شفاء مشلول – يسوع يدعو متى – الحوار حول الصوم – احياء ابنة رئيس المجمع – شفاء نازفة الدم – شفاء أعميين – الأخرس يتكلم – الحصاد كثير والعمال قليلون
شفاء مشلول
عدد 1 : فدخل السفينة واجتاز وجاء الى مدينته .
اي الى كفرناحوم . فقد ولد في بيت لحم وتربى في الناصرة وكان يتردد الى كفرناحوم فقد ذكر متى انه اتى الى مدينته اما مرقس فقال اذ دخل كفرناحوم .
عدد 2 : واذا مفلوج يقدمونه اليه مطروحاً على فراش . فلما رأى يسوع ايمانهم قال للمفلوج : “ ثق يا بني . مغفورة لك خطاياك “ .
ان هذا المفلوج هو غير المذكور في يوحنا . ويعرف من ان ذاك كان في اسطوان سليمان وهذا في كفرناحوم وذاك كان منذ 38 سنة مفلوجاًًً . وهذا غير مذكور عدد السنين التي بقي فيها مفلوجاًًً . وذاك لم يكن له من يخدمه وهذا كان كثيرون يخدمونه . لذلك قال قد شئت فاطهر . ولهذا مغفورة خطاياك . وقد ارتاى كثيرون غير القديس يوحنا وفيليكسينوس وموسى الحجري ان كلا المخلعين واحد . وكذا الانجيليون فانهم يذكرون مخلعا واحدا في القوانين . ثم ان الحاضرين لشدة ايمانهم بقدرة يسوع دلوه من سقف البيت . والمخلع من ايمانه سلم نفسه لينزل من فوق . اما الانجيليون الآخرون فقد كتبوا ان يسوع كان في البيت . ذلك ليعلمنا الاتضاع ويظهر انه غير محتاج لان يتمجد من الناس . ثم ان الخطايا كانت سبب مرض المخلع فكما ان الاعضاء الصحيحة اذا ربطت بالقيود لا تستطيع ان تاتي باقل حركة فكذلك المخلع فانه لسبب الخطايا قد انحلت وارتخت يداه ورجلاه واعضاءه . ولما قال له مغفورة لك خطاياك في الحال نال الشفاء . وعادت اعضاؤه الى حركتها الطبيعية .
عدد 3 : واذا قوم من الكتبة قد قالوا في انفسهم : “ هذا يجدف ! “ .
فلما كان غفران الخطايا بالله وحده فلذا تعجب اليهود من انه يغفر الخطايا . لانهم كانوا يحسبوه انساناًًًًً ساذجاًًًًً . وكذا الانبياء كانوا يعلّمون ان الله وحده يغفر الخطايا . كقول احدهم ” باركي يا نفسي للرب لانه يغفر لك خطاياك ” وآخر قال من مثلك يغفر الذنوب .
عدد 4 : فعلم يسوع افكارهم ، فقال : “ لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم ؟
عدد ٥ : أيما أيسر ، ان يقال : مغفورة لك خطاياك ، ام ان يقال : قم وامش ؟
من هذا يعرف انه اله لان الله فاحص القلوب والكلى . وقد علم هو بما في قلوبهم
اعني اي شيء اسهل أشفاء المفلوج ام تحرير نفسه من قيود الخطايا ؟ فلا ريب ان شفاء النفس لأفضل من الجسد لانها افضل منه . اذ ان النفس خفية والجسد ظاهر .
عدد 6 : ولكن لكي تعلموا ان لابن الانسان سلطانا على الارض ان يغفر الخطايا “ . حينئذ قال للمفلوج : “ قم احمل سريرك واذهب الى بيتك ! “ .
فقد قال ان له سلطاناًًًًً وبذلك اثبت كونه الها . وقوله ” ابن البشر ” ذلك لانه تجسد . قال بولس الرسول عن الله الذي جرد ذاته . وتجرده هو انه اله بالطبيعة قبل ان يصير انساناًًًًً لاجلنا ودعي ابن الانسان حقاًًًًً . واذا كان قد دعي ابنا لا يفهم منه انه ابن مثلنا كما ارتاى نسطور . وليس وحيداًًًًً كاسحق او مسيحاًًًًً كواحد من جملة الملوك الممسوحين فيسمي الآب رباًًًًً اما المسح فهو قوة وحكمة الآب وهو كان يشفي المرض . وآخرون يقولون ان لوقا سمى المسيح رباًًًًً . اذ قال ” انه قد ولد لكم اليوم مخلص وهو المسيح الرب ” ( 2 : 11 ) بالحقيقة فقوته اذاً كانت تشفي المرض ولم يتخذ قوة من آخرين .
يسوع يدعو متى
عدد 9 : وفيما يسوع مجتاز من هناك ، راى رجلاً جالساًًًًً عند مكان الجباية ، اسمه متى . فقال : له “ اتبعني “ . فقام وتبعه .
فاجتاز من هناك ليهدي حسد اليهود . ويعلمنا ان لا نلقي انفسنا قدام مضطهدينا . ولا ندخل ذواتنا في التجارب . فاثنان دعيا من التعشير يعقوب ابن حلفى ولاوي الذي هو متى . ويعرف ذلك من ان مرقس ولوقا بعد ما اخبرا عن المخلع ذكرا لاوي والقديس يوحنا يشهد بهذا فالعشارون هم الذين يجلسون على قارعة الطريق ويحببون الفضة من المجتازين . ومتى هنا لم يخف صنعته لتواضعه ولم يخز من سيرته القديمة . ورب قائل لماذا لم يدعه مثل بولس ويوحنا ؟ فنجيب انه كان عارفا بالزمان الذي سيسمع فيه دعاه . كما قد فعل في دعوة بولس بعد صعوده دعاه . ولماذا لم يخبر عن دعوة التلاميذ الآخرين مثلما اخبر عن هؤلاء ؟ فنجيب ان صناعة هؤلاء كانت حقيرة فيذكرهم لاجل عدم افتخارهم .
عدد 10 : وبينما هو متكئ في البيت ، اذا عشارون وخطاة كثيرون قد جاؤوا واتكأوا مع يسوع وتلاميذه .
انظر كيف يخبر عن تعشيره ويخفي خبر اتكاء المسيح في بيته ليعلمنا الاتضاع ولكي لا يعرف احد انه اضاف المسيح في بيته وقوله ” اذا بعشارين وخطأة جاؤوا ” ذلك لانه ابن صناعتهم . وكان يفتخر متى بدخول المسيح الى بيته لاجل ذلك دعاهم . اما المسيح فلم يمتنع لانه كان مزمعاًًًًً ان يتلمذهم .
عدد 11 : فلما نظر الفريسيون قالوا لتلاميذه : “ لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة ؟ “
فقد كان محظوراًًًًً في الناموس ان خالط النجسة لاجل ذلك قالوا لماذا معلمكم يأكل مع العشارين والخطأة . ثم ان الفريسيين لخبثهم كانوا اذا رأوا ذنباًًًًً من التلاميذ لاموا عليه المسيح قائلين ” ان تلاميذك يعملون ما لا يحل في السبت ” . وكذا عندما كانوا يسمعون عن المسيح شيئاًًًًً مذنباًًًًً كانوا يتقمقمون على تلاميذه قائلين ” لماذا معلمكم يأكل مع الخطأة ” ذلك لكي تضعف محبتهم له اما المسيح فرد عليهم الملامة قائلاًًًًً .
عدد 12 : فلما سمع يسوع قال لهم : “ لا يحتاج الأصحاء الى طبيب بل المرضى .
فكانوا يلومونه كشريك للعشارين . اما هو فاراهم ان عدم الاشتراك معهم هو خطأ فان الطبيب الذي يستنكف من رائحة المريض ويمتنع عن شفائه فهو يستحق اللوم . فقد أكل السيد المسيح مع العشارين وان ذلك ممنوعاًًًًً عندهم يومئذ ناظراًًًًً الى المنفعة كالطبيب الذي اذا كان لا يعاني المشقة في معالجة المريض لا يقدر ان يشفيه . اما بولس الرسول فقد حذرنا من ان لا ناكل مع الزناة والظالمين ومن معاشرتهم ما داموا في افعالهم الرديئة .
عدد 13 : فاذهبوا واعلموا ما هو : اني اريد رحمة لا ذبيحة ، لاني لم آت لادعو أبرارا بل خطأة الى التوبة “ .
فقد افحمهم بقوله ” لا يحتاج الاصحاء الى طبيب ” لان اليهود كانوا يتهاونون بكل الفضائل قائلين ان البر يكمل بالذبيحة لاجل ذلك ذكر لهم النبوة القائلة ان الله يريد رحمة لا ذبيحة فالواجب عليكم ان تتعلموا ان الرحمة مع القريب هي مقبولة عند الله اكثر من كل الذبائح والقرابين . فلهؤلاء المرضى تجب الرحمة . ولاجل هذا انا آكل مع الخطاة متحنناًًًًً عليهم وداعياًًًًً اياهم الى التوبة فقد دعا الفريسيين صديقين تهكماًًًًً كقوله ان آدم صار كواحد منّا . وقوله ان جعت فكم اقل لك . فيسميهم صديقين لانهم كانوا يتراءون للناس صديقين ويكرهون العشارين والخطاة مع انه لم يكن في ذلك الزمان صديق كما شهد بولس الرسول اذ قال الجميع أخطأوا واعوزهم مجد الله . وقال آخرون انه يسمي صديقين الابرار حسب الناموس
( بل خطأة ) اي ليمتنعوا من الخطايا . وقد عزى قلوب المتكئين بقوله لاجلهم جاء لئلا يميلوا ويتهاونوا في البر ويستمروا في خطاياهم . وقد عرف المسيح الهاًًًًً من قوله انه جاء لاجل الخطأة . ومن قوله فاذهبوا واعلموا ما هو اني اريد رحمة ومن قوله انه ليس من العالم لكنه جاء الى العالم .
الحوار حول الصوم
عدد 14 : حينئذ أتى اليه تلاميذ يوحنا قائلين : “ لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيراًًًًً ، واما تلاميذك فلا يصومون ؟ “
ان لوقا ذكر ان الفريسيين جاءوا اليه وكلاهما صادقان فاولاًًً جاء تلاميذ الفريسيين وبعد ان افحموا جاء تلاميذ يوحنا ليعينوهم . وقالوا اننا تعلمنا ان نصوم من يوحنا اما الفريسيون فمن الناموس . وقولهم كثيراًًًًً دليل على الافتخار الذي ابطله المسيح بقوله اذا صمت فاغسل وجهك الخ . ( اما تلاميذك فلا يصومون ) اي ان كنت وانت طبيب هكذا تعمل وتأكل فلماذا تلاميذك اذا يأكلون ويشربون .
عدد 15 : فقال لهم يسوع : “ هل يستطيع بنو العرس ان ينوحوا ما دام العريس معهم ؟ ولكن ستأتي ايام حين يرفع العريس عنهم ، فحينئذ يصومون .
فيسمي نفسه عريساًًًًً ونزوله الى الارض عرساًًًًً ويسمي بني العرس اولئك المدعويين بواسطة كرازة الانجيل . فكما ان بني العرس لا يقدرون ان يصوموا ما دام العريس معهم لان الوقت وقت فرح فكذلك التلاميذ لان الزمان زمان الفرح لا زمان الصوم فعلامة الصوم هي الالم والحزن وذلك لضعيفي الارادة . وكما انه في العرس يتكئ العريس والمدعوون دون ان يصوموا كذلك ان العريس السماوي الذي خطبت الكنيسة وجميع الذين دعوتهم لا يجب ان يفرح معهم الغرباء عن الدعوة . وبقوله هذا لم يرذل الصوم ولكن علمنا ان نصوم في الزمان المفروض في الصوم . وهذا القول هو تبكيث وتوبيخ لاولئك الذين يصومون السبت والاحد الى المساء ولكن ستأتي ايام يرتفع فيها العريس عنهم فحينئذ يصومون اي عندما يصعد العريس الى السماء . حينئذ يصومون فيصومون صوما مستحقاًًًًًًًً لا كرهاًًًًً . وبقوله ” حين يرفع ” يشير الى موته . ثم انه لم يتكلم عن قيامته كما تكلم عن موته . لانهم كانوا يظنون انه انسان ولذا فانه تكلم عن موته فقط .
عدد 16 : ليس احد يجعل رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق ، لان الملء يأخذ من الثوب ، فيصير الخرق أردأ .
شبه قلوب اليهود بالثياب البالية والزقاق البالية . وقلوب التلاميذ بالثياب الجديدة والزقاق الجديدة . وجميع المؤمنين به يتجددون بروح القدس . ثم ان تلاميذ الجديدة لا يجب ان يخدموا العهد القديم . وقد علمنا ان الصوم المفروض لهو افضل من الصوم الاختياري . وكما ان هذه البراهين لا يجب استعمالها فهكذا التلاميذ لا يجب ان يتحملوا الصوم الثقيل لانهم لم يتجردوا بالروح ولا تقووا .
عدد 17 : ولا يجعلون خمراً جديدة في زقاق عتيقة ، لئلا تنشق الزقاق فالخمر تَنْصَب والزقاق تتلف . بل يجعلون خمراً جديدة في زقاق جديدة فتحفظ جميعاً “ .
اي ان التلاميذ الذين يتجردون بالروح يصيرون اقوياء فيوضع عليهم ثقل الوصايا . وقد جاء بالخمر والزقاق مثلا لان الكلام كان على المائدة فمن المائدة اخذ واستعمل
( لو ص 5 : 39 ) وليس احد اذا شرب العتيق يريد للوقت الجديد لانه يقول العتيق اطيب .
فالعتيق اشارة الى الوصايا الناموسية والخمر الجديدة الى الوصايا الانجيلية كما قد سبق القول . . وقوله ” لانه بقول العتيق اطيب ” يعني ان الوصايا القديمة حلوة على الارض . وهي السن عوض السن والجديدة تعلم انه اذا لطمك احد على خدك حول له الآخر . وبع كل مالك واعطه للمساكين وكما ان الرقعة الجديدة اذا وضعت على الثوب البالي لا تناسبه . فهكذا معلمون العهد الجديد لا يقدرون ان يخدموا الناموس العتيق .
احياء ابنة رئيس المجمع
عدد 18 : وفيما هو يكلمهم بهذا ، إذا رئيس قد جاء فسجد له قائلاًًًًً : “ إن ابنتي الآن ماتت ، لكن تعال وضع يدك عليها فتحيا “ .
هذا الرجل كان رئيس جماعة واسمه يابيرس . وابنته كان لها من العمر اثنتا عشرة سنة . فقال متى انها ماتت اما لوقا ومرقس فقالا انها كانت مريضة وبعدما جاء وراء يسوع جاء آخرون يقولون قد ماتت فنقول ان غرض متى كان اشهار عجائب المسيح لكن كيف واين عمل العجائب فانه لم يذكر شيئاًًًًً من ذلك . فهكذا عمل هنا فكتب ان المسيح احياها وترك تتمة الخبر لمرقس ولوقا . فهكذا عمل في امر النازفة الدم وفي مواضع كثيرة . فاولاًًًًً قالوا انها في سوء حال وبعد ذلك ماتت اما متّى فذكر انها ماتت وان لم تكن قد ماتت اما قوله ” تعال وضع يدك عليها ” فذلك من قلة ايمانه لانه طلب ان يمضي معه ويضع يده . لأن الغليظي القلوب يحتاجون الى النظر بالعين والحسن .
عدد 19 : فقام يسوع وتبعه هو وتلاميذه .
تبعوه ليروا الآية العجيبة وكرامة الذي دعاه .
شفاء نازفة الدم
عدد 20 : واذا امراة نازفة دم منذ اثنتي عشرة سنة قد جاءت من وراءه ومست هُدْبَ ثوبه ،
هذه اول امراة تقدمت اليه في وسط الجمع فتشجعت لما سمعت انه يشفي النساء سيما وانه كان ماضياًًًًً ليحيي الصبية الميتة ومن العجائب التي يصنع ثم ان الناموس القديم لم يكن يأذن للنجسات ان يخالطن احداًًًًً ولذا فانها لخوفها اتت من ورائه ومست طرف ثوبه ففي الحال انقطع نزيف دمها ونالت ما كانت ترجوه من الشفاء . واذا كانت تلك المراة لمست طرف ثوبه بخوف فكم بالاحرى يجب علينا نحن ان نتقدم بالخوف الى جسد ربنا .
عدد 21 : لانها قالت في نفسها : “ ان مسست ثوبه فقط شفيت “ .
فكانت تفكر ان الذي عمل عجائب كثيرة ففي استطاعته ان يشفيني ايضاًًًًً .
عدد 22 : فالتفت يسوع وأبصرها ، فقال لها : “ ثقي يا ابنة ، ايمانك قد شفاك “ . فشفيت المرأة من تلك الساعة .
فعزاها كما عزى المخلع برقة كلامه وسماها ابنة لاجل ايمانها اذ قال لها ” ايمانك ابراك ” ذلك لكي يشجع قلوب الاخرين ويعلم رئيس الجماعة الا يشك . وقد اكتفى القديس متى ذكر الاعجوبة دون ان يذكر كيف جرت واين .
( لو 8 : 45 ) فقال يسوع من لمسني واذ انكر الجميع قال له بطرس والذين معه يا معلم ايكون الجموع يضايقونك و يزحمونك وتقول من الذي لمسني .
ان المسيح لم يقل هذا لعدم معرفته بمن لمسه ولكن لكي يحمل الجمع على الفحص والتفتيش ويشهر ايمانها امام الجموع ليقتدوا بها ويوبخ ياييرس على قلة ايمانه ولكي لا تمرض المراة مرضا نفسانياًًًًً بعد ان شفيت بالجسد . ولو لم يشعر المسيح بلمسها اياه لكانت ارتابت بكونه الهاًًًًً . والجموع نكروا لانهم خافوا ان يوبخهم . وبقوله ” الجموع يضايقونك يزحمونك ” عرف ان له جسد كجسدنا وبعيد من الكبرياء فالجمع يزحمه ولم يكن يغتاظ مع ذلك .
( لو ص 8 : 46 ) فقال يسوع انه قد لمسني واحد لاني شعرت بان قوة قد خرجت مني .
اي ان قوة الهية خرجت منه فمنحت المرأة الشفاء قال هذا ليجعلها ان تقر بما عملت . لانه علم انها كانت تظن انه غير عارف بضميرها . فاربعة اشياء ظهرت في شفائها . اولاًًًًً عظم قدرته ثانياًًًًً سابق علمه . ثالثاًًًًً ايمان المرأة رابعاًًًًً استفادة الجمع .
( لو ص 8 : 49 ) وفيما هو يتكلم جاء واحد من ذوي رئيس المجمع وقال له ان ابنتك قد ماتت فلا تتعب المعلم .
أي انهم كانوا يظنون انه يشفي المرضى ولا يمكنه ان يحيي الموتى لذلك قال لا تتعب المعلم فاخّر ذهابه بقوله من لمسني حتى تموت الجارية ويتشرف بانبعاثها
( لو ص 8 : 50 ) فلما سمع هذا الكلام اجابه لا تخف آمن فقط فتبرأ
ان الرئيس ضجر من الكآبة وخفق قلبه من الحزن لذلك قال له يسوع لا تخف وبقوله آمن فتشفى ابان انه رب الاحياء والموتى .
عدد 23 : ولما جاء يسوع الى بيت الرئيس ، ونظر المزمرين والجمع يضجون ،
اي لما جاء الى بيت ياييرس راى البكاء والعويل على ابنته بالدفوف والزمرة اكراما لابيها .
عدد 24 : قال لهم : “ تنحوا ، فإن الصبية لم تمت ولكنها نائمة “ . فضحكوا عليه .
أبان بهذا ان احياءه لميت عنده أسهل من ان يوقظوا هم النائم . وقوله فضحكوا منه ذلك لانه قال انها نائمة وهي قد كانت ماتت فقالوا فيما بينهم ان الذي لا يعرف اذا كانت قد ماتت فكيف يقدر ان يحييها .
عدد 25 : فلما اخرج الجمع دخل وامسك بيدها ، فقامت الصبية .
اخرج الجمع لكي لا يظن احد به انه يفتخر ويعلمنا ان نبتعد عن الافتخار اذا عملنا عملا صالحا ويفهمنا ان الباكين لم يكونوا مستحقين ان ينظروا الاعجوبة . ثم لكي نتعلم الا نبكي على الموتى . وقوله ” فقامت ” اي رجعت اليها روحها . فامسك بيدها ليجعل الناظرين ان يؤمنوا بالقيامة . فلم يدعها باسمها لا لعدم معرفته به وهو الذي بسط الكواكب وجعل لها الاسماء فسماها صبية كما هو مكتوب بالسرياني . وقال القديس افرام ان المسيح لم يسمها طبيثا كما هو مكتوب في اليوناني بل طليثا . اما لعازر فقد دعاه باسمه لمحبته له وليفرزه عن الموتى الكثيرين الذين كانوا في ذلك الموضع مع لعازر . وقد قال لوقا ان المسيح أدخل اباها وامها ليكونا ناظرين الاعجوبة وادخل معهما ثلاثة من التلاميذ وهم سمعان ويعقوب ويوحنا لانه على شهادة اثنين او ثلاثة تقوم كل كلمة . فأدخل هؤلاء الثلاثة ليتشبه التلاميذ بهم ويصيروا مثلهم ولم ياخذ التلاميذ كلهم معه بسب يهوذا الذي لم يكن مستحقاًًًًً ان ان يرى الاعجوبة وهي قيامة الصبية .
( لو ص 8 : 54 ) فامسك بيدها ونادى يا صبية قومي .
اي بامره اقامها لانه الهاًًًًً قادراًًً على كل شيء .
( لو 8 : 55 ) فرجعت روحها وقامت في الحال فامر ان تعطى طعاماً
اي حتى لا يظن احد ان الاعجوبة هي خيال وان عاشت حقاًًًًً . واراد ان يخفي بذلك الاعجوبة ويعلمنا ان نتضع ونبعد عنا الصلف والكبرياء . واذا رأوها تاكل يعلمون انها قد حييت لا كالمريض الذي يشفى رويداًًًًً رويداًًًًً من المرض.
( لو 8 : 56 ) فدهش ابواها فاوصاهما ان لا يقولا لاحد ما جرى .
قال هذا ابتعاداًًًًً من الافتخار بالاعجوبة التي صنعها .
عدد 26 : فخرج ذلك الخبر الى تلك الارض كلها .
اي لان أباها كان رجلاًًًًً معروفاًًًًً عند قومه فجاء كثيرون لتعزيته وشاع الخبر في كل مكان مع انه امرهم ان لا يقولا لاحد بذلك . فلما نظرت الجارية شعر أمها محلوقاًًًًً ووجهها مخدشاًًًًً جلست تاكل وتبكي فحلفتها امها قائلة اقسمت عليك بحياة يسوع الذي احياك الا تحزنيني فسكتت الجارية وخرجت هي وأمها الى النساء الباكيات واكلنا هناك وأخذت النساء يهنئن امها بدلاًًًًً من التعزية .
يسوع يشفي أعميين
عدد 27 : وفيما يسوع مجتاز من هناك ، تبعه اعميان يصـرخان ويقولان : “ ارحمنا يا ابن داود “.
ان صراخهما كان دليلاًًًًً على ايمانهما الحي بقدرة يسوع لانهما كانا يطلبان رحمة منه . اما قولهم ” ابن داود ” فلأنهما تحققا ظهوره من نسل داود واسم داود كان عند اليهود مكرماًًًًً . وكثيراًًًًً ما كان الانبياء يكرمون الملوك باسم داود . وبهذين الاعميين ايضاًًًًً خزأ اليهود فان العميان بمجرد السمع عنه آمنوا به قبل ان يروا اعجوبة منه اما هم فبعكس ذلك .
عدد 28 : ولما جاء الى البيت تقدم اليه الاعميان ، فقال لهما يسوع : “ أتؤمنان اني اقدر ان افعل هذا ؟ “ . قالا له : “ نعم يا سيد “ .
انه أراد ان يدخل البيت ويشفيهما ليعلمنا ان نبتعد عن المجد الباطل . لان البيت كان قريباًًًًً فتركهما ان يأتيا ليشفيهما داخلاًًًًً والشاهد لذلك انه اوصاهما ان لا يقولا لاحد . ثم انه تعالى لم يسألهما ذلك لعدم معرفته بايمانهم فانه فاحص القلوب والكلى ولكنه سألهما ليثبت للناس انهما اصحاب علة فشفاهما ولم يكن يريد ان يفعل العجائب لئلا يظن به الناس انه يفعل ذلك رغبة في المجد الباطل اما هذان فبين انهما يستحقان الشفاء . وقوله ” هل تؤمنان اني أقدر ان افعل ذلك ” ليؤمنوا انه اله ويقروا بذلك علناًًً ولم يقولا له نعم يا ابن داود ولكن سمياه رباًًًًً حتى اذا أقرا بربوبيته يخلصهما من العمى وحال الذل .
عدد 29 : حينئذ لمس اعينهما قائلاًًًًً : “ بحسب ايمانكما ليكن لكما “.
قال هذا ليثبتهما في الايمان الخفي . فلم يقل لهما تنفتح اعينكما لكن ” كايمانكما فليكن لكما ” كما كان يقول للكثيرين الذين كانوا يدنون منه . فكانت عادته ان يكرز بالايمان قبل شفاء الجسد . فهكذا كان يجعلهم باحسن حال ويجعل الآخرين ان يأتوا اليه ليسمعوا كرازته برغبة .
عدد 30 : فانفتحت اعينهما . فانتهرهما يسوع قائلاًًًًً : “ انظرا ، لا يعلم احد ! “.
اي في الحال انفتحت اعينهما . فانتهرهما لئلا يظن به احد انه يتراءى للناس بفعل العجائب ويحرض الذين يشفيهم على ان يذيعوا خبره لانه كان عالماًًًًً ان الاعميين مزمعان ان يكرزا به قبل ان يوصيهما . ورب قائل يقول كيف منع هذين من ان يقولا شيئاًًً عنه وهو الذي امر المخلع قائلاًًً له امضي الى اهلك واخبرهم ؟ فنقول انه اوصى الاعميين بالا يقولا عنه شيئاًًًًً ليعلمنا الا نقول نحن عن انفسنا شيئاًًًًً مثل هذا ونمنع الذين يريدون ان يمدحوننا . وبامره للمخلع قد علمنا الا نسكت عما فيه تمجيد الله . وليس فقط انه لا يمنعه . ولكنه يوصينا بالعمل به .
عدد 31 : ولكنهما خرجا وأشاعاه في تلك الارض كلها .
فقد فعلا هذان الاعميان فعلاًًًًً يحمدان عليه بشهرهما لاعمال يسوع . وان اوصانا الا نعلم احداًًًًً حتى لا يظن الناس انه يطلب المجد والشهرة اما نحن فواجب علينا ان ننادي بافعاله امام كل الناس . فكانوا يجولان ويخبران عنه .
الأخرس يتكلم
عدد 32 : وفيما هما خارجان ، اذا انسان اخرس مجنون قدموه اليه .
اخرس هو الذي لا يسمع ولا يتكلم . فخرس هذا لم يكن طبيعياًًًًً لكن من الشيطان الساكن فيه . فقد اعتاد الشياطين ان يعملوا ضرراًًًًً في اجساد البشر متى ما سمح الله بذلك . وقوله قدموا اليه يعني آخرون قدموه اذ لم يتقدم بنفسه لان الشيطان كان ربط لسانه ومسمعه وقيد نفسه لاجل ذلك لم يطلب منه الله الايمان كما طلب ذلك من رئيس المجمع والاعمين .
عدد 33 : فلما اخرج الشيطان تكلم الاخرس ، فتعجب الجموع قائلين : “ لم يظهر قط مثل هذا في اسرائيل “
فقد تعجبوا منه اكثر من كل الانبياء القدماء لانه كان يشفي بسهولة حتى يؤمنوا به انه اله وان يكن في الظاهر انساناًًًًً وقد كانوا يجهلون هذا السر العظيم .
عدد 34 : اما الفريسيون فقالوا : “ برئيس الشياطين يخرج الشياطين ! “.
ان الفريسيين حسداًًًًً منهم واخفاء لاعماله تعالى قالوا هذا القول لانه كيف يمكن الشيطان ان يخرج شيطاناًًًًً مثله . اما يسوع فلم يخرج الشياطين فقط بل طهر البرص واقام الموتى طالباًًًًً مجد الاب . وهذا لم تعمله الشياطين لانهم يجتهدون بتقديم المجد للاصنام . فما قول النساطرة في ذلك فلا نظنهم يقولون بقول الفريسيين من انه برئيس الشياطين يخرج الشياطين ولا يمكنهم ان يؤمنوا بان انساناًًًًً يقدر ان يعمل مثل هذا . فاذاًًًًً فليقروا ويعترفوا معنا بانه كإله يفعل هذا بسلطانه وهو متجسد . ثم ان الاخرس يشير الى من يصم اذنيه عن سماع الاقوال الالهية ويمتنع عن الشكر لخالقه ومبدعه . وكما ان الاخرس بالمسيح نال التكلم والسمع . كذا العالم بمجيء المسيح اصغى للوصايا الالهية وسمع برجاء الحياة .
الحصاد كثير والعمال قليلون
عدد 35 : وكان يسوع يطوف المدن كلها والقرى يعلم في مجامعها ، ويكرز ببشارة الملكوت ، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب .
اي انه كان يكرز بملكوت الله الساكن في السماء لان ابليس كان قد اغتصبها منه فارسل ابنه ليرد الكل . فكل واحد من الانبياء كان يشفي علة او علتين بقوة اله . اما المسيح فكان يشفي كل علة ومرض ووجع مهما كان بسلطانه الذاتي .
عدد 36 : ولما راى الجموع تحنن عليهم ، اذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها .
اي تحنن على اليهود الذين كانوا يجتمعون حوله ليشفيهم ويشفي مرضاهم ولاجل العجائب ولاجل حسنه ومنظره كقول القديس يوحنا . تحنن على القطيع كرب وإله وكمن له سلطان عليه . وكانوا منطرحين مثل الخراف اي من تعب الطريق ليعلمهم ما هو نافع لانفسهم . هذا كان توبيخاًًًًً لرؤسائهم لانهم كانوا رعاة واعمالهم عمل الذئاب .
عدد 37 : حينئذ قال لتلاميذه : “ ان الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون .
الحصاد الناس الذين كانوا يريدون ان يؤمنوا والفعلة الذين يعلمونهم وقوله قليلون اي لا يوجد فعلة . فلما رأوا ان ليس لهم مرشد ذهبوا وراءه صابرين على التعب والشدائد . قال القديس فيلكسينوس ان الفعلة هم المعلمون والانبياء في العهد القديم الذين لم يقدروا ان يجمعوا الغلات لبيدر الرب اما لكونهم ضعفاء واما ان وصايا الناموس كانت ناقصة وقال آخرون غير ذلك ان الفعلة في الناموس كانوا كثيرين الا ان الفعلة اي الرسل فهم قليلون الحصاد كثير برجوع كثيرين الى الايمان . وقوله كثير لانه دعا الشعب والشعوب ولم يكن الا اثنا عشر رسولاًًًًً فقط الا ان معونته كانت تكفيهم .
عدد 38 : فاطلبوا من رب الحصاد ان يرسل فعلة الى حصاده “ .
رب الحصاد هو يسوع . يعني اطلبوا مني لاني رب الحصاد . وقوله يرسل عملة اي مثل ملك يترحم على مملكته وراعي على قطعانه وكرب الحصاد ان ارسل فعلة اي رسلاًًًًً لحصاد المؤمنين المحصودين من الضلالة الى الحق .