تفسير انجيل متى الاصحاح التاسع عشر

Posted by on Aug 17, 2012 in Library, -الدر الفريد في تفسير العهد الجديد ـ تفسير انجيل متى - مار ديونيسيوس ابن الصليبي | Comments Off on تفسير انجيل متى الاصحاح التاسع عشر

تعليم يسوع عن الطلاق – يسوع يبارك الأطفال – الشاب الغني

 

عدد 1 : ولما أكمل يسوع هذا الكلام انتقل من الجليل وجاء الى تخوم اليهودية من عبر الاردن .

عدد 2 : وتبعته جموع كثيرون فشفاهم هناك .

لأن وقت الآلام كان قريباً لم يصعد الى اورشليم لكنه مكث في تخومها . وقوله ” جموع كثيرون ” يدل على انه شفى مرضى كثيرين .

 

تعليم يسوع عن الطلاق

عدد 3 : وجاء اليه الفريسيون ليجربوه قائلين له : “ هل يحل للرجل ان يطلق زوجته لكل سبب ؟ “

لانهم ما استطاعوا لومه من أجل اعماله فدبروا هذا السؤال حتى يحكموا عليه من جوابه انه يعلم الناموس . فان قال يحل الطلاق اعترضوا عليه بانه قال سابقاً انه ” لا يحل مت 5 : 32 ” وان قال لا يحل قاموا ضده وقالوا ان موسى كتب ان من يريد ان يطلق امراته فليعطها كتاب طلاق ظانين انه قد نسي ما قاله اولاً .

                                                    

عدد 4 : فاجاب وقال لهم : “ أما قراتم ان الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وانثى ؟ 

عدد 5 : وقال : من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامراته ، ويكون الاثنان جسداً واحداً .

كان جواب المسيح حكيماً لانه لم يبادرهم بنعم او لا فيعطيهم فرصة للشكاية بل أخذ يشرح المسألة من بدء الخليقة ومن الوصية . فمن الخليقة لانه لو كان قصد الله ان يترك الانسان امراته ويتزوج باخرى لما كان قد خلق في البدء انثى واحدة لآدم . ومن الوصية لان الله اوصى في كتابه ان يترك الرجل اباه وامه ويلزم امراته ولم يقل نساءه فهذا هو الناموس لان الذي صنع من البدء هو ليس جديداً وبقوله ذكراً وأنثى ابان انهما من اصل واحد وبالزواج صارا جسداً واحداً . فهنا أسند المسيح قوله ” ان يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته ( تك 2 : 24 ) ” الى الله واما موسى فاسنده الى آدم اما نحن فنقول وان كان آدم قد قالها لكن لم يكن من شانه الاطلاع على المستقبل فان ذلك من خصائص الله وحده . وبقوله ” فيصيران كلاهما جسداً واحداً ” ابان كما انه صعب جداً ان يشطر الجسد الواحد الى شطرين هكذا ليس بمأذون ان يترك الرجل امراته لانهما جسد واحد فلا يمكن فصله .

عدد 6 : إذاً ليسا بعد اثنين بل جسـد واحد . فالذي جمعه الله لا يفـرقه انسان “ .

بعد ان أثبت من الناموس ومن الخليقة عدم جواز ترك الرجل امرأته جمع النتيجة قائلاً فليسهما اثنين بل جسد واحد ونفس واحدة غير مفترقين وبقوله “ما جمعه الله فلا يفرقه انسان ” اعلن ان الذين يفرقون يقاومون الله الذي جمع الاثنين واحداً ويقاومون الطبيعة بشطر الجسد الى شطرين ولم يجز المسيح الانفصال الا لعله الزنى سواء كان من قبيل الرجل او المرأة .

عدد 7 : قالوا له : “ فلماذا اوصى موسى ان يعطى كتاب طلاق فتطلق ؟ “

اي كتاب الترك والترك عند اليونان الابتعاد . وكان اليهود يطلقون نسائهم ويتزوجون اخريات لذلك قالوا موسى اوصى لعلهم يثيرون غضب الجموع ويشتمونه .

عدد 8 : قال لهم : “ ان موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم ان تطلقوا نسائكم . ولكن من البدء لم يكن هكذا .

ان موسى لكي يدفع الشر الكبير بالصغير اجاز لهم تطليق المرأة دفعاً لقتلها فكان شيخ اليهود ورؤساؤهم يفجرون بالمتزوجات وكان ازواجهن يخشون باسمهم فلا يجسرون على مقاومتهم ولا يجدون حيلة للتخلص من زوجاتهم الا بدس السم لهن او خنقهن ليلاً قائلين انهن متن موتاً طبيعياً فلاجل هذا أمر موسى ان تعطى كتاب طلاق وتخلى استبقاء لحياتها . ثم ان المسيح علل سماحة موسى لهم بالطلاق لسبب قساوة قلوبهم فاذا لم يقنعهم هذا التعليل فقد اثبت لهم من التوراة ان الله لم يامر بتطليق النساء لانه منذ البدء خلق ذكراً واحداً وانثى واحدة . فلما رأى موسى انهم يتخلصون من نسائهم بالقتل اباح لهم الطلاق الذي لم يكن مشروعاً في الاصل .

 

عدد 9 : واقول : لكم إن من طلق امرأته الا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزنى ، والذي يتزوج بمطلقة يزنى “ .

الزواج عقد الهي فمن حله فهو زان لانه نقض ناموس الله .

 

عدد 10 : قال له تلاميذه : “ ان كان هكذا أمر الرجل مع المرأة ، فلا يوافق ان يتزوج ! “

اي ان كان الزواج يجعل الزوجين جسداً واحداً وان كان طلاق المرأة الشريرة يجعل مطلقها مذنباً فخير للانسان ان يمتنع عن الزواج ويقاتل ضد الشهوة وقول مرقس ” سأله تلاميذه في البيت عن ذلك ( مر 10 : 10 ) ” يدل على فزع التلاميذ .

 

عدد 11 : فقال لهم : “ ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذي أعطي لهم ،

اي ان قولكم “ اجدر للرجل الا يتزوج “ لا يحتمله كل احد ولم يكشف لهم الكلمة لئلا يظنوا انه يضع ناموساً جديداً يقضي بعدم الزواج ثم ان التلاميذ كانوا يفكرون ان سكنى الرجل مع امرأة شريرة صعب وان طلقها وقع تحت ملامة الله لذلك فضلوا عدم الزواج : فرأى سيدنا له المجد انه اذا قال يجب ان لا يتزوجوا خالف الله والناموس وخالف قوله ان الذي جمعه الله لا يفرقه انسان وان قال يجب ان يتزوجوا نقض ناموس البتولية المزمع ان يفرضه فتخلص من الامرين بقوله ” الا للذين وهب لهم ” ولسائل يسأل ان كان احد لا يستطيع ان يحفظ البتولية الا الذي وهب له فكيف يقول جاهدوا للدخول من الباب الضيق . وبصبركم تقتنون أنفسكم . فنجيب ان الارادة لا تكفي وحدها لاختيار البتولية والزهد دون نعمة الله المكملة . لان تكميل ما هو فوق الطبيعة ليس من خصائصنا . فعلينا العزم والاهتمام والنعمة تكمل ذلك . وبقوله الا الذين وهب لهم ابان شرف البتولية وانها عمل فاضل يتم بالاختيار أولاً والموهبة ثانياً . وهنا نرى ان البتولية بالاختيار لا بالضرورة .

 

عدد 12 : لانه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون امهاتهم ، ويوجد خصيان خصاهم الناس ، ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات . من استطاع ان يقبل فليقبل “ .

الخصيان على اربعة انواع وسيدنا تكلم على ثلاثة . فالذين ولدوا من بطون أمهاتهم هؤلاء ذوو عاهة طبيعية او عرضية . والذين خصوهم الناس هؤلاء ذوو عاهة قسرية تنجت عن استبداد الناس بهم وهذان النوعان لا يمدحان ولا يذمان كما لا مدح للنار المحرقة ولا للثلج المبرد . أما النوع الثالث وهم الذين خصوا أنفسهم لاجل الملكوت فهم ممدوحون لان فيهم ثمرة الارادة الحرة حيث قطعوا أفكارهم الرديئة لا أعضائهم . أما النوع الرابع وهم الذين يقطعون أعضائهم التناسلية فهم ملومون جداً لان الذي يقطع عضوه ملوم لانه يرذل خليقة الله ويفسد الانسان الذي هو حسن في خلقته ولا خير في تبتله لانه يحترق في الشهوة . وقد أشجب هؤلاء القديس تاولوغوس في تفسيره هذه الآية . وقد أورد المسيح هؤلاء الخصيان برهاناً موضحاً لتلاميذه ان قولهم ” أجدر للرجل ان لا يتزوج ” أمر ممدوح . لان الذين يخصون أنفسهم لاجل الملكوت لهم الاجر العظيم وأثبت لهم ان البتولية ممكنة وجذبهم اليها خفية . وقد اختلف الناس في منبع الزرع البشري فقال قوم ان معين الشهوة هو المخ وقال غيرهم بل الصلب أما نحن فنقول ان الشهوة لا تنبت من مكان الا من ارادة غير ملجمة ومن فكر منحل وبقوله ” من استطاع ان يحتمل فليحتمل ” أكرم البتولية وأوضح ان الزهد ليس تحت الضرورة لكنه خاضع للارادة الحرة .

 

يسوع يبارك الاطفال

عدد 13 : حينئذٍ قدم اليه صبيان ليضع يديه عليهم ويصلي ، فانتهرهم التلاميذ .

قد جرى الناس على هذه العادة فاذا رأوا قديسين ومتوحدين وأساقفة قدموا لهم اولادهم ليضعوا عليهم أيديهم ويباركونهم . فزجر التلاميذ لهم يدل على سلطانهم . وبقوله دعوا الصبيان علم تلاميذه ان يحبوا التواضع ويبغضوا الكبرياء ولذلك حمل الاطفال واعتنقهم .

عدد 14 : أما يسوع فقال : “ دعوا الاولاد يأتون اليّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات “ .

أي ان الملكوت ميراث المتشبهين بالاطفال طهارة في القلب وعدم الحقد .

 

عدد 15 : فوضع يديه عليهم ، ومضى من هناك .

 

الشاب الغني

عدد 16 : واذا واحد تقدم وقال له : “ أيها المعلم الصالح ، أيّ صلاح اعمل لتمون لي الحيوة الأبدية ؟ “

قال قوم ان هذا الرجل تقدم الى يسوع ليجربه . اما نحن فنقول انه كان محباً للفضة لا مجرباً ويعرف ذلك من قول مرقس “أنه أسرع اليه وجثا له وسأله ( مر 10 : 17 ) وان المسيح نظر اليه وأحبه ” لأنه فاحص القلوب والكلى . ولو دنا اليه مجرباً لاشار الى ذلك وانما لاحظ عليه انه مضروب بحب المال . وقال آخرون انه كان مولعاً بالمجد الباطل وانه كان يقصد نيل المدح من المسيح و لذلك فتح الحديث بالثناء عليه طمعاً في ان يقابله بالمثل فيمدحه ولكن المسيح عرف ما في قلبه وعارضه قائلاً لماذا تدعوني صالحاً كأنه يسأله لماذا تملقني لانك ستتذمر على لشورى عليك ان توزع مقتناك ولسائل يسأل من اين عرف ذاك الفتى ان يسأل عن حياة الابد اذ لا موسى ولا الانبياء كرزوا بحياة الابد ؟ فنجيب انه قد تعلمها من مخلصنا حين كان يصرخ قائلاً ان من يؤمن بي فله حياة الابد .

عدد 17 : فقال له : “ لماذا تدعوني صالحاً ؟ ليس أحد صالحاً الاّ واحد وهو الله . ولكن ان أردت ان تدخل الحيوة فاحفظ الوصايا “ .

لم يخل نفسه من الصلاح بقوله هذا فانه هو الذي قال عن نفسه انا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عوض الخراف . وكذلك لم ينفي الصلاح عن بني البشر لانه قال “ الرجل الصالح من كنزه الصالح يخرج الصالحات ( مت 12 : 35 ) ” وداود النبي قال صالح هو الرجل الذي يترأف ويقرض ( مز 112 : 5 ) ولكنه لما رأى ذلك الشاب ينظر اليه كإنسان ساذج أو كمعلم لليهود لا كإله متأنس فجاوبه على قد فكره أما زعم الهراطقة انه سأله كمن يكلم الله وانه جاوبه كذلك فزعم فاسد . ويرى البعض ان المسيح قصد توبيخه على ريائه . وقوله فاحفظ الوصايا  اي الناموس .

                                                        

عدد 18 : قال له : “ أية الوصايا ؟ “ قال يسوع : “ لا تقتل . لا تزن . لا تسرق . لا تشهد بالزور .

عدد 19 : اكرم اباك وامك ، واحبب قريبك كنفسك “ .

خامر الظن الرجل وصايا أخر غير الناموس توهب الحياة فلذلك سأله مستفهماً ما هي .

عدد 20 : فقال له الشاب : “ هذه كلها حفظتها منذ حداثتي . فماذا يعوزني بعد ؟ “

تأمل كم كان يحفظ ذلك الشاب من الوصايا التي لا يحفظ بعض المسيحيين بعضها الا بالجهد . ولم يكتف بذلك لكنه سأل ماذا ينقضي وهذه علامة شوقه الى الحياة الابدية .

عدد 21 : فقال له يسوع : “ ان اردت ان تكون كاملاً فاذهب وبع املاكك واعطِ الفقراء ، فيكون لك كنز في السماء ، وتعال اتبعني “ .

فبقوله ” ان كنت تريد ” سلمه لارادته . وبقوله ” بع كل شيء ” عرفه بالوصايا التي تؤدي الى طريق الكمال ثم عرفه بمكافأة الانتصار فقال ” فيكون لك كنز ” وهذا جزاء الغلبة . وقد سماه كنزاً ولم يقل الحياة لان الكلام كان عن المقتنى . وكأنه يقول له ان المال الذي يؤخذ منك ويعطى للمساكين لم تفقده بل يزداد كالذخيرة التي لا يشوبها نقص فما أعظم محبي البر . وتعال اتبعني لتعمل ما أمرك به وأعدد نفسك لاحتمال الآلام حتى الموت عني .

عدد 22 : فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزيناً ، لانه كان ذا أموال كثيرة .

من هنا نعلم ان الحزن يزداد كلما ازداد المقتنى .

عدد 23 : فقال يسوع لتلاميذه : “ الحق اقول لكم : انه يعسر ان يدخل غني الى ملكوت السموات !

لم يسم صاحب مال غنياً بل الذي باهتمام زائد وبتعب كثير يجمع الفضة والذهب ويلقي رجاءه على المنظورات والزائلات .

عدد 24 : وأقول لكم أيضاً : ان مرور جمل في ثقب ابرة أيسر من ان يدخل غني الى ملكوت الله ! “ .

يذهب القديس كيرلس انه يعني بالجمل هنا الحبل الغليظ الذي يقام في نصف البناء فيوضع عليه الاخشاب من الجانبين . وآخرون لا يودون تأويله بغير الجمل المعتاد كما هو مدلول الكلمة اليونانية .

عدد 25 : فلما سمع تلاميذه بهتوا جداً قائلين  : “ اذاً من يستطيع ان يخلص ؟ “ .

اضطرب التلاميذ المساكين شفقة منهم على حالة العامة لانهم رأوا الناس جميعاً يحبون المال فهم بعيدون عن الملكوت . فنظر اليهم يسوع أي عزاهم وازال عنهم الخوف.

عدد 26 : فنظر يسوع اليهم وقال لهم : “  هذا عند الناس غير مستطاع ، ولكن عند الله كل شيء مستطاع “ .

أي كل ما هو عند الناس غير ممكن فعند الله ممكن ولكن لا يجوز لك ان تأخذ هذا القول حجة للابتعاد عن الملكوت لانه ابتعاد عن غير الممكن بل عليك ان تطرح المقتنى وتبتعد عن الشهوة وتطلب من الله فيعينك وتكون مستحق الحياة .

عدد 27 : فأجاب بطرس حينئذٍ وقال له : “  ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك . فماذا يكون لنا ؟ “

لم يقل بطرس هذا عن نفسه فقط بل عن جميع البائسين علماً بانهم بغير مقتنى يرثون الملكوت . وقد طلب سيدنا من ذلك الغني شيئين هما ان يعطي كل ماله للمساكين وان يتبعه وكذلك بطرس ذكرهما قائلاً ” هوذا نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك ” . ان اتباع التلاميذ ليسوع هو السبب الوحيد الذي جعلهم ان يتركوا كل شيء .

عدد 28 : فقال لهم يسوع : “ الحق اقول لكم : انكم انتم الذين تبعتموني ، في التجديد ، متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده ، تجلسون أنتم ايضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط اسرائيل الاثني عشر .

ولسائل يقول ان يهوذا احد الاثني عشر لم يجلس فكيف يكمل قوله ” تجلسون على اثني عشر كرسياً ” فنجيب ان قوله هذا يشبه قول الله لارميا ” تارةً اتكلم على امة وعلى مملكة بالقطع والهدم والاهلاك فترجع تلك الامة التي تكلمت عليها عن شرها فاندم عن الشر الذي قصدت ان اصنعه بها ( ار 18 : 7و8 ) ” .  وقوله لنوح ” لتكن خشيتكم ورهبتكم على كل حيوانات الارض ( تك 9 : 2 ) ” مع انها غير سائدة . فان الله اذا رأى الناس يخطئون توعددهم بالقصاص والهلاك حتى اذا ما تابوا ورجعوا اليه بقلوبهم نقض وعيده وشملهم برحمته ولطفه كما فعل مع اهل نينوى . وأما اذا اصروا على غيهم وفسادهم كيهوذا الذي اثبت عددم استحقاقه للميعاد نقض وعدده معهم لان وعدده يفيد المؤمنين العاملين . وبقوله ” انتم الذين تبعتموني ” يستثتى منه يهوذا الذي لم يتبعه ويشمل كل من تبعه . فان قال قائل ان كان يقصد التعميم فلماذا اقتصر على ذكر الاثني عشر رسولاً . فنجيب انه لم يقل ذلك من اجل الجلوس عن الكراسي والدينونة بل من أجل اسباط اسرائيل وكما ان قوله عن رجال نينوى وعن ملكة التيمن انهم سيقومون في الدينونة مع هذا الجيل ويدينونه ( مت 12 : 41 و42 ) لا يفيد انهم سيكونون ديانين كذلك قوله هنا ليس معناه انهم سيجلسسون ويدينون لانه هو وحده الذي سيجلس ويدين ويتضح ذلك من تخصيصه اسباط اسرائيل فقط . فلأن الرسل كانوا من معشر اليهود انفسهم وقد تربوا معهم في الناموس ولكنهم آمنوا بالمسيح وبقي اليهود على ضلالهم ولكي لا يحتج هؤلاء في عددم إيمانهم بحجة ان الناموس كان يمنعهم عن ذلك ذكر الرسل والدينونة ز ويؤخذ من قوله ان الرسل سيجلسون ومن قوله عن اهل نينوى وملكة التيمن انهم سيقومون للدينونة انه خص الرسل بكرامة وبمجد أعظم .

عدد 29 : وكل من ترك بيوتاً أو أخوةً أو أخوات أو اباً او اماً او امرأة او اولاداً او حقولاً من اجل اسمي ، يأخذ مئة ضعف ويرث الحيوة الابدية .

كما انه لا يقصد بقوله ” من اراد ان يخلص نفسه يهلكها ( مت 16: 25 ) ” ان نقتل نفسنا او ان نفصلها عن الجسد قبل الفراق كذلك لا يقصد بقوله هذا ان يفسخ الزواج او حل ربط الاقارب . لكنه يعلمنا ان نكرم ونفضل مخافة على الزوجة والاخوة والجنس والاقارب . فحسب ظني انه يشير عن الاضطهاد لان كثيراً من الآباء كانوا يحاولون رد ابنائهم من الإيمان بالمسيح الى النفاق وكذلك كان النساء يفعلن مع الرجال فيأمرنا المسيح ان ننفصل عن المعطلين لنا في سبيل الإيمان ولو كانوا أخص أقاربنا .

عدد 30 : ولكن كثيرون أولون يكونون آخرين ، وآخرون اولين .

الاولون الذين صاروا آخرين هم الفريسيون . والاخرون الذين صاروا أولين هم الرسل اما عموماً فالاولون آخرون هم المؤمنون الذين يكفرون بالمسيح . والآخرون اولون هم الكافرون الذي يؤمنون ويسبقون غيرهم بالسيرة المقدسة . وكثير من الذين يتقدمون أخيراً لمخافة الله بمحبة حارة يفعلون البر والفضيلة اكثر من المؤمنين الذين سبقوهم . ثم ان المؤمنين يكونون أولين ليس لاجل طول زمان إيمانهم للكن لانهم يحملون في قلوبهم من الإيمان الحار المثمر ثمر البر لذلك يمنحون التقدم في الكرامة .