مثل الزارع – لماذا تكلم المسيح بأمثال – تفسير مثل الزارع – مثل القمح والزوان -مثل بزرة الخردل – مثل الخميرة – تفسير مثل القمح والزوان – مثل الكنز ومثل اللؤلؤة – مثل الشبكة
مثل الزارع
عدد 1 : في ذلك اليوم خرج يسوع من البيت وجلس عند البحر ،
اي في اليوم الذي جاءت اليه أمه وأخوته ليكلموه . وجلس بجانب بحيرة طيباريوس .
عدد 2 : فاجتمع اليه جموع كثيرة ، حتى انه دخل السفينة وجلس . والجمع كله وقف على الشاطىء .
كان القصد من اجتماع الناس حوله ان يسمعوا تعليمه ويشفي مرضاهم ويشبع جوعهم ويروا جماله على ما قال الذهبي الفم . اما الكتبة والفريسيين فكانوا ياتون اليه لكن يقرفوه بذنب ويأخذوه بكلمة ما ليشتكوه . وانه ركب السفينة وجلس تخلصاً من مزاحمة الجموع له ولكيلا يقفوا وراءه فيمتنعوا عن سماع تعليمه .
عدد 3 : فكلمهم كثيراً بامثال قائلاً : “ هوذا الزارع قد خرج ليزرع ،
انه حين كان على الجبل لم يكلمهم بالامثال لانهم كانوا بعد ساذجين أما هنا فتكلم بالامثال لاجل الكتبة والفريسيين المدعين بالمعرفة . اما الفرق بين الالغاز والبراهين والامثال والغوامض هو ان البرهان يأتي غالباً على شهادة الناس . فيكون من المعلومات على غير المعلومات كقوله انه شعاع مجده وصورة ذاته . ومن المعلومات على المعلومات كقوله سيق كالخروف للذبح . ومن غير المعلومات على المعلومات كقول بولس الرسول رأيت ما لم تره عين ولا سمعت به اذن . اما المثل على الالغاز فهو كقوله تعالى تشبه ملكوت السماء عشر بتولات . وكقوله تشبه ملكوت السماء حبة خردل والغامض هو كلمة معقدة كقوله خرج من الآكل اكلاً وغير ذلك . اما القديس يوحنا وموسى ابن الحجر فيسمون الامثال الغازاً وكذلك القديس متى سماها الغازاً والانجيليون الثلاثة الاخرون سموها امثالاً وقد كان يتكلم بالالغاز مع الجموع والتلاميذ اولاً لان الفلاسفة ما كانوا يعلمون ما سيكون من تعليمهم لاجل ذلك بنوا علومهم على الامثال والالغاز اما هو وان كان يلقي تعاليمه بالامثال و الالغاز الا انه اظهر ما سوف يكون من وراء تعليمه . ثانياً لان قوله كان ضد اليهود كقوله كرماً كان لحبيبي لاجل ذلك اخفي كلامه تحت طي الالغاز . ثالثاً اراد ان يجعل التلاميذ متيقظين ومستعدين لفحص الكلام . رابعاً لانه كان يتكلم دائماً عن انتشار الانجيل بين الشعوب اقتضى ان يتكلم بالالغاز لئلا يهيج اليهود ضده او يغضب اولئك الذين كانوا يرمون الشقاق والذي اشار عنهم قوله احذروا من الانبياء الكذبة . او ربما لاجل الامور غير المنظورة التي كان يتكلم عنها اراد ان يتكلم بالالغاز لكي لا يفهم السامعون الاسرار الالهية لانه كان بينهم الذين لا يستحقون ان يسمعوا مثل هذه التعاليم من الكتبة والفريسيين ثم انه تعالى ضرب هذا المثل لاولئك الذين كانوا مزمعين ان يقبلوا تعاليمه الا ان قلوبهم كانت مرتابة وقتئذ بتعاليمه . فشبه نفسه بالزارع وتعليمه بالزرع والنفس وقلوب بني البشر الذين يزرع فيهم التعليم بالحقول والاراضي . وقوله خرج اشار الى نزوله الى الارض من غير ان ينتقل من عند ابيه ليفلح ارض قلوبنا وينقي منها الخطيئة ويزرع فيها الفضيلة .
عدد 4 : وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق ، فجاءت الطيور واكلته .
عدد 5 : وسقط آخر على الاماكن المحجرة ، حيث لم تكن له تربة كثيرة ، فنبت حالاً اذ لم يكن له عمق أرض .
عدد 6 : ولكن لما اشرقت الشمس احترق ، وإذ لم يكن له أصل جفّ .
عدد 7 : وسقط آخر على الشوك ، فطلع الشوك وخنقه .
انه تعالى شبه هنا الذين يسمعون تعليمه بالطريق والصخرة وشبه الشيطان بالطائر. فالطريق هم المتهاونون والكسالى الذين لم يقبلوا تعليم الأنجيل لكنهم داسوه بأرجلهم مثل الزرع الساقط علي الطريق . والصخر هم الضعفاء الذين يقبلون التعليم زماناً يسيراً فاذا عرض له شيء تركوه والمراد بالأشواك أولئك الذين هم مشتبكون بأمور العالم وقلوبهم متعلقة بشهواته ومقتنياته فهؤلاء يختنقون كالزرع بين الشوك ويأبون الموعظة والتعليم . وكما ان الاشواك تؤذي من يدنو منها هكذا الغنى والعالم فانهما يؤذيان الذين يحبونها . أما الذي سقط في الارض الجيدة فشبه به الذين يقبلون التعليم ويثبتون فيه .
عدد 8 : وسقط آخر على الارض الجيدة فأعطى ثمراً ، بعض مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين .
انه تعالى شبه بالزرع الذي اعطي ثمراً الواحد مئة أولئك الذين اقتنوا الفضيلة نفساً وجسداً وتلمذوا الامم وأرجعوها عن عبادة الاوثان مثل الرسل وبالذي أعطى واحده ستين اولئك الذين قرنوا الفضيلة الجسدية بالفضيلة الروحية فحولوا الخد للضارب وعوض الميل مضوا ميلين . وبالذي أعطى واحده ثلاثين الذين يمارسون الفضائل الجسدية فقط كالعفة والتقشف . وبقوله مئة وستين وثلاثين أشار الى ان ممارسي الفضائل ليسوا على السواء فان الذي يعطي ثمراً واحده ثلاثين يشبه العبد الذي يعمل خوفاً من العذاب والذي يعطي ستين يشبه الاجير الذي ينتظر أجره في العالم الآتي . والذي يعطي مئة يشبه الابن الذي يعمل ليرث ملكوت أبيه السماوي . فيسمي نفسه زارعاً لانه زرع الانجيل المقدس وعلمه للاغنياء والفقراء وللمجتهدين والمتهاونين كي يعطوه ثماراً . فكما رتب عاملي الخيرات على ثلاث مراتب وان لم يعملوا على السواء هكذا جعل عاملي السيئات على ثلاثة أنواع . ثم ان الانبياء كانوا يضربون الامثال بالكرم للشعب كقول احدهم كان كرم لحبيبي. وكرمة أخرجت في مصر . أما المسيح فكان يضرب بالحقل المزروع أمثاله للشعب اشارة الى ان المشبهين بالزرع هم سريعوا الانقياد والطاعة لاوامره وانهم كالزرع سريعوا النمو والاثمار لان الزرع يثمر في ثمانية أشهر والكرمة في ثلاث سنين. ورب سائل يسأل لماذا تلف ثلاثة أجزاء الزرع أو بالاحرى من النفس السامعة . ولعل سائل يسأل لماذا لم يقل المسيح ان المتهاونين أتلفوه وهم الممثلون بالزرع الساقط بين الشوك ؟ فنقول انه لم يشأ ان يؤلمهم كثيراً لئلا يقطعوا رجاءهم. لكنه تركهم ان يوبخوا هم ذراتهم. ثم ان المثل قاله لتلاميذه لكيلا يتهاونوا بالوعظ. أما قوله على الصخرة والطريق والشوك فليس المراد منه الارض والبذار لكن النفس القابلة للتعليم. ورب سائل يسأل قائلاً اذا كانت الارض جيدة والزرع واحداً فلماذا لم يثمر على السواء؟ فنقول ان هذا ليس سببه الفلاح والزرع لكن الارض القابلة للزرع .
عدد 9 : من له أذنان للسمع ، فليسمع “ .
اي ان كانت آذان نفسه سامعة فليسمع ويفهم ما قد قلت .
لماذا تكلم المسيح بأمثال
عدد 10 : فتقدم التلاميذ وقالوا له : “ لماذا تكلمهم بأمثال ؟ “
عندما سأله تلاميذه هذا السؤال لم تكن الجموع حاضرة ولكنها كانت بعيدة على ما ذكره مرقس البشير فعلى هذا النمو كان يجب ان يسأله أمه وأخوته . ومن هذا السؤال يتبين لنا اهتمام ومحبة تلاميذه للجموع لانهم رأوا ان الامثال يصعب فهمها على الجموع فطلبوا منه ان يكلمهم بسذاجة
عدد 11 : فأجاب وقال لهم : “ لأنه قد اعطي لكم ان تعرفوا اسرار ملكوت السموات ، وأما لأولئك فلم يعط .
انه لم يعط التلاميذ فقط معرفة الاسرار لكن التلاميذ قد عرفوها بارادتهم كما ان الجموع امتنعوا عنها بحريتهم ايضاً . ويعرف هذا من قوله بعد .
عدد 12 : فإن من له سيعطى ويزاد ، وأما من ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه .
أي ان من له ارادة صالحة واجتهاد ويخاف الله يمنح معرفة أسرار ملكوت السموات كالبشارة والرموز المقولة عن آلامه وموته وقيامته . ومن ليس له الارادة فلا يعطى له ذلك وليس المراد من ذلك ان الله يسترجع هذه المعرفة ممن كانت له . ولكن لا يجعله أهلاً لها ويقصيها عنه اذا كان مزمعاً ان ينالها .
عدد 13 : من أجل هذا أكلمهم بأمثال ، لانهم مبصرين لا يبصرون ، وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون .
اي اني اكلمهم بامثال لكي امتحن ارادتهم . وقال يبصرون ولا يبصرون لان شرورهم كانت بسبب عمى قلوبهم ارادةً لا طبعاً . ومعنى ذلك هو انهم ينظرون الشياطين يخرجون ولا يؤمنون كالذين لا ينظرون وفوق ذلك يتهمونه انه ببعل زبوب يخرج الشياطين . وكذلك فمع انهم يسمعون . ولذا اتاهم بشهادة من اشعيا وهي .
عدد 14 : فقد تمّت فيهم نبوة اشعيا القائلة : تسمعون سمعاً ولا تفهمون ، ومبصرين تبصرون ولا تنظرون .
اي انكم مع سماعكم للاقوال تتجاهلون عن سمعها وتأبون معرفتها وفهمها .
عدد 15 : لان قلب هذا الشعب قد غلظ ، وآذانهم قد ثقل سماعها ، وغمضوا عيونهم ، لئلا يبصروا بعيونهم ، ويسمعوا بآذانهم ، ويفهموا بقلوبهم ، ويرجعوا فأشفيهم .
انه تعالى يحثهم على التوبة والعودة اليه ليغفر لهم ويخلصهم . لذلك خاطب تلاميذه قائلاً
عدد 16 : ولكن طوبى لعيونكم لانها تبصر ، ولآذانكم لانها تسمع .
انه تعالى اعطى تلاميذه الطوبى لانهم بما قد أبصروه وسمعوه منه بارادة صالحة
عدد 17 : فإني الحق أقول لكم : ان أنبياء وأبرار كثيرين اشتهوا ان يروا ما أنتم ترون ولم يروا ، وان يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا .
أي ان الانبياء والصديقين الذين تقدموكم اشتهوا ان يروني ويروا ما رأيتموه من المعجزات فلم يروا ذلك عياناً لكنهم أبصروه بالايمان . وقال بعضهم ان الجموع ربما لم يؤمنوا بأقوال المسيح لغموضها وعدم فهمهم لها ؟ فنجيب انه كان في امكانهم ان يسألوه عما أشكل عليهم فهمه ولكنهم لم يريدوا ذلك . اما الرسل فأرادوا واستحقوا الطوبى .
تفسير مثل الزارع
عدد 18 : فاسمعوا أنتم مثل الزارع :
عدد 19 : كل من يسمع كلمة الملكوت ولا يفهم ، فيأتي الشرير ويخطف ما قد زرع في قلبه . هذا هوالمزروع على الطريق .
عدد 20 : والمزروع على الأماكن المحجرة هو الذي يسمع الكلمة ، وحالاً يقبلها بفرح ،
عدد 21 : ولكن ليس له أصل في ذاته ، بل هو الى حين . فاذا حدث ضيق او اضطهاد من أجل الكلمة فحالاً يعثر .
عدد 22 : والمزروع بين الشوك هو الذي يسمع الكلمة ، وهم هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة فيصير بلا ثمر .
عدد 23 : وأما المزروع على الارض الجيدة فهو الذي يسمع الكلمة ويفهم . وهو الذي يأتي بثمر ، فيصنع بعضٌ مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين “ .
انه تعالى وجّه كلامه هذا الى الرسل لانه علم ان لهم ارادة صالحة في سماعه وفهمه .
مثل القمح والزوان
عدد 24 : قدّم لهم مثلاً آخر قائلاً : “ يشبه ملكوت السموات إنساناً زرع زرعاً جيداً في حقله .
ان هذا المثل هو غير ما تقدم لان ذاك منهم قبلوه كقوله الارض الجيدة ومنهم ما قبلوه كالطريق والصخرة والشوك . اما هذا الاخير فقد قبله الجميع لانه كان اشارة الى الشيطان والرسل الكذبة والهراطقة الذين يزرعون زؤان تعليمهم بين زرع تعليمه الجيد.
عدد 25 : وفيما الناس نيام جاء عدوه وزرع زؤاناً في وسط الحنطة ومضى .
أراد بالنوم التغافل عن عمل الفضائل وبالعددو الشيطان . اما الزؤان فيراد به الانبياء الكذبة الذين أدخلهم مع الانبياء الحقيقيين والرسل الكاذبين مع الرسل الصادقين . وقد مثل بالزؤان أولئك الذين هم بالاسم مسيحيون وبالفعل بعيدون عن الاعمال المسيحية .
عدد 26 : فلما طلع النبات وصنع ثمراً حينئذ ظهر الزؤان أيضاً .
انه يشير بذلك الى ان الهرطقات مزمعة ان تظهر عندما تنمو الديانة المسيحية . وقوله ” ظهر الزؤان ” اي كما ان الزؤان يكون خفياً ثم يظهر هكذا الهراطقة فانهم يخفون أنفسهم ثم بعدما يقبلهم الناس معلمين يفرغون سم تعليمهم .
عدد 27 : فجاء عبيد رب البيت وقالوا له : يا سيد ، أليس زرعاً جيداً زرعت في حقلك ؟ فمن اين له زؤان ؟ .
العبيد هم الملائكة ورب البيت هو المسيح فكأنهم يسألونه تعالى كيف وجد الزؤان داخل الزرع .
عدد 28 : فقال لهم : انسان عدو فعل هذا . فقال له العبيد : أتريد ان نذهب ونجمعه ؟
فالعدو هو الشيطان وسمّاه عدواً لانه ضدّ الله وبني البشر . ثم تأمل بمحبة الملائكة الذين يريدون اهلاك موجدي الطغيان .
عدد 29 : فقال : لا ! لئلا تقلعوا الحنطة مع الزؤان وأنتم تجمعونه .
فيمنعهم الا يجمعوه لعل هؤلاء يقلعون عن رذائلهم ويرجعون الى الحق .
عدد 30 : دعوهما ينميان كلاهما معاً الى الحصاد ، وفي وقت الحصاد أقول للحصادين : اجمعوا اولاً الزؤان واحزموه حزماً ليحرق ، وأما الحنطة فاجمعوها الى مخزني “ .
أراد بأوان الحصاد منتهى العالم وبالحصادين الملائكة فانه سيأمرهم بان يجمعوا الهراطقة ويلقوهم في النار . وقوله اجمعوا لا يفيد ان الهراطقة الآثمين يدخلون النار أولاً لكن معنى قوله أولاً هو ان الصالحين سيسمعون صوت الديّان العادل فيزول عنهم الخوف أما الاشرار فسيذهبون وحدهم الى النار المعددة لابليس معلمهم .
مثل حبة الخردل
عدد 31 : قدّم لهم مثلاً آخر قائلاً : “ يشبه ملكوت السموات حبة خردل اخذها إنسان وزرعها في حقله ،
عدد 32 : وهي اصغر جميع البزور . ولكن متى نمت فهي اكبر البقول ، وتصير شجرة ، حتى ان طيور السماء تاتي وتتأوى في اغصانها “ .
المراد بحبة الخردل الكرازة وبالرجل المسيح وبالحقل الخليقة وطيور السماء الشعوب الحنفاء المستظلون في ظلها . فمن هذا المثل يتضح ان مفعول بشارة الانجيل في ابتدائها كان قليلاً وضعيفاً جداً اكثر من جميع العلوم . لانه في الانجيل المقدس مذكور عن الصليب والآلام والموت فكل هذا مما يبعث على عدم الثقة والايمان بها ولكنها مع ذلك نمت وعظم شأنها وفاقت جميع العلوم كحبة الخردل التي تنمو أكثر من كل الزروع الاخرى .
ان خواص الخردل كثيرة منها أولاً انها أصغر من الحنطة والشعير فاذا نمت صارت أكبر منهما وهكذا بشارة الانجيل . ثانياً انها مدورة ملساء فهكذا البشارة فهي صحيحة وغير منشقة . ثالثاً ان حبة الخردل لا تنقسم الى شطرين كمثل باقي الزروع هكذا الكرازة بالثالوث فانها تعلمنا ان فيه طبيعة واحدة غير منقسمة . وكما ان حبة الخردل غير متجزئة هكذا يجب الا نتجزأ او نبتعد عن محبة الله ومحبة بعضنا لبعض . رابعاً ان حبة الخردل هي أحد أشد حرارة من النباتات هكذا ان المؤمنين يجب ان يكونوا حارين بموهبة الروح القدس التي يقبلونها . خامساً ان الذي يسحق الخردل تدمع عيناه هكذا من يقاوم البشارة ويضطهد المبشرين سوف يبكي في يوم الدينونة . سادساً ان حبة الخردل تحفظ الجسم من النتانة هكذا كرازة الانجيل المقدس فانها تبعد عن الانفس نتانة الخطيئة . سابعاً حيث يزرع الخردل تبيد المزروعات الاخرى . وهكذا كرازة الانجيل فانها تبيد زروع الهرطقات النجسة . ثامناً ان حبة الخردل حمراء وملساء فاحمرارها يشير الى ان المسيحية لا تكتسب الا بالدم والشدائد وملاستها تفيد ان مقاومة الاعداء لا تضرنا ما دمنا متحدين في الاعمال الصالحة . تاسعاً اذا اختلط الخردل ببعض المأكولات اتصل الى المفاصل وهكذا الكلام عن الايمان يجب ان يدخل الى أعماق قلوبنا . عاشراً ان الخردل يهضم الاكل وينقي الاخلاط هكذا يجب علينا ان نتنقى من الخطيئة بواسطة التعب .
مثل الخميرة
عدد 33 : قال لهم مثلاً آخر : “ يشبه ملكوت السموات خميرة اخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع “ .
ان كلامه لما كان موجهاً الى اناس جهلة استعمل امثالاً طبيعية كالخردل والخمير لكي يفهموا . اما المراد بالخمير فبشارة الانجيل لانها تمتد مثل الخمير وتبطل كل العلوم . والمراد بالمرأة اللاهوت . ومثلها آخرون بالكنيسة التي بطلت الحنفية واليهودية والسامرية . اما الثلاثة اكيال فترمز عن بني نوح الثلاثة الذين منهم تناسل العالم . وقال آخرون ان الثلاثة اكيال تشير الى أجزاء النفس الثلاثة كما يشير اليها قوله ثلاثون وستون ومئة . فالقمح هو الشعب والشعوب الذين آمنوا به وكما ان الخمير اذا وضع في ثلاثة اكيال دقيق خمّرها كلها ويجذبها اليه هكذا تعليم المسيح فانه يجذب الحنفاء واليهود والسمرة الى وحدة الايمان . وقال آخرون ان الضمير اخذ النعمة ودفنها في الجسد والنفس والروح . فقد أتاهم بالخمير مثلاً ليبين لهم انه سيجذبهم اليه كما ان الخمير يجذب العجين اليه .
عدد 34 : هذا كله كلّم به يسوع الجموع بأمثال ، وبدون مثل لم يكن يكلمهم ،
انه لم يكلمهم بالامثال بقصد ان لا يفهموا . لكن ليحثهم على ان يسألوه بواسطتها كما فعل التلاميذ مع انه كثيراً ما تكلم معهم بغير أمثال ولكن لم يسأله أحد عن المعنى .
عدد 35 : لكي يتم ما قيل بالنبي القائل : “ سافتح بأمثال فمي ، وانطق بمكتومات منذ تأسيس العالم” .
أي ليبين انه ما عمل شيئاً جديداً لكنه كمّل ما قد قاله الانبياء وهذا القول مذكور بالمزمور السابع والسبعين .
تفسير مثل القمح والزوان
عدد 36 : حينئذ صرف يسوع الجموع وجاء الى البيت . فتقدم اليه تلاميذه قائلين : “ فسر لنا مثل زؤان الحقل “ .
عدد 37 : فأجاب وقال لهم : “ الزرع الزرع الجيد هو ابن الانسان .
عدد 38 : والحقل هو العالم . والزرع الجيد هو بنو الملكوت . والزوان هو بنو الشرير .
عدد 39 : والعدو الذي زرعه هو ابليس ، والحصاد هو انقضاء العالم . والحصادون هم الملائكة .
عدد 40 : فكما يجمع الزوان ويحرق بالنار ، هكذا يكون في انقضاء هذا العالم :
عدد 41 : يرسل ابن الانسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم ،
عدد 42 : ويطرحونهم في اتون النار . هناك يكون البكاء وصرير الاسنان .
انه تعالى لم يترك الجموع لانهم لم يسألوه تفسير الامثال حال كون اباؤهم قد سألوا الانبياء . ولكنه تركهم لانهم أرادوا ان يقرفوه بذنب ما من كلامه .
عدد 43 : حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم . من له أذنان للسمع فليسمع .
أي ان الصالحين من أجل فضائلهم سيفوق ضياء الشمس اما قوله في ملكوت أبيهم ذلك لانهم عملوا ارادته كالولد العامل ارادة أبي .
مثل الكنز ومثل اللؤلؤة
عدد 44 : أيضاً يشبه ملكوت السموات كنزاً مخفى في حقل ، وجده انسان فأخفاه . ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل .
أراد بملكوت السموات بشارة الانجيل وبالكنز لاهوت سيدنا الذي كان مخفياً في ناسوته وبالرجل الذي خبأه الشعوب الذين كانوا غريبين عن الايمان وعرفوا لاهوت المسيح من العجائب والانذار به فحفظوه في قلوبهم وباعوا تعليمهم واشتروا غنى المسيح الذي أغناهم اكثر من كل ذخيرة .
عدد 45 : أيضاً يشبه ملكوت السماوات انساناً تاجراً يطلب لآلىء حسنة ،
ان الرجل التاجر هو الشعب اليهودي الذي ترك الناموس العتيق وتتلمذ لبشارة الانجيل مثل بولس
عدد 46 : فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن ، مضى وباع كل ما كان له واشتراها .
المراد باللؤلؤة ايمان المسيح . فمضى وباع كل ماله كقول بولس ان الفرائض المفيدة لي حسبتها خسارة بالمسيح . فانه سمى تجاراً أولئك اليهود الذين كانوا يظنون انهم بالناموس يخافون الله . وبمثل الكنز يعلمنا ان بشارة الانجيل تفوق كل شيء لشرفها وأهميتها . وبمثل الخردل أفهمنا ان البشارة ستمتد في كل المسكونة وتنمو كالخردل . وانها تمجد وتكرم كاللؤلؤة وانها ممتلئة كثيراً من الفوائد كالكنز وتجذب الكل اليها كالخمير .
مثل الشبكة
عدد 47 : أيضاً يشبه ملكوت السماوات شبكة مطروحة في البحر ، وجامعة من كل نوع .
عدد 48 : فلما امتلأت أصعدوها على الشاطئ ، وجلسوا وجمعوا الجياد الى اوعية ، وأما الأردياء فطرحوها خارجاً .
عدد 49 : هكذا يكون في انقضاء العالم : يخرج الملائكة ويفرزون الاشرار من بين الابرار ،
أراد بالشبكة بشارة الانجيل الممتدة كل العالم وبقوله جمعت من كل جنس بني البشر المختلفي الاديان والمذاهب الذين اصطيدوا بكرازة الانجيل المقدس . واراد بشاطئ البحر القيامة وبالاخيار الصديقين وبالاشرار الاثيمين .
عدد 50 : ويطرحونهم في اتون النار . هناك يكون البكاء وصرير الاسنان“.
انه كنى بالبكاء وصريف الاسنان عن العذابات الصعبة التي سوف يقاسيها الاشرار الذين رفضوا البشارة والعمل بالاوامر الالهية .
عدد 51 : قال لهم يسوع : “ افهمتم هذا كله ؟ “ فقالوا : “ نعم ياسيد “ .
اي انهم اعترفوا بالفهم الذي وهب لهم ولذلك مدحهم بقوله .
عدد 52 : فقال لهم : “ من أجل ذلك كل كاتب متعلم في ملكوت السماوات يشبه رجلاً رب بيت يخرج من كنزه جدداً وعتقاء “ .
انه دعى الرسل وكل الذين لهم معرفة بالعهدين العتيق والجديد كتاباً لانهم اذا شاءوا تكلموا من العهد العتيق وان شاءوا فمن الجديد . وبقوله هذا مدح العهد القديم ورذل الهراطقة ماني ومرقيان الذين يرفضونه .
عدد 53 : ولما أتم يسوع هذه الامثال انتقل من هناك .
أي انه انتقل الى مكان آخر حتى يبث تعليمه النافع في كل مكان .
عدد 54 : ولما جاء الى وطنه كان يعلمهم في مجمعهم حتى بهتوا وقالوا : “ من أين لهذا هذه الحكمة والقوات ؟
فوطنه هو الناصرة لانه تربى فيها ودعي بصفة كونه انساناً ناصرياً نسبةً اليها وان يكن الهاً مثل أبيه .وكان يعلم في مجامعهم دائماً لئلا اذا رأوه يعلم في البرية أتهموه انه يرمي الشقاق ويضاد السلام .
عدد 55 : أليس هذا هو ابن النجار ؟ أليست أمه تدعى مريم، واخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا ؟
عدد 56 : أوليست أخواته جميعهن عندنا ؟ فمن اين لهذا هذه كلها ؟ “
دعوه ابن النجار استحقاراً له . فكان يجب ان يعرفوا انه نشأ من آباء حقيرين أبناء فاضلون كموسى من عمرام وداود من يسى . فضلاً عن انه كان يجب ان يعتبروا كلامه كلام اله لا كلام انسان . وذكر مرقس انهم قالوا أليس هذا النجار ابن مريم ؟ كما هي العادة في تسمية الابن باسم أبيه ولذا فانهم دعوه نجاراً لان والده كان كذلك . أو لانه كان يشتغل هو نفسه بالنجارة . وتنبأوا في ذلك الوقت بما لم يريدوا فسموه نجاراً اشارةً الى كونه خالق العوالم ومكون السماء والارض. كما تنبأ عنه قيافا .
عدد 57 : فكانوا يعثرون به . وأما يسوع فقال لهم : “ ليس نبي بلا كرامة الا في وطنه وفي بيته “ .
أي انه يكون حقيراً ومرذولاً مثله حتى ان اخوته لم يؤمنوا به بل كان عندهم كاحد الناصريين.
عدد 58 : ولم يصنع هناك قوات كثيرة من أجل عددم ايمانهم .
أي انه لم يصنع في الناصرة قوات كثيرة لئلا يقل ايمانهم اذا كثرت فيمتلئوا حسداً ضده ويشجبون . فضلاً عن انه كان عارفاً انهم لا يستفيدون ولذا فقد صنع قوات قليلة عندهم لئلا يقولوا عنه قبلاً ” أيها الطيب شف نفسك ” . لوقا يقول انه أتاهم ببراهين من ذلك قوله ان ايليا لم يمض الى أحد من بني جنسه لكن الى ارملة من الشعوب . واليشع لم يطهر من البرص سوى نعمان السرياني الذي كان من امة غريبة . والمسيح فعل كما فعل قبله الانبياء دون ان يزيد شيئاً جديداً . وفي يومنا هذا نرى ان عظام القديسين تظهر منها القوات للغرباء ولا تظهر لنا لقلة ايماننا .