وصايا الله فوق تقاليد البشر – ما ينجس الانسان – ايمان المرأة الكنعانية – يسوع بشفي الكثيرين في الجليل – يسوع يطعم أربعة آلاف
وصايا الله فوق تقاليد البشر
عدد 1 : حينئذ جاء الى يسوع كتبة وفريسيين الذين من اورشليم قائلين :
فالكتبة هم الذين كانوا يواظبون على نسخ الكتاب القديم ومطالعته والفريسيين هم الذين قد ميزوا أنفسهم لحفظ الناموس والوصايا . ولما رأى الكتبة والفريسيون النبوات والآيات كإشباعه الوفاً من خبز قليل وانه بمجرد اللمس شفى الاوجاع والامراض دنوا اليه . وذكر متى الزمان لكي يرى شرهم الغير المتناهي وذكر اورشليم لانها أم المدن وكثيراً ما كان يهتم كتبتها وفريسوها بحفظ الناموس اكثر من الكتبة والفريسيين الذين في غير مكان فسبطا يهوذا وبنيامين كانا ضابطين لاورشليم محافظين على العادات الناموسية . اما الاسباط العشرة الاخر فانهم اخذوا يتقلدون بعادات الشعوب الذين كانوا يجاورونهم بعد عودتهم من السبي .
عدد 2 : “ لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ ، فانهم لا يغسلون ايديهم حينما يأكلون خبزاً ؟ “ .
لم يقولوا لماذا يتعدون ناموس موسى لكن تقليد الشيوخ . فيتضح من هذا انهم من ذواتهم كانوا وضعوها مع ان موسى أوصى بالا يزيد أحد شيئاً على الناموس او ينقص منه . وقد سألوه هذا السؤال لعله يجيبهم قائلاً عنهم الشيوخ وانه لاحق لهم في وضع النواميس والشرائع . فيتخذون جوابه حجة على انه يرذل كهنتهم وشيوخهم . ثم ان المسيح لم يفرض على تلاميذه الاغتسال او عدمه اذ كانوا يعملون بما هو جار بين اليهود . ولكنه كان يعلمهم بترك ما نافل والاهتمام بخلاص نفوسهم . لاجل ذلك فانهم أكلوا من دون ان يغسلوا ايديهم . فلما أخرج الله بني اسرائيل من مصر وضع لهم نواميس مطهّرة للنفس كمثل لا تقتل ولا تزنِ وغير ذلك ومطهرة للجسد كقوله من يدن من الابرص أوالميت فليغتسل . أما الكتبة فزادوا على الناموس ان يغسل الانسان يديه قبل الاكل وكذا عندما يرجع من السوق يغتسل واذا أولم وليمة فليغسل الكؤوس والقصع والمنارات والاسرة وبعد ذلك يستعملها . وايضاً قد علّموا الناس ان يقولوا لآبائهم ان ما تريدون ان تستفيدوه منا هو قربان وغير ذلك . اما المسيح فقد وبخهم عن ثلاثة أشياء . أولاً ، لوضعهم نواميس جديدة من عندهم . ثانياً ، لان هذه النواميس تخالف ناموس الله . ثالثاً ، لانهم الزموا العامة ان يحفظوا اوامرهم وياخذوا منهم الاجرة .
عدد 3 : فأجاب وقال لهم : “ وأنتم أيضاً لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم ؟
لم يقل لهم ان تلاميذي غير محتاجين الى الغسل الجسدي لانهم مغسولون ومطهرون بالروح . ولم يقل وصايا الشيوخ لكن أوامركم مع ان الشيوخ هم الذين وضعوا التسليم لا الكتبة والفريسيون اما هو فقال أوامركم لئلا يثقل عليهم كلامه فسماها تسليماً لان الناس أسلموها لا الله ثم انهم ارادوا ان يثبتوا ان التلاميذ تعددوا الناموس فدحض قولهم هذا . وأظهر انهم هم المتعددون له . ولم يقل ان تلاميذي حسناً عملوا أو رديئاً لئلا يجعل لهم حجة على التلاميذ. ولم يوبخ الشيوخ لكنه ترك الكل وجاء في طريق جديدة وابان ان عددم غسل اليدين قبل الاكل لا يخالف الناموس .
عدد 4 : فإن الله أوصى قائلاً : اكرم أباك وامك ، ومن يشتم أباً أو أماً فليمت موتاُ .
عدد 5 : وأما أنتم فتقولون : من قال لابيه او أمه : قربان هو الذي تنتفع به مني . فلا يكرم اباه أو امه .
عدد 6 : فقد أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم !
ان الله أمر ان يكرم الولد أباه وأمه الا ان الشيوخ لما رأوا ان هذه الوصية تضرهم تحايلوا ونقضوها بوصية اخرى أثقل منها بقولهم ان تحب الرب الهك من كل قلبك . ولان الابناء كانوا يحسبون ان كلما يقتنون هو مال لآبائهم لا لهم فكان الشيوخ يعلمون الابن انه اذا جاء ابوه وطلب كباشاً أو ثيـراناً وغير ذلك فليقل له ان ما تريد ان تنتفع به مني هو قربان لله . فعند سماع الآباء لهذا الكلام كانوا يخافون ان يلمسوا ذاك الشيء لئلا ينقضوا الوصية القائلة حب الرب الهك . فبواسطة تسليم الشيوخ كانت تبطل وصية الله القائلة اكـرم أباك وأمك . ثم انه لما كان الاب يريد من ابنه شيئاً كان الكاهن يعلمه ان يجعل ذاك الشيء قرباناً لله حتى لا يقدر الاب ان يتقرب اليه ويأخذه فيأخذ الكاهن منه جزءاً والباقي يتركه للولد . وكان يمضي واحدهم ويسكن مع الكاهن أو كان ينذر نفسه . فكان يوفي ثمن نفسه مقدار ما كان ماموراً في الناموس . فان كان فقيراً لم يكن يعطي الا الذي يأمر به الكاهن. فلما كان ابوه وامه ياتياناه قائلين له اكرمنا حسب المأمور في الناموس فالولد كان يقول لهما ان الشيء الذي تريدان ان تستفيدانه مني هو قربان لله فلا تقولا تعال اكرمنا فانما انا اكرم الكهنة. فالقديس ساويرس يقول ان لفظة قربان باللغة العبرانية معناها موهبة وباليونانية ايضاً موهبة. ثم كانوا يعلمون انه يجب ان يكرم الابناء آباءهم قبل ان يكون لهم بنين وبعدد ان يصير لهم بنون فلا يبقى لآبائهم سلطان عليهم لانهم صاروا اباء فالذي يعطاه من ابنه انعام هو لا واجب . هذا ما كتبه فيلون في كتابه المسمى تسليماً . وقال يوسيفوس ان بعد عود اليهود من السبي تسلط اليونانيون على اليهود وتحننوا عليهم اذ ابتنوا لهم مجمعاً في اورشليم فاختلطوا معهم وتعلموا عوائد اليونانيين فأبطلوا الاعتقاد بقيامة الاجساد بل بالانفس فقط حسب رأي افلاطون وان الجسد لم يخلق لاجل ذاته لكن لاجل النفس وهو فضلة ولم يستخفوا بالجسد فقط بل وبوالدي الجسد فكانوا يكرمون الذين يؤدبون النفس بخوف الله . وبهذا التعليم أبطلوا الوصية القائلة اكرم اباك وامك.
عدد 7 : يا مراؤون ! حسناً تنبأ عليكم اشعيا قائلاً :
ان المسيح له المجد دعاهم مراءين لانهم يتكلمون بغير ما يضمرون .
عدد 8 : يقترب الي هذا الشعب بفمه ، ويكرمني بشفتيه ، واما قلبه فمبتعد عني بعيداً .
أي انه يرذل من هم من عند الله ويهتم بما يخصه .
عدد 9 : وباطلاً يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس “ .
فالتلاميذ اذاً مصيبون في عدم حفظهم فرائضهم . ولم يتكلم معهم لكنه وجّه كلامه نحو الشعب .
ما ينجس الانسان
عدد 10 : ثم دعا الجمع وقال لهم : “ اسمعوا وافهموا .
أي ايقظوا ضمائركم لا كتب لكم ناموساً جديداً . ولم يقل ان حفظ الاطعمة وفرائض الناموس ليست بشيء لكنه بطريق الموعظة يأتيهم بالبراهين . فقد كان غرضه تعالى من تمييز الاطعمة الطاهرة من النجسة ان يبعد بني اسرائيل عن المصريين وعن سائر الشعوب . فالنجسة لا يمكن ان تكون طاهرة وبالعكس . والنجسة ليس من طبعها نجسة ولكن الناموس حرم أكلها . ثم انه تعالى بواسطة التمييز بين الاطعمة الطاهرة والنجسة يعلمنا ان نقترب من الناس الفاضلين ونبتعدد من النجسين بالخطيئة والشرور .
عدد 11 : ليس ما يدخل الفم ينجس الانسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الانسان “ .
انه تعالى بهذه الوصية أبطل الفرائض القديمة . وبقوله ما يخرج من الفم الخ وضع ناموساً على الافكار والاقوال الرديئة وعلمنا ان الطعام لا ينجس من طبعه لكن اذا أكل بنية نجسة. فالافكار الشريرة والشتيمة والثلب والتجديف تنجس الانسان . وبقوله ليس ما يدخل الفم ينجس الانسان أخفى كلمته ليظن السامعون انه يتكلم عن غسل الايدي لان حفظ الاطعمة عندهم كان أمراً عظيماً ويعرف ذلك من قول بطرس انه لم يدخل فمي شيء نجس .
عدد 12 : حينئذ تقدم تلاميذه وقالوا له : “ أتعلم ان الفريسيين لما سمعوا القول نفروا ؟ “
أي ان الفريسيين وحدهم شكوا لا الجموع . أما المسيح فلم ينقض شكوكهم كما نقضها حين قال لبطرس لئلا نشككهم امضِ الى البحر الخ لكن زادها فنقض شكوكهم هناك لانهم طلبوا الدراهم أما هنا فانه لم يبعد عنهم الشكوك لانهم أرادوا ان يمنعوا ملكوت الله عن السامعين لئلا يستفيدوا هذه قالها للتلاميذ لا لانهم كان يعنيهم أمر شكوك الفريسيين لكن لانهم قد اضطربوا هم أيضاً .
عدد 13 : فأجاب وقال : “ كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يقلع .
فسمى الناموس وفرائض الفريسيين غرساً . أي ان الفرائض والوصايا التي لم يفرضها أبي بل الشيوخ و الفريسيون يهلك وتبطل لان الكتبة كانوا يضلون الناس في امور كثيرة .
عدد 14 : اتركوهم . هم عميان قادة عميان . وان كان اعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة “ .
فحذر السامعين من الذهاب وراء تعليمهم لئلا يسقطوا في حفرتهم . وسمى الفريسيين عمياناً لانهم أعموا أعينهم عن الحق وذهبوا وراء الشيوخ ان الاعمى من الحق اذا تبع أعمى شبيهاً له فالاثنان يسقطان في حفرةالكذب . مثل يهوذا الاعمى الذي جذب اليهود العميان والجميع سقطوا في حفرة الخيانة .
عدد 15 : فأجاب بطرس وقال له : “ فسر لنا هذا المثل “ .
فكان بطرس خائفاً من ان يظن به المسيح انه مرتاب لذلك ابان صعوبة تفسير الكلام . اما المسيح فعرف انه تشكك لذلك وبخه .
عدد 16 : فقال يسوع : “ هل أنتم أيضاً حتى الآن غير فاهمين ؟
ان الجموع لم يفهموا ان زجره للتلاميذ كان لانهم تشككوا .
عدد 17 : ألا تفهمون بعد ان كل ما يدخل الفم يمضي الى الجوف ويندفع الى المخرج ؟
عدد 18 : وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر ، وذاك ينجس الانسان ،
عدد 19 : لان من القلب تخرج افكار شريرة : قتل ، زنى ، فسق ، سرقة شهادة زور ، تجديف .
عدد 20 : هذه هي التي تنجس الانسان . وأما الاكل بايد غير مغسولة فلا ينجس الانسان “.
انه ضرب لهم مثلاً من العادات الجارية بين الناس ليشفي التلاميذ وقلة عقل اليهود . وبعد ما أعتقهم من الامتناع عن الاطعمة مضى ليفتح باباً للشعوب .
ايمان المرأة الكنعانية
عدد 21 : ثم خرج يسوع من هناك وانصرف الى نواحي صور وصيدآء .
يتساءل البعض في انه كيف اوصى تلاميذه الا يمضوا في طريق الامم وهو يمضي فيها ؟ فنجيب ان الذي كان يوصي به يسوع لم يكن مازماً بحفظه لانه واضع الناموس . ولم يمضِ الى هناك ليكرز والشاهد لذلك انه دخل البيت وأراد ان لا يعلم بع أحد . فكما ان الذهاب اليهم كان من اختصاصاته هكذا لم يكن يليق برحمته ان يردهم حين كانوا ياتون اليه .
عدد 22 : واذا بامرأةٍ كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت اليه قائلة : “ ارحمني يا سيد ، يا ابن داود ! ابنتي مجنونة جداً “ .
ان المراة الكنعانية ما مضت لاورشليم لان اليهود كانوا ينفرون من الامم وهي حسبت نفسها غير مستحقة ان تمضي الى هناك . ويشار بالكنعانية الى الجنس البشري وبابنتها الى النفس المعذبة من آلام الخطيئة . وكذلك الكنعانية هي رمز الى البيعة اي أنفس القديسين . والبنت المعذبة كناية عن بني البشر المعذبين من الآلام السمجة . وعليه فكل فرد منا يجب عليه ان يضرع الى المسيح بالحاح لتعتق نفسه من الآلام وان ظهر له كأن ضراعته غير مسموعة فلا يكل ولا يمل عن الصراخ اليه من صميم قلبه حتى يجاب فكما ان المسيح خرج من تخومه أي من اليهودية هكذا البيعة خرجت من تخومها وتقدمت اليه وحينئذٍ استطاعا ان يتكلما فيما بينهما . فالشعوب الذين أفسدوا ناموس الطبيعة ونزحوا عن بلاد اسرائيل كيلا يغيروا عاداتهم ويحيدوا عن ضلالهم أسرعوا اليه واليهود الذين أتى لاجلهم وشفى مرضاهم يطردونه . ثم ان الكنعانية ما تجاسرت ان تاتي بالمجنونة اليه او ان تدعي الطبيب اليها كما دعاه عبد الملك لكنها قالت ترحم علي . وقد كانت ابنتها في أشد الضيق من سكون ذلك الشيطان فيها .
عدد 23 : فلم يجبها بكلمة . فتقدم تلاميذه وطلبوا اليه قائلين : “ اصرفها ، لانها تصيح وراءنا ! “ .
انه تعالى كان يؤخر شفاء الكنعانية لثلاثة أسباب . أولاً ، لانها من الامم الغريبة لئلا يتهمه اليهود انه يساعدد الغرباء . ثانياً ، لكي تظهر امانتها . ثالثاً ، لتبان عدم أمانة اليهود اذ كان يجول بينهم ويشفي مرضاهم وهم كانوا يتخاصمون ضده ويجدفون عليه . ولانه لم يجاوب هذه التي كانت تصيح وراءه وتضرع اليه تشكك التلاميذ وقالوا اصرفها . لانهم كانوا يجهلون انه يؤجل اجابة طلبتهاز وقالوا ” في أثرنا ” لانها لم تكن تتجاسر ان تقف قدامه .
عدد 24 : فأجاب وقال لهم : “ لم أرسـل الا الى خـراف بيت اسـرائيل الضـالة “.
أراد بالخراف الضالة اليهود وأبان لتلاميذه انه طالما اكرم اليهود وما ترك لهم محلاً للجواب بعدم قبولهم اياه .
عدد 25 : فأتت وسجدت له قائلة : “ يا سيد اعنّي ! “
أي انها ما امتنعت على الصراخ لعدم إجابة طلبتها لكنها ركضت حتى أتت قدامه وسجدت . فنتعلم من ذلك انه لا يجب ان نقطع رجاءنا حين لم نأخذ ما نريد في الحال بل نلحف في الضراعة حتى نفوز بالإرب . أما المسيح فأخذ يزيد امتحان ايمانها بقوله .
عدد 26 : فأجاب وقال : “ ليس حسناً ان يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب“ .
دعى معونات الشفاء خبزاً وأبان وجوب إعطائه لأولاد البيت. ولما أهلها للمخاطبة زاد ألمها أكثر من السكوت . ولم يعلق الأرتسال بغيره. لكنه بين انه منه هو . ولم يسمهم هنا خرافاً لكن بنين وسمى الكنعانية كلباً لأنها مولودة من الأمم الكلاب . فبمقدار ما أكثرت هي من التضرع أكثر هو من الأبتعاد فوجدت لنفسها من كلامه باباً للشفاعة .
عدد 27 : فقالت : “ نعم ، يا سيد ! والكلاب أيضاً تاكل من الفتات الذي يسقط من مائدة اربابها ! “ .
في جوابها هذا ثلاث فضائل الأمانة والعفة والحكمة . فالعفة ، في حسبانها نفسها مثل الكلب والأمانة ، في قولها وإن كان مما يعطي للكلاب فهو كاف لشفاء ابنتها والحكمة ، في موافقتها المسيح على اعتبارها كلبة حتى تاخذ لنفسها مكاناً في البيت. وكأنها تقول قد سميتني كلباً فكلامك مقبول لدي أنت صرت شفيعاً عوضي فاعطني الفتات قليلاً من معونتك وهو يكفي لشفاء ابنتي وبما انك حسبتني كلباً فلي حق الكلام في البيت فسمت المسيح رباً ومعونة الشفاء فتات .
عدد 28 : حينئذ أجاب يسوع وقال لها : “ يا امرأة عظيم إيمانك ! ليكن لك كما تريدين “ . فشفيت ابنتها من تلك الساعة .
ان الرب يسوع لم يمدح المرأة الكنعانية أولاً لئلا يقال عنه انه يحب الأمم ولقد تانى في إبراء ابنتها حتى يتأكد عظيم إيمانها للناظرين وبقوله ليكن لك كما أردت أظهر ان كلامها كان مقروناً بالإيمان الأكيد والرجاء الوطيد وعليه فقد نالت الأبنة الشفاء في ذات الساعة التي قال فيها ليكن لك كما اردتِ .
يسوع يشفي المثيرين في الجليل
عدد 29 : ثم انتقل يسوع من هناك وجاء الى جانب بحر الجليل ، وصعد الى الجبل وجلس هناك .
عدد 30 : فجاء اليه جموع كثيرة معهم عرج وعمي وخرس وشل وآخرون كثيرون . وطروحوهم عند قدمي يسوع . فشفاهم
كان المسيح له المجد يذهب أحياناً بنفسه الى المرضى وأحياناً يأتون هم فيبرأون دون ان يلمسوا ثيابه كالسابق .
عدد 31 : حتى تعجب الجموع إذ رأوا الخرس يتكلمون ، والشل يصحون ، والعرج يمشون ، والعمي يبصرون ومجدوا اله اسرائيل .
ان عجب الجمهور كان لأنهم رأوا المرضى المحمولين على الأكتاف يشفون بمجرد إرادته بدون قول ولا لمس ومما يجب ملاحظته هنا أنه قد تأخر في برء ابنة الكنعانية حتى يتبين قوة إيمانها أما هؤلاء فقد اسرع بشفاءهم ليكم افواههم حتى لا يجدوا حجة عليه . وليس لأنهم كانوا أكثر فضيلة من تلك . لأن من يعطى نعماً كثيرة يطالب بدينونة أكثر .
يسوع يطعم أربعة آلاف
عدد 32 : واما يسوع فدعا تلاميذه وقال : “ اني اشفق على الجمع ، لأن الآن لهم ثلثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون . ولست أريد ان أصرفهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق .
قد أظهر المسيح حنانه للجمع كما اظهر ذلك قبلاً للمرضى ولم يعل له المجد اية إشباع هؤلاء الجموع في اليوم الأول أو الثاني لأن الخبز لم يفرغ ونظراً لأنهم كانوا بعيدين عن منازلهم ” كما يقول مرقس ان منهم جاءوا من بعيد ” أراد أن يطعمهم .
عدد 33 : فقال له تلاميذه : “ من أين لنا في البرية خبز بهذا المقدار ، حتى يشبع جمعاً هذا عدده ؟ .
من هذا القول اظهر التلاميذ أمرين الأول ، ضعف الإيمان والثاني ، بعد المكان فهم لم يتذكروا الآية الاولى حتى كانوا يؤمنوا ان المسيح لا يكلفهم مشقة السفر .
عدد 34 : فقال لهم يسوع : “ كم عندكم من الخبز ؟ “ فقالوا : “ سبعة وقليل من السمك “.
فلم يكن لهم جوابه كالجواب في الآية السابقة لأنه رأى منهم تقدماً تدريجياً في الإيمان .
عدد 35 : فأمر الجموع ان يتكئوا على الارض .
عدد 36 : وأخذ السبع خبزات والسمك وشكر وكسر وأعطى تلاميذه . والتلاميذ اعطوا الجمع .
عدد 37 : فأكل الجميع وشبعوا . ثم رفعوا ما فضل من الكسر سبعة سلال مملوءة ،
عدد 38 : والآكلون كانوا اربعة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد .
ان ما عمله المسيح في الاية الثانية هذه كان نظير ما فعله في الاية الاولى تماماً ما عددا ان هنالك قد تبنى اثنتى عشرة قفة وهنا سبع سلال وذلك حتى لا تكون الآيتان في نظر القاريء آية واحدة متكررة . فالأثنتى عشر قفة تشير الى عدد التلاميذ أما السبع سلال التي فضلت من السبعة أرغفة فانها تشير الى التعليم الكامل من الروح القدس الذي له السبعة مواهب لان عدد السبعة هو علامة الكمال كقوله روح الحكمة روح الفهم والرأي والقوة والمعرفة والخوف من الله ومع ان المسيح عمل آيات عديدة فلم يتبعه أحد من الجمع الا عندما عمل آية اطعام الجياع فقد تبعوه في المرة الاولى ليعملوه ملكاً . قال القديس ساويرس عند تفسيره الآية الاولى . ان الأتكاء على العشب الأخضر دليل على رطوبة المعاني الأنجيلية التي يسمعها المؤمنون حديثاً واذا ثبتوا فهم يكسرون خمس خبزات أي تنقية الخمسة حواس بالكلام الإلهي . وأكل السمك يشير الى طعام الأنجيل فكما ان السمك يصطاد بصعوبة ولكنه يوجد لذة في أكله هكذا ان الذين ينقادون بكلمته فهم يشعرون بألم الجهاد ولكنهم أخيراً ينالون النصر والظفر .
عدد 39 : ثم صرف الجموع وصعد الى السفينة وجاء الى تخوم مجدل .
يقول مرقس جاء الى دلمانوتا وهو اسم لمكان خاص وأما متى فيقول انه جاء الى تخوم مجدل .