تفسير انجيل متى الاصحاح السادس عشر

Posted by on Aug 17, 2012 in Library, -الدر الفريد في تفسير العهد الجديد ـ تفسير انجيل متى - مار ديونيسيوس ابن الصليبي | Comments Off on تفسير انجيل متى الاصحاح السادس عشر

الفريسيون يطلبون آية – خمير الفريسيين والصدوقيين – أنت هو المسيح ابن الله الحي – المسيح يعلن عن موته وقيامته -ماذا ينفع الانسان اذا خسر نفسه ؟

 

الفريسيون يطلبون أية

 

عدد 1 : وجاء اليه الفريسيون والصدوقيون ليجربوه ، فسألوه ان يريهم آية من السماء .

 

فلم يكن هذا على سبيل ان يؤمنوا به ولكن ليجدوا عليه حجة ولذلك دعاهم مراءين فكانوا يسألونه ان يحدث انقلاباً في النظام الشمسي كإيقاف الشمس كما فعل موسى أو انزال النار كما فعل ايليا . اما هو فلم تعجزه البيعة لأنه خالفها ولكنه علم خبث نياتهم فتنهد بروحه كما يقول مرقس دليلاً على أسفه من تعنتهم وتعاميهم عن العجائب المتعددة التي صنعها بين ظهرانيهم فلم تثمر فيهم لصلابة رقابهم ولذلك أبى ان يجيبهم الى طلبهم .

عدد 2 : فأجاب وقال لهم : “ اذا كان المساء قلتم صحو . لأن السماء محمرة .

 

عدد 3 : وفي الصباح : اليوم شتاء . لأن السماء محمرة بعبوسة . يا مراؤون ! تعرفون ان تميزوا وجه السماء ، وأما علامات الازمنة فلا تستطيعون !

 

أي كما ان في السماء علامة الصحو وعلامة الشتاء شيء آخر فاذا رأيت علامة الشتاء لا تطلب راحة واذا رأيت علامة الصحو لا ترجو شتاء هكذا يجب عليكم ان تذكروني وتطلبوني . فينبغي ان اعمل الآن الآيات النافعة لبني البشر على الارض كتطهير البرص وفتح أعين العميان واحتمال الآلام ثم الموت والقيامة أما الآيات التي من السماء فسوف تظهر عند مجيئي الثاني حيث آتي بعظمة لا توصف فاطوي السماء كدرج وأظلم الشمس واخنق القمر واقف النجوم فتتساقط . ثم من جهة أخرى اذا أخذت حركات الكون مجراها الطبيعي تعرفون ان تميزوا العلامات ان متى يكون صحواً ومتى يكون شتاءً ولكنكم تزعمون ان الايات التي اعملها الآن عقيمة الفائدة ولا قيمة لها في نظركم فلم تصل حالتكم الى أولئك الذين كانوا في زمان فرعون يعرفون ان من المقاتلين كان يجب الخلاص وان من يلتجيء الى محبيه لا حاجة به الى الآيات .

عدد 4 : جيل شـرير فاسق يلتمس آية ، فلا تعطى له آية الا آية يونـان النبي ” . ثم تركهم ومضى .

 

له المجد دعاهم جيلاً شريراً لأنهم كانوا منغمسين في الشرور مبتعدين عن الله وفاسقاً لأنهم زنوا مع الصنام بعبادتهم اياها .

 

خمير الفريسيين والصدوقيين

 

عدد 5 : ولما جاء تلاميذه الى العبر نسوا ان ياخذوا خبزاً .

 

ذلك لأنهم لم يكونوا يهتمون بالجسديات بل بالروحانيات .

عدد 6 : وقال لهم يسوع : “ انظروا واحذروا من خمير الفريسيين والصدوقيين  “ .

 

لم يقل المسيح احذروا من خمير التعليم لكي يذكرهم آيتي الخبز لعلمه انهم نسوها .

عدد 7 : ففكروا في أنفسهم قائلين : “ اننا لم نأخذ خبزاً  “ .

 

المسيح قال عن التعليم وهم فهموا عن الخبز لأنهم لم يزالوا متمسكين بحفظ التطهير اليهودي لجل ذلك انتهرهم معلناً افكارهم .

عدد 8 : فعلم يسوع فقال لهم : “ لماذا تفكرون في نفوسكم يا قليلي الإيمان انكم لم تأخذوا خبزاً ؟

 

عدد 9 : أحتى الان لا تفهمون ؟ ولا تذكرون خمس خبزات الخمسة الآلآف وكم قفة اخذتم ؟

 

عدد 10 : ولا سبع خبزات الاربعة الآلآف وكم سلاً اخذتم ؟

 

عدد 11 : كيف لا تفهمون اني ليس عن الخبز الخبز لكم ان تتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين ؟ “

 

أي من آيتي الخبز اللتين صنعتهما كان يجب ان تفهموا اني لم اقل لكم من اجل الخبز بل من اجل التعليم . ولم يزجرهم في البرية لئلا يخجلهم قدام الجموع . أما هنا فرأى الفرصة سانحة لتخجيلهم لأن الاية كانت مزدوجة فاستوجبوا التوبيخ .

 

عدد 12 : حينئذ فهموا انه لم يقل ان يتحرزوا من خمير الخبز ، بل من تعليم الفريسيين والصدوقيين .

 

أي وإن كان لم يفسرها فان توبيخه ايقظهم من الغفلة وصانهم عن الاستمساك بالتعاليم اليهودية وثبت إيمانهم .

 

أنت هو المسيح ابن الله الحي                                                       

 

عدد 13 : ولما جاء يسـوع الى نواحي قيصرية فيلبس سال تلاميذه قائلاً : “ من يقول الناس اني أنا ابن الانسان “ .

 

ذكر البشير متى اسم الذي عمّر المدينة . وذهب البعض ان فيلبس هذا كان قاطناً في المدينة فذكرها باسمه تمييزاً لها عن قيصرية أخرى كانت تدعى قديماً اسطرطون . وبعد سبع سنوات من حكم طيباريوس القيصر عمّرها ثم وسع نطاقها فيلبس الرابع وسمّاها قيصرية . وقد بنى هيرودس أخوه مدينة وسماها باسمه طيباريا فزاد على اسم قيصرية اسم فيلبس لكي تتميز عن قيصرية كبادوكية وعن قيصرية التي في داخل ارمينيا . ثم ان المسيح لم يسأل تلاميذه في مكان قريب يعتريهم فيه الخوف والوجل بل في مكان بعيد حتى تتنبه فيهم دالتهم عليه فيكشفون ضمائرهم بلا حذر ولا وجل . ولم يسألهم عن أفكارهم الخصوصية مباشرةً بل عن أفكار غيرهم حتى اذا ذكروها أعطوها الجواب عن أنفسهم . وسمى نفسه هنا ابن البشر لان اسم ابن البشر يطلق على من كان كساير الناس ولد من زرع . ويقصد بهذا اللقب ان يبين ان ليس له أب خاص بناسوته كسائر الناس لكنه ابن الانسان الاول (آدم) . ويؤخذ من ذلك أيضاً انه يريد ان تكون تدابيره منوطة بابن البشر . ومراده هنا لاهوته كقوله ما صعد أحد الى السماء الا ابن البشر ومتى رأيتم ابن البشر يصعد الى حيث كان . لاجل الاتحاد الحقيقي .

عدد 14 : فقالوا : “ قوم : يوحنا المعمدان ، وآخرون : ايليا ، وآخرون : ارميا أو واحد من الانبياء  “ .

 

ذكروا هؤلاء الثلاثة لانهم حفظوا بتوليتهم وقد شاهدوا المسيح على هذه الصفة . فذكروا يوحنا لسبب المدهشات التي قد جرت في حياته ومولده ومناقشته الفريسيين . وايليا لشهرته بآية ابنة الارملة الصارافية . ويقول القديس افرام ان ابن الصارافية هو يونان وانه ذاق الموت ثلاث مرات الاولى حين احياء ايليا النبي والثانية حين ابتلعه الحوت والثالثة حين مات كسائر الناس . فمرتين مات موتاً سرياً . ومرة مات موتاً طبيعياً . ثم ان يعقوب الرهاوي ونحن له تابعون لا نجزم بصحة هذا الرأي . لان بينه وبين زمان آخاب معاصر ايليا مراحل شاسعة . فأين هو وزمان حزقيا الذي كان فيه يونان . أما ذكرهم لايليا فلأن النبي قال ” هو ذا ارسل لكم ايليا قبل ان يأتي يوم الرب ” . وأما ذكرهم لارميا فقد قيل لأجله ” انك قبل ان تخرج من الرحم قدستك ونبياً للامم وهبتك ” . ثم لان اليهود كانوا يقولون في ذلك الزمان ان ارميا حي وانه جاث على ركبته ويقتات الطين والتراب وانه كان ينوح ويبكي على خراب اورشليم لذلك ظنوا ان ارميا قد تراءى وان يسوع المسيح هو ارميا بعينه . وذهب البعض ان أولئك القوم لم تطوح بهم الظنون الى حد انهم حسبوا المسيح انه موسى بل انهم ظنوه النبي الذي نوّه عنه موسى حيث قال انه ” سيقيم لكم الرب نبياً من أخوتكم مثلي ” فان ذلك وان كان المقصود به يشوع بن نون والانبياء الذين جاءوا بعده . فموسى نطق بالنبوة وهم طبقوها على المسيح .

عدد 15 : قال لهم : “ وانتم من تقولون اني أنا  ؟ “ .

 

عدد 16 : فأجاب سمعان بطرس وقال : “ أنت هو المسيح ابن الله الحي  ! “ .

 

ان المسيح له المجد طلب رأي جميعهم أما سمعان فانبرى في مقدمة التلاميذ لأنه اكبرهم سناً ورد الجواب بإعلان الحقيقة فما سمع سؤال المسيح ” من تقولون اني انا ” حتى صعد بعقله الى العلى فكشف له الاب عن المسيح انه ابن الله بالطبيعة فنادى على الارض قائلاً أنت هو المسيح ابن الله لاجل ذلك أعطيت له الطوبى ولما سأله مرتين أجابه انت هو ابن الله . ورب سائل لماذا لم يأتِ يوحنا بذكر الطوبى ؟ فنجيب ان في المرة الاولى كان وقت البدء بانتخابهم ولم تحن بعدد أيام آلام السيد المسيح وكان كفر سمعان بعيداً أيضاً ولم يكن معهم أحد إلا المسيح وتلاميذه . أما المرة الثانية فلأن أيام آلام السيد المسيح وموته كانت تقرب وكان له المجد يعلم ان سمعان سيجحده .

عدد 17 : فاجاب يسوع وقال له : “ طوبى لك يا سمعان بن يونا ، ان لحماً ودماً لم يعلن لك ، لكن ابي الذي في السموات .

 

يتساءل البعض لماذا لم يعطِ الطوبى لاولئك الذين كانوا في السفينة حين قالوا ” حقاً هذا ابن الله ” ولا لنتنائيل الذي قال ” انت هو المسيح بن الله ولا لمرتا كذلك ” . فنجيب ان اولئك مثل غيرهم من أبناء الله الكثيرين اعترفوا به كابن النعمة ولم يدركوا انه المولود من جوهر الآب أما سمعان فاعطي الطوبى لاقراره به ابناً طبيعياً لله وانه مولود من جوهره وإن كان قد صار انساناً . ثم تامل بقوله ” لكن أبي الذي في السموات ” كيف الاب يكشف للابن والابن للاب مصداقاً لقوله لا أحد يعرف الابن الا الآب وهنا اظهر مساواته للاب في الجوهرالواحد .

  عدد 18 : وأنا أقول لك أيضاً : انت بطرس ، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي ، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها .

 

لم يقصد المسيح ان يسمي شخص سمعان بالصخرة بل ذلك الإيمان القويم الذي ملأ قلبه حتى كشف له الاب معرفة الابن فسماه المسيح بطرس أي صخرة ( باليونانية) ويقصد بذلك الإيمان الذي نطق به . وقوله ” على هذه الصخرة ” أي على هذه الامانة التي نطقت بها قائلاً انني الابن الطبيعي للاب أبني كنيستي . والكنيسة هي مجمع مؤمنين ذوي امانة واحدة على شكل البيعة التي في السماء لا الحجارة والخشب . والمراد بابواب الجحيم الدسائس الشيطانية والاضطهادات الهائلة وكأنه يقول لبطرس اذا كان ابواب الجحيم لن تقوى عليها فبالاولى لا تقوى علي انا فلا تضطرب متى رأيتني اصلب واتألم .

عدد 19 : واعطيك مفاتيح ملكوت السموات ، فكل ما تربطه على الارض يكون مربوطاً في السموات . وكل ما تحله على الارض يكون محلولاً في السموات  “.

 

لم يقل له المجد اسال الآب فيعطيك ولكن ( انا ) اعطيك فليخز الذين يضعون مقام الابن في منزلة احط من منزلة الآب والعياذ بالله . وهنا نرى ان سلطاناً اعطى لجميع الكهنة القويمي الامانة بواسطة بطرس ورفاقه لان مسألة الربط والحل التي هي من حقوقه تعالى قد وكّل بها تلاميذه ثم تسلمت الينا بواسطتهم .

عدد 20 : حينئذ اوصى تلاميذه ان لا يقولوا لاحد انه يسوع المسيح .

 

ان ما لم يكشفه المسيح قبل صلبه قد كشفه بعد قيامته بعد ان زالت الشكوك التي خامرت الاذهان في حوادث الآلام والصلب والموت فبعد القيامة قويت فيهم روح الشجاعة والثبات فهجروا الملأ بانه المسيح المنتظر ونشروا تعاليمه . فانهم لو كرزوا به قبل تجرعه غصص الآلام لوجد السامعين مندوحة لادحاض تعليمهم وانكارها عليهم ولاقتلعت الشكوك كل ما يزرعونه في القلوب من حقائق الإيمان . فان سمعان نفسه الجريء في الإيمان ما لبث ان رأى الآلام حتى استسلم للشكوك فأفزعته جارية حقيرة ولكنه بعد قيامة المسيح وثب وثوب الاسد وناضل نضال الابطال البواسل وجاهد في الإيمان حتى الموت

المسيح يعلن عن موته وقيامته

 

 عدد 21 : من ذلك اليوم ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه انه ينبغي ان يذهب الى اورشليم ويتألم كثيراً من المشايخ ورؤساء الكهنة والكتبة ، ويقتل ، وفي اليوم الثالث يقوم .

 

أي من ذلك الحين غرس فيهم التعليم من حيث ابتدأ بقبول الامم وادخالهم في الحظيرة . ولم يفهم التلاميذ قوله ” يقوم ” لان ذلك بعيد عن ادراكهم البشري ولكنهم كانوا يقلقون عند ذكره الموت لانهم لا يرون في موته اقل خير لهم .

عدد 22 : فاخذه بطرس اليه وابتدأ ينتهره قائلاً : “ حاشاك يا رب!  لا يكون لك هذا  “ .

 

ونحن نظن ان سمعان أخذه من وسط التلاميذ الى خلوة خوف ان يسمعوا انه مزمع ان يموت فيتشككون ولكي لا يسمعوا احتجاجه على المسيح كأن يقول له : انت تموت ؟ اذاً فالنبوات عنك تبطل والمواعيد لا تتحقق لانها تشير الى ان المسيح يدوم الى الابد فكيف تقول انك تموت والآب كشف لي انك انت المسيح ابن الله الحي واين صحة الطوبى التي اعطيتها حاشى لك من آلام الموت . بمثل هذا كان بطرس يحاجج سيده غير عالم انه سيقوم بعد موته ورب سائل كيف جهل هذا من أعلن له الله وخصّه بالطوبى من اجل إيمانه ؟ فنجيب لانه استسلم لذاته عند سماعه ذكر الموت فرآه غريباً على المسامع بحسب الطبيعة بعد إعلان الوحي له انه ابن الله الحي .

عدد 23 : فالتفت وقال لبطرس : “ اذهب عني يا شيطان!. أنت معثرة لي ، لانك لا تهتم بما لله لكن بما للناس “ .

 

سمّاه شيطاناً اي مضاداً لان غيرته على المسيح اكتسبت صبغة شيطانية فظهرت كعثرة امام المسيح فانتهره وزجره ليتعظ الذين يستحون من ذكر آلام المسيح وصلبه وموته . لانه ان كان ذاك الذي اعلن له عن المسيح انه ابن الله وقبل الطوبى وتسلم المفاتيح سمي شيطاناً فما اعظم جرم الذين يستحون ان يقروا بتعاليمه ويجهروا بإيمانهم امام الجاحدين والمعطلين وقوله ” انك لا تقطن الخ ” أي لست تفكر فيما لله روحياً بل ان فكرك انساني لا يسمو عن طبيعة اللحم والدم .

 

ماذا ينفع الانسان اذا خسر نفسه ؟

 

عدد 24 : حينئذ قال يسوع لتلاميذه : “ ان أراد احد ان يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني ،

 

لما قال بطرس حاشى لك . أجابه قائلاً أما انا فاقول لك ولا انت تخلص ان لم تكن مستعداً للموت في كل حين . لا تظن يا بطرس ان اعترافك بي اني ابن الله يكفي لخلاصك بل ان عليك مواجب متعددة . فيجب عليك ان تجاهد حتى تنال الاكليل وقال مرقس الانجيلي ” ان يسوع دعا الجمع مع تلاميذه ” فأبان بذلك ان المسيح يدعو الجميع ولا يجبر انساناً على الإيمان به وانما كل انسان حرّ في ان يختار لنفسه ما يحلو له وقوله ” فليكفر بنفسه ” أي ان يسلم جسده للعذابات ويفكر بعقله ان آخر غيره هو المتألم لا هو وقوله ” يحمل صليبه ” أي ان يهيء نفسه للموت كل يوم وهذه نتيجة الكفر بالنفس ” ويتبعني ” أي يقتدي بي في التواضع والوداعة والعمل بما يسمعه مني .

عدد 25 : فان من اراد ان يخلص نفسه يهلكها ، ومن يهلك نفسه من اجلي يجدها .

 

أي من يحتمل الآلام باسمي ولاجلي في هذا العالم تخلّد نفسه في العالم الآتي . وهذه الدعوة مقدمة للعموم ولا يؤخذ منها انه يطلب منا ان نقتل انفسنا بل ان نعبد الله مؤمنين به كما يجب . ويقول لوقا البشير عوض يجدها يحييها . أي ان الذي لا يسلم نفسه للشهوات النجسة فانه يحييها . واما الذي يحب سد اطماع نفسه فانه يهلكها .

  عدد 26 : لانه ماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ؟ ام ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه ؟

 

خسارة النفس هلاكها فاذا خسرتها لم يبق لك شيئاً وان اعطيت العالم كله لانه لا يساوي نفساً تشتريها عوضاً نفسك . فالنفس اشرف واثمن ما للانسان فماذا تعطي عوض عنها اذا انت اهلكتها . وكل ما في العالم من الجواهر والنفائس لا يقوم مقامها وماذا يعود عليك اذا رايت العالم كله متنعماً وانت معذب .

 

عدد 27 : فان ابن الانسان سوف يأتي في مجد ابيه مع ملائكته ، وحينئذ يجازي كل واحد حسب اعماله .

 

ابان بهذا ان مجده ومجد أبيه واحد . ولما ذكر آلامه امام تلاميذه فزعوا وتقدم سمعان وقال حاشا لك يا رب . فأخذ هؤلاء الثلاثة وصعد الى الجبل لينفي عنهم الخوف ويزيل ما اعتراهم من الحزن والكآبة .

عدد 28 : الحق اقول لكم : ان من القيام ههنا قوماً لا يذقون الموت حتى يروا ابن الانسان آتياً في ملكوته “ .

 

صعد يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا الى الجبل معه واراهم مجده الذي مزمع ان يأتي به في مجيئه الثاني الذي يسميه ملكوته . وفي اليوم الذي كلمهم فيه لم يصعد الى الجبل لئلا يشك سائر التلاميذ ويزداد حزنهم وغيرتهم من رؤية ثلاثة منهم يتمتعون وحدهم بذلك المجد الباهر . فانهم جميعاً كانوا متشوقين لرؤيته لانه كان قد انبأهم بالامر قبل ذلك بايام ليمنعوا نظرهم فيتوقون لذلك المشهد السامي الذي تجلى به .