الاثنا عشر رسولا – يسوع يرسل الرسل – الاضطهاد المنتظر للتلاميذ – لا تخافوا –
الاعتراف بالمسيح او انكاره – يسوع والعالم
الاثنا عشر رسولا
عدد 1 : ثم دعا تلاميذه الاثني عشر واعطاهم سلطاناً على ارواح نجسة حتى يخرجوها ، ويشفوا كل مرض وكل ضعف .
فلم يرد ان يأتوا هم اليه ليبين اتضاعه فارسل تلاميذه ليعدهم للقتال كالطير لفراخه ولاجل شرفهم . وكان يرسل السبعين تلميذاعلى الدوام اما الرسل فارسلهم مرة واحدة للاستعداد وانه رأى الجموع منطرحين وليس فيهم احد يطلب خلاص نفسه الهالكة بالخطيئة فدعاهم ولم يأتوا لاجل ذلك ارسل تلاميذه . ورب قائل كيف كانوا يخرجون الارواح والروح لم يكن قد اعطي ولا المسيح كان قد مجد بعد ؟ فنجيب انهم كانوا يخرجونهم بسلطانه . ثم ان الارواح النجسة يعني الشياطين هم سبب الخطايا والخطايا هي علة الاوجاع والامراض في النفس والجسد . ولاجل ذلك امرهم اولا ان يخرجوا الارواح النجسة لانه متى ما زالت اسباب الخطايا والامراض زالت الخطايا كذلك .
عدد 2 : واما اسماء الاثني عشر رسولاًًًًًفهي هذه : الاول سمعان الذي يقال له بطرس ، واندراوس اخوه . يعقوب بن زبدي ، ويوحنا أخوه .
اي ان عددهم اثنا عشر لا غير كالاثني عشر سبطاًًًًً الذي ادخلهم يعقوب في ميراثه اذ يحسب ابني الابن الواحد عوض ابيه يوسف والآخر عوض عمه لاوي لانه ورث قربان الرب وقد ارسلهم المسيح اثنين اثنين لكي يعينوا بعضهم بعضاًًًًً . وقال الذهبي الفم ان متى لم يذكرهم مرتين فان يوحنا مع كونه افضل من جميعهم ومن اخيه فقد ذكره بعد اخيه ولكن مرقس قد رتبهم صيدا . فقد ذكر يوحنا ان سمعان واندراوس من سبط نفتالين من بيت صيدا . اما اوسبيوس فيقول ان سمعان واندراوس كانا من كفرناحوم .
عدد 3 : فيلبس ، وبرتلماوس . توما ، ومتى العشار . يعقوب بن حلفى ، وتداوس .
يعقوب بن زبدى ويوحنا أخوه من سبط زابلون . وفيلبس وبرتلماوس من سبط اشير فيلبس من بيت صيدا وبرتلماوس من عيرعير القرية وقيل ان برتلماوس هو ناثانائيل . وآخرون يقولون ان برتلماوس كان يدعى يسوع واجلالا لمعلمهم ابدلوا اسمه باسم ابيه برتلماوس وقيل انه من سبط يساخر . فذكر متى هنا اسمه بعد اسم توما اتضّاعا منه مع ان الانجيليين الثلاثة الأخر قد ذكروا اسمه قبل توما . توما من سبط يهوذا ومتى من سبط يساخر من الناصرة أما يعقوب بن حلفى فهو من سبط منسى تداوس من سبط شمعون وكان لهذا ثلاثة اسماء لاباي وتداوس ويهوذا ابن يعقوب ولقب لاباي وتداوس لحكمته.
عدد 4 : سمعان القانوي ، ويهوذا الاسخريوطي الذي اسلمه .
سمعان القانوي من سبط افرام من قانا الجليل وقال آخرون ان سمعان هو من الكنعانين والحقيقة انه من قانا قريته . ويهوذا الاسخريوطي من سبط جاد من قرية سخريوط وارتأى بعضهم انه من سبط روبيل . ستة منهم يدعون بثلاثة اسماء كل اثنين باسم واحد سمعان بطرس وسمعان القانوي . يعقوب بن زبدى يعقوب بن حلفى . ويهوذا ابن يعقوب الذي هو تداوس ويهوذا الاسخريوطي . اثنان منهم كانا عشارين متى ويعقوب ابن حلفى واربعة منهم صيادين وواحدا خائنا.
يسوع يرسل الرسل
عدد 5 : هؤلاء الاثنا عشر ارسلهم يسوع واوصاهم قائلاً : الى طريق امم لا تمضوا ، والى مدينة للسامريين لا تدخلوا .
فقد دعا الشعوب الذين كانوا يعبدون الاصنام امما . فهنا منع الرسل من الذهاب عند الحنفاء والسامريين . وفي موضع آخر بعد قيامته ارسلهم الى كل الامم قائلاً اذهبوا وتلمذوا كل الامم . فقد نهى رسله عن مخالطة الامم والسمرة لان اليهود كانوا ينفرون منهم . فلكي لا يتذمروا عليه قائلين انه يرسل رسله الى من نبغضهم منع رسله عن ذلك . فقال الى طريق الامم لا تتجهوا يعني لا تتركوا بلاد اليهود وتذهبوا الى بلاد الحنفاء الكافرين . اما قوله ًً ومدن السامريين لا تدخلوا ًً ذلك لانها كانت داخل بلاد اليهود فلذلك امرهم الا يدخلوها . واراد بطريق الامم ايضا عوائد الحنفاء وسيرتهم القبيحة ونواميسهم فامرهم ان يحيدوا عنها واراد بمدن السمرة عوائد السامريين التي تحدث في المدينة ومعتقداتهم المضلة فأمرهم ان يردلوها وهي التي اشار اليها سليمان الحكيم في الامثال بقوله يوجد طريق يظن انها مستقيمة مع انها تؤدي الى هاوية الهلاك .
عدد 6 : بل اذهبوا بالحري الى خراف بيت اسرائيل الضالة .
اراد بالخراف الضالة اولئك الذين زاغوا عن طريق الحق والتعاليم الصحيحة وتمسكوا بمعتقدات الكتبة والفريسيين واضاليلهم . فامر رسله ان ينطلقوا الى هؤلاء الخراف ليرجعوهم الى طريق التوبة والخلاص .
عدد 7 : وفيما انتم ذاهبون اكرزوا قائلين : انه قد اقترب ملكوت السماوات
اراد بالملكوت ذلك التنعم الابدي الذي نرجو الحصول عليه بعد ان تنكسر شوكة الموت والخطيئة . وقوله ” قد اقترب ” اي من الذين ينالون سر المعمودية .
عدد 8 : اشفوا مرضى . طهّروا برصاً . اقيموا موتى . اخرجوا شياطين . مجاناً اخذتم ، مجاناًًًًًاعطوا
انه نهاهم عن اخذ اجرة مقابل اعجوبة يصنعونها او مرض يشفونه او هبة يمنحونها . واوصاهم ان يفعلوا كل ذلك مجاناًًًًًكما فعل هو وعلمنا ان تكون اعمالنا صادرة عن قلب نقي ونيّة طاهرة لا غش فيها . اما نهيه الرسل عن اخذ اجرة فذلك ليبعد قلوبهم عن محبة الفضة ولكي لا يظنوا انه بقوتهم يعملون العجائب فيتكبرون متشبهين بكهنة اليهود الذين يعملون بالاجرة والانبياء الذين يتنبؤون بالفضة .
عدد 9 : لا تقتنوا ذهباًًًًً ولا فضة ولا نحاساًًًًً في مناطقكم .
فقد استأصل منهم هذا الداء العضال وابعدهم عن الظن الشرير ليتفرغوا للتبشير . لان من كان مثلهم يطهر البرص ويخرج الشياطين لا يحتاج الى الفضة . ( نحاسا) اي النقود التي تتداولها ايدي الناس في البيع والشراء
عدد 10 : ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصاً ، لان الفاعل مستحق طعامه .
اي ان من يقتني مزوداً فهو عديم اليقين بقوله فيحمل كيسا معه . ( ولا ثوبين ) اي لا تتخذوا الصلاح والطلاح ( ولا حذاء ) لان الدبابات لا يمكنها ان تقترب منكم ولكي يتجردوا وقد دعاه مرقس خفا بقوله لا تلبسوا خفا في ارجلكم والملاك قال لبطرس البس خفيك . ومنعهم عن أخذ عصا بايديهم لانها تمسك احتراسا من شر الناس او الحيوانات المؤذية وأفهمهم ان القوة الالهية القادرة على كل شيء ترافقهم في مسيرتهم فلا حاجة الى أخذ عصا أوغيرها . وقوله ( لا تقتنوا ذهبا ) اي لا تتشبهوا بيهوذا وعاكار وجحزي ” ولا نحاسا ” لانه يصدأ عاجلا . وقوله هذا رمز عن صدأ النفس بالخطيئة فيأمرنا ان نبتعد عن الخطيئة الممثلة بالنحاس ( ولا مزودا ) علامة السذاجة والتواضع ( ولا عصاً ) لانهم لم يخرجوا ليرعوا القطعان الضالة على مثال موسى . ورب قائل يقول فلا بدع اذا حسب التجرد عن الذهب والفضة فضيلة . ولكن اي فضيلة في التجرد عن المزود والثوبين والعصاء ؟ فنجيب ان المسيح أمر رسله بذلك ليعلمهم كمال التجرد عن مقتنيات هذا العالم وهو القائل لا تهتموا بشأن الغد . ولما ارسلهم في المرة الاولى للتعليم نهاهم عن ان يأخذوا شيئاً معهم لأنهم كانوا مرسلين لليهودية . غير انه لما ارسلهم بعد قيامته للمرة الثانية للتبشير في العالم كله لم ينههم عن أخذ شيء لانهم كانوا مزمعين ان يبشروا الكفرة وهؤلاء يأبون مخالطة المؤمنين فضلاً عن القيام بما يحتاجون اليه من القوت والكسوة ولذا فان الرسل أخذوا معهم ما يلزمهم فان بطرس قد اخذ نعلين وبولس قد اخذ رداء وكتبا ونفقة من اهل فيلبي شاكرا فضلهم متعجبا من سخائهم وكذا التلامذة فقد اقتنوا ما هو ضروري لهم من غير ان يتعدوا وصايا المسيح . واتضح مما تقدم ان المسيح كان يأمرهم تارة وينهيهم اخرى عن مقتنى شيء بحسب الامكنة التي كانوا مزمعين ان يتوجهوا اليها كمثل موسى لما ارسل الى مصر ولما اخرجهم عالهم في القفر بلا زاد بما انهم لم يقتنوا شيئا ذ علموا ان الله مهتم بأمرهم . ولما كان الرسل يمضون عند المؤمنين كانوا يتزودون منهم ماهم محتاجين اليه كما فعل بولس وغيره من الرسل ولكنهم لم يكونوا يطلبون شيئاًًًًًمن الكفرة والغير المؤمنين كما نهاهم السيد المسيح اذ قال لهم ” لا تقتنوا شيئا” . وبقوله ” الفاعل مستحق طعامه ” سمى الرسل فعلة لانهم اصلحوا الارض واستأصلوا منها أشواك الخطيئة . فقال طعامه ولا اجرته لان اجرهم يأخذونه في يوم الحكم والدين .
عدد 11 : واية مدينة أو قرية دخلتموها فافحصوا من فيها مستحق ، وأقيموا هناك حتى تخرجوا .
ان المسيح لم يعط رسله ان يعرفوا من يستحق ذهابهم اليه او من لا يستحق ذلك لئلا يهربوا من مدن كثيرة ومن كثيرين غير مستحقين فيكون لدى الآخرين حجة انه لم يأت اليهم رسول ليبشرهم ولا سمعوا باسم المسيح لكنه اوصى رسله ان يحترزوا من ان يدخلوا بيوت الاشرار والكفرة الذين لا يريدون الرجوع عن كفرهم . ورب قائل يقول اذاًًًًً كيف دخل هو بيت زكى العشار ؟ فنجيب لانه ادرك بسابق علمه انه سيرجع عن ظلمه وخطفه أموال الناس. ثم قال ” وكونوا هناك حتى تخرجوا ” لكي لا يكثروا التنقل من بيت الى آخر فيحزن الذين قبلوهم ظناًًًًمنهم انهم محبون لبطونهم ومراءون وكذلك الا يبغضوا من لا يكرمهم كما يجب
عدد 12 : وحين تدخلون البيت سلموا عليه ،
أراد بقوله هذا ان يباديء رسله الناس بالسلام اولا لان سلامهم ليس عادياًًًًًولكنه مقرون بالبركات .
عدد 13 : فان كان البيت مستحقاًًًًًفليأت سلامكم عليه ، ولكن ان لم يكن مستحقاً فليرجع سلامكم اليكم .
اي انه مع حلول السلام على البيت الذي يدخلونه تحل البركة ايضا. وقوله ” ان كان غير مستحق ” معناه ان الغضب الذي حل على البيت الذي أبى قبولهم حرمه البركة عدى الدينونة التي حفظت له . ولعل سائلاًًًًًيسأل قائلاًًًًًكيف قال قبلا اسألوا عمن يستحقكم والان يقول ان كان غير مستحق ؟ فنجيب انه لما أمر ان يسألوا وبعد ذلك يدخلون زاد على ذلك قائلاًًًًًان لم يستحقوا . لانه قد يتفق ان الذين يسألون منهم لا يعرفون او ربما مدحوا مواطنيهم أمام الرسل بداعي المحبة الجنسية .
عدد 14 : ومن لا يقبلكم ولا يسمع كلامكم فاخرجوا خارجاً من ذلك البيت او من تلك المدينة ، وانفضوا غبار أرجلكم .
أي ان الطريق التي يسلكونها بمشقة ليبشروهم بانجيل المسيح يتركونها لهم شهادة . لانهم رفضوا قبول البشارة منهم ولذا فانهم سوف ينالون دينونة عن ذلك . ونفض الغبار دليل على العناء الذي قاسوه في الطريق وانهم مع تبشيرهم باسم المسيح صاحب البشارة كانوا يعلنون عنه انه الله وابن الله وباسمه كانوا يعمدون المؤمنين الذين كانوا قد اعتمدوا بمعمودية يوحنا لغفرن الخطايا لان الرسل لم يعيدوا تعميدهم قبل آلام المسيح ولكن بعد القيامة لكي يقبلوا الروح القدس . أما المسيح فلم يعمد أحداًًًًًقط .
عدد 15 : الحق اقول لكم ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدين حالة أكثر احتمالاً مما لتلك المدينة .
اي ان سكان سادوم وعمورة ستكون حالتهم يوم الدينونة أخف من اولئك الذين يرفضون تعاليمه لان اهل سدوم وعمورة نالوا جزءاًًًًًمن العذاب في هذا العالم ولذلك فسيكون عذابهم في العالم الأخير أخف مما يستحقونه .
الاضطهاد المنتظر للتلاميذ
عدد 16 : “ ها انا ارسلكم كغنم في وسط ذئاب . فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام .
شبه الرسل والمسيحيين بالخراف والحنفاء واليهود بالذئاب فكما ان الخراف تجهل شر الذئاب فتخطفها هذه وتمزقها فهكذا اوصى رسله ان يكونوا ودعاء فقد اشار بالذئاب عن قحة الاعداء وخبثهم .
ان في الحية اربع صفات منها انها تسلم جسدها للضرب مدافعة عن رأسها فيريد بذلك ان نقتدي بالحية محافظين على ايماننا الذي بمنزلة الراس وان اسلمنا اجسادنا للعذاب والشدائد . وأيضا اذا شاخت الحية ثقل جلدها وعميت عيناها فتصوم اربعين يوماًًًًًحتى يضعف جسدها ثم تدخل في ثقب ضيق فتزحم من ضيقة الموضع الذي جازت فيه فتنزع عنها جلدها الشائخ فيتجدد شبابها وتتقوى وتنفتح عيناها . فيعلمنا ربنا مما تقدم ان ندخل الباب الضيق المكنى به عن التجارب وننزع عنا الثياب العتيقة المشبهة بالخطيئة ونلبس الجديدة متجددين شبه خالقنا كما قد قيل أدخلوا من الباب الضيق . ثم ان الحية اذا ارادت ان تشرب ماء تخفي سمها فكذلك الذين يكرزون بالبشلرة لا يجب ان يحقدوا على من يضطهدونهم لان الذين يتوقون الى الشرب من ماء الحياة اي من التعاليم الالهية ينبغي ان يتنقوا من الشهوات الجسدية المشبهة بالسم . ثم ان الحية اذا رأت انساناً عرياناً خافت وهربت منه واذا رأته لابسا هجمت عليه . فيفهم من ذلك انه مادمنا في الافكار النجسة سهل على الشيطان اقتناصنا وتجربتنا واذا تعرينا عنها صعب عليه التغلب علينا فيولي هارباًًًًًمنا . وقوله ” وودعاء كالحمام ” هو ان الحمام اذا قتلت فراخه لا يغضب ولا يترك مكانه . فيريد المسيح ان نتشبه به مبتعددين عن ايقاع الضرر بمبغضينا والحقد على من يضطهدنا وبذلك نقوى على جذبهم الى الايمان والصلاح .
عدد 17 : ولكن احذروا من الناس ، لأنهم سيسلمونكم الى مجالس ، وفي مجامعهم يجلدونكم .
عدد 18 : وتساقون امام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم وللأمم .
فقد حذر هنا رسله من ان يسلموا ذواتهم للشدائد منبئا اياهم عما سيلاقونه من الشدائد وانواع العذابات وغيرهم من اليهود بسبب تبشيرهم بتعاليمه وأوصاهم ان يحتملوا ذلك كله بالصبر .
عدد 19 : فمتى اسلموكم فلا تهتموا كيف او بما تتكلمون ، لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به ،
عدد 20 : لان لستم انتم المتكلمين بل روح ابيكم الذي يتكلم فيكم .
فاوصى رسله الا يخافوا اذا احضروا لدى الولاة والمحاكم ولا يهتموا بما يقولونه دفاعاًًًًًعن تعاليمهم لان المتكلم فيهم هو الروح القدس الذي سيوحي اليهم بما ينطقونه تزكية لنفوسهم
عدد 21 : وسيسلم الاخ اخاه الى المـوت ، والاب ولده ، ويقوم الاولاد على والديهم ويقتلونهم ،
اي انه بسبب كرازتهم بتعاليمي سينالكم كل عذاب واضطهاد حتى من أخوتكم .
عدد 22 : وتكونون مبغضين من الجميع من اجل اسمي ، ولكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص .
انه ان انذرهم بما سينالونه من الشدائد وبغض الناس جميعا لهم لاجل اسمه أخذ يعزيهم ويشجعهم على احتمال ذلك بصبر ليستحقوا المجازاة وهي التمتع بالنعيم الابدي . ثم بعد ان تكلم عن التجارب المزمعين ان يقاسوها من الشعوب بعد قيامته اتبع كلامه قائلا
عدد 23 : ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا الى الأخرى . فاني الحق اقول لكم : لا تكملون مدن اسرائيل حتى ياتي ابن الانسان .
يريد بقوله ” اذا اضطهدوكم اليهود ” . الا انه لا يشير الى الاضطهادات التي سيقاسونها بعد الصليب ولكن الى التي قبل الآلام لاجل ذلك قال اهربوا . ثم قال ” انكم لا تتمون مدن اسرائيل ” ليزيل عنهم الخوف من انهم حيث ذهبوا يطردون . ثم ان المسيح ارسل رسله الاثني عشر دفعتين ففي الاولى الى اليهود وفي الثانيه الى باقي الشعوب قائلاًًًًًامضوا وتلمذوا على الاطلاق فقد قال حتى يأتي ابن البشر . ليعزيهم ويفهمهم ان قبل ان يجولوا جميع مدن اسرائيل وتصادفهم الضيق والشدائد فانه يأتي وينجيهم كما سبق وعد الآب لاسرائيل قائلاًًًًًنك حيثما تذكر اسمي فالى هناك آتي وأباركك . فقد اتضح ان المراد من المجيء هو المعونة والمساعددة . ثم حذرهم من ان يضعف صبرهم ورجاؤهم لانه هو ايضاًًًًًقبل الاهانة .
لا تخافوا
عدد 24 : ليس التلميذ افضل من المعلم ، ولا العبد افضل من سيده .
يريد بذلك ان التلميذ لا يفضل معلمه ما دام هو خاضعاًًًًًله وتحت سيطرته وان كان ممكناًًًًًان يفوق معلمه . ها اننا نرى صاموئيل قد فاق عيلي وبولص غمالائيل معلمه ، وعبيد كثيرون فاقوا ساداتهم .
عدد 25 : يكفي التلميذ ان يكون كمعلمه ، والعبد كسيده . ان كانوا قد لقبوا رب البيت بعلزبول ، فكم بالاحرى أهل بيته !
مثّل ذاته برب البيت فقال اذا كانوا قد شتموني ودعوني شيطانا وانا معلمكم فلا بدع اذا شتموكم وأهانوكم وانتم تلاميذي فاحتملوا ذلك بصبر واناة . واليهود بمصاحبتهم للشياطين عرفوا ان رئيسهم هو يدعى بعلزبول .
عدد 26 : فلا تخافوهم . لأنه ليس مكتوم لن يستعلن ، ولا خفي لن يعرف .
اي يجب الا تخافوا من الاعداء الذين يحتجون عليكم بحجج كاذبة فان الكذب لا يدوم وسيأتي زمن ينكشف فيه ستار الشك عن وجه الحقيقة .
عدد 27 : الذي اقوله لكم في الظلمة قولوه في النور ، والذي تسمعونه في الاذن نادوا به على السطوح ،
اي ان ما ابيح به سراًًًًً ينادى به على مسمع من الناس لانه لو اظهر تعاليمه جهاراًًًًً بنفسه لقالوا له انت تشهد لذاتك . لهذا قال لهم ان الذي اقوله لكم في الظلمة نادوا به انتم على السطوح وامام الولاة والملوك .
عدد 28 : ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون ان يقتلوها ، بل خافوا بالحري من الذي يقدر ان يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم .
اي لا تخافوا ممن يستطيع ان يقتل جسدكم ولا سلطان له على قتل انفسكم ولكن يجب ان تخافوا ممن يقتل النفس والجسد معاًًًًً ويلقيهما في عذاب لا نهاية له . وان كان للناس سلطان مرة واحدة على الجسد في هذا العالم فقط فانّ لله سلطاناًًًًً على النفس والجسد معاًًًًً الى الابد ولذا فيكون عذاب من له السلطان على العالمين اشد ومن غير نهاية . ثم انه لم يرد بقوله هذا ان النفس والجسد يهلكان وانما قال ذلك على سبيل الارهاب لان جهنم هي معذبة للاحياء لا آكلة فاذا الجسد يفنى هناك لا النفس .
عدد 29 : أليس عصفوران يباعان بفلس ؟ وواحد منهما لا يسقط على الارض بدون ابيكم .
ان العصافير الغالية تباع أفراداًًًًً اما الرخيصة فبالاجمال وذلك كل اثنين بفلس ولولا انها خلقت منذ البدء لخدمة الانسان لما سمح الله بان تسقط بفخ او تقتل . والمراد انه اذا كان تعالى يهتم بأمر مثل هذه العصافير ولا يدع واحداًًًًً منها يسقط في الفخ دون ارادته فكم بالحري يهتم بأمر الانسان . الا ان بعض الجهلة زعموا مما تقدم ان الانسان لا يملك حرية العمل خيراًًًًً كان ام شراًًًًً لان كل ما ياتيه هو انما يكون بارادة الله . اما نحن فنجيب ان ليس كل ما نفعله يكون مصدره الارادة الالهية . فلنا كمال الحرية في عمل ما نريده صالحاًًًًً كان او طالحاًًًًً . اما ارادته تعالى فهي المقومة والمتممة لما نقصده من الخير . غير ان فحوى الكلام هو انه لولا تخلق الطيور لاستعمال الناس كقوله مخاطباًًًًً الانسان 00 على حيتان البحر وطيور السماء سلطتك لما سقط في الارض ولا خرجت سمكة من البحر . ثم انه لم يقل بدون الله ولكنه قال ” بدون ابيكم ” ليظهر جزيل عنايته بنا كما يعتني الاب بالبنين .
عدد 30 : واما انتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة .
ليس المراد من ذلك تعريف عدد الشعر وانما اظهار مزيد اهتمامه وعنايته بنا وبجميع المخلوقات وقد شبه بعضهم شعر الرؤوس بنفس القديسين من الشعوب الذين آمنوا بانذار المسيح وتلاميذه وبالرأس المسيح وقوله ” محصى ” يفيد انها مكتوبة في سفر الحياة .
عدد 31 : فلا تخافوا ! انتم افضل من عصافير كثيرة !
فقد عرف كفاحص القلوب انهم خافوا خوفاًًًًً شديداًًًًً فلهذا قال لهم لا تخافوا ممن يقتل الجسد الذي هو ادنى منزلة من النفس فاذا لم يقتل مات موتاًًًًً طبيعياًًًًً لا محالة .
الاعتراف بالمسيح او انكاره
عدد 32 : فكل من يعترف بي قدام الناس اعترف انا ايضاً به قدام ابي الذي في السموات ،
المعترف به هو الذي يجاهر باسمه وبتعاليمه دون خوف ولا وجل .
عدد 33 : ولكن من ينكرني قدام الناس انكره انا ايضاً قدام ابي الذي في السموات .
اي ان من يستحي من الاعتراف به وبكلامه امام الناس ويكفر اسمه او ينكر على الشهداء قوتهم وثباتهم ولا يسرع الى مساعددة من يلتجئ اليه عند الضيق فلا يستحق ان يكون تلميذا له او يتنعم معه في ملكوت السماء وانما يكون جزاؤه العذاب الذي لا نهاية له .
يسوع والعالم
عدد 34 : لا تظنوا اني جئت لألقي على الارض سلاماًًًًً . ما جئت لألقي سلاماًًًًً بل سيفاًًًًً .
ربما ظن البعض ان كلامه هذا مخالف لقوله انه جاء ليعمل الامن وان يتكلم بالسلام ومناقض لقوله سلامي اعطيكم ولكن من امعن النظر في القولين لا يجد اقل تناقض بينهما فانه لما رأى ارتياب المؤمنين بكرازته انبأهم ان الآباء ينقسمون على اولادهم الذين لم يؤمنوا بالمسيح والبنين على الاباء لانهم تركوا مذهب آبائهم .
عدد 35 : فاني جئت لافرق الانسان ضدّ ابيه ، والابنة ضدّ امها ، والكنة ضدّ حماتها .
اي ان الامن الحقيقي هو افراز الناس عن الشيطان . فبقطع العضو الساقطة من الجسم يكون الامن الحقيقي . وقوله الابنة عن امها اي انه يفرق البيعة من مجمع اليهود لانها تدعى بيعة العريس السماوي والعروس الممجدة . فالكنيسة اكثر حداثة من مجمع اليهود قد خطب في جبل سينا والكنيسة في جبل الزيتون وفي الاردن . فشبه المجمع بالام والحماة والكنيسة بالبنت والعروس ففرق البنت التي آمنت عن الام لان الاولى آمنت وهذه جحدته وكفرت به وباعماله .
عدد 36 : واعداء الانسان اهل بيته .
اراد باهل البيت بني اسرائيل الذين صاروا اعداء له فرفضوا تعاليمه وطردوا رسله الذين هم منهم .
عدد 37 : من احب اباً واماً اكثر مني فلا يستحقني ، ومن احب ابناً او بنتاً اكثر مني فلا يستحقني ،
يوجد في الناس طبيعتان تفوقان ما سواهما من المحبة هما محبة الآباء للابناء ومحبة الابناء لآبائهم . فالذي يحب الله ويبغض الشيطان ينال جزاءه في العالم الآتي والذي يحب ذاته هو بعيد من محبة الله الذي اياه يجب ان نكرم اكثر من كل المخلوقات .
عدد 38 : ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني .
اي ان من لا يميت نفسه عن محبة العالم ويتعرى عن كل مقتنياته وافراحه ولا يحيا لله وحده محتملاًًًًً كل عار واحتقار حباًًًًً به تعالى لا يستحق الجزاء الموعود به ابناؤه فان المراد بحمل الصليب هو احتمال الآلام والشتائم والمشقات والتجرد عن بهرجة هذا العالم واباطيله.
عدد 39 : من وجد حياته يضيعها . ومن أضاع حياته من اجلي يجدها .
يريد ان من متّع نفسه بملاهي هذا الدهر فقد افقدها الحياة . ومن احتمل الشدائد والمشقات فاطماًًًًً نفسه عن لذات هذا العالم فقد استحق الحياة الابدية .
عدد 40 : من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي ارسلني
اي اذا قبلوكم اثبتوا بذلك انهم يحبوني واذا رذلوكم برهنوا على انهم غير حافظين لوصاياي .
عدد 41 : من يقبل نبياً باسم نبي فأجر نبي يأخذ ، ومن يقبل باراً باسم بار فأجر بار يأخذ ،
ان من يقبل الانبياء لا طمعاًًًًً في اكتساب الشهرة والمجد الباطل بل بارادة صالحة ونية طاهرة فذلك ينال الجزاء لان كثيراًًًًً من الناس يعملون الخير طلبا للشهرة . وقوله ” من قبل صديقا الخ ” اي من قبل صديقاًًًًً او نبياًًًًً وان لم يكن هو كذلك بالحقيقة فلن يضيع اجره .
عدد 42 : ومن سقى احد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ ، فالحق اقول لكم انه لا يضيع اجره “.
اي اذا سقى بارادته الصالحة ياخذ اجراًًًًً .