تفسير انجيل متى الاصحاح الرابع عشر

Posted by on Aug 17, 2012 in Library, -الدر الفريد في تفسير العهد الجديد ـ تفسير انجيل متى - مار ديونيسيوس ابن الصليبي | Comments Off on تفسير انجيل متى الاصحاح الرابع عشر

مقتل يوحنا المعمدان – يسوع يطعم الخمسة آلاف – يسوع يمشي على الماء 

 

مقتل يوحنا المعمدان

عدد 1 : في ذلك الوقت سمع هيرودس رئيس الربع خبر يسوع ،

اي انه تغافل ولم يرد ان يسمع قبلاً لنفاقه . لان المنهمكين مثله في الامور الدنيوية يعسر عليهم معرفة الامور الصالحة . ثم ان هيرودس هذا هو غير ذلك الذي قتل الاطفال لان ذاك كان ملكاً مسلطاً من طرف القيصر الروماني على كل اليهودية وهذا هو ابن ذلك . فقد كان له ستة بنين من امرأته مريم ابنه اورقانوس فولد اريسطوبولس واورقانس . ولما قتل امرأته مريم أراد بنوه ان يقتلوه فاصعدهم الى قيصر وقتلا هناك . وولد له أيضاً ارخلاوس وهيرودس وفيلبس ولوسانيا من نساء اخر . ثم بعد موته استولى الرومانيون على كل اليهودية وكان ارخلاوس يوم ذلك ابن تسع سنين . فلما وشي به للرومانيين انه قاصر لصغر سنه قسم الرومانيون ملكه الى اربعة أجزاء وولوا على الاجزاء الثلاثة اخوته الثلاثة هيرودس وفيلبس ولوسانيا وكل واحد منهم كان يدعى ططرخا أي رئيس جزء من الاربعة الاجزاء . ثم بعد ذلك أخذوا قسم ارخلاوس وأضافوه الى قسم فيلبس أخيه .

 

عدد 2 : فقال لغلمانه : “ هذا يوحنا المعمدان . قد قام من الاموات ! ولذلك تعمل به القوات “ .

تأمل بشرف الفضيلة فقد كان يخاف هيرودس من يوحنا حتى بعد موته ومن خوفه تكلم عن قيامته قائلاً ذلك لعبيده فقط ظناً منه ان يسوع هو يوحنا . وذكر لوقا ان هيرودس قال “ ان يوحنا انا قطعت رأسه 9 : 9 “ وليس في روايات الانجيلين تناقض . فاولاً قال انه قام . ولما سمع انه قام لم يصدق وقال انا قطعت رأسه . وربما قال ذلك متعظماً امام الذين قالوا انه يوحنا .

 

عدد 3 : فان هيرودس كان قد امسك يوحنا واوثقه وطرحه في سجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس اخيه ،

ان يوحنا لما لم يسمح لهيرودس بالتزوج من امرأة أخيه نقم عليه وسجنه بحجة انه يضل الناس بمعموديته وبأعماله وربما كان ذلك لحدوث فتنة بين اليهود . اما متى فلم يكتب قصة يوحنا في محلها . واكتفى في روايته بالاشارة الى قول هيرودس عن يوحنا انه قد قام من بين الاموات . ثم يتساءل البعض في انه لماذا كان يمنع يوحنا هيرودس من أخذه امرأة أخيه اذا مات هذا دون بنين ليقيم زرعاً لاخيه الميت ؟ فنجيب ان ذلك كان مباحاً لهم لعدم اعتقادهم بالقيامة ولاهتمامهم الزائد في أمور هذا العالم الزائل وقد كان لفيلبس ابنة من هيروديا وكانت تسمى هيروديا باسم امها . وقد ذكر يوسيفوس المؤرخ ان هيرودس المنافق كان قد زنى بامرأة أخيه في حياته وعزلها عن بعلها وهجر امرأته الحلال ابنة ارطا ملك الفرتيين . فحاربه حموه لاحتقاره ابنته وزنائه بامرأة أخيه وبسبب هيروديا سقط هيرودس من سلطنته ونفي معها الى بيبيانا وهي مدينة الجليل فيكون منع يوحنا له من التزوج منها هو لانه زنى بها في حياة أخيه لا لانه كان لها ابنة لان الانثى لا تقيم زرعاً والناموس لا يمنع الزواج من امرأة الاخ بعد موته .

 

عدد 4 : لان يوحنا كان يقول له : “ لا يحل ان تكون لك “ .

في العهد القديم كان الناموس يأذن بأخذ امرأة الاخ الميت ولان يوحنا كان كاروز العهد الجديد منع هيرودس من أخذ امرأة أخيه الميت . والذي كان يخلف أولاداً ويموت لم يكن مأذوناً ان يتزوج بامرأته الا الغريب وذلك لكي تنمو القرابة وتكثر لانهم لم يكونوا يؤمنون بالقيامة

 

عدد 5 : وكان يريد قتله فخاف من الجمع لان يوحنا كان يعد عندهم نبياً .

اذاً لم يقتله تمسكاً بقسمه فكان يريد قتله قبل القسم الا انه كان يخاف من قداسته ومن سجن الشعب . ومن هذا يظهر جلياً ان أرباب القداسة هم مكرمون ومشرفون حتى من أعدائهم . ثم ان يوحنا لم يوبخ هيروديا بل هيرودس لانه كان صاحب الشأن في هذا العمل وصاحب الامر والنهي .

 

عدد 6 : ثم لما صار مولد هيرودس ، رقصت ابنة هيروديا في الوسط فسرّت هيرودس .

عدد 7 : ومن ثم وعد بقسم انه مهما طلبت يعطيها .

عدد 8 : فهي إذ كانت قد تلقنت من امها قالت : “ اعطني ههنا رأس يوحنا المعمدان “ .

فقد  جرت العادة عند الملوك والرؤساء انه اذا ولد لهم ابن يؤرخون يوم ولادته وفي كل سنة يقيمون الافراح تذكاراً لذلك اليوم وغير الملوك ايضاً يحتفلون بذكرى مولدهم عندما يبتدئون ان يحلقوا اللحى والشعر . أما أجرة هيروديا الراقصة في ذلك الديوان الذي كان جامعاً أنواع الشراهة والسكر والفجور فكان اراقة دم بريء وقد دعته المعمدان دون خشية ولا حياء

 

عدد 9 : فاغتمّ الملك . ولكن من أجل الاقسام والمتكئين معه أمر ان يعطى .

قال قوم ان هيرودس مع اشهاره بالشر والفجور قد حزن لهذا الطلب حزناً حقيقياً وذلك لقداسة يوحنا أما نحن فنقول انه تظاهر بالحزن امام المتكين تخلصاً من اللوم وقال آخرون انه قد علمها سراً ما الذي تطلبه قبل حضورها الى المجلس ولذلك اقسم لها . ثم انها ما طلبت احضاره من السجن خوفاً من ان يوبخها لكنها طلبت رأسه لتشمت به امام الحضور اقتصاصاً منه . فكان واجب على الاثيم ان يختزي من الاثم الذي عمله في حضرة المتكين أزيد من ان يكذب امامهم

 

عدد 10 : فأرسل وقطع راس يوحنا في السجن .

أي رأس ذلك الذي فضح أمر هيروديا في البلاد اليهودية وهو حي وفي موته فضحها في كل الاقطار بواسطة تخليد ذكرها السيء في الكتب

 

عدد 11 : فأحضر رأسه على طبق ودفع الى الصبية ، فجاءت به الى أمها .

ان هيروديا بعد ان أخذت رأس يوحنا الى أمها عادت الى المتكين حتى تجدد الرقص وكانت بركة ماء الى جانب المجلس فنزلت لترقص على الجليد وفي الحال انكسر الجليد وغرقت فابتلعها حوت كبير . ولما لم يقدروا ان ينجوها قطعوا رأسها بالسيف الذي قطع به رأس يوحنا وللوقت قذفتها الحوت وابتلعتها الارض وكان رأس يوحنا لا يزال امام أمها تسخر به قائلةً أين فمك الذي كان يؤلم حياتنا . فوضعوا امامها رأس ابنتها فرجت عيناها لكثرة بكائها وسقطتا على رأس يوحنا ورأس ابنتها . فلما سمع بيلاطوس بما قد جرى ليوحنا أرسل وقتل كل المتكين الذين كانوا في مجلس هيرودس ومن ذلك اليوم وقعت عداوة بينهما ولم يتصالحا الا في أيام آلام السيد المسيح . وهيرودس هذا كان رئيس الربع فانتقم الله منه كانتقامه قبلاً من أبيه فنفي من ملكه وابتلي بمرض الاستسقاء ودود ومات موتاً شنيعاً

 

عدد 12 : فتقدم تلاميذه ورفعوا الجسد ودفنوه . ثم اتوا واخبروا يسوع .

ان تلاميذ يوحنا لمزيد محبتهم له دفنوا جسده دون ان يهابوا انتقام هيرودس وأتوا فتبعوا يسوع وأخبروه بما قد جرى لان معلمهم قبل ان يقتل ارسلهم الى يسوع ليسالوه أأنت هو الآتي . ان يوحنا سبق السيد المسيح الى القبر بستة أشهر كما سبقه بالميلاد ستة اشهر وكان يوم قتله في التاسع والعشرين من شهر آب .

 

عدد 13 : فلما سمع يسوع انصرف من هناك في سفينة الى موضع خلاء منفرداً . فسمع الجموع وتبعوه مشاة من المدن .

انه تعالى لم ينتقل من موضعه قبل ان يخبروه بقتل يوحنا وان كان يعلم بما قد جرى ليبين سياسته الحقيقية وكان يفعل كل افعاله انسانياً لانه لم يكن قد حان زمان اظهار لاهوته فلاجل ذلك أوصى تلاميذه بالا يقولوا لاحد انه هو المسيح حتى يقوم من بين الاموات . ولان الجموع لم يخافوا مما جرى ليوحنا ويمتنعوا عن اتباع يسوع لمجرد محبتهم له كافاهم في الحال . ثم نقول ان التلاميذ لم يخبروه بقتل يوحنا لانه كان قد علم بذلك قبلاً . أما خبر يوحنا فوارد على هذا النسق وهو ان هيرودس لما سمع بخبر المسيح وعجائبه ظن ان يوحنا قام من بين الاموات وأراد ان يراه اذا امكنه ذلك فلما قيل ليسوع ان هيرودس يريد ان يراك انتقل الى البرية فينتج مما تقدم انه لم يخبره احد عن قتل يوحنا بل عن رغبة هيرودس في رؤيته اياه

 

عدد 14 : فلما خرج يسوع أبصر جمعاً كثيراً فتحنن عليهم وشفى مرضاهم .

انه تحنن عليهم لحفظهم الامانة نحوه اذ تركوا المدن وذهبوا وراءه ومع انهم كانوا معذبين من الجوع لم يشأوا ان يتركوه فلاجل ذلك شفى مرضاهم

 

يسوع يطعم الخمسة آلاف

عدد 15 : ولما صار المساء تقدم اليه تلاميذه قائلين : “ الموضع خلاء والوقت قد مضى . اصرف الجموع الي يمضوا الى القرى ويبتاعوا لهم طعاماً “ .

ان ما ذكره يوحنا عن قول فيلبس انه لا يكفي لهذا الشعب خبز بمائتي دينار لا يراد به ثمن الخبز ولكنه يشار به عن كثرة الجمع سيما وان التلاميذ لم يكن مسموحاً لهم ان يقتنوا فضة اذ لم يكن في وسعهم ان يبتاعوا خمسة ارغفة من ذلك الشاب . وعندما سألهم سيدنا لم يكونوا قد اشتروا الخبز لانه لم يكن عندهم ما يشترون به كما كانوا مامورين من المسيح بألا يأخذوا معهم شيئاً للطريق حين تطوافهم في البلاد اليهودية . ولم يطلبوا منه ذلك لا خجلاً منه ولكن لعدم اهتمامهم بالجوع لمزيد محبتهم له كما ان التلاميذ ليس لقلة ايمانهم بالمسيح سألوه ان يصرف الجموع الخ لكن لانهم لم يكونوا يظنون انه سيعمل شيئاً مثل هذا وان كانوا يعرفون قدرته من العجائب الكثيرة التي صنعها

 

عدد 16 : فقال لهم يسوع : “  لا حـاجة لهم ان يمضوا . اعطوهم انتم ليأكلوا “ .

أي اذا كان قد فاتهم الوقت فلا حاجة الى ذهابهم ولم يقل انا أعطيهم لياكلوا ولكنه قال لتلاميذه اعطوهم انتم اما هم فلم يفهموا كلامه هذا

 

عدد 17 : فقالوا له : “ ليس عندنا ههنا الا خمسة ارغفة وسمكتان “ .

ان هذه الكمية القليلة من المأكول مع كثرة عددهم تدل على ما كانوا عليه من الفقر وعدم اهتمامهم بغير الروحانيات

 

عدد 18 : فقال لهم : “ ائتوني بها الى هنا “ .

ان التلاميذ ما ارادوا ان يحفظوا لهم هذا المأكل القليل بل قدموه للمسيح حسب طلبه منهم ليناوله للجموع

 

عدد 19 : فأمر الجموع ان يتكئوا على الشعب . ثم أخذ الارغفة الخمسة والسمكتين ، ورفع نظره الى السماء وبارك وكسر واعطى الارغفة للتلاميذ ، والتلاميذه للجموع .

ان المسيح له المجد نظر الى السماء وبارك ليعلمنا بذلك اننا اذا اكلنا فلنشكر الاله واهب القوت . وصلى لئلا يقول عنه الحاضرون انه يعظم لنفسه فيجدفون عليه كما جدف اباؤهم في البرية لما اكلوا المن لاجل ذلك شكر الاب . ثم نقول انه لم يكن محتاجاً الى رفع نظره الى السماء لانه القوة والقدرة وقد فعل اعظم من هذه الاعجوبة دون ان يرفع نظره ويستمد المساعددة وذلك حين تطهيره البرص وشفائه المخلعين وفتحه عيون العميان وزجره البحر واخراجه الشياطين كل هذه بسلطان ذاته فعلها بل واعماله الحقيرة كسؤاله لتلاميذه كم خبزاً عندكم وماذا يقولون الناس عني وقوله للاعميين اتؤمنان اني قادر . وسؤاله لجيون ما اسمك وللمخلع أتريد ان تشفى وغير ذلك فكل هذه ليبين انه من الاب وان ارادتهما واحدة وليس بينهما انقسام . ورب سائل يسال قائلاً لماذا لم يصنع الخبز من لا شيء ؟ فنجيب انه لم يفعل ذلك لكي يكذب اقوال مرقيان وماني الذين يجعلان الخليقة غريبة . وقد فعل اعجوبة ازدياد الخبز والسمك في البرية لاجل اليهود الذين كانوا يتعجبون من نزول المن في القفر . ثم لكيلا يظن الجموع ان الخبز الكثير جيء به من المدن والقرى لاجل ذلك فعل هذه الاعجوبة في القفر . ان المسيح بتسليمه الخبز لتلاميذه بعد كسره كرم تلاميذه حتى لا ينقسموا ويختلفوا ما بينهم وينسوا الاعجوبة . وقال قوم ان الكسر التي كانوا يتناولونها من سيدنا كانت تصير ارغفة قدام الجموع . وهذا القول غير صحيح اذ لو كانت تتحول الكسر الى أرغفة صحيحة لكان يظن انها ليست من الخبز الذي كسر بل من موضع آخر جيء بها ولكن الحقيقة هي انه كسر وناول التلاميذ والخبز كان ينمو ويزداد على ايدي التلاميذ وقدام الجموع . ورب قائل يقول كيف كان ينموا على ايدي التلاميذ وخصوصاً على يدي يهوذا ؟ فنجيب ان ذلك الخبز كان رمزاً عن الخبز السماوي الذي تقتات انفسنا منه وهو منحة الروح القدس التي بها تقتات الحواس الخمس فحواس النفس الخمس هي اشارة عن الخمسة آلاف رجل والرسل والاثنا عشر الحاملون الخبز اشارة الى الاثنتي عشرة قفة

 

عدد 20 : فأكل الجميع وشبعوا . ثم رفعوا ما فضل من الكسر اثنتي عشرة قفة مملوءة .

ان المسيح بتدبيره الالهي أمر تلاميذه ان يحملوا الكسر الفاضلة وكان من جملة الحاملين يهوذا الذي اسلمه لكي لا يظن الحاضرون ان الاعجوبة خيالية بل اذا رأوا الفضلات ظنوا انها تكفي يوماً ويومين . والكسر فضلت امام سيدنا وامام الجموع وعلى ايدي التلاميذ ولم يكن فيها رغيف صحيح . والباباويون يقولون ان عندهم من تلك الكسر في رومية حتى هذا اليوم ولا صحة لقولهم لانهم لم يكونوا في ذلك الزمان مسيحيين حتى يحتفظوا بالكسر . ومن كثرة تعجب الجموع أرادوا ان يقيموا يسوع ملكاً عليهم

 

عدد 21 : والآكلون كانوا نحو خمسة آلاف رجل ،  عدا النساء والأولاد .

ان عدد الجموع الوافر يزيد شأن الاعجوبة ويدل على فضيلة الذين تبعوه

 

يسوع يمشي على الماء

عدد 22 : وللوقت الزم يسوع تلاميذه ان يدخلوا السفينة ويسبقوه الى العبر حتى يصرف الجموع .

ان التلاميذ لما لم يستعظموا اعجوبة الخبز أمرهم ان يركبوا السفينة ويسبقوه ليأدبهم بتهيج البحر عليهم فيذكروا اذ ذاك اعجوبة الخبز سيما وقد كان غرضه الصعود الى الجبل

 

عدد 23 : وبعدما صرف الجموع صعد الى الجبل منفرداً ليصلي . ولما صار المساء كان هناك وحده .

انه بانفراده في الجبل عن اعين الناس للصلاة يعلمنا ان نبتعد عن المجد الباطل وتعظيم الناس لنا . ويعلم بذلك رعاة الكنيسة الا يخالطوا رعاياهم في كل حين ثم ليعلمنا اننا متى اردنا مناجاة الباري تعالى بالصلوة فيجب ان يكون بالاعتزال عن ضوضاء العالم حتى نستطيع جمع حواسنا وافكارنا وأحسن وقت لذلك هو الليل كما ان البر أوفق محل للاختلاء والانفراد

 

عدد 24 : وأما السفينة فكانت قد صارت في وسط البحر معذبة من الامواج . لان الريح كانت مضادة .

انه أمر الريح والبحر ضدّهم فصاروا في ضيقة عظيمة لانهم كانوا في وسط البحر وهو كان بعيداً عنهم وكان ذلك في الليل . وفي المرة الاولى لما اضطرب البحر لم يشعروا بالضيق كهذه المرة لانه كان قريباً منهم وكان ذلك نهاراً . أما هذه المرة فتركهم يتعذبون ليدربهم على الصبر

 

عدد 25 : وفي الهزيع الرابع من الليل مضى اليهم يسوع ماشياً على البحر .

ان الليل يقسم الى أربع هجعات وكل هجعة (هزيع) ثلاث ساعات . فأتى في الهجعة الرابعة اليهم ليعلمهم الاحتمال بشجاعة

 

عدد 26 : فلما ابصره التلاميذ ماشياً على البحر اضطربوا قائلين : “ انه خيال “ . ومن الخوف صرخوا !

قال القديس افرام انهم ظنوه شيطاناً يمشي على البحر . ثم انه قد اعتاد له المجد متى رأى احداً محتاجاً بالمخاوف فيزيدها صعوبةً ثم يزيلها عنه كما فعل مع ابراهيم واسحاق ويعقوب وأيوب . ثم ان رؤيته زادتهم خوفاً اكثر من أمواج البحر

 

عدد 27 : فللوقت كلمهم يسوع قائلاً : “ تشجعوا . انا هو . لا تخافوا “ .

لانهم ما أمكنهم ان يعرفوه من رؤيته اذ كان في الليل فتكلم معهم ليعرفهم بنفسه . وقوله انا هو لا تخافوا أي انا هو يسوع معلمكم سيد البحر وابن الله والاعمال التي عملتها تشهد لي بذلك

 

عدد 28 : فاجابه بطرس وقال : “ يا سيد ان كنت انت هو فمرني ان آتي اليك على المياه “ .

انه لما كانت محبة بطرس لمعلمه اكثر من محبة رفاقه لم يقل لمعلمه ائذن لي ان امشي على المياه لكن ان آتي اليك اذ كان يعتقد ان ليس المسيح وحده يقدر يمشي على المياه لكن هو ايضاً يقدر على ذلك اذا امره المخلص . وهكذا بعد قيامة معلمه من الاموات لم ينتظر حتى يأتي مع رفاقه التلاميذ الى القبر لكنه سبقهم ودخل القبر

 

عدد 29 : فقال : “ تعال “ . فنزل بطرس من السفينة ومشى على المياه ليأتي الى يسوع .

لانه رأى البحر هادياً فمشى بلا خوف . ولكن لما كان الريح شديداً خاف وشك واوشك ان يغرق . ولما راى البحر سمعان ثابتاً حمله ولما رآه خائفاً مرتاباً هاج عليه . فقوي على البحر الهائج وخاف من الريح الضعيفة وهكذا هو الطبع البشري فانه مراراً كثيرة يتغلب على أعظم الامور ويندحر مغلوباً في الامور الصغاير كما اتفق ذلك لايليا حين هددته ايزابل الشقيئة . ولموسى عندما هدده ذلك المصري .

 

عدد 30 : ولكن لما راى الريح شديدة خاف . واذ ابتدأ يغرق ، صرخ قائلاً : “يا رب ، نجني ! “ .

والتلاميذ أيضاً خافوا من صوته ظانين انه غرق .

 

عدد 31 : ففي الحال مدّ يسوع يده وأمسك به وقال له : “ يا قليل الايمان لماذا شككت ؟ “ .

عدد 32 : ولما دخلا السفينة سكنت الريح .

يتساءل البعض قائلين لما لم يأمر المسيح الريح ان يسكت بل مسك بطرس بيده ؟ فنجيب ليفهمه انه ليس الريح هي التي اوشكت ان تغرقه ولكن قلة ايمانه . ولولا يضعف ايمانه لقاوم الريح وانتصر عليها لاجل ذلك بعدما مد يسوع يده ومسكه ترك الرياح تهب عاصفة مفهماً اياه ان الرياح لا تستطيع ان تضر من هو ثابت في الايمان

 

عدد 33 : والذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين : “ بالحقيقة انت ابن الله ! “ .

قبلاً كانوا يتساءلون من عسى ان يكون هذا الذي تطيعه الرياح والبحر . اما الآن فأقروا انه بالحقيقة ابن الله . فقد قاد المسيح رسله رويداً رويداً الى المعرفة الحقيقية وذلك اذ رأوه ماشياً على البحر وحين أذن لسمعان ان يمشي على البحر فمشى ونجاه من الغرق وسكنت الرياح حال دخوله للسفينة . ولم يزجرهم عند اقرارهم به انه ابن الله لكنه ثبت قولهم لانه شفى المرضى في بلد جناسر

 

عدد 34 : فلما عبروا جاءوا الى أرض جنيسارت ،

عدد 35 : فعرفه رجال ذلك المكان . فأرسلوا الى جميع تلك الكورة المحيطة وأحضروا اليه جميع المرض ،

فقد كان ابتعد عن أهل جنيسارت منذ زمن ومع ذلك فان ايمانهم لم ينقص بابتعاده عنهم لكنه ازداد حين شفى مرضاهم

 

عدد 36 : وطلبوا اليه ان يلمسوا هدب ثوبه فقط . فجميع الذين لمسوه نالوا الشفاء 

قد تعلم الناس ان يلمسوا طرف ثوبه من تلك المرأة فاعتقدت لشدة ايمانها انها تبرأ اذا لمست طرف ثوبه وتم ذلك فعلاً . فهكذا يجب علينا ان ندنو من جسد المسيح بإيمان ونشرب دمه لننال الشفاء . فمتى رأيت الكاهن يعمّد ويناول الجسد فاعلم اذ ذاك ان يمين السيد المسيح مبسوطة اليك