تفسير انجيل متى الاصحاح السابع عشر

Posted by on Aug 17, 2012 in Library, -الدر الفريد في تفسير العهد الجديد ـ تفسير انجيل متى - مار ديونيسيوس ابن الصليبي | Comments Off on تفسير انجيل متى الاصحاح السابع عشر

التجلي – يسوع يشفي صبيا فيه شيطان – يسوع يدفع ضريبة الهيكل

 

التجلي

 

عدد 1 : وبعد ستة أيام اخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا اخاه وصعد بهم الى جبل عال منفردين .

 

لوقا البشير يقول بعد ثمانية أيام . ولا يعد هذا خلافاً بين المشيرين لان متى ترك اليوم الذي قيلت فيه تلك الكلمة واليوم الذي صعدوا فيه الى الجبل . أما لوقا فأدخل اليومين في الحساب . وقد انتقى اولئك الثلاثة من بين التلاميذ ليشهدوا مجده لانهم كانوا اشرفهم واكثرهم غيرة وايماناً . فأخذ بطرس لانه كان اشدهم غيرة واكثرهم اقداماً . ويوحنا لانه كان احبهم اليه . ويعقوب لانه قال نستطيع ان نشرب الكأس وذلك مما يدل على قسوته على اليهود حتى أراد هيرودس مرة ان يقتله تزلفاً الى اليهود . فما احسن اخلاص متى فانه لم يغفل ذكر الذين اكرموا من دونه لانه كان لا يعرف الحسد . وقد اكتفى المسيح باولئك الثلاثة لانه مكتوب على فم شاهدين او ثلاثة تثبت كل كلمة . ثم ان المسيح أظهر نفسه على الجبل مثلما هو مزمع ان يظهر في مجيئه الثاني . ولم يظهر مجده في بقعة او بيت معلماً كما قال القديس تاولوغوس ان كل الذين يستحقون القرب من الله يجب عليهم ان يتطهروا فيبلغوا الى علو الفضيلة لكي يكونوا اهلاً لمنادمة الله . ولم يظهر نفسه في بداية البشارة على الصورة التي هي مزمع ان يأتي بها في مجيئه الثاني لكي لا يخامرهم الشك في الوهيته اذا رأوه يتألم لاجل ذلك أظهر مجده قبل ان يتألم بأيام قليلة . قال القديس ساويرس انه تعالى لم يتغير شكل جسده بل لونه تغير فصار نيراً بالمجد الباهر حتى ان التلاميذ انبهروا فلم يستطيعوا النظر اليه فسقطوا على وجوههم . وقوله تغير معناه انه شاء ان يظهر بهاء مجده فسطعت انواره واشرقت فبهر بريقها اعين الرسل . فالتغير وقع على الهيئة النظورة لا على رسم جوهره ويختلف هذا التغير عن تغير موسى فان موسى قد لحق التغير وجه فأنار واما المسيح فكله نور على نور .

عدد 2 : وتغيرت هيئته قدامهم ، واضاء وجهه كالشمس ، وصارت ثيابه بيضاء كالنور .

 

لم يستطع متى ان يشبه ذلك النور الساطع باعظم من نور الشمس مع كونه اسمى واسطع . ثم ان ذلك النور كشف الحجب عن اعينهم ليروا بهاءه الذي هو مجد الآب عينه وقد تشعشع من الابن لانهما واحد في الجوهر .

 

عدد 3 : واذا موسى وايليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه .

 

ذلك لكي ينفي عن التلاميذ الوهم الذي كان سائداً عند الناس انه ايليا او ارميا او واحد من الانبياء على ان موسى وايليا لم يظهرا بجسدهما بل كان ظهورهما كشفاً كما اظهر الروح للانبياء وادنى اليهم ما كان بعيداً وأجلى أمام اعينهم ما كان خفياً . وأتى برئيسي العتيقة ليعلم التلاميذ انه رب الاحياء والاموات فموسى من الموتى وايليا من الاحياء . وان الموتى عند ظهوره يقومون والاحياء المتأخرين يتجددون دون ان يذوقوا الموت . ثم ان موسى من المتزوجين وايليا من البتولين . وجعلا يخاطبانه عن خروجه الذي كان مزمعاً ان يتم في اورشليم وعن آلامه وعن موته فعرفهما التلاميذ من كلامهما مع كونهم كانوا مستغرقين في النوم وذاك ناشئ عن فعل الروح القدس ورمز الى سريان المعرفة في الآخرة في قلوب المؤمنين اجمعينز ولعل كلاً منهما كان يتكلم عما عمل ويسرد ما جرى في زمانه . وقال القديس يعقوب السروجي ان موسى كان يطلب من المسيح ان يمكث على الارض حتى يتوب جميع الخطأة . وايليا كان يسأله النزول الى الموتى من اجل الانفس التي كانت في حبوس الجحيم . وقال أيضاً انه تعالى أتى بموسى وايليا لاتحاد العتيقة والحديثة .

 

عدد 4 : فجعل بطرس يقول ليسوع : “ يا رب جيد ان نكون ههنا ! فان شئت نصنع هنا ثلاث مظال : لك واحدة ، ولموسى واحدة ، ولايليا واحدة “ .

 

ان سمعان لما سمع موسى وايليا يضرعان اليه ان يتألم ليخلص آدم خاف ومن خوفه طلب اليه ان يجلسوا في الجبل . لانه ان ذهب الى اورشليم ألبوا عليه وصلبوه وأذاقوه الآلام واما اذا بقوا في الجبل فهناك الهدوء والسلام . وهنا نرى ان بطرس قد اظهر الغيرة على معلمه فلم يكن يطلب من جل نفسه وان كان غير مصيب في طلبته كما يتضح ذلك من اجابته للمسيح حين تكلم عن الآلام حيث قال ” اني أضع نفسي عوضك . ولم يقل نضع ” بصيغة الامر بل تأدب فقال باتضاع ” ان شئت ” لئلا ينتهره كما سبق حين قال ” حاشى لك ” . ومن الغريب ان بطرس الذي كان قد اعترف به قبل ذلك بانه المسيح ابن الله قد حسبه الآن كبعض خلائفه أي عبيده لان اعترافه الاول كان بالهام الروح القدس . ولكنه ما سمع ذكر الآلام حتى تشوش ذهنه وخصوصاً عندما راى موسى وايليا يترائيان مع المسيح فحسبهم متساوين في المنزلة ولذلك يقول الانجيليون الاخرون ” انه لم يكن يدري ما يقول لما كان بهم من الرعب ” وكما تعشو العيون من اشعة الشمس الساطعة هكذا حصل للرسل فاستغرقوا في النوم مع ان الوقت لم يكن ليلاً . على ان البعض يذهبون الى ان التجلي كان ليلاً .

 

عدد 5 : وفيما هو يتكلم اذا سحابة نيرة ظللتهم ، وصوت من السحابة قائلاً : “ هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت . له اسمعوا “ .

 

قد اعتاد له المجد ان يتكلم من وسط السحاب اظهاراً لمجده . فتجد آياتاً كثيرة في هذا الصدد كقوله السحب والضباب حوله . ووضع على السحاب مركبته وراكب على السحاب الخفيفة ويدخل مصر . وابن البشر سوف ياتي على السحاب . ولم يكن الصوت لاجل موسى وايليا بل من اجل يسوع لان التلاميذ رفعوا اعينهم فلم يروا الا يسوع وحده . أما موسى وايليا فكانا قد ارتفعا ( به سررت ) أي ترتاح اليه نفسي لانه مساوٍ لي في الجوهر . وقوله ” له اسمعوا ” أي وان يكن المسيح مزمعاً ان يتالم ويصلب فمن حيث انه ابني موضوع مسرتي فعليك يا سمعان انت ورفقاؤك ان تسمعوا لقوله بلا مشاحنة .

عدد 6 : ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جداً .

 

لانهم كانوا في جبل منفرد بعيداً عن الناس فلما رأوا تلك السحابة المنلرة وسمعوا ذلك

الصوت دهشوا أكثر مما دهشوا حين سمعوه في الاردن .

 

عدد 7 : فجاء يسوع ولمسهم وقال : “ قوموا ولا تخافو” ا .

 

شجعهم لئلا يتمكن منهم الخوف فينسوا ما قد نظروا .

عدد 8 : فرفعوا اعينهم ولم يروا احداً الا يسوع وحده .

 

عدد 9 : وفيما هم نازلون من الجبل اوصاهم يسوع قائلاً : “ لا تعلموا احداً بما رأيتم حتى يقوم ابن الانسان من الاموات “ .

 

لان العظائم التي كانت تروى عنه في ذلك الزمان كان يعسر قبوله عند كثيرين لان الصليب كان عثرة شكوك . فما قال لهم ان يسكتوا سكوتاً ابدياً بل الى حين ان يقوم من بين الاموات . وسبب هذه الرؤيا انه كان سبق واخبرهم عن آلامه وموته لانها كانت قريبة الحدوث . أما مجده العتيد فكان زمنه بعيداً . فأراد ان يريهم شيئاً منه لاجل تعزيتهم . أما راي المعلمين عن موسى وايليا . فالقديسون ساويرس ويعقوب السروجي ويعقوب الرهاوي يقولون ان ايليا نزل بالجسد الى الجبل لانه لا يزال حياً . اما عن موسى فما قالوا شيئاً . نعم قال القديس ساويرس ان ربما نفسه قد تمثلت بهيئة شخص كما كان الملائكة يتراؤن للانبياء في زي الرجال وهكذا قال يعقوب الرهاوي وافريقيانوس ان نفس موسى تشبهت وترآءت مثل جسده . وقال الاسقف انطياخوس ويعقوب السروجي ان موسى قد قام حقاً بعد ان بلي وجاء الى الجبل بأمر سيدنا . ويتضح من استغراقهم في سنة النوم ان الوقت كان ليلاً كما اعتاد سيدنا كلما صعد الى الجبل ليصلي . ويلاحظ هنا ان العالم بالليل خلق والمسيح بالليل ولد وبالليل قام من القبر وبالليل سوف يأتي في مجده . وفي قول لوقا ” ان بطرس والذين معه قد أخذهم ثقل النوم ” اشارة الى سر الموت والسحابة التي ظللتهم اشارة الى الغمام الذي فيه سوف يخطف الابرار . وفي دخول موسى وايليا في السحابة اشارة الى ان الصديقين سيدخلون هكذا الى السماء والصوت المسموع كناية عن دعوة مخلصنا للموتى هلموا خارجاً . ولا بد ان التلاميذ حين رفعوا أعينهم ولم يروا احداً سوى المسيح وحده لاموا انفسهم لانهم حسبوا المسيح في عداد العبيد فطلبوا ان يصنعوا ثلاث مظال بقدر عددهم .

عدد 10 : وسأله تلاميذه قائلين : “ فلماذا يقول الكتبة : ان ايليا ينبغي ان يأتي اولاً ؟ “ .

 

ليس من الكتب كان يعرف التلاميذ ان ايليا ينبغي ان ياتي اولاً . لكنهم سمعوا ذلك من الكتبة . أما الكتب فتنبئ عن مجيئين . المجيء الاول يسبقه يوحنا والثاني ايليا . والمجيئان مذكوران في ملاخي النبي حيث يقول عن المجيء الاول  ” ها انا مرسل ملاكي امام وجهك ” وعن الثاني ” هو ذا ارسل لكم ايليا التشبي ” أما الكتبة فكانوا يقبلون النبوتين ولكنهم كانوا يسكتون عن الاولى ويذكرون الثانية قائلين للشعب ان كان المسيح هو هذا فأين ايليا الذي انبأنا الكتاب انه يسبق المسيح .

عدد 11 : فاجاب يسوع وقال لهم : “ ان ايليا يأتي اولاً ويرد كل شيء .

 

أي ليرد قلوب الآباء على البنين أعني ليرد اليهود لتعليم الرسل . ثم ان ايليا سوف يأتي ليعد كل شيء ويرد الكثيرين عن ضلالهم قبل ان آتي وأضرب الارض ضربة الهلاك أي قبل ان يفاجئهم الهلاك .

 عدد 12 : ولكني أقول لكم : ان ايليا قد جاء ولم يعرفوه ، بل عملوا به كل ما أرادوا . كذلك ابن الانسان أيضاً سوف يتألم منهم “ .

 

فسمى يوحنا باسم ايليا لانه كان يكمل خدمته . فروحهما واحدة وخدمتهما واحدة . وقوله ” صنعوا به كل ما أرادوا ” أي انهم طرحوه في السجن وشيموه وقتلوه وأتوا برأسه على طبق . وبقوله ” هكذا ابن البشر مزمع ان يتألم منهم ” وجه التفاهم الى آلام يوحنا عساهم ان يتشجعوا حين يشاهدون آلامه .

 

عدد 13 : حينئذ فهم التلاميذ انه قال لهم عن يوحنا المعمدان .

 

فهموا من قوله لهم ان ايليا قد جاء انه قال عن يوحنا لانهم صاروا يصغون جيداً لما كان يقول . ولكنهم لم يسألوه متى يأتي ايليا لانهم كانوا في ضيقة جل آلامه .

 

يسوع يشفي صبيا فيه شيطان

 

عدد 14 : ولما جاءوا الى الجمع تقدم اليه رجل جاثياً له .

 

عدد 15 : وقائلاً : “ يا سيد ، ارحم ابني فانه يصرع ويتألم شديداً ، ويقع كثيراً في النار وكثيراً في الماء .

 

يسمي اليونان هذا الشيطان قمرياً والسريان ابن الاسطحة لان في الازمنة القديمة كثيراً من المجانين قد طرحهم هذا الشيطان من الاسطحة وقتلهم . اما نحن فنقول انه شيطان ويعمل عمله الشرير في رؤوس الاهلة اوآخرها لكي يظن الكثيرون ان الهلال هو العامل فيجدفون كما يفعل الشياطين على أيدي السحرة فكأن الانفس كانت تنقلب الى شياطين وبهذا الزعم يقتل السحرة الاطفال حتى تصير أنفسهم خاضعة لهم . وقال القديس ساويرس ان الشياطين تدخل في انفس المنجمين الذين يعرفون حساب المولد فيزعمون ان ذلك الفعل الشرير فعل بعض الكواكب . ويفعل الشياطين فعلهم الشرير عند استهلال القمر وامحاقه لكي يوقعوا المنجمين في وهدة والقلق بهذا الحساب الكاذب . وزعم الاطباء انه مرض ينشأ عن الرطوبة فمتى زادت رطوبة الجسد اعتراه المرض ولذلك تقع التجارب بذلك المرض على الاطفال الصغار حتى اذا ما خرجت الرطوبة شفوا منه . ويقولون أيضاً ان مرض الرطوبة هذا يزداد تحركه في الناس في دائرة ضوء القمر . والذي يعتريه ذلك المرض في زمن الشبيبة بالجهد يشفى . وذهب غيرهم من الاطباء ان هذا المرض ينشأ عن عوارض الاخلاط اي الامزجة ويكون محبوساً في عروق القلب الذي تصعد الى المخ الذي هو موضع المخيلة وما دام مستقراً في الاسفل فلا ضرر منه . ولكنه متى صعد الى الرأس خيم على العينين فيتخيل لذلك الانسان انه واقف على السطح وقدامه شيطان ففي الحال يقع ويرتعش ويرغو ويزبد . اما نحن فنقول كما قلنا سابقاً حسب نص الانجيل انه شيطان . ولولا رحمة الله لكان ذلك الشاب قد هلك .

 

عدد 16 : وأحضرته الى تلاميذك فلم يقدروا ان يشفوه “ .

 

  يشير الى الزمان الذي ارسلهم الى اليهود . وقد اظهر الرجل حماقته في شكايته التلاميذ وتنديده عليهم امام الجمع لانهم لم يستطيعوا شفاءه .

 

عدد 17 : فأجاب يسوع : “ وقال ايها الجيل الغير المؤمن ، الملتوي ، الى متى أكون معكم ؟ وحتى متى احتملكم ؟ قدموه اليّ ههنا  ! “

 

لم يلم المسيح التلاميذ امام الشعب لعدم امانة الرجل . وهنا نتعلم ان الحصول على الشفاء من المسيح ممكن من الايمان قلوب الذين يقربونه . كما فعل اليشع النبي باحيائه الجسد المائت وذلك لان قوة الشافي كانت كافية . واحياناً ينظر الله الى ايمان المريض نفسه فيشفيه بسبب ايمانه كما جرى في بيت قورنيلوس فانه لسبب ايمانه أخذ نعمة الروح القدس

( مر 9 : 22 ) فقال له يسوع ان استطعت انت ان تؤمن فكل شيء ممكن للمؤمن

اي ان لي القدرة واريد شفاءك فان آمنت شفيت بايمانك ابنك وآخرين

( لو 9 : 42 ) وفيما هو يدنو صرعه الشيطان وخبطه

ان جسارة الشيطان في حضرة سيدنا هو لتخلي المسيح عنه حين صرعه ليظن الشيطان ان المسيح ايضاً غير قادر على شفائه ولكي يظهر فظائع الشياطين امام الجمهور ويوبخ والد الشاب على عددم ايمانه . فيتخلى المسيح عن شيطان واحد قد ثبت ضد الرسل واقام في الناس برهاناً محسوساً لادحاض كل ما سيقال ضده من المفتريات لانه اذا كان آخرون يخرجون الشياطين باسمه كما سبق الرسل اذ قالوا لسيدنا ” اننا راينا واحداً يخرج الشياطين باسمك ” فمعناه فمن باب اولى ان لا يعصى على المسيح شيء .

 

عدد 18 : فانتهره يسوع ، فخرج منه الشيطان . فشفي الغلام من تلك الساعة .

 

لم يستعمل الصلاة واسطة في اخراج الشيطان كما يفعل غيره لكن الانتهار لأنه إله قدير .

 

عدد 19 : ثم تقدم التلاميذ الى يسوع على انفراد وقالوا : “ لماذا لم نقدر نحن ان نخرجه ؟ “

 

خشوا ان تكون قد زالت عنهم منحة الروح القدس فسألوه ولكن ليس امام الجمع .

 

عدد 20 : فقال لهم يسوع : “ لعدم ايمانكم ، فالحق أقول لكم : لو كان لكم ايمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل : انتقل من هنا الى هناك فينتقل ، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم .

 

أي ان الامانة التي بها تفعل العجائب . وليلاحظ ان ابا الشاب ظن انه غير محتاج الا لشفاء ابنه ولكن المسيح رأى انه محتاج لشيء آخر وهو التوبيخ لعدم ايمانه ولذلك اعجز التلاميذ عن شفائه حتى يلتجي اليه فيصلح قلبه ويقوي ايمانه فكما ان حبة الخردل صغيرة الحجم قوية المفعول كذلك قليل من الامانة المستقيمة قوي المفعول في عمل المعجزات وكما ان حبة الخردل لا تنقسم الى قسمين كذلك أنتم لا تنقسمون على ما في ايديكم . فما اعظم هذا الإيمان لصاحبه ولمن ينتفعون بعمل الآيات . وربما ظهر قول المسيح هذا ” لكنتم لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من ههنا الخ ” غريباً لدى قليلي الإيمان ولكن كثيراً من القديسين بايمانهم الفعّال نقلوا الجبال حقيقة كما فعل مرقس الترمقي . على ان المسيح لم يحتم عليهم بنقل الجبال بلا موجب وانما أراهم ان ذلك الإيمان قدير حتى على نقل الجبال فان ارادوا نقلوا وان لم يكونوا قد نقلوا فلأنهم ما أرادوا لعددم اقتضاء الحال . ولعل كثيراً من القديسين الذين نقلوا الجبال لم تدونت لهم تلك الحوادث . ثم ان المسيح يسمي الشيطان أيضاً جبلاً كقول زكريا ” ماذا تكون انت ايها الجبل العظيم قدام زور بابل ” وكقول حزقيال ” ها انا ضدك ايها الجبل الخراب وكما ان الشياطين مثلوا بالحيات والعقارب لسبب غدرهم وشرورهم هكذا مثلوا بالجبال لسبب كبريائهم ” ..

 

عدد 21 : وأما هذا الجنس فلا يخرج الا بالصلاة والصوم “ .

 

يعني بالجنس هنا جنس الشياطين على اختلاف انواعها لا النوع القمري وحده . وللصلاة والصوم قوة عظيمة لا يسـتهان بها لانها تجعل الجسماني روحانياً والجسداني ملائكياً . وقد فرض الصوم على الجسد والصلاة على النفس فيقتضي ان يكون المستشفي وهم مجردون من الفضيلة وفي الازمنة القديمة كان الاساقفة يختارون رجالاً اعفاء وفضلاء ويمنحونهم السلطان بواسطة الصلاة ليطردوا الشياطين من المجربين وكانوا يسمونهم المقسمين وتذكارهم وارد في قوانين البيعة . اما اليوم فقد بطلت هذه العادة لقلة ايماننا وفضائلنا .

 

عدد 22 : وفيما هم يترددون في الجليل قال لهم يسوع : “ ابن الانسان سوف يسلم الى ايدي الناس 

 

عدد 23 : فيقتلونه ، وفي اليوم الثالث يقوم “ . فحزنوا جداً .

 

أي انهم كانوا يكثرون من التجوال في الجليل . ولكي لا يقولوا لماذا لا نذهب الى اورشليم ذكر آلامه لكي لا يقصدوا الذهاب اليها . ولما قال لهم الى ثلاثة أيام أقوم لم يفهموا مراده ولكنهم حزنوا جداً .

 

يسوع يدفع ضريبة الهيكل

 

عدد 24 : ولما جاءوا الى كفرناحوم تقدم الذين يأخذون الدرهمين الى بطرس وقالوا : “ أما يوفي معلمكم الدرهمين  ؟ “ .

 

كانت جباية الدرهمين تجري في كل مدينة واصل وضعها انه لما قتل الله أبكار المصريين قال للعبرانيين ان ليكن ابكاركم لي عوض أبكار المصريين الذين قتلهم . فلما احصوا أبكار العبرانيين أي أبكار الاحد عشر سبطاً كان عدددهم 22,237 بكراً فأمر فأحصوا بني لاوي من الذكور كباراً وصغاراً مع الابكار من ابن سنة فما فوق فاذا هم 22000 فنقصوا عن العددد المطلوب 237 عبرانياً ولذلك فرض على أبكار الاحد عشر سبطاً ان يؤدي كل فرد منهم درهمين في السنة فدية عن العدد الناقص لان الله قد اتخذ سبط لاوي عوض أبكار المصريين . ولما جاءوا الى كفرناحوم طلبوا من المسيح تلك الضريبة لانهم كانوا يظنونه من تلك البلدة وقالوا لبطرس لانه كان أكبر التلاميذ سناً . فسألوه بروح السكينة والسلام ” أما يؤدي معلمكم الدرهمين ” لانهم أكرموه من أجل العجائب التي صنعها لذلك لم يطلبوا منه . فقديماً كان كل واحد من بكار العبرانيين يعطي اربعة دراهم اكراماً لله وللهيكل ولكن بعد ان خضعوا للرومانيين وافتقروا لم يعد في وسعهم الا ان يعطي كل واحد درهمين لرئيس الكهنة وهي الجزية التي سألوا بطرس ما اذا كان معلمك يؤديها كأنه انسان خائف الله خاضع للشريعة كسائر الناس . فأجابهم بطرس هو غير عارف بلاهوته نعم .

 عدد 25 : قال : “ بلى “ فلما دخل البيت سبقه يسوع قائلاً : “ ما تظن يا سمعان ؟ ممن يأخذ ملوك الارض الجباية أو الجزية ، أمن بنيهم أم من الاجانب ؟ “ 

 

فقال أي نعم يعطي ولكنه لم يخبر معلمه بذلك ولما دخل البيت سبقه يسوع كعارف الخفايا وقال ممن يأخذون ملوك الارض الخراج أي انهم يأخذونها من رعيتهم فأنا حر من ادائها لاني ابن الملك السماوي لا الارضي وبهذا ابان انه ابن الآب ازلياً ولو انه تجسد لفداء البشر .

 

عدد 26 : قال له بطرس : “ من الاجانب “ . قال له يسوع : “ فاذاً البنون احرار .

 

أي ان الله لم يفرض على ابنه الجزية لان سلطانهما واحد . ولكن لئلا نشكك ضعفهم لانهم غير عارفين بالوهيتي ولكي لا يظن ي اني اضع ناموساً آخر فيستخفون بالذي قد ميزه الله ولئلا ابطل الناموس الذي يأمر ان يؤدي كل بكر الدرهمين . امضِ الى البحر .

 

عدد 27 : ولكن لئلا نعثرهم ، اذهب الى البحر وألق صنارة ، والسمكة التي تطلع اولاً خذها ، ومتى فتحت فاها تجد استاراً ، فخذه وأعطهم عني وعنك “ .

 

ليثبت انه خالق البـر والبحر وله السلطان على كل ما فيهما . ” استاراً ” اي اربعة دراهم . ورب سائلٍ من اين للحوت هذا الاستار ؟ قال قوم ان السفن التي تغرق في البحر قد لا تخلو من دراهم ودنانير تبتلعها الحيتان وان قوت الحيتان ليس الدراهم والدنانير فقط بل حجارة أيضاً تزدرها ومهما اكلت هضمت . وقال غيرهم ان في ذلك الوقت قد خلق الاستار من لا شيء وقال آخرون ان ذلك الاستار كان متموغاً بصورة الملك وقد غرق في البحر في وقت من الاوقات فبلعه الحوت وحفظه الى ذلك الزمان . ومن قول المسيح له المجد “ عني وعنك “ يتضح ان بطرس أيضاً كان بكراً أما مرقس فلم يورد هذه الحكاية لانه كان يرى معلمه لا يحب الافتخار فاقتصر عللى ايراد حادثة انكار بطرس لسيدة تماماً . ولنا في هذه الآية معنى روحي فالبحر رمز عن العالم وسمعان عن الكاهن الذي يصيد الناس ويأتي بهم الى الحياة والشص رمز الى الكرازة التي القيت في العالم . والحوت الملقى في الماء يشير الى جنس البشر المطروح في رطوبة الخطيئة . والاستار اي الاربعة دراهم كناية عن الامانة التي بشر بها الاربعة البشيرون في الاربعة أقطار عني وعنك أي عن شعب اليهود والامم . ثم ان السمك يرمز الى البيعة التي صعدت بشص التعليم من العالم بحر الخطيئة . والدرهمين اللذين وزنهما خمس حبات يشيران الى جنسنا البكر قد ضل بالخمس الحواس اي بالنظر والسمع والشم والذوق واللمس . فيجب ان نقدس ذواتنا لله أي حواسنا بالتعليم الممثل بالفضة . والدرهمين الذبن أعطاهما هم رمز الى نفسه وجسده اللذين قدمها كفارة عن كل البشر . ثم ان بطرس فتح فاه الحوت فوجد الاستار في فمه لانه لم يبتلعه بل حمله بأمر الله متعبداً لخالقه جل جلاله .