يسوع ويوحنا المعمدان – المدن التي لم تتب – الله يعلن اسراره للبسطاء
يسوع ويوحنا المعمدان
عدد 1 : ولما أكمل يسوع امره لتلاميذه الاثني عشر ، انصرف من هناك ليعلم ويكرز في مدنهم .
انه اعطى رسله مهلة وزماناًً ليعلموا بما قد اوصاهم . فلما كان حاضراًً هو ويصنع الايات والعجائب لم يكن احد يمضي عند تلاميذه .
عدد 2 : أما يوحنا فلما سمع في السجن باعمال المسيح ، ارسل اثنين من تلاميذه ،
عدد 3 : وقال له : “ أأنت هو الآتي ام ننتظر آخر ؟ “
ذلك لانه كان قد وقع خلاف وحسد بين تلاميذ يوحنا ضد المسيح اذ رأوا ان المسيح يعظم قدره فيما ان يوحنا يستصغر شأنه . ولما علم يوحنا بقرب انتقاله من العالم خاف ان يبقى هذا النزاع بين تلاميذه بعدد انتقاله فلذلك ارسل اثنين من تلاميذه عند المسيح . أما المسيح فلمعرفته بقصد يوحنا لم يقل للتلميذين اني انا هو لكنه عمل عجائب كثيرة في الوقت امامهما وقال لهما.
عدد 4 : فاجاب يسوع وقال لهما: “ اذهبا واخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران :
ان المسيح لعلمه ان الاعمال لهي اكثر تاثيراًً واصدق شاهداًً من الاقوال لذلك صنع العجائب ليزيل الخلاف الواقع بين تلاميذ يوحنا لا ليقنع يوحنا انه هو المسيح لان يوحنا كان يعلم ذلك من الروح القدس وهو في بطن امه وكان يعرف انه مزمع ان يقتل وكان يريد تثبيت تلاميذه في الايمان بالمسيح انه المخلص وان تظاهر بعددم معرفته واياه اما المسيح فكانه علم ما في قلبهما فلم يرد عليهما جواباًً لكنه صنع امامهما قوات كثيرة وقال اذهبا واعلما يوحنا . وقال آخرون ان سؤال يوحنا للمسيح انت هو الآتي يشير الى القبر . فكأنه يقول انت هو المزمع ان تدخل الهاوية وتخاص آدم فلو كان سؤاله هذا يشير الى مجيئه لما افاد سؤاله معنى لان مجيئه كان قد تمّ . وبعضهم قال ان يوحنا لم يكن يعلم ان المسيح كان مزمعاًً ان يموت لاجل ذلك سأل قائلاًً انت هو الآتي . اما نحن فنقول ان يوحنا لم يكن يجهل ان المسيح مزمع ان يموت لانه بتسميته اياه ” حمل الله ” اشار عن صلبه . وبقوله حامل خطيئة العالم تنبأ انه سيرفع على الصليب ثم يقوم ويهب الروح القدس بعدد القيامة اذ قال ” ان الذي يأتي بعددي سيعمدكم بالماء والروح ” . ثم قال بعضهم ان يوحنا سأل المسيح ذلك حتى يأخذ الجواب منه ويكرز عنه في الهاوية اما نحن فنقول ان هذا الرأي هو بخلاف الحقيقة لان هذا العالم هو عالم التبشير والعمل والتعب والعالم الآتي هوعالم الدينونة والعذاب . كقوله في الجحيم من يعترف لك ويشكرك . فيتساءل البعض في انه كيف يكرز المسيح بابواب الهاوية ويحطم مخال الحديد ؟ فنجيب انه بواسطة جسده الذي حاز عددم الموت ابطل سلطان الموت ورب سائل يسأل هل اعتق المسيح من الجحيم الذي كانوا قبل مجيئه فيه ؟ فنجيب كلا حتى ولا خطاياهم غفرت لكن خطايا الذين آمنوا به لما هبط ويعرف ذلك من قوله انه سيكون لسادوم راحة . فهذه الاية تشير الى اولئك المزمعين ان يتعذيوا . فان كان السادوميون الذين تعذبوا هنا سوف يتعذبون هناك فكم بالاحرى اولئك الذين لم يعذبوا في هذا العالم ولعل قائل يقول أمن العددل ان يتعذب السادوميون في هذا العالم وفي العالم الثاني ؟ فنجيب ان ما نالوه من العذاب في هذا العالم لم يكن موازياًً لما اقترفوه من الذنوب والمعاصي فاقتضت العددالة ان يكفروا عنها بعذابات العالم الاخير . اما ما يعترض به البعض من انه ليس من العددل في شيء ان يعذب في جهنم من لم يسمع بذكرها ؟ فنجيب عليه بانه ولوسمع بذكرها لما تاب ايضاًً والشاهد على ذلك اننا كل يوم نسمع الكتب تتلى علينا وتهددنا بعذاب جهنم ان لم نرجع عن سيئاتنا تائبين ونحن مع ذلك نبقى على غيبنا غير ملتفتين الى اقـوال هذه الكتب والمرشدين . ولعل معترضاًً يعترض قائلاًً اذاًً مجيء المسيح لم ينفعنا شيئاًً اذا كان الامر كذلك ؟ فنجيب ان مجيئه افاد من خضعوا لتعاليمه المقدسة فائدة كبرى كما انه أضر من لم يصغ الى تعاليمه فكما ان تجربة الشيطان لنا نحن الذين استفدنا من مجيء المسيح هي غير تجربته للذين جاؤوا قبل المسيح كذلك المكافاة تختلف فان تجربته لنا هي كثيرة متواصلة وستكون مكافأتنا اعظم ايضاًً ، فان من يقتل عند الاولين كان يستحق اللوم وعندنا اليوم ان من يغضب على اخيه باطلاًً يستحق اللوم ، ثم ان المسيح لم يرد ان يظهر نفسه ليوحنا بواسطة العجائب انه هو الآتي ولكن اظهر ذلك لتلميذه يوحنا واندراوس .
عدد 5 : العمي يبصرون ، والعرج يمشون ، والبرص يطهرون ، والصم يسمعون ، والموتى يقومون ، والمساكين يبشرون ،
دعى مساكين اولئك الواقعين تحت ثقل الخطايا والمعددومين من الفضيلة والاعمال الصالحة فقال ان مثل هؤلاء يجب ان يبشروا بغفران الخطايا ببطلان الموت .
عدد 6 : وطوبى لمن لا يشك فيّ “.
اي ان كنتم تشكون فيّ بعدد ما رأيتم الآيات فانتم تستحقون الدينونة .
عدد 7 : وبينما ذهب هذان ابتدأ يسوع يقول للجموع عن يوحنا : “ ماذا خرجتم الى البرية لتنظروا ? اقصبة تحركها الريح ?
ان التلميذين بعد ان تحققا عن المسيح انه هو الآتي عادا الى يوحنا اما الجموع فخالجهم الشك من سؤال التلميذين اذ انهم تعجبوا كيف ان يوحنا يعمد المسيح ويكرز عنه وهو يجهله اما المسيح فلما علم ظن الجموع بيوحنا انه متقلب وضعيف العقل لانه ارسل تلميذيه يسألان المسيح من هو وقد سبق انه كرز باسمه وعمده اخذ يوبخهم على سوء ظنهم هذا مفهماًً اياه ان يوحنا ليس كما يظنون ضعيف العقل كالقصبة التي تحركها الريح وانما فعل يوحنا ذلك ليثبت تلاميذه في الايمان به ويزيل من بينهم الحسد والاختلافات لانهم اذ كانوا يعتبرون ان يوحنا اعظم من المسيح .
عدد 8 : لكن ماذا خرجتم لتنظروا ? أإنساناًً لابساًً لباساًً ناعمة ? هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك .
اي ان حالة يوحنا لم تتبدل من الفقر الى الترفه فهو الآن كما كان قبل والشاهد على ذلك لباسه الخشن ومسكنه في البراري والقفر . اما الذين تغيرت اطوارهم فصاروا من ذوي اليسار والتنعم هم في بيوت الملوك. أما يوحنا فقد قهر نفسه عن الشهوات اللحمية ولم يعتن باللذات العالمية فلذلك يعرفني جيدا من انا .
عدد 9 : لكن ماذا خرجتم لتنظروا ؟ أنبياًً ؟ نعم اقول لكم ، وافضل من نبي .
يريد بالانبياء اولئك الذين تنبأوا عن مجيئه . وهذا تنبأ عليه كالانبياء ورآه كالرسل . ولم يخبر عنه قبل عهد بعيد كالانبياء ولكن تنبأ عنه وهو معاصر له . ليتم ما جاء بنبؤة ملاخي النبي .
عدد 10 : فإن هذا هو الذي كتب عنه : ها أنا ارسل امام وجهك ملاكي الذي يهيء طريقك قدامك .
اي قريب منك والى جانبك لانه مكرم كالقريبين من الملك فانهم يكونون مكرمين عنده اكثر من الاجناد البعيدين منه .
عدد 11 : الحق اقول لكم : لم يقم بين المولودين من النساء اعظم من يوحنا المعمدان ، ولكن الاصغر في ملكوت السموات اعظم منه .
يوحنا اعظم من كل مواليد النساء غير ان المولودين من المعمودية بواسطة الروح القدس اعظم منه . ان مواليد النساء بني الجسد يدعون اما المولودين بالمعمودية بني الله يدعون حتى اذا كان مواليد النساء ذوي اعمال صالحة فلا يكونون افضل من بني الملكوت المدعوين بني الله . ان يوحنا كان كاملاًً في الفضيلة لكنه يطلب نعمة الميلاد لانها تفوق كل فضيلة ويشهد على ذلك قوله للمسيح ” انا المحتاج ان اعتمد منك ” اما انه لم يقم اعظم منه في مواليد النساء فذلك لانه قبل الروح في بطن امه وغفر الخطايا في المعمودية .
ولكن الاصغر في ملكوت السموات اعظم منه
يريد ان المولود بالماء والروح ليكون عدديم الموت هو اعظم من يوحنا . لان يوحنا لم يزل موجوداًً في عالم الموت الا انه نال بعدد ذلك نعمة عددم الموت بواسطة معمودية دمه . فيسمى ملكوت السماوات تلك الموهبة التي يمنحها الروح القدس بواسطة المعمودية ولما قتل يوحنا اعتمد بدمه وفاز بالدرجة العليا فاصبح افضل من المولودين بالمعمودية . ثم ان الوظائف المعطاة من الروح القدس هي ثلاث الاولى وظيفة الانبياء والثانية الوظيفة التي اعطيت ليوحنا المعمدان والثالثة وظيفة الرسل بعدد القيامة عندما نفخ المسيح فيهم قائلاًً اقبلوا الروح القدس . لان الموهبة التي اعطيت للرسل اعظم من التي اعطيت ليوحنا . اما قوله 00 الصغير في ملكوت السموات اعظم منه فقد اراد بالصغار بالرسل وبالملكوت الرمان الذي بعدد القيامة حين نفخ فيهم الروح . فيوحنا وجد متوسطاًً بين الفريقين فهو اعظم من الانبياء واصغر من الرسل . ثم اراد بالملكوت البشارة الجديدة وبالصغار الكهنة ففضلهم على يوحنا لانهم يغفرون الخطايا من غير ان يفضحوا المعترف . ثم نقول ان ربنا جعل فرقا بين العالمين والنعمتين وابان ان يوحنا نال نعمة في هذا العالم اكثر من جميع الناس ومع ذلك فانه لم يبلغ كمال السعادة في العالم الثاني . لان النعمة التي سوف يقبلها واحد من الصغار هي اسمى من تلك التي قبلها هنا . فان كانت المنزلة التي سيبلغها يوحنا هناك لا توصف . اذا ان المسيح لم يستصغر يوحنا لكنه فضل خيرات العالم الآتي على خيرات هذا العالم كما انه فضل يوحنا على مواليد النساء اصحاب الفضيلة في الناموس . وقوله لم يقم يعني ان النساء لم يلدن اعظم من يوحنا ببره وزهده . ولكيلا يظن احد انه اعظم من المسيح استدرك كلامه قائلاًً لكن الصغير في الملكوت اعظم منه . فالصغير هو المسيح لانه اصغر سناًً منه بستة اشهر الا انه اكبر منه عملاًً وتعليماًً في طريق الانجيل . اما يوحنا فقد عاجله الموت قبل ان يسير في الطريق الجديدة اي التعاليم الانجيلية ولم يتناول جسد المسيح ودمه . ويقوله الصغير … اعظم منه عنى عن ذاته لان اليهود يظنونه كذلك اذ كانوا يقولون عنه هوذا اكول وشريب الخمر . ثم ان المسيح ليس فقط اعظم من يوحنا ولكنه أعظم من جميع من في الاعالي . اما قول المسيح لليهود عن نفسه هو ذا افضل من سليمان فلم يقصد التشبيه لكنه قال هذا ليقرب معناه الى فهم السامعين . ولان يوحنا كان عظيماًً في اعينهم فشبهه بنفسه . ولا عبرة بما يرتئيه البعض من المقصود من كلمة الصغير هو يوحنا او آدم ويوحنا ابن زبدى او متياس الذي انتخب رسولاًعوض يهوذا فلو كان المراد بلفظه صغير احد الذين تقدم ذكرهم لما رأى المسيح مانعاً من ذكر امه لكن المقصود بالصغير هو ذات المسيح غيرانه أخفى نفسه لاسباب .
عدد 12: ومن ايام يوحنا المعمدان الى الآن ملكوت السماوات يغصب ، والغاصبون يخطفونه .
انه دعى العالم الآتي ملكوت السماء فقال ان ابتداء هذا الملكوت من معمودية يوحنا ولا يمكن احد ان ينال الملكوت الا بشق النفس وقهر الشهوات وتحمل الشدائد مع ممارسة الفضائل واعمال البر في هذا العالم .
عدد 13 : لان جميع الانبياء والناموس الى يوحنا تنبأوا .
اي ان النبؤات التي قيلت عن مجيئي قد ختمت بنبوات يوحنا فجئت انا المسيح المنتظر فالواجب عليكم ان تؤمنوا بي .
عدد 14 : وان اردتم ان تقبلوا ، فهو ايليا المزمع ان يأتي .
قال ذلك لاجل مساواة درجتهما وكما ان يوحنا جاء قبل المسيح وبشر بمجيئه هكذا في آخر الزمان يأتي ايليا قبل مجيئه الثاني فتتم فيه النبؤة القائلة اني سوف ارسل لكم ايليا التشبي الذي يرد قلوب الآباء الخ .
عدد 15 : من له اذنان للسمع فليسمع .
اي من كانت له نفس خاضعة فلتسمع ما أقوله عن يوحنا .
عدد 16 : وبمن اشبه هذا الجيل ؟ يشبه أولاداً جالسين في الأسواق ينادون الى اصحابهم
اراد بالجيل الشعب اليهودي . فان بذلك ان غايته وغاية يوحنا واحدة وان كانا مختلفين في الحال والمعيشة . فان يوحنا سلك في حياته طريق البر والزهد والمسيح طريق الاكل والشرب ولكن بسذاجة حتى اذا كانوا يحبون الصوم تبعوا يوحنا وان صعب عليهم اتباع طريقة يوحنا تبعوا المسيح . أما هم فلم يسلكوا الطريقين فهم اذاً لا يبرأون من اللوم لانهم لم يؤمنوا بالمسيح ولا قبلوا تعليم يوحنا فالذين قبلوه كانوا كفرة وخطفة فورثوا الملكوت .
عدد 17 : ويقولون : زمرنا لكم فلم ترقصوا ! نحنا لكم فلم تلطموا !
قال قوم ان هذه القصة وقعت في عهد المسيح في احدى المدن وذلك ان فئة من صبيان اجتمعت فانقسمت قسمين واخذ القسم الواحد يغني حتى يرقص الآخر ويفرح الواحد ليفرح الثاني فما فرح ولا رقص لكنه اخذ يبكي وينوح حتى ينوح الثاني ويبكي فما بكي القسم الاول ولا غنى القسم الثاني فوقف الفريقان في الطريق يتعاتبان قائلين ” زمرنا لكم فلم ترقصوا نحنا لكم فلم تلطموا ” فاورد يسوع هذا المثل ليفهم السامعين انهم لم يتبعوا تعاليمه ولا تعاليم يوحنا. لان المسيح جاء اليهم يأكل ويشرب فرذلوه قائلين عنه انه اكول شريب للخمر محب للعشارين والخطاة وفيه شيطان . ويوحنا جاءهم بطريق الزهد والتقشف فقالوا ان به شيطاناً .
عدد 18 : لأنه جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب : فيقولون : فيه شيطان .
عدد 19 : جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب ، فيقولون : هو ذا انسان أكول وشريب خمر ، محب للعشارين والخطاة . والحكمة تبررت من بنيها “ .
اي ان المسيح المشبه بالحكمة قد تبرأ من بنيه العصاة المردة لانه عاش بينهم لفائدتهم فلم يستفيدوا منه . ثم ان الحكمة في عمل المسيح هي ترك سيرة يوحنا الشاقة واتخاذه طريقاًً متوسطة ليسهل على الناس اتباعها واما قوله بنوالحكمة فهم اولئك الذين ارعووا وصاروا صالحين فاضلين .
ويل للمدن التي لم تتب
عدد 20 : حينئذ ابتدأ يوبخ المدن التي صنعت فيها اكثر قواته لانها لم تتب :
اي ان المسيح أخذ يوبخ سكان المدن التي صنع فيها قوات كثيرة فلم يتب اهلها .
عدد 21 : ويل لك يا كورزين ! ويل لك يا بيت صيدا ! لانه لو صنعت في صور وصيداء القوات المصنوعة فيكما ، لتابتا قديماً في المسوح والرماد .
اي ان اهل صور وصيدا الين كانوا مشهورين بالوثنية رأوا العجائب التي يراها اهل كورزين وبيت صيدا لكانوا تابوا بالمسوح والرماد عن معاصيهم .
عدد 22 : ولكن اقول لكم : ان صور وصيداء تكون لهما حالة اكثر احتمالاً يوم الدين مما لكما.
اي ان عذاباتهما ستنقص في يوم الدين .
عدد 23 : وانت يا كفرناحوم المرتفعة الى السماء ! ستهبطين الى الهاوية . لانه لو صنعت في سدوم القوات المصنوعة فيك لبقيت الى اليوم .
انه تعالى انذر كفرناحوم بالهلاك لانها لم تؤمن بكلامه ولا تابت عن شرها مع ما فعله فيها من القوات والمعجزات وقوله ” لو صنع في سدوم الخ ” يفيد ان سدوم مع ما اشتهرت به من النفاق والشرور فلو صنع فيها من القوات ما صنع في كفرناحوم لتابت عن شرها .
عدد 24 : ولكن اقول لكم : ان ارض سدوم تكون لها اكثر احتمالاً يوم الدين مما لك “ .
قصد المسيح بهذا الكلام ان يرهب اهل كفرناحوم لعلهم يتوبون .
الله يعلن اسراره للبسطاء
عدد 25 : في ذلك الوقت اجاب يسوع وقال : احمدك ايها الآب رب السماء والارض ، لانك اخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للاطفال .
ان المراد بالحكماء والعقلاء والكتبة والفريسيين وبالاطفال الرسل اي ان مالم يدركه الكتبة والفريسيون ادركه الرسل الجهلة . واما قوله الحكماء فلا يقصد به انهم حاصلون على الحكمة الحقيقية ولكن رفقا لما كانوا يدعونه هم . وسمى اطفالاً أولئك السذج الذي لم يكونوا يعرفون شيئاً من الناموس فكأنه يقول ان الكتبة الذين يدعون انهم حكماء ويفقهون الناموس ما آمنوا بي . والسذج الذين يجهلون الناموس قبلوا تعاليمي وآمنوا بي . وقال قوم ما ذنب الحكماء والعقلاء اذا كان الآب قد اخفى عنهم تعاليمه وأظهرها للاطفال . فالجواب ان الآب مع منحه اياهم الحرية التامة والاختيار الذاتي في الايمان به وعددمه قد ادرك بسابق علمه انهم سوف يعصونه كما انه علم بطاعة السذج له فأظهر لهؤلاء واخفى عن اولئك وهو الذي سبق فأدرك طلاح عيسو وصلاح يعقوب قبل ان يولدا . أما اعترافه لابيه من اجلنا فذلك لكي يظهر لنا مزيد محبته وعنايته بنا ويفهمنا ان ارادته وارادة ابيه واحدة .
عدد 26 : نعم ايها الآب ، لان هكذا صارت المسرة أمامك .
اي اني أحملهم قسراً على الايمان بي لكني تركتهم ان يعملوا ذلك بحريتهم كما انك ارتضيت ان لا يداخل التلاميذ شيء من الكبرياء اذا ما افتعلوا العجائب كطرد الشياطين وغير ذلك وابان ان كل هبة وعطية صالحة هي من عند الله وعلم تلاميذه ليكونوا متشبهين بالاطفال في سذاجة القلب .
عدد 27 : كل شيء قد دفع الي من أبي ، وليس أحد يعرف الابن الا الآب ، ولا أحد يعرف الآب الا الابن ومن اراد الابن ان يعلن له .
ان قوله ” كل شيء قد دفع الي من أبي ” انه متساو بالاب وانه مولود منه وان كلما للآب فهو له وانه يعرفه . وبقوله ” ليس احد يعرف الابن الا الآب ” أشار عن المعرفة الحقيقية المخفية عن الملائكة والبشر التي بها الآب يعرف الابن والابن والروح القدس يعرفان الآب خلافاً لما قاله مرقيان بان هذه الاية قد قيلت عن الاله الغير المعروف لان المؤمنين مع معرفتهم الله لا يعرفون حق المعرفة ذاته القديسة . وقوله ” من يريد الابن ان يكشف له ” يفيد ان الابن يفعل ذلك بمجرد ارادته غير مأمور من الآب فضلاً عن انه باعلانه عن الآب اعلن عن نفسه ايضاً فقد صار معلوماً مما تقدم ان ارادة الاب والابن واحدة كما سلطانهما واحد . وبعدد هذا كلمهم قائلاً :
عدد 28 : تعالوا الي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال ، وأنا اريحكم .
اراد بالمتعبين الضعفاء المثقلين بالاحمال وبالحمل الخطيئة لان ليس في الاحمال اثقل من الخطيئة كقول داود ” وكالحمل الثقيل ثقلت علي ” وزكريا يشبه الخطيئة بوزنة رصاص . وقد شبه صعوبات الناموس وشرور العالم بالحمل اما الفضيلة فهي خفيفة الحمل وتسمو بالنفس الى العلاء. وقوله ” انا اريحكم ” اي اني ساعتقكم من عبودية الناموس وأرفع عنكم ثقل الخطايا.
عدد 29 : احملوا نيري عليكم وتعلموا مني ، لاني وديع ومتواضع القلب . فتجدوا راحة لنفوسكم .
شبه المسيح وصاياه بالنير وعلم رسله ان يقتدوا به في التواضع والوداعة ويعاملوا اعدداءهم بالحلم والصبر مثله حتى يرجعوا من انفسهم تائبين اليهم لان في الوداعة والاتضاع الراحة التامة والحياة السعيدة .
عدد 30 : لان نيري هين وحملي خفيف .
اي ان وصاياه لا يصعب على الانسان حفظها سيما وانها تتضمن غفران الخطايا فيما ان وصايا الناموس ثقيلة الحمل يصعب ويعسر على الانسان السير بموجبها ورب قائل يقول كيف ان المسيح قال سابقاً ” ما اضيق الباب واكرب الطريق ” وهنا يقول نيري لين وحملي خفيف . فنجيب ان ذلك متوقف على الارادة فان كنا نشيطين مجتهدين اصبحت وصاياه سهلة خفيفة الحمل وان كنا متهاونين متكاسلين اصبحت صعبة الحفظ كربة . ثم نقول ان نيره لين لانه يدعو الخطاة للتوبة والناموس ثقيل لانه يرجم الفاجرين ويقتل القاتلين ورب معترض يقول كيف يكون نيره لينا وهو يأمر الا يبغض أحد قريبه باطلاً والا ينظر نظراً فاسقاً وان نبغض انفسنا . فنجيب اننا اذا قسنا أوامره ومكافأته المحفوظة للذين يحملون نيره رأيناها خفيفة وسهلة كقول بولس ان مشقات هذا الدهر لا توازي المجد المزمع ان يظهر .