تسليم يسوع الى بيلاطس – انتحار يهوذا – بيلاطس يسأل يسوع – الحكم على يسوع بالموت – الجنود يستهزأون بيسوع –
يسوع على الصليب – يسوع يسلم الروح – دفن جثمان يسوع – حراسة القبر
تسليم يسوع الى بيلاطس
عدد 1 : ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه ،
عدد 2 : فاوثقوه ومضوا به ودفعوه الى بيلاطس البنطي الوالي .
تشاور رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على قتل يسوع خيفة ان يحدث سجس في الشعب كما جرى في أزمنة أخرى . ولم يعلموا ان المسيح بارادته أسلم نفسه اليهم . وأوثقوا يديه الى خلفه واخذوه الى بيلاطس لان حكمهم كان قد بطل ثم ليبينوا انهم لا يقتلونه بموجب حكمهم ولا بسبب ضجيج الشعب وهيجانه بل بموجب الناموس الموسوي او بالحري كعاص على قيصر ومفتن.
انتحار يهوذا
عدد 3 : حينئذٍ لما رأى يهوذا الذي أسلمه انه قد دين ، ندم ورد الثلاثين من الفضة الى رؤساء الكهنة والشيوخ
لو قضي على سيدنا بموجب الحق لفرح يهوذا وما تندم أو اعترف بانه قد قد أسلم دماً زكياً لكن لان الكهنة قضوا عليه بالنفاق لذلك تندم وقال ما قال . ثم ان يهوذا لم يندم الا بعد ان اتم شره وخطيئته وهكذا يفعل ابليس اللعين بالذين يصغون اليه فانه لا يدعهم ان يرون شرهم حتى يكلموه . لسائل لماذا لم تقبل ندامة يهوذا فان الانجيلي يقول انه ندم ؟ الجواب ان ندامته كانت طبيعية كاذبة وغير كاملة وليست بارادته الحرة بل من خوفه ان يهلك كالسادوميين او كداثان وابيرام لانه اسلم دماً زكياً . وخنقه نفسه كان من فعل ابليس الساكن فيه . ويرتأي بعضهم ان توبته لم تقبل لانه لم يؤمن ان المسيح يتألم بمشيئته بل مرغماً وانه لو آمن ان المسيح يتألم بارادته لرجع مثل سمعان وقبلت توبته ولما خنق نفسه . ويراد بالثلاثين من الفضة ثلاثين ذهباً.
عدد 4 : قائلاً : اني قد أخطأت اذ سلمت دماً بريئاً “ . فقالوا : “ ماذا علينا ؟ انت ابصر ! “ .
ارغم يهوذا على هذا المقال امام الرؤساء الكهنة والشيوخ بالهام من الله لكي لا يظنوا انه رأى شيئاً رديئاً في المسيح فأسلمه . وبقولهم ( ماذا علينا انت ابصر ) جعلوا الذنب كله على يهوذا وبرروا انفسهم من النفاق والحال انهم لو لم يريدوا ما صلب المسيح.
عدد 5 : فطرح الفضة في الهيكل وانصرف ، ثم مضى وخنق نفسه .
يظهر انه تخاصم معهم كثيراً ليأخذوا الفضة فما أخذوها فغضب وطرحها في الهيكل ومضى فخنق نفسه كما قال متى اما لوقا فكتب في اللابركسيس انه انشق من وسطه فانسكبت احشاؤه كلها . والقولان صحيحان الخنق وسكب الاحشاء . وكل من الانجيليين اخبر عن حادثة . فحادثة الخنق هي انه بعد ما طرح الفضة في الهيكل مضى ووضع الحبل في عنقه عند غاب يقال له غاب القصب واتفق عبور اناس مجتازين فرأوه معلقاً قبلما يختنق فحلوه . وزعم بعضهم ان الحبل انقطع به وبقي حياً وبعد مدة قليلة مرض وتورم حتى لم تستطع العجلة ان تحمله وان رأسه انتفخ واجفان عينيه تورمت ودودت ونتنت . وقال افيفانيوس انه عاش أربعين يوماً بعد الصليب وانه انشق من وسطه فانسكبت احشاؤه . وقال آخرون انه مات في تلك الحالة وما دفنوه لان من كان يخنق نفسه لم يكونوا يدفنونه . ولما نتن واكره بني القرية اضطروا هؤلاء ان يخرجوه من القرية في سريره واذ رفعوه سقط وانشق من وسطه الخ . وبعد دفنه كانت رائحة النتنة تصعد من بيته فتضرع بأهل قريته فهدموا بيته واستأصلوه من الاساس واخرجوا التراب والحجارة من هناك وكمل فيه ما كتبه لوقا في كتاب الابركسيس ( لتصر دارهم خراباً ولا يكون فيها ساكن اع 1:20 ).
عدد 6 : فاخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا : “ لا يحل ان نلقيها في الخزنة لانها ثمن دم” .
بقولهم ( انها ثمن دم ) أعلنوا انهم اشتروا دمه بثمن لكي يقتلوه وانه لم يكن مذنباًَ.
عدد 7 : فتشاوروا وابتاعوا حقل الفخاري مقبرة للغرباء .
عدد 8 : لذلك سمّي ذلك الحقل “ حقل الدم ” الى هذا اليوم .
أرادوا ان يخفوا شر القتل باسم الغرباء ولكن الله بعنايته أبطل هذا التدبير النفاقي حتى ان حقل الفخاري الذي اتخذوه مقبرة للغرباء نزع عنه اسم الفخاري فدعي حقل الدم الى هذا اليوم.
عدد 9 : حينئذٍ تم ما قيل بارميا النبي القائل : “ وأخذوا الثلاثين من الفضة ، ثمن المثمن الذي ثمنوه من بني اسرائيل .
عدد 10 : وأعطوها عن حقل الفخار كما امرني الرب .
الشر الذي فعله اليهود بحريتهم صار اتماماً للنبوة وهذه الآية ليست في نبوات ارميا كما يذكرها متى الانجيلي لكنها مكتوبة في زكريا وقد ظن المترجم ان ما ذكره ارميا ( 18: 2 – 6 ) هو المراد بهذه الحادثة فكتب اسم ارميا بدلاً من زكريا .
بيلاطس يسأل يسوع
عدد 11: فوقف يسوع امام الوالي فسأله الوالي قائلاً : “ أأنت ملك اليهود ؟ “ فقال له يسوع : “ انت تقول “ .
من جملة شكاوي اليهود شكاوٍ لها علاقة بالسياسة كقولهم انه قال عن نفسه انه ملك اليهود . ولذلك ترك بيلاطس كل شكوى وأخذ يستنطقه عن هذه لانها ضد سلطة الرومانيين . فجاوبه المسيح انت قلت اي صدق اني أنا هو الملك . والمسيح لم يدافع عن نفسه ولا جاوب اليهود لانه علم ان لا فائدة لهم من ذلك وان لابد من ان يقتلوه وثم لكي تتم نبوة اشعيا القائلة لم يفتح فاه ( 53 : 7 ) .
عدد 12 : وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء .
عدد 13 : فقال له بيلاطس : “ أما تسمع كم يشهدون به عليك ؟ “ .
عدد 14 : فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جداً .
تعب الوالي لانه رأى من له الحق ان يطعن في ما يشكونه ساكتاً.
الحكم على يسوع بالموت
عدد 15 : وكان الوالي معتاداً في العيد ان يطلق للجمع أسيراً واحداً ، من ارادوه .
عدد 16 : وكان لهم حينئذٍ أسير مشهور يدعى باراباس .
عدد 17 : ففيما هم مجتمعون قال لهم بيلاطس : “ من تريدون ان أطلقه لكم ؟ باراباس أم يسوع الذي يقال له المسيح ؟ “
عدد 18 : لانه علم انهم اسلموه حسداً .
كانوا يطلقون أسيراً واحداً في عيد الفصح فقط بنوع الرحمة واكراماً للعيد لانهم فيه أطلقوا من عبودية المصريين . وكان يدعى برابا هذا يسوع وذلك واضح من الانجيل المجموع من الاربعة ومن قول بيلاطس ( من تريدون … أباراباس أم يسوع الذي يقال له المسيح ) ولم يشأ الانجيلي ان يكتب اسمه لئلا يكون في الكتاب مطابقاً بالاسم لسيدنا .
عدد 19 : واذ كـان جالـساً على كرسـي الولايـة أرسـلت اليه امـرأته قائـلة : “ إياك وذلك البار ، لاني تألمت اليوم كثيراً في حلم من أجله “ .
لم تخبره بالحلم في البيت لانها كانت غير عارفة ما قد جرى من أمر يسوع مع عظماء الكهنة ليلاً . ولم يكن قد بلغها خبر وقوف المسيح قدام زوجها ولكن لما أصبح الصباح وبلغها ان رجلها جلس على المنبر ليدين يسوع أرسلت تحذره . ولا يبعد انها رات المسيح ولكنها لم تعتد به ولا همها أمره والا لقالت لرجلها من أجله . ولكن لما رأت ضجة في المدينة عنه تذكرت الحلم فاسرعت وحذرت زوجها . ولم يحلم زوجها بهذه الرؤيا المقدسة لانه لم يكن مستحقاً ولو رأى في منامه ما رأته زوجته وقصه على اليهود لما كانوا يصدقونه بل كانوا يقولون بما انه يريد خلاصه يقول عنه هذا الكلام . أو اقله كان يكشفه لهم لئلا يلام من ضميره انه رأى هكذا وما خلصه . واسم امرأة بيلاطس لوكانيا . وقولها ( توجعت اليوم ) يخجل الخلقيدونيون والارمن الذين يحسبون بدء اليوم من الصباح فان امرأة بيلاطس التي رات الحلم ليلاً تراها قد حسبت النهار مع الليل الذي عبر كما كتب متى . ان اليوم أربعة وعشرون ساعة وابتداؤه يحسب من المساء كما هو عندنا وقد توجعت المرأة ليلاً لانها رأت حلماً مخيفاً وكلما ارادت ان تستيقظ تخلصاً مما اخافها فيه كانت تظل نائمة رغماً عنها لكي تتألم مما ترى فيه وتتأثر منه . قال قوم انها لم تخبر زوجها في الصباح عن الحلم لانه كان نائماً تلك الليلة في موضع آخر غير البيت لذلك أرسلت اليه تحذره . اما القديس افرام فيقول انه بتدبير من الله نسيت الحلم حتى اذا أرسلت اليه تحذره وهو في منصة القضاء يندهش السامعون . واذ المدينة كلها مضطربة على رجلها بسبب يسوع أرسلت تحذره قائلة لا تعمل ارادة أهل المدينة بل خلص الرجل من ايديهم قال قوم انها رأت حولها تنانين يحاولون لدغها والمسيح لم يدعهم . وقال آخرون انها رأت سيدنا جالساً على كرسي عالٍ ومنبر مخيف وانه مثل الحاكم على الكل والديان وسلطانه ممتد على كل الاقطار وان الملائكة يخدمونه بخوف ورعدة صارخين قائلين هذا هو يسوع ملك اليهود الذي يدان قدام بيلاطس . وقال غيرهم انها رأت رؤى مفزعة . وقد تكلمنا عن الاحلام في تفسيرنا ( ص 1 : 20 ) من بشارة متى فليراجع .
عدد 20 : ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرّضوا الجموع على ان يطلبوا باراباس ويهلكوا يسوع .
تنازل رؤساء الكهنة الى الجموع ليقنعوهم أن يطلبوا هلاك يسوع دليل على انهم كانوا متعطشين الى قتله .
عدد 21 : فأجاب الوالي وقال لهم : “ مَن مِن الاثنين تريدون ان اطلق لكم “ . فقالوا : “ باراباس ! “ .
خيرهم بين يسوع البريء وباراباس الشقي ظناً منه انهم يستحون ان يقولوا علانية ليصلب المسيح . لكنهم لم يخجلوا لا من الديّان ولا من المسيح ولا خافوا من ان يطلبوا صلب البريء . وقد ذكرهم بيلاطس بيسوع وزاد عليه اسم المسيح أولاً لكي يميزه عن باراباس الذي كان يدعى هو ايضاً يسوع وثانياً ليهدي غضبهم علهم يطلبون له قصاصاً خفيفاً يجريه عليه ويطلقه . اما اليهود ولو انهم بارادتهم الحرة طلبوا برابا ولكن التدبير الالهي حركهم ان يطلبوا اطلاق برابا حامل شكل صورة المسيح ونائبه . فكما ان آدم أخطأ وحبس في الهاوية ثم اطلق من قيود الجحيم بصلب المسيح هكذا برابا أخطأ وحبس ثم اطلق .
عدد 22 : فقال لهم بيلاطس : “ فماذا أفعل بيسوع الذي يقال له المسيح .؟ “ قال له الجميع : “ ليصلب ! “
عدد 23 : فقال الوالي : “ وأي شر عمل ! “ . فكانوا يزدادون صراخاً قائلين : “ ليصلب ! “
في سؤال بيلاطس هذا شيء من التعجب أو لعله كان يأمل أن يطلبوا اطلاق الاثنين فتكون له حجة ان يطلق يسوع بلا خوف من ان يشكوه الى قيصر . وعوضاً عن ان يثبتوا ما يشتكون به عليه محتجين انه عمل كذا وكذا فصاروا حكاماً عليه . ولم يقولوا اقتله او أمته بل اصلبه ليثبتوا عليه انه مضل ومجدف ومستوجب صلب العار والازدراء لان الموت على الصليب هو شر الميتات ثم انهم طلبوا صلبه ليجلبوا عليه لعنة الناموس كقوله ( ملعون كل من علق على خشبة ( غل 3 : 14 ) ولو انهم بقلب مملوء غش طلبوا صلبه وهم مدانون لذلك لكن التدبير الالهي اثبت قوله انه سيصلب . وتكرارهم لفظة اصلبه دلالة واضحة على كثرة غضبهم الشديد عليه والتشفي منه .
عدد 24 : فلما راى بيلاطس انه لا ينفع شيئاً ، بل بالحري يحدث شغب ، اخذ ماء وغسل يديه قدام الجمع قائلاً : “ اني بريء من دم هذا البار ! ابصروا انتم ! “ .
تحقق بيلاطس ان المسيح بريء من ازدحام اليهود وضجتهم عليه والحاحهم بصلبه ومن تحذير امرأته . لاجل ذلك طلب ماء وغسل يديه . وقد اظهر للناس بغسل يديه طهارة أفكاره وانه بريء من هذا الحكم الخارج عن الناموس والعدل ولكنه ملوم لانه خاف من اليهود فكان يجب ان يخلصه كما خلص قائد المئة حياة بولس ( اع 21 : 31 – 36 ) مع ان قائد المئة كان يعلم ان في تخليص حياة بولس ستكون ضجة وفتنة عظيمة ومع كل هذا لم يترك اليهود ان يقتلوه يقول البعض ان بيلاطس خاف ان يطلقه لانهم كانوا يقولون ان المسيح جعل نفسه ملكاً فكان يجب ان يفحص عنه ليرى هل فيه شيء مما نقلوه له من العصيان كما لو جمع فضة وذهباً كثيراً أو عساكر ولكن الحال بالعكس فانه لم ير ولا علامة من العصيان فيه ومع ذلك فانحاز مع اليهود ورآهم لذلك لم يعتقه المسيح من الملامة قال آخرون ان امراته ارسلت تحذره واليهود يضجون عليه فلم يعلم الى اي طرف يميل فاحتال حيلة وهي انه بواسطة العادة الجارية عندهم التي هي اطلاق اسير لهم في العيد يخلص يسوع ولكنه لم ينجح وقد كان يجب على اليهود ان يندموا من قول يهوذا اخطات ومن خنقه بنفسه ومن حلم امراة بيلاطس ومن غسل يدين بيلاطس ومن سكوت يسوع ومن صلاته لاجلهم وهي قوله يا ابتاه اغفر لهم . ومن العجائب التي جرت في وقت صلبه .
عدد 25 : فاجاب جميع الشعب وقالوا : “ دمه علينا وعلى أولادنا “ .
اي لينتقم الله منا ان كنا اسلمناه ظلماً . اما مخلصنا فلم يترك جزمهم على انفسهم لكنه قبل التائبين منهم كبولس وبعض الفريسيين وربوات منهم الذين آمنوا في اليهودية ( اع 21 : 20 ) .
عدد 26 : حينئذٍ أطلق لهم باراباس ، وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب .
هنا ايضاً وجد بيلاطس مذنباً لانه لو فرضنا انه ما قدر ان يخلصه فلماذا جلده ؟ فقد جلده مجاملة لليهود لا سيما ان نظام الحكومة لا يسمح ان يصلب شخص ما لم يجلدوه . وكيفية جلده فهي انه امرهم فربطوه على العامود وضربوه بالسياط ثم اسلمه ليصلب.
الجنود يستهزأون بيسوع
عدد 27 : فأخذ عسكر الوالي يسوع الى دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتيبة ،
الجند هم الشرط الذين يخدمون الوالي . ودار الولاية هو الموضع الذي يجلس فيه الديان ويقضي امور العامة . وكان في هذا الدار صورة القيصر .
عدد 28 : فعرّوه وألبسوه رداءً قرمزياً ،
نزعوا ثيابه تفسيراً لقول الوحي ( مثل النعجة قدام الجزار ش 53 : 7 ) لان الجزارين يعرون النعجة من صوفها في جزهم اياه . وبتعريته من ثيابه فضح الرؤساء والسلاطين . وكما ان آدم الاول تعرى بين اشجار الفردوس هكذا آدم الثاني تعرى في بيت في الحكم . ثم انه لما كان يجلس ملك الرومانيين على منصة القضاء كانت تعمل له خمسة امور . وهي ان يلبس الارجوان ويضع تاج الجوهر على رأسه ويمسك قضيب الذهب في يده ويجثون ساجدين امامه ويسلمون عليه قائلين السلام يا ملكنا . ولانهم عدوا سبب موت المسيح العصيان على القيصر لذلك هزأوا به كملك فألبسوه ثوب الارجوان وضفروا اكليلاً من الشوك ووضعوه على رأسه وجعلوا في يمينه قصبة ثم جثوا على ركبهم قدامه وسخروا به قائلين سلام يا ملك اليهود اي انك قد صرت ملكاً كما اشتهيت وكما سمّاك بيلاطس . ان الرداء القرمزي كان قد قدمه احد الملوك هدية للهيكل وكان مسبوغاً بدم الحلزون . فكل ثوب يصبغ بهذا الدم يظهر لونين في موضعين في الظل لون احمر وفي الشمس لون ارجوان لا كما يقول البعض انه منسوخ بيرفير وتصاويره بارجوان اما يوحنا فيسميه ارجواناً . وقيل ان هذا الرداء كان في بيت المقدس وان الملوك المصريين واليونانيين اهدوه للملوك المكابيين فهذا أخذه الكهنة من الهيكل وقدموه الى بيلاطس قائلين هذا هو الارجوان الذي كان المسيح قد اعده لنفسه . وقال آخرون ان هذا الارجوان كان اعطاه أحد ملوك اليونانيين ليونثان المقابي . وقال غيرهم انه جاء به الكهنة من الهيكل مستعجلين لئلا يتأخر بيلاطس في قتله حتى على فرض اذا تعوق في قتله انه مستحيل خلاصه لانه لبس ثوب الكهنة وهو ليس بكاهن بل حسب الناموس يجب قتله . وقال البعض ان هذا كان تدبيراً ربانياً فان مذبح ابيه لما رآه عرياناً ارسل له ثياباً ليلبس . ويقول آخرون انه كان يوجد ثوبان فالبسوه البرفير اولاً ثم الارجوان وكل واحد من الانجيليين ذكر واحداً . وقال يعقوب السروجي ان الارجوان كان لاحد الملوك قد ارسله هدية للهيكل .
عدد 29 : وضفروا اكليلاً من شوك وضعوه على راسه ، وقصبة في يمينه ، وكانوا يجثون قدامه ويستهزئون به قائلين : “ السلام يا ملك اليهود ! “ .
ضفروا الاكليل من شوك الزعرور كدائرة وكللوه بدلاً من تاج كالملك الشجاع الغالب على أعدائه . ويرمز باكليا الشوك الى استيصال اللعنة من الارض لقوله لآدم ملعونة الارض بسببك . ثم نقول كما ان آدم الاول غرس اللعنة والاشواك هكذا آدم الثاني استأصل اللعنة والشوك بواسطة اكليل الشوك ورفع خطيئة آدم من دائرة العالم كما ان اكليله الشوكي كان مدوراً . والشوك يؤلم الجسم وهو مثال الخطيئة التي تلدغ النفس . وقد جعلوا بيمينه قصبة عوض قضيب الذهب الذي يحمله الملوك بايديهم . وهو وان لم يدركوا حقائق الامور المزمعة فمثلوها على غير قصد منهم . فالقصبة التي في يمينه ترسم لنا عظمة سلطانه الذي لا يزول . وتشير الى محو الذنب الذي كتب علينا بواسطة آدم وتعلن عن قتل وابادة قوة الحية التي وسوست واطغت حوا ثم ان الركوع والسجود امامه يشيرون عن رجوع الشعوب والامم اليه والى انعتاقهم من سجدة الاصنام والى جعلهم ساجدين حقيقيين له .
عدد 30 : وبصقوا عليه ، وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه .
بصقوا عليه ليتم قول اشعيا النبي ( لم استر عن العار والبصق اش 50: 6 ) وليمنح لنا نحن العبيد العصاة امام الآب السماوي دالة البنين . وقبل الضرب بالقصبة على رأسه ليزيل خجلنا ويرفع رأسنا المنحني لاسفل بسبب افعالنا الرديئة . وفي كل هذا الاستهزاء لم يكن للكهنة والمشايخ وشعب اليهود يد فيه لكنهم من بعيد صادقوا عليه وسروا به لانهم لو خالطوا الجند الروماني وهزأوا بالمسيح عملياً نظيرهم لم يكن يجوز لهم أكل الفصح لذلك حافظوا انفسهم طقسياً من مخالطة الشعوب لئلا يتنجسوا . وكان واجب عليهم ان يأكلوه مساء الليلة الماضية ولكنهم سوفوا وقت اكله حتى يقتلوا المسيح ثم يأكلون الفصح بلا خوف.
عدد 31 : وبعد ما استهزأوا به نزعوا عنه الرداء والبسوه ثيابه ، ومضوا به للصلب .
يسوع على الصليب
عدد 32 : وفيما هم خارجون وجدوا انساناً قيروانياً اسمه سمعان ، فسخّروه ليحمل صليبه .
حمل سيدنا صليبه اولاً وخرج من دار الولاية وبعد ذلك حملوه لسمعان ابي الكسندروس وروفوس . اما خشبة الصليب فأخذوها من اسطوان سليمان وهي من خشب التابوت وكانت من خشب الارز . آخرون قالوا انها من خشب التين . اما الذهبي الفم فيقول ان تلك الخشبة كانت معتبرة عندهم جداً ولم يكونوا يجسرون ان يقتربوا اليها . وقال آخرون انها من شجرة التي ولدت الخروف الذي ذبح عوض اسحق وان ابرهيم كان قد قطعها واتى بها للشهادة وان اليهود أخذوها من اسطوان سليمان وصلبوا المسيح عليها . ثم ان اليهود لاموا المسيح لانه أذن للمخلع ان يحمل سريره في يوم السبت وهو في يوم مضاعف سخروا سمعان ليحمل صليب المسيح مع ان الذي جمع حطباً يوم السبت رجموه وحملوا الخشبة لرجل يهودي في يوم العيد وعملوا الشر الاعظم بصلبهم المسيح واللصين في يوم العيد . قال آخرون ان سمعان كان يهودياً وان الشعوب سخروه ان يحمل صليب المسيح نكاية باليهود . ويتضح حقيقة ذلك من ان اللصين لم يذكر عنهما انهما حملا صليبيها وكما ان سمعان الذي حمل الصليب لم يصلب كذلك سيدنا فانه لم يصلب عوض نفسه لكن عوض آخرين . ثم نقول ان الشيطان لما رأى كثرة الحسنات الصادرة من الصليب حرك اليهود ان يحملوا الصليب لآخر لكي تتم هذه الخيرات الناتجة من موت المسيح على يد غيره . ولكي ينظر الناس كلهم الى حامل الصليب لا الى يسوع . ولكن لم تكمل ارادة الشيطان لانه ولو آخر حمل الصليب لكن المحمول كان صليب المسيح والخيرات تمت به . ان سمعان عمل مثل الصالحين الاولين والانبياء فان هؤلاء تنبأوا ولم يتألموا . وهو أيضاً حمل الصليب وغيره صلب ثم ان المسيح حمل صليبه ليعلمنا ان كل من يريد ان يكون له تلميذاً يجب عليه ان يحمل صليبه . ثم لكي يتمم النبوة القائلة ( وتكون الرياسة على كتفه اش 9: 6 ) اي صليبه . وكما ان اسحق حمل على كتفه خشب ذبيحته هكذا المسيح حمل صليبه على كتفه . ثم نقول ان انواع الموت كثيرة ولكن المسيح احتمل موت الصليب الذي هو شر الميتات اذىً حتى اذا ارتفع على الصليب يجذب الكل اليه ولكي يقدس الفضاء برشاش دمه ويفضح الرؤساء بتعريه ولان عساكر ابليس اللعين يجولون في الفضاء غالباً . ثم نقول انه بواسطة الخشبة دخل الموت وبالخشبة صار الخلاص عندما علق عليها . ولكي يعتقنا من اللعنة المقولة ( ملعونة تكون الارض بسببك تك 3: 17 ) احتمل المسيح موتاً ملعوناً بل صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة غل 3: 13 وليباركنا بكل بركات الروح.
عدد 33 : ولما بلغوا الى موضع يقال له جلجثة ، وهو المسمى “ موضع الجمجمة “
السريانيون يسمون عظم الرأس جمجمة والعبرانيون يسمونه جلجلة . قال المفسرون ان نوح لما دخل السفينة ادخل معه عظام آدم ولما خرج منها وزع العظام على بنيه الثلاثة فاعطى ساماً الرأس لانه بكره واعطلى حاماً ويافث باقي العظام . كذلك قسم الارض عليهم فكانت حصة يافث الناحية الجنوبية وحصة سام الناحية الوسطى ما بين الشمال للجنوب واورشليم هي الجزء السطي في حصة سام . وقالوا ان جمجمة آدم دفنت في الموضع الذي كان المسيح مزمع ان يصلب فيه قبل ان تبنى اورشليم . ولما صلبوا المسيح جعلوا الصليب في فم آدم على الجمجمة ، اي في ذلك الموضع الذي نبع منه الموت والسقوط فمنه تبتدي الحياة والقيامة . ثم نقول انه صلب في هذا الموضع لان فيه خدمت الاسرار التي كانت تشير الى الصلبوت وان هذا المكان كان محفوظ من الاجيال والسنين ليصلب المسيح فيه . في هذا الموضع كهن مكليصادق واصعد الذبائح والقرابين وفيه بنى داود مذبحاً للرب واصعد الذبائح ومنع الموت . هذا هو بيدر اران البيوسي .
عدد 34 : اعطوه خلاً ممزوجة بمرارة ليشرب . ولما ذاق لم يرد ان يشرب .
وقال مرقس انهم أعطوه خمراً ممزوجة بمر ليشرب فلم يأخذ . كانوا قد رتبوا ان يسقوا خمراً ممزوجة بمرارة للمصلوبين لتحذر اعصابهم فلم يشعروا بالالم . فالمسيح لم يشرب لان وقته لم يكن قد قرب بل ولان الانبياء لم يتنبأوا عنه انه يشرب خمراً ممزوجة بمرارة . وقد ناولوه خلاً اكثر من مرة استهزاءً به قبل ان يصلب وبعد ما صلب .
عدد 35 : ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها ، لكي يتم ما قيل بالنبي : “ اقتسموا ثيابي بينهم ، وعلى لباسي ألقوا اقترعوا “ .
فقد اتموا نبوة داود هذه عن غير معرفة مستهزئين .
عدد 36 : ثم جلسوا يحرسونه هناك .
أمر بيلاطس بحراسة المسيح خيفة ان يأتي اصحابه وينزلوه عن الصليب ليخبروه متى مات .
عدد 37 : وجعلوا فوق رأسه علته : “ مكتوبة هذا هو يسوع ملك اليهود “ .
لوقا ويوحنا يقولان ان عنوانه كتب بثلاث لغات باليونانية والعبرانية والرومانية. ويقول الذهبي الفم ان بيلاطس كتب ذلك انتقاماً من اليهود كأنه يقول انهم اسلموه كفاعل شر ومهيج فتنة . ولا شك ان كتابة العنوان كانت بتدبير الهي لان الصلبان الثلاثة كانت عتيدة ان تلقى في مزبلة لاعتبارها نجسة ولكنها ستظهر بعد زمان وسيعرف صليب المسيح من عنوانه . وقال بعضهم ان بيلاطس خاف ان يفحص استنطاق المسيح ويوجد غير مذنب فيقع تحت مسؤلية عظيمة لذلك كتب علة صلبه فوق رأسه على الصليب بثلاث لغات . حتى يكون الذين يشهدون بان اليهود صلبوا ملكهم ثلاثة . ولنا ان نقول ايضاً ان الثلاثة شهدوا ان واحداً من الثالوث صلب . فلم ترق هذه الكتابة أعين اليهود لئلا يعدوا عصاة متمردين يصلبهم ملكهم . فقالوا لبيلاطس اكتب انه هو قال اني أنا ملكهم ولكنا لم نقبله ولا عرفناه . فلم يسمع بيلاطس لهم ولا غير الكتابة اذ جرت العادة ان لا يغير القضاء احكامهم وما سجلوه بالاحرى اذا كانوا قاصدين الاستخفاف باليهود .
عدد 38 : حينئذٍ صلب معه لصان ، واحداً عن اليمين وواحد عن اليسار .
كان اسم الذي صلب عن يمينه طيطس والذي صلب عن يساره دومكس وقصدوا بصلب لصين قاتلين معه اهانته لان الذي يصلب مع لصوص اشرار يكون نظيرهم لا أقل لان مساواة الثلاثة في القصاص دليل على مساواتهم في الجرم . وقد تمموا النبوة القائلة ( واحصي مع اثمة اش 53 : 12 ) وهم لا يعلمون .
عدد 39 : وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم
عدد 40 : قائلين : “ يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة ايام ، خلص نفسك ! ان كنت ابن الله فانزل عن الصليب ! “ .
قالوا هذا الكلام استهزاءً به . والمسيح لا لعدم قدرته لم ينزل عن الصليب بل لكي تكمل الكتب لان الواثق بنفسه انه اذا مات يقوم بعد ثلاثة ايام وبموته يبطل الموت ( عب 22 : 14) لا يجب ان ينزل عن الصليب .
عدد 41 : وكذلك رؤساء الكهنة ايضاً وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا :
عدد 42 : “ خلص آخرين واما نفسه فما يقدر ان يخلصها ! ان كان هو ملك اسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به ! .
الكتبة هم الذين ينسجون الكتب المقدسة ويعلمونها . والشيوخ هم وجوه اليهود ولهم كلمة نافذة ليحثوا على فعل الشر وتكميله . وبشهادتهم عنه انه خلص آخرين استذنبوا انفسهم لان الذي أحيا آخرين كان يستطيع ان لا يموت وان مات يقدر ان يقوم . وبقولهم ( ان كان هو ملك اسرائيل ) أرادوا ان يبطلوا ملكه ومما لا ريب فيه هو انه ولو نزل عن الصليب ايضاً لم يكونوا يؤمنون به فانه اجترح العجائب والمعجزات قبل الصلب وبعده ولم يؤمنوا . ومن الاسباب التي جعلته ان لا ينزل عن الصليب ان مكافحته لم تكن معهم بل مع الموت ليبطله .
عدد 43 : قد اتكل على الله ، فلينقذه الآن ان أراده ! لانه قال انا ابن الله ! “ .
وعليه يكون الانبياء والصديقون الذين قتلهم الاشرار ليسوا أنبياء ولا صديقين لان الله لم يخلصهم من مضطهديهم ومن المؤكد انهم انبياء وصديقون حقاً كذلك سيدنا فانه ابن الله ولو كره الاعداء .
عدد 44 : وبذلك أيضاً كان اللصان اللذان صلبا معه يعيرانه .
قال قوم ان واحداً من اللصين فقط كان يعيره والانجيلي ذكر تعبير الواحد واطلقه على الاثنين حسب عادة الكتاب اذ يقول ( وعلى لباسي اقترعوا ) مع انهم لم يقترعوا على كل ثيابه بل على قميصه فقط . ان متى ومرقس يقولان ان اللصين كليهما كانا يعيرانه ولوقا يقول ان واحداً منهما كان يجدف عليه . والبشيرون الثلاثة صادقون لانه لما صلب سيدنا كان الاثنان يعيرانه فبعد ان نظر احدهما اي لص اليمين العجائب والآيات التي حدثت وقت الصلب وعلم ان العجائب ليست لاجله ولا لاجل رفيقه وسمع اليهود الذين هم اعدداء للمسيح يتحدثون بمعجزاته ويسمونه ابن الله وملك اليهود ونظر ما كتبه بيلاطس بثلاث لغات اعترف بعظمته وسكت عن التجديف بل جعل يوبخ رفيقه ويلومه . ان الذي كان على اليمين فيمدح لخمسة أمور وهي انه . انتهر رفيقه واعترف بشروره وافعاله الرديئة التي صلب لاجلها وبرر المسيح واقرانه ملك . وطلب منه قائلاً اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك . ولسائل من أين عرف اللص ان المسيح ملك ؟ الجواب اما ان الله الهمه او انه اقتنع بشهادة بيلاطس حيث قال أأصلب ملككم . والذي يؤيد مدح ايمان اللص هو انه رآه معلقاً على الصليب في ذل وعار وآمن به قبل ان يتجلى له مجده وتظهر له ربوبيته . وهكذا المسيحيون بالحق ايمانهم عظيم وسيكافأون من المسيح مكافاة لا توصف لانهم آمنوا بانسان مصلوب وأيقنوا انه اله الكل . ونتعلم من مسألة اللص القاتل المرتكب الشرور الذي حصل على الملكوت بكلمة واحدة ان الله غافر خطايا الخطاة ورب وسيد الملكوت . اذاً لم يصلب المسيح بما انه اله بل بما انه انسان كقوله الكلمة صار جسداً وحل فينا . وارسل الله ابنه مولوداً من امرأة
وكانت الساعة الثالثة وصلبوه ( مر 15 : 25 )
يجب ان نعلم في اي ساعة صلب سيدنا . قال قوم انه صلب في الساعة السادسة وان مرقس لم يكن حاضراً وقت الصلب الا انه كتب ما سمعه من معلمه بطرس . وقال غيرهم ونحن نوافقهم انه صلب في الساعة الثالثة كقول مرقس وذلك معلوم من قول متى ولوقا ان من الساعة السادسة الى التاسعة كانت ظلمة على الارض كلها . لان اقتسام ثيابه وكتابة علة موته وتقديم الجند الخل له وتجديفهم عليه كل ذلك وقع بين الساعة الثالثة والسادسة لان الظلمة غشيت الارض كلها من الساعة السادسة الى التاسعة ولم يكن ممكنا ان يقع شيء مما سبق بيانه في تلك الظلمة المدلهمة . اما قول يوحنا في ( ص 19: 14 ) ان بيلاطس قال لليهود في نحو الساعة السادسة هوذا ملككم فليس الغرض منه تعيين وقت الصلب بالتدقيق وذلك واضح من قوله لفظة ( نحو ) لانه بعد ما ذكر هذه الحادثة كرفقائه البشيرين . قال في سياق الكلام ونحو الساعة السادسة قال بيلاطس لليهود هوذا ملككم . ثم ان المسيح صلب بدلاً من آدم وسمي آدم الثاني ( 1 كو 15: 24 ) وأصلح أمور آدم الاول . وغني عن البيان ان آدم خلق في الصباح وبالهام الهي جعل يدعو للحيوانات والبهائم والطيور وهي تجتاز امامه باسماء من الصباح الى الساعة الثالثة ثم ألقى الله عليه سباتاً فنام وأخذ واحدة من اضلاعه وملأ مكانها لحماً ( تك 2: 19 – 23 ) . وفي الساعة الثالثة وجد آدم وحوا في الفردوس وأخذا الوصية وفي مثل ذلك الوقت عينه صلب سيدنا المسيح وفي الساعة السادسة تجاوزا الوصية فشعروا بعريهما وحزنا وفي الساعة السادسة عري سيدنا وانتشرت الظلمة وحزنت المخلوقات جمبعها . وقال آخرون ان قول مرقس ولما كانت الساعة الثالثة صلبوه يراد به انه قضي عليه بالصلب في تلك الساعة وانه دخل الرواق وسئل الى الساعة السادسة وحينئذٍ صلبوه . وقال غيرهم ان قول يوحنا ونحو الساعة السادسة غلط من الناسخ الاول لانجيل يوحنا اذ انه ابدل الحرف الدال على ثلثه بالحرف الدال على ستة لتقارب صورة الحرفين في اليونانية . ثم ان سيدنا صلب في اليوم السادس لان فيه خلق آدم وفيه تجاوز الوصية وقضي عليه وفيه اخرج من الفردوس واليوم السادس اشارة عن الالف السادس الذي فيه جاء الفادي ليخلصنا . وفي الساعة التي اخذ الكاروبيم فيها الحربة لحراسة طريق شجرة الحياة فيها ضرب المسيح بالحربة وأزال رمح الكاروبيم . وفي الساعة التي خرج آدم من الفردوس فيها ادخل سيدنا نفس اللص الى الفردوس . وآدم الجديد أصلح امور آدم العتيق .
يسوع يسلم الروح
عدد 45 : ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الارض الى الساعة التاسعة .
ذلك حتى يفهم اليهود انه هو الذي عمل الظلمة في مصر . فان هنالك صارت الظلمة عندما كان الفصح الموسوي مزمعاً ان يذبح اما هنا فقد حدثت الظلمة عندما ذبح المسيح على خشبة الصليب . وليصير معلوماً ان المصلوب خالق المخلوقات وان الشمس أخفت نورها وحزنت على صلب باريها ولتكمل نبوة عاموس ( ستغيب الشمس في الظهرية 8: 9 ) . كانت هذه الظلمة معجزة لانه لا يمكن ان تكسف الشمس الا والقمر هلال وكان يومئذٍ عيد الفصح وهو يقع والقمر بدر وأعلنت هذه الظلمة عظمة المصلوب وانه رب الانوار . وقد لبست المخلوقات كلها الحزن على خالقها فالشمس لبست لون القطران والقمر لبس لون الدم ولم يكن وقت ظهوره لكن في ذلك الحين تراءى في المشرق وركض بحدة الى المغرب تابعاً للشمس . وجلس اثنانهما حزينين كالعبيد الصالحين المتالمين بألم سيدهم . وقد كتب جميع حكماء اليونانيين والمصريين والكلدانيين الذين في بابل ان واحداً من الثالوث تألم اليوم . وهذا معنى قوله ( قامت ملوك الارض ) اي من كراسيها واندهشوا بالآية التي صارت . وهذه الظلمة تشبه للظلمة التي كانت في ابتداء الخليقة . ثم لا يخفى على القارئ العزيز ان الظلمة التي حدثت وقت صلب المسيح ليست بكسوف لان الكسوف لا يدوم ثلث ساعات ولا يكون على ثلاث ساعات . وملكت على كل الارض ويحدث حينما يكون القمر هلالاً . اما هذه الظلمة فدامت ثلاث ساعات . وملكت على كل الارض . وحدثت حينما كان القمر بدراً وقد تكلمنا مطولاً عن هذه وعن الامانة والطبيعيات المعقولة والمحسوسة في كتابنا المسمى كتاب المختصرات .
عدد 46 : ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاًً : “ ايلي ، ايلي ، لما شبقتني ؟ “ اي : الهي ، الهي ، لماذا تركتني ؟
يقول الاريانيون ان الابن الكلمة صرخ باقنومه الى الله الاب . اما النساطرة والخلقيدونيون فيقولون ان الانسان الذي صلب صرخ بهذا الكلام الى الله الساكن فيه او الى الطبيعة الالهية التي انتقلت عنه في وقت الالام اما نحن فنقول ان يسوع ابن الله الذي كتب عنه مرقس ( بدء انجيل يسوع المسيح ابن الله ) هو الذي صرخ هذه الكلمة . وهو الذي صرخ الشياطين اليه ( ما لنا ولك يا يسوع ابن الله . فكما انه لم يولد ويعتمد ويجوع ويعطش لاجل نفسه لكن لاجلنا هكذا صراخه الى الآب ( ايلي ايلي ) كان لاجلنا ونيابة عنا . لانه أخذ اقنوم ىدم وجاء ليفي ذنبه . فمن أجله ونيابة عنه وعن ذريته صرخ وتكلم . وذلك واضح من الاية التي تلي قوله ايلي وهي ابعدت عني خلاصي بكلمات جهالتي . ومن المؤكد ان المسيح لم يكن فيه جهل لانه قد قال ( اني غلبت العالم ) ومن منكم يوبخني على خطيئة . وقال اشعيا النبي عنه انه لم يعمل اثماً ولا غشاً . فاذاً لاجلنا ونيابة عنا صرخ . لانه رآنا أذلاء وقد انحط جنسنا الى الحضيض والهوان . ثم نقول انه سأل الآب قائلاً لماذا تركتني ليسمع ما قيل في المزمور كمن اقنوم الآب له ( قد تركتك لتتالم وتصلب ليتذكر ويرجع الى الرب جميع اقطار الارض . وقد قال النبي اننا بجروحاته شفينا . وقد تشبه لنا في كل شيء ما عدا الخطيئة فانه جاع وعطش وتعب ونام وسأل عن كمية الخبزات وعن لعازر أين وضعتموه كمن يجهل الاشياء مع كونه عارف بكل شيء قبل كونه . ثم نقول انه صرخ الى الآب لبيان ان الابن وحده قد تألم وليس الآب والروح القدس ولا الثالوث اجمع . وقد تألم الابن واحتمل الصليب باقنومه بما انه قد صار انساناً لا بما انه إله . ويقول بعض المضادين كيف ترك الابن من الآب وهو الذي قال انا في الآب والآب فيّ ، الجواب انه في الآب لاجل المساوات في الطبع وفينا لاجل تجسمه منا . كقوله انا فيهم وانت في ليكونوا مكملين الى واحد . فالآب لم يتركه فيما يخص الطبيعة لانه غير متألم وغير مائت بطبيعته مثل الآب . اما بما يخص الاقنوم فقد تركه ان يتألم ويموت لكي يكون معنا بهذه . وأيضاً صراخه الهي كان ليظهر شر صالبيه ويتشجع الشيطان والموت على قتله . وقد قال ايلي ايلي على سبيل التعجب والاندهاش لا للفحص والتفسير . ويقول النساطرة ان المصلوب انسان وانه قال الهي الى الله الساكن فيه . فنسألهم قائلين ابإرادته صلب ام مرغماً فاذا كان بارادته لماذا يلام الله الكلمة الذي انتقل منه وتركه حسب هذيذكم . واذا كان مرغماً من الكلمة فحقاً كان يجب ان يندب حظه ويقول للذي تركه لماذا جذبتني الى الآلام والآن تتركني ففي عمل الآيات قد كنت قريباً لي واما في الآلام تتركني صرت خادماً لك بما يتعلق بك ولم تصر لي شريكاً بما يخصني . وبيان ان الله ضعيف وظالم . ضعيف لانه ما احتمل رؤية الصليب بل تركه وهرب . وظالم لانه كان خادماً اياه في العجائب وما أعانه في وقت احتمال المصائب . ويظهر الانسان أشد قوة من الكلمة لانه صبر على الآلام وهو تركه وانتقل . وبيان ايضاً ان الانسان مظلوم لانه كمل التدابير اما عند الآلام والموت لم يعنه احد لكنه ترك . ثم اذا كان المصلوب انسان فقط حسب زعمكم فلم يكن واجباً ان يقر ويعترف بلاهوته لانه أصبح متروكاً منه . فان قالوا قد تركه كونه غير متالم بطبعه . فنجيبهم انه يعرف غير متالم حين صبره على الآلام كحجر الماس التي كلما ضغطت ازداد لمعانها ولا تشعر بالم ولا تكسر والقرميد يعرف غير متألم من الماء حين ما يغطس بالماء . ولم ينحل . والسلمندر يدخل النار ويلعب فيها ويطفيها ولا تؤذيه . ثم نقول اذا كان الملاك لا يخاف من الموت لانه روح . فاحرى كثيراً رب الملائكة . ويعرف ان المتالم هو الله الكلمة من انه اظلم الشمس وشقق الضخور واقام الموتى .
يقول الاريانيون ان الابن هو المتروك من ابيه . فنقول كيف يتركه وهو الذي قال ( انا في ابي وابي فيّ ) والى اين مضى ذاك الموجود في كل مكان والغير المحدود حينما تركه وكيف يترك الآب قدرته وحكمته بارادته فقد قال بولس الرسول ان المسيح هو قوة وحكمة الله الآب ( اكو : 30 ) . كما ان قوله انا عطشان كان اولاً لتكميل النبوة كما قال الانجيليون وثم ليسقينا نحن العطشى مشرباً روحياً وكما انه لما طلب ماء الحياة وذلك معلوم من انها لما ادركت معنى كلامه بدأت تطلب منه ماء الحياة . والكتاب لا يذكر انه شرب من الماء الذي طلب منها كذلك صراخه هنا على الصليب قائلاً انا عطشان كان اولاً لاجل الطبع البشري العطشان لمعرفة روح القدس وثانياً لانه اراد ان يعطينا ماء الحياة . وكما ان سؤاله عند شفاء النازفة الدم كان لتشهر امانتها هكذا سأل قائلاً لماذا تركتني لا لعددم معرفته السبب لكن لكي اذا سمع السامعون فيبحثون عن المسألة ويزدادون علماً ومعرفة انه ليس هو المتروك لكي الطبع البشري اي آدم وذريته . ثم نقول انه دعا الآب اله لانه صار انساناً وكما انه لا يلام اذا تعاطى الالهيات لانه اله كذلك لا يعد حقيراً اذا تكلم بالانسانيات لانه قد صار انساناً .
عدد 47 : فقوم من الواقفين هناك لما سمعوا قالوا : “ انه ينادي ايليا “ .
يشبه اسم ايل لاسم ايليا لان ايل بالعبرانية معناه الله واسم ايليا معناه الهي .
عدد 48 : وللوقت ركض واحد منهم واخذ اسفنجة وملأها خلاً وجعلها على قصبة وسقاه .
ان الذي أعطاه الخل والمرارة كان يهودياً وذلك واضح من قوله ( ها انه ينادي ايليا ) وقد اعطوه اكثر من مرة خلاً بطريق الاستهزاء فشرب . اما هنا فلم يشرب . وكانوا قد بلوا الاسفنجة بالخل وقدموها الى فمه ليشرب .
عدد 49 : وأما الباقون فقالوا : “ اترك لنرى هل يأتي ايليا يخلصه ! “ .
عدد 50 : فصرخ يسوع ايضاً بصوت عظيم ، واسلم الروح .
اظهر هنا ايضاً انه بسلطانه وباختياره اسلم روحه لا اضطراراً وانها لم تؤخذ قسراً منه كانفسنا التي تؤخذ مّنا قسراً . وقد قيل عنا نحن الخليقة تنزع ارواحها فتموت ( مز 104 : 29 ) . فاذاً هو الخالق وبارادته وبسلطانه اسلمها . ويسأل قوم اي افترقت نفسه من جسده . اما موته فهو افتراق لاهوته من ناسوته فهذا الموت لم يمته ولن ولن يمته ولا يمته . ان نفسه فارقت جسده واما لاهوته فلم يفارق لا جسده ولا نفسه لان لاهوته قد اتحد اتحاداً بغير انفصال مع نفسه وجسده وكان لاهوته متحداً مع الجسد في القبر ومع نفسه مضى الى الهاوية وانذر الانفس المحبوسات هنالك وللواتي لم يكن يخضعن لكرازة نوح ( ابط 3 : 20 ) . وان اللاهوت غير محدود وعليه فكان مع جسده ونفسه وفي كل المخلوقات وخارجاً عنها . وبما انه غير محدود فلا ينحصر في موضع او في مكان لا بالقول ولا بالفكر . ولانه صار انساناً لذلك كان مع الجسد في القبر ومع النفس في الهاوية . ثم ان سيدنا صرخ مرتين وهو على الصليب بصوت عال . الاولى ( الهي الهي لماذا تركتني ) والثانية يا ابت في يديك استودع روحي ( لو 23 : 46 ) . ففي المرة الاولى صرخ نيابة عن آدم الهي الهي . وفي المرة الثانية صرخ من اقنومه الى الآب . فدعاه اباه ليبين انه مساوٍ للاب في الجوهر وان الله بعينه قد صار انساناً . وبقوله ( استودع روحي ) بيّن انه بارادته اسلمها لا ان يأخذها منه غضباً . وقد تعلم استفانس من قول المسيح اقبل روحي ( اع 7: 59 ) ومن آدم الى ان قال المسيح في يديك استودع روحي كانت ارواح الصديقين والاثمة ترسل الى الهاوية ومن بعد قوله هذا حتى المنتهى فانفس الصديقين تكون في يدي الله كقول سليمان اي قريباً منه ومكانهم الفردوس .
عدد 51 : واذا حجاب الهيكل قد انشق الى اثنين ، من فوق الى أسفل . والارض تزلزلت ، والصخور تشققت ،
انشق حجاب الهيكل لان الروح القدس الذي كان يحل على اسرار الناموس خرج منه . وقال قوم ان سداه انشقت الى طرف آخر وذلك عجب . وقد انشق الحجاب لانه لم يحتمل آلام خالقه وعلامة لانتقال الروح القدس منه وابطال الذبائح الناموسية وتهيئاً للخراب . وقد زالت الظلمة بعد الساعة التاسعة بياناً ان الاحزان التي دخلت من بدء الزمن بواسطة الخطيئة قد زالت . وتزلزل الارض كان كاهتزاز المهد او كاهتزاز الاناء في الماء وكان ذلك تهديداً للمنافقين وان المصلوب هو الذي أسسها لئلا تتزعزع . ثم ان الزلزلة لا تكون في كل الارض في طرفة عين . أما هذه الزلزلة فكانت في كل مكان وتزلزل كل جسم الارض . والظلمة كذلك كانت على كل الارض لا على جزء منها كالمعتاد الجاري . وقد تشققت الصخور ليعلم ان المصلوب هو الخالق وان الجماد يتألم معه وتوبيخاً للقلوب القاسية التي لم تتأثر من هذا العمل المقوت . ولان الالسنة الناطقة التي كان يجب ان تميز من هو المصلوب لتسبحه أعدمت النطق وابكمت فالحجارة صرخت بالمجد والتسبيح . وهذا معنى قوله ( ان سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ ( لو 19 : 40 ) وقد يؤدب الله احياناً الناطقين بواسطة غير الناطقين كما حدث لبلعام فانه تأدب بواسطة الاتانة . وليوربعام فانه تأدب بانشقاق المذبح وتذرية الرماد ( امل 13: 3 و 5 ) . ولفرعون والمصريين بواسطة العناصر . وهكذا هنا فانه زلزل الارض وشقق الصخور وتوبيخاً لليهود . لانه اراد ان يرجعوا عن نفاقهم فلم يرجعوا .
عدد 52 : والقبور تفتحت ، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين
جرى ذلك في الساعة التاسعة من يوم الجمعة . ولم يكونوا من الموتى القدم لكنهم كانوا قد ماتوا قبلما يتألم سيدنا بثلاث سنين او اقل . وسماهم قديسين لانهم كانوا قد آمنوا بسيدنا قبل موتهم وكانوا من اهل اورشليم ومدفونين في القبور التي حولها ثم قاموا ودخلوا مدينة اورشليم وعرف هذا اباه وهذا اخاه وهذا امه . ووبخوهم قائلين ما هذا الفعل الشنيع الذي عملتم بصلبكم الحي وواهب الحياة . ومكثوا ثلاثة ايام لم ياكلوا فيها ولا شربوا بل حفظهم الله كموسى وايليا في صيامهم وبالحقيقة قد اتحدت انفس هؤلاء القديسين باجسادهم وبشروا في اورشليم ثلاثة ايام ورجعوا واضطجعوا في قبورهم ولم يذهبوا الى الفردوس ولا تبددوا في الاقطار الخارجية ولا تراءوا لكل الناس بل للبعض وذلك واضح من قول متى ” انهم تراءوا لكثيرين ” وهكذا سيدنا فانه لم يكن يتراءى بعدد قيامته لكل الناس وفي كل حين كالاول لكنه تراءى بعض الاوقات لتلاميذه وللمستحقين قال البعض ان هؤلاء القديسين كانوا انبياء عارفين الكتب المقدسة وقد آمنوا به قبل انتقالهم كما قال القديس اغناطيوس وانهم كانوا يكرزون بقيامة المسيح وبقيامتهم . وبعث الموتى دليل قوي على انه هو الذي بعثهم من قبورهم . وقال يوحنا اسقف دارا ان الموتى الذين بعثوا لم يدخلوا المدينة ليكرزوا حتى قام المسيح . وقال آخرون انهم مكثوا واقفين في قبورهم يمجدون الله . وقال غيرهم انهم اجتمعوا الى جبل الزيتون . وذهب آخرون الى انهم مضوا حالاً الى الفردوس
عدد 53 : وخرجوا من القبور بعد قيامته ، ودخلوا المدينة المقدسة ، وظهروا لكثيرين .
يقول البعض انه يراد بالمدينة المقدسة اورشليم السماوية لا اورشليم الارضية ولما صرخ المسيح على الصليب قام هؤلاء القديسون وبقوا احياء في قبورهم كما كان يونان في بطن الحوت وبعد القيامة صعدوا معه خفية الى المدينة المقدسة حينما صعد الى ابيه خفية عن اعين كل الناس . وقال آخرون ان اورشليم الارضية كان رأسها الاعلى مقدساً وكان ساكنوه قديسين كثيرين اما الرأس السفلي فكان نجساً بسبب الغش والنفاق الذي كان فيه . وعليه فيريد بالرأس الاعلى المدينة المقدسة التي دخلوها ووعظوا سكانها المؤمنين الذين كانوا حزانى على موته . وذهب غيرهم الى انه يراد بالمدينة المقدسة اورشليم الارضية التي دخلها القديسون وبشروا فيها . اما عددهم فيربوا على الخمسمئة نفساً وظهورهم لكثيرين كان لكي يمرمروا حياة الذين ما عرفوا ربهم وصلبوه . وقال آخرون انهم تراءوا في أماكن كثيرة اولها كان في الجليل ودخلوا بعدد القيامة لأورشليم وتراءوا لكثيرين ليعلم الناس ان القيامة ليست خيالاً . وقد حدث اربعة عجائب حين صلبه منها في السماء فأظلمت الشمس والقمر . ومنها في الفضاء فانشق حجاب الهيكل . ومنها في الارض فتشققت الصخور . ومنها تحت الارض اذ قامت الموتى . والبعض من هذه العجائب كانت عامة كظلمة الشمس والقمر وتزلزل الارض وبعضها خاصة كتشقق الصخور والحجارة وحجاب الهيكل وقيام البعض من الموتى . نسأل النساطرة والخلقيدونيون من هو المعلق على الصليب اله ام انسان ، فان قالوا انه اله أجبناهم انه يستحيل ان تسمر يداه او الحربة تخرق جنبه لان طبعه فوق هذه الحوادث وان قالوا انه انسان ساذج فنجيبهم انه يستحيل على الانسان ان يعمل هذه الباهرات فيظلم الشمس ويشقق الصخور ويقيم الموتى . اذاً فالمعلق على الخشبة اله متجسد وهو الفاعل كل هذه الامور.
عدد 54 : وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان ، خافوا جداً وقالوا : “ حقاً كان هذا ابن الله ! “ .
عدد 55 : وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد ، وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه ،
عدد 56 : وبينهن مريم المجدلية ، ومريم ام يعقوب ويوسي ، وأم ابني زبدى .
انظر ايها القاري العزيز لجنس النساء الضعيف كيف ظهر أقوى من الرجال فانهن كن تابعات له حتى الى الآلام والمخاطرات لذلك عاين كل شيء .
دفن جثمان يسوع
عدد 57 : ولما كان المساء ، جاء رجل غني من الرامة اسمه يوسف ، وكان هو أيضاً تلميذاً ليسوع .
المساء اي ليلة السبت . سمى متى يوسف غنياً وتلميذاً ليسوع . وسماه لوقا مشيراً وصالحاً وصديقاً . وسماه يوحنا تلميذاً ليسوع . وسماه مرقس مشيراً . وكان واحد من الاثنين والسبعين ومن المشيرين للملوك والسلاطين كما كان أخيتوفل مشيراً لداود الملك اصم 15: 12 . اما الرامة فهي البلدة التي قتل فيها الاطفال بامر هيرودس .
عدد 58 : فهذا تقدم الى بيلاطس وطلب جسد يسوع ، فأمر بيلاطس حينئذٍ ان يعطى الجسد .
عدد 59 : فأخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقي ،
عدد 60 : ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة ، ثم دحرج حجراً عظيماً على باب القبر ومضى .
قال القديس يعقوب السروجي ان القبر كان ليشوع ابن نون وحفظ الى ذلك اليوم وتوارثه خلف عن سلف من واحد الى آخر حتى اتصل بتدبير الهي الى يوسف . وقال آخرون ان يوسف كان قد نقره لنفسه . أما وضع المسيح في قبر من صخرة لا في قبر من تراب يشير الى البيعة التي لم تتزعزع من امواج الشرير . ووضع وحده فيه ليعلن انه هو وحده ذو جسد غافر الذي يوضع على المذبح ويعطي الحياة لمتناوليه ..
عدد 61 : وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر .
حراسة القبر
عدد 62 : وفي الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون الى بيلاطس .
عدد 63 : قائلين : “ يا سيد ، قد تذكرنا ان ذلك المضل قال وهو حي : اني بعد ثلاثة ايام اقوم .
في الغد أي يوم السبت . وكان القصد من اجتماعهم ان يعرضوا الى بيلاطس امراً مهماً عن المسيح . وقد سموا بيلاطس أيها السيد . وأما المسيح فكفروا به . وبقولهم ( تذكرنا ) شهدوا على انفسهم انهم عارفون بكل ما قيل منه . ثم تأمل الى تواضع متى الكاتب فانه كتب كلامهم المهين الذي وجهوه نحو المسيح بالافتخار وبغير حياء.
عدد 64 : فمر بضبط القبر الى اليوم الثالث ، لئلا يأتي تلاميذه ويسرقوه ، ويقولوا للشعب : انه قام من الاموات ، فتكون الضلالة الاخيرة أشر من الاولى ! “ .
عدد 65 : فقال لهم بيلاطس : “ عندكم حراس . اذهبوا واضبطوه كما تعلمون “ .
طلبوا حراساً لانهم خافوا ان يصدق كلامه أي بعد ثلاثة أيام يقوم . ومن ثم استخدم المسيح الحراس ان يكونوا مبشرين لليهود بقيامته . ثم ان بيلاطس لم يرسل حراساً من عنده ولم يختم القبر بختمة لئلا يعترض عليه انه ارتشى من تلاميذ المسيح فسمح لهم بسرقة جسده .
عدد 66 : فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر .
زعم البعض انهم الصقوا الحراس بالحجر وختموا ارقابهم أو اذرعهم او أرجلهم وقال آخرون انهم أجلسوهم حول الحجر متقابلين ببعضهم وأيديهم ممدودات على الحجر فختموها وقال غيرهم انهم ختموا الحجر بخواتم جميعهم وفقاً لقول دانيال وختموا الجب بخاتم الملك وبخواتم عظمائه دا 6: 17 . فلو لم يختموا الحجر ويقيموا حراساً عليه كان يمكنهم القول انه سرق . لكن احتياطهم هذا كان سبباً لخزيهم .