الفصل الثلاثون
في نهاية تموز سنة 1914 نشبت الحرب العالمية الاولى ، بين انكلترا وفرنسا وايطاليا وروسيا ، ثم اميركا من جهة ، والمانيا وتركيا العثمانية من جهة ثانية . وتلبدت غيوم المحن والمصائب رويدا رويدا ، وارتجت المسكونة كلها وخاصة الشرق الاوسط .
ثارت الضغائن التركية على الارمن ، فاضرمت نار اضطهاد عنيف على جميع المسيحيين في الشرق ، وشملت بدليس ووان ومعمورة العزيزة وآمد (ديار بكر) وارزروم وسيواس واشتد اوارها سنة 1915 فدمر السريان في نواحي ديار بكر بصورة خاصة وقتل الاتراك والاكراد الالوف الكثيرة كما استاقوا سبيا ألوفا اخرى غيرها . وامتدت النار الى طور عبدين الذي قاسى ضربات قاصمة مؤلمة . ففي من قتل في هذه المنطقة القس افرام سفر المذياتي المعتمد في مذيات ، وابراهيم المعتمد في سعرت ، واستشهد اسطيفان الراهب القسيس المذياتي المعتمد في نصيبين ، وهو من رهبنة دير مار ابراهيم في الخامسة والخمسين من عمره ، قطعت يداه ورجلاه ، وعذب بصنوف الاعذبة حتى قطع رأسه ، والراهب آدم الكفري الحبيس الفاضل الذي سلخ جلده وهو حي وسملوا عينيه بحديد محمى بالنار ، والقس شمعون كاهن كنيسة دفنة الذي سلخ جلده ايضا ، والقس داود كاهن كنائس براقة ، ، والقسس ابراهيم ، وتوما ، ومسعود كهنة قلث والربان عبد اللـه الراهب . وقسيس دير الصليب في قرية عطافية . والرهبان الكهنة في دير مار قرياقس في البشرية ، وهم: يوسف ، وجوريار ، وكيوركيس ، وتوما ، ويشوع ، والربان سمعان معتمد المنطقة ، ومعهم ايضا قسس كنيستي قره باش والكعبية ، المجاورتين لآمد ، والخوري موسى ، والربان نوح الراهب واستشهد ايضا المطران اثناسيوس دنحا من آل رومي النحلي ، مطران ابرشية سويرك ، وجرجس الذي خدم الاسقفية 33 سنة وعاش 79 سنة ، وكان شيخا فاضلا تقيا . ومقتله حدث ، اذ هاجم الاكراد مدينة سويرك وكبدوها المصائب الفادحة ، فالقى القبض على المطران ليلا وعذب تعذيبا رهيبا حتى فاضت روحه الطاهرة ، تحت سياط التعذيب . وقال البعض انهم سحقوا رأسه بحجرة كبيرة !! وقتل معه قسيسان يعقوب ويوسف ، وكان هذا الاخير شابا هماما ذا ادب وعلم ومحق الظلمة ستين بيتا بما فيها وبمن فيها !!
ان المحن العظيمة التي تكبدها ابناء الكنيسة السريانية في جميع هذه الاقطار ، يتوقف قلم البليغ عن وصفها والاطاحة بها ، اذ فقدت الالوف الكثيرة من خيرة ابنائها وبناتها ، ودمرت مئات الكنائس والاديرة ، والقرى والمزارع ، حتى ابيدت قرى لا تحصى ، ولكها كانت آهلة بابناء الكنيسة السريانية .
وفي من قتل المطران انتيموس يعقوب الاسفسي مطران دير الصليب ، وهو ابن اثنين واربعين سنة ، وفي عنفوان القوة ، ومعه كثير من القسس والرهبان والعلمانيين في قرية كربوران ، وبعد ان عذب المطران تعذيبا مبرحا قطع رأسه ، فراح الى ربه شهيدا .
بعد هذه الويلات والاهوال والمحن ، تفشى الوباء في كافة انحاء طور عبدين . فمات فيه الكثيرون من فضلات السيوف . وممن مات في الوباء ، عبد الاحد مسى الكفرزي الناسك ، واثناسيوس افرام اسقف دير قرتمين ، وقورلس جبرائيل النحلي الاسقف ، وكثير من الرهبان والقسس والعلمانيين ، ولم ينج من هذه الكارثة الجديدة الا القلائل .
في سنة 1926 شق عصا الطاعة على الاتراك زعيم كردي ، وفي طريقه اكتسح اديرة مار اوجين ، ومار ابراهام ، ومار ملكي . ولما هزمه الجيش التركي وولى الادبار ، ضرب الجيش التركي نفس الاديار من جديد فدمر دير مار ملكي ، ومات سويرا شموئيل مطرانه الشيخ وكان هاربا في جبل جوبل وهو ابن تسع وسبعين سنة ، فخربت ابرشية بيث ريشا بكاملها ، وهرب بعض سكان هذه المناطق الى سنجار والموصل . وفي سنة 1955 اعيد تجديد بناء دير مار ملكي .