” هولاكو بن تولي خان “
ولما ملك هولاكو بغداد ورتب بها الشحاني والولاة أنفذ بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل إليه ابنه الملك الصالح اسمعيل ومعه جماعة من عسكره نجدةً له. فأظهر له هولاكو عبسة وقال : أنتم بعد في شك من أمرنا ومطلتم نفوسكم يوماً بعد يوم وقدمتم رجلاً وأخرتم أخرى لتنظروا من الظافر بصاحبه فلو انتصر الخليفة وخذلنا لكان مجيئكم إليه لا إلينا. قل لأبيك : لقد عجبنا منك تعجباً كيف ذهب عليك الصواب وعدل بك ذهنك عن سواء السبيل واتخذت اليقين ظناً وقد لاح لك الصبح فلم تستصبح. فلما عاد الصالح إلى الموصل وبلغ أباه ما حمل من الرسالة الزاجرة أيقن بدر الدين أن المنايا قد كشرت له عن أنيابها وذلت نفسه وهلع هلعاً شديداً وكاد يخسف بدره ويكسف نوره. فانتبه من غفلته وأخرج جميع ما في خزائنه من الأموال واللآلئ والجواهر والمحرمات من الثياب وصادر ذوي الثروة من رعاياه وأخذ حتى حلي حظاياه والدرر من حلق أولاده وسار إلى طاعة هولاكو بجبال همذان. فأحسن هولاكو قبوله واحترمه لكبر سنه ورق له وجبر قلبه بالمواعيد الجميلة واستأمن إليه وداعبه وقدمه إلى أن أصعده إليه على التخت وأذن له أن يضع بيده في أذنيه حلقتين كانتا معه فيهما درتان يتيمتان. وأقام في خدمته أياماً ثم عاد إلى الموصل مسروراً مبروراً بل مذعوراً مما شاهد من عظمة هولاكو وهيبته ودهائه .
وفيها توجه الأشرف بن الملك الغازي بن الملك العادل صاحب ميافارقين إلى الملك الناصر صاحب حلب يطلب منه نجدة ليمنع المغول من الدخول إلى الشام. فاستخف برأيه ولم يسمع مشورته بل سوفه بكلام وسرحه من عنده بالأمان. ولما وصل إلى ميافارقين مدينته طرد شحاني المغول منها وصلب رجلاً قسيساً كان قد وصل إليه من خدمة قاان باليراليغ والبوايز. وبينما هو كذلك أدركته عساكر المغول وأحاطت بمدينته وفي رأس العسكر يشموت بم هولاكو. وفي يوم وليلة بنى المغول حول مدينته سوراً وحفروا خندقاً عميقاً ثم نصبوا عليها المنجنيقات وابتدأوا بالقتال وقاتلوا قتالاً شديداًمن الجانبين. ولما راى المغول أن المدينة لم يمكنهم أخذها بالقتال أبطلوا القتال وحاصروها ومنعوا الناس من الدخول إليها والخروج عنها .
وفي سنة سبع وخمسين وستمائة أرسل هولاكو إيلجية إلى الملك الناصر صاحب حلب برسالة يقول فيها : يعلم الملك الناصر أننا نزلنا بغداد في سنة ست وخمسين وستمائة وفتحناها بسيف الله تعالى وأحضرنا مالكها وسألناه مسئلتين فلم يجب لسؤالنا فلذلك استوجب منا العذاب كما قال في قرآنكم أن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم. وصان المال. فآل الدهر به إلى ما آل. واستبدل النفوس النفيسة.بنقوش معدنية خسيسة. وكان ذلك ظاهر قوله تعالى : وجدوا ما عملوا حاضراً. لأننا قد بلغنا بقوة الله الإرادة. ونحن بمعونة الله في الزيادة. ولا شك أن نحن جند الله في أرضه خلقنا وسلطنا على من حل عليه غضبه. فليكن لكم في ما مضى معتبر. وبما ذكرناه وقلناه مزدجر. فالحصون بين أيدينا لا تمنع. والعساكر للقائنا لاتضر ولا تنفع. ودعاؤكم علينا لا يستجاب ولا يسمع. فاتعظوا بغيركم. وسلموا إلينا أموركم. قبل أن ينكشف الغطا. ويحل عليكم الخطا. فنحن لا نرحم من شكا. ولا نرق لمن بكا. قد أخربنا البلاد. وأفنينا العباد. وأيتمنا الأولاد. وتركنا في الأرض الفساد. فعليكم بالهرب. وعلينا بالطلب. فما لكم من سيوفنا خلاص. ولا من سهامنا مناص.فخيولنا سوابق. وسهامنا خوارق. وسيوفنا صواعق. وعقولنا كالجبال. وعددنا كالرمال. فمن طلب منا الأمان سلم. ومن طلب الحرب ندم. فإن أنتم أطعتم أمرنا وقبلتم شرطنا كان لكم ما لنا وعليكم ما علينا. وإن أنتم خالفتم أمرنا وفي غيكم تماديتم فلا تلومونا ولوموا أنفسكم. فالله عليكم يا ظالمين فهيئوا للبلايا جلباباً. وللرزايا أتراباً. فقد أعذر من أنذر. وأنصف من حذر. لأنكم أكلتم الحرام وخنتم بالإيمان. وأظهرتم البدع واستحسنتم الفسق بالصبيان. فابشروا بالذل والهوان. فاليوم تجدون ما كنتم تعلمون. سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. فقد ثبت عندكم أننا كفرة. وثبت عندنا أنكم فجرة. وسلطنا عليكم من بيده الأمور مقدرة. والأحكام مدبرة.فعزيزكم عندنا ذليل. وغنيكم لدينا فقير. ونحن مالكون الأرض شرقاً وغرباً. وأصحاب الأموال نهباً وسلباً. وأخذنا كل سفينة غصباً. فميزوا بعقولكم طرق الصواب قبل أن تضرم الكفرة نارها. وترمي بشرارها. فلا تبقي منكم باقية. وتبقى الأرض منكم خالية. فقد أيقظناكم. حين راسلناكم. فسارعوا إلينا برد الجواب بتةً. قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً. وأنتم تعلمون. فطلبه ليحضر عنده. ولما شاور الأمراء لم يمكنوه من المشي إلى هولاكو وبقي متحيراً خائفاً مذعوراً لم يدر ما يصنع. غير أنه استجار الله وسير ولده الملك العزيز وصحبته الأموال الكثيرة والهدايا والتحف. وبقي هناك من أوائل الشتاء إلى الربيع ثم عاد إلى أبيه قائلاً : قد قال ملك الأرض : نحن للملك الناصر طلبنا لا لولده فالآن إن كان قلبه صحيحاً معنا يجيء إلينا وإلا فنحن نمشي إليه. فلما سمع الملك الناصر ذلك بقي متردداً في رأيه لأن الأمراء لم يمكنوه من المشي إليه وهو فقد وقع عنده الخوف والجزع ولم يطمئن على القعود. ثم سير هولاكو في طلب سلطان الروم عز الدين وأخيه ركن الدين فأطاعاه ومشيا إليه وأحسن قبولهما والتقاهما مرحباً بهما فرحاناً وتقدم إليهما بأن عز الدين يتملك على قيسارية إلى تخوم إرمينية الكبرى وركن الدين يتملك من اقسرا وإلى ساحل البحر حدود الافرنج. ثم أنه بعد ذلك توجه إلى الشام وتوجها في خدمته إلى قريب الفرات وعادا إلى بلادهما مسرورين مغبوطين.
و في هذه السنة توفي السلطان الملك الرحيم بدر الدين أبو الفضائل لؤلؤ صاحب الموصل في عشرين يوماً مضت من شهر تموز وتولى ولده الملك الصالح اسماعيل الموصل وولده علاء الدين سنجار وولده سيف الدين الجزيرة .
في سنة ثماني وخمسين وستمائة دخا هولاكو إلخان الشام ومعه من العساكر أربعمائة ألف ونزل بنفسه على حران وتسلمها بالأمان وكذلك الرها ولم يدن لأحدٍ فيهما سوء. وأما أهل سروج فإنهم أهملوا أمر المغول فقتلوا عن أقصاهم. وتقدم هولاكو فنصب جسراً على الفرات قريباً من مدينة ملطية وآخر عند قلعة الروم وآخر عند قرقيسياء وعبرت العساكر جملتها وقتلوا عند منبج مقتلة عظيمة. ثم تفرقت العساكر على القلاع والمدن.و نفر قليل من العسكر طلب حلب فخرج إليهم الملك المعظم ابن صلاح الدين الكبير فالتقاهم وانكسر قدام المغول ودخل المدينة منهزماً. وطرفٌ منهم وصل إلى المعرة وخربوها. وتسلموا حماة بالأمان وحمص أيضاً. فلما بلغ ذلك الملك الناصر أخذ أولاده ونساءه وجميع ما يعز عليه وتوجه منهزماً إلى برية الكرك والشوبك. وعندما وصلت المغول إلى دمشق خرج أعيانها إليهم وسلموها لهم بالأمان ولم يلحق بأحد منهم أذىً. واما هولاكو فإنه بنفسه نزل على حلب وبنى عليها سيباً ونصب المنجنيقات واستضعف في سورها موضعاً عند باب العراق وأكثر القتال والزحف عليه. وفي أيام قلائل ملكوها ودخلوها يوم الأحد الثالث والعشرين من كانون الثاني من هذه السنة وقتل فيها أكثر من الذي قتل ببغداد. وبعد ذلك أخذوا القلعة في أسرع ما يكون وقتاً. ثم أن هولاكو رحل عنها وأحاط بقلعة الحارم واختار أن يسلموها إليه ويؤمنهم على أنفسهم فلم يطمئنوا إلى قوله وإنما طلبوا منه رجلاً مسلماً يحلف لهم ويكون صاحب شريعة يطمأن إليه حيث يحلف لهم بالطلاق والمصحف أن لا يدنو لأحد منهم سوء وينزلوا ويسلموا إليهم القلعة. فسألهم هولاكو : من تريدون أن يحلف لكم. قالوا : فخر الدين الوالي بقلعة حلب فإنه رجل صادق مؤمن خير. فتقدم هولاكو إليه فدخل إليهم وحلف لهم على جميع ما يريدون. فحينئذٍ فتحوا الأبواب ونزل الناس خلائق كثيرة وتسلم المغول القلعة. ثم أن هولاكو تقدم بقتل فخر الدين الوالي أولاً ثم بقتل جميع من كان في القلعة من الصغار والكبار الرجال منهم والنساء حتى الطفل الصغير في المهد. ورحل هولاكو من هناك عائداً إلى البلاد الشرقية. ورتب في الشام أميراً كبيراً يسمى كتبوغا ومعه عشرة آلاف فارس من العسكر. ولما وصل إلى تل باشر وصلت العساكر التي حاصرت ميافارقين ومعهم الأشرف صاحبها وأنهوا أنهم أخذوها وقتلوا كل من فيها ولم يتخلف فيها إلا أنفار قليلة لأنهم هلكوا جوعاً وماتوا. ولولا ذلك لم يتمكن المغول من أخذها. وقتل الأشرف صاحبها وبعد ذلك ندم هولاكو على قتله. ثم أنه ولى عليها رجلاً أميراً من أمراء الأشرف يسمى عبد الله. ولما وصل هولاكو قريب ماردين سير يطلب صاحب ماردين إليه. فأبى ولم ينزل إليه. بل سير ولده مظفر الدين لأنه كان في خدمة هولاكو هو والملك الصالح ابن السلطان بدر الدين لما كان بالشام. قال له هولاكو : تصعد إلى أبيك وتقول له ينزل إلينا ولا يعصي وإن عصى لم يصب خيراً. ولما صعد إلى أبيه وخاطبه لم يقنع بأنه لم يسمع مشورته بل قيده وحبسه عنده. فعند ذلك أحاطت المغول بماردين وابتدأوا بالقتال ولولا أن وقع فيها الوباء والموت ومات السلطان وأكثر أهلها لما أخذوها لا في سنتين ولا في ثلاثة. ولما مات السلطان نزل ابنه الملك المظفر وسلم إليهم القلعة والخزائن والأموال. وتحقق عند ملك الأرض هولاكو ما جرى عليه من أبيه فلأجل ذلك أكرمه وأحسن إليه وملكه موضع أبيه. وكتبوغا كبير عسكر المغول الذي نزل بالشام لم يزل يستفحص عن أخبار الملك الناصرالمنهزم في البراري حتى عرف موضعه وسير عليه بعض العسكر فلزموه وسيروه إلى هولاكو. ولما مثل بين يديه فرح به ووعده بكل خير وجميل وأنه يعيده إلى ملكه وهو يومئذٍ نازل بجبال الطاق. فبينما هم في ذلك وصل خبر أن قوتوز التركماني الذي تولى مصر لما بلغه أن هولاكو رجع إلى المشرق وكتبوغا بعشرة آلاف فارس في الشام استضعفه وجمع عسكراً كثيراً وخرج التقى به وكسره وقتله واستأسر أولاده وكان ذلك في السابع والعشرين من رمضان من سنة ثماني وخمسين وستمائة. فغضب هولاكو لذلك وتقدم بقتل الملك الناصر وقتل أخيه الملك الظاهر وجميع من معهم.و لم يخلص منهم غير محيي الدين المغربي بسبب أنه كان يقول إنني رجل أعرف بعلم السماء والكواكب والتنجيم ولي كلام أقوله لملك الأرض. قال محيي الدين المذكور لما اجتمعنا به في مدينة مراغة : إنني لما قلت لهم هذا الكلام أخذوني وأحضروني بين يدي هولاكو فتقدم أن يسلموني إلى خواجا نصير الدين. وحكى لنا صورة ما جرى للملك الناصر قال : كنت في خدمته يوم الأربعاء عشرين شوال وهو يسألني عن مولده إذ وصل أمير من المغول ومعه نحو خمسين فارساً. فخرج الملك النصر من الخيمة والتقاه وعرض عليه النزول. فامتنع قائلاً : إن هولاكو سيرني ويقول : هذا اليوم لنا فرحة وقد عملنا دعوة وحضر الأمراء كلهم فتحضر أنت وأخوك وأولادك للأمر الذي لك عندنا. فجمع الملك الناصر جماعته مقاربةً عشرين نفراً وركبوا وساروا صحبة ذلك الأمير.و بعد ساعة وصل أيضاً عشرون فارساً آخر وقالوا : يحضر الجماعة كلهم ولا يبقى في الخيم غير الفراشين والمماليك الصغار والطباخين والغلمان. وباقي الجماعة الخيالة والكتاب يحضرون في الدعوة. ” قال ” فأخذونا إلى مواضع أودية عميقة بين حجارة عالية ونزلنا عن الخيل فاحتاط كل واحد منهم بواحد منا وكتفونا. فلما عاينت ذلك بقيت أقول بصوت عالٍ : إنني رجل منجم وأعرف بحركات الكواكب ومعي كلام أقوله في خدمة السلطان ملك الأرض. فأخذوني وأقعدوني ورائهم مع جملة أتباعهم وشرعوا بقتل الجماعة ولم يخلص منهم غير ولدي الملك الناصر فاستأسروهما. ثم ركبوا وعادوا إلى البيوت التي للملك الناصر ونهبوها وقتلوا باقي الجماعة التي تخلفت هناك. ثم عرضوا الأمر على هولاكو وأنا صرت في خدمة خواجا نصير الدين في الرصد بمراغة وابنا الملك الناصر في خدمته.كان يقول إنني رجل أعرف بعلم السماء والكواكب والتنجيم ولي كلام أقوله لملك الأرض. قال محيي الدين المذكور لما اجتمعنا به في مدينة مراغة : إنني لما قلت لهم هذا الكلام أخذوني وأحضروني بين يدي هولاكو فتقدم أن يسلموني إلى خواجا نصير الدين. وحكى لنا صورة ما جرى للملك الناصر قال : كنت في خدمته يوم الأربعاء عشرين شوال وهو يسألني عن مولده إذ وصل أمير من المغول ومعه نحو خمسين فارساً. فخرج الملك النصر من الخيمة والتقاه وعرض عليه النزول. فامتنع قائلاً : إن هولاكو سيرني ويقول : هذا اليوم لنا فرحة وقد عملنا دعوة وحضر الأمراء كلهم فتحضر أنت وأخوك وأولادك للأمر الذي لك عندنا. فجمع الملك الناصر جماعته مقاربةً عشرين نفراً وركبوا وساروا صحبة ذلك الأمير.و بعد ساعة وصل أيضاً عشرون فارساً آخر وقالوا : يحضر الجماعة كلهم ولا يبقى في الخيم غير الفراشين والمماليك الصغار والطباخين والغلمان. وباقي الجماعة الخيالة والكتاب يحضرون في الدعوة. ” قال ” فأخذونا إلى مواضع أودية عميقة بين حجارة عالية ونزلنا عن الخيل فاحتاط كل واحد منهم بواحد منا وكتفونا. فلما عاينت ذلك بقيت أقول بصوت عالٍ : إنني رجل منجم وأعرف بحركات الكواكب ومعي كلام أقوله في خدمة السلطان ملك الأرض. فأخذوني وأقعدوني ورائهم مع جملة أتباعهم وشرعوا بقتل الجماعة ولم يخلص منهم غير ولدي الملك الناصر فاستأسروهما. ثم ركبوا وعادوا إلى البيوت التي للملك الناصر ونهبوها وقتلوا باقي الجماعة التي تخلفت هناك. ثم عرضوا الأمر على هولاكو وأنا صرت في خدمة خواجا نصير الدين في الرصد بمراغة وابنا الملك الناصر في خدمته.
” جلوس قوبلاي قاان على كرسي المملكة “
فمن هذا التاريخ بعض ملوك الخطا تمرد وعصى على المغول لكونه قوي البأس متمكناً في أمره كثير العساكر يحكم على أربعمائة مدينة. وأوجب ذلك أن مونككا قاان بنفسه تهير لملتقى هذا المتمرد فترك أخاه الصغير وهو أريغبوكا مكانه واستصحب أخاه قوبلاي ودخل إلى بلاد الصين. وأول الملتقى اتفق أن أصابه نشابة ومات. فأخذ أخوه قوبلاي العساكر وخرج من بلاد الخطا. ثم وصل إلى خان باليق وأقام هناك. واتفق عظماؤه والأكثرون من المغول أن يكون هو موضع أخيه قاان. وأما الأخ الصغير وهو أريغبوكا فقال : إن عند توجه قاان إلى الخطا سلم إليه الملك فهو الأولى أن يكون موضع أخيه بمقتضى الياسا الذي لهم. وحصلت المنازعة والمقاومة بين الأخين لأجل ذلك مدة سبع عشرة سنة إلى أن عجز الأخ الصغير وبطل عزمه وقوي أمر قوبلاي قاان وظهر منه العدل الحسن والدراية والتدبير والكفاية. وإنه كان يحب الحكماء والعلماء والمتدينين من سائر المذاهب والأمم. وقيل عنه أنه كان قليل المباشرة للنساء بل باعتدال ومتوسط التدبير بالشهوات والشراب واللذات واللهو ولم يتناول من اللحوم إلا ألطفها بخلاف باقي الطوائف من المغول.
وأما قوتوز التركماني صاحب مصر بعد ما كسر كتبوغا وتمكن من الشام أقام الشحاني والنواب في حلب ودمشق وسائر بلاد الشام وعاد إلى ديار مصر بحيث أن هناك يجمع العساكر ويشتد ويقوى على ملتقى المغول. ولما وصل قريباً من غزة نهض عليه بيبرز المعروف بالبندقدار الصغير وهو مملوك البندقدار الكبير وقتله وأخذ جماعة ودخل إلى مصر وتسلمها وتمكن وقوي ولقبوه ركن الدين الملك الظاهر واشتد بأسه وتسلط على جميع المدن والقلاع التي على ساحل البحر للإفرنج. وفي سنة تسع وخمسين وستمائة عاد دخل المغول إلى الشام وفي رأس العسكر أمير يسمى كوكالكي ودخلوا إلى قريب حمص ونهبوا وسبوا وقتلوا خلقاً كثيراً وعادوا إلى حلب وكان قد انهزم جميع أهل القرايا إلى حلب فتقدم كوكالكي أن يخرج أهل القرايا والمدن إلى ظاهر البلد وينعزل أهل كل مدينة وقرية بمعزل بحيث يعدونهم ويسيرون كل قوم إلى مكانهم ووطنهم. وتسلمهم المغول كأنهم يسيرونهم إلى ضياعهم وعندما يبعدون يقولون : أنتم لو كانت قلوبكم معنا صافية لما انهزمتم من قدامنا. فقتلوهم عن أقصاهم ولم يفلت منهم غير أهل حلب بحيث أنهم لم ينتقلوا عن حلب. وعاد المغول خرجوا من الشام ثم عاد المصريون تملكوا الشام .
وفيها هرب علاء الدين بن بدر الدين لؤلؤ صاحب سنجار إلى مصر. ولما أقام هناك مدة يسيرة كتب إلى أخيه الملك الصالح اسماعيل صاحب الموصل يعرفه قوة البندقدار وعظمته وأشار عليه بترك الموصل وقصده خدمة البندقدار بحيث أنه إذا استولى البندقدار على قهر المغول وأخذ البلاد منهم يكون له اليد البيضاء عنده ويملكه مع الموصل بلاداً أخرى من المشرق. ولما وصل الكتاب إلى الملك الصالح ووقف عليه وضعه تحت طراحته وكان عنده في ذلك الوقت من الأمراء شمس الدين محمد بن يونس الباعشيقي من جملة أمراء أبيه النواب ببلد نينوى. فغافله وأخذ الكتاب من تحت الطراحة وخرج من عنده ولم يلبث حتى وصل إلى قريته باعشيقا. بعد ذلك مد يده ليأخذ الكتاب فلم يجده فوقع عنده أن شمس الدين بن يونس قد أخذ الكتاب وصار عنده القلق العظيم لأجل ذلك وسير القصاد في الحال في طلبه وقد عزم على قتله. وعندما وصل المماليك إليه أشغلهم بالأكل والشرب وقال لهم : أن هذه الليلة كلوا واشربوا وعند الصباح نركب إلى خدمة السلطان. وأوصى غلمانه فأكثروا عليهم الشراب وأسكروهم وناموا. فأخذ شمس الدين بن يونس أولاده وما يعز عليه وركب من أول الليل وتوجه يقصد أربل وكان له مشورة مع الرؤساء النصارى بناحية برطلي فعبر عليهم وعرفهم أن الملك الصالح قد عزم على قتل جميع أكابر النصارى ببلد نينوىو أنه بعد ذلك يتوجه إلى الشام. وكان قد حصل لهم الشعور بذلك من قبل فصدقوه وتهيروا هم وما يعز عليهم من أولادهم. وشاع الخبر في جميع النصارى ببلد نينوى فكل من أمكنه العبور إلى اربل سارع بالعبور فعبر أكثر أهل البلد من النصارى وكان ذلك ليلة يوم الخميس.أما المماليك الذين كانوا قد وصلوا إلى شمس الدين بن يونس فلما أصبحوا وصحوا من سكرهم فلم يجدوه فظنوا أنه قد سبقهم بالدخول إلى الموصل إلى الملك الصالح. ولما دخلوا وعرفوا الملك الصالح بما جرى وقع في الجزع والخوف وقال : لا نأمن أن ابن يونس يمشي يعرف بالقضية المغول ويجيب علينا العساكر ويجيء. فتهير هو وجماعة من الأمراء والأولاد وأخذوا ما يقدرون عليه مما يمكنهم حمله وخرج من المدينة يوم الجمعة ثاني يوم عبور ابن يونس والنصارى إلى اربل صلى الجمعة وخرج متوجهاً إلى الشام وبطلت عزيمته أنه يخرج هو والعسكر إلى بلد نينوى ويلزم أكابر النصارى ويأخذ أموالهم ويقتلهم ثم يمشي إلى الشام. ثم أنه لما خرج من الموصل وقع الخلف بين أمرائه اموالهم فمنهم من تبعه ومنهم من عاد إلى الموصل. والذين عادوا إلى الموصل كان كبيرهم الأمير علم الدين سنجر. فلما وصلوا إلى الموصل وكانت زوجة الملك الصالح تركان الخوارزمية في المدينة لم تتوجه معه ولا تبعته وكان في الموصل شحنة اسمه ياسان فاتفقوا هم وأتباعهم وغلقوا أبواب الموصل في وجوههم ولم يمكنوهم من الدخول. فنزلوا خارج المدينة وشرعوا يقاتلون أياماً يسيرة. فعند ذلك كان في المدينة رجل اسمه محيي الدين بن زبلاق من كتاب الإنشاء الذين كانوا للسلطان بدر الدين فاتفق هو وجماعة من أهل المدينة وخامروا على تركان خاتون وعلى الشحاني وفتحوا الأبواب. ولما دخل علم الدين وجماعته هرب الشحنة ياسان وتركان وأتباعهم وتحصنوا في قلعة الموصل. وثار أهل الموصل على النصارى من الأعوام ونهبوهم وقتلوا كل من وقع بإيديهم وسلم من دخل في دين الإسلام. وأما أكراد الجبال فكان قد قرر معهم الملك الصالح أن يتهيروا ويجمعوا جموعهم وينزلوا إلى نينوى. ويوم السبت ثاني الجمعة التي خرج الملك الصالح من المدينة نزلوا إلى بلد نينوى ونهبوا النصارى المتخلفين وسبوا وقتلوا. وبينما هم كذلك وذلك في أيام يسيرة من أيار تلك السنة وقع الخبر أن عسكر المغول قد أقبل من صوب الجزيرة فخرج الأمير علم الدين سنجر وجماعته من الموصل واجتمع إليه أمراء الأكراد. فلما صادف العسكر قاتلوهم وقاتلوه. وكان في رأس العسكر تورين شحنة الموصل فأحاطوا بعلم الدين سنجر وجميع من معه وقتلوهم عن أقصاهم ولم يفلت منهم إلا الطويل العمر. بعد ذلك بقي أمر بلد الموصل والموصل مدة مديدة في حيرة. وعند أواخر الصيف تواترت الأخبار بوصول عساكر المغول. وقريب من كانون الأول وصل العسكر وأحاط بالموصل وفي رأس العسكر أمير كبير اسمه سمدغو محب للنصارى. وبينما هم قد نزلوا على الموصل وصل الخبر برجوع الملك الصالح من الشام. ولما سمع المغول ذلك تأخروا عن المدينة إلى حين ما دخل إليها ثم عاد المغول أحاطوا بها وبنوا السيبا حولها في ليلة واحدة وابتدأوابالقتال من داخل ومن خارج وكان ذلك من كانون الأول إلى الربيع وقل القوت على أهل المدينة.و سير الأمير سمدغو يخدع الملك الصالح ويعده بالمواعيد الحسنة وبطل القتال وقعدوا قعوداً. وكان في وسط هذه المدة المذكورة وصل عسكر من الشام ومقدمهم أمير اسمه برلوا نجدة للملك الصالح الذي وعد به. فسارع المغول والتقوه عند سنجار وأحاطوا بهم وقتلوهم جميعهم وكسبوا ما معهم من الخيل والسلاح وغير ذلك. بعد ذاك لما صار الأمير سمدغو يخاطب الملك الصالح ويطايبه انخدع وفتح أبواب المدينة وخرج إليهم بالمطربين والأغاني والمساخرة بين يديه. وحينما مثل بين يدي سمدغو احتاط المغول به ودخل العسكر الموصل وسبوا ونهبوا وقتلوا مدة ثمانية أيام وقتل فيها عالم لا يحصي عددهم إلا الله تعالى. وبعد ذلك قرر الأمير سمدغو في الموصل حاكماً الأمير شمس الدين بن يونس ورحل عنها. وكان قد قتل ولد الملك الصالح علاء الملك صبي حدث أسقوه خمراً كثيراً ثم شدوه وقطعوه وترين في المدينة عند القلعة وصحبوا الملك الصالح إلى هولاكو وقتل هناك.ير اسمه سمدغو محب للنصارى. وبينما هم قد نزلوا على الموصل وصل الخبر برجوع الملك الصالح من الشام. ولما سمع المغول ذلك تأخروا عن المدينة إلى حين ما دخل إليها ثم عاد المغول أحاطوا بها وبنوا السيبا حولها في ليلة واحدة وابتدأوابالقتال من داخل ومن خارج وكان ذلك من كانون الأول إلى الربيع وقل القوت على أهل المدينة.و سير الأمير سمدغو يخدع الملك الصالح ويعده بالمواعيد الحسنة وبطل القتال وقعدوا قعوداً. وكان في وسط هذه المدة المذكورة وصل عسكر من الشام ومقدمهم أمير اسمه برلوا نجدة للملك الصالح الذي وعد به. فسارع المغول والتقوه عند سنجار وأحاطوا بهم وقتلوهم جميعهم وكسبوا ما معهم من الخيل والسلاح وغير ذلك. بعد ذاك لما صار الأمير سمدغو يخاطب الملك الصالح ويطايبه انخدع وفتح أبواب المدينة وخرج إليهم بالمطربين والأغاني والمساخرة بين يديه. وحينما مثل بين يدي سمدغو احتاط المغول به ودخل العسكر الموصل وسبوا ونهبوا وقتلوا مدة ثمانية أيام وقتل فيها عالم لا يحصي عددهم إلا الله تعالى. وبعد ذلك قرر الأمير سمدغو في الموصل حاكماً الأمير شمس الدين بن يونس ورحل عنها. وكان قد قتل ولد الملك الصالح علاء الملك صبي حدث أسقوه خمراً كثيراً ثم شدوه وقطعوه وترين في المدينة عند القلعة وصحبوا الملك الصالح إلى هولاكو وقتل هناك.
وفي سنة إحدى وستين وستمائة شخص اسمه زكي الاربلي منادٍ في سوق البهائم قد كان من أجناد الموصل سعى في الأمير شمس الدين بن يونس وقال أنه قد جمع الأموال والجواهر من خزائن بيت بدر الدين. وذكر عنه أنه سقاه سماً ليموت وأنه استعان بحكيم نصراني اسمه الموفق النصيبي حتى داواه. ولما سألوا لابن يونس ذلك أنكره فضربوه أشد ضرب ليقر. وبينما هم في ذلك وقع من ثيابه ورقة فيها آية من القرآن. فالساعي فيه وهو الزكي الاربلي قال أنها سحر لأجل المغول. فرسم بقتله. وتولى الموصل الزكي الاربلي موضعه. وفي سنة أربع وستين وستمائة توفي هولاكو وكان حكيماً حليماً ذا فهم ومعرفة يحب الحكماء والعلماء. وبعده بقليل اندرجت طقز خاتون زوجته وكانت أيضاً عظيمة في رأيها وخبرتها .
” اباقا ايلخان “
بعد ذلك اجتمعت الأولاد والأمراء والخواتين واتفقوا على أن اباقاابن هولاكو يقعد على كرسي المملكة لأن عنده العقل والكفاية والعلم والدراية. ولما جلس وتمكن كان سعيداً منصوراً في جميع حركاته وسكناته محبوباً من جميع الخلق. وكان قد سير هولاكو طلب ابنة ملك القسطنطينية خطبها لنفسه. فلما أخذها الرسل وخرجوا بها ووصلوا إلى القيسارية بلغهم الخبر بموت هولاكو ولم تتمكن من الرجوع إلى بلادها فوصلت إليه ودخل عليها. وفيها وصل اليرليغ من أباقا إلى بغداد أن علاء الدين صاحب الديوان يكون حاكماً مطلقاً لا يكون فوق يده يد. وكان شحنة بغداد قرابوغا ونائبه اسحق الأرمني يرومان أذيته فانكفأا عنه وصارا يتحيلان له بأذى فحصلا شخصاً أعرابياً وعلماه أن يقول عنه أنه سير جاء به من البادية بحيث يكون له دليلاً عندما يريد أن يأخذ ماله وأولاده وما يتعلق به ويمشي إلى الشام. وأوثقا مع البدوي هذا الكلام. حينئذٍ سيرا احتاطا بدار صاحب الديوان والبدوي يحملانه إلى الاردو. وعندما ضرب البدوي وقرر أقر أن اسحق الأرمني علمه ذلك فقتل البدوي واسحق .
وفيها سير البندقدار صاحب مصر إلى حاتم ملك الأرمن بحيث يدخل في طاعته ويحمل الجزية ويمكن الناس من مشترى الخيل والبغال والحنطة والشعير والحديد من بلده وهم أيضاً يخرجون إلى الشام ويتاجرون ويبيعون ويشترون. وملك الأرمن خوفاً من المغول لم يجب إلى ذلك. فلم يتأخر البندقدار عن إنفاذ العسكر والركب إلى بلد الأرمن. وحاتم الذي هو ملك الأرمن لما تحقق ذلك خرج إلى بلد الروم يطلب النجدة من أمير المغول هناك يسمى نفجي. فقال له : نحن بلا أمر السلطان اباقا لا يمكن أن نفعل ذلك. وهجم المصريون على بلد الأرمن. ولما لم يكن ملكهم حاضراً اجتمعت أخوته وأولاده وأمراؤه وجمعوا أتباعهم وخرجوا ليمنعوا المصريين من الدخول إلى البلد. ولما التقوهم عند موضع يقال له حجر سروند انكسرت الأرمن واستؤسر ولد الملك حاتم وقتل ولده توروس وانهزم الأمراء والعسكر. ونهبوا وأخربوا بيعة سيس الكبيرة وكان الخراب العظيم في سيس وإياس وأقاموا هناك مدة عشرين يوماً ينهبون ويحرقون ويسبون. وبعد خروجهم من البلد وصل الملك حاتم وقد صحب معه عسكراً من المغول والروم فما وجدوا أحداً بل البلد خراباً واشتغلوا بالأكل والشرب ومدوا أيديهم وجمعوا جميع ما كان قد تخلف من المصريين تمموه هم والملك مشتغل بالهم والغم على ما جرى على ولديه وأصحابه وبلده. وكانت المضرة منهم أشد وأصعب. وأما حاتم ملك الأرمن فإنه شرع يخاطب البندقدار في خلاص ولده ويعده بالأموال والمدن والقلاع إلى غير ذلك. فجاوبه : ان نحن ما لنا رغبة في الأموال والمدن وغيرها. وأنما لنا شخص صديق أسير عند المغول يسمى سنقر الأشقر تخلصه وتسيره وتأخذ ولدك. ففعل ذلك وخلص ولده. وذلك أنه في سنة ثماني وستين وستمائة قصد الملك حاتم خدمة ملك الأرض اباقا وبكى لديه وطلب منه سنقر الأشقر ليخلص به ولده. فرحمه ورق لبكائه وقال له : تمشي إلى بلدك تستريح ونحن نطلب هذا سنقر من أي مكان هو فيه ونسيره إليك. فعاد حاتم من خدمة اباقا. وكان أمير من أمرائه سبقه إلى بلده في مهم له فاجتاز به بروانة فاستشار به أنه يريد يخطب لنفسه ابنة الملك حاتم. فأجابه بأن الملك حاتم واصل عقيبنا إليكم فأنتم التقوه وأحسنوا إليه وهو يجيبكم إلى ذلك. ولما وصل الملك حاتم إلى بروانة وقد جمع بروانة أكابره والتقاه أحسن ملتقى وأكرمه وقدم له تقدمات نفيسة إلى أن خجل الملك حاتم بحيث لم يعلم ما الذي أوجب هذا الإسراف في خدمته. فلما أظهر بروانة ما في قلبه أجابه بالسمع والطاعة وأظهر له الفرح والبشاشة والغبطة وقرر معه أنه لا يمكن التعريس قبل خلاص أخي البنت فإذا خلص نفعل ذلك إن شاء الله تعالى. وفي سنة تسع وستين وستمائة وصل سنقر الأشقر من بلاد سمرقند إلى الملك حاتم وهو سيره إلى البندقدار مكرماً وأوهبه وأعطاه. ثم أن البندقدار سير له ولده أيضاً بحرمة عظيمة وخيالة كثيرة. وفي هذه السنة حاصر البندقدار مدينة إنطاكية وأخذها وقتل فيها وسبى وأحرق كنائسها المشهورة في العالم. وفيها توجه الملك حاتم إلى اباقا وشكر ودعاله على خلاص ولده من الأسر واستقال من السلطنة وطلب أن يكون ولده موضعه وأنه شيخ عاجز. فقال له : إنه إذا حضر عندنا نحن نملكه. فتوجه إلى بلده وسير ولده إلى عبودية اباقا.له على خلاص ولده من الأسر واستقال من السلطنة وطلب أن يكون ولده موضعه وأنه شيخ عاجز. فقال له : إنه إذا حضر عندنا نحن نملكه. فتوجه إلى بلده وسير ولده إلى عبودية اباقا .
وفي سنة سبعين وستمائة في شهر نيسان تزلزلت الأرض في بلاد الأرمن وخربت قلاع كثيرة ومات فيها مائة ألف نفر من الناس غير الدواب. وفي سنة خمس وسبعين وستمائة نزل اباقا إلى بغداد ليشتي بها وصار غلاء عظيم ومجاعة وعزت الأسعار.
***
وفي هذا التاريخ توفي خواجا نصير الدين الطوسي الفيلسوف صاحب الرصد بمدينة مراغة حكيم عظيم الشأن في جميع فنون الحكمة. واجتمع إليه في الرصد جماعة من الفضلاء المهندسين. وكان تحت حكمه جميع الأوقاف في جميع البلاد التي تحت حكم المغول. وله تصانيف كثيرة منطقيات وطبيعيات وإلاهيات وأوقليدس ومجسطي. وله كتاب أخلاق فارسي في غاية ما يكون من الحسن جمع فيه جميع نصوص أفلاطون وأرسطو في الحكمة العملية. وكان يقوي آراء المتقدمين ويحل شكوك المتأخرين والمؤاخذات التي قد أوردوا في مصنفاتهم. وكان من الفضلاء في زمانه نجم الدين القزويني منطقي عظيم صاحب كتاب العين. ومؤيد الدين العرضي وفخر الدين المراغي وقطب الدين الشيرازي ومحيي الدينالمغربي. ومن الأطباء المشهورين فخر الدين الاخلاطي وتقي الدين الحشائشي. واشتهر هذا في عمل الترياق شهرة عظيمة وإن لم يكن من الأطباء المشتغلين المشهورين وبسفاهته استظهر على باقي الأطباء في هذا الزمان. وبينهم نفيس الدين بن طليب الدمشقي وولده صفي الدين النصراني الملكي .
وفي هذا التاريخ وهو سنة خمس وسبعين وستمائة وهي سنة سبع وثمانين وخمسمائة للإسكندر عزم بندقدار أن يدخل بنفسه إلى بلد الروم لأن كان عنده أقوام قد هربوا من بلد الروم الذين هربوا إلى الشام قد قووا عزمه على ذلك. ولما أحس الملك لاون ابن ملك الأرمن سير إلى أمراء المغول الذين في بلد الروم وعرفهم ذلك وحذرهم. وأما بروانة فإنه بوجهين كان يكذب ملك الأرمن في هذا قوله الأول أنه كان يختار ورود البندقدار إذ له معه وعد. والثاني لأنه كان يبغض ملك الأرمن وكان يختار أن يزيف قوله. ولما أن الأمراء المغول أهملوا الأمر إذ هاجمهم المصريون وهم سكارى فلم يلحق أحدهم أن يركب فرسه. وأن الياسا الذي لهم أنهم لا يهربون قبل أن ياتقوا العدو.و لما التقوا وقعت الكسرة فيهم وقتل جميع أكابر المغول أحدهم طوغو والآخر توذان بهادر. وكان مع المغول ثلاثة ألف كرج فوقفوا وبذلوا المجهود فقتل منهم ألفان وتخلف ألف واحد. وقتل أيضاً من عسكر المصريين خلق كثير. ولما حقق بروانة كسرة المغول هرب وتحصن في بعض القلاع. وأما البندقدار فإنه نزل عند القيسارية في موضع سمي كيقوباد وبقي هناك خمسة عشر يوماً ودخل إلى القيسارية مرة واحدة ولم يدن منه لأحد من الرعايا شر ولا كلفهم شيئاً أصلاً وإنما جميع ما يحتاجون إليه كانوا يشترونه مشترىً. وكان يقول : إني ما جئت إلى ههنا لأخرب البلد لكن لأفك صاحبه من الأسر. وأما اباقا ايلخان فحين وصلت إليه الأخبار بذلك غضب غضباً شديداً وجمع العساكر وقصد بنفسه الروم. ولما عرف البندقدار أنه لا يمكنه مقاومته رحل عن بلد الروم وتوجه إلى الشام. ولما وصل اباقا إلى بلد الروم لم يجد أحداً من المصريين وفي الحال نزل البروانة إليه ولم يره اباقا شيئاً من الغضب وإنما أحسن إليه وأكرمه وأخذه صحبته إلى الطاق لما عاد حيث يستشيره كم يقدر أن يكون في الروم عسكر يقاوم المصريين. وعمل دعوة عظيمة وسقاه من لبن الخيل شيئاً كثيراً لأنه ما كان يشرب خمراً. وفيما هو قد خرج مع البروانة ليريق ماءه أشار اباقا إلى أناس من حوله ليقتلوه فقتلوه وقطعوه قطعاً وكان ذلك في ثاني يوم من شهر آب لتلك السنة. وأما البندقدار فلما قرب من حمص أدركه أجله ومات يقولون أصابه في الحرب مع المغول نشابة في وركه ولم يمكن إخراج النصل منه وبقي أياماً كثيرة ولما أذن للجرائحي أن يخرجه وجاهد في إخراجه مع خروج النصل فارق الدنيا. وآخرون قالوا أن أناساً من جماعته سقوه في لبن الخيل سماً ولما أحس عاد سقى لمن أسقاه منه فماتا اثناهما .
وفي سنة تسع وسبعين وستمائة لما قام الألفي ليتملك على الديار المصرية والشام لم يوافق في ذلك سنقر الأشقر. ولما تمكن الألفي وقوي جانبه هرب منه سنقر الأشقر ووصل إلى الرحبة واتفق هو وأمير بدوي اسمه عيسى بن مهنا وسيرا رسولاً إلى اباقا ايلخان يستدعيانه ليركب إلى الشام ويسلما إليه البلاد الشامية والديار المصرية. ولما وصلت عساكر المغول إلى الشام خاف سنقر الأشقر منهم على نفسه ولم يلتق بهم بل هرب وتحصن في قلعة صهيون.فوصل المغول إلى حلب وأي موضع صادفوه خربوه. وكان وصولهم إلى الشام في وقت الشتاء من سنة ثمانين وستمائة وكان مقدمهم قونغرتاي أخو اباقا الصغير وعاد المغول إلى البلاد. وفي سنة إحدى وثمانين وستمائة دخل المغول إلى الشام في خمسين ألفاً وفي رأسهم مونكاتمور الأخ الأصغر لأباقا وأخذوا معهم ملك الأرمن بعساكره. واجتمع عسكر الشام وفي رأسهم الألفي وسنقر الأشقر فإنهما اصطلحا في ذلك الوقت على محاربة المغول. والتقى العسكران بين حماة وحمص في يوم الخميس سلخ تشرين الأول لتلك السنة وقوي جانب المغول على جانب الشاميين. ولما قاربوا لينتصروا عليهم نصرة ويهزموهم إذ خرج على المغول كمين العرب من بني تغلب من ميسرتهم فتوهم المغول أن عساكر كثيرة قد أحاطت بهم من قدامهم ومن خلفهم ولم يلحق الهرب أصحاب الميسرة مع أهل القلب. وأصحاب الميمنة وفيهم ملك الأرمن مع خمسة آلاف كرج لم يشعروا بالكمين وإنما كسروا المصريين الذين في مقابلتهم وساقوا خلفهم إلى باب مدينة حمص وقتلوا فيهم خلقاً كثيراً ولم يزالوا إلى أن وصل إليهم الخبر بهرب أصحابهم. فعند ذلك رجعوا وفي الرجعة صادفوا جماعة من عسكر المصريين الذين ساقوا خلف أصحابهم الهاربين وعاد بينهم القتال وقتل من الجانبين خلق كثير. ورجعوا وقد حملوا شيئاً كثيراً من الأموال والخيل والسلاح الذي نهبوا. ولما وصل مونكاتمور إلى الجزيرة وهو قد خرج يومئذٍ من الحمام عملوا سراً مع بعض الشرابدارية وسقوه سماً. ولما أحس بتغير مزاجه توجه نحو نصيبين وقضى نحبه. وأما أهل الجزيرة فإنهم لما شعروا بذلك أدركهم الخوف العظيم ولزموا للصفي القرقوبي وكتفوه وداروا به في أسواق الجزيرة ثم قتلوه .
وأما اباقا ايلخان فإنه توجه نحو بغداد ومنها إلى همذان. وفي يوم عيد النصارى الكبير لتلك السنة دخل إلى البيعة في تلك المدينة وعيد مع النصارى. ويوم الاثنين ثاني العيد عمل له شخص فارسي اسمه بهنام دعوة عظيمة في داره. وليلة الثلاثاء تغير مزاجه وصار يرى خيالات في الهواء.و يوم الأربعاء وهو أول يوم من نيسان لتلك السنة وهو العشرون في ذي القعدة انتقل من هذا العالم. ومونكاتمور انتقل يوم الأحد سادس عشر المحرم في بلد الجزيرة .
” السلطان أحمد “
ولما توفي اباقا ايلخان اجتمع الأولاد والأمراء وحصل الاتفاق بينهم أن أحمد بن هولاكو من قوتاي خاتون يصلح للتدبير والمملكة وأنه مستحق لهذا الملك وهو أولى به والطريق له بعد اباقا. ولما جلس على كرسي المملكة يوم الأحد الحادي والعشرين من حزيران لتلك السنة سنة إحدى وثمانين وستمائة وعنده الكفاية والدراية والكرم أخرج من الخزائن والأموال شيئاً كثيراً وقسم على الأولاد والأمراء والعساكر وأظهر الإحسان والشفقة إلى جميع المغول وإلى الأمم الباقية وخصوصاً إلى أكابر النصارى. وأرسل الرسل إلى سلطان مصر بسبب الصلح وكتب إليه رسالة هذه نسختها : بقوة الله تعالى باقبال قاان فرمان أحمد. أما بعد فإن الله تعالى بسابق عنايته وبنور هدايته قد كان أرشدنا في عنفوان الصبا وريعان الحداثة إلى الإقرار بربوبيته والاعتراف بوحدانيته. والشهادة لمحمد عليه أفضل الصلاة والسلام بصدق نبوته. وحسن الاعتقاد في أوليائه الصالحين من عباده في بريته. فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام. فلم نزل نميل إلى إعلاء كلمة الدين. وإصلاح أمور الإسلام والمسلمين. إلى أن أفضى بعد أبينا الجيد وأخينا الكبير نوبة الملك إلينا فأفاض علينا من جلابيب ألطافه ولطائفه. ما تحقق به آمالنا في جزيل آلائه وعوارفه. وجلا هذه المملكة علينا. وأهدى عقيلتها إلينا. فاجتمع عندنا في قوريلتاي المبارك وهو المجمع الذي ينقدح فيه آراء جميع الأخوان والاخوة والأولاد والأمراء الكبار ومقدمي العساكر وزعماء البلاد واتفقت كلمتهم على أن ينفذ ما سبق به حكم أخينا الكبير في إنفاذ الجم الغفير من عساكرنا التي ضاقت الأرض برحبها من كثرتهم وامتلأت القلوب رعباً لعظم صولتهم وشديد بطشهم إلى تلك الجهة بهمة تخضع لها شم الأطواد. وعزيمة تلين لها الصم الصلاد. ففكرنا فيما مخضت زبدة عزائمهم عنه واجتمعت أهواؤهم وآراؤهم عليه فوجدناه مخالفاً لما كان في ضميرنا من إنشاء الخير العام. الذي يقوم بقوته شعار الإسلام. وأن لا يصدر عن أوامرنا ما أمكننا إلا ما يوجب حقن الدماء. وتسكين الدهماء. ويجري به في الأقطار رخاء نسائم الأمن والأمان. ويستريح المسلمون في سائر الأمصار في مهاد الشفقة والإحسان. تعظيماً لأمر الله وشفقة على خلق الله. فألهمنا الله إطفاء تلك النائرة.و تسكين الفتن الثائرة. وإعلام من أشار بذلك الرأي ما أرشدنا الله إليه من تقديم ما يرجى به شفاء العالم من الأدواء. وتأخير ما يجب أن يكون آخر الدواء. وإننا لا نحب المسارعة إلى هز النصال للنضال إلا بعد إيضاح المحجة. ولا نأذن لها إلا بعد تبين الحق وتركيب الحجة. وقوى عزمنا على ما رأيناه من دواعي الصلاح. وتنفيذ ما ظهر لنا به وجه الإصلاح. اذكار شيخ الإسلام قدوة العارفين كمال الدين عبد الرحمن فهو نعم العون في أمور الدين. فأصدرناه رحمة من الله لمن دعاه. ونقمة على من أعرض عنه وعصاه. وأنفذنا أقضى القضاة قطب الدين والأتابك بهاء الدين وهما من ثقات هذه الدولة القاهرة ليعرفاهم طريقتنا. ويتحقق عندهم ما ينطوي عليه لعموم المسلمين حميل سنتنا. وبينا لهم أننا من الله على بصيرة وأن الإسلام يجب ما قبله. وانه تعالى ألقى في قلبنا أن نتبع الحق وأهله. ويشاهدون عظيم نعم الله على الكافة بما دعانا إليه من تقديم أسباب الإحسان. ولا يحرمونها بالنظر إلى سالف الأحوال. وكل يوم هو في شان. فإن تطلعت نفوسهم إلى دليل يستحكم به دواعي الاعتماد. وحجة يثقون بها من بلوغ المراد. فلينظر إلى ما قد ظهر من مآثرنا مما اشتهر خبره وعم أثره. فإنا ابتدأنا بتوفيق الله تعالى بإعلاء أعلام الدين وإظهاره في إيراد كل أمر وإصداره تقديماً. وإقامة نواميس الشرع المحمدي على قانون العدل الأحمدي إجلالاً وتعظيماً. وأدخلنا السرور على قلوب الجمهور وعفونا عن كل من اخترع سيئة واقترف. وقابلناه بالصفح وقلنا عفا الله عما سلف. وتقدمنا بإصلاح أمور أوقاف السلمين من المساجد والمشاهد والمدارس. وعمارة بقاع البر والربط الدوارس. وإيصال حاصلها بموجب عوائدها القديمة إلى مستحقها بشروط واقفها. ومنعنا أن يلتمس شيء مما استحدث عليها وأن لا يغير أحد شيئاً مما قرر أولاً فيها. وأمرنا بتعظيم أمرا لحج وتجهيز وفدها وتأسيس سبيلها وتسييرقوافلها. وأطلقنا سبيل التجار والمترددين إلى البلاد وليسافروا بحسب اختيارهم على أحسن قواعدهم. وحرمنا على العساكر العسكر والشحاني في الأطراف التعرض لهم في مصادرهم ومواردهم. وقد كان صادف قراغولنا جاسوساً في زي الفقراء كان سبيل مثله أن يهلك فلم نر إهراق دمه صيانةً لحرمة ما حرمه الله تعالى وأنفذناه إليهم. ولا يخفى عليهم ما كان في إنفاذ الجواسيس من الضرر العام للمسلمين. فإن عساكرنا طال ما رأوهم في زي الفقراء والنساك وأهل الصلاح فساءت ظنونهم في تلك الطوائف فقتلوا منهم من قتلوا. وفعلوا بهم ما فعلوا. ورفعت الحاجة بحمد الله تعالى إلى ذلك بما صدر إذننا به من فتح الطريق وتردد التجار وغيرهم. فإذا أمعنوا الفكر في هذه الأمور وأمثالها فلا يخفى عنهم أنها أخلاق جبلية طبيعية وعن شوائب التكلف والتصنع عرية. وإذا كانت الحال على ذلك فقد ارتفعت دواعي النفرة التي كانت موجبة للمخالفة. فإنها إن كانت بطريق الدين. والذب عن حوذة المسلمين. فقد ظهر بفضل الله ويمن دولتنا النور المبين. وإن كان لما سبق من الأسباب. فمن يجري الآن طريق الصواب. فإن له عندنا الزلفى وحسن مآب. وقد رفعنا الحجاب بفصل الخطاب وعرفناكم ما عزمنا عليه من نية خالصة لله تعالى وأتينا باستيفائها. وحرمنا على جميع عساكرنا العمل بخلافها. ليرضى الله والرسول. وتاوح على صفائحها آثار الاقبال والقبول. وتستريح من اختلاف الكلمة هذه الأمة. وتنجلي بنور الائتلاف واللمة ظلمة الاختلاف والغمة. فيسكن في سابغ ظلها البوادي والحواضر. وتقوى القلوب التي بلغت من الجهد إلى الحناجر. ويعفى عن سائر الهفوات والجرائر. فإن وفق الله تعالى سلطان مصر لما فيه صلاح العالم. وانتظام أمور بني آدم. فقد وجب عليه التمسك بالعروة الوثقى. وسلوك الطريقة المثلى. بفتح أبواب الطاعة والاتحاد. وبذل الإخلاص بحيث تعمر تلك الممالك والبلاد. وتسكن الفتن الثائرة. وتغمد السيوف الباترة. تحل الكافة أرض الهوينا وروض الهدون. وتخلص أرقاب المسلمين من أغلال الذل والهون. وإن غلب سوء الظن بما تفضل به واهب الرحمة. ومنع عن معرفة قدر هذه النعمة. شكر الله مساعينا وأبلى عذرنا وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً. والله الموفق للرشاد والسداد. وهو المهيمن على جميع البلاد والعباد. وحسبنا الله وحده. وكتب في أواسط جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وستمائة بمقام الطاق.لحج وتجهيز وفدها وتأسيس سبيلها وتسييرقوافلها. وأطلقنا سبيل التجار والمترددين إلى البلاد وليسافروا بحسب اختيارهم على أحسن قواعدهم. وحرمنا على العساكر العسكر والشحاني في الأطراف التعرض لهم في مصادرهم ومواردهم. وقد كان صادف قراغولنا جاسوساً في زي الفقراء كان سبيل مثله أن يهلك فلم نر إهراق دمه صيانةً لحرمة ما حرمه الله تعالى وأنفذناه إليهم. ولا يخفى عليهم ما كان في إنفاذ الجواسيس من الضرر العام للمسلمين. فإن عساكرنا طال ما رأوهم في زي الفقراء والنساك وأهل الصلاح فساءت ظنونهم في تلك الطوائف فقتلوا منهم من قتلوا. وفعلوا بهم ما فعلوا. ورفعت الحاجة بحمد الله تعالى إلى ذلك بما صدر إذننا به من فتح الطريق وتردد التجار وغيرهم. فإذا أمعنوا الفكر في هذه الأمور وأمثالها فلا يخفى عنهم أنها أخلاق جبلية طبيعية وعن شوائب التكلف والتصنع عرية. وإذا كانت الحال على ذلك فقد ارتفعت دواعي النفرة التي كانت موجبة للمخالفة. فإنها إن كانت بطريق الدين. والذب عن حوذة المسلمين. فقد ظهر بفضل الله ويمن دولتنا النور المبين. وإن كان لما سبق من الأسباب. فمن يجري الآن طريق الصواب. فإن له عندنا الزلفى وحسن مآب. وقد رفعنا الحجاب بفصل الخطاب وعرفناكم ما عزمنا عليه من نية خالصة لله تعالى وأتينا باستيفائها. وحرمنا على جميع عساكرنا العمل بخلافها. ليرضى الله والرسول. وتاوح على صفائحها آثار الاقبال والقبول. وتستريح من اختلاف الكلمة هذه الأمة. وتنجلي بنور الائتلاف واللمة ظلمة الاختلاف والغمة. فيسكن في سابغ ظلها البوادي والحواضر. وتقوى القلوب التي بلغت من الجهد إلى الحناجر. ويعفى عن سائر الهفوات والجرائر. فإن وفق الله تعالى سلطان مصر لما فيه صلاح العالم. وانتظام أمور بني آدم. فقد وجب عليه التمسك بالعروة الوثقى. وسلوك الطريقة المثلى. بفتح أبواب الطاعة والاتحاد. وبذل الإخلاص بحيث تعمر تلك الممالك والبلاد. وتسكن الفتن الثائرة. وتغمد السيوف الباترة. تحل الكافة أرض الهوينا وروض الهدون. وتخلص أرقاب المسلمين من أغلال الذل والهون. وإن غلب سوء الظن بما تفضل به واهب الرحمة. ومنع عن معرفة قدر هذه النعمة. شكر الله مساعينا وأبلى عذرنا وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً. والله الموفق للرشاد والسداد. وهو المهيمن على جميع البلاد والعباد. وحسبنا الله وحده. وكتب في أواسط جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وستمائة بمقام الطاق .
ثم أن ملك مصر كتب إلى السلطان أحمد جواب هذه الرسالة : من سلطان مصر سيف الدين أبي مظفر قلاوون. أما بعد حمد الله الذي أوضح لنا نبأ الحق منهاجاً. وجاء بنا فجاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجاً. والصلاة على سيدنا ونبينا محمد الذي فضله على كل شيء نحي أسه وكل نبي ناجي. وعلى آله وصحبه صلاة تثير ما دحي وتنير من داجي. والرضى عن الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين وسليل الخلفاء المهتدين. وابن عم سيد المرسلين الخليفة الذي تتمسك ببيعته أهل هذا الدين. أنه ورد الكتاب الكريم. الملتقى بالتكريم. والمشتمل على النبأ العظيم. من دخوله في الدين. وخروجه عمن خالف من العشيرة والأقربين. ولما فتح هذا الكتاب فاتح بهذا الخبر المعلم. والحديث الذي صح عند أهل الإسلام إسلامه وأصح الحديث ما روي عن مسلم. وتوجهت الوجوه بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى في أن يثبته على ذلك بالقول والعمل الثابت. وأن ينبت حب حب هذا الدين في قلبه كما أنبته في أحسن المنابت. وحصل التأمل للفضل المبتدأ بذكره من حديث إخلاصه النية في أول العمر وعنفوان الصبا والإقرار بالوحدانية. ودخوله في الملة المحمدية بالقول والعمل والنية. والحمد لله على أن شرح صدره للإسلام. وألهمه شريف هذا الإلهام. فحمدنا الله على أن يجعلنا من السابقين الأولين إلى هذا والمقال المقام. ويثبت أقدامنا في كل موقف اجتهاد وجهاد تتزلزل دونه الأقدام. وأما إفضاء النوبة في الملك وميراثه بعد والده وأخيه الكبير إليه. وإفاضة هذه المواهب العظيمة عليه وتوقله الأسرة التي طهرها إيمانه وأظهرها سلطانه فقد أورثه الله من اصطفاه من عباده. وصدق المبشرات له من كرامة أوليائه وعباده. وأما حكاية اجتماع الأخوان والأولاد والأمراء الكبار في قوريلتاي الذي ينقدح فيه زند الآراء وإن كلمتهم اتفقت على ما سبق به حكم أخيه الكبير في إنفاذ العساكر إلى هذا الجانب وانه فكر فيما اجتمعت عليه آراؤهم وانتهت إليه أهواؤهم فوجده مخالفاً لما في ضميره إذ قصد الصلاح ودأبه الإصلاح. وانه أطفأ تلك النائرة. وسكن تلك الثائرة. فهذا فعل الملك التقي المشفق على قومه. ومن يفي الفكر في العواقب. بالرأي الثاقب. وإلا فلو تركوا آراءهم حتى يحملهم الهوى لكانت تكون هذه الكرة هي الكرة. لكن هو كمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. ولم يوافق قول من ضل ولا فعل من غوى. وأما القول أنه لا يحب المسارعة للمقارعة إلا بعد إيضاح المحجة وتركيب الحجة. فانتظامه في سلك الإيمان صارت حجتنا وحجته المتركبة على من عدت طواغيه عن سلوك هذه المحجة مسكتة. وإن الله سبحانه والناس كافة قد عملوا أن قيامنا إنما هو لنصر هذه الملة وجهادنا واجتهادنا إنما هو لله. وحيث قد دخل معنا في الدين هذا الدخول.فقد ذهبت الأحقاد وزالت الذحول. وبارتفاع المنافرة. تحصل المناصرة. فالإيمان كالبنيان يشد بعضه من بعض. ومن أقام مناره فله أهلٌ بأهلٍ في كل مكان وجيران بجيران في كل أرض. وأما تركيب هذه الفوائد الجمة على اذكار شيخ الإسلام قدوة العارفين كمال الدين عبد الرحمن أعاد الله من بركاته فلم ير ولي من قبل كرامة كهذه الكرامة. والرجاء ببركة الصالحين أن تصبح كل دار للإسلام دار إقامة حتى تتم شرائط الإيمان. ويعود شمل الإسلام كأحسن ما كان. ولا ينكر بمن بكرامته ابتدأ هذا التمكن في الوجود. إن كل حق ببركته إلى مصابه يعود. واما إنفاذ أقضى القضاة قطب الدين والأتابك شهاب الدين الموثوق بنقلهما في إبداع رسائل هذه البلاغة. فقد حضرا وأعادا كل قول حسن من حوال أحواله وخطرات خاطره ومناظرات منظره. ومن كل ما يشكر ويحمد. ويفيض حديثهما فيه عن مسند أحمد. وأما الإشارة إلى أن النفوس كانت تتطلع لى إقامة دليل تستحكم بسببه دواعي الأمر ومصادره من العدل والإحسان. بالقلب واللسان. والتقدم بإصلاح الأوقاف فهذه صفات من يريد لملكه دواماً. فلما ملك عدل. ولم يلتفت إلى لوم من عذل. على أنها لو كانت من الأفعال الحسنة. والمثوبات التي تستنطق بالدعاء الألسنة. فهي واجبات كلية تؤدى وهي أكبر من أنه يأجر أجر غيره يفتخر أو عليه يقتصر أو له يدخر. وإنما يفتخر الملك العظيم بأن يعطي ممالك وأقاليم وحصوناً يبذل في تشييد ملكه عن مصون. وأما تحريمه على العساكر والقراغولات والشحاني بالأطراف التعرض إلى أحد بالأذى. وإصفاء موارد الواردين والصادرين من شوائب القذى. فمن حين بلغنا تقدمه بذلك تقدمنا مثله أيضاً إلى سائر النواب بالرحبة والبيرة وحلب وعين تاب وتقدمنا إلى مقدمي العساكر بأطراف تلك الممالك بمثل ذلك. وإذا اتخذ الأمان وانعقد الإيمان بختم هذه الأحكام ترتبت عليه جميع الحكام. وأما الجاسوس الفقير الذي أمسك ثم أطلق وأن بسبب من يتزيا من الجواسيس بزي الفقراء قتلت جماعة من الفقراء الصلحاء رجماً بالظن فهذا باب من تلك الأبواب كان فتحه. وزند منه كان قدحه. وكم متزي بالفقر من ذلك الجانب سيروه. وإلى الاطلاع على الأمور سوروه. وظفر النواب منهم بجماعة فرفع عنهم السيف. ولم يكشف ما غطته خرقة الفقر بلم ولا كيف. وأما الإشارة إلى أن في اتفاق الكلمة يكون صلاح العالم. وينتظم شمل بني آدم. فلا ريب لمن طرق باب الاتحاد ومن جنح السلم فما حاد. ومن ثنى عنانه عن المكافحة. كمن مد يد المصالحة للمصافحة. والصلح وإن كان سيد الأحكام فلا بد من أمور تبنى عليها قواعده ويعلم من مدلولها فوائده. فإن الأمور المسطورة في كتابه كليات لازمة يفهم بها كل معنى ويعلم أن يتهيأ صلح أو لم. وثم أمور لا بد وأن يحكم في سلكها عقوداً لعهود تنظم قد يحملها لسان المشافهة التي إذا أفردت أقبلت إن شاء الله عليها النفوس. وأحرزتها صدور الرسل كأحسن ما تحرزه سطور الطروس.و أما الاستشهاد بقوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً. فما على السبق من الود بنسج ولا على السبيل بنهج. بل الفضل لمن تقدم . في الدين حقوق ترعى. وإفادات تستدعى. وعند الانتهاء إلى جوابٍ ما لعله يجب عنه الجواب من فصول الكتاب. وسمعنا المشافهة التي على لسان أقضى القضاة قطب الملة والدين. وانتظام عقده بسلك المؤمنين. وما بسطه من عدلٍ وإحسان. وسيرة مشكورة يكل عن وصفها اللسان. فقد أنزل الله على رسوله في حق من أمتن بإسلامه : قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان. ومن المشافهة أنه قد أعطاه الله من العطايا ما اغناه عن امتداد الطرف إلى ما في يد غيره من أرضٍ وماء. فإن حصلت الرغبة في الاتفاق على ذلك فالأمر حاصل. فالجواب أن ثم أموراً متى حصلت عليها الموافقة.تمت المصادقة. ورأى الله تعالى والناس كيف يكون مصافينا. وادلال معارفينا عند تصافينا. وكم من صاحبٍ وجد حيث لا يوجد الأب والأخ والقرابة. وما تم أمر الدين المحمدي واستحكم في صدور الإسلام إلا بمظاهرة أصحابه. فإن كانت له رغبة مصروفة إلى الاتحاد. وحسن الوداد. وجميل الاعتقاد. وكبت الأعداء والأضداد. والاستناد إلى من يشتد به الأزر عن الاستناد. فقد فهم المراد. ومن المشافهة إذ كانت عزيمتنا غير ممتدة إلى ما في يده من أرض وماء فلا حاجة إلى إنفاذ المفترين الذين يؤذون المسلمين بغير فائدة تعود. فالجواب لو كف كف العدوان من هنالك. وخلا للملوك المسلمين ما لهم من ممالك. سكنت الدهماء. وحقنت الدماء. وحقه أن ينهي عن خلقٍ ويأتي بمثله. ولا يأمر بشيءٍ وينسى فعله. وقونغرتاي بالروم الآن وهي بلادٌ في أيديكم. وخراجها يجبى إليكم. قد سفك فيها الدماء وقتل وسبى وهتك وباع الأحرار. وأبى إلا التمادي على ذلك الإضرار. ومن المشافهة أنه حصل التصميم على أن يبطل هذه الإغارات. ولا يفتر عن هذه الإثارات. فيعين مكاناً يكون فيه اللقاء. ويعطي الله النصر لمن يشاء. فالجواب عن ذلك الآن الأماكن التي اتفق فيها ملتقى الجمعين مرةً ومرةً ومرةً قد عاف مواردها من سلم من أولئك القوم. وخاف أن لا يعاودها فيغادره مصرع ذلك اليوم. ووقت اللقاء علمه عند الله لا يقدر. وما النصر إلا من عند الله لمن أقدر لا لمن قدر. وما نحن ممن ينتظر فلتة. ولا له إلى غير ذلك لفتة. وما أمر ساعة النصر إلا كالساعة التي لا تأتي إلا بغتةً. والله الموفق لما فيه صلاح هذه الأمة. والقادر على إتمام كل خيرٍ ونعمة. إن شاء الله تعالى. كتب في مستهل شهر رمضان المعظم سنة إحدى وثمانين وستمائة.و أن يبذل في تشييد ملكه عن مصون. وأما تحريمه على العساكر والقراغولات والشحاني بالأطراف التعرض إلى أحد بالأذى. وإصفاء موارد الواردين والصادرين من شوائب القذى. فمن حين بلغنا تقدمه بذلك تقدمنا مثله أيضاً إلى سائر النواب بالرحبة والبيرة وحلب وعين تاب وتقدمنا إلى مقدمي العساكر بأطراف تلك الممالك بمثل ذلك. وإذا اتخذ الأمان وانعقد الإيمان بختم هذه الأحكام ترتبت عليه جميع الحكام. وأما الجاسوس الفقير الذي أمسك ثم أطلق وأن بسبب من يتزيا من الجواسيس بزي الفقراء قتلت جماعة من الفقراء الصلحاء رجماً بالظن فهذا باب من تلك الأبواب كان فتحه. وزند منه كان قدحه. وكم متزي بالفقر من ذلك الجانب سيروه. وإلى الاطلاع على الأمور سوروه. وظفر النواب منهم بجماعة فرفع عنهم السيف. ولم يكشف ما غطته خرقة الفقر بلم ولا كيف. وأما الإشارة إلى أن في اتفاق الكلمة يكون صلاح العالم. وينتظم شمل بني آدم. فلا ريب لمن طرق باب الاتحاد ومن جنح السلم فما حاد. ومن ثنى عنانه عن المكافحة. كمن مد يد المصالحة للمصافحة. والصلح وإن كان سيد الأحكام فلا بد من أمور تبنى عليها قواعده ويعلم من مدلولها فوائده. فإن الأمور المسطورة في كتابه كليات لازمة يفهم بها كل معنى ويعلم أن يتهيأ صلح أو لم. وثم أمور لا بد وأن يحكم في سلكها عقوداً لعهود تنظم قد يحملها لسان المشافهة التي إذا أفردت أقبلت إن شاء الله عليها النفوس. وأحرزتها صدور الرسل كأحسن ما تحرزه سطور الطروس.و أما الاستشهاد بقوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً. فما على السبق من الود بنسج ولا على السبيل بنهج. بل الفضل لمن تقدم . في الدين حقوق ترعى. وإفادات تستدعى. وعند الانتهاء إلى جوابٍ ما لعله يجب عنه الجواب من فصول الكتاب. وسمعنا المشافهة التي على لسان أقضى القضاة قطب الملة والدين. وانتظام عقده بسلك المؤمنين. وما بسطه من عدلٍ وإحسان. وسيرة مشكورة يكل عن وصفها اللسان. فقد أنزل الله على رسوله في حق من أمتن بإسلامه : قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان. ومن المشافهة أنه قد أعطاه الله من العطايا ما اغناه عن امتداد الطرف إلى ما في يد غيره من أرضٍ وماء. فإن حصلت الرغبة في الاتفاق على ذلك فالأمر حاصل. فالجواب أن ثم أموراً متى حصلت عليها الموافقة.تمت المصادقة. ورأى الله تعالى والناس كيف يكون مصافينا. وادلال معارفينا عند تصافينا. وكم من صاحبٍ وجد حيث لا يوجد الأب والأخ والقرابة. وما تم أمر الدين المحمدي واستحكم في صدور الإسلام إلا بمظاهرة أصحابه. فإن كانت له رغبة مصروفة إلى الاتحاد. وحسن الوداد. وجميل الاعتقاد. وكبت الأعداء والأضداد. والاستناد إلى من يشتد به الأزر عن الاستناد. فقد فهم المراد. ومن المشافهة إذ كانت عزيمتنا غير ممتدة إلى ما في يده من أرض وماء فلا حاجة إلى إنفاذ المفترين الذين يؤذون المسلمين بغير فائدة تعود. فالجواب لو كف كف العدوان من هنالك. وخلا للملوك المسلمين ما لهم من ممالك. سكنت الدهماء. وحقنت الدماء. وحقه أن ينهي عن خلقٍ ويأتي بمثله. ولا يأمر بشيءٍ وينسى فعله. وقونغرتاي بالروم الآن وهي بلادٌ في أيديكم. وخراجها يجبى إليكم. قد سفك فيها الدماء وقتل وسبى وهتك وباع الأحرار. وأبى إلا التمادي على ذلك الإضرار. ومن المشافهة أنه حصل التصميم على أن يبطل هذه الإغارات. ولا يفتر عن هذه الإثارات. فيعين مكاناً يكون فيه اللقاء. ويعطي الله النصر لمن يشاء. فالجواب عن ذلك الآن الأماكن التي اتفق فيها ملتقى الجمعين مرةً ومرةً ومرةً قد عاف مواردها من سلم من أولئك القوم. وخاف أن لا يعاودها فيغادره مصرع ذلك اليوم. ووقت اللقاء علمه عند الله لا يقدر. وما النصر إلا من عند الله لمن أقدر لا لمن قدر. وما نحن ممن ينتظر فلتة. ولا له إلى غير ذلك لفتة. وما أمر ساعة النصر إلا كالساعة التي لا تأتي إلا بغتةً. والله الموفق لما فيه صلاح هذه الأمة. والقادر على إتمام كل خيرٍ ونعمة. إن شاء الله تعالى. كتب في مستهل شهر رمضان المعظم سنة إحدى وثمانين وستمائة .
وفي هذا التاريخ نقل إلى السلطان أحمد أن أخاه قونغرتاي له كلام مع أرغون ابن اباقا وأنهم يريدون قتله فخاف وسارع إلى قونغرتاي وقتله. ولما بلغ الخبر أرغون بقتل عمه حزن لذلك وصعب عليه وأظهر تغيير قلبه على أحمد. فلما شعر أحمد بتغيير قلب أرغون عليه سير عسكراً عظيماً وكبيرهم أمير من المغول اسمه اليناخ فتوجهوا إليه وهو بخراسان. فلما وصل العسكر إليه انهزم أرغون من قدامه. فأهمل اليناخ أمره واشتغل بالأكل والشرب والسكر. وفي بعض الليالي هجم أرغون على عسكر اليناخ وبعض العسكر معه. ولما سمع السلطان أحمد بذلك غضب وانزعج عظيماً ثم سير إلى جميع البلاد وجمع العساكر العظيمة وقصد أرغون. فلما رأى أرغون أنه عاجز عن مقاومته صعد إلى حصنٍ هناك ومعه ثلاثمائة نفر من الفرسان البهادورية أتباعه وتحصن هناك من غير أن يحبس نفسه في مكان لكنه منتقل من موضع إلى موضع لأنه كان يفكر بقوله : كل محاصر مأخوذ ولم تطعه نفسه بالرجوع إلى طاعة السلطان أحمد. فبينما هو في هذه الأفكار وأميرٌ واحدٌ من أمراء أبيه اباقا كان محبوباً عند والده اسمه بوغا تقدم إلى السلطان أحمد قائلاً له : إن أعطيتني عهداً بأن لا تؤذي أرغون ولا يدنيه السوء فإني أمضي إليه وأحضره بين يديك. فسمع كلامه واستصوب مشورته ووقع الاتفاق على هذا. وحينئذٍ صعد بوغا في الحال إلى أرغون وخاطبه وجاء به إلى أحمد وفرح السلطان بذلك وعمل الدعوات والأفراح ثلاثة أيام. وفي اليوم الثالث تغير قلب السلطان أحمد على أرغون وجالت الأفكار في خاطره طالباً قتله. فدعى الأمير اليناخ وجماعة أخرى معه ووكل على أرغون وأوصاهم على الاحتياط به لئلا يهرب وأنه متوجه إلى بلاد أذربيجان إلى أمه قوتاي خاتون وأمرهم أن يصحبوه إليه. ولما جاء الليل عزم على الرحيل وكشف سره إلى بعض الأكابر حيث يقول : إن لم أهلك أرغون وسائر الأولاد لم أسترح ولا تنتظم السلطنة لي. وعند الصباح رحل وأوصى أن يصحبوا إليه أرغون قليلاً قليلاً. فأما الأمير بوغا فلما تحقق هذا الأمر وعرف ما في ضمير أحمد ما تبعه وأبطأ معتاقاً إلى الليل. وفي الليل دار على جميع الأولاد وعرفهم ضمير أحمد وما قد عول عليه أن يفعله بهم. فأخذتهم الغيرة ونهضوا في تلك الليلة بأجمعهم وقصدوا أرغون مكان كان موكل عليه وأخرجوه وألبسوه السلاح وأركبوه الفرس وركبوا جميعهم في خدمته إلى الموضع الذي كان فيه اليناخ وهجموا عليه ودخلوا قتلوه وقتلوا معه جميع الأكابر أصحابه في الخيمة ونادوا في العسكر أن أبناء الملوك قد قتلوا اليناخ وأصحابه فكل من هو في موضعٍ يلزم مكانه ولا يتحرك ولا يخف. وعند الصباح سيروا في طلب عسكر أرغون أحضروهم وركبوا في جمعٍ عظيمٍ وساقوا في أعقاب أحمد وأدركوه عند أمه فلزموه وكتفوه واستحفظوا به ونهبوا الاردو الذي له جميعها. ولما وصل أرغون وجماعة الأولاد اتفقوا على أن يملكوا عليهم أرغون ويكون الملك له موضع والده اباقا وأحمد ينعزل لآنه ما يصلح أن يدبرهم. وانتهت سلطنة أحمد إلى هذه الحالة وذلك يوم الأربعاء حادي عشر من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وستمائة .
” أرغون ايلخان “
ولما جلس أرغون على كرسي المملكة اتفق الأكثرون من أمراء المغول وأكابرهم أن يقتلوا أحمد. فكان يقول أرغون : لا أوافق على قتله بل أم قونغرتاي وأولادها هم يعرفون به والذي يختارون أن يفعلوا به فليفعلوا. حينئذٍ بقي تحت التوكل أياماً وبعد ذلك قتله أولاد قونغرتاي وانتقموا منه وأخذوا دم والدهم. وكان ذلك يوم الأربعاء ثاني جمادى الآخرة. ثم أن أرغون لما استقام له الأمر رتب كل واحد من الأولاد في رأس عسكر من عساكر مملكته. ثم قيل لأرغون أن صاحب الديوان هو قتل اباقا والدك بسمٍ سقاه. ولما يسير يطلبه من السلطان أحمد فما كان يسمح له به ولا كان يسلمه إله. فتحقق أرغون أن أحمد اختار موت والده. فلما استقر أرغون في الملك هرب شمس الدين صاحب الديوان إلى الجبال التي في الأهواز واحتمى بطائفةٍ من الأكراد يسمون باللور وكان كبيرهم شخص اسمه يوسف شاه. ولما وصل إلى طاعة أرغون قبله قبولاً حسناً وأكرمه لأنه قبل عليه أن يلزم صاحب الديوان ويحمله إلى عبوديته. وفعل ذلك ولزمه وحمله إلى أرغون. ولما قدم قدم أموالاً كثيرة نحو مائة تومانٍ من ذهب. ثم أنهم عرضوا عليه أن يشتري نفسه بحيث لا يهرق دمه فطلب المهلة ليبيع أملاكه وما تخلف له ويقرض ويوصل ذلك. حينئذٍ حصل بطريق القرض من أصحابه وأهله وأنسبائه وأحبائه وأصدقائه قريباً من أربعين توماناً آخر من الذهب وقال : هذا الذي قد حصل ولا يمكن أن يحصل غيره فأنتم الذي تختارون فعله فافعلوه. فبرز الأمر من الملك أرغون بقتله وقتل يوم الثلاثاء خامس شهر شعبان لهذه السنة وافق ذلك سابع شهر تشرين الأول سنة ست وتسعين وخمسمائة وألف للإسكندر. وكانت هذه آخرة مثل ذلك الرجل العظيم الهيوب الحكيم الذي كانت الدولة بأسرها معلقة بخنصره. وكان عنده العقل والخبرة وكان كاملاً بجميع السياسات والتدابير والتواضع الحسن. ويقولون عنه أنه ما سبقه أحد بالسلام بل هو كان يبتدئ من تقدم إليه .