18
منذ فجر المسيحية اصطفت الكنيسة أشخاصاً أبراراً اعتبرتهم قديسين. ولكن عندما انقسمت الكنيسة حول قضايا عقائدية وعلى الأخص بعد مجمع خلقيدونية 451، بدأت كل كنيسة في الشرق ام الغرب بممارسة الاعتراف بقديسيها واستبعاد الآخرين. وقد اعترفت الكنيسة المارونية، التي ظهرت إلى الوجود في القرن الثامن مؤخراً بيوحنا مارون كقديس ذي أهمية خاصة لأن الموارنة يعتبرونه أول بطريرك لهم.
في القرن الثامن عشر تحدى الملكيون الكاثوليك الرومانيون (الكنائس المتحدة مع روما) في سورية ادعاء الموارنة بقداسة يوحنا مارون. ففي عام 1715 أنكر بعض هؤلاء الملكيين أن يوحنا مارون كان قديساً أو أن كنيسة روما قد اعترفت بقداسته رسمياً. هذا ما أيدته بعض البعثات التبشيرية اللاتينية في سورية التي أكدت على أن كنيسة روما لم تـنادِ بيوحنا مارون قديساً. تقدم الموارنة بشكوى إلى روما معترضين بأن الملكيين أنكروا بأن ناسك القرن الخامس مارون كان قديساً. والحقيقة هي أن هؤلاء الملكيين أنكروا فقط كون يوحنا مارون، لا الناسك مارون، قديساً. قام بتـحري القضية المجمع الخاص بمحاربة الهرطقات الذي ترأسه الأب لويس ماريا لوتشيني (الكاردينال لاحقاً). وقرر المجمع بأن ناسك القرن الخامس مارون كان قديساً، مع أن قداسته لم تثبت بحسب القانون الكنسي. إلا أن المجمع وجد، في سـيرة حيـاة القديس أنطونيوس، شخصاً يُدعى مارون كان قد أدانه المجمع السادس ( 680 ) لأنه ” هرطوقي ” مونوثيلي، وقد افتُرض بأنه نفس يوحنا مارون الذي يدّعي الموارنة بأنه كان أول بطريرك لهم .
ثارت هذه القضية مرة أخرى عام 1750 عندما أتُهم البطريرك الملكي الكاثوليكي كيرلس تاناس ت 1760 بتحطيم لوحة ليوحنا مارون بحجة أنه كان هرطوقياً مونوثيلياً . مرة أخرى رفع الموارنة شكوى إلى البابا مدعين بأن تاناس قد حطم لوحة ناسك القرن الخامس مارون. وفي رسالة وجهها إلى البابا بيندكتس الرابع عشر انكر تاناس بأنه أهان صورة الناسك مارون الذي يؤمن نفسه بقداسته، لكنه يقول بأن شخصاً آخر قد حطم صورة الناسك مارون، الذي اعتبره هرطوقياً. وليس من المعقول أن يكون تاناس جاهلاً الى هذا الحد بحيث لا يعلم بأن كنيسته كانت تحتفل بإحياء ذكرى ناسك القرن الخامس مارون في 14 شباط من كل عام . واستجابة لشكوى الموارنة، أصدر البابا بنديكتس الرابع عشر منشوراً بابوياً في 28 أيلول 1753، مثبتاً قداسة الناسك مارون فقط . ونتيجة االمرسوم الباباوي هدأت المشاحنات بين الموارنة والملكيين المتحدين مع روما عدة سنوات، لتـنشب مرة أخرى عام 1765. في هذا الحين قام كاهن ملكي متحد بكنيسة روما هو أنطون صباغ بكتابه رسالة تتعلق بيوحنا مارون لمصلحة هذه الرعية في حلب إلى المطران الماروني ارسانيوس شكري في تلك المدينة. تذمر صباغ في رسالته بأن أفراد رعيته قد أزعجهم الموارنة لمناداتهم بيوحنا مارون قديساً بينما هو في نظر الملكيين هرطوقي مونوثيلي. وطلب انطون آنئذ من المطران الماروني ان يعطيهم جواباً رسمياً بشأن يوحنا مارون أو ان يبرز منشوراً بابوياً يعترف بقداسة يوحنا مارون . لم يُجب المطران شكري مباشرة لكن القضية احتدمت عندما هاجم كاهن ملكي الموارنة ـ منتقداً عظة الصوم الأربعيني التي القاها المطران شكري والتي اثنى فيها على يوحنا مارون كقديس ثم أصدر شكري بياناً في 12 كانون الأول 1768، يُعلن فيه بأن بعض الموارنة ( يوسف السمعاني، على سبيل المثال )، وكذلك بعض الباباوات، قد أقروا قداسة يوحنا مارون . نعلم أيضاً من هذا البيان أن كهنة من كنائس كاثوليكية أخرى (متحدة بروما) في حلب وكذلك الذين انضم اليهم رؤساء أديرة من سلك الرهبنة الكاثوليكية مثل اليسوعيين الفرنسيسكانيين والكرمليين والكبوشيين الذين اصبحوا طرفاً في القضية. وفي عام 1768 عقد الكهنة الكاثوليك مجمعاً للبحث في قداسة يوحنا مارون. وكما يدعي المطران ارسانيوس شكري فإن جميع المشاركين، ما عدا الملكيين الكاثوليك، قبلوا قداسة يوحنا مارون . لكن الملكيين، الذين استاءوا على ما يبدو من قرار المجمع، استمروا في مهاجمة قداسة يوحنا مارون كما يتضح من رسالة كهنتهم إلى مجمع ” انتشار الإيمان” ( ويظهر ان هذا المجمع كان قلقاً بشأن المشكلة الناشئة بين الموارنة والملكيين حول قداسة يوحنا مارون حيث وصلت في احتدامها الأوج عام 1768. وفي 9 نيسان من هذا العام، وجهت جمعية” انتشار الإيمان ” رسالة إلى البطريرك الماروني يوسف اسطفان (ت 1793)، طالبة منه الادلاء بشهادات تدعم قداسة يوحنا مارون. واستجابة لهذا الطلب قام البطريرك واسطفان عواد السمعاني بكتابة فصول دفاعاً عن الموارنة وقديسيهم وتزويد لجنة الكـرادلة بشهادات تبرهن على قداسة يوحنا مارون . وبالرغم من تلقي هذه الكتب والشهادات فإن مجمع “انتشار الإيمان” لم يجب عليها ربما لأنه لم يـقتـنع بوجود دليل يحدد فيما إذا كانت كنيسة روما قد اعترفت رسمياً بقداسة يوحنا مارون. جلّ ما قامت به كنيسة روما هو ان البابا بيوس التاسـع منح في 30 كانون الثاني 1820، اي بعد المناظرة في حلب بحوالي نصف قرن، غفراناً كاملاً للمؤمنين الذين يزورون كنيسة يوحنا مارون في كفرحي ابان احتفال تكريمي له في 2 آذار من كل عام. وتم توسيع هذا الغفران في عام 1821 ليشمل كل من يقوم بزيارة كنيسة يوحنا مارون أو أية كنيسة مارونية أخرى .
والسؤال هو هل كان يوحنا مارون قديساً معترفاً به رسمياً ؟ وإن كان ذاك كذلك فهل اعترفت كنيسة روما بقداسته رسمياً ؟ يقدم بعض الموارنة وخاصة البطريرك يوسف اسطفان، دليلاً للبرهان على أن يوحنا مارون كان قديساً وهو أن كتبهم الطقسية وليتورجياتهم تُـشير إليه كقديس وبأن الكنيسة المارونية تحتفل بإحياء ذكراه في 9 شباط من كل عام، وبأن صورته معلقة مع صور القديسين الآخرين في الكنائس المارونية، وبأن الكتّاب الموارنة أشاروا إليه على الدوام كقديس. وأخيراً يقولون بأن العديد من الباباوات (وخاصة البابا بنديكتس الرابع عشر) أمروا بتكريم يوحنا مارون كقديس .
رأينا سابقاً انه جرى ذكر يوحنا مارون كقديس في الكتب المارونية القديمة المزعومة مثل شرح الإيمان وفي الليتورجية المنسوبة ليوحنا مارون والتي أقمنا الدليل على أن يوحنا مارون لم يكن مؤلفها. لكن البطريرك يوسف اسطفان يستـشهد أيضاً بكتّاب موارنة مثل القلاعي والدويهي للبرهان على قداسة مارون. إلا أن كل ما فعله القلاعي والدويهي هو الاستـشهاد بمصدر يدعو الى كثير من الشك يصفه القلاعي بأنه كتاب قديم يضم قصة حياة يوحنا مارون . والذي اقمنا الدليل بأنه لايقوم على اساس تاريخي. ويستطرد البطريرك يوسف اسطفان مدعياً أنه جرى وصف يوحنا مارون كقديس في التقويم الماروني الذي يحتفل بتذكراه في 9 شباط (14). هذا الادعاء غير مقنع ويفتقر الى دليل. غير ان التقويم الماروني المنشـور عام 1622 يورد تذكاراً في 9 شـباط لمارون واحد فقط، يصفه بأنه ” البطريرك مارون “. يجب ألا يضلنا تعبير ” بطريرك ” في هذا السياق بحيث نعتقد أن المقصود به هو يوحنا مارون الذي يدّعي الموارنة بأنه ” أول بطريرك ” لهم. واذا رجعنا الى مخطوطتي الفاتيكان 27 و 28، اللتين يستـشهد بهما البطريرك يوسف اسطفان، نجدهما تذكران بصراحة إحياء تذكار الأنبا (الأب) مارون في 9 شباط الذي لا يمكن أن يكون سوى ناسـك القرن الخامس مارون ( إن تعبير ” بطريرك ” في هذا السياق لا يعني اكثر من أنبا أو أب. بل إن وجود تعبير أنبا في هذا التقويم الذي هو على شكل مخطوط، يدل في الحقيقة بأن المؤلف قد استبدل عمداً كلمة أنبا بكلمة بطريرك ليجعلها تبدو وكأنها يوحنا مارون، ” البطريرك “.
هناك دليل آخر يقدمه البطريرك يوسف اسطفان للبرهان على أن يوحنا مارون كان قديساً وهو الإشارة إلى قداسته في مقدمة كتاب : القداس الماروني الذي نشر في روما عام 1716 . لكن البطريرك يوسف اسطفان أغفل حقيقة مهمة وهي أن كتاب صلوات القداس الماروني الذي نُشر عام 1594، يذكر فقط اسم الأنبا مارون الذي تعترف به كنيسة روما قديساً وبأنه لم يذكر ابداً قداسة يوحنا مارون . بل على العكس يستـشهد نفس كتاب القداس الماروني هذا ببرصوم كبير النسّاك كقديس، في زمن كان فيه برصوم أكبر معارضي مجمع خلقيدونية والذي هو حسب الادعاءات المارونية يعتبر هرطوقياً لا قديساً. ومما يثير المزيد من التساؤل هو أن اسم برصوم هذا لا يظهر في طبعة كتاب القداس الماروني لعام 1716 .
يستـمر البطريرك يوسف اسطفان بقوله بأن صورة يوحنا مارون التي احتلت مكاناً في الكنائس المارونية منذ عهود قديمة بين صور القديسين الآخرين، هي دليل على قداسة يوحنا مارون . ويسند البطريرك يوسف اسطفان دليله هذا إلى قول البطريرك اسطفان الدويهي الذي يدّعي فيه بأنه رأى شخصياً صوراً ليوحنا مارون في كنيستين مارونيتين في لبنان معلقتين مع صورتين لبطريرك القرن الثالث عشر إرميا العمشيتي. ويذكر الدويهي انه كتب في اسفل صورة يوحنا مارون ما يلي : ” القديس يوحنا مارون بطريرك أنطاكية “. وانه جرى نسخ هذه الصورة من جديد وتوزيعها في سائر أنحاء العالم بأمر من كرسي روما الرسولي . هذا الدليل الذي يقدمه البطريرك يوسف اسطفان استناداً الى الدويهي يصعب الدفاع عنه. إن مجرد قيام كرسي روما الرسولي بطباعة لوحات وصور للكهنة لا يثبت صحة قداسة شخص ما خاصة وأن كرسي روما الرسولي قام بنشر العديد من اللوحات والصور لعلمانيين وكهنة بارزين دون أن يعترف بقداستهم رسمياً . بيد أنه لا يمكن للمرء، عند تمحيص دقيق للوحتين اللتين تمثلان يوحنا مارون والعمشيتي أن يخفق في ملاحظة أنهما صورتين لنفس الشخص وهو إرميا العمشيتي وأنهما قد رسمتا من قِـبَـل الفنان عينه مع اختلاف طفيف.
وأخيراً، يدّعي البطريرك يوسف اسطفان بأن البابا أدريان الثامن أثبت قدسية يوحنا مارون، وهو ادعاء يفتقر الى اساس تاريخي . بل إن هذا الدليل الذي يستـشهد به البطريرك يوسف اسطفان يبرهن فقط (كما هو الحال مع البابا بنديكتس الرابع عشر)، بأن كرسي روما الرسولي قد اعترف بقداسة ناسك القرن الخامس مارون، وليس بقداسة يوحنا مارون.
ان النزاع الذي نشب بين الملكيين والموارنة في حلب في أواسط القرن الثامن عشر حول قداسة يوحنا مارون اهاب بالبابا بنديكتس الرابع عشر إلى توجيه رسالة إلى ر. بي. نيكولاوس ليركاري، أمين سر (جمعية نشر الإيمان) اورد فيها آراءه حول هذه القضية . نعلم من هذه الرسالة أن البابا كان مستاءً من قيام كيرلس تاناس بتمزيق صورة القديس مارون، واصفاً عمله هذا بأنه ” عمل منكر “. ولكن البابا تمسك خلال الرسالة بأكملها بالاعتقاد بأن تاناس قد مزق صورة ناسك القرن الخامس مارون والذي اعترف البابا بقداسته. ويظهر من الرسالة ان البابا ميّز بين ناسك القرن الخامس مارون، الذي كانت كنيسة روما قد قبلت قداسته، ويوحنا مارون ” الهرطوقي ” المونوثيلي. يشير البابا في رسالته بأنه في منشوره البابوي الصادر في 12 آب 1774 قد اعتمد خطى سلفه، البابا أقليميس الثاني عشر، في منح صك غفران كامل لكل المؤمنين رجالاً ونساءً الذين يعترفون بخطاياهم ويتناولون القربان المقدس في 9 شباط احتفالاً بذكرى شفيعهم الشخصي . أما فيما يخصّ يوحنا مارون فان البابا يُـشير إلى أقوال سعيد ابن بطريق ووليم الصوري بأن يوحنا مارون كان مونوثيلياً وأنه هو والموارنة كانوا منغمسين في الهرطقة المونوثيلية. إلا أن البابا لا يدحض شخصياً هذه الأقوال بل يُـشير بالأحرى إلى كتّاب موارنة خاصة السمعاني ومرهج نيرون، اللذين يقولان بأنهما فندا أخطاء ابن بطريق ووليم الصوري. هنا يبدو بأن البابا بنديكتس يؤمن، فيما لو كانت فرضية سعيد ابن بطريق صحيحة، بوجود مارونيين، احدهما قديس والآخر هرطوقي. ويستـنتج، اعتماداً على هذه الفرضية بأن مارون الذي تحدث عنه ابن بطريق كان هرطوقياً، بينما يعتبر الناسك مارون الذي كتب عنه تيودوريطس أسقف قورش قديساً ولذا فهو يستحق عظيم الإكرام. يبدو جلياً من الفقرة التالية في رسالة البابا بنديكتس الرابع عشر أن قداسة الناسك مارون، لا قداسة يوحنا مارون هي التي كانت تجول في ذهنه فهو يقول: ولهذا فإن جهود أخينا المحترم البطريرك كيرلس تاناس تبدو كعمل ظاهر التجديف. قد اتضحت ايضاحاً جلياً مساعي اخينا المحترم كيرلس العديمة الديانة اذ انه بحجة ان يمنع العبادة لمارون الهرطوقي الذي ذكره سعيد بن بطريق قد نزع بالحقيقة العبادة الواجبة لمارون الكاثوليكي الذي ذكره تيودوريطس. إضافة الى ذلك فان الكرسي الرسولي قصد دائماً في بياناته الاعتراف بتكريم الأنبا مارون المغبوط وحده الذي كتب عنه تيودوريطس وامر ان يكرمه الآخرون .
يعلق المطران أقليميس يوسف داؤد على هذه الفقرة قائلاً بأنه من غير الممكن أن يقوم كرسي روما الرسولي بتثبيت قداسة شخص مغمور (يعني بذلك يوحنا مارون) كانت عقيدته الدينية موضع شك والذي اجمع الكتّاب بكونه ” رئيس طائفة دينية منفصلة عن الكنائس الكاثوليكية وكذلك عن الكنائس الشرقية وجـرى التـنديد به على الدوام بأنه هرطوقي ” ( يخلص داود إلى القول بأن كنيسة روما لا تـثبت قداسة شخص دون أن يكون قد تمَّ الاعتراف به على الصعيد العالمي في الشرق والغرب . إن ما يحاول داود قوله هو أنه لم يكن باستطاعة كرسي روما اثبات قداسة يوحنا مارون، حتى لو أراد ذلك لعدم وجود مبرر يدعو إلى تقديسه.
على ضوء البيانات التاريخية التي تمت مناقشتها حتى الآن، يمكننا الاستـنتاج أنه في الوقت الذي اعترفت فيه كنيسة روما بقداسة ناسك القرن الخامس مارون، فإنها لم تعترف أبداً بقداسة يوحنا مارون. حتى ان العلامة السمعاني الذي كتب عن رجال الكنيسة الشرقيين بإسهاب ووصف بعضهم كقديسين لم يسهب في وصف يوحنا مارون كقديس معترف به رسمياً. لكنه يُـشير مرة واحدة وواحدة فقط إلى يوحنا مارون كقديس، إلا أن من المحتمل الى حدّ كبير أن تكون هذه الإشارة غير مقصودة . ومن الجدير بالذكر أن المجمع اللبناني الذي انعقد في عام 1736 والذي حضره السمعاني شخصياً لم يُـشر إلى يوحنا مارون كقديس ولم يدرجه بين القديسين، كما فعل مع الناسك مارون .
والسؤال هو اذن من كان يوحنا مارون حقاً ؟ لقد بينا بأن قصة يوحنا مارون التي اوردناها سابقاً عن أصله الفرنجي ورحلته إلى روما وسيامته أسقفاً وبعدئذ بطريرك أنطاكية للموارنة وتحريره العديد من الكتب من ضمنها ليتورجية ـ تفتقر الى أساس تاريخي. بل ان أقدم المصادر التي تمت مناقشتها (خاصة ابن بطريق) تدل على وجود شخص يدعى يوحنا مارون، ولكنه كان فقط رئيس دير في سورية وليس أسقفاً أو بطريركاً. كان مونوثيلياً يؤمن بمشيئة واحدة في المسيح وانه لم يكتب كتاباً او ليتورجية. وما عدا القصة التي رواها القلاعي، فليس هناك ما يعرف عن يوحنا مارون هذا اكثر مما قاله ابن بطريق. إن المصادر التاريخية صامتة حول يوحنا مارون هذا منذ بداية القرن الثامن عندما توفي سنة 707 وحتى القرن السادس عشر عندما كتب القلاعي قصته عن يوحنا مارون. ولهذا السبب فان المستـشرق الافرنسي الأب ج. ب. شابو أنكر وجود يوحنا مارون بالذات . كما ان أوسابيوس رينودوت على صواب حين قال ” من غير المؤكد أنه كان هناك يوماً ما بطريرك بهذا الاسم ” . بل من المحتم أنه لم يكن قائد ” الأمة المارونية “. ومع كل هذا فاننا اذا اعترفنا بأن يوحنا مارون كان موجوداً يوماً ما، وجب علينا ان نعترف ايضاً بأنه لم يكن باستطاعة رئيس مغمور لدير مارون ان يرتقي الى هذه المنزلة الرفيعة من القداسة والشهرة دون مآثر روحية وعلمية.