الفصل السادس عشر
في سنة 1364 م حدث انشقاق طور عبدين عن الكرسي الرسولي كما يلي : ان راهبا ضعيفا يسمى كوركيس اغتاب باسيليوس سابا اسقف صلح لدى اسماعيل بطريرك ماردين فتسرع البطريرك بدون تحقيق وحرم الاسقف . ولما علم الاسقف بذلك بادر للقاء البطريرك الا ان البطريرك اهانه ولم يقابله . وبقي الاسقف ثلاثة ايام امام باب دير الزعفران يحاول الدخول فلم يأذن له البطريرك . فعاد الاسقف الى طور عبدين حزينا جدا وكتب رسائل استعطاف الى اساقفة المنطقة ليصيروا معه الى البطريرك فيحله . فرافقه يوحنا يشوع اسقف قرتمين وفيلكسينوس اسقف حاح ، وبقية الاساقفة وعدد كبير من القسس والرهبان والشمامسة والوجهاء وذهبوا جميعا الى البطريرك . الا انه رفض مقابلتهم . وقضوا اربعة ايام امام باب الدير الخارجي ولكن البطريرك لم يقبلهم . فأسفوا اسفا شديدا وعادوا الى ديارهم يتعثرون باذيال الفشل . ولما وصلوا جميعا الى جوار الدير هتفوا : اكسيوس… يليق ويستحق مار باسيليوس سابا . المنصب البطريركي ودخلوا دير مار يعقوب في صلح مقر كرسي الاسقف سابا وقابل سابا الملك العادل فخر الدين سليمان الاول الايوبي صاحب حصن كيفا واخبره بقصته ونال منه براءة البطريركية في منطقة ملكه . واجتمع اساقفة طور عبدين في دير مار يعقوب بصلح ونادوا بباسيليوس بطريركا على طور عبدين وحصن كيفا, في عيد المضال 6 آب من نفس السنة ، ودعي اغناطيوس سابا .
وهو ابن القس ابي الحسن بن عزيز, بن صليبا بن القس بهنام من قرية صلح ومن بيت عريق يرتقي الى القرن الثاني عشر, وظهر منه اسقفان هما عماه باسيليوس برصوم, وعزيز مطران صلح . وكان له في الاسقفية اكثر من عشرة اعوام .
ندم البطريرك اسماعيل على صرامته ندما شديدا وآلمه ما حصل وبذل همة غير قليلة ليلغي ما قام به الطور عبدينيون من عمل لا قانوني فلم يفلح . وبالحقيقة ان اساقفة طور عبدين الذين ساعدوا كثيرا ابن وهيب على نواله لبطريركية ماردين, وابن اخيه اسماعيل وضربوا بالقانون الكنسي عرض الحائط كوفئوا شرا, وعوض عن ان يضمدوا جروح الكنيسة بالمحافظة على القوانين, عملوا بعكس ذلك .
ان سابا الذي تفطرك تبعته خمس ابرشيات (مراعيث) هي:
دير قرتمين ، وحاح أي دير الصليب في بيت إيل ، وبيث ريشا أي دير مار ملكي ، وزركل ويقال لها حزة في دير مار قرياقس في البشيرية ومذيات وعاش خمس وعشرين سنة وتوفي سنة 1389 م ودفن جثمانه في ديره .
وانتخب اساقفة طور عبدين بعده الربان يشوع بن موطا الراهب المذياتي ورسموه وسموه اغناطيوس ايضا سنة 1390 م وسنة 1417 م اعفي من منصبه بسبب الشقاق والفتن والاضرار التي بثها وزير حسن كيفا بين الشعب . وقصة هذا الوزير انه حج الى مكة وترك ابنه عند البطريرك وطلب اليه ان يهتم بشأنه ولا يدع زعماء المنطقة ان يبعدوه من المنصب . وعندما عاد الوزير اخبره ابنه مدعيا ان البطريرك اثار الناس ضده وعليه انتخب عوضا عنه (عن البطريرك يشوع) الربان مسعود الصلحي الذي كان قد رسمه ونصب سنة 1418 م . وذهب البطريرك المعفى الى دير الزعفران وسكن في دير الناطف (المطل على دير الزعفران) بامر البطريرك بهنام وتوفي سنة 1421 م .
اما مسعود (البطريرك) وهو الاول بهذا الاسم فلم ينجح في خدمته وجرحه الاكراد في احدى الليالي . ولما شنق ملك الحصن ثمانية من زعماء الاكراد انتقاما للبطريرك ، لامه اتباعه على ذلك فدعى البطريرك اليه الى الحصن ووضع السم على جرحه غيلة فمات سنة 1420 م وانتخب المطران حنوخ العينوردي مطران دير قرتمين خلفا له سنة 1421 م وتوفي سنة 1444 م .
وانتخبوا خلفا له المطران فيلكسينوس توما بن الوجيه غفيل مطران قرتمين ثم حاح سنة 1444 م وتوفي سنة 1445 م والف ليتورجية طويلة فصيحة “اللهم يا من انت الامن والسلام لجميع البرايا” وكتب حوسايا مطلعه “تباركت ايها القربان الشهي” وجدنا نسخته الوحيدة في دير مار ملكي سنة 1911 م .
وانتخبوا بعده باسيليوس يشوع بن جلو الصلحي اسقف حزة في 14 من ايلول سنة 1455 م وهو يشوع الثاني وتوفي سنة 1460 م وكان عالما جليلا وكاتبا بارعا عارفا مواطن الكلام البليغ عند القاصي والداني, وكان ذا قامة مهيبة .
وانتخبوا بعده فيلكسينوس عزيز اسقف حاح يوم خميس الاسرار سنة 1460 وكان قد ولد في قرية باسيلا من اعمال ماردين ويعرف بابن العجوز تتلمذ على الربان يشوع ججيم وسمي بأبي المعاني وكان رجلا ناسكا صالحا مشهودا له بالفضائل ودبر المؤمنين بالتقوى ولم ينقض القوانين مطلقا وكان مواظبا على الكرازة والوعظ حيثما حل . توفي ودفن في حصن كيفا سنة 1482 م .
وانقسم الطور عبدينيون, وانتخبوا في تلك السنة رئيسين هما باسيليوس شابا الاربوي اسقف زركل ، وديونيسيوس يوحنا بن قوفر العينوردي مطران جرجر ، وحدث شقاق عظيم في الجبل, والتأم المجمع في قرية بانمعم برئاسة مار خلف بطريرك انطاكية فتصالح الجانبان وقرر المجتمعون ان يبقى شابا في الرئاسة ويستقيل يوحنا . ومات شابا سنة 1488 م ونرأس يوحنا حتى توفي سنة 1492 م وكان رجلا وديعا متواضعا صالحا.
وانتخبوا بعده المطران باسيليوس مسعود وهو الثاني سنة 1492 م ويقال انه احتفل بتجليسه يوحنا الثالث عشر البطريرك الانطاكي ولكنه أساء التصرف بامور الرئاسة كما ركبه العجب في منصبه وخرق قوانين الكنيسة بانه اقام مفريانا لطور عبدين ورسم أساقفة كثيرين بدون ابرشيات نحو العشرة او الاثني عشر اسقفا . فناهضه اساقفة منطقته واعفوه من المنصب, وتأكدوا ان بطريركية طور عبدين الهزيلة لا خير فيها, ونادوا بالصلح مع الكرسي الانطاكي وأدوا له الطاعة في مطلع رئاسة مار نوح البطريرك الانطاكي سنة 1495 م . اما مسعود الثاني البطريرك المعفى فانه انفرد في دير بخربوت . وهذا الصلح الاول الذي عقد مع الكرسي الرسولي في دير الزعفران .
الا ان البطريرك مسعود الذي اقيل عاد الى الرئاسة مرة اخرى بطريقة غير مشروعة في ذلك الوقت العصيب وتوفي سنة 1512 م وخلفه ابن اخيه باسيليوس يشوع مطران زركل وهو الثالث بهذا الاسم سنة 1516 م حتى توفي في اورشليم سنة 1551 م وكان رجلا عفا ورسم مفريانين واحدا بعد الآخر ، وخلفه البطريرك يعقوب بن القس شمس الدين وكان اسقف زركل منذ سنة 1551 م واستمر في الرئاسة حتى سنة 1571 م حيث عقد الصلح مع الكرسي الرسولي الانطاكي للمرة الثانية في عهد البطريرك نعمة المارديني بطريرك انطاكية وفي مطلع عهد بطريركية داود شاه الثاني بطريرك انطاكية.
الا ان بعض المتمردين في حصن كيفا استمروا بالشقاق ورئسهم بطريرك اسمه سهدو المذياتي من سنة 1583 م حتى سنة 1621 م مدة ثماني وثلاثين سنة . وخلفه عبدو المذياتي, وهو من اقاربه سنة 1628 . ثم انقطعت هذه الرئاسة لانه عقد الصلح مع الكرسي الرسولي الثالثة .
وفي سنة 1674 تفطرك المفريان حبيب المذياتي الرجل الناسك فقاومه ثلاثة اساقفة معاندين واقاموا خلفا له دنحا بطريقة غير مشروعة سنة . 1688 وخلفه بطريرك اسمه دنحا العرناسي سنة 1707 م حتى سنة 1725 . وتصالحوا من جديد مع الكرسي الرسولي للمرة الرابعة بهمة المفريان شمعون الثاني الشهير الذي رسمه مفريانا البطريرك اسحق سنة 1710 . وخلفه المفريان دنحا بالطه جي العرناسي في تموز سنة 1740 . في السنة ذاتها رغب المطران الجديد برصوم في البطريركية واستمر حتى سنة 1791 م ، بينما البطريرك جرجس الرابع الانطاكي رسم لهم مفريانا صليبا العطار السبريني سنة 1779 .
وفي الوقت ذاته رسموا هم لهم مفريانا اسمه عبد اللـه الحاحي . ولما توفي البطريرك برصوم نشب بينهم شقاق وخلفه بطريركان من اربو, هما الربان اشعيا الناسك, وآحو اسقف دير ما رملكي سنة 1791 . وهنا شرع المفريان صليبا الغبي ذو التصرفات الصبيانية شرع يعطي وضع اليد بطريقة بعيدة كل البعد عن الصفات الشرعية على غرار رئاسته الهزيلة المشينة . وفي وقت قصير خمسة اشخاص انتحلوا البطريركية الزائفة, هم : يوسف اسقف دير الصليب سنة 1803, واسحق الازخي 1804, وبرصوم الحبابي سنة 1812, وبرصوم السبريني 1813, وميرزا السبريني 1816, وفي السنة التالية توفي احو واشعيا وصليبا, واضيف على هؤلاء الخمسة زيتون المذياتي سنة 1821, ثم عبد النور الاربوي . وتمفرن ايضا برصوم النحلي 1815 ثم عبد الاحد آل كندو النحلي سنة 1821 .
ولما عاد للصلح البطريرك جرجس الخامس الانطاكي سنة 1821 برسالة عامة وجهها اليهم ولم يفلح . تصالح البطريرك الياس الثاني في مطلع رئاسته سنة 1838 مع المفريان عبد الاحد بواسطة والي ديار بكر الذي ارغم البطاركة غير الشرعيين ان يتخلوا من الاسم المنتحل الذي كانوا متمسكين به . واعاد (البطريرك) الدرجات الاسقفية الى سابق شرعيتها . وقد توفي البطاركة غير الشرعيين تباعا وكان آخرهم مرزا سنة 1859 ثم زيتون المذياتي سنة 1869 . وانقطعت هنا السلسلة التي اساءت الى القوانين الكنسية اساءة عظيمة .
واستمر المفريان عبد الاحد في رئاسة طور عبدين حتى قتله بعض الاكراد في اذار سنة 1844 .
استمر شقاق طور عبدين مدة 475 سنة اعتبارا من سنة 1364 حتى سنة 1839 . وعقدوا الصلح مع الكرسي الرسولي خمس مرات واخيرا شعروا بما جره الشقاق من الضعف والهزال لكنيسة طور عبدين .