الفصـل الخـامس
كان في طـور عبدين ثلاثة حصون هي : حصن الهيثم ، وحصن كيفا ( الحصن الحجري ) والقلعة الجديدة.
وحدثنا الربان ايوب الحبسناسي في القصة التي كتبها للقديس شمعون الزيتوني قال:
في سنة 602 يونانية ( 351 م ) أمر قوسطوس بن قسطنطين الكبير ، ديمتريوس القائد بعد زمان ان يبني في مدينة آمد حصناً وهو الذي سمي به حصن ديمتريوس ، وهو المعروف بقلعة هيثم ، لكي يمنع الفرس من غزو المناطق العربية الشمالية والبلاد الرومانية ، وبعد مدة طويلة زحف الفرس ، فدكّوا جميع حصون طور عبدين ، وبقي حصن ديمتريوس هذا وحده ، اما بقية الحصون فبقيت خربة وخالية .
وفي سنة 995 يونانية ( 684 م ) أُقيم حصن جديد ، بناه رئيسا المنطقة ابراهيم ولعازر ، بعناية مار شمعون ( الزيتوني ) الذي طلب اليهما ، فجمعوا اربعمئة نقّار وحجّار ونحّات وكلهم من ابناء تلك المنطقة ، فشيدوا الحصن لكي يلجأ اليه سكان المنطقة في وقت الضيقات والحروب الناشبة بين الرومان والفرس .
وفي سنة 1062 يونانية ( 751م ) دكّ هذا الحصن رومي حاكم طور عبدين ، وهدم معاقله وأحرق أبوابه بالنار ، لأنه وجد ان الحروب مستمرة وقاسية على المنطقة بسبب هذا الحصن الحصين
وفي سنة 1283 يونانية ( 972 م ) بني هذا الحصن للمرة الثالثة بيد هيثم.
ان حصن هيثم هذا أقيم في الجنوب الشرقي لطور عبدين ، ومن قراه المشهورة هي باسبرينا ، وسميت المنطقة في وقت بنائه باسم منطقة هيثم . وكان غنياً بالغلال . ذكر الامير شرف البدليسي في كتابه ( الشرفنامة ) ان معظم الغلال التي كانت ترد للامراء البختيين ، أي في القرن السادس عشر ، من منطقة هيثم هذه .
ويتحدث القس ادي السبريني في القرن الخامس عشر ، انه كان في قلعة هيثم والٍ ، وكان الاكراد
والتركمان وأبناء الحصن يقتتلون في سبيله ، وفي سنة 1462م ، أخذ كور خليل قلعة هيثم من أحمد ابن نطفة .
وحدث المؤرخ القرتميني قال : في سنة 801 يونانية ( 590 م ) زحف الفرس وأحرقوا دير قرتمين ، وفي سنة 916 يونانية ( 605 م ) دكّ حصن طور عبدين
وخلاصة القول ، ليس لدينا مصادر تاريخية هامة في هذه المنطقة غير التي سجلت بالسريانية وبيد أبنائها ، وخاصة القس ادي السبريني.
ومما نعرفه عنها هو:
في سنة 1709 يونانية ( 1398 م ) في نهاية ايلول نشبت حرب على القرية الصغيرة المسماة ( الدير الصغير ) في منطقة باعـربايا ( ديار العرب ) قتل فيها بدر الدين والي قلعة هيثم ، فانه مات في حصن كيفا متأثراً من جرح بليغ فيه ، واندحر الرئيس ملكي السبريني ومن معه .
وفي سنة 1743 يونانية ( 1432 م ) استولى الاكراد على قلعة هيثم ، وفي سنة 1744 ( 1433 م ) نهب السلطان حمزة بن عرتمان التركي ( الاصح التركماني ) منطقة هيثم ، وساق في السبي جميع سكان باسبرينا وأسكنهم في منطقة ماردين حتى تصالح الولاة فافتدوا بني باسبرينا بمبلغ باهض واسترجعوهم من حكم حمزة ، وذهب وزير الحصن وأتى بالفلاحين الى القرية .
وفي سنة 1759 يونانية ( 1448 م ) اسر علي صاحب القلعة الجديدة من قبل الأمير احمد صاحب قلعة هيثم وهو ابن نطفة .
وفي سنة 1762 يونانية ( 1451 م ) نزل الى قلعة هيثم الملك الحسن ، والملك مبارك ، والملك سليم أبناء الملك كامل ، واستقبلهم أميرها حاجي عون ، وحاكوا مؤامرة وهاجموا قلعة الحصن ، وقتلوا أخاهم ناصر ، وملك أخوه محمد .
وفي سنة 1773 يونانية ( 1462 م ) استولى الامير التركي الأعور ابن خليل مولى حسن بك الطويل على قلعة هيثم ، وطرد منها الامير احمد بن نطفة الضرير ، وجمع اليه عصابات كثيرة من الاكراد اليزيدية والجارودية والمحلمية ، وامرهم ان يعيثوا في الارض سلباً ونهباً وتقتيلاً ، وان يقتلوا الامير أحمد الأعور المتحصّن يومئذ في القلعة . اما خليل المشار اليه فقد كان مستوليا على مدينة شروان ، وكان في صبيحة كل يوم يهاجم صاحب قلعة هيثم ، ويسبي ويقتل من الاكراد أتباع الضرير . وكان المتحصنون في قلعة هيثم ايضاً يخرجون ويعيثون في المسيحيين نهباً وقتلاً . وارسل ابن نطفة لصوصاً على باسبرينا فقتلوا فيها ثلاثة رجال وسبوا كثيرين ، وأسّروهم في القلعة وباعوا كل واحد منهم بمبلغ باهض من المال . اما صاحب هيثم فانه ثار على الحصنيين والتركمان ، واستولى على مقادير كثيرة من الحنطة والشعير والعسل والزبيب والاغطية المحفوظة في القلعة ، واستحلف التركمان بالا يسيئوا اليه ، وأعطوه قلعة هيثم بعد ان كبّد المنطقة ضيقات كثيرة .
اما بقية الحصون بما فيهم حصن هيثم ايضاً ، فتروى عنها الاحاديث التالية :
“ حدثنا كاتب قصة مار يعقوب الحبيس في دير صلح قال :
ان آمد احبها الملك قسطوس بن قسطنطين الكبير ، لأنه هو الذي رمّمها وجمّلها وفضّلها على جميع مدن مملكته ، وأخضع لها سائر المدن من رأس العين الى نصيبين . ومن ميافرقاط وأرزون والى حدود كردستان . وبما ان هذه المناطق كانت مجاورة لبلاد الفرس ، وكان اللصوص الفارسيون يغيرون عليها فيسلبون وينهبون ويقتلون ، اما طور عبدين فكان منطقة متوسطة بين هذه المناطق ، فابتنى فيه الملك حصنين عظيمين وحصينين ليكونا ملجأ لسكان هذه المناطق ابان المحن وخاصة عند غارات العصابات الفارسية . وأقام احدهما على الحدود العربية الى جانب الجبل ( وهذا هو حصن هيثم ) وشيد الثاني على نهر دجلة وسمّاه حصن كيفا او الحصن الحجري ، وجعله قلعة لحماية المنطقة كلها . واشتهر هذا الحصن الحجري بعد زمن طويل بالملوك الأقوياء الأيوبيين ، كما سيأتي في حينه .
وحدثنا مار ميخائيل الكبير في تاريخه ص 390 وفي احداث سنة 604 قال : ان الفرس هاجموا دارا وطور عبدين ، وحاصروا حصن كيفا مدة سنتين ، ولم يؤذوا احداً غير الرومانيين فكانوا يقتلونهم حيثما وجدوهم ، وحينئذ استسلم الحصن للفرس .
وهناك قلعة اخرى في باسبرينا ذكرها القس ادي في سنة 1451م وتدعى قلعة المحلمية ، وكانت قلعة صغيرة ، كما كانت هناك قلاع صغيرة اخرى في بعض القرى ، كالقلعة التي كانت في قرية ( بيت اسحق ) والقلعة المسماة ، القلعة الجديدة . وقال ايضاً ، ان صاحب هذه القلعة علي غرزان الفيشي أسّره الامير احمد بن نطفة صاحب قلعة هيثم سنة 1448 م .
وفي سنة 1771 يونانية ( 1460 م ) استولى الأتراك آل حسن باك او حسن الطويل ، على القلعة الجديدة ، وطردوا منها المحلمية . ان القس ادى ذكر هذه القلعة في سنة 1395 م قال : عندما زحفت جيوش تيمورخان الى بيت ريشا وطور عبدين ، التجأ بعض السكان الى حصن كيفا ( الحصن الحجري ) والتجأ غيرهم الى حصن هيثم والقلعة الجديدة .
وذكر شرفخان في كتابه ، ان السلطان التركي ، اعاد لبدر بك الثاني بن شاه علي بك ولاية الجزيرة ما خلا جبل طور عبدين ، وكانت هذه المنطقة تشمل طور عبدين ومنطقة هيثم ، اعني قلعة هيثم ، وعندما توفى أخوه ناصر بك استعاد تحت سلطانه جبل هيثم كما كان سابقاً ص 156-160 وملك بدر هذا من سنة 1514 م وحتى 1568 أو اكثر ( 1570م ؟ ) وعاش خمساً وتسعين سنة . وخلفه ابنه محمد الاول وقتل سنة 1578 م .
وعندما مات ناصر ، رغب ابنه خان عبدال ان يخلفه في الامارة ، علي جبل هيثم ، ولما ذهب الى السلطان سليم لم ينجح وقتل .
وقال ايضاً في ص 149 ان منطقة هيثم ، ومعظم سكانها مسيحيون هي منطقة غنية ، ومعظم الغلال الواردة لأمراء الجزيرة كانت ترد منها ، والقبيلة الكردية التي سكنتها كانت قبيلة جلكي .