تفسير انجيل متى الاصحاح الحادي والعشرون

Posted by on Aug 17, 2012 in Library, -الدر الفريد في تفسير العهد الجديد ـ تفسير انجيل متى - مار ديونيسيوس ابن الصليبي | Comments Off on تفسير انجيل متى الاصحاح الحادي والعشرون

يسوع يدخل أورشليم – طرد الباعة من الهيكل – يسوع وشجرة التين – سلطة يسوع –

اذهب اليوم واعمل في كرمي – مَثل المزارعين القتلة

 

يسوع يدخل أورشليم

عدد 1 : ولما قربوا من اورشليم وجاءوا الى بيت فاجي عند جبل الزيتون ، حينئذٍ ارسل يسوع تلميذين 

فاجي يعنى مفرق الطرق . وقال آخرون ان فاجي هي شجرة التين غير المثمرة المذكورة في الانجيل في خبر زكى الذي صعدد لفاجي لينظر المسيح وفي السريانية مكتوب انه صعد الى شجرة التين غير المثمرة  والتلميذان اللذان ارسلهما هما سمعان ويوحنا .

 

عدد 2 : قائلاً لهما :”  اذهبا الى القرية التي امامكما ، فللوقت تجدان اتاناً مربوطة وجحشاً معها ، فحلاهما وأتياني بهما .

القرية هي بيت عنيا وهي كناية عن العالم والتلميذان عن النبوة والرسولية اللذان ارسلا ليحلا العالم من رباطات الخطيئة مثلما حلوا الاتان . والجحش كناية عن الامم الذين جاءوا الى الإيمان . قال قوم ان الجحش كان صاحبه لعازر الذي من بيت عنيا . وقال آخرون ان حماراً كان هناك مربوطاً في جفنة وجحشاً معه ولم يكونوا يعرفون من ربطه . وقال غيرهم انه ركب حماراً ابيض كعادة الملوك والرؤساء والشاهد لذلك دابورا التي قالت سبحوا ياراكبين الاتن البيض ( قض 5 : 1 ) . آخرون قالوا انه ركب جحشأً برياً وهذا القول غير صحيح لان مع الجحش أتت أمه . وقد ركب على جحش ليعلم الرعاة التواضع وان عند احتياجهم الى مركوب يركبون حماراً ويذكرنا بوحشية طبع الانسان . كما قال اشعيا ” ان الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه اما اسرائيل فلا يعرف ” ( اش 1:3 ) . ثم ان الجحش كان مربوطاً بالقرية لان ارض القرية كانت مطروقة غير مفلحة وهذا يعلمنا ان القرية التي كانت منتنة الرائحة قد أذكاها عبير الفضيلة وأفلحها الايمان فامتلأت بالاثمار الصالحة .

 

 عدد 3 : وان قال لكما احد شيئا ، فقولا : الرب محتاج اليهما . فللوقت يرسلهما “ .

عدد 4 : فكان هذا كله ليتم ما قيل بالنبي القائل :

عدد 5 : “ قولوا لابنة صهيون : هوذا ملكك يأتيك وديعاً ، راكباً على اتان وجحش ابن اتان “ .

قد برهن الانجيلي على ان السيد المسيح استجلب الجحش لتتم نبوة زكريا وذلك على سبيل التواضع .

 

عدد 6 : فذهب التلميذان وفعلا كما أمرهما يسوع ،

عدد 7 : واتيا بالأتان والجحش ، ووضعا عليهما ثيابهم فجلس عليهما .

تأملوا أيها المسيحيون باصحاب الاتان والجحش انهم لم يعترضوا على طلبهما بل لما سمعوا انهما يساقان لسيدنا له المجد سكتوا ولعمري ان هذا لموضع العجب كيف ان أولئك الذين كان المسيح بعيداً عنهم سمعوا امره وأطاعوه فيما ان اليهود الذين كان المسيح حاضراً في وسطهم يعمل العجائب وياتي بالمعجزات لم يؤمنوا به وقد علم التلاميذ بهذا ان كان الذين لم يعرفوا قبلوا كلامه وأعطوه ما اراد فاحرى بالتلاميذ ان يبذلوا انفسهم عوضاً عنه . ان متى البشير قال تجدان اتاناً وجحشاً والانجيليون الآخرون رأوا جحشاً فقط . والاتان هو في اللغة اسم عام يطلق على الذكر والانثى من الحيوان المعروف والجحش خاص بالذكر دون الانثى وعلى ذلك يكون كل اتان جحشاً ولا يعكس . ولنرجع الى الآية فقد اتوا بالاتان والجحش اما السيد له المجد فركب اولاً الاتان ولما قرب من المدينة قدموا له الجحش وركبه . ثم ان الاتان هو رمز عن مجمع اليهود وفي ركوبه لها ونزوله عنها دليل على انه ترك كنيسة اليهود بعد ان كان قد خطبها لنفسه أولاً وازانها بالمنح الالهية والاحكام ثم طلقها عندما تركت التعاليم الالهية وانغمست في حماة الرذائل وقيل لذويها هو ذا يترك لكم بيتكم خراباً . اما الجحش الذي ركبه فيما بعدد فهو رمز عن كنيسة المسيح التي تجمع الامم وعلى هذا فيكون قد ركب الاثنين لتتم نبوة زكريا القائلة ” هو ذا ملكك ياتي اليك … وراكب على حمار وعلى جحش ابن اتان ( زك 9: 10 ) وقال آخرون ان الجحش هو نفس  الاتان فلما ركب الجحش ركب الاتان كقول يوحنا ” ووجد يسوع جحشاً فجلس عليه ” ( يو 12 :14 ) على ان يسوع له المجد جال في ارض اليهودية مراراً دون ان يحتاج الى مركوب حتى عندما كان يتعب . وفي هذه المرة كذلك لم يركب لتعبه ولكن لتتميم النبوة وهذا يتضح جلياً من انه سافر ماشياً من اريحا الى بيت عنيا والمسافة سبعة عشر ميلاً من غير ان يتعب فكيف يتعب في رحلته من جبل الزيتون الى اورشليم والمسافة دون الميلين والخلاصة انه بمشيه من اريحا الى بيت فاجي أراد ان يتشبه بالشعوب والتعب الذي احتمله طبعنا البشري في هذه الارض الملعونة لتجاوزه الوصية . وأشار بركوبه من بيت فاجي الى اورشليم الى زوال الاتعاب والاحزان من جنسنا ليستريح بالسماء . وركب حماراً لا بهيمة أخرى ليعرف اليهود انه هو الملك الذي قد تنبأ عنه زكريا وانه يسحق كبرياء ابليس اللعين وليعلم الناس التواضع . ثم ان ملوك الارض كانوا يركبون الافيال والخيول عند دخولهم ميادين القتال اما المسيح لما شاء ان يبطل الحروب ويتكلم بالسلام مع الشعوب ركب حماراً وهو ليس مما يركب للغزو والقتال وأبطل الحروب وزرع بذور السلام . وبواسطة الجحش اشار عن الشعوب غير الخاضعة للنواميس الالهية وهو أخضعها لتحفظ وصاياه ثم ان الجحش بموجب العتيقة نجس لانه لا يشتر وحافره غير مشقوق وكذلك الامم كانت نجسة لعدم تمييزها الطاهر من النجس فبركوبه الجحش الذي هو رمز عنهم طهرهم . ثم ان الجحش كان مربوطاً برباطين ” ارادياً وقسرياً ” ارادياً بامه كما كانت الشعوب خاضعة بارادتها لعبادة الاصنام . وقسرياً بالزمام كما كان الشيطان قد ربط الامم قسراً . أما المسيح فقد حل الرباطين . ثم انه ركب الجحش غير المروض مبيناً ان ما كان عسراً عند غيره فهو سهل عنده كارجاعه الامم الى العبادة الالهية ذلك لانه خالق الطبيعة وقال قوم ان المسيح ارسل وأتى بالجحش كسيد يأخذ من عبده ما يريد . وقال آخرون بل أخذه بالالتماس كمحتاج لانه مع غنائه بلاهوته وشرفه غير المحدود قد لبس ثوب الفقر والتجرد . وقد ارجع الجحش مع الذين أتوا به . ولو سألنا اليهود عن ملك غير المسيح دخل اورشليم راكباً جحشاً لما استطاعوا ان يذكروا لنا احد سواه . ثم ان المسيح أرسل تلميذين ليأتيا بالاتان ولم يرسل واحداً او ثلاثة اشارة الى الانبياء والرسل الذين دعوا الامم الى الإيمان فسمعان الشيخ والمتزوج رمز الى الانبياء ويوحنا الشاب والبتول رمز الى الرسل الذين بواسطتهم دعينا الى الحياة .

 

عدد 8 : والجمع الاكثر فرشوا ثيابهم في الطريق . وآخرون قطعوا اغصاناً من الشجر وفرشوها في الطريق .

الثياب هنا اشارة لعبادة الصنيمة التي احتقرت ورذلت امام المسيح المخلص . وقد فرش الناس ثيابهم امامه اشارة الى سودده عليهم وبيان الى ان الذين يتبعون المسيح يتجردون لا من ثيابهم فقط بل يسلمون أجسادهم لاجله كما فعل الشهداء . وفرش الثياب كذلك هو دلالة على انهم داسوا فخارهم بارجلهم . ولسائل ان السيد المسيح دخل مراراً الى اورشليم فلماذا لم يخرج الناس للقائه مثلما خرجوا في هذه المرة . والجواب على ذلك هو انهم سمعوا بقيامة العازر من القبر . وقد يكون هو الذي حركهم الى ذلك لان عهد آلامه أصبح قريباً . وخروج الجمع الكثير للقائه باغصان الزيتون والنخل لان هذه كانت عادتهم عندما كانوا يخرجون لملاقاة ملوكهم وانبيائهم . وقد اتخذوها من داود القائل ” الصديق كالنخلة يزهو ” ( مز 92 : 12 ) وانا مثل الزيتونة الممجدة في بيت الرب .  ويظهر انهم خرجوا باغصان النخل والزيتون لملاقاة داود وشاول لما انتصرا على الفلسطينيين . على ان الزيتون كان في اورشليم بكثرة فلا عجب اذا حملوا اغصانه . ولكن من اين اتو بالنخيل وهو غير موجود عندهم ؟ قال بعضهم ان عيد الغفران والمظال يقع في اليوم العاشر من تشرين الاول قمري والناموس يأمر ان يستظلون باغصان الزيتون والآس والنخيل ولما بلغوا زمن العيد في ذلك العام ما استطاعوا ان يعيدوه لانهم كانوا تحت نير عبودية الرومانيين . وكان اليهود قد ارسلوا الى الاماكن البعيدة واستجلبوا منها أغصان النخيل ليعملوا عيد المظال فلما قدم ربنا الى اورشليم خرجوا بها لملاقاته فيكون دخول السيد له المجد الى اورشليم في ذلك العام الذي ما استطاعوا فيه ان يعيدوا عيد المظال في حينه لضغط الرومانيين عليهم .

وقال آخرون ان بالهام من المسيح أعدد القوم النخيل ليستقبلوه حفاوة واجلالاً . لان اغصان النخيل يرمز بها الى انتصار الامم على ابليس اللعين لان الجحش رمز للمؤمنين والشجر رمز للاعداء الذين قطعوا كما تقطع الشجر وطرحوا تحت اقدام المؤمنين . اما الزيتون فله خاصيتان الرحمة لان شجر الزيتون لا يعرى لا في الصيف ولا في الشتاء كالاب الرحوم يحافظ على ورقه وهو دسم يعطي الوجوه لمعاناً كقوله دهنت رأسي بالدهن وهكذا السيد المسيح هو رحوم لانه رحم جنسنا وابهجنا بخلاصه لنا . وبالزيت كان يخبز خبز الوجوه المذكور في الناموس وبورقة الزيتون بشرت الحمامة نوحاً بنهاية الطوفان . ولذلك اتخذوها اشارة الى السلام كما ان سيدنا المسيح له السلام يدعى . واما النخل ففيه خواص العلو وهو رمز للسيد المسيح الذي هو عالي وسموي . ومستقيم القامة كما ان احكام المسيح مستقيمة كقول داود بارانت يا رب واحكامك عادلة وثمره حلو كتعليم المسيح الحلو . كقوله ان كلامك ( أي تعليمك ) حلو في حلقي وشجر النخيل ابيض كما ان المسيح هو نور العالم وفي رأس النخيل شوك يجعل الصعود الى اعالي اشجاره مستحيلاً وذلك رمز الى ان من لا يخاف الله يستحيل عليه ان يصعدد الى المسيح بروح المعرفة وورق النخيل لها رؤوس كالابر وهي جارحة وهي رمز الى الصليب الذي هو حربة المؤمنين المسنونة ضد ابليس اللعين وقلب النخلة واحد كما ان الله الكلمة واحد .

 

عدد 9 : والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين : “ هوشعنا لابن داود ! مبارك الآتي باسم الرب هوشعنا في الاعالي ! “ .

الذين يصرخون هوشعنا مراراً هم اربع رتب الجموع والتلاميذ والاطفال والاولاد وكان الجميع يصيحون هوشعنا مرحبين بقدوم السيد له المجد . بينما كان رؤساء الكهنة يلحون عليهم لاسكاتهم . وانقسم الجموع يومئذٍ اربعة اقسام مشوا امامه وخلفه وعن شماله وعن يمينه . وهذا رمز لمجد المسيح في اليوم الاخير حيث ينقسم الصالحون الى اربعة اقسام فالملائكة تكون امامه والصديقون عن يمينه والتائبون عن شماله والصبيان من ورائه اما الاشرار فسيمكثون اسفل . وكان صراخ اولئك المستقبلين رمز للانتصار على الشيطان والموت والخطيئة . وكلمة هوشعنا عبرانية معناها الخلاص . اي الخلاص لابن داود الذي خلصنا من الموت والشيطان والخطيئة واليونانيون يقولون اوساننا عوض هوشعنا لعدم وجود الحرف ع والحرف ش في لغتهم ومعناها المجد لان المسيح القادم هو رب المجد والمجد له واجب . وقولهم هوشعنا لابن داود هو اعتراف صريح من اليهود بان المسيح ظهر في الجسد من ذرية داود . وقولهم ” مبارك الآتي بأسم الرب ” اي مبارك هو الذي قدم للآلام والموت ومبارك هو المزمع ان ياتي بعد قيامته وسننتظره ” هوشعنا في الاعالي ” يعني المجد للذي وان لبس جسدنا الترابي لم يخل منه العرش الالهي

( لو ص 19 ك 40 ) فاجاب وقال لهم اقول لكم ان سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ

نعم ان الذي عمل امراة لوط حجراً وامر الصخرة فانبجست منها المياه واعطى النطق للاتانة جعل الامم التي كانت ذات قلوب متصلبة حجرية والعدديمة الناموس ان تسبحه وتمجده لقادر ان يترك الحجارة تصرخ لانه خالقها

لو 19 : 41 وفيما هو يقترب نظر الى المدينة وبكى عليها .

مكتوب عن المسيح انه قد بكى مرتين اولاهما عندما دخل اورشليم وثانيتهما عندما اقام لعازر ولم يذكر الانجيليون انه ضحك مرة واحدة وبكاؤه في هاتين المرتين هو ليري الناس عياناً انه لبس جسداً كاجسادنا كما قد جاع وعطش وتعب لهذا الغرض عينه . نعم بكى على اليهود الذين ابوا ان يعرفوا خالقهم .

 

عدد 10 : ولما دخل اورشليم ارتجت المدينة كلها : “ قائلة من هذا ؟ “ .

ان مدينة اورشليم ارتجت فزعاً مرتين احداهما عند مجيء المجوس والمرة الثانية عندما

سمع اهلها بهؤلاء الصارخين المرحبين . وفزع سكان اورشليم في هاتين المرتين هو لانهم يعرفون افعالهم الشريرة وما كانوا يريدون الخلاص وقد قال يهود اورشليم ” من هذا “ على سبيل تجاهل العارف وقد تجاهلوا حسداً منهم له كما قالوا عنه اليس هو هذا ابن النجار

لو 9 :42 قائلاً لو كنت علمت انت ايضاً حتى في يومك ما هو لسلامك ولكن الآن قد أخفي عن عينيك

أي ان اورشليم هي بارادتها اغمضت عينيها عن النظر الى الحق وما كلامه على المدينة الا اشارة الى اهلها

لو 19:43 فانه ستأتي ايام ويحيط بك اعدداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة .

يشير بذلك الى سبيها من اسبيسيانوس الذي كان بعد حادثة صلب المسيح باربعين عاماً .

 

عدد 11 : فقالت الجموع : “ هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل “ .

فظن الجموع انهم قالوا عن يسوع شيئاً كبيراً بتسميتهم اياه نبياً لان قلوبهم كانت لا تزال مشتبكة بالارضيات . نقول لهؤلاء ان المسيح ليس نبياً كما قالوا مستعظمين بل هو الاله الحق ورب الانبياء .

 

طرد الباعة من الهيكل

عدد 12 : ودخل يسوع هيكل الله وأخرج جميع الذين يبيعون ويشترون في الهيكل ، قلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام 

عدد 13 : وقال لهم : “ مكتوب : بيتي بيت الصلاة يدعى . وانتم جعلتموه مغارة لصوص ! “ .

كان الصيارفة في الهيكل والذين يبيعون الخراف والحمام فقط لاكل أنواع ما يباع ويشرى . لان كهنة اليهود كانوا مستميتين بمحبة الفضة . واما السبب الذي اذن لهم لاجله حتى يبيعوا ويشتروا في الهيكل فهو هذا . ان الله قد أمر شعب اسرائيل ان لا يذبحوا الحيوانات المنذورة الا عند باب قبة الزمان وذلك اولاً لكي لا ياكلوا الدم وثانياً لكي لا يذبحوا ذبائحهم للشياطين وامرهم ايضاً انهم اذا كانوا بعيدين عن اورشليم فليبيعوا ثيرانهم وخرافهم المنذورة وعندما يدخلون اورشليم يشترون عوضها بالفضة . فاتخذ كهنة اليهود هذا الامر الالهي وسيلة للربح وادخلوا باعة الخراف والحمام والثيران الى الهيكل حيث يبيعون ويشترون لقاء جزء من الربح كانوا يتقاضونه منهم . وكانوا في الوقت نفسه يامرون أصحاب النذور ان يشتروا نذورهم من باعة الهيكل . وكان باعة الثيران والخراف والحمام في الهيكل يبيعون هذه الحيوانات باثمان فاحشة لسد جشعهم وجشع الكهنة الذين يشاركونهم وهكذا اصبحت هذه القرابين التي تذبح لمغفرة الخطايا على حسب الناموس وسيلة لسلب الناس اموالهم فتأمل على ان الكهنة قد رتبوا في الهيكل صرافين حتى اذا احناج احدهم ان يستلف فوق المال الذي أحضره لدفع اثمان القرابين أو ان يصرف دنانيره بدراهم فيرجع الى صرافي الهيكل الذين هم ايضاً كانوا يشاركون الكهنة بارباحهم . وكان لهؤلاء الصرافين طرق اخرى لابتزاز الاموال كمشترى الغرباء الذين كانوا يأمون الهيكل للصلاة ونحو ذلك . والمسيح قلب موائد هؤلاء الذين دعاهم متى الانجيلي بالصيارفة على الاصطلاح اليوناني . وكان الكهنة يشاركون هؤلاء الصيارفة وباعة القرابين بسرقة اسرائيل بحيث كانوا لا يصدقون على ذبيحة كبش أو ثور اذا أتى بهما مقدم النذور من الخارج بل كانوا يقولون له ان كبشك او ثورك لا يصلح للذبيحة فبعه واشتر غيره من الهيكل ومن المعلوم ان المؤمن الذي يقصد الهيكل للعبادة ويسوق قرابينه لمغفرة خطاياه ملزم ان يصدق كلام الكاهن ويحسبه حجة مسلمة وعليه فسواء كان ذلك المؤمن مقتنعاً بنصح الكاهن أو غير مقتنع يجد نفسه ملزماً ان يبيع ماشيته بالثمن القليل ويشتري من الهيكل غيرها بالثمن الكثير . وكما قلنا كانت هذه الارباح الطائلة تقسم بين الكهنة والباعة والصيارف ولاجل ذلك قال ربنا انكم جعلتم بيتي مغارة اللصوص ويقول آخرون ان البقر والغنم التي كان يبيعها بائعوها كان الكهنة أنفسهم يشترونها بالثمن البخس ويعودون فيبيعونها ثانية للبائعين . والمسيح أخرج هؤلاء الصيارف والباعة مرتين من الهيكل والمرة الاولى كانت في مبدا العجائب التي رواها يوحنا الانجيلي والثانية في هذه المرة التي كانت قريبة من آلامه لذكره السجود كما جاء في متى . وقد قال في المرة الاولى لا تجعلوا بيت ابي بيتاً للتجارة . وفي الثانية اي هنا قال وانتم جعلتموه مغارة اللصوص . وهناك أجابه هؤلاء الصيارف والباعة قائلين اية آية ترينا . وهنا سكتوا مخزولين . وقال بعضهم ان الواقعة واحدة وان الانجيليين متى ويوحنا اختلفا في زمن حدوثها فجعلها متى قبيل الآلام ويوحنا في بدء عهد العجائب . وعلى كلا الحالين فان اخراج المسيح لهؤلاء الباعة والصيارف قد كان برهاناً جلياً على صيرورة الذبيحة الالهية روحية بعدد ان كانت دموية على ان الله قد امر اليهود ان يقدموا له الذبائح الدموية لسياسة اراد بها ان لا يدع اليهود بعد ان خرج بهم من مصر يستةحشون من أبطال تقاليدهم الدينية حيث كانوا يعبدون الاصنام ويقدمون لها الذبائح فنهاهم ن عبادة الاصنام وأبقى لهم ذبائحهم . اما المسيح فاذا جاء ليخلص العالم أقر ان يسير بهم الى الكمال الالهي فنهاهم عن الذبائح الدموية وأخرج الباعة والصيلرف بكل شدة فكملت فيه النبوة القائلة ” غيرة بيتك اكلتني ” وبذلك أرى بني اسرائيل ربوبيته وسلطانه على انهم لم يقولوا شيئاً عند اخراجهم من الهيكل خوفاً وجزعاً ولكنهم امتنعوا عن التصديق بعجائبه بينما أشار لهم بعمله هذا على ابطال الذبائح الدموية كما سبق القول . وقال احد معلمي الكنيسة ان من يذبح ذبائح الحيوانات قرباناً لله بعدد ذبيحة حمل الله فلا فرق بين ذبيحته والذبائح التي تقدم للشياطين . على ان يوحنا ازاد في روايته على ما جاء في متى فقال :

يو 2 : 15 فصنع صوتاً من حبال أخرج جميعهم من الهيكل والخراف والبقر ايضاً ونثر دراهم الصيارفة وقلب الموائد .

ان المسيح لذكره السجود والتسبيح كمل بنفسه كمعلم حقيقي جميع درجات البيعة التي رتبها وسلمها لنا بواسطة رسله . فلما تناول الكتاب وقرأ ان روح الرب علي قام بدرجة القاري . ولما عمل مقرعة من الحبال وطهر الهيكل من هؤلاء اللصوص قام بدرجة الابدياكن . ولما اتكى الجموع في البرية ولما غسل ارجل التلاميذ قام بدرجة الشمامسة . ولما كسر الخبز ومزج الخمر ودعاهما جسده ودمه قام بدرجة القسوسية . ولما نفخ في وجوه التلاميذ وقال لهم اقبلوا الروح القدس قام بدرجة الاسقفية ولما صعدد الى السماء ورفع يديه وباركهم قام بدرجة البطريركية .

 

عدد 14 : وتقدم اليه في الهيكل عميان وعرج فشفاهم.

عدد 15 : ولما رأى رؤساء الكهنة والكتبة العجائب التي صنع والصبيان يصيحون في الهيكل ويقولون : “ هوشعنا لابن داود غضبوا “ ،

ان رؤساء الكهنة عوضاً من ان يخضعوا للمسيح بعدد مشاهدتهم عجائبه من فتح اعين العميان ومنح الشفاء للمقعددين حسدوه لشر في نفوسهم وقال قوم ان الصبيان كانوا يعرفون ما يقولون ولو كانوا صغاراً وان كان الجسد آلة للنفس وهو غير كامل ولكن النفس الناطقة فيه كانت كاملة . وقال آخرون انهم ما كانوا يعرفون ما يقولون وشاهدهم قول داود النبي . وقال آخرون انهم كانوا يعرفون ما يقولون وشاهدهم قول داود النبي ” من افواه الاطفال والرضع هيأت تسبيحاً ” ( مز 8 : 2 ) وحسناً قال داود ان التسبيح كان صادراً من الافواه لا من القلوب لان الاطفال يتكلمون بافواههم مالا يعقلونه بقلوبهم . وعليه فيكون الروح القدس هو الذي وضع التسبحة في افواه الرضع . وقال آخرون ان اولئك الاطفال كانوا أولاد سنة وأقل وقال غيرهم انهم كانوا ابناء اربعين يوماً وكان أصعدهم أباؤهم من بلاد اليهودية الى بيت الرب ليقربوا عنهم القرابين حسب الناموس وقيل انهم من اليوم الذي صرخوا هوشعنا ما عادوا تكلموا حتى اللى الزمان الذي يتكلم فيه الاطفال عادة وكانت هذه الاعجوبة أعظم من سائر العجائب .

 

عدد 16 : وقالوا له : “ اتسمع ما يقول هؤلاء ؟ “ فقال لهم يسوع : “ نعم ! اما قراتم قط : ان من افواه الاطفال والرضع هيأت تسبيحاً ؟ “ .

كان من الواجب ان يوبخهم المسيح بقوله انظروا ما يقول هؤلاء ولكنهم من حسدهم ما احتملوا فسبقوه بقولهم أتسمع الخ . ان لفظة نعم تؤول هنا الى معنيين أولهما اني اسمع . والثاني اما انتم فلا تسمعون . والرضع هم الذين يرضعون الحليب ولانه خالق الطبيعة جعلهم ان ينطقوا وفي ذلك ظهرت الاعجوبة وتجلت بالاكثر لان مثل هؤلاء لا يمكن ان يكونوا قد تعلموا التسبحة ولكنهم نطقوا بها بقونه الالهية .

 

عدد 17 : فتركهم وخرج خارج المدينة الى بيت عنيا وبات هناك .

ان المسيح لم يبتدئ بالتعليم حينئذٍ لئلا يزدادوا حسداً وتصعب عليهم اقواله لاجل ذلك خرج

 

يسوع وشجرة التين

عدد 18 : وفي الصبح إذ كان راجعاً الى المدينة جاع ،

ان المسيح له المجد لم يجع جوعاً طبيعياً لكن سياسياً . فسمح لجسده ان يجوع فجاع . والشاهد على ذلك هو ان الوقت كان صباحاً وليس في الصباح يشعر الانسان بالجوع ولو كان جوع المسيح طبيعياً ما كان المانع له عن الاكل وقد كان ليلتئذ بائتاً في بيت لعازر وباستطاعته ان ياكل ويخرج .

 

عدد 19 : فنظر شجرة تين على الطريق وجاء اليها فلم يجد فيها شيئاً الا ورقاً فقط . فقال لها : “ لا يكن منك ثمر بعد الى الابد ! “ . فيبست التينة في الحال .

لم يلعن المسيح التينة لمجرد عددم وجود ثمراً فيها وذلك واضح من قول البشير مرقس ” لانه لم يكن وقت التين ” ( مر 11: 13 ) اذ ان المسألة وقعت في شهر نيسان وهو وقت الازهار لا الثمار . اما متى الرسول فكتب ذلك حسب ظن التلاميذ . قال قوم ان المسيح لعن الشجرة لانها كانت تشير الى الناموس الذي لم يكن فيه ثمرة ليقدم للمسيح . وقال غيرهم انها اشارة الى كنيسة اليهود . اما نحن فنقول انه كان يوجد ثمرة في الناموس وفي كنيسة اليهود ولو كانت قليلة فان الاثني عشر رسولاً والاثنين وسبعين مبشراً وبولس الرسول واليهود الذين آمنوا بسيدنا هؤلاء جميعهم ثمرة الناموس وكنيسة اليهود . لكنه ايبس التينة اولاً حتى يفهم التلاميذ ان المسيح انما يتألم بإرادته ولا من الضعف ثانياً حتى يختزوا اليهود ويعلموا انه لو اراد يوم آلامه لأيبسهم مثل التينة . وبما ان عهد آلامه كان قريباً رأى ان يظهر قوته لتلاميذه ولصالبيه . ولكنه لم يظهرها لبني البشر اولاً لانه محب للبشر وثانياً لكي لا يظن اليهود ان الرجل الذي ايبسه المسيح انما يبس من اجل خطاياه لامن قوة سيدنا بل اظهرها بالشجرة الرطبة والطرية التي لا تيبس الا بعد ان تقطع بمدة طويلة فايبسها بكلمة منه . ثم ان الشجرة التي اكل منها آدم كانت شجرة تين وفيها وفي الدين دخل البر والعددل لانه بعد ان ايبس سيدنا له المجد هذه الشجرة دخل اصحابها بها المدينة وأخذها الصالبون وصلبوا عليه المسيح . وقال قوم ان الجموع لما قطعوا الاغصان من الشجر وطرحوها امام المسيح كانوا قد مروا بتلك التينة وأرادوا قطع اغصانها ايضاً لاستقبال المسيح فعارضهم صاحبها ولذلك أيبسها المسيح . وقال آخرون كما ان الجرجسيين تخلفوا عن الخروج لملاقاة سيدنا ولذلك امر بخنازيرهم فدخلتها الشياطين وألقت بنفوسها الى البحر فاختنقت وخرج اصحابها الى سيدنا رغم ارادتهم وهكذا صاحب التينة اذ نوى في قلبه ان ل ايخرج الى المسيح أيبس تينته لكي يخرج اليه رغم ارادته . وقال غيرهم انه لما قال هن هيكل الحجارة انه لايترك حجر على حجر كان في قوله هذا شكوك فازاله بآية تيبيس التينة وتحقق كلامه وذكر متى ان التينة يبست من ساعتها وأما مرقس فقال انهم ” في الغداة اجتازوا فرأوا التينة قد يبست من أصلها ” ( مر 11 : 20 ) اما نحن فنقول انها يبست في الحال كما قال متى وفي صباح اليوم الذي بعده رآها التلاميذ يابسة كقول مرقس .

 

عدد 20 : فلما راى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين : “ كيف يبست التينة في الحال ؟ “ .

عدد 21 : فأجاب يسوع وقال لهم :”  الحق أقول لكم : ان كان لكم ايمان ولا تشكون ، فلا تفعلون  أمر التينة فقط ، ولكن اذا قلتم ايضاً لهذا الجبل : انتقل وانطرح في البحر فيكون 

ان المسيح له المجد اظهر قدرته القوية في لعنه الشجرة وتيبيسها ليؤكد لتلاميذه قوله السابق وليزيل عنهم الخوف .

 

عدد 22 : وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه “ .

اي لا انكم تنقلون الجبال فقط بل وكل ما تسألونه ولو كان اعظم من ذلك بكثير . وقد يعترض بعضهم قائلين لماذا لعن الله الشجرة مع انه لم يكن وقتئذٍ زمان أثمار التين وهكذا يعترضون على خنق الخنازير كأنهم يحاولون التفتيش على افعال الله وعلى ما أظن انهم كالاشجار العدديمة الحياة ينطقون ولا يدركون والواجب علينا بدلاً من ان نعترض ان نتعجب ونمجد الخالق تعالى . اما السبب فهو هذا ان المسيح اراد ان يظهر قوته القادرة لبني البشر لذلك أيبس التينة وخنق الخنازير .

 

سلطة يسوع

عدد 23 : ولما جاء الى الهيكل تقدم اليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وهو يعلم ، قائلين : “ باي سلطان تفعل هذا؟  ومن اعطاك هذا السلطان ؟ “ .

اي من اعطاك كرسي التعليم ومن خولك رياسة الكهنوت ليكون لك سلطان ان تترجم وتعلم .

 

عدد 24 : فأجاب يسوع وقال لهم : “ وأنا ايضاً اسألكم كلمة واحدة ، فان قلتم لي عنها أقول لكم انا ايضاً بأي سلطان افعل هذا :

عدد 25 : معمودية يوحنا : من اين كانت ؟ من السماء ام من الناس ؟ “  ففكروا في أنفسهم قائلين : “ ان قلنا من السماء يقول لنا : فلماذا لم تؤمنوا به ؟ 

عدد 26 : وان قلنا : من الناس ، نخاف من الشعب ، لان يوحنا عند الجميع مثل نبي “ .

عدد 27 : فاجابوا يسوع وقالوا: “ لا نعلم “ فقال لهم : “ ولا أنا أقول لكم باي سلطان افعل هذا .

نتساءل هنا اي مناسبة بين سؤال سيدنا مع سؤال الكتبة والكهنة ولكنا اذا امعنا النظر نرى بين السؤالين مناسبة عظيمة فان الكتبة والكهنة اذا اجابوه انها من السماء فيقول لهم لماذا ما امنتم بكلامه لانه عني كان يكرز وقد قال انه لم يكن مستحقاً ان يحل سيور حذائي . ولو امنت باقوال يوحنا لكنتم تعرفون باي سلطان اعمل هذه الاعمال . وان اجابوه انها من الناس خافوا من ان ينتقض عليهم الجمع في كل مكان لاحتقارهم اعمال الله جل شأنه . وكاني بهم قد رأوا ان المسيح أفحمهم بسؤاله فراوغوا في الجواب قائلين لا نعرف . اما سيدنا فلم يقل وأنا ايضاً لا أعرف ولكن ولا انا اقول لكم ولم يشأ ان يجيبهم لاجل ملعنتهم .

 

اذهب اليوم واعمل في كرمي

عدد 28 : ماذا تظنون ؟ كان لانسان ابنان ، فجاء الى الاول وقال : يا ابني اذهب اليوم واعمل في كرمي .

عدد 29 : فاجاب وقال : ما اريد . ولكنه ندم اخيراً ومضى .

عدد 30 : وجاء الى الثاني وقال كذلك . فاجاب وقال : ها أنا يا سيد . ولم يمضِ .

أراد بالانسان الله وبالابنين بني اسرائيل وسائر الامم وبالكرم حفظ الوصايا . وبالابن الاول الامم التي امرت ان تعمل في الكرم فامتنعت ولم تعمل وبعد ذلك اطاعت وقبلت بشارة الانجيل وسمعت نواميس الله . وبالابن الثاني اليهود الذين قالوا ها نحن نمضي للعمل وما مضوا اي انهم قبلوا النواميس بواسطة موسى واقروا انهم يعملون بها طائعين وأخيراً اظهروا العصيان والمخالفة .

 

عدد 31 : فأي الاثنين عمل ارادة الآب ؟ “ . قالوا له : “ الاول “ قال لهم يسوع : “ الحق أقول لكم : ان العشارين والزواني يسبقونكم الى ملكوت الله .

عدد 32 : لأن يوحنا جاءكم في طريق الحق فلم تؤمنوا به . وأما العشارون والزواني فآمنوا به . وأنتم إذ رأيتم لم تندموا اخيراً لتؤمنوا به .

اي ان العشارين والزناة سيرثون ملكوت الله لانهم آمنوا بيوحنا وسمعوا كلامه فيما ان يوحنا جاءكم بطريق البر أي بسيرة صالحة فلم تؤمنوا به حتى بعدد ان رايتم اعمالي ما ندمتم وغيرتم ما بنفوسكم .

 

مثل الزارعين القتلة

عدد 33 : اسمعوا مثلاً آخر : كان انسان رب بيت غرس كرماً ، وأحاطه بسياج ، وحفر فيه معصرة ، وبنى برجاً ، وسلمه الى كرّامين وسافر.

عدد 34 : ولما قرب وقت الاثمار ارسل عبيده الى الكرامين لياخذ أثماره .

عدد 35 : فاخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضاً وقتلوا بعضاً ورجموا بعضاً .

عدد 36:  ثم ارسل ايضاً عبيداً آخرين اكثر من الاولين ، ففعلوا بهم كذلك .

هذا المثل وضعه المسيح عن الشعب الاسرائيلي . فأراد بالانسان الله تعالى وبالبيت هذا العالم وبالكرم الشعب الاسرائيلي . والمكان الخصب هو ارض فلسطين . وأراد بالسياج الناموس وبالقضبان اسباط اسرائيل . ثم ان السياج هو معونة الله وميخائيل الملاك المسلط عليهم . والمعصرة الذبائح والصعيدة انواع المعموديات . والبرج هو اورشليم والهيكل بل يسمي برجاً لشرف النبوة العالي . والفلاحين الكهنة والكتبة ومسافرته طول اناته واوان الثمر زمن خروجهم من مصر الى تجسد سيدنا وبالاثمار الطاعة والخضوع للنواميس الالهية . وبالعبيد الاولين موسى وهارون وحور وبالعبيد الاخرين سائر الانبياء . والابن الحبيب هو السيد المسيح . فارسل الله العبيد مرتين وثلاثة حتى تظهر محبته للبشر وتمرد وشر اليهود . وقد يتساءل الباحث قائلاً لماذا لم يرسل الله وحيده من الاول . والجواب ان الله جعل مجيء المسيح متاخراً حتى يلوم اليهود انفسهم على ما فعلوا بالانبياء ويستحوا من الابن اذا جاء .

 

عدد 37 : وأخيراً ارسل اليهم ابنه قائلاً : يهابون ابني !

فلفظة لعل تقال بثلاثة انواع مشككة ومحققة وواجبة . اما ههنا فهي واجبة . فانه لم يقل لعل كمن لا يعرف لكن ليوضح ان خطيتهم عظيمة وان لا عذر لهم . اما الله الآب فكان عارفاً انهم سيقتلون ابنه الوحيد ومع ذلك ارسله . وقوله هنل لعل يهابون اشبه بقوله لعل يسمعون . ولكن يقول بعض الكفرة ان قوله لعل يهابون نبوة تضطرهم الى عدم الاستماع والحياء كأنه يجزم عليهم ذلك جزماً بنوع التقدير .

 

عدد 38 : وأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم : هذا هو الوارث !هلموا نقتله ونأخذ على ميراثه !

كان من واجبات اليهود ان يندموا على قتل الانبياء ويطلبوا الغفران ولكنهم عملوا اشر من ماضي اثامهم بتجاسرهم على قتل الابن الوحيد . ولو قيل لهم لماذا تقتلونه فقد عمل عندكم العجائب فاشفى مرضاكم لقالوا نقتله لنرث ملكه على انهم لو حفظوا وصاياه لكانوا اخوته ووارثي ملكه كما قال بولس الرسول . وقال القديس يعقوب ان استعمال الذبائح كان ميراثاً لسبط لاوي وقد علم هؤلاء ان هذه الخدمة تزول عنهم بمجيء المسيح اذ تمسي الخدمة روحية محصناً وتبطل خدمة المراجل والمطابخ والمناشل ولذلك قالوا فليمت لتبقى العوائد كما كانت .

 

عدد 39 : فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه .

قال المسيح هذا اشارة الى انهم يستعددون ان يخرجوا به خارج المدينة ويقتلوه ثم خارج الكرم يعني خلاف ناموس الله فعلوا هذا الاثم العظيم .

 

عدد 40 : فمتى جاء صاحب الكرم ، ماذا يفعل باولئك الكرامين ؟ “.

عدد 41 : قالوا له : “ اولئك الاردياء يهلكهم هلاكاً رديّا ، ويسلم الكرم الى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها “ .

قال متى الرسول انهم بانفسهم حكموا على انفسهم وقال لوقا ان المسيح حكم على ما سوف يصيبهم من الرذايا . وليس القولان متضادين لانهما كملا فعلاً فانهم حكموا اولاً وهو امضى عليهم الحكم ثانيا ً. وحينئذٍ لما شعروا بذلك قالوا حاشا لا يكون هذا فأتاهم بشهادة من النبي ان هذا لا بدّ ان يكون . ويسلم الكرم الى عملة آخرين أي الى الشعوب ولم يظهر ذلك جلياً حتى لا يتخذوه حجة عليه .

 

عدد 42 : قال لهم يسوع : “ اما قرأتم قط في الكتب ، الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية ؟ من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا !

أراد بالبنائين معلمي اليهود كقول النبي الويل لبنائي الحائط . فرذلوا المسيح الذي هو رأس الزاوية بقولهم هذا ليس من الله مع انه هو الصخرة الحقيقية ودعا اليهود والشعوب ليكونوا به واحداً . هو عجيب في أعيننا لان الشعب اليهودي خرج ودخلت الشعوب لانها آمنت بالمسيح .

 

عدد 43 : لذلك أقول لكم : ان ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لامة تصنع أثماره .

أراد بملكوت الله الكهنوت والايمان بالثالوث الاقدس . وقوله يعطى لامة الخ . أي الشعوب التي تستثمره باثمار الاعمال الصالحة .

 

عدد 44 : ومن سـقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه ! “ .

أي ان من يتشكك بالمسيح يهلك . وبقوله من سقط هو عليه يطحنه يشير الى قيامته والى القضاء والبلاء اللذان سوف يأتيان عليهم قتلاً وهلاكاً ابدياً . وبعبارة أخرى ان رؤساء اليهود قد سقطوا على حجرة الماس التي هي الابن الوحيد فسحقهم سحقاً كما سحقت الاصنام وابادت عن وجه الارض عبادتها . وقال بعضهم ان الصالبين والملوك اضطهدوا المسيح الذي هو حجر الزاوية فسحقهم وهو لم يزل باقياً كما هو.

 

عدد 45 : ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون امثاله ، عرفوا انه تكلم عليهم .

عدد 46 : وان كانوا يطلبون ان يمسكوه ، خافوا من الجموع ، لانه كان عندهم مثل نبي .

عندما أرادوا ان يمسكوا قبلاً جاز في وسطهم ولم يروه وفي موقف آخر منع غضبهم وهدأ حدتهم . اما هنا فخافوا من الشعب ان هم نالوه باذى على انه ما عمل اعجوبة لينجو حتى تتحقق سياسة تجسده .