من هو يوحنا مارون ؟

Posted by on Aug 16, 2012 in Library, الموارنة في التاريخ - الدكتور متي موسى, الموارنة في التاريخ -2 | Comments Off on من هو يوحنا مارون ؟

15

    اذا رجعنا الى تاريخ التلمحري نجده يقول بأن رهبان دير مارون كانوا منذ عام 745 وحتى الزمن الذي كان يكتب فيه تاريخه قد نصبوا بطاركة من أفراد ديرهم، إلا أنه لا يذكر شيئاً عمن رسم هؤلاء البطاركة أو عن شرعية رسامتهم بل لا يذكر في الحقيقة شيئاً عن هوية أول بطريرك تمت رسامته في ذلك الدير أو عن فعالياته تاركاً إيانا في ظلام دامس حول أول ” بطريرك ماروني ” . ولا جدوى من البحث عن هوية هذا البطريرك في التواريخ العلمانية أو الكنسية القديمة لخلوها من ذكره، مع أن بعض المصادر المارونية تذكر اسم شخص باسم يوحنا، على أنه أول بطريرك ماروني . يقول مؤلف الكتاب الماروني الهدى أن ” الطائفة المارونية تُنسبُ إلى يوحنا مارون، بطريرك أنطاكية العظمى ”  . كذلك يكتب مؤلف كتاب شرح الإيمان : ” باسم الله وبقدرة الثالوث نبدأ هذا الفصل حول إيمان الكنيسة المقدسة الذي كتب في دير القديس المبارك يوحنا مارون بطريرك أنطاكية ؛ مدينة الله وسائر بلاد الشام وسورية ” .

 

    لا يقدم هذان المصدران أي دليل على أن يوحنا مارون هذا كان أول بطريرك ماروني . كما أنهما لا يقدمان معلومات قيِّمة حول مارون أو الظروف التي صار فيها كما يُزعم أول بطريرك ماروني . فضلاً عن ذلك فإن المصدرين صامتان حول الكيفية التي أصبح فيها يوحنا مارون هذا “بطريركاً لأنطاكية ” ومتى تمّ ذلك في الوقت الذي كان فيه بطريركان فقط لأنطاكية وهما، البطريرك الخلقيدوني أو الملكي، والبطريرك اللاخلقيدوني أو “المونوفيزي” . وبينما يُـشير كتاب الهدى بشكل غير مباشر إلى يوحنا مارون ” كبطريرك لأنطاكية  العظمى “، فإن كتاب شرح الإيمان يُـشير إليه بأنه ” بطريرك أنطاكية “، الذي سمي دير مارون باسمه . إن ما نستشفه من هذه الرواية هو أن يوحنا مارون كان مؤسس الدير الذي يحمل اسمه، وكان بطريرك مدينة أنطاكية، وكذلك سائر سورية . والحقيقة هي أن مترجم هذا المصدر قد حرّف الأصل السرياني، لكي يعطي الانطباع بأن شرح الإيمان “كتبه يوحنا مارون القديس بطريرك أنطاكية في دير مارون الذي يقع على نهر العاصي” . سنرى في الفصل الـ17 بأن يوحنا مارون لم يكن مؤلف كتاب شرح الإيمان.

 

    بالإضافة إلى هذه المصادر المارونية هناك إشارات أخرى إلى يوحنا مارون هذا . إحداها هي إشارة سعيد ابن بطريق والأخرى إشارة المؤرخ العربي أبي الحسن المسعودي . يذكر هذان الكاتبان يوحنا مارون فقط في نصاب العقيدة المونوثيلية . ويُـشيران إليه كراهب                 لا كبطريرك .غير أن روايتيهما تتفقان مع الهدى و شرح الإيمان حول نقطة أساسية وهي: أن الموارنة استقوا اسمهم من يوحنا هذا، المكنىّ بمارون، لا من ناسك القرن الخامس مارون . هذان المصدران واضحان حول هذه النقطة . أما أولئك الموارنة الذين يصرون على أن اسمهم مشتق من ناسك القرن الخامس مارون أو الدير المسمى زعماً نسبة إليه يناقضون المصادر التي يستـشهدون بها بالذات للبرهان على أصل كنيستهم وطائفتهم.

 

    بدأ الموارنة بالبحث عن إصالة يوحنا مارون وارتقائه منصب البطريركية بإسهاب في القرن الخامس عشر . وكان أول من فعل ذلك هو المطران الماروني جبرائيل القلاعي . يقول القلاعي أنه صار في عام 1495 جدل حاد بينه وبين كاهن ماروني، هو جرجس بن بشارة، الذي كان قد اصبح سريانياً أرثوذكسياً ( يعقوبياً )، حول الأصل الصحيح للموارنة واسمهم . نتيجة لهذا الجدل كتب القلاعي كتاباً في تفنيد عقيدة شرح فيه أصل الموارنة وتمسكهم الدائم بصيغة عقيدة مجمع خلقيدونية . كما يروي ايضاً قصة حياة يوحنا مارون الذي عاش في القرن السابع . يدَّعي القلاعي أنه استمد هذه القصة من مصدر قديم كتب بالكرشونية (العربية مكتوبة بخط سرياني) موجود في كنيسة السيدة في دمشق إلا أنه لا يعطي وصفاً لهذا المصدر أو أية معلومات عن مؤلفه او محتوياته وكيف عثر عليه .

 

    يقول القلاعي، ان يوحنا مارون كان ابناً لشخص يدعى أغاثون وقد تلقى العلم في صباه ثم أرسل إلى القسطنطينية لدراسة اليونانية . وعاد إلى أنطاكية حيث أفسد إيمانه تلامذة مكاريوس بطريرك أنطاكية المونوثيلي (656ـ681)، فاعتـنق العقيدة المونوثيلية ثم رسم مطراناً لأنطاكية إلا أنه لم يستطع اشغال هذا الكرسي لأن البابا هونوريوس كان قد حرمه كما حرم البطريرك مكاريوس لتمسكه بالعقيدة المونوثيلية . ويمضي القلاعي في قصته قائلاً بأن يوحنا بقي على ” هرطقته ” المونوثيلية وغادر انطاكية إلى مدينة طرابلس . وهناك التقي بمبعوث البابا هونوريوس الذي امتحن إيمانه فوجد أن يوحنا ” أرثوذكسي ” . ثم أخذ مبعوث البابا يوحنا إلى روما، حيث امتحن ايمانه مجمع كنسي ووجد بأنه ذو إيمان أرثوذكسي (خلقيدوني) . حينئذٍ رسم البابا يوحنا مارون بطريركاً على أنطاكية؛ ووضع تاج الأسقفية على رأسه، وعكازاً في يده وخاتماً في أصبعه . وعاد يوحنا إلى أنطاكية ونجح في إزالة هرطقة مكاريوس . فتبعه العديد من ” اليعاقبة ” واعترفوا بعقيدة الطبيعتين والمشيئتين في المسيح وبذلك صار يُـشار إليهم بعد ذلك بأنهم موارنة . ثم انتـقل يوحنا بعدئذٍ، من أنطاكية إلى لبنان حيث نصب صليباً بأمر البابا رمزاً لسلطة البابا . وفي لبنان قام بتنظيم الموارنة كطائفة منفصلة عن اليعاقبة والملكيين ورسم لهم مطارنة وأساقفة . يتابع القلاعي القول أن شهرة يوحنا مارون امتدت إلى بلاد قاصية حتى وصلت الإمبراطور البيزنطي، الذي كتب إليه يطلب منه إرسال ثلاثة أشخاص متبحرين في العلم لتعليمه وتعليم رعاياه الإيمان الأرثوذكسي ( هذه هي باختصار قصة القلاعي التي يرويها عن يوحنا مارون . وبعد أقل من قرنين، استفاض البطريرك الماروني اسطفان الدويهي في سرد هذه القصة.

 

    يقول الدويهي ان يوحنا مارون هو يوحنا السرميني (سرمين قرب أنطاكية)، الذي دُعي بعدئذ يوحنا مارون . وكان يوحنا هذا ابن أغاثون، حفيد اليبيديس، وابن أخ الإمير كارلو ماغنو (شارلمان)، الذي قَدِم من فرنسا وفتح أنطاكية وسائر سورية . كانت والدة يوحنا انوحاميا وهي، كزوجها، من أصل نبيل . وُلد يوحنا في أنطاكية، حيث عاش جده وأبوه بعد أن احتل شارلمان تلك المدينة . وتـثـقف في العلوم الدينية وكذلك في تـفسير الكتاب المقدس كما اتقن اللغة السريانية وعاش حياة النسك في دير مارون . وبعد مغادرته للدير ذهب إلى القسطنطينية لدراسة اللغة والعلوم اليونانية وكتابات آباء الكنيسة  . يتابع الدويهي قائلاً أنه حوالي هذا الوقت (أواسط القرن السابع) حصل جدل حاد بين المدافعين عن عقيدة المونوثيلية والمناوئين لهم . دافع تلامذة سرجيوس، بطريرك القسطنطينية، وخليفته، مكاريوس، عن عقيدة المشيئة الواحدة في المسيح (المونوثيلية) يؤيدهم في ذلك كبار كهنة القسطنطينية بينما دافع يوحنا مارون، من الناحية الأخرى، عن عقيدة المشيئتين في المسيح طبقاً لإيمان كنيسة روما . ولما احتدم الجدل حول المشيئة أو المشيئتين في المسيح أرسل البابا كاردينالاً إلى أنطاكية ليدعوا الى عقيدة الطبيعتين والمشيئتين في المسيح ـ وهو إيمان كنيسة روما . وكان مكاريوس بطريرك أنطاكية المونوثيلي آنذاك مقيماً في القسطنطينية ولم يعد أبداً إلى أنطاكية . وفي الوقت نفسه التقى الأمير الافرنجي أوجين بالفرنجة المقيمين في أنطاكية ووافق على تـنصيب مطران موال لكنيسة روما لتعليم عقيدة المشيئتين في المسيح . وكان هذا المطران هو يوحنا مارون، كما يشهد ” اليعاقبة ” في كتابهم المسمى معتقد اليعاقبة  . وهنا يورد الدويهي الاستـشهاد التالي ليؤيد رأيه فيقول : انبرى مارون واتـفق مع ملك الفرنجة قائلاً ” أيها الملك، نخشى من احتمال أن يقوم الملكيون باجتذاب لبنان إلى إيمانهم (بالمشيئة الواحدة في المسيح) . اذهب إلى الكاردينال الذي يقيم معك وارغمه ليرسمني مطراناً لكي ابقي بعض الناس على إيمانهم الافرنجي (إيمان المشيئتين في المسيح) اما أنا فسوف لن أعظ بعد اليوم بعقيدة يعقوب (البرادعي)  .

    سوف تتم مناقشة معتقد اليعاقبة بعدئذ . ولكن أقل ما يمكن قوله حول هذه القصة هو أنها ضروب المحال ولا أساس لها من الصحة تاريخياً . ومع ذلك يبدو أن الدويهي يؤمن بصحتها . فهو يقول أنه عندما قام الكاردينال برسامة يوحنا مطراناً للبترون في مقاطعة جبيل في لبنان عام 676 وهي السنة الثامنة من عهد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الرابع بوغوناتس اخذ يوحنا يطوف من مكان إلى آخر مبشراً بالإيمان الصحيح في المشيئتين للمسيح، ويحث الناس على العيش حياة بارة . ومما سرّه كثيراً أن العديد ممن تمسكوا بعقيدة المشيئة الواحدة في المسيح اهتدوا إلى الإيمان الصحيح . وفي غضون وقت قصير، صار ليوحنا مارون أتباع كثيرون انتـشروا من لبنان إلى أورشليم وحتى أرمينية . ويختتم الدويهي هذه الحكاية قائلاً أن مكاريوس، الذي استمر على إيمانه بالمشيئة الواحدة في المسيح عزل من منصبه في المجمع السادس، وأقيم ثيوفانيس بطريركاً بدلاً عنه . وعندما توفي ثيوفانس عام 686 اختير مارون بطريركاً لأنطاكية خلفاً له .

 

    ويستمر الدويهي قائلاً أن الكاتب النسطوري عبديشوع في كتابه المنظوم عن الكتّاب السريان والمتبحرين في العلم، يسمي يوحنا هذا “يوحنا بن فرنجوي” ( أي يوحنا، ابن الفرنجة ) مما يدل على أن يوحنا كان افرنجي الأصل، وأنه كان على ارتباط حميم مع الفرنجة، وبأنه ارتقى بجهودهم أعلى المناصب الكنسية  . يتابع الدويهي مدرجاً الكتب التي كتبها يوحنا مارون، متبعاً فهرس عبديشوع . وهذه الكتب هي: في تـنشئة الأطفال، في بعض الأسئلة والإجابات عليها، في أعين الرب السبع، في الحياة الرهبانية، في شرح القداس الذي ذكره ابراهيم الحاقلاّني، ترجمات التعابير الكتابية التي ذكرها ابن العبري في كتابه مخزن الأسرار، دحض نسطور وبطرس القصّار بشأن التقديسات الثلاث ومقالتان للبرهان على عقيدة الطبيعتين والمشيئتين في المسيح  . ويعزو الدويهي ايضاً في كتابه تاريخ الطائفة المارونية (على شكل مخطوطة في دير لويزا الماروني في حلب) قائمة مختلفة من الكتب إلى يوحنا مارون . منها مقالة حول الإيمان مرسلة من دير مارون على نهر العاصي إلى أهالي لبنان، ومقالة أخرى تضم دحضاً للهرطقات . ويعترف الدويهي بأنه لم يرَ المقالة لكنه خمَّن وجودها بناءً على عدد من شهادات مارون التي تبرهن بأن في المسيح طبيعتين ومشيئتين خلافاً للعقيدة التي يتمسك بها البيزنطيون في زمانه . وهو يؤكد بأن هذه المقالة هي التي كان توما أسقف كفرطاب، قد استخدمها لنشر ” زؤان المونوثيلية في لبنان، وهي عقيدة تبناها عن سعيد ابن بطريق الذي ابتدعها ” .

 

    يضيف الدويهي بأنه وجد ثلاث مقالات كتبها يوحنا مارون: أحداها ضد أوطاخي وديوسقوروس حول عقيدة الطبيعة الواحدة في المسيح؛ والثانية ضد نسطور، الذي فصم شخص اللوغوس (الكلمة)عن شخص المسيح؛ والثالثة ضد عبارة، يا من صُلبت لأجلنا، المضافة إلى التقديسات الثلاث  . يدَّعي الدويهي أيضاً بأنه كان لابراهيم الحاقلاني، كما قيل عنه، تعليقٌ على بيان الإيمان الذي يتلوه الكاهن عند رسامته وان له تعليق آخر على ليتورجية القديس يعقوب  . وأخيراً يقول الدويهي بأن عبدالله بن الطيـب النسـطوري ( ت 1043)، وهو من يدعوه خطأ بالماروني، يروي فيما يتعلق بأولئك الآباء الذين يعترفون بإيمان نيقية، بأن يوحنا انتمى الى دير مارون في مقاطعة حمص ولهذا السبب دُعي مارون . ويضيف بأن ابن الطيب يُعلن أيضاً بأن اسم مارون كان يوحنا وبأن أباه كان يُدعى أغاثون، ابن عبدون ( ويختم الدويهي روايته المطولة عن يوحنا مارون بالقول أن العديد من الكتّاب، ممن لا يجد حاجة لتكرار شهاداتهم، يعتقدون أن بيوحنا دُعي يوحنا مارون نسبة الى دير مارون حيث عاش كراهب .

 

هذان الحدثان اللذان يرويهما القلاعي والدويهي، فيما يتعلق بحياة يوحنا مارون ومؤلفاته، ليس لهما أساس تاريخي . فان المصادر المتوفرة لا تذكر شيئاً عن شخص اسمه يوحنا مارون، ابوه شخص افرنجي يُدعى أغاثون، رسمه البابا هونوريوس بطريركاً على أنطاكية . وهنا يجب السؤال من أين حصل القلاعي على حكايته هذه عن يوحنا مارون، عن رحلته إلى روما، ورسامته بطريركاً من قِـبَـل البابا هونوريوس، الذي أنعم عليه بتاج الأسقفية والعكاز والخاتم . يظهر من قول العلامة يوسف السمعاني أن القلاعي قد خلط بين يوحنا مارون والبطريرك الماروني ارميا العمشيني الذي ذهب إلى روما في 1215ـ1216 لحضور مجمع لاتران الرابع والاعتراف بإيمانه “الكاثوليكي”  . وعندما عاد إلى لبنان عام 1216، خوّله البـابا انوسنت الثالث باعتمار تاج الأسقفية ولبس الخاتم مشيراً بذلك إلى أنه أصبح أميراً في كنيسة روما . هذا ما يُـشير إلى أن علاقةً ما قد نشأت منذ ذلك التاريخ بين كنيسة روما وموارنة لبنان . لا بل صارت قصة القلاعي أكثر بعداً عن التصديق لما تحتويه من مفارقات تاريخيه . فتراه يستعمل مصطلح ” أمير ” إشارة إلى الأمير أوجين، وهو لقب لم يكن معروفاً في الشرق حتى زمن الصليبين . ومصطلح ” الفرنجة “؛ في الوقت لم يكن فيه فرنجة في سورية أو لبنان في القرن السابع عندما كان يوحنا مارون يقيم هناك كما يزعم . فضلاً عن ذلك، لم يكن للباباوات مبعوثون في سورية في ذلك الحين، ولم يكن منصب الكرادلة قد أنشيء بعد، ولم يكن ارتداء تيجان الأسقفية من قِبَل شخصيات كنيسة روما إحدى عادات الكنيسة قبل القرن التاسع  . واذا رجعنا الى السمعاني نجده يقول بأنه لم يعتمر الأساقفة الموارنة أبداً تاج الأسقفية أو يضعوا الخاتم قبل بداية القرن الثالث عشر  . ويقلمطران أقليميس يوسف داؤد في هذا الصدد انه من الصعوبة تصديق أن يسافر رجلٌ بمثل هذا القدر من العظمة والشأن، كما يدَّعي الموارنة، من أنطاكية إلى روما ليمر بامتحان عسير يقوم به مجمع كنسي، وأن تتم رسامته من قِـبَـل البابا بعد أن تبين لهم بأنه أرثوذكسي . يتساءل داود كيف يمكن ان تجري هذه الأحداث دون أن يذكرها أحد من مؤرخي الكنيسة أو على الأقل ان يتم ادراجها في السجلات التاريخية لكنيسة روما، وينتهي المطران داؤد إلى القول بأن قصة يوحنا مارون برمتها هي محض اختلاق .

 

يقول البطريرك الدويهي ان يوحنا مارون كان من أهالي سرمين، وهي قرية في السويدية قرب أنطاكية، واتخذ اسم مارون عندما دخل الدير المسمى بهذا الاسم  . ويستطرد قائلاً بأن يوحنا السرميني دافع عن عقيدة الطبيعتين والمشيئتين في المسيح كما “يعترف اليعاقبة أنفسهم في قصة حياة معلمهم يعقوب البرادعي”  . ولكي يؤيد ادعاءه استشهد الدويهي بهذا الكتاب ” اليعقوبي ” المكتوب بالسريانية مقتطفاً منه ما يلي : ثم انبرى (يعقوب البرادعي) وحفظ إيمان الرسل الذي سلمه يعقوب أول أسقف لأورشليم وملأ الكنيسة بأسرها بمحاسنه . وكانت النتيجة انه عندما التقى أعضاء الطرفين، الأرثودكس والهراطقة المعارضون لهم كان هؤلاء يسألون الأرثودكس “من أنتم” فيجيب الأرثودكس” نحن على إيمان يعقوب أول الرسل وأخو الرب والذي يعترف به يعقوب الطاهر هذا (يعقوب البرادعي) ” بينما يجيب المعارضون لهم بأنهم كانوا على إيمان أفرام الآمدي أو البطريرك يوحنا عدو الله.

 

    يقول الدويهي ان هذه الفقرة تعني بأن أولئك الذين آمنوا بطبيعة واحدة ومشيئة واحدة في المسيح كانوا أنصاراً ليعقوب البرادعي الذي اعترف بهذا الإيمان، بينما كان أولئك الذين اعترفوا بطبيعتين ومشيئتين في المسيح أنصاراً لأفرام الآمدي ويوحنا السرميني . ويزعم الدويهي ان يوحنا السرميني كان راهباً في دير مارون، حيث استقى منه اسم مارون . وانه كان معارضاً عنيداً لعقيدة الطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة في المسيح والتي اعترف بها يعقوب البرادعي، وأخيراً صار ” رئيس الأمة المارونية ” . إن ما يريد الدويهي ان يقوله هنا هو أن الموارنة كانوا منذ القرن السادس، عندما أحيا يعقوب البرادعي عقيدة الطبيعة الواحدة للمسيح، فرقة دينية عارضت هذه العقيدة واشـادت بعقيدة الطبيعتين والمشيئتين المنفصلتين في المسيح.

 

    يعتبر الدويهي يوحنا السرميني خليفة لأفرام الآمدي، بطريرك أنطاكية الخلقيدوني منذ عام 527 وحتى 545، بينما كان يوحنا السرميني في الحقيقة بطريركاً للقسطنطينية، لا لأنطاكية، منذ عام 566 وحتى عام 597  . ومما يصعب تصديقه هو ادعاء الدويهي بأن يوحنا مارون كان يوحنا السرميني نفسه الذي اشتهر باضطهاد اصحاب الطبيعة الواحدة المناوئين لمجمع خلقيدونية  . والمسألة هي كيف توصل الدويهي إلى أن يوحنا مارون ويوحنا السرميني كانا نفس الشخص . فالنص الذي يستـشهد به الدويهي عن حياة يعقوب، أو يعقوب البرادعي، لا يذكر شيئاً عن يوحنا مارون، ولا بد لنا أن نبحث عن حل هذا اللغز الذي حدا بالدويهي الى اعتبار يوحنا مارون هو يوحنا السرميني . واذا تأملنا مليّاً بدراسة النص السرياني عن حياة يعقوب البرادعي الذي نشره أي و . بروكس مع الترجمة الإنكليزية نجده نفس النص الذي استعمله الدويهي بهذا الخصوص . يدَّعي بروكس أن هذه القصة هي “حياة يعقوب المنحولة” والتي كتبها المؤرخ السرياني الذائع الصيت يوحنا الأفسسي  . ومما يدل على أن الدويهي كان قد استعمل النص السرياني الأصلي الذي كان بروكس قد ترجمه إلى الإنكليزية هو الملاحظة الهامشية التي تظهر في نفس النسخة التي استعملها الدويهي والتي يشير بروكس اليها بحرف N باسم يوحنا السرميني، يقول بروكس في الهامش أن N وهو هامش مخطئ بقوله ” هذا هو يوحنا مارون القديس ”  . نحن لا نعرف من أضاف هذه الهامش وهو لا بد أن يكون مارونياً حاول أن يخلط بين يوحنا السرميني ويوحنا مارون للإظهار بأن يوحنا مارون كان مدافعاً عن إيمان خلقيدونية ولتبرأته من هرطقة الموثوثيلية . هنا إذاً هو مصدر الدويهي الذي بناء عليه خلط بين يوحنا مارون وبطريرك القسطنطينية الذي يحمل نفس الاسم.

 

    إن وصف الدويهي ليوحنا مارون بأنه ” رأس الأمة المارونية ” هو مسألة لا يمكن الدفاع عنها . فإذا كان يوحنا مارون قد عاش في الهزيع الأخير من القرن السابع، فالحقيقة التاريخية تدل بأن الموارنة كانوا في تلك الفترة من الزمن جماعة دينية صغيرة ولم يكونوا ” أمة ” . والذي يثير الانتباه هو ان العلامة السمعاني يكرر في كتاباته التي تلت الدويهي بعد خمسين عاماً نفس كلام الدويهي الذي استشهد به من ” حياة يعقوب ” (يعقوب البرادعي) المكتوب بالسريانية . إن ما يبعث على الدهشة هو ان السمعاني يحاول تبرير رأي الدويهي ولكن بالوصول إلى نتيجة مختلفة . فهو يقول أن مؤلف حياة يعقوب البرادعي كان يعني أن يوحنا السرميني هو يوحنا مارون ذاته لا يوحنا السرميني، بطريرك القسطنطينية . ويجادل السمعاني قائلاً بأنه لم يذكر مطلقاً ان يوحنا السرميني دخل في جدل يوماً مع أهالي سورية ولبنان حول مسائل في الإيمان ولا كان اسمه معروفاً لديهم . يدَّعي السمعاني أيضاً أن إطلاق اسم أول الرسل على يعقوب مخالف لتقليد الكنيسة ” اليعقوبية ” التي تتمسك بأن بطرس، لا يعقوب، هو هامة الرسل . هذا، كما يؤكد السمعاني، واضح من كتب الصلاة والطقوس عند اليعاقبة . فضلاً عن ذلك، يتابع القول بأن اليعاقبة لم يعتبروا كنيسة أورشليم أول بطريركية للرسول يعقوب بل يسمونها أم الكنائس قاطبة، كما يبدو من استعمالهم للوترجية القديس يعقوب  . ومما يدعو الى المزيد من الدهشة ان تعليق السمعاني هذا لا يمكن عزوه إلى إساءته فهم النص السرياني عن حياة يعقوب البـرادعي . فالنـص يذكر بوضوح يوحنا السرميني مع ملاحظة هامشـية أقحمها كاتب ماروني، يشرح فيها بأن يوحنا السرميني كان نفس مارون . من المؤكد أن المؤلف عندما بحث يوحنا السرميني لم يعن أبداً يوحنا مارون، ومع ذلك، ما زال الموارنة يصرون حتى الآن بأن يوحـنا مارون ويوحنا السرميني كانا نفس الشخص  . على هذا الأساس فإن محاولة الأب بطرس الماروني ضو وصف سـرمين على أنها موطن يوحـنا مارون تفتقر إلى البينة التاريخية  . فهي تتضارب مع ادعاء الدويهي بأن يوحنا مارون وُلد في أنطاكية وبأنه كان من أصل افرنجي.

 

    نجد، عند البحث في نسب يوحنا مارون، بأن الدويهي يجعله ابن أخ للإمبراطور شارلمان (742ـ814)، بينما يقول ايضاً أن مارون أصبح ” بطريركاً لأنطاكية ” عام 686، أي قبل ولادة شارلمان بست وخمسين عاماً .

 

    اعتمد الدويهي، في محاولته البرهان على أصل يوحنا مارون، وإيمانه، وارتقائه إلى منصب مطران (بواسطة كاردينال كان يقطن في سورية على ما يزعم)، على مصدر من القرن الخامس عشر تمَّ جمعه بالعربية دفاعاً عن عقيدة الطبيعة المتجسدة الواحدة للوغوس الإلهي، المونوفيزية، والذي يدعوه الدويهي ” كتاب معتقد اليعاقبة ”  . يقول جامع هذا الكتاب، موسى بن عطشة، وهو سرياني أرثودكسي، بأن مارون سأل الملك الافرنجي الذي كان في أنطاكية، أن يطلب من الكاردينال الذي كان في زيارة المدينة أن يرسمه مطراناً كي ينقذ أهالي لبنان من أن يصبحوا ملكيين، اذ كانوا آنذاك يعتنقون عقيدة المشيئة الواحدة في المسيح . إن ما يحاول ابن عطشة قوله هو أن يوحنا مارون كان من المؤمنين بمشيئتين في المسيح، وأن التماسه الملك الافرنجي لكي يقنع الكاردينال برسامته مطراناً كانت لإنقاذ شعب لبنان من الانتقال إلى عقيدة المشيئة الواحدة في المسيح، أي لكيلا يصبحوا ” هراطقة ” . إلا أننا نستشف من التماس يوحنا مارون هذا أنه كان أحد أتباع يعقوب البرادعي وكان متـشبثاً بعقيدة الطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة في المسيح . هاكم ما قاله ابن عطشة بالضبط : عندما أوقع ملك الروم (الإمبراطور البيزنطي) بالسريان المصائب وقتلهم، انبرى مارون وانضم إلى ملك الفرنجة الذي كان اسمه الأمير أوجين . قائلاً ” أيها الملك، نخشى أن تجتذب الأمة الملكية أهالي لبنان إلى إيمان الملكيين . لذا أخبر الكاردينال الذي يرافقك وأرغمه على رسامتي مطراناً لكي يحفظ بعض الناس للبقاء على إيمان الفرنجة . أما بالنسبة لإيمان (عقيدة) يعقوب البرادعي فسوف لن أعظ بها بعد” . ومن ثم رسمه (الكاردينال) مطراناً على البترون  .

    إن اتفاق يوحنا مارون مع الكاردينال واضح جداً . فقد وافق الكاردينال على رسامته مطراناً، على شرط ألا يبشر بعدُ بعقيدة يعقوب البرادعي أو يذكرها، أي عقيدة الطبيعة المتجسدة الواحدة للوغوس الإلهي . بالإضافة إلى ذلك، فإن مارون، بعد رسامته سيُدين ” بالإيمان الفرنجي ” في الطبيعتين والمشيئتين في المسيح لكي يمنع أهالي لبنان من الانتقال إلى إيمان الملكيين، الذين كانوا قبل المجمع السادس مونوثيليين . لا بد من الملاحظة في هذا الشأن أن جامع هذا الكتاب موسى بن عطشة لا يقول متى رسم الكاردينال المزعوم يوحنا مارون مطراناً؛ لكن الدويهي يؤكد أنه رُسم مطراناً في عام 676 (35) . وبينما لا يحدد الدويهي هوية الكاردينال الذي رسم يوحنا مارون مطراناً، فإن السمعاني يشرح بأن من رسمه هو يوحنا مطران فيلادلفيا (عمان حالياً في الأردن) امتثالاً لطلب أهالي أنطاكية ولبنان ” الكاثوليك ” .

 

    في أعقاب المناظرة حول المونوثيلية والتئام مجمع لاتران عام 649 أرسل البابا مارتن الأول، الذي اصبح بابا في 5 تموز من ذلك العام، رسائل إلى كنائس أفريقيا وأنطاكية وأورشليم الخلقيدونية مبلّغاً إياها بقرارات مجمع لاتران وبإدانة المونوثيلية ومرسوم الإمبراطور هرقل Ecthesis ومرسوم كونستانس الثاني Typu . كما حثّ البابا الكنائس على التـشبث “بالإيمان الأرثوذكسي”  وانه عين يوحنا، مطران فيلادلفيا، بناء على توصية من اسطفان الدوري والرهبان الشرقيين الخلقيدونيين، نائباً له في الشرق . وقد منح البابا المطران يوحنا السلطة لإرساء النظام في كنائس الشرق الخلقيدونية وتعيين الأساقفة والكهنة والشمامسة في ابرشيات بطريركيتي أنطاكية وأورشليم . ولأجل ان يمكنه من نشر “الإيمان الصحيح” زود البابا يوحنا مطران فيلادلفيا بقرارات المجمع وبمنشور بابوي  . كما كتب أيضاً إلى عدد من الأساقفة (ومنهم ثيودور الأسبسي، وهو أسقف أبرشية تابعة لإقليم الجزيرة العربية) طالباً منهم إطاعة المطران يوحنا ومساعدته لكي ينجز مهمته .

 

ان محرري الـ Sacrosancta Concilia (مجموعة المجامع المقدسة) فيليب لابي وجبرائيل كوسارتي الذين دونا الوثائق المتعلقة بمهمة المطران يوحنا لم يذكرا أن يوحنا، مطران فيلادلفيا، قد رسم مطراناً اسمه يوحنا مارون لأسقفية البترون في مقاطعة جبيل في لبنان . ولهذا تكون هذه الرسامة بعيدة الاحتمال، خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار الزمن الذي كان قد انقضى بين انتهاء مهمة المطران يوحنا في الشرق ورسامته المزعومة ليوحنا مارون مطراناً . هذا ما يتعارض بالتأكيد مع ادعاءات الدويهي والسمعاني بأن يوحنا مارون قد رسم مطراناً في عام 676  . بل يتعارض هذا التاريخ الذي وضعه الدويهي وقبل به السمعاني أيضاً مع ادعاء المطران الماروني جبرائيل القلاعي في القرن الخامس عشر، الذي يؤكد بأن يوحنا مارون قد رسم مطراناً لأنطاكية دون أسقفية، وان البابا هونوريوس رسمه بعدئذ بطريركاً لأنطاكية . لكن هونوريوس توفي عام 638، مما يدل على أن يوحنا مارون كان مطراناً قبل هذا التاريخ . وهنا يلحظ الدويهي المفارقة في هذا التاريخ ويلقي اللوم في ذلك على الناسخ، الذي يدّعي بأنه كتب اسم سرجيوس بدلاً من هونوريوس ويقصد الدويهي به البابا سرجيوس الأول (687ـ701)، الذي اصطحب نائبه في الشرق يوحنا مارون إلى روما كما يزعم . وان البابا رحّب بيوحنا مارون لأنه كان أيضاً من أهالي أنطاكية . ويؤكّد الدويهي أن سرجيوس الأول هو الذي رسم يوحنا مارون بطريركاً على أنطاكية دون ان يقدم بينة تاريخية   . واذا تأملنا احداث عام 676 عندما جرت رسامة يوحنا مارون، على ما يفترض، ان البابا يومئذ كان إمّا ادييودات ( 672ـ 676) أو خلفه دونس (676 ـ 678) وليس هناك من دليل عن وجود نائب أو ممثل يمثل أياً من هذين الباباوين في الشرق . إن البابا الوحيد الذي كان له موفد في الشرق هو البابا مارتن الأول (ت 655)؛ وكان موفده يوحنا، مطران فيلادلفيا الذي وصل إلى الشرق عام 649 كما تمَّ ذكره أعلاه .

 

    لا يوجد دليل تاريخي يؤيد ان المطران يوحنا قد بقي في الشرق مدة سبع وعشرين عاماً، وهو ما يكفي من الوقت لرسامة يوحنا مارون مطراناً . فضلاً عن ذلك، فإن سجلات كنيسة روما لا تذكر شيئاً عن مهمة يوحنا مطران فيلادلفيا بعد موت البابا مارتن الأول، الذي أرسله إلى الشرق . فقد خلف مارتن الأول أربعة باباوات على الأقل ولا بد أن واحداً منهم على الأقل قد اتصل بالموفد البابوي في الشرق . ومما لا يقبل التصديق اكثر من ذلك هو الادعاء بأن يوحنا، مطران فيلادلفيا قد رسم يوحنا مارون مطراناً . لأن غاية يوحنا، مطران فيلادلفيا القصوى كانت إنهاء الجدل المونوثيلي الذي كان يمزق كرسيي أنطاكية وأورشليم الخلقيدونيين، وتـنصيب كهنة يدينون بعقيدة المشيئتين في المسيح بمناصب عليا . إن كل الدلائل المتوفـرة عن يوحنا مارون خلال هذه الفترة تُـشير إليه كمونوثيلي لا كمؤمن بمشيئتين في المسيح، أو “ككاثوليكي ” . بل إن مونوثيلية يوحنا مارون يؤكدها كتاب عقيدة اليعاقبة، وهو المصدر الذي يستشهد به الموارنة بالذات لتثبيت هوية يوحنا مارون ” الحقيقية ” .

 

    يدعي الدويهي أيضاً بأن عبد يشوع يُـشير إلى يوحنا مارون في أحد ميامره (قصائده) بأنه ” يوحنا بن فرنجوي ” (يوحنا بن الفرنجة) . وعبد يشوع هذا الذي يستـشهد الدويهي بفهرس الكتب الذي جمعها هو الكاتب النسطوري عبديشوع بن بريخا، والأكثر شهرة بالصوباوي (ت 1318) . وقد تمَّ نشر هذا الفهرس في عام 1653 في روما وقام بتحريره ابراهيم الحاقلاني، وهو ماروني  . يرتأي السمعاني بأن الدويهي أخطأ في اعتبار يوحنا بن الفرنجة هو يوحنا مارون، لأن يوحنا الذي كتب عنه عبديشوع لم يكن يوحنا بن الفرنجة بل يوحنا فنخوبي اي (ابن الفخارين) لا يوحنا مارون  . فالظاهر كما يقول السمعاني أن الدويهي قد انخدع بالحاقلاني، الذي، لكي يثبت هوية يوحنا مارون، عمد الى تحريف الاسم الذي أشار إليه الكاتب النسطوري وهو، يوحنا فنخوبي اي ابن الفخارين، فبدله باسـم يوحنـا بن الفرنجة لتشابه الكلمتين باللغة السريانية  . ولما اكتشف الدويهي هوية يوحنا التي حرّفها الحاقلاني دفعته الجرأة الى القول أن يوحنا مارون كان من أصل افرنجي، وكانت له ارتباطات قوية مع الفرنجة في سورية، وارتقى بمساعيهم إلى أعلى المناصب الكنسية ( وبنفس الثقة يستـشهد الدويهي بالكتب المدرجة في فهرس عبديشوع على أنها من مؤلفات يوحنا بن الفخارين، فيعتبرها مؤلفات يوحنا مارون .

 

    يدّعي الدويهي أيضاً أن المفريان ابن العبري، في مؤلفه : مخزن الأسرار ذكر شخصاً اسمه ” يوحنا مارون ” أي (يوحنا مارون أو على الأصح، يوحنا الذي كان يمت إلى دير مارون) وبأن يوحنا هذا هو يوحنا مارون الذي ينتسب اليه الموارنة  . وللمرة الثانية يشير السمعاني بأن الدويهي قد أخطأ لأن يوحنا مارون الذي كتب عنه ابن العبري هو كاتب سرياني من القرن العاشر  . وبالرغم من تصحيح السمعاني للدويهي، نجد كاتباً مارونياً آخر هو اسطفان عواد (ايفوديوس) السمعاني (1711ـ1782) يصرّ على تكرار خطأ الدويهي في اعتباره يوحنا مارون الذي كتب عنه ابن العبري هو نفس يوحنا مارون الذي يدّعي الموارنة بأنه أول بطريرك لهم .

 

    ويمضي الدويهي الذي يجاريه يوسف السمعاني في رواية المزيد من فعّاليات يوحنا مارون بعد رسامته المزعومة كمطران وكبطريرك وتتبع كل خطوة من خطواته . يدّعي الدويهي والسمعاني معاً أن يوحنا مارون غادر دير مارون بعد رسامته وذهب إلى فينيقيا، أبرشيته الجديدة . واشتغل في كرم الرب وهدى العديد من الناس الذين كانوا يؤمنون بعقيدة المشيئة الواحدة في المسيح (المونوثيلية) إلى الإيمان الصحيح ” بالمشيئتين في المسيح” . وبمرور الزمن، ازداد أتباعه وانتشروا حتى وصلوا أرمينيا وأورشليم . وقد رسم يوحنا أساقفةً وكهنةً لرعاية العدد الكبير من الناس الذين اعتنقوا تعليمه، وعين قادة للجيش، كان من بينهم ابن أخيه ابراهيم ” . اذا فهمنا الدويهي والسمعاني بشكل صحيح، تكوّن لدينا انطباع بأن أتباع يوحنا مارون أصبحوا من الكثرة بحيث شكلوا “أمة” لها منظماتها الدينية والعسكرية، وهي ” الأمة المارونية ” . قد يشعر المرء بشيء من الرجة عندما يعلم بأن الموارنة أصبحوا ” أمة ” في أواخر القرن السابع أو الثامن، خاصة لأن الموارنة يدّعون بأن يوحنا مارون توفي عام 707 اي في اوائل القرن الثامن . على أي حال لا يوجود دليل تاريخي يؤيد ادعاءهم . ومما يخفف من وقع هذه الرجة عندما يدرك المرء بأن الدويهي والسمعاني، والموارنة اجمعين، يخلطون حتى اليوم، بين الموارنة والمردة وهم قوم مقاتلون من أصل مجهول ظهروا في بادئ الأمر في الشرق الأوسط في القرن السابع . وسوف نرى بعدئذ أن الموارنة يستشهدون بروايات ثيوفانس وغيره من المؤرخين تأييداً للنظرية القائلة بأن المردة والموارنة هم شعب واحد  أو كما يدّعون ” أمة واحدة ”  .