مقدمة الكتاب وهي تحتوي على ٢٨ فصلاٌ

Posted by on Aug 17, 2012 in Library, -الدر الفريد في تفسير العهد الجديد ـ تفسير انجيل متى - مار ديونيسيوس ابن الصليبي | Comments Off on مقدمة الكتاب وهي تحتوي على ٢٨ فصلاٌ

 

المقدمة للمؤلف

وهي تحتوي على ٢٨ فصلا :

في كلام المؤلف – في معرفة الله – في أن الله واحد ذو ثلاثة أقانيم – في ولادة الابن من الآب أزليا وبثق الروح – في سقوط الشيطان – في سبب خلقة الانسان – في حسد الشيطان لآدم – في تغيير الانسان عن الخير والشر – في تجسد الابن – في نقاء الجسد – في عدم تغييره في الجسد – في ان الخلاص بالمسيح وحده – في كيفية تجسد الكلمة – في لماذا لم يخلصنا بالقوة بل بالموت – في لماذا لم يأت البمسيح من الابتداء – لماذا لم تمت الخطية – في لماذا لم يجذب الله الناس الى الايمان غصبا – في غلبة الشيطان – في الغاية من المعمودية – في التناول من الجسد والدم الكريمين – في رد بعض اعتراضات – في رد مراعم اليهود – في أنواع الناموس – في بداءة الانجيل – لماذا الاناجيل أربعة – في كاتبي الاناجيل – في مبادئ أو قواعد الانجيل – في جامعه ومرتبه .

الفصل الأول

في كلام المؤلف

أنه بعدما أكملنا تفسير التوراة والأنبياء مختصرا حسب الامكان . أتينا لتفسير الحديثة منها ولم نقل من ذاتنا شيئا . بل انما نحن نبني على أساس البانين قبلنا بناء روحيا فائدة للنفس . ثم لما تأملنا في  تفسير الانجيل المفسر من المعلمين السالفين . أعني بهم القديس أفرام السرياني والقديس يوحنا فم الذهب والقديس كيرلس . وبعدهم موسى ابن الحجري ويوحنا اسقف دارا وغيرهم كثيرون من المعلمين  . ورأينا أنه لغير الممكن ان نجمع تفاسيرهم كلهم في كتاب واحد كيلا تخرج الكلمة خارجا عن الحد والقياس  فتحوجنا الى أسفار وكتب كثيرة . فأردنا قطف المعاني المخفية في مضمون تفاسيرهم بالاختصار لئلا نجعل مطولاتهم ثقيلة على السامعين كالشبع والاكل الكثير الذي يثقل المعدة ويملأ البطون ولكي يستيقظ الغافلون والكسالى للقراءة والهذيذ المعتدل . وأنت أيها الراغب مع السامعين صلي علي أنا يعقوب ابن الصليبي فاني حسب طاقتي عملت المطلوب . أما الآن فنأخذ في ايضاح المعنى المضون في الفصول المرتبة من المعلمين قبل تفاسيرهم .

الفصل الثاني

في معرفة الله

من نوعين يعرف الناس ان الله موجود : الأول من الطبيعة والثاني من الكتاب . أمّا من الطبيعة فإنّ المعرفة مغروسة في بني البشر أنّ الله موجود . وأنه خالق كل المخلوقات . بل ويعرف وجود الله من مباحث منطقيّة وطبيعيّة بأنّ الموجود إمّا أزلي وإمّا زمني . أمّا الأزلي فيدل على ما ليس له بداية ولا نهاية وهو من صفات الله وحده . أمّا الزمني فيدل عمّا قد بدأ وينتهي كالمحسوسات . وما لا ينتهي كالمخلوقات المعقولة.

ان العالم زمني ومخلوق . ويُعرف ذلك من مواضيع كثيرة منها : أنّ العالم هو جسم والجسم ليس بأزلي . وانّ العالم هو محدود ومركب ومحسوس وينقسم إلى أجزاء وقابل الأعراض والتغيير . ويحوي الأضّداد ومحصور في مكان ، والذي تُطلق عليه هذه الصفات ليس بأزلي ، فإذاً العالم ليس بأزلي والذي ليس بأزلي هو زمني ومخلوق وله خالق أزلي هو الله الذي ليس له بداية ولا نهاية . فان شاهدنا بيتاً فنعلم ان له بنّاء قد بناه ولو لم يكن البنّاء قريباً وان رأينا كرسياً أو سفينة فنتصور ان صانعهما هو النجار . وكذلك لمّا نرى المخلوقات فنعلم ان الله خالقها . وهكذا إذ نرى العالم محفوظاً ومصاناً والأضّداد فيه موجودة فنعلم ان الله حارسه وحافظه بقدرته القادرة جلّ شأنه.

أما من الكتاب فهو كما قال الرسول بولس : ” لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر ( رو 1 : 19 ).

الفصل الثالث

في ان الله واحد في ثلاثة أقانيم

إن الله واحد لا أكثر . وهذا يُعرف من أن الواحد لا ينقسم أما الاثنان وما فوقهما فتنقسم . أمّا الله فلا ينقسم . فإذاً واحد هو الله لأن الواحد لا ينقسم . وأيضاً الواحد لا يقع تحت العدد أمّا الاثنان وما فوقهما فتقع تحت العدد . والله لا يقع تحت العدد . فإذاً واحد هو الله .  ثم ان الله تامّ وكامل بالقوّة والصلاح والعدل . لأنه حيث لا يوجد تغيير ولا نقص لا يوجد التعدد في الذات . وبالعكس حيث يوجد التغيير يوجد التعدد . ثم ان هذا الواحد هو أقانيم ثلاثة والدليل على ذلك معلولاته فهي : أولاً ممكنة الوجود لذا يجب ان يكون علّتها واجب الوجود . ثانياً أن منها ما هو ذو حيوة فيجب ان يكون هذا معلولاً لعلّة ذات حيوة . وثالثاً ان منها ما هو ذو نطق فيجب ان يكون هذا معلولاًً لعلّة ذات نطق . فينتج من ذلك ان الله واجب الوجود وبالتالي ذو حيوة ونطق ولذا يتميز هذا الواجب الوجود بأنّه علّة وبأن الحيوة والنطق معلولان له والعلّة إمّا تتقدم معلولها كتقدم الصانع على صنعته والوالد على مولوده . أو تلازم معلولها كملازمة النار للحرارة والنور للشعاع .

الفصل  الرابع

في ولادة الابن من الآب أزلياً وبثق الروح

ان كثيرين يقولون ان الله لم يلد . فنجاوب قائلين ان الولادة نوعان : أزليّة وزمنيّة . فولادة الابن من الآب أزليّة . وأنه لا يُطلق على الله ولادة إنسانية . بل نقول انه وَلَدَ الابن وبَثَقَ الروح منذ الأزل . وذلك كولادة الشعاع من النور والكلمة من العقل . وقد تضمن الكتاب هذا المبدأ القويم بقوله : ” بكلمة الرب خُلقت السماوات وبروح فيهِ جميع قواتها ” ( مز 33 :  6  ) .

الفصل الخامس

في سقوط الشيطان

مثل الحجارة التي تنهال من رأس الجبل متدحرجة إلى اسفل فتصطدم بحجارة كثيرة غير ثابتة فتجرفها معها ، هكذا الشياطين كونهم غير مؤسّسين في الخير والصلاح باختيارهم ، فبحريتهم مع رئيسهم اللعين تهوّروا ونزلوا إلى أعماق الخطيّة .

الفصل السادس

في سبب خلقة الإنسان

انه لا يليق وجود النور بلا ناظر . ولا مجد بلا شاهد . ولا خيرات بلا تلذّذ . من أجل هذا قد خلق الإنسان ليتلذّذ في الخيرات الإلهية . ولذلك قد خلقه على صورته ومثاله . أي انه ناطق ومسلط على ذاته وحكيم وحر . بل يشبهه بما انه محباً للخيرات والفضيلة والرحمة .

الفصل السابع

في حسد الشيطان لآدم

لماذا حسد الشيطان آدم ؟ ألانه رأى ان آدم الترابي أُكرم بصورة الله تعالى فحسده . ولأنه لم يقدر ان يهلكه فعرض عليه مشورة . وبغواية الحية الطاغية سلبه البركة فأدخل الخطية عوض البرارة

الفصل الثامن

  في تغيير الإنسان عن الخير والصلاح

ان الإنسان منذ سقط في الخطية بغواية الحية تغيّر عن الخير والصلاح بإرادته واختياره ، شأنه شأن إنسان يُطبق عينيه في رابعة النهار فيرى ذاته في الظلمة . ان الله قد خلق العين ولم يخلق العمى . خلق النظر لينظر الإنسان لا ليكفّ نظره . كذلك قد أعلن الفضيلة وأمر بالابتعاد عن الشر  .

وان قيل ان كان الله عارفاً ان الإنسان سوف يسقط فلماذا خلقه ؟ فنجيب ان الله جلّ شأنه خلقه ليعمل الصالحات ، أما السقوط والمرض والشر والموت فهذه كلها باختيار الإنسان ، وان هذه الضربات كانت ولا تزال ثمرة المعصية وتأديباً عنها وهي كالعقاقير المسهّلة تشفي الجسد الضعيف . وإذا كان الله تعالى عارفاً ان آدم سوف يسقط فقد كان عارفاً أيضاً انه سيأتي ويخلصه ويُرجعه إلى رتبته الأولى .

الفصل التاسع

في تجسد الابن

كثيرون يسألون لماذا تجسّد الابن لا الآب أو الروح ؟ فنقول لكي لا يصير نقصاً في وصف خواص الأقانيم الآب والد والابن مولود والروح منبثق . فالابن الذي خاصته الولادة قد وُلد وتجسّد ودُعي ابن الله وابن البشر . ونقول أيضاً أن الابن الكلمة قد وُلِد من الآب مثل كلمتنا من العقل . وكما ان الكلمة تُكتب وتتجسم في القرطاس ، لا العقل الذي قالها ولا الروح الذي منه يخرج ، هكذا الكلمة قد تجسّد لا العقل أي الآب ولا الروح الذي يخرج منبثقاً من الآب . أما كيفية الولادة فنقول انه لم ينتقل من مكان إلى مكان أو ترك مكاناً واحداً وحلّ في مكان آخر ، فذاك خاصة الأجسام المحدودة ، لكن ذاك الذي كان خفيّاً صار ظاهراً بالجسد ، وغير المنظور صار منظوراً . وكمثل أشعة الشمس التي تدخل من المنافذ إلى البيت ويمتلئ البيت منها ، وهي موجودة في السماء وفي البحار وفي البيت الذي دخلته وفي كل مكان ، هكذا الكلمة لما حلّّ في البتول كان في السماء وفي البتول وفي كل مكان . وتطلق لفظة “ابن” عادة على المخلوقات المحدودة لا على الله . ويقول البعض كيف نزل وحلّ في البتول وأرسل الله ابنه وصار من امرأة ؟ فنقول أنها ليست إرادة الله التي حلّت في البتول بل كلمة الله ، فيوحنا الإنجيلي يقول : ان الكلمة صار جسداً وحلّ فينا ( يو 1 : 14 ) . ويقول بولس الرسول : لمّا جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة تحت الناموس ( غل 4 : 4 ) . وقال عنه أيضاً انه وُلد بالجسد ، وبقوله وُلد بالجسد قد بيّن أن له ميلاداً آخر . قال جبرائيل الملاك للعذراء : قوّة العلي تحلّ عليك ( 1 : 35 ) ، ويعني الله الكلمة . إذاً فليخز الهراطقة القائلون ان إرادته فقط قد حلّت في البتول .

الفصل العاشر

في نقاء الجسد

كثيرون يقولون كيف لمّا اتّحد الكلمة بالجسد لم يتدنس ولا توسخ ؟ فنقول كما انه تعالى قريب من كل الأطفال المخلوقين في بطون البشر والحيوان يصوّرهم ولا يتدنس من مخلوقاته ، هكذا لم يتدنس ولا توسخ لما حلّ في البتول . ونقول أيضا ان الله على السويّة قريب وبعيد من السماء ومن كل المخلوقات وهو ضابط الكل . فإن كان قريباً من البعض ومبتعداً من البعض لئلا يتدنس فترى قواه وطبعه مركبة . ونقول أيضاً ان الروحانيين لا يمكن ان يتدنسوا من الأجسام ، ولا الملاك يتدنس إذا كان قريبا من الأمكنة الدنسة ، ولا النفس يضرّها وسخ الجسد ما عدا خطيته ، ولا الشمس تتوسخ بعبورها على النجاسات ، ولا النار تنال شيئاً من المادة النجسة مهما كانت نجاستها . فان كان الرجال الروحانيين والجسدانيين المنظورين هكذا ، فكم بالأحرى الخالق الذي لا يمكن ان يتنجس بل يطهّر ويقدّس المدنسين .

الفصل الحادي عشر

في عدم تغييره في الجسد

يسألون هل باتحاده تعالى مع جسدنا قد أصابه تغيير ؟ فنقول لا ، لأنه كما ان نور الشمس لا يتغير ولا يلحقه نقص إذا اتّحد بلوح البلور ، وكما ان المعلم لا تنقص معرفته عندما يتنازل مع الصغار ، وكما ان النفس لا يصيبها تغيير عندما تتحد بجسدها ، وكما ان الحديد لا يغير النار باتحادها معه ، هكذا الله عندما اتّحد بالجسد لم يتغير .

الفصل الثاني عشر

في ان الخلاص بالمسيح وحده

يسأل البعض لماذا لم يخلّصنا الرب بواسطة ملاك أو رسول بل خلّصنا بذاته ؟ فالجواب انه لم يكن في الإمكان خلاص الجنس البشري بواسطة إنسان خاطئ وعبد للخطيئة إذ ” الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله ” كما يقول الرسول بولس ( رو 3 : 23 ) . ولم يكن هذا الخلاص ممكناًًً بواسطة ملاك لأن الجبلة إذا فسدت لا يقدر ان يصلحها إلا جابلها ، وذلك كمثل إناء زجاجي إذا انكسر فلا يمكن تصحيحه من بنّاء أو نجار ، بل الذي صنعه أولاً . وهكذا نحن لمّا سقطنا في الخطية لم يقدر ان يقيمنا من السقطة إلا الله الذي خلقنا .

الفصل الثالث عشر

في كيفية تجسدالكلمة

ان الله تعالى خلق الإنسان ، وإذ اخطأ وزلّ نزل الله وتجسّد ليخلّصه . ويبين الرسول بولس ذلك قائلاً : لأن البنين اشتركوا في اللحم والدم وهو أيضاً كذلك ( عب 2 : 14 ) ، إذ بقوله البنين يعني الأنفس . وقد جرت عادة الكتاب ان يذكر الكل ويريد منه الجزء .  فكما تتّحد النفس بالجسد وتصير معه اقنوماً واحداً وطبيعة واحدة ، هكذا الكلمة اتّحد مع الجسد والنفس وصار إنساناً وقبِل الموت عوض الموت لكي بموته يُميت الشيطان . لأنه كما ظهر هذا القتال بجسم الحية وقتل أبوي البشر ، كذلك ظهر ابن الله بجسم إنسان وأحيا الإنسان الميت وقهر الذي أماته . غير ان البعض يقولون ألم يلحق الكلمة المتأنس نقص بقبوله الآلام والموت ؟ الجواب كلا ، لأن تواضع الملك في مساجلة خدامه يزيده رفعة وشرفا ، وكذلك الجبار إذا أسلم ذاته للقيود بإرادته فلا يقال ان قوته نقصت . فاذاً تواضع الكلمة المتجسّد وقبوله ضعف الضعفاء زاده مجداً ولم ينله نقصاً البتة سواء كان على الصليب أو في القبر أو في الهاوية ، فالفساد لم  .يدن منه أبداً

الفصل الرابع عشر

في لماذا لم يخلصنا بالقوة بل بالموت

لماذا لم يخلصنا بالقوة بل بالموت ؟ الجواب لأنه تعالى عادل والعدل يطلب تنفيذ الحكم على آدم بالموت إذ خالف الوصية . وقد قام المسيح بموته مقام آدم وأوجب له الحياة . وقد وجبت له الحياة لأن الذي مات عنه قدوس وبلا خطية ومثله مثل طبيب فطن يتمارض لكي يرشد المريض الى العلاج المنقي الشافي .

الفصل الخامس عشر

في لماذا لم يأتي المسيح من الابتداء

لماذا لم يأت المسيح من الإبتداء ؟ الجواب لأنه كما ان الولد لا يُعطى له اللحم مأكلاً حتى يكتمل ، هكذا لما بلغ جنسنا حد الكمال في المرض جاء إليه . فبعدما بلغ سيل الخطايا الزبى وفاض كيلها لم يبق نوع من أنواع الشرور لم يرتكبه الناس عند ذلك جاء الطبيب لخلاصهم .

الفصل السادس عشر

لماذا لم تمت الخطية

يقولون كيف لا نزال نتلاطم بأمواج الخطية بعد الشفاء ؟ نقول ان الحية المرضوض رأسها لا تموت في الحال فإن ذنبها لم يزل يتحرك ، هكذا الشر وان كان قد بطل بقوة ربنا لكنه ما زال يضرّ العالم ببقاياه وفضلاته .

الفصل السابع عشر

في لماذا لم يجذب الله الناس إلى الإيمان غصباً

ان الله خلق الإنسان حراً وليس من الحكمة والعدل ان ينزع من الإنسان الحرية التي منحها له وهو الحكيم العادل ويجعله في منزلة الحيوانات التي تُساق إلى العمل قسراً .

الفصل الثامن عشر

في غلبة الشيطان

يسأل البعض كيف قُتل الشيطان وبطلت الخطية ومات الموت ؟ والجواب ان موت الشيطان على ثلاثة أنواع : أولاً عذابه كقول الكتاب : ” ان النفس التي تُخطئ هي تموت ” ( حز 18 : 20 ) ، فمن المعلوم ان موت النفس هو عذابها ، وهكذا مات الشيطان بالعذاب لان تشامخه قد هلك وباد ورذلت عبادة الأصنام . ونقول أيضاً قد مات الشيطان لأن قوته التي أوجدت الشر قد قتلها المسيح وبيّن الخطيئة وفضحها أنها خطية لكي ينفر الناس منها . وإن قيل إن كان الشيطان ميتاً فكيف يعذب الناس بتجاربه ؟ فنقول قد سمح الله بوقوع التجارب بالفكر تارة والفعل تارة أخرى لتطهيرنا وتشريفنا ، كما سمح بوقوع أيوب الصدّيق في التجارب . ثم نقول ثالثاً قد بطلت الخطية لأنها محيت وغفرت وتطهّرنا منها بدم الفادي . والأدوية الماحية للخطايا هي التوبة الصادقة والأسرار المحيية بعد الإيمان . أمّا الموت فقد أبطله المسيح بموته وكسر قوته ومثل حيوان أو ثعبان ردي سحق رأسه . وحقاً قد بطل الموت ، لأن ربنا أقام جسده العديم الفساد وصار باكورة الراقدين جميعا .

الفصل التاسع عشر

في الغاية من المعمودية

لماذا أعطانا المعمودية ؟ الجواب لكي يغسلنا من أوساخ الخطيئة ونولد بها ولادة روحية ، لان الميلاد الجسدي يؤول إلى الموت وميلاد المعمودية يمنح الحياة . فان تغطيسنا ثلاث مرات في جرن المعمودية دلالة على نزول سيدنا ومكوثه في القبر ثلاثة أيام وصعودنا من الجرن دلالة على سر قيامته ، لأنه دُفن في الأرض ونحن نُدفن في الماء ، وان نسبة الماء إلى الأرض قريبة لاختلاطهما ببعض .

الفصل العشرون

في التناول من الجسد والدم الكريمين

سأل المؤمنون لماذا نتناول الجسد والدم ؟ والجواب ان النار حين تتّحد بالحديد تفيده قوة فيضيء ويُحرق مثلها ، هكذا المسيحي إذا تناول من جسد المسيح ودمه يتّحد بالمسيح ويحيا به وينال عدم الموت . ان الله الكلمة باتحاده بالجسد لم يغير الجسد إلى طبع اللاهوت ، أما الخبز والخمر فباتحاد الكلمة بهما يصيران جسد ودم عمانوئيل المأخوذ من أحشاء البتول حقا .

الفصل الحادي والعشرون

في رد بعض اعتراضات

زعم البعض أننا غيّرنا بعض القضايا في الإنجيل المقدس . فالجواب ان هذا الزعم باطل والكتاب المقدس سالم من التحريف . والدليل على ذلك وجود النسخ القديمة المخطوطة قبل عصر محمد بعدة قرون . ثانياً وجود معظم نصوص هذا الكتاب في مؤلفات آباء الأجيال الأولى المسيحية حتى ظنّ البعض انه من الممكن ان نحصل على أسفار العهد الجديد من تلك المؤلفات . أما القول المعترض أننا قد حوّلنا الكلام عن موضعه كما ورد في القرآن ، فهذا الكلام كان توبيخاً لليهود الذين كانوا يغالطون محمداً وينكرون عليه بعض النصوص التي كان يوردها لهم من توراتهم ، وإلا فليبيّنوا لنا من هذا الذي غيّر في الإنجيل وفي أي زمان ولأي سبب وأية كلمات غيرنا . فان قلتم ان التغيير كان من الرسل فالقرآن يشهد ان الرسل كانوا رجالاً فاضلين ، وفي أي زمان غيرنا ، هل كان في زمان حكمكم ؟ وان كنا غيرنا من أجل فوائد جسدية فكان الأولى بنا ان نغيّر قوله تعالى بيعوا أمتعتكم وأعطوا المساكين ، ومن طلب منك فلا ترده ، ومن ضربك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر . وان نغير العبارات التي يشتمّ منها الإهانة والتحقير للمسيح مثل قوله : فصلّى يسوع وجرت دموعه هاطلة ، وضُرب بالسياط وعرقه كان يجري كنقط الدم . لقد صار معلوماً انه لم يتغير في الإنجيل شيء وهو ذا مكتوب في كتابكم ” فان ارتبتم في أمر من الأمور اسألوا قراء الكتب من قبلكم ” . أرايتم كيف ان كتابكم يرشدكم إلينا وأيضا نبيكم بقوله : ” قال الله تعالى أننا قد أعطينا عيسى الإنجيل الموجود فيه نور وحياة وهداية وإرشاد إلى طريق الحق والصواب ” . فإذاً كان فيه نور وحياة فمن هو الذي يهرب من النور إلا الأعمى ؟ ومن هو الذي يهرب من الحياة إلا الميت ؟ ومن هو المائل عن الطريق إلا السارق ؟ ومن هو المائل عن الحق والصدق إلا الكذاب . فصادقٌ هو إنجيلنا خصوصاً وأنتم شاهدون على صدقه وهو بريء من الشبهات وأوامره شافية لخطايا النفس وأوجاعها . فالإنجيل المقدس اخبرنا عن المزمعات والذين قبلوه لم يقبلوه خوفاً من السيف بل لأنهم رأوا العجائب الباهرة الإلهية .

الفصل الثاني والعشرون

في رد مزاعم اليهود

ان اليهود يزعمون أننا زدنا على أقوال الله وحِدنا عن قوله : ” لا تزد على الناموس ولا تنقص ” . ويعترضون علينا بأن الإنجيل هو زيادة . فنجيبهم قائلين : انتم أيضا قد زدتم كتب الأنبياء على الناموس . فان أجابونا ان النبوًات تناسب التوراة فنجيبهم نحن أيضاً ان الإنجيل كذلك يناسب التوراة ويكمّلها . وان قالوا ان الرسل كانوا صيادين فنجيبهم ان الأنبياء كذلك كانوا رعاة ، ولأن الناموس ليس بكاف ليكمل الناس في البر فلزم الأمر للإنجيل لينير العالم قاطبة . ثم يقولون انه يوجد فيه مضادات فنجيبهم ان المضادات المزعومة هي بحسب الظاهر مثل قوله في كتابكم : ” انك في اليوم الذي تأكل  من الشجرة موتاً تموت ” ( تك 2 ) ، مع انه مات بعد تسع مائة وثلاثين سنة ( تك 5  ) .

الفصل الثالث والعشرون

في أنواع الناموس

يسأل الناس : بكم نوع يسمى الناموس ؟ والجواب يسمّى الناموس بثلاثة أنواع : أولا طبيعي ، وهو التمييز ومحكمة الذمّة الموهوب لبيت آدم مختوماً في قلوبهم . ثانياً كتابي ، وهو التوراة القائلة لا تقتل لا تزن .. الخ . ثالثاً ناموس المسيح القائل : ومن ضربك على خدك … الخ ، وهو ناموس النعمة والفضل والكمال . فالعهد القديم قد أُعطي في جبل سينا بعد خروج الشعب من مصر بالدخان والنار لأجل قساوة الشعب . أما العهد الجديد فقد أعطي في العليّة بعد خروج الشعب من الخطيئة في الساعة الثالثة من نهار يوم الاحد . فالعهد تفسيره ميثاق وعادة يبتّ بسفك الدم ، وقد بتّ العهد الجديد بسفك دم الابن . ومعنى الانجيل بشارة مفرحة فقد تبشّرنا ان المسيح نزل الى الارض وأبطل الموت وأظهر الملكوت . والانبياء نادوا صارخين ان الرب سوف يعطي كلمة البشارة بقوة عظيمة . اما الانجيلي فمعناه المبشر المفرح . ومعنى الانجيل قصة تأنّس الكلمة وبشارته وموته وقيامته . أما كتاب الرسل ورسائلهم فتحتوي على إيضاح الانجيل والبشارة به .

الفصل الرابع والعشرون

في بداءة الإنجيل

ان ابتداء الإنجيل هو العماد . قال القديس فيلوكسينوس ان السيد المسيح من الميلاد إلى العماد تدبّر تدبيراً ناموسياً . فالعماد هو بدء الإنجيل . قال باسيليوس في مقالته ضدّ اونوميوس : بدء الإنجيل هو كرازة يوحنا المعمدان التي سمّاها مرقس بدء الإنجيل . وقد اختار ربنا أناسا ساذجين وجاهلين حتى لا يُنسب عمل العجائب لأصحاب البلاغة والفصاحة المعظمين . وهكذا انتخب الله الآب في القديم موسى النبي وداود النبي راعيان وعاموس النبي راعي مواشي . وقد انتخب الله الأنبياء رعاة لأنهم في أرض اليهودية كانوا يرعون قطيعاً مخصوصاً ، أما في العهد الجديد فقد اختارهم صيادين مرسلين إلى كل المسكونة ودعاهم شبكة جامعة من كل جنس .

الفصل الخامس والعشرون

لماذا الأناجيل أربعة

ان الإنجيليين الأربعة كتبوا الإنجيل لأنهم كانوا مزمعين ان يبشروا أقطار المسكونة الأربعة . وهذا العدد يناسب عناصر الطبيعة الأربعة ، والأنهر الأربعة ( تك : 2 ) ، والأرواح الأربعة الحاملة كرسي العظمة التي منها : الاسد دلالة على الشجاعة والقوة والبطش ، والنسر دلالة على سمو المعاني ووفرة المعرفة والحكمة والأسرار ، والثور دلالة على الارتباط والاتحاد والمحبة ، والانسان دلالة على صورة الله ومثاله ، أما البكرتان الواحدة داخل الأخرى فهما سرّ العهدين القديم والحديث ، والأعين سرّ المعرفة الكاملة التي قد زرعها الرسل في العالم ، والإنسان الذي فوق المركبة دلالة على الله الكلمة الذي كان مزمعاً ان يتجسد .

الفصل السادس والعشرون

في كاتبي الأناجيل

كتب الإنجيل اثنان من الرسل هما متى ويوحنا ، واثنان من المبشرين هما مرقس تلميذ بطرس ولوقا تلميذ بولس . فلم يكتب الإنجيل أربعة من الرسل لئلا يدخل صغر النفس المبشّرين فيقولون لسنا شركاء مع الرسل في الكرازة ولا في الكتابة . أما من هو جامع الأناجيل الأربعة في كتاب واحد ومرتّبها . فقد قال قوم انه اوسابيوس القيصري الذي رأى ان أمونيوس الإسكندري قد خلط في الإنجيل وغيّر عدد النسب الطبيعية والسنيّة مثله مثل تيطانوس الهرطوقي المحروم . فعزلَ أقوال الأربعة المخلوطة ورتّبها متنحية ومنقسمة إلى فصول . وقال آخرون ان يوحنا الإنجيلي رتب الثلاثة البشائر في كتاب واحد وأضاف إليها كتابه .  لقد كتب متى إنجيله قبل ان ينتشر الرسل ، أما مرقس ولوقا فقد كتبا بعد ان انتشروا ، وعندما وصلت الكتابات إلى المؤمنين طلبوا من يوحنا ان يكتب هو أيضا عن جميع ما هو لازم وضروري . فلما قام الاضطهاد على الرسل ورجم اسطفانوس وقتل يعقوب ، انتشر الرسل ليكرزوا بالإنجيل بين الشعوب . أما العبرانيون الذين آمنوا وعاينوا الأمور ، فقد طلبوا من متى ان يدوّن لهم في سفر ما قاله لهم بالفم . وسلك طريقه مرقس ولوقا بدون ان يطلعا على ما دوّنه ، أما يوحنا فقد كتب عن اللاهوت وعن أعمال المسيح منذ عماده . أما غرض كتابتهم فهو التبشير بمجيء ربنا بالجسد وبالخيرات التي صدرت لنا منه . ان متى كتب إنجيله في بلاد فلسطين بالعبراني . ومرقس كتبه باللغة اللاتينية في رومية والقديس يوحنا فم الذهب قال ان مرقس كتب انجيله باليوناني في مصر . ولوقا كتبه باللغة اليونانية في الاسكندرية . ويوحنا كتبه باللغة اليونانية في افسس . وبثلاث لغات كُتب فوق الصليب ، بالعبراني واليوناني والروماني ، لأن هذه اللغات كانت دارجة ومستعملة حينئذ في عاصمة اليهودية . ان لوقا رتّب حوادث المسيح وتعاليمه منسّقة وراء بعضها بإنتظام وهكذا أيضاً يوحنا ولو انه ترك اشياء كثيرة في الوسط فقد قالها زملاؤه . أما متى فلم يفعل هكذا بل وضع تعاليم السيد وراء بعضها رغم اختلاف زمان النطق بها بخلاف زملائه الذين وضعوها في فصول مختلفة ما عدا مرقس الذي نسج على منوال متى . ولذلك لم يفهم الناس غرض الانجيليين وساقهم الوهم والظن إلى انهم اختلفوا عن بعضهم بعضاً ونفى احدهم ما أثبته الآخر . وقد قلنا آنفاً ان ابتداء الإنجيل هو العماد ، لذلك ابتدأ مرقس من عماد المسيح . أما متى فقد ابتدأ مخبراً عن نسبة القبائل ليبيّن للعبرانيين ان المسيح قد ظهر من نسل داود بالجسد ، حسب نبوّات الأنبياء عنه . أما لوقا فقد ابتدأ من ميلاد يوحنا لكي يوبخ الذين اقتربوا بقلّة اعتبار إلى انجيل السيد المسيح . أما يوحنا فقد طار كنسر فوق العقول البشرية ليعرفنا ان زملاءه ولو انهم كتبوا ان المسيح انسان لكنه إله ، يكرّم كما يكرّم الآب لانه تأنّس بالجسد ومات وقام بالجسد . وقد آمن الناس وصدّقوا كرازتهم لاجل العجائب التي كانوا يعملونها . ان يوحنا تكلم عن الروحيات ورفقاءه تكلموا عن العالميات . فمتى كتب لليهود واجتهد ان يخبرهم عن ميلاد المسيح وتردده بالجسد . أما مرقس فاهتم بالكتابة ضد سيمون الساحر ، الذي كان يظن ان تدابير المسيح خيالية ، لذلك أثبت الجسدانيات . وقيل ان مار بطرس امره ان يكتب عوضاً عنه ظاناً انه اذا كتب هو فيستحقر الناس كتابة رفقائه لقول المسيح له : ” أنت هو بطرس ” . لهذا السبب أوصى تلميذه ان لا يتغافل عن ذكر كفره بمعلمه المسيح مقراً برحمة الله عليه انه قابل التائبين . وهكذا لوقا فقد أمره بولس ان يكتب لانه كان متشبهاً بمعلمه فكتب هذا مطوّلاً ليقوّي إيمان تاوفيلا الشريف .

الفصل السابع والعشرون

في مبادئ أو قواعد الإنجيل

ان لكل كتاب سبع قواعد : (أولها الغرض) ، وغرض الإنجيل هو ان يفيد الإنسان الحياة بالله وذلك بواسطة الاعتقاد والأيمان بالثالوث الأقدس وبالعيشة الفاضلة التي تؤول لخلاص النفس . (ثانيها الرتبة) ، أي رتبة قراءة التوراة والأنبياء إذ قد كملت كل المقولات النبويّة في الكتب . ( ثالثها اسمه) ، يسمّى إنجيلا ومعناه البشارة المفرحة لأنه بشرنا بالخلاص الذي بالمسيح يسوع . (رابعها تقسيمه إلى فصول) ، أعني إلى معرفة إله واحد ذي ثلاثة أقانيم والى المداومة في الأعمال الصالحة لنوال الحياة الأبدية ، والى الفرح برجوع الخطاة التائبين وحفظهم الوصايا ، والى تذكرة يوم الحكم والدين والمجازاة حسب الأعمال خيراً للخيّربن وشرّاً للأشرار . (خامسها لمن هو الكتاب ) ، هو كتاب الله السيد المسيح المنادى به بواسطة الرسولين متى ويوحنا والمبشرين مرقس ولوقا . (سادسها كيف يتداول به الناس وفي أي زمان ووقت) ، في الوعظ والتعليم في سبيل الله في أوقات التكلم بالروحيات وبقصص القديسين وفي السر والجهر . ( سابعها مصنفه) ، هو متى ومرقس ولوقا ويوحنا .

الفصل الثامن والعشرون

في جامعه ومرتبه

ان أول من اهتم بوضع قوانين الإنجيل هو أوسابيوس القيصري ويُعرف هذا من رسالته إلى  فارفينوس وهو الذي بيّن في القوانين التي وضعها اتفاق الإنجيليين . أمّا امونيوس وتيطيانوس فقد كتبا الإنجيل الذي يقال له المختلط وقد وقفا عند حوادث القيامة التي توهّما ان هناك اختلافاً في روايتها . أما اوسابيوس فأظهر بقوانينه اتفاق الإنجيليين بعضهم مع بعض . فقد رتّب اوسابيوس عشرة قوانين ووضع حرف الألف علامة على القانون الأول ودلالة على ان الأربعة الإنجيلين قالوا هذا الكلام . مثال ذلك قول الإنجيل ( هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ) دلالة على ان هذه العبارة موجودة في القانون الأول . ففي القانون الأول الأربعة متفقون ، وفي القانون الثاني ثلاثة اتفقوا متى ومرقس ولوقا ، وفي القانون الثالث ثلاثة اتفقوا متى ولوقا ويوحنا ، وفي القانون الرابع ثلاثة اتفقوا متى ومرقس ويوحنا ، وفي القانون الخامس اثنان اتفقا متى ولوقا ، وفي القانون السادس اثنان اتفقا متى ومرقس ، وفي السابع اثنان متى ويوحنا ، وفي الثامن اثنان مرقس ولوقا ، وفي التاسع اثنان لوقا ويوحنا ، وفي العاشر انفرد أحدهم في خبر السامرية وخبر المرأة التي أُمسكت في زنى .