الحوار حول يوم السبت – الشفاء في السبت – نبوءة اشعياء تتحقق – يسوع وبعلزبول – الشجرة تعرف من ثمرها -الفريسيون يطلبون آية -عودة الروح النجس
الحوار حول يوم السبت
عدد 1 : في ذلك الوقت ذهب يسوع في السبت بين الزروع ، فجاع تلاميذه وابتدأوا يقطفون سنابل ويأكلون .
ان المسيح باجتيازه في السبت حل السبت واراح الناموس وهو الذي حفظ الناموس مدة ثلاثين سنة حتى اعتمد وتمم السيرة الجديدة من العماد الى الصليب فنقض السبت حين جبل طيناً وطلى به عيني الاعمى وقال ابي الآن يعمل وأنا أعمل . والآن نقض السبت بضرورة الجوع لان الضرورة تحل الناموس وفي الانجيل اليوناني والحرقلي يسميه سبتاً مضاعفاً ولوقا يدعوه السبت الثاني بعدد الاول لانه وقع فيه العيد . واليوم الذي لم يكن يجوز فيه العمل كان يدعى سبتاً . ثم ان جوع التلاميذ يدل على انهم كانوا متجردين غير مهتمين بالجسديات فكانوا يحاربون الجوع دون ان يفارقوا المعلم ويرحلوا مثل ذلك .
عدد 2 : فالفريسيون لما نظروا قالوا له : “ هو ذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله في السبت ! “
ان الفريسيين لاموا المسيح على اجتيازه وسط الزرع واكل التلاميذ لوماً بسيطاً لكنهم اغتاظوا منه حين بسط اليد اليابسة يوم السبت لان الاعجوبة كانت عظيمة
عدد 3 : فقال لهم : “ اما قرأتم ما فعله داود حين جاع هو والذين معه ؟
عدد 4 : كيف دخل بيت الله واكل خبز التقدمة الذي لم يحل أكله له ولا للذين معه ، بل للكهنة فقط .
ان الذين حلوا الناموس كثيرون الا ان المسيح لم يذكر منهم الا داود لان داود كان ممجداً عندهم . ولم يسميه ملكاً ونبياً لانه كان من قبيلته حتى لا يظن اليهود انه يفتخر باول ناقض للسبت . فكما ان داود لما عرض له الجوع اضطر الى حل الناموس . كذلك التلاميذ حلوا السبت بسبب الجوع . ولو كان في قلوب الفريسيين رحمة لعذروا المسيح وتلاميذه من نقضهم السبت لان الجوع يحمل صاحبه على تحليل ما هو محرم ولكونهم ملاعين ذكر لهم داود مع ان داود هو ملوم خصوصاً لانه سبب قتل الكهنة من يد شاول . فان كان داود غير ملوم بذلك فكم بالحري تلاميذ المسيح سيما وان كثيرين نقضوا السبت فمنهم يشوع ابن نون وايليا النبي عندما مشي أربعين يوماً وغيرهما . ثم ان نقض السبت . فان قال قائل ان داود كان نبياً . أجبناه ان الانبياء انفسهم لم يكن يحل لهم الاكل من ذلك الخبز فكم بالحري للرجال الذين كانوا مع داود فانهم لم يكونوا انبياء ولا كهنة . ان مرقس يسمي الكاهن الذي اعطى داود خبز التقدمة ابياتار وصاموئيل يسميه اخيمالك. فكان يسمى باسمين فكل واحد سماه باسم .
عدد 5 : او ما قرأتم في التـوراة ان الكهنة في السبت في الهيكل يدنسون السبت وهم أبرياء ؟
اي كما ان الكهنة في الهيكل يحلون السبت لانهم يصعددون الذبائح ويقربون القرابين فلا يلامون على ذلك . هكذا فانه لا لوم على التلاميذ لقلعهم السنبل واكلهم منه . وقد استعمل لفظة التدنيس بدلاً من نقض السبت لانها اصعب .
عدد 6 : ولكن اقول لكم : ان ههنا اعظم من الهيكل !
بقوله اعظم عني نفسه لانه رب الهيكل . وكما ان الله اعظم من الهيكل الذي يكرم فيه هكذا فان التلاميذ الذين يخدمونه هم اعظم من الكهنة الذين يخدمون الهيكل.
عدد 7 : فلو علمتم ما هو : اني اريد رحمة لا ذبيحة ، لما حكمتم على الأبرياء !
اي لو كنتم تذكرون الكتاب القائل ان الله الرحمة على الذبيحة لما لمتوني على نقضي السبت لانه اذا كان السبت ينقض لاجل الذبيحة من الكهنة فكم بالاحرى يجب نقضه لاجل الرحمة والشفقة .
( مر ص 2 : 27 ) ثم قال لهم ان السبت جعل الانسان لا الانسان لاجل السبت
يتساءل البعض انه اذا كان السبت جعل لاجل الانسان فلماذا قتل صلفحد أليس لانه نقض السبت ؟ فنجيب ان السبت لو لم يحفظ من البدء لكان نقض شيئاً فشيئاً واستحقر الناس أوامر الناموس . ان حفظ السبت كان يفيد العبرانيين كثيراً وكان يذكرهم بخلق الله للكائنات ويبعددهم عن عبادة الاوثان ويجعلهم رحومين على العبيد والاماء . ويرجعهم من الشر الى الصلاح . ورب معترض يقول لماذا ابطل المسيح هذه العوائد ؟ فنجيب انه لم يبطلها لكنه زادها بتعليمه الناس ان الله هو خالقهم وابوهم ومسكنه السموات كما انه علمهم ان يكونوا رحومين ولا يحتفلوا باعيادهم في السبت فقط بل في كل بوم لان الناموس انحل وابتدأت خدمة الانجييل ومنعهم ان يخدموا قبة الزمان والمذبح الرمزي بل ان تكون ذواتهم مذبح ومساكن للاهوته .
عدد 8 : فإن ابن الانسان هو رب السبت أيضاً .
فبقوله ” ابن البشر ” عنى نفسه واثبت لاهوته بكونه خالق السبت . فكأنه يقول كما قد اعطيتكم السبت . هكذا لي السلطان ان احله وليس لاحد ان يلومني على نقضه بصنعي العجائب فيه .
الشفاء في السبت
عدد 9 : ثم انصرف من هناك وجاء الى مجمعهم ،
اي انه اجتاز يوم السبت وهو غير السبت الذي قلع فيه تلاميذه السنبل كما ذكر لوقا.
عدد 10 : واذا انسان يده يابسة ، فسالوه قائلين : هل يحل الابراء في السبوت ؟ لكي يشتكو عليه .
ذكر الانجيليون الآخرون ان السيد المسيح اقامه في الوسط وقال للجموع انه يجب ان يعمل الخير في السبت . اما اقامته له في الوسط فلكي تثير رؤيته في قلوب الحاضرين عواطف الشفقة والرحمة عليه . اما متى فقال ان الكتبة والفريسيين سألوه ذلك . وكلتا الروايتين صحيحة . لانهم كانوا يعرفون انه يريد ان يشفيه فارادوا ان يمنعوا الشفاء بواسطة سؤالهم اياه بالحيلة والغش ويشكوه بكونه لم يحفظ السبت . اما المسيح فلمعرفته بخبثهم اقامه في الوسط كما يقول الانجيليون الاخرون . ولما لم يندموا على سوء فكرهم وعمى قلوبهم وبخهم بعنف كقول مرقس البشير “ فأدار نظره فيهم بغيظ ” ( مر ص 3 :5 ) ذلك لكي يجذبهم بنظره هذا الى التوبة
( مر ص 3 : 4 ) ثم قال لهم أخيرا يحل ان يفعل في السبت ام شر الخ
انه تعالى اخذ قبل صنعه الاعجوبة يضرب لهم الامثال ويسالهم بعض الاسئلة حتى اذا اجابوه عليها أخذ جوابهم حجة عليهم فقال لهم .
عدد 11 : فقال لهم : “ اي انسان منكم يكون له خروف واحد ، فان سقط هذا في السبت في حفرة ، أفما يمسكه ويقيمه ؟
فأتاهم بمثل الخروف لانهم مبتلين بمحبة المال والمقتنيات .
عدد 12 : فالانسان كم هو أفضل من الخروف ! اذاً يحل فعل الخير في السبوت ! “
انه اثبت من كلامه لهم وجوب فعل الخير في السبت. وذكر مرقس انهم ” فصمتوا ” اي انهم لم يجيبوه بشيء ولا استفادوا من كلامه .
عدد 13 : ثم قال للانسان : “ مدّ يدك “ . فمدها . فعادت صحيحة كالاخرى .
انه تعالى شفى يد الرجل اليايسة بمجرد كلمة قالها له . وفي غير موضع كان يضع يده على الذين يريد شفاءهم فتعود اعضاؤهم اصح مما كانت حالة العافية .
نبوءة اشعياء تتحقق
عدد 14 : فلما خرج الفريسيون تشاوروا عليه لكي يهلكوه ،
اي ان الفريسيين تشاوروا على قتله حسداً منهم .
عدد 15 : فعلم يسوع وانصرف من هناك . فتبعته جموع كثيرة فشفاهم جميعاً .
اي انه لما علم بما يضمرونه له من الشر انصرف عنهم علماً من ان النفس السقيمة لا تنتفع بالعجائب . ولا عبرة بما يقوله البعض من انه كان يجب ان يصنع المسيح المعجزات الكثيرة ليجذب السامعين الى اليمان به مع ان هؤلاء كما راينا احتدموا غيظا لاعجوبة واحدة صنعت امامهم ومع انه كثيراً ما تكلم عن جواز حل السبت عند الضرورة حينما كان يصنع المعجزات فيه الا انه حين فتح عيني الاعمى لم يتكلم عنه شيئا ولما شفى المخلع تكلم قائلا الآن ابي يعمل وانا اعمل . وقال في موضع آخر اذا كان الانسان يختن يوم السبت لئلا ينقض الناموس فلماذا تغضبون علي لاني شفيت هذا الانسان ولما لاموه بسبب نقض تلاميذه للسبت عند اجتيازهم السنبل واقتلاعهم منه اتاهم بمثل داود و الكهنة وذكرهم الآية القائلة ” اريد رحمة لا ذبيحة وان السبت جعل لاجل الانسان ” اما عند شفائه اليد اليابسة فضرب لهم مثلا الخروف الذي سقط في الحفرة ثم ان ذهاب الجمهور وراءه كان ليشفي مرضاهم ويروا الايات ويسمعوا تعاليمه .
عدد 16 : واوصاهم ان لا يظهروه ،
انه تعالى لعلمه بان الكتبة يحسدونه ويغتاظون منه لعمله القوات امر الجموع الا يذيعوها لئلا تكون سببا لامتناعه عن شفاء الامراض ثم لكي يهدأ حسد اليهود .
عدد 17 : لكي يتم ما قيل باشعيا النبي القائل :
عدد 18 : “ هو ذا فتاي الذي اخترته ، حبيبي الذي سرت به نفسي . اضع روحي عليه فيخبر الامم بالحق .
هذه الآية قد قيلت من طرف الآب عن الابن لانه تانس وصار انسانا وأخذ مثال العبد كقول بولس الرسول فلذا سماه فتاه وسرت به نفسه لانه فعل ارادته . ثم قال الآب احل روحي عليه لانه صار انسانا فقبل الروح بالجسد واعطاه لنا بواسطته ز وقوله يخبر اي بالبر والايمان .
عدد 19 : لا يخاصم ولا يصيح ، ولا يسمع احد في الشوارع صوته .
اي ان وداعته لم تشتهر عند المؤمنين فقط لكن عند أعدائه ومبغضيه أيضا . وحين سيق للتعذيب والحكم عليه بالموت لم يخاصم ولا نازع بل سكت كالحمل الوديع .
عدد 20 : قصبة مرضوضة لا يقصف ، وفتيلة مدخنة لا يطفئ ، حتى يخرج الحق الى النصرة .
انه تعالى شبه اليهود بالقصبة المرضوضة وغضبهم بالكتان المدخن اي انه كان يعامل مبغضيه بفعله الآيات بالحلم وطول الاناة حتى يكمل كل الواجبات ولا يجعل لهم سببا ان يتكلموا بالسوء عنه . بل احتملهم حتى صلب وقام من بين الاموات واظهر غلبته على الثلاب فأجلب عليهم القضاء اذ ذلك وبلاهم بسبي الرومانيين لهم .
عدد 21 : وعلى اسمه يكون رجاء الامم “ .
اي ان بشارة الانجيل لا تبطل وان صلبوه بل تجذب كل الشعوب اليه . يتساءل البعض في ان كيف قال متى هنا انه لا يصيح ويوحنا قال انه في آخر أيام العيد كان يقوم يسوع ويصرخ فنجيب ان الصراخ له معنيان معنى ممدوح ومعنى مذموم . فيوحنا قال عن الصراخ الناموسي والتعليمي ومتى قال عن صراخ الرداوة والنفاق . وفي قوله لا يماري ولا يصيح دليل على وداعته وحلمه . اما قول النبي ان احد لا يسمع صوته في الشوارع مع ان الانجيل كان يذكر انه كان يجول في المدن والقرى ويعلم فيفيد ان التعليم جهارا اما ان يكون لاكتساب المجد الباطل او لفائدة السامعين فقول النبي لا يسمع صوته يستدل منه انه بعيد عن طلب المجد الباطل لاييما وان في مخاطبته الناس بالامثال والالغاز دليلا آخر على تعليمه سرا لئلا بعطي القدس للكلاب .
يسوع وبعلزبول
عدد 22 : حينئذ احضر اليه مجنون أعمى واخرس فشفاه ، حتى ان الاعمى الاخرس تكلم وابصر .
ان قوله ” مجنون ” اتضح منه ان الضرر الذي اصيب به كان مصدره الشيطان فانه سد الحاستين اللتين ينظر باحدهما نور الايمان ويسمع بالاخرى كلام الخلاص والتعاليم الالهية . لان قبول الايمان اما ان يكون بواسطة النظر او السمع . اما ربنا فافتعل آية مضاعفة . فطرد الشيطان وشفى النظر والسمع .
عدد 23 : فبهت كل الجموع كلهم وقالوا : “ ألعل هذا هو ابن داود ؟”
اي ان الجمع الساذج تعجب لانه لم يكن يعلم عن المسيح سوى انه ابن داود فقط وكان يجهل انه ابن الله بالطبيعة وانه صار انساناً بلا تغيير .
عدد 24 : أما الفريسيون فلما سمعوا قالوا : “ هذا لا يخرج الشياطين الا ببعلزبول رئيس الشياطين “ .
ان الفريسيين عندما رأوا المعجزات التي عملها المسيح اتهموه لحسدهم اياه قائلين انه ببعل زبوب يخرج الشياطين لانه بهذا الاسم كان يدعى رئيس الشياطين . ورب قائل يقول كيف يختمل ان يكون قد انصرف من عندهم بعدد ما صحح اليد اليابسة ويقول انه منح الشفاء للآخرين وتكلم معهم ؟ فنجيب اما ان يكون قد تم شفاء المجنون في غير الوقت الذي شفى فيه صاحب اليد اليابسة او اما ان يكون قد تم شفاءه بعدد انصرافه من هنالك اذ كانوا بعيدين عنه فعرف افكارهم قبل ان يصلوا اليه .
عدد 25 : فعلم يسوع افكارهم ، وقال لهم : كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب ، وكل مدينة او بيت منقسم على ذاته لا يثبت .
ان الفريسيين لم يستطيعوا ان يظهروا افكارهم خوفا من الجمع . اما هو فلم يرد ان يكشف ما في قلوبهم لكنه وبخهم بضربه لهم مثلاً عن الكتاب لانهم لم يكونوا يسمعون من الكتب ولا يفسرونها تفسيراً حقيقياً ولما سموه قبلا بعل زبوب لم يزجرهم بل اراد ان يعرفهم عن نفسه بانه قادر وعالم بما فعله من الآيات والمعجزات . اما هنا فلما رآهم مصرين على شرهم اراد ان يوبخهم بضربه لهم مثلا قائلاً ان كل سلطة اذا انقسمت على ذاتها خربت لان الاعدداء الخارجين لا يستطيعون ان يلحقوا بالسلطنة الخراب الذي يلحقه النزاع والانقسام الداخلي وكذا قل عن المدينة والبيت ثم استتلى قائلاً ان كان في شيطان وبه اخرج الشياطين على ذواتهم فتبيد بذلك قوتهم وتبطل .
عدد 26 : فان كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته . فكيف تثبت مملكته ؟
لم يقل الشيطان يخرج الشياطين لكن الشيطان ليبين اتفاقهم مثل محبة الواحد لنفسه . فاذا اخرج هو نفسه فقد انقسم على ذاته وهلك .
عدد 27 : وان كنت انا ببعلزبول اخرج الشياطين ، فابناؤكم بمن يخرجون ؟ لذلك هم يكونون قضاتكم !
أراد بالبنين الرسل فلو قال بدلا من البنين تلاميذي ورسلي لكان عندهم جواب يجيبونه به حين لا يؤمنون به . لان الرسل كانوا يخرجون الشياطين ومع ذلك فلم يكونوا يثلبونهم كما كانوا يثلبون المسيح مع انهم كانوا يخرجون الشياطين باسمه وقوله ” من اجل هذا يحكمون عليكم ” أي ان ابناؤكم لاطاعتهم وقبولهم تعاليمي سيحكمون عليكم .
عدد 28 : ولكن ان كنت انا بروح الله اخرج الشياطين ، فقد أقبل عليكم ملكوت الله !
المراد بروح الله هو الروح القدس . أما القديس افرام فيقول انه روح الله الذي قبله بالعماد .
( لو ص 11 : 30 ) وان كنت انا باصبع الله اخرج الشياطين الخ
المراد باصبع الله هو الروح القدس الذي يخرج من جوهر الآب وهو بالطبع كائن فيه كمثل الاصبع في يد الانسان . والكتب المقدسة تدعو الابن يمينا وذراعا كما ان الذراع من طبعه متصل بالجسم واليد والاصبع مساويتان بالجوهر للجسم كذلك الابن المكنى عنه باليد والروح بالاصبع مساويان للآب بالطبع اذا ان خروج الشياطين من الناس لم يكن الا بقوة الروح القدس المساوي بالجوهر للآب والابن وليس ببعل زبوب فباصبع الله كان يضع يده على المرضى ويشفيهم اذ حال لمسه الانسان باصبعه كان يخرج الشيطان . ثم المراد بملكوت الله ذلك النعيم الابدي الذي نناله بعدد القيامة . فكأنه يقول ان كنتم تؤمنون اني بقوة الروح المساوي لي بالطبع أخرج الشياطين فق اقترب منكم ملكوت الله وقال بعضهم ان المقصود من قوله ملكوت الله هو مجيئه اليهم لخلاصهم الا انهم لعمى قلوبهم لم يقدروا هذه النعمة الكبرى لكنهم رفضوها بعصيانهم .
عدد 29 : أم كيف يستطيع احد ان يدخل بيت القوي وينهب امتعته ، ان لم يربط القوي اولا ، وحينئذ ينهب بيته ؟
أراد بالقوي بعلزبول وذلك ليس لكونه قوياً من طبعه لكن بغباوتنا وتهاوننا جعلناه ان يتغلب علينا كما تغلب على الانسان الاول . واراد “ بامتعته “ الشياطين رفاقه فاني بهذا المثل يفند . عم اليهود في انه ببعل زبوب يخرج الشياطين لانه لا يعقل ان القوي يدع بيته ان ينهب ولا يدافع عن نفسه .
( لو ص 11 : 21 ) فانه يذهب بجميع اسلحته التي كان يعتمد عليها ويقسم غنائمه
فقد فسرها القديس افرام قائلا ان المسيح كسر الاصنام التي كان قد خطف الشياطين اسم اللاهوت ووضعوه عليها . واخذ نهيبته اي أخرجهم منها .
عدد 30 : من ليس معي فهو علي ، ومن لا يجمع معي فهو يفرق .
اي كيف مكن للشياطين الذين هم ضدي ان يتفقوا معي حتى اني بواسطة رئيسهم أخرجهم من الناس . وهم الذين اذا اردت ان اقرب الانسان الى الله وعلمته ان يعمل الصالحات يسعون جهدهم ليبعددوه عن الله ويحملوه على ان يصنع الشر والعصيان . ورب سائل يسأل قائلاً كيف يقول المسيح في غير موضع ان من لم يكون ضدكم فهو معكم وهنا يقول من ليس هو معي فهو علي ؟ فنجيب ان قوله من ليس هو ضدكم فهو معكم خصيصاً بتلاميذه والذين كانوا معهم ز اما قوله هنا المراد منه ليس الشياطين فقط بل كل من كان ضده من اليهود فساواهم بالشياطين لانهم كانوا يضادونه كالشيطان ويبددون ما كان يجمع .
عدد 31 : لذلك اقول لكم : كل خطيئة وتجديف يغفر للناس ، واما التجديف على الروح فلن يغفر للناس ،
قصد بهذا تخويف اليهود وارهابهم لعلهم يتوبون فكأنه يقول لهم انكم اذا تبتم على ما اقترفتموه نحوي من الخطايا كتجديفكم علي وتسميتكم لي مضلاً ومجنوناً وسامراً مدعين اني غير حافظ للناموس واني لست من الله غفرت ذلك لكم . اما اذا جدفتم على الروح القد س الذي به أخرجت الشياطين وشفيت المرضى ونسبتم الاعاجيب التي صنعتها بقوته الى الشياطين فلا يغفر لكم ذلك لا في هذا العالم ولا في العالم الآتي . ورب معترض يقول اذا كان التجدف عليه يغفر والتجديف على الروح لا يغفر أصبح الابن اذاً أحط شأناً من الروح القدس ؟ فنجب انه لم يقل ان التجديف على الروح لا يغفر على الاطلاق الا اذا كانوا لا يتوبون على هذا التجديف لان كثيرين من الذين قد جدفوا على الابن ولم يتوبوا فما غفر لهم كما ان كثيرين جدفوا على الروح ثم تابوا فغفر لهم . ثم ان التجديف عله أخف من التجديف على الروح لانه ربما كان للمجدفين عذر وهو رؤيته لابساً جسدا . اما في تجديفهم على الروح فلا عذر لهم في ذلك لان الكتب والانبياء تكلموا عنه وأخبروا به .
عدد 32 : ومن قال كلمة على ابن الانسان يغفر له ، واما من قال على الروح القدس فلن يغفر له ، لا في هذا العالم ولا في الآتي .
أي يوجد قوم يتعذبون هنا في هذه الدنيا وفي الاخرى كالسادومين واليهود الذين تعذبوا في السبي . وكثيرون لم بتعذبوا هنا ولا هناك كالرسل والشهداء وايوب . واذا كانوا هؤلا قد احتملوا الشدائد فذلك لم يكن قصاصاً لكن قتالا مع الاشرار لتمتحن شجاعتهم لان الفرق عظيم بين العذاب لاجل الذنوب والخطايا . وبين التجارب والبلايا التي يمتحن بها المختارون والبررة منالناس في هذا العالم . ثم ان الخاطئ بالجهد نال الغفران عن خطاياه بواسطة العذابات التي يكابدها . وهذا يتحق اكليل الغلبة . وكثيرون يتعذبون هنا مل المساكين والعازر . وكثيرون هناك مثل الغني وأمثاله . ثم ان المراد من قوله “ من جدف على ابن الانسان “ جسده . أي من انكر ان جسده ليس من البتول او انه نزل من السماء ولم يتألم في الحقيقة لكن خيالا فهذا يغفر له اذا تاب . ومن جدف على اللاهوت صانع الباهرات المتجسد لا يغفر له .
الشجرة تعرف من ثمرها
عدد 33 : اجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيداً ، أو اجعلوا الشجرة رديّة وثمرها رديّاً ، لان من الثمر تعرف الشجرة .
أراد بالشجرة الصالحة الروح القدس وبثمرتها اخراج الشياطين. وبالشجرة الفاسدة الشيطان وبثمرتها سكنه في الناس . ثم يراد بالشجرة الفاعل وبالثمرة الافعال . فكانه يقول كما انكم تمدحون القوات أي الاثمار التي فعلتها هكذا امدحوني انا الشجرة ولا تفتروا علي بأني بقوة رئيس الشياطين أخرج الشياطين واصنع المعجزات . فشبه ذاته بالشجرة وافهمهم ان العجائب التي فعلها تعرف انه ليس فيه بعل زبوب لكنه فعلها بقوة الروح الشريك له بالطبيعة . وان من يفعل مثل هذه العجائب فلا يمكن ان يكون رديئاً . ثم ان كلامه لم يكن مقصوراً على ذاته فقط بل شمل الروح القدس أيضاً لاجل ذلك ماهم تسمية تلق بهم اذ انتهرهم قائلاً :
عدد 34 : يا اولاد الافاعي ! كيف تقدرون ان تتكلموا بالصالحات وانتم اشرار ؟ فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم .
شبههم بالافاعي لخبثهم ولكي يجردهم من المجد الذي كانوا يتظاهرون به ويخرجهم من قرابة ابراهيم وأنكر عليهم امكان صدور الصالحات منهم مع ما هم عليه من الشر والخداع . وأما قوله ” فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم ” فذلك لان ما نطبق به الآن هو نتيجة ما يحويه القلب شراً كان ام خيراً . ان اللسان يتعذر عليه احياناً لداعي الخوف أوالحياء اظهار ما ينطوي عليه القلب من الشر والرداوة . الا انه لا شيء يمنع القلب من ان يفكر في الشر كل حين كقلوب اليهود التي كانت تضمر الشر للمسيح وتقوي له الصلب والتعذيب وفي افواههم كانوا يتهمونه انه بعل زبوب يخرج الشياطين .
عدد 35 : الانسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يخرج الصالحات ، والانسان الشرير من الكنز الشرير يخرج الشرور .
أي ان الرجل الشرير القلب لا يصدر منه الا الشر . والصالح فانه لا يصدر منه الا الصلاح .
عدد 36 : ولكن أقول لكم : ان كل كلمة بطّالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين .
عدد 37 : لانك بكلامك تتبرر وبكلامك تدان “ .
أي ان الانسان ربما كان كلامه سبباً في تبريره او تخطيئته . ولذا فليتجنب الطعن والقدح في الناس وكل كلام يكون سبباً لشجبه يوم الدين سواء كان ذلك موجهاً للخالق او للمخلوق .
الفريسيون يطلبون آية ( آية يونان )
عدد 38 : حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين : “ يا معلم ، نريد ان نرى منك آية “.
ان الكتبة والفريسيين لمّا لم يجدوا في كلام المسيح ما يصلح ان يتخذوه حجة عليه طلبوا منه آية لا ليؤمنوا به اذا رأوها بل لعلهم يجـدون فيها ما يتخذونه حجة عليه فيدينونه بها . فجعلوا يدعونه معلماً على سبيل الخداع والتعليق ظناً منهم انهم يخدعونه . اما هو فكان يجيبهم بالسكينة واللين . ولكن عندما كانوا يكلمونه بالهدوء كان يجيبهم بزجر وانتهار مظهراً لهم انه بعيد عن الحدة والفرح معاً . فانه لم يصنع آية كما طلبوا منه هرباً من المجد الباطل لانهم دعوه معلماً على وجه التمليق فلذا انتهرهم قائلاً :
عدد 39 : فأجاب وقال : “ لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ، ولا تعطى له آية الا آية يونان النبي .
فسماهم جيلاً شريراً لانهم نكروا خيرات أبيه واحسانه اليهم . وفاسقاً لسبب كفرهم . وبين مساواته مع أبيه ثم دعاهم أشراراً لانهم علىالدوام يفعلون الشرور وفاسقين لانهم فسقوا بالاصنام وسجدوا للمنحوتات صور النساء ثم انه تعالى لما رأى قلوب اليهود غارقة في لجج الخطايا أتاهم بآية يونان . ورب سائل يسأل قائلا كيف عمل آيات بعد ذلك ؟ فنجيب ان الآيات التي عملها فيما بعد لم تكن لاجلهم لكن لاجل غيرهم الذين آمنوا به كالعميان والمخلعين أما الذين لم يؤمنوا به فخاطبهم . بما معناه قد عملت آيات ولم تؤمنوا بي فلذا لا تعطون آية الا عندما تنهدم مدينتكم من الرومانيين بعد صلبي .
عدد 40 : لانه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاثةليال ، هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلاثة ايام وثلاث ليال .
قال ذلك اشارة الى قيامته . فقد عرفوا معنى كلامه . والشاهد لذلك قولهم لبيلاطوس قد تذكرنا ذلك الضال اذ كان يقول اني بعد ثلاثة ايام اقوم . اما التلاميذ فانهم لم يدركوا معنى كلامه لانهم كانوا جهلة . ولم يقل في الارض ولكن في قلب الارض اشارة الى القبر . ثم انه مكث في القبر ثلاثة ايام ليكون موته حقيقياً لا خيالاً اما ما يعترض به البعض من ان المسيح لم يمكث في القبر ثلاثة ايام وثلاث ليال حسبما قال فسنجيبه عن تفسير ذلك في الاصحاح 28 من متى .
عدد 41 : رجال نينوى سيقومون في الدّين مع هذا الجيل ويدينونه ، لانهم تابوا بمناداة يونان ، وهوذا أعظم من يونان ههنا !
أي انكم تستوجبون الدينونة اضعافاً بالنية الى اهل نينوى لان اولئك تابوا بالانذار فقط اما انتم فمع ما رأيتموه من العجائب وسمعتموه من التعليم لم تتوبوا سيما وان اهل نينوى قد وعظهم أحد الانبياء . اما انتم فقد وعظكم الله ثم ان يونان خرج من الحوت فآمنوا بكلامه وتابوا بانذاره اما انا فقد خرجت من القبر وغلبت الموت ولم تؤمنوا بي . ويونان انذرهم بالهلاك وخراب المدينة اما انا فقد بشرتكم بالملكوت .
عدد 42 : ملكة التيمن ستقوم في الدّين مع هذا الجيل وتدينه ، لانها اتت من اقاصي الارض لتسمع حكمة سليمان ، وهوذا اعظم من سليمان ههنا !
اي ان ملكة التيمن كابدت تعب الطريق بقصد ان تسمع حكمة سليمان . اما المسيح فقد نزل من اعلى السموات تشوقاً الى خلاص بني البشر فلم يؤمنوا به . ثم ان سليمان تكلم عن الخشب والاشجار والمسيح كلمهم عن الاسرار الخفية والامور الغير الموصوفة . فكأنه يقول لهم انتم مدانون بالنسبة الى ملكة التيمن لان تلك لم تر الايات ومع ذلك فقد اعتقدت حكمة سليمان . أما انا فقد عملت الآيات امامكم ولم تقبلوا كلامي . اما قوله عن نفسه انه اعظم من يونان وسليمان فقد قصد بذلك مجرد التفضيل وان لم يكن بينه تعالى وبينهما وجه الشبه .
عودة الروح النجس
عدد 43 : اذا خرج الروح النجس من الانسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء ، يطلب راحة ولا يجد .
عدد 44 : ثم يقول : ارجع الى بيتي الذي خرجت منه . فيأتي ويجده فارغاً مكنوساً مزيناً .
انه تعالى شبه اليهود لكثرة شرورهم وعدم توبتهم بانسان فيه شيطان وخرج منه . فان استمر ذلك الانسان في الشرور وجد الشيطان فيه مكاناً فيذهب ويجلب معه شياطين اخر فسيكنون في ذلك الانسان فتكون اواخر ذلك شراً من اوائله ثم انه اراد بالامكنة والاراضي التي لا ماء فيها أولئك الشعوب الذين لم تبلغهم أقوال الانبياء والبشارة الممثلة بالماء والذين لم يتيسر لهم الاصطباغ بمياه المعمودية . فلم يحج فيهم راحة لانهم صاروا ينبوعا للتعليم المضل . ويراد كذلك بذلك الانسان الشعب الاسرائيلي وبالروح النجس عبادة الاوثان التي دخلت فيه بمصر . فأزالها الآب بواسطة الناموس الذي اعطاه في جبل سينا وملأه من الروح القدس ثم ان في قوله الروح النجس اشارة الى قتل الانبياء ولما طاف في الشعوب الذين كانوا معددومين من المياه الروحية المكنى بها عن الفرائض الالهية ولم يجد فيهم راحة كما كان له في الشعب قال لارجعن الى الشعب فجاء ووجده مكنوساً أي فارغاً من الخيرات والمواهب الروحية التي قد منحت له جبل سينا بل ومزيناً بالشر ومستعدا لقتل المسيح فأخذ معه سبعة ارواح أخر أشراً منه الذين كانوا بالشعوب والطوائف السبع الذين قتلوهم وورثوا ارضهم ودخلوا في الشعب . وقد فسره بعضهم ان التلاميذ لما طردوا الارواح النجسة من الشعب المؤمن بالمسيح دخلوا في الشعب اليهودي الغير المؤمن .
عدد 45 : ثم يذهب ويأخذ معه سبعة ارواح اخر أشر منه ، فتدخل وتسكن هناك ، فتصير أواخر ذلك الانسان أشر من أوائله ! هكذا يكون أيضاً لهذا الجيل الشرير “ .
اي ان شعب اليهود كان قبلاً يقتل الانبياء . ولاجل ذنبه هذا كان يسبى ثم يرجع . ثم سبي ولم يرجع لانه قتل رب الانبياء . وكانت خطيئته عظيمة .
عدد 46 : وفيما هو يكلم الجموع اذا أمه واخوته قد وقفوا خارجاً طالبين ان يكلموه .
انه سمى اولاد يوسف يعقوب ويوسي ويهوذا اخوته الذين لم يدخلوا ليسمعوا تعليمه ولا جلسوا خارجاً حتى يكمل تعليمه لكنهم ارسلوا رسلاً وراءه كمن لهم عليه سلطان .
عدد 47 : فقال له واحد : “ هوذا امك واخوتك واقفون خارجاً طالبين ان يكلموك “ .
عدد 48 : فأجاب وقال للقائل له : “ من هي امي ومن هم اخوتي ؟ “
انه لم يقصد بذلك ان ينكر أمه لكن ليريها ان لا فائدة لها من كونها امه اذا لم تعمل الفضائل . وليعرف الناس انه ليس فقط ابنها لكن ربها ايضا فربها من حيث انه اله وابنها لانه مولود منها بالطبيعة . ولانهم دعوه بافتخار وبمجد باطل كمن لهم عليه سلطان فلذا وبخهم . اما المراد من قوله لهم من هي أمي ومن هم اخوتي فليس انكار القرابة الطبيعية ولكن ليفهم الحاضرين ان القرابة الروحية يفضلها على القرابة الجسدية .
عدد 49 : ثم مدّ يده نحو تلاميذه وقال : “ ها أمي وأخوتي .
عدد 50 : لأن من يصنع مشيئة ابي الذي في السموات هو اخي واختي وأمي “ .
ان بقوله هذا ابان مزيد اعتباره لارادة ابيه وضرورة العمل بها حين سمى الذين يتبعونها مبتعددين عن الشرور باخيه واخته وأمه .