27
بعد هذا العرض التاريخي لأصول الموارنة كنيسة وشعباً نخلص الى النتائج التالية وهي : ان الموارنة كانوا في الأصل رهباناً يقطنون ديراً مبنى على ضفاف نهر العاصي باسم مارون أحد نسّاك القرن الخامس . ولكن هوية هذا الدير غير محددة حيث وُجد أكثر من دير واحد يحمل اسم مارون . ومهما كان التاريخ غافلاً عن فعاليّات رهبان هذا الدير حتى أوائل القـرن السابع فهناك ما يدلّ على ان هؤلاء الرهبان كانوا خاضعين لسلطة البطريرك الانطاكي.
أمّا إدّعاء الكتّاب الموارنة المعاصرون بأن أصول كنيستهم وطائفتهم تعود الى رهبان هذا الدير في منتتصف القرن الخامس حيث تمسكوا بعقيدة مجمع خلقيدونية الذي انعقد عام 451 م ، ولهذا كانوا متّحدين بكنيسة روما التي تمسكت بنفس عقيدة هذا المجمع هو ادعاء لا أساس له من الصحة التاريخية . بل ان ادعاء الكتّاب الموارنة بأنهم كانوا خلقيدونيين لأن البطريرك الانطاكي سويريوس ( ت 538 ) المناهض لمجمع خلقيدونية تسبب في قتل 350 راهباً مارونياً كانوا في طريقهم الى صومعة القديس سمعان العمودي بمهمة كنسية هو بدوره ادعاء لا صحة تاريخية له .
والحقيقة التاريخية هي ان رهبان دير مارون تبعوا مقالة الامبراطور البيزنطي هرقل في الربع الاول من القرن السابع في المشيئة الواحدة للسيد المسيح والتي رفضها عموم الكنيسة في سوريا ممّا اثار غضب الامبراطور على هؤلاء وسلّم كنائسهم واديرتهم الى رهبان دير مارون وبذلك اصبحوا جماعة مستقلّة عن بقية السـريان . ولكنهم لم يصبحوا طائفة ذات كيان كنسي حتى القرن السابع لا بل القرن الثامن الميلادي .
ونخلص ايصاً الى نتائج اخرى حول عدّة ادعاءات إضافية لم يزل الكتّاب الموارنة يرددونها والتي تفتقر الى براهين تاريخية . من هذه الادعاءات ان الموارنة هم أحفاد أقوام تسمى بالمردة أو الجراجمة الذين استخدمهم البيزنطيون لمحاربة العرب . وان البطريركية المارونية هي بطريركية انطاكية الاصلية بالرغم من ان المصادر الكنسية والتاريخية لا تذكر شيئاً عن بطاركة الموارنة قبل القرن الثالث عشر .
والخلاصة ان الموارنة هم سريان آراميون وانهم انسلخوا عن الكنيسة السريانية الانطاكية في اوائل القرن السابع . وحتى اليوم فان طقوسهم وخدمة قداسهم هي نفس طقوس الكنيسة السريانية الارثودكسية أو ” يعاقبة ” . واكبر دليل على ذلك ان كنيسة روما منذ القرن الثالث عشر لم تعرف شيئاً عن هوية الموارنة ولم تصدق ما كتبه بعض الطلبة الموارنة الذين التحقوا بمدرسة الموارنة في روما عام 1585 . لذلك ارسل عدة باباوات ارساليات الى الموارنة لكي يتعرفوا على صحة إيمانهم وقد شـهد هؤلاء المرسلون بأن كتب الموارنة التي اطّلعوا عليها هي كتب ” اليعاقبة ” ولذلك أمر جان باتيستا اليانو بتكفيرها واحراقها . ومن ثم بدأت كنيسة روما بتحويل الكنيسة المارونية الى كنيسة لاتينية . ولم يتم هذا التحويل حتى سنة 1596 في مجمع قنوبين المنعقد برئاسة جيروم دنديني حيث أُخضعت الكنيسة المارونية أخيراُ الى سلطة كنيسة روما وأصبحت كنيسة كاثوليكية لاتينية .
واخيراُ يخلص المؤلف الى الرأي بأن معظم مشاكل الموارنة في الوقت الحاضر صادرة عن فقدان هويتهم السريانية ” اليعقوبية ” الاصلية وتشبثهم بهويات تفتقر الى الأسس التاريخي.