعني يوحنا مارون من أواخر القرن السابع.

 

    من العبث الخوض في الجدل ، كما فعل المطران الماروني يوسف الدبس ، بادعائه بأن ابن بطريق نسب اسم (موارنة) إلى شخص هرطوقي مدفوعاً ” بالحسد والخبث ”  . يصّر الدبس على أن ابن بطريق كان على خطأ ليس بقوله ، بان دير مارون سُمي باسم الناسك القديس مارون لا باسم يوحنا مارون فحسب ، بل لأن المونوثيلية بدأت في القسطنطينية عام 628 ، لا بل قبل ذلك التاريخ ، وينتهي إلى القول بأن رواية ابن بطريق هي “اختلاق قذر”  . لا مشاحة أن ابن بطريق ، وهو بطريرك الاسكندرية الخلقيدوني كان على علم بالجماعات المسيحية في سورية ، ولا بد أن كتابه كان معروفاً لدى الناس والعلماء من الطوائف الأخرى وخاصة أقباط مصر المناوئين للخلقيدونية والنسطرة . كما انه من المعلوم بأن سويريوس بن المقفع ، وهو أسقف الأشمونيين القبطي في القرن العاشر ، كان قد كتب مقالة يفند فيها مؤلفات ابن بطريق فيما يتعلق بالعقيدة المسيحية  . هذا ما يدل على أن ابن بطريق كان بدون شك على دراية تامة بالأوجه المختلفة للعقيدة التي اعتنقتها الطـوائف المسيحية . وبناء عليه فانه من غير المحتمل أن يكون ابن بطريق قد أخطأ في نسب المونوثيلية إلى الموارنة  .

    من المؤسف حقاً أن ابن بطريق ، وهو أول من ذكر أن دير مارون بناه أهالي حماة في زمن الإمبراطور موريس ، لم يُـشر إلى مرجعه . واذا عدنا إلى تاريخ التلمحري ، لما وجدنا فيه ذكراً لبناء دير مارون أو لموقعه . ولكن بما أن التلمحري يُرجع مناصرة رهبان ذلك الدير للمونوثيلية إلى الفترة المبكرة من عهد الإمبراطور هرقل ، فإن بمقدورنا أن نستـنتج بوثوق بأن الدير الذي يتكلم عنه ابن بطريق هو نفس الدير الذي أشار إليه التلمحري ، ما خلا أن رهبانه اعتنقوا المونوثيلية في عهد هرقل لا في عهد موريس . كما ان المرء لا يمكنه ان يتغاضى عن أقوال ابن بطريق سيما وأن الدليل يُـشير إلى وجود مارون ثان يحمل اسم يوحنا والذي يدَّعي الموارنة أنفسهم أنه كان بطريركهم ، لكنهم يبرئونه من المونوثيلية.

 

    مازال في حوزتنا دليل آخر لا يلقي الضوء على الانتماءات الدينية لمارون الذي يُـشير إليه ابن بطريق فحسب بل يعين موقع الدير الذي يحمل هذا الاسم بالضبط . ويقدم هذا الدليل مؤرخ القرن العاشر أبو الحسن المسعودي . يقول المسعودي في كتابه: التنبيه والإشراف أن احد أهالي حماه ، اسمه مارون كان له اتباع (موارنة مسيحيون) في عهد الإمبراطور موريس . وأنه كان هناك دير عظيم سُمي باسمه يقع إلى الشرق من مدينتي حماه وشيزر . إلا أن هذا الدير ، الذي احتوى يوماً ما ثلاثمائة صومعة ، وكان غنياً جدا ً ، قد هُدم أخيراً بسبب الغزوات المتتابعة التي قام بها البدو المتمردون وبسبب طغيان السلطان . اما فيما يتعلق بالمعتقد الديني لمارون هذا ، فيقول المسعودي بأن آراء مارون المتعلقة بمشيئة المسيح والمسائل العقائدية الأخرى ميزته عن بعض آخر من مسيحيين . فقد اعتقد مارون هذا بأنه كانت للمسيح طبيعتان متّحدتان في شخص واحد ومشيئة واحدة ، وهذا الاعتقاد ، كما يقول المسعودي ، هو المنتصف ما بين النساطرة  ، الذين آمنوا بوجود طبيعتين وشخصين في المسيح ، والملكيين الذين تمسكوا بأن طبيعتي المسيح كانتا متحدتين في شخص واحد  ، ومع ذلك فقط بقيتا منفصلتين بعد اتحادهما بالاتفاق مع تعريف الإيمان الذي وضعه مجمع خلقيدونية .

 

    أول ما يسترعي الانتباه حول رواية المسعودي هو مشابهتها لرواية ابن بطريق ؛ وسبب ذلك هو أن المسعودي كان قد شهد تاريخ ابن بطريق وقرأه في مصر  . إلا أن المسعودي يختلف عن ابن بطريق لكونه رحالةً زار على الأرجح آثار دير مارون . فالمسعودي لا يقول شيئاً عن بناء هذا الدير  . لكنه يعيّن ، كما فعل ابن بطريق ، ان تأسيسه كان في عهد الإمبراطور موريس ويربط نشوء المونوثيلية به . والاهم من ذلك ان المسعودي يعيّن موقع هذا الدير بالضبط إلى الشرق من حماة وشيزر (حالياً شيجر) قرب نهر العاصي . هنا لا يوجد تناقض بينه وبين ابن بطريق ، الذي يستدل من قوله بأن دير مارون بني في حماه ، أو بجوار تلك المدينة . إلا أن المشكلة تبقى قائمة بالنسبة لمن بنى هذا الدير ومتى تمّ ذلك . وكما اوردنا سابقاً فان اتباع ناسك القرن الخامس مارون لم يبنوا أبداً ديراً باسمه . واذا استبعدنا قول ابن بطريق بأن أهالي حماه كانوا الذين بنوا هذا الدير ، واستبعدنا أيضاً القول اللاحق بزمن طويل لأبي الفداء بأن مرقيان بنى هذا الدير ، يبقى السؤالان مطـروحان : من بناه ؟ ومتى تمّ بناؤه ؟

 

    إن الحقيقة الوحيدة التي نستقرؤها من ابن بطريق والمسعودي هي أنهما يتـفقان على أن دير مارون ظهر لأول مرة في السجلات التاريخية قبيل نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع . كما أنهما يتـفقان بأن رهبان دير مارون تبنوا عقيدة المشيئة الواحدة في المسيح (المونوثيلية) ، وأن رئيس ديرهم ، يوحنا مارون أصبح مونوثيلياً ونشر هذا التعليم في البلدان المجاورة ، وأن العديد من اهالي حمص وحماه وشيزر ومعرّة النعمان فضلاً عن العديد من اليونان (البيزنطيين) ، تبعوا مارون هذا وأصبحوا من اصحابه . هذا ما يتفق ايضاً مع التلمحري الذي يقول بأن رهبان دير مارون ، بعد اعتناقهم المونوثيلية على الشكل الذي اذاعه الإمبراطور هرقل ، قبلوا مجمع خلقيدونية . بالإضافة إلى ذلك قبل العديد من الناس في سورية الجنوبية هذا المجمع واستولوا على العديد من الكنائس والأديرة التي كانت تابعة للكنيسة السريانية .

 

    والأكثر أهمية في الأمر هو عدم وجود دليل على قيام أي كاتب قديم بربط هذا الدير يوماً بناسك من القـرن الخامس أو الادعاء بمعرفة تاريخ تأسيس هذا الديـر . وهنا يبدو فشـل الأب هنري لامنس ، الذي بذل جهداً كبيراً من أجل إثبات هـوية دير مارون ، وتحديد هوية مؤسسه بخصوص موقع هذا الدير . إن الأب لامنس يعتمد على نفس المراجع التي تمَّ ذكرها ، وخاصة المسعودي ، ويختتم بالقول أن دير مارون كان يقع في سورية الجنوبية على بعد مسافة قصيرة إلى الشمال من حماه . إلاّ أنه غير واثق بالسبب الذي دعا إلى تسمية الدير بدير مارون ، وهو ما يبدو بوضوح مدى تهافت المصادر المتوفرة بشأن هذه القضية.

 

    يمكننا أن نخلض الى القول ، بأنه كان يوجد في سورية ، قبيل نهاية القرن السادس أو بداية القرن السابع ، أكثر من دير واحد يحمل اسم مارون . أحدهما يقع في مدينة حماه أو قرب حماه وشيزر . وقد اصاب هذا الدير الانتباه عندما تبنى رهبانه المونوثيلية في عهد الإمبراطور هرقل في أوائل القرن السابع . كان رئيس هذا الدير يُدعى يوحنا ، وصار مونوثيلياً مع العديد من الاتباع في سورية مما أدّى إلى الانتشار البطيء للمونوثيلية في لبنان . وبما انه كان يدعى يوحنا مارون فان اتباعه اصبحوا يعرفون بالموارنة . أما علاقة هذا الدير بناسك القرن الخامس مارون فهو أمر عظيم الشك . بل ان ما هو اكثر مدعاة للشك أن يكون هذا الدير من اهم الأديرة في سورية أو أن يكون قد لعب دوراً بارزاً في الدفاع عن عقيدة طبيعتي المسيح المتحدتين في شخص واحد ، كما عرَّفها مجمع خلقيدونية . فمن المعروف تاريخياً ان هذا  الدير تبنى هذه العقيدة في أوائل القرن السابع حسب صيغة الإمبراطور هرقل المونوثيلية.