المسيح ينبئ بخراب الهيكل – علامات نهاية الزمان – الضيقة العظيمة – مجئ المسيح ثانية – تعلموا من شجرة التين – ذلك اليوم لا يعرفه أحد – مثل العبد الأمين
المسيح ينبئ بخراب الهيكل
عدد 1 : ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل ، فتقدم تلاميذه لكي يروه أبنية الهيكل .
لانه قال هوذا بيتكم يترك لكم خراباً فانزعج التلاميذ وتحيروا لانهم لم يتصوروا كيف يخرب مثل ذلك البناء المتين العجيب . لاجل ذلك تقدموا ليروه اياه لا لأنه لم يكن قد رآه قبلاً بل ليستدروا رحمته وشفقته على الهيكل والمدينة كي لا يسمح بخرابها كما أنبأهم .
عدد 2 : فقال لهم يسوع : “ أما تنظرون جميع هذه ؟ الحق اقول لكم : إنه لا يترك ههنا حجر على حجر إلا ينقض ! “ .
تمت هذه النبوة أولاً على يد أليسادريانوس القيصر الذي أخذ حجار اسوارها وطرحها في بحيرة سدوم وقطع حجاراً أخر وعمر اسوارها وسماها باسمه البوفوليس . ثم بعد ذلك هدمها يوليانوس الكافر وخربها . اما هذا فلكي يكذب قول المسيح ” انه لا يترك حجر على حجر الا ينقض ” أذن لليهود ان يبنوها ويعمروا الهيكل الذي خربه ادريانوس اما اليهود فبعد ان هدموا ما بقي من الهيكل لكي يثبتوا بنيانه كانوا كلما حفروا شيئاً نهاراً امتلأ ليلاً من دون يد انسان وما كفوا عن البناء حتى قدحت نار من اساسه واحرقت منهم كثيراً .
علامات نهاية الزمان
عدد 3 : وفيما هو جالس على جبل الزيتون ، تقدم اليه التلاميذ على انفراد قائلين : “ قل لنا متى يكون هذا؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر ؟”
ظن التلاميذ ان خراب المدينة والهيكل ومنتهى العالم كل ذلك يتم في وقت واحد لذلك سألوه . وقد تكلم المسيح من هنا أو هناك ( مت 24 : 23 ) عن خراب اورشليم الذي تم على يد اسبيسيانوس وتيطس ابنه . ولم يكشف لهم يوم مجيئه لا لأنه لم يكن يعلم بل لأن علمنا بذلك يؤذينا ولا يفيدنا اذ يورثنا التهاون واهمال الفضائل نظراً لطول الزمن . لاجل ذلك اقتضت حكمته تعالى اذ يحجب عنا يوم الموت ويوم انقضاء العالم .
عدد 4 : فاجاب يسوع : “ وقال لهم انظروا ! لا يضلكم احد .
حذرهم يسوع قبل ان يجيب سؤالهم من ان يخدعوا فأنبأهم بامور تظهر للناس انها من علامات مجيئه وهي ليست كذلك .
عدد 5 : فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين : أنا هو المسيح ! ويضلون كثيرين .
انبأهم بقيام كثيرين يخدعون الشعب بدعوى انهم مسحاء . وقال يوسيفوس المؤرخ اليهودي ان مزورين وسحرة جذبوا اليهم كثيرين الى البرية يعدونهم بالمعجزات فمنهم من جنّ ومنهم من عاقبهم فيلكس الوالي وكان من المزورين ذلك المصري الذي ذكر في سفر الاعمال ( 31 : 38 ) . وقال ايضاً انه امتلأت البلاد مسحاء كذبة وانه كل يوم يمسك اناس منهم ويقتلون .
عدد 6 : وسوف تسمعون بحروب واخبار حروب . انظروا ! لا ترتاعوا . لانه لا بدّ ان تكون هذه كلها ، ولكن ليس المنتهى بعد .
يشير هنا الى الحروب والفتن التي صارت في اماكن مختلفة ولانه قال لليهود انكم لا تروني حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب فظن الرسل ان العالم ينتهي بخراب المدينة ولذلك أزال المسيح عنهم هذا الظن بقوله لا يكون المنتهى اذ ذاك .
عدد 7 : لأنه تقوم امة على امة ومملكة على مملكة ، وتكون مجاعات واوبئة وزلازل في اماكن .
عدد 8 : ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع .
( امة على امة ) تم ذلك بان هاج خصام وقتل شديد بين اليهود والسامريين وبين اليهود ومن سكن معهم المدن من اليونانيين فقتلوا يونانيوا قيصرية عشرين ألفاً من اليهود . ومن الاوبئة وباء تفشى في رومية سنة 65 م مات به ثلاثون ألفاً . ومن المجاعات المجاعة التي تنبأ عنها اغابوس ( اع 11: 28 ) وحدثت سنة 49 م . ومن الزلازل زلزلة حدثت في كريت سنة 46 م وزلزلة في رومية حدثت سنة 51 وغير ذلك .
عدد 9 : حينئذٍ يسلمونكم الى ضيق ويقتلونكم ، وتكونون مبغضين من كل الامم لأجل اسمي .
تنبأ المسيح عن الاضطهادات والضيق الذي يكابده الرسل وقال لاجل اسمي أي لاعترافكم بي ونسبتكم الي ولسيركم سيرتي لا لأنهم يرون فيكم عيباً ولوماً في سيرتكم .
عدد 10 : وحينئذٍ يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضاً ويبغضون بعضهم بعضاً .
اي ان اليهود يشك بعضهم ببعض ويبغض احدهم الآخر.
عدد 11 : ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين .
عدد 12 : ولكثرة الاثم تبرد محبة الكثيرين .
مما يدل على تمام هذه النبوة بالانبياء الكذبة ما ياتي ( اع 2 : 30 ورو 16 : 17 و2 كو 11 : 13 وغل 1 : 7 وكو 2 : 17 واتي 6 و 2 تي 2 ك 118 ) وغير ذلك . فعبر عن هؤلاء الانبياء الكذبة في الآيات المذكورةبرسل كذبة واضداد المسيح وارواح مضلة .
عدد 13 : ولكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص
هنا يشدد عزائمهم لئلا يضعف ايمانهم بسبب الضيق ويعدهم بانهم اذا احتملوا الضيق بصبر يخلصون . وزاد لوقا ما يوافق هذا المعنى وهو قول المسيح ” ولكن شعرة من رؤسكم لا تهلك ” .
عدد 14 : ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الامم . ثم يأتي المنتهى .
شهادة لكل الامم اي توبيخاً وتعنيفاً من الشعوب الذين آمنوا بالكرازة لليهود الذين ما آمنوا . واعلن المسيح ان يبشر في كل المسكونة بالانجيل في مدة أربعين سنة بعد الصلب ثم يتم خراب أورشليم الذي عبر عنه بالمنتهى .
الضيقة العظيمة
عدد 15 : فمتى نظرتم “ رجسة الخراب “ التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس – ليفهم القارئ –
لان اليهود لما صرخوا في الفصح الذي فيه تألم المسيح ان ليس لنا ملك سوى قيصر فادخل بيلاطوس قائلاً لهم ان كان قولكم صدقاً فاسجدوا لهذه الصورة كسائر الامم الذين تحت حكم قيصر ومن أجل هذه الصورة التي يسميها رجاسة الخراب ابتدأ الاضطراب والسجن بينهم وما بطل حتى الى الحريق والخراب الاخير . وذهب البعض الى ان الذي أدخل الى الهيكل هو صورة نسر وغيرهم بل رأس خنزير . اما القديس افرام فيقول ان بيرقاً مصوراً في طير النسر قد علق برمح وأدخل الى الهيكل . وقال آخرون ان الذي أدخل الى الهيكل انما كان صنماً ولذلك يسميه رجاسة الخراب . وقوله متى رأيتم يشير الى ان كثيرين من المسيحيين يبقون أحياء الى ذلك الزمان الذي فيه يكون خراب أورشليم . وقوله ( ليفهم القارئ) اي ان خراب اورشليم قد قرب .
عدد 16 : فحينئذٍ ليهرب الذين في اليهودية الى الجبال ،
أي حين يحدث ما ذكر يعلم المسيحيون ان المنتهى قريب وانه اتى الوقت الذي يجب فيه ان يبادر الى الهرب .
عدد 17 : والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئاً ،
أي ان الضيق هكذا يكون شديداً حتى يهربوا عريانين . ثم ان نجاة حياة الانسان أهم من انقاذ أمتعته هذا علاوة على انها تثقلهم فتعيقهم عن الهرب اما القس ايسيذوروس ففسر ذلك روحياً أعني ان الذين في اليهودية أي خائفوا الله وصعودهم الى الجبال هو التجاؤهم الى العلى اما الذين هو على السطح أي ان الذي احقر العالميات وداسها فلا يتنزل اليها .
عدد 18 : والذي في الحقل فلا يرجع الى ورائه ليأخذ ثيابه .
أي ان الذي خلع الانسان العتيق لا يعد الى لبسه
عدد 19 : وويل للحبالى والمرضعات في تلك الايام !
( الحبالى ) لانهن لا يستطعن الهرب لانهن مثقلات بالحبل وكذلك المرضعات لانهن مثقلان بالرضع . اما روحانياً فيراد بالحبالى الانفس الحبالى بعقولهن الاعمال الفاضلة وما اتممن ذلك بالعمل ويراد بالمرضعات المعلمين الذين هم خلو من الاعمال الفاضلة فالتعليم لا يخلصهم من العذاب .
عدد 20 : وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء أو في سبت ،
( في شتاء ) لانه يصعب السفر في ذلك الفصل لتوحل الطرق وقصر النهار ولشدة البرد وغزارة المطر في الجبال . ولا في سبت لانه يصعب السفر في ذلك اليوم اما لتوبيخ الضمير لانهم حسبوا السفر فيه محرماً وبموجب الشريعة واما لانهم لا يقدرون ان يهربوا بامتعتهم من أبواب المدن فيه واما لان الشرط ان اليهود يمنعوهم عن السفر فيه . وروحانياً صلوا لئلا تخرجوا من هذا العالم خلواً من الاعمال الصالحة مثل الاشجار عديمة الاثمار في الشتاء . ولا في سبت اي لا تكونوا بطالين من عمل الفضيلة كعطلة اليهود في السبت . فيعلمنا ان نكون على الدوام عاملين اعمالاً صالحة .
عدد 21 : لانه يكون حينئذٍ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم الى الآن ولن يكون .
اوضح القديس لوقا ذلك الضيق اكثر مما اوضحه متى ( لو 21 : 24 و25 ) . قال يوسيفوس انه قتل من اليهود عند افتتاح المدينة ..1000000 واسر منهم 97000 وعذب كثيرون ثم قتلوا . وقتل في ضواحيها 250000 فبلغ كل القتلى 1447000 وقال ان الرومانيين صلبوا ممن اسروا من اليهود مدة الحصار خلقاً كثيراً حتى لم يبق مكان لنصب الصلبان ولم يجدوا صلباناً كافية لصلب كل اولئك الاسرى . وقال ان كثيرا من اليهود كانوا يبلعون حبوب الذهب الذي عندهم ويهربون الى الرومانيين وكانوا يستخرجون ذلك الذهب حين قضاء حاجتهم في البرية . اما الرومانيون والسريانيون فلما شعروا بذلك فكانوا يشقون بطونهم ويستخرجون الذهب من امعائهم وأهلكوا منهم ربوات لهذا السبت . وقال انه مات كثيرون في المدينة من شدة الجوع فاشتد بهم الجوع حتى أكلوا الاحذية وان بعض النساء قتلت اولادها واكلتهم . وقال لو قابلنا مصائب جميع الناس منذ الخليقة بما قاساه اليهود لوجدناه اعظم من جميعها . وزاد هول الحصار بان بدائته كانت في عيد الفصح وكان حينئذٍ على قول البعض ثلاثة آلاف الف في تلك المدينة ونقول ان ما اصابهم لهو اقل مما يستحقون لان لا في الزمان الماضي ولا في المستقبل تجاسر أحد جسارة هائلة مثلما تجاسر اليهود على صلب المسيح .
عدد 22 : ولو لم تقصر تلك الايام لم يخلص جسد . ولكن لاجل المختارين تقصر تلك الايام .
( تقصر) اي تجعل اقصر مما اعتادوه من محاصرة المدن لان الحصار ابتدأ من خمسة عشر نيسان اللى اليوم التاسع من شهر آب . ولا يقصد بالمختارين هنا الرسل لانهم كانوا قد خرجوا من اليهودية لكنه يقصد المؤمنين فمن بدء الاصحاح الى هنا تكلم عن خراب أورشليم اما من هنا فيتكلم عن الآخرة وعن المسيح الكذاب .
عدد 23 : حينئذٍ ان قال لكم احد : هو ذا المسيح هنا ! او : هناك فلا تصدقوا .
اي ان قرب مجيئي الثاني العلامة الاولى هي هذه فانهم يقولون جاء المسيح وها في المكان الفلاني هو وآخرون بل في مدينة كذا . ولكنني اوصيكم ان لا تصدقوا او تتبعوهم فتضلوا . ان لفظة حينئذٍ تقال بنوعين اما تابعة الزمان الذي قبلها او الزمان الذي حدث فيه الامر كما في هذا الموضع كقوله حينئذٍ تظهر علامة الابن
عدد 24 : لأنه سيقوم مسحاء كذبة وانبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب ، حتى يضلوا لو امكن المختارين أيضاً .
عدد 25 : ها أنا قد سبقت وأخبرتكم
هذه علامة ثانية ويشير الى انطيخريسطوس أي المسيح الكذاب وهذا هو شيطان فسيتخذ انساناً يهودياً ساحراً مختبراً كل حيل الشيطان فيدخل فيه ويضل الناس ويكون له آلة وبواسطته يعمل شروراً عظيمة كما دخل في البدء في الحية واغوى آدم . وقال آخرون ان المسيح الكذاب سوف يولد من رجل روماني وامرأة رومانية ويصير آلة لابليس اللعين وانه سيظهر قبل مجييء المسيح بزمن قليل في اواخر سلطة الرومانيين كقول الذهبي الفم فيطهر البرص ويفتح اعين العميان ويعمل عجائب آخر لا حقيقة لكن خيالاً وخداعاً وضلالة كما كان يفعل سيمون الساحر ( اع 8 : 9 – 11 ) وينيس ويمبريس ( 2 تي 3 : 8 ) وفي ذلك الزمان يقتل شهداء كثيرون لجهادهم ضد تعاليم الشيطان . ويضل كثيرين من اليهود والحنفاء فلانهم يخدعون بعجائب سحره . اما المسيحيون الحقيقيون فلا يتبعونه لان السيد المسيح ورسله الاطهار ولاسيما بولس الرسول فقد سبقوا وحذروهم منه . قال القديس يوحنا في رؤياه انه يدوم 42 شهراً اي ثلاث سنين ونصف ( رؤ 13 : 5 و 11 : 2 و 12 : 6 ) كما تنبأ عنه دانيال بقوله ” ويسلمون ليديه الى زمان وازمنة ونصف زمان ( دا 7 :25 ) وقال آخرون انه يدوم سنتين ونصف . وآخرون انه يدوم الى زمن غير معلوم لانه لا يريد ان ينتهي زمانه لكن الرب يبيده في مجيئه الثاني بروح فمه كقول بولس ( 2 تس 2 : 8 ) . وقد انبأ المسيح عن الواحد بصيغة الجمع كقول الرسول ان بعضهم شكوا ( مت 28 : 17 ) والحال ان توما وحده هو الذي شك ( يو 2 : 25 ) والمختارون هم المؤمنون االذين في ذلك الزمان .
عدد 26 : فان قالوا لكم : ها هو في البرية فلا تخرجوا . ها هو في المخادع ! فلا تصدقوا .
عدد 27 : لأنه كما ان البرق يخرج من المشارق ويظهر الى المغارب ، هكذا يكون أيضاً مجيء ابن الانسان .
هذه العلامة الثالثة . ليس كل برق يخرج من المشرق الى المغرب لان في كل مكان تبرق البروق الى انحاء مختلفة لكنه اراد ان يعرفنا سرعة حضوره وانه من المشرق سوف يظهر ويتراءى للكل . ثم لا يظن القاري ان مجيئه الثاني يكون كالاول لان الاول ظهر في مكان صغير واما الثاني فيكون بغتي ( زك 9 : 14 ) وفي كل المسكونة كالبرق الذي يضي في كل ناحية تحت السماء .
عدد 28 : لأنه حيثما تكون الجثة ، فهناك تجتمع النسور .
هذه العلامة الرابعة . فيسمي نفسه جثة والملائكة المحيطين به والقريبين اليه نسوراً كذلك النسور هم الشهداء والقديسين . وكما ان الجثة التي على وجه الصخرة تأتيها النسور من كل جانب لتقتات منها ، كذلك عندما يظهر المسيح على الارض فجميع القديسين يقومون قدامه ويلتفون حوله . وتشبيه الابرار والصالحين بالنسور لانهم اختاروا نصيباً مجيداً في السماويات . ثم ان القريب من هذا المسيح يجب ان يكون عالياً ومترفعاً كالنسر الذي يحلق في العلو وان لا يكون مشتبكاً في الدنايا الارضية لكنه على الدوام يهتم بما فوق ناظراً الى شمس البرارة . وقال القديس ساويرس ان لفظة حيث الجثة مثل معتاد وان في مجيئ المسيح الثاني سيرتفع جميع الذين عاشوا عيشة صالحة كمثل النسور الى الفردوس المكان الذي فيه صارت سقطة آدم وتجاوز الوصية .
مجئ المسيح ثانية
عدد 29 : وللوقت بعد ضيق تلك الايام تظلم الشمس ، والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء ، وقوات السموات تتزعزع .
اي على اثر الضيق الذي سوف يصير في ايام المسيح الكذاب . وزاد لوقا علامة خامسة وهي ” من عجيج البحر وجياشانه ” . والعلامة السادسة هي ان الشمس والقمر يظلمان في مجيئه الثاني لسببين الاول انهما سيخجلان من ظهوره كما يخجل نور السراج من ضوء الشمس . والثاني لاننا لم نحتج بعد اليهما لأن يفصلوا لنا اياماً وسنين وصيفاً وشتاء لانه حينئذٍ لا يكون ليل ( رؤ 22 : 5 ) . ثم ان الكواكب ستتساقط لانه ليس ليل بعد لتضيء علينا وان قيل ماذا يصير في الكواكب واين تبقى الشمس والقمر فليراجع تفسيرنا للعدد 35 من هذا الاصحاح . والعلامة السابعة هي تزعزع قوات السماء المراد بهم الملائكة لانهم سينظرون تغييراً في الخليقة .
عدد 30 : وحينئذٍ تظهر علامة ابن الانسان في السماء . وحينئذٍ تنوح جميع قبائل الارض ، ويبصرون ابن الانسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير .
علامة ابن البشر هي الصليب وانه سيظهر مضيئاً بل أشد ضياء من الشمس وهذا معلوم من ان الشمس والقمر سيظلمان وهو يضيء . ولسائل لماذا يظهر صليبه ؟ فالجواب انه لزيادة شرف الصليب واعتباره امام الله يخزي اليهود الذين صلبوه . ثم ان الصليب سوف يأتي مع المسيح الى بيت الكم والدين وهو العلامة الثامنة . والعلامة التاسعة هي نواح جميع قبائل الارض فان اليهود سينوحوا لانهم صلبوا الذي كان يجب ان يسجدوا له وكذلك الحنفاء سينوحوا لانهم ما آمنوا به والعلامة العاشرة هي روية المسيح آتياً على سحاب السماء . فكأنه يقول لا تظنوا اني آتي على الصليب لكن على سحاب السماء كما صعدت .
عدد 31 : فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت ، فيجمعون مختاريه من الرياح الاربع ، من أقصاء السموات الى أقصائها .
ان المسيح سيجمع مختاريه بواسطة الملائكة وذلك اكراماً لهم فتخطفهم السحب الخفيفة وتصعدهم الى السماء كقول بولس الرسول نحن الاحياء الباقين نختطف جميعاً معهم في السحب لنلاقي الرب ( اتس 16 : 4 ) ويرسل ملائكته ببوق لتعلم الخليقة ان الرب ظهر كما كان صوت البوق يدوي عندما ظهر على جبل سينا . ولسائل من اين تعرف الملائكة حتى تميز الصالحين من الطالحين ؟ فالجواب من اسوداد هيئة الطالحين وضياء هيئة الصالحين فالفرق عظيم بين الفريقين .
تعلموا من شجرة التين
عدد 32 : فمن شجرة التين تعلموا المثل . متى صار غصنها رخصاً وأخرجت اوراقها ، تعلمون ان الصيف قريب .
عدد 33 : هكذا انتم ايضاً ، متى رأيتم هذا كله فاعلموا انه قريب على الابواب .
لان التلاميذ كانوا يريدون معرفة يوم مجيئه وآخر الزمان مع انتهاء العالم فأتاهم بمثل التينة ليبين ان المنتهى ليس بعيد . والمعنى كما انكم اذا رأيتم أغصان التينة قد لانت وأخرجت اوراقاً تعلمون ان الصيف قد دنا كذلك متى رأيتم العلامات التي أخبرتكم عنها قد ابتدأت فاعلموا ان يوم مجيئي قريب وكما انه يستحيل ان لا تلين الاغصان وتنبت الاوراق كذلك يوم مجيئي يستحيل ان لا يكون .
عدد 34 : الحق أقول لكم : انه لا يمضي هذا الجبل حتى يكون هذا كله .
أراد بالجبل المؤمنين . فكأنه يقول ان الجوع لا يقدر عليهم والحرب والموت لا يفنيهم والمسحاء الكذبة لا تغويهم والانبياء الكذبة لا تخدعهم وانهم لايهلكون ولا يزولون حتى يكمل الكل وأنبأنا هنا ان عند مجيئه الثاني سوف يوجد مؤمنون كثيرون ويحتملون اضطهادات وضيقات كثيرة .
عدد 35 : السماء والارض تزولان ولكن كلامي لا يزول .
ذلك اليوم لا يعرفه أحد
عدد 36 : وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ، ولا ملائكة السموات ، الا ابي وحده .
ان المسيح له المجد لم يكشف لنا البعث والنشور ولا يوم موت كل واحد منّا لنكون مستيقظين في الفضيلة
عدد 37 : وكما كانت أيام نوح كذلك يكون مجيء ابن الانسان .
عدد 38 : لانه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون ، الى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك ،
عدد 39 : ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع ، كذلك يكون ايضاً مجيء ابن الانسان .
يتساءل البعض في انه كيف قال سابقاً ان قبل مجيئه تكون اهوال وشدائد وهنا يقول يدركهم مجيئه وهم في نعيم وفرح يأكلون ويشربون الخ ؟ فنجيب ان اللذة تكون للطالحين الذين قد فقدوا الشعور الادبي كقول الرسول ان فيما يقولون امناً وسلامة يدركهم المخلص وكما كان في ايام الطوفان فان الصالحين كانوا في ضيق واما الطالحين فلم يشعروا به . وهكذا في منتهى العالم يكون الصالحون في الشدائد والاحزان والطالحون في الملذات الجسدية بلذات الاثم .
عدد 40 : حينئذٍ يكون اثنان في الحقل ، يؤخذ الواحد ويترك الآخر .
اي اثنان يشتغلان في احدى الاراضي . وذكر لوقا عوض الحقل سريراً ويراد باصحاب السرير الاغنياء .
عدد 41 : اثنتان تطحنان على الرحى ، تؤخذ الواحدة وتترك الأخرى .
الحقل والرحى تذكرنا بما في عالمنا من المشقات حيث نعيش فيه بتعب كثير . والسرير يذكرنا بحالة الاغنياء الذين يعيشون في حالة البذخ والاسراف وتتشوق الى معيشتهم الفقراء والبائسين ولكن لا ننسى انه يوجد من الفريقين وارثين للملكوت ويوجد اغنياء وفقراء وارثين لجهنم . ثم نقول ان مجيء المسيح يكون ليلاً وذلك واضح من قول لوقا ” في تلك الليلة يكون اثنان على فراش واحد ( لو 17 : 34 ) . ثم نقول ان كنا في حقل او في سرير او في رحى او في اي عمل كان في يوم مجيء ربنا فيؤخذ كل من كان صالحاً الى الملكوت والاشرار يمكثون في الارض .
عدد 42 : اسهروا اذاً لانكم لا تعلمون في اية ساعة يأتي ربكم .
ليس المقصود هنا السهر عن النوم الطبيعي لكن من النوم الأدبي كالتهاون والتراخي والكسل في الامور الدينية .
عدد 43 : واعلموا هذا : انه لو عرف رب البيت في اي هزيع يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته ينقب .
كما ان رب البيت لو علم في اية ساعة يأتي السارق لينهب بيته لما تركه هكذا نحن فلو سبقنا علمنا يوم موتنا لتهاوننا بالفضيلة الى ساعة موتنا لذلك جعلنا ان لا نعلم يوم موتنا ويوم مجيء الرب .
عدد 44 : لذلك كونوا انتم ايضاً مستعددين ، لانه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الانسان .
أوضح هنا المسيح انه الرب وانه ياتي للدينونة ومراده ان يحث المتهاونين على ان يجتهدوا بعمل الفضائل .
مثل العبد الأمين
عدد 45 : فمن هو العبد الامين الحكيم الذي اقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام في حينه ؟
يستفهم المسيح عمن هو امين وحكيم اقيم رئيساً او ناظراً على خدمة العبيد رفقائه لان العبيد الامناء قليلون . واستفهامه هنا كاستفهام أبيه عن آدم بقوله ” يا آدم اين انت ” وعن هابيل بقوله لقائين ” اين هابيل أخوك ” ومراده ان يعرفهما ذنبهما وان الشر الذي فعلاه لم يخف عنه وكذلك سأل الابن عن لعازر ” اين وضعتموه ” ولبطرس ” اتحبني ” لا لانه لم يكن يعلم لكن لينبه المسؤلين . اما العبيد الامناء فهم الانبياء والرسل والمعلمين والاساقفة والكهنة والاغنياء والفقراء وسائر الذين أعطيت لهم أية موهبة كانت . وسمى العبد الامين عبداً لانه خليقته وأميناً لانه لا يخون ولا يطمر الموهبة التي اخذ . وسماه حكيماً لانه يعرف يدبر الامور بلياقة بلا خيانة . ويراد بأهل البيت البشر المناط به خدمتهم والموكل عليهم . وقال لوقا ليقيمه على خدمه 12:42 أي ليتعاطى بالموهبة التي اعطيت له لتقديم الطعام الروحاني للنفس الجائعة المحتاجة في حينه .
عدد 46 : طوبى لذلك العبد الذي اذا جاء سيده يجده يفعل هكذا !
أي طوبى للعبد الذي يجده يعول ويفيد نفسه وغيره بتلك الموهبة .
عدد 47 : الحق اقول لكم : انه يقيمه على جميع امواله .
أي يسر به ويلذذه في النعيم الابدي .
عدد 48 : ولكن ان قال ذلك العبد الرديء في قلبه : سيدي يبطيء في قدومه .
هذا العبد الرديء هو غير العبد الامين الحكيم الذي طوبه السيد . فسماه ردياً لفساد أخلاقه الشريرة والردية واذا قيل ان علة رداءة هذا العبد هي عدم معرفته ذلك اليوم فليعلم ان علة فساده ليس عدم معرفته ذلك اليوم لكن لان هو نفسه كان شريراً . والشاهد على ذلك ان العبد الحكيم كان انسان نظيره ولكنه لم يدخل عليه فكر ردي . وقوله ” سيدي يبطيء في قدومه ” أي انه يقول ان يوم الدينونة بعيد .
عدد 49 : فيبتدئ بضرب العبيد رفقاءه ويأكل ويشرب مع السكارى .
رفقاؤه هم تلاميذه او موعظيه الذين قد أقيم عليهم رئيساً . ومعنى يضرب اي انه ينجس ضمائرهم السليمة بافعاله النجسة . ويأكل ويشرب اي انه يبدد أيامه في الشراهة وبالسيرة البذخة .
عدد 50 : يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها ،
هذا الكلام مخيف وعدم معرفة الانسان ساعة موته افضل له لكي يتوب .
عدد 51 : فيقطعه ويجعل نصيبه مع المراءين ، هناك يكون البكاء وصرير الاسنان .
يقطعه اي يفرزه ويحرمه من التلذذ والتنعم في ملكوته ثم يفصل وينزع منه الروح القدس الذي ناله في المعمودية وفي الكهنوت . ثم يفصله عن مخالطة الصالحين . بل وبسيف الروح ينزع منه الكهنوت التي أخذ ثم ان مثل العبد الحكيم والوزنات يشير الى وجوب المساعددة لاخوتنا حسب الممكن . اما مثل العشر عذارى فينبهنا الى استعمال الرفق والرحمة والصدقة . وقد وضعه المسيح على الذين يقتنون تدابيراً صالحة ولكنهم خالون من الرحمة .