مقدمة
العبرانيون لمفارزتهم باقي الأمم حرموا تعلم الحكمة مقتصرين على علوم الشرائع وسير الأنبياء. فكان أحبارهم أعلم الناس بأخبار الأنبياء وبدو الخليقة ومنهم أخذ غيرهم. وكانت مساكنهم بلاد الشام وبها كان ملكهم الأول والآخر إلى أن أجلاهم عنها بعد مجيء السيد المسيح , حقاً أنكروه , طيطوس ابن الملك اسفسيانوس الرومي وفرق ملكهم وبدد جمعهم. فتقطعوا في البلاد أيدي سبا وتفرقوا في أقطارها شذر مذر. فليس في معمور الأرض إلا وفيها منهم في مشارق الأرض ومغاربها وجنوبها وشمالها إلا ما كان من جزيرة العرب وهي الحجاز ونجد وتهامة واليمن. فإن عمر بن الخطاب أجلاهم عنها. فلما تفرقوا في البلاد ودخلوا الأمم تحركت همم قليل منهم لطلب العلوم النظرية واكتساب الفضائل العقلية فنال أفراد منهم ما شاءوا من فنون الحكمة
” أيشوع بن نون ”
خليفة موسى ووصيه دبر بني إسرائيل سبعاً وعشرين سنة وأدخل أولاد الأمة الخارجة من مصر إلى أرض الميعاد دون الآباء كما قال الله لموسى : قل لبني إسرائيل : يا شعب السوء حي أنا إلى الأبد ستضلون ضالين مذبذبين أربعين سنة حتى تقع أجسادكم وتبلى في هذا البر وأولادكم وهم يدخلون أرض الميعاد. وأما أنتم فلا تطأونها سوى كلاب بن يوفنيا وأيشوع بن نون. وقهر أيشوع سبع أمم من الكنعانيين وقتل ملوكهم وأخرب إحدى وثلاثين مدينة وقسم الأرض التي أخذها بين الأسباط وأمرهم أن يهدموا بيوت الأوثان وأن لا يتزوجوا بنساء الأمم الغريبة ولا يأكلوا من ذبائحهم وأن يجتمعوا كل عام إلى بيت المقدس ليقرأ عليهم فينحاس بن اليعازر الكاهن كتاب الله. فخالفوا جميع ذلك وعصوا الله. فجمعهم أيشوع بن نون في بعض البقاع وظهر لهم ملاك الله في صورة إنسان قائلاً بصوت عالٍ : اسمعوا يا بني إسرائيل قول الله فإنه يقول : أنا ربكم خلصتكم من عبودية المصريين وفلقت لكم البحر و دبرتكم في البر أربعين سنة وأطعمتكم المن والسلوى وأحييتكم عيشاً طيباً. لم يبل لكم لباس ولم يشعث لكم رأس ولم يتسخ لكم ثوب. ثم إني كلمتكم من النار وأنزلت لكم كتاباً وأورثتكم أرضاً تدر اللبن والعسل دروراً. فعصيتموني ونقضتم عهدي ونسيتم آياتي. فباسمي أقسم أن لا أبيد هذه الأمم من بين أيديكم لكن أقرهم بين ظهرانيكم فيكون ذلك سبب بواركم. ولما سمعوا ذلك جلسوا يبكون ولذلك سميت تلك البقعة بقعة البكاء. ثم صرفهم أيشوع إلى منازلهم وتوفي ابن مائة وعشر سنين
” فينحاس بن اليعازر بن هرون الكاهن ”
دبر الأمة أربعاً وعشرين سنة على رأي انيانوس. وقال إفريقيانوس: والمشايخ ساسوا ثلاثين سنة. والكتاب الإلهي لم يعين هذه السنين. وفي هذا الزمان زاد بنو إسرائيل في طغيانهم. فقال ملاك الرب لفينحاس : إن هذه الأمة ليست بأهل أن تسمع كلام الله. فاصنع حبّاً من نحاس واجعل فيه خمسة من أسفار التوراة واللوحين وعصا موسى وقضيب هرون الذي أورق وهو يابس وما استبقي من المن تذكاراً وسده برصاص. وعمل فينحاس كما أُمر وحمل الحب وسار الملاك بين يديه حتى أنزله مغارة في بيت الله الذي بناه سليمان بن داود فانفجرت له صخرة ووضح الحب فيها وأخفى مكانه
“ كوشن الأثيم المتغلب “
بعد أن طغى بنو إسرائيل وجاوزوا الحد في العصيان أسلمهم الله في يدي كوشن المارد من الأمم الغريبة فعذبهم وجار عليهم ثمان سنين
” عثنائيل ”
لما أجهد كوشن بني إسرائيل استغاثوا إلى الله. فأنشأ لهم رجلاً من سبط يهوذا اسمه عثنائيل ابن أخي كلاب بن يوفنيا فقتل كوشن وولي أمر الأمة أربعين سنة وردهم إلى عبادة الله تعالى ثم مات
” عجلون ”
بعد موت عثنائيل بن قيناز طغى بنو إسرائيل وعبدوا الأوثان. فأسلمهم الله في يد عجلون ملك موآب فاستعبدهم ثمان عشرة سنة. ثم ابتهلوا إلى الله. فأنشأ لهم رجلاً من سبط افريم اسمه اهور فقتل عجلون الموآبي وأنقذهم من عبوديته
” اهور بن جارا ”
هذا كان أعشم قد شلت يمينه واحتال بأن مثل بين يدي عجلون المتغلب وقال له : كلمة الله معي أريد استكتامها. فصرف عجلون كل من كان عنده وقام يدخل إلى خزانة له ليسمعها هناك. فتناول اهور سيفاً صغيراً كان قد شده على فخذه اليمنى بيده اليسرى وضرب به على وسط عجلون فبرز مراق بطنه ومات. وخرج اهور وأغلق الباب عليه ومضى إلى بني إسرائيل وعرفهم الحال. فسروا بذلك وتولى أمرهم اهور اثنتين وستين سنة. ومنهم من قال ثمانين سنة يضيف إليها سني عجلون المتغلب أيضاً. وفي هذا الزمان بنيت مدينة حلب بأمر بتحوس ملك اثور. وشيدت محكمة اريوس فاغوس بمدينة اثيناس. وقتل اهور من بني موآب عشرة آلاف رجل
” شمغر بن عناث ”
هذا نشأ في أيام اهور وقتل من الفلسطينيين ستين رجلاً بمنخسة الفدان وحكم ثمان عشرة سنة ومات. فطغى بنو إسرائيل بعد وفاته وعبدوا الأوثان. فأسلمهم الله بيدي يابين ملك حاصور من جملة ملوك الكنعانيين
” يابين ملك حاصور ”
تغلب على الأمة عشرين سنة وكان لقائد جيشه واسمه سيسرا تسع مائة مركب من حديد تجر كل واحدة منها أربعة أفراس تحمل نفراً من الرجال المقاتلين. وكانت الأمة معه في ضنك شديد. فاستغاثوا إلى الله فأنشأ لهم امرأة نبية اسمها دبورا. فأنقذتهم منه
” دبورا النبية و بارق ”
لما تولت دبورا النبية وهي من سبط افريم أمر بني إسرائيل أشركت معها في التدبير رجلاً اسمه بارق من سبط نفتالي ووليا الأمر أربعين سنة
وجيش بارق من بني إسرائيل عشرة آلاف رجل مقاتل والتقى عساكر سيسرا الجمة فانكسر الكنعانيون ونزل سيسرا عن فرسه ملتجئاً إلى امرأة من بني إسرائيل اسمها عنائيل. فعرفته وحوته في منزلها وسقته عوض الماء الذي طلبه لبناً ودثرته فنام وحيث ثقل في نومه أخذت سكة من حديد وسمرتها في صماخه حتى مات. ثم خرجت إلى باب منزلها فرأت بارق مجداً في طلب سيسرا فقالت له : هلم أريك من تريد. فدخل ورأى سيسرا ملقى ميتاً والسكة في أذنه. ومازال بارق في طلب يابين ملك حاصور حتى ظفر به فقتله
” المذيانيون ”
وبعد موت دبورا وبارق توثن بنو إسرائيل كعادتهم وأسلموا في يدي بني مذيان فاستعبدوهم سبع سنين وهرب بنو إسرائيل من شدة ما قاسوا من المذيانيين واتخذوا
لهم بيوتاً في الكهوف والمغارات وسكنوها. وصار كلما زرعوا زرعاً صعدت العمالقة والمذيانيون ورعوه و قرفوه و اقحلوا وجه الأرض من كل نبات بكثرة إنعامهم وماشيتهم وأغنامهم
” جذعون ”
لما رأى الله ذل بني إسرائيل رحمهم وأرسل ملاكاً إلى رجل اسمه جذعون ابن يواش وأمره أن يتولى خلاص الإسرائيليين. فولي تدبيرهم أربعين سنة وقتل ملوك الأعراب مضطهديهم . وولد له سبعون ولداً ذكوراً. وفي زمانه كان ابولون ملك الزنوج الذي بزمره انخدعت له الصخور أي اطاعته القلوب القاسية
” ابيملك بن جذعون ”
الذي ولدت له سريته وولي بعد أبيه ثلث سنين وقتل أخوته التسعة والستين
” تولع بن فوا ”
من سبط ايساخر ساس بني إسرائيل عشرين سنة. وفي زمانه بنيت مدينة طرسوس وخربت مدينة ايليون الخراب الذي هو من أعظم الرزايا عند قدماء اليونانيين وقد رثاها اميروس الشاعر في كتابين نقلهما من اليوناني إلى السرياني ثاوفيل المنجم الرهاوي
“ يائير الجلعدي “
ولي تدبير بني إسرائيل اثنتين وعشرين سنة
” العمونيون ”
لما طغى بنو إسرائيل في عبادة الأوثان أسلمهم الله في أيدي بني عمون فنكد بهم عيشة الأمة ثمان عشرة سنة
“يفتاح “
هذا قتل ملك عمّون وهم بنو لوط. وكان قد نذر على نفسه أنه إن ظفر بالعدو وكر منتصراً أول من لمح من ذوي قرابته قربه لله تعالى قرباناً. فلما انتصر وعاد دانياً من منزله أقبلت عليه ابنته العذراء تهنئه بالنصر. فقال لها : كبا كببتني لوجهي يا ابنتي وأنا اليوم اكبيت على وجهي بك. فعلمت ما به واستمهلته شهراً أن تنوح على بكارتها مع أقرانها وترثي على روحها دائرة في الصحاري. فأذن لها في ذلك. وعند تمام المدة ضحى بها ضحية بموجب ذره المكروه. وكان مدة ولايته ست سنين. ومن جعلها أربع وعشرين سنة فإنه يضيف إليها ثماني عشرة سنة التي لولاية العمونيين
” ابيصان ”
من أهل بيت لحم حكم سبع سنين وجماعة من المؤرخين لم يتعرضوا لذكر هذا الاسم
“ الون “
من سبط زبولون ساس الأمة عشر سنين. وهو غير مذكور في نقل السبعين
” ابدون بن هليان ”
حكم ثماني سنين وفي زمانه فارق قوم من ولد عيسو ابن اسحق بن إبراهيم بني إسرائيل وساروا إلى أرض الافرنجة نازلين في بيوت شعر ثم حصلوا تحت يد ملك يسمى لاطين وبعده ملكهم رومالوس الملك الذي بنى مدينة رومية فسمى سكانها روماً ولاطينيين
” الفلسطينيون ”
ثم تغلب أهل فلسطين على بني إسرائيل على رأي انيانوس الراهب الإسكندري أربعين سنة. وعلى رأي اندرونيقوس عشرين سنة. وأما اوسابيوس فلم يثبت في الخرونيقون شيئاً من هذه السنين
“ شمشون الجبار المتقشف “
حكم عشرين سنة وقهر الفلسطينيين وكان له قوة عجيبة في البطش
” مشايخ الأمة ”
حكموا عشرين سنة. وعلى رأي اندرونيقوس عشر سنين. وعلى رأي إفريقيانوس أربعين سنة. هؤلاء هادنوا الأمم التي حواليهم فلم ينصبوا قائد جيش وكان لهم عنه غنى
” عالي الكاهن ”
حكم على الرأي السبعيني عشرين سنة وعلى رأي اليهود أربعين سنة
” شموايل النبي ”
نذره أبوه لله وهو ابن سنتين فلما ترعرع أتاه الوحي وخدم على الكاهن في هيكل الرب من سن الطفولة إلى أن توفي عالي الكاهن فولي هو أمر بني إسرائيل عشرين سنة