نسب السيد المسيح
عدد 1 : كتابُ ميلادِ يسوعَ المسيحِ ابنِ داودَ ابنِ إِبراهم :
لم يقل متّى ، كقول الانبياء ، قال لي الرب . ولم يقل ، كقول الأنبياء الكذبة لليهود التابعين لهم ، قد رأيت رؤيا . فمتّى كان يكتب للمؤمنين فلم يتشبه بالأنبياء ولم يكتب اسمه في الكتاب لانه كان يكتب اخباراً للمقريبن منه . اما بولس ، بداعي كتابته للبعيدين ، كان يعنّون كل رسالة بإسمه . قال متى ( كتاب ميلاد ) لان ابتداء جميع الصالحات هو الميلاد ، وذلك جرياً على ما فعله موسى النبي اذ سمّى كتابه ” كتاب الخليقة ” لانه ضمّنه الأمور التي حدثت في العالم مدة ألفين ومئتين وستة عشر سنة . كما أنه دعا كتاباً آخر ” سفر الخروج ” لانه ضمّنه رواية خروج الشعب من مصر . وهكذا سمّى متّى كتابه كتاب ميلاد لأنه ضمّنه خبر ولادة الله بالجسد وتدبيره وسياسته وحكمته في خلاص العالم . وقد جرت العادة ان يتّّصف الشئ بأشرف أجزائه ، لذلك وصف كتابه باسم ( كتاب ميلاد ) لا كتاب عماد أو صلب أو قيامة ، حالة كون العماد هو بدء الانجيل . لكن الانجيلي فضّل تقديم ذكر الميلاد ، ليعلّم العبرانيين ان هذا هو المسيح الذي وعد الله ابراهيم وداود بظهوره بالجسد من زرعهما وهو واهب الانجيل الشريف .
ويقال الميلاد بانواع شتى : اولاً ، الميلاد من المرأة . ثانياً ، الميلاد من المعمودية كقوله : ” إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله ” ( يوحنا 3 : 5 ) . ثالثاً، الميلاد من القبر كقوله : ” من سمع مثل هذا ؟ من رأى مثل هذه ؟ هل تمْخَضُ بلاد في يوم واحد أو تولد أمة دفعة واحدة فقد مخضت صهيون بل ولدت بنيها ” ( 1شعيا 66 : 8 ) . رابعاً ، يطلق الميلاد على قبول الكرازة والإيمان كقول بولس الرسول : ” لأني انا ولدتكم في المسيح يسوع بالانجيل ” ( 1 كورنثوس 4 : 15 ) . وقوله : ” وهو قد شاء أن يلدنا بكلمة الحق ” وكقول سليمان الحكيم : ” لا تفتخر بالغد لانك لا تعرف ماذا يلده يوم ” ( امثال 27 : 1 ) ، وقول النبي : ” ان الاثيم قد تمخض وحبل زوراً وولد افكاً ” . خامساً ، كمثل الشعاع والاشراق الذي يتولد من الشمس والنار . والميلاد الازلي كميلاد الابن من الآب ازلياً ، أما هنا فلا يقصد متى ولادة الابن الازلية من الآب بل الولادة الزمنية التي من البتول . على ان الكتاب ذكر ولادة أبرار كثيرين ولكنه لم يعنّون سفراً واحداً بولادة احدهم ما عدا المسيح فقط ، كي يعلم بهذا انه ليس انساناً عادياً لكنه إله قد تأنّس ، وانه لم يولد من أب وأم كعادة الناس بل وُلد بخلاف الطبيعة ولد من الروح القدس ومن العذراء . وقد ابتدأ متى أيضا من المواليد ليبيّن ان المسيح هو ابن يوسف ابن داود ، وإن ظنّ به اليهود انه من يوسف غير عارفين ببنوته الازلية ، لان داود هو ابو يوسف بدليل جدول تلك النسبة
وقد سمّى اليونان سفر الخليقة باسم سفر التكوين لأن التكوين يقال على تسعة أنواع : اولاً ، كون الشيء من لا شيء كتكوين السماء والارض من لا شئ . ثانياً ، من شيء تكوّن كالرقيع والاشجار التي تكوّنت من مادة تقدمت وجودها . ثالثاً ، بمطلق القول كقوله تعالى : ” هو ذا الانسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير والشر ” ( تكوين 3 : 22 ) . رابعاً ، بالانقلاب والتغيير مثل امرأة لوط التي صارت عمود ملح . خامساً ، غير مشير الى شخص ما نحو : ” وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً ” ( تكوين 1 : 13 ) . سادساً ، على سبيل المعونة نحو قوله : ” وكان الرب مع يوسف فكان رجلاً صالحاً ” ( تكوين 39 : 2 ) . سابعاً ، كالكون في زمان كقوله : ” وكنت كإنسان لا يسمع ” . ثامناً ، بالانعام على عبيده كقوله : ” وكان موسى الهاً لفرعون ” . تاسعاً ، بلا تغيير في ذاتيات الكون كما قيل : ” كان هابيل راعي غنم وداود ملكاً ونبياً وهارون كاهناً ولم يتغير احدهم عما كان انساناً بطبعه ” . فبهذا النوع نقول ان الله الكلمة صار انساناً اذ لم يتغير عما هو إله بطبعه.
( ابن داود ابن ابراهيم ) ولم يسمِه ابن يوسف لانه ليس قريبا من ميلاده ، ولا ابن مريم لكون جدول النسبة لا يحتمل ذلك ، فقد جرت عادة الكتاب ان لا تنتسب القبائل من النساء . ولذلك بدأ متى بذكر سلسلة المسيح من داود وابراهيم لان بدء ميلاد المسيح كان من نسلهما . قال الله تعالى لابراهيم : ” بنسلك يتبارك جميع أُمم الارض . من أجل انك سمعت لقولي ” ( تكوين 22 : 18 ) . وقال ايضاً لداود : ” ان من بنيك اجلس على كرسـيك الى ابد الآبدين ” ( مزمور 132 : 12 ) ، ليعلّم العبرانيين ان المسيح قد ظهر من داود حسب قول الانبياء . وسمّاه ابن داود حتى يزيل الظن عنه . ودعي ناصرياً لانه تربى في الناصرة كقول فيلبس لنثنائيل : ” وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس ، والأنبياء في كتبهم وهو يسوع ابن يوسف من الناصرة ” ( يوحنا 1 : 45 ) . لقد صار الوعد لابراهيم منذ البدء لأنه اول الذين رجعوا من عبادة الاصنام . وصار لداود بعده لأنه اول ملك حفظ الوصية وأرضى الله واصعد التابوت واراد ان يبني بيتاً للرب . وقد كتب اسم داود اولاً لعظم شأنه ولأن اليهود كانوا يتوقعون ظهور المسيح من زرعه لا من زرع ابراهيم الذي تشعب الى يهود وغير يهود بل من مدينة داود الخصوصية . وقد تواتر اسم داود على افواه انبيائهم اكثر من ابراهيم مثل قول احدهم : ” واقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه . من ثمرة بطنك اجعل على كرسيك ” ( مزمور 132 : 11 ) و ” حلفت لداود عبدي ” و” ويخرج قضيب من أصل يسي وينبت غصن من اصوله ” ( اشعيا 11 : 1 ) . فقد ذكر داود قبل ابراهيم . وكان قد وعد ابراهيم انه سيكون اباً للشعوب ، اما لداود فقد قال ان من زرعه يظهر المسيح . فكان من الضرورة ان يتقدم اسم ذاك الذي كان مزمعاً أن يخرج المسيح من زرعه ويفضله على الذي هو رئيس الشعوب . وقد ذكر متى اسم ابراهيم بعد داود مباشرة لأنه اليه انتهى الوعد بدعوة الشعوب ، فيسمى المسيح ابن ابراهيم لأنه من سلسلته . فهذا الذي سمّاه متى ابن داود وابراهيم ، سمّاه مرقس ابن الله ، ولوقا سمّاه قوة العلي ، ويوحنا سمّاه ابن الله . فاذاً يسمّى الله الكلمة وقوّة العلي لمساواته مع الآب بالذات ووجوب الوجود ، ويسمى ابن داود ابن ابراهيم لأنه ولد ولادة ثانية زمنية .
عدد 2 : ابراهيم وَلَد اسحق . واسحق ولد يعقوب . ويعقوب ولد يهوذا واخوته .
يضع متى هذه النسبة ليبيّن ظهور السيد المسيح حسب وعد الله لابراهيم ولداود ، وليبيّن انه هو المنتظر من اليهود غير المؤمنين به . ولم يذكر اخوة اسحق ويعقوب لأنه لا اختلاط لهم في جنس بني اسرائيل لكونهم اولاد هاجر واسماعيل وأعراباً وأدوميين . لأن المقصود من النسبة هي نسبة بني اسرائيل ثم نسبة يهوذا ثم نسبة داود.
عدد 3 : ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار . وفارص ولد حَصْرون . وحَصْرون ولد آرام .
عدد 4 : وآرام ولد عمّيناداب . وعمّيناداب ولد نحشون . ونحشون ولد سلمون .
يذكر ثامار ، التي هي من الشعوب التي حُكِم عليها كزانية ، لكي يعلّمنا رحمة الله تعالى ، وأنه لم يصر انساناً فقط بل وُلِد من آباء مثل هؤلاء . لان جميع الناس صاروا تحت الخطيئة فلزم الامر ان يأتي الى الارض ليتلافى شرّ الخطيئة . فان كان داود قد أخطأ وكذلك يهوذا فكم بالأحرى غيرهم . الا انه بمجيئه ستر عيوبنا ، وبشارته تقبل كل من يؤمن به ويتوب من الفجار والزناة مثل يهوذا الزاني وداود الفاجر . لقد جاء بذكر ثامار الزانية لكي لا نخزى بنسبة الآباء الاشرار ونفشل في عمل الفضيلة ، لان صلاح النفس لا يوقفه الآباء الاشرار . فان كان الزاني الراجع الى الفضيلة لا تعيقه شروره السابقة ، فكم بالاحرى ابن الزانية والفاجرة ما دام هو بريء من الخطايا والشرور . فقد جاء بذكر ثامار ليخزي اليهود المفتخرين بابراهيم وبذوي الأعمال غير الصالحة ، وكأني به يقول لهم ان هذه الزانية صارت اماً لداود . ثم نقول ان ثامار لم تقصد الزناء حين جلست على قارعة الطريق ، والدليل على ذلك قول يهوذا عنها : انها أبرّ مني ؛ بل لتلد المسيح الذي كان مخفياً في يهوذا لانها فَجَرت معه لا مع غيره . وقد ارتكبت هذا الفعل وعذرها به ان لا بنين لها لذلك اصطادت يهوذا لأن العاقر كانت مرذولة عند كل الناس . ثم نقول ان ثامار كانت صورة كنيسة الامم عبدة الاصنام الذين خلصوا بميلاد ثامار . ان ثامار كانت من الشعوب والكنيسة هي بنت الشعوب ، وقد زنت ثامار والشعوب ايضاً زنت بعبادة الاصنام . وكما اشتركت ثامار بقبائل المسيح اشتركت البيعة بجسد ودم المسيح . وتفسير اسم ثامار باللغة السريانية هو : هلم ياسيدي ، وكأني بها تنادي ربنا ان يأتي اليها بقولها : انزل عندي واسترح
ولكن لماذا ذكر فارص وزارح ؟ ان معنى اسم زارح هو المشرق ، وهو رمز الى مخافة الله ، التي تجلّت في الآباء كاخنوخ ونوح وابراهيم ومليكصادق ، ثم اختفت هذه المخافة حتى تجلّت بموسى الكليم ومن الآباء المذكورين الى موسى حيث كانت تتراوح بين الظهور والاختفاء . وفارص معناه سياج او قطع ، وهو رمز عن توقف سير عبادة الله الحقيقية . وكما ان زارح أظهر يده ثم جذبها ، هكذا تجلت تقوى الشعب الجديد في أيام نوح وابراهيم ثم اختفت ، ثم دخل الشعب وناموس موسى مثلما ولد فارص اولاً . وترآءى الشعب الجديد ورمزه اخيراً في ولادة فارص الذي من زرعه ظهر المسيح بالجسد.
عدد 5 : وسلمون ولد بوعَز من راحاب . وبوعَز ولد عُوبيد من راعوث . وعوبيد ولد يَسّى .
ذكر راحاب ليبيّن ان المسيح لم يأت للدينونة والانتقام بل جاء ليشفي أوجاعنا ويزيل شرورنا . وكما تزوج سلمون براحاب الزانية ، هكذا خطب الله الطبع الزاني بالأصنام وأضافه اليه وعلّمنا انه قابل التائبين ، وتفسير اسم راحاب : مرافقة الشعب أو الشعوب . وراعوث كانت من الشعوب أيضاً . وقد جاء بذكرها ليبيّن دعوة الشعوب . أما الناموس فقد أخرج من كنيسة اليهود العمونيين والموآبيين ، الذين منهم راعوث ، الى الجيل العاشر واياهم دعا الانجيل بواسطة الايمان بالمسيح . وكما دخلت راعوث في نسب المسيح هكذا دخلت الشعوب في حرية أبناء الله وقد جاء البشير بذكرها ليؤنب كبرياء اليهود ويعلمهم أن داود تناسل منها . وكما أنه لم ينفر بوعز من فقر راعوث هكذا المسيح لم ينفر من البيعة الفقيرة من الأعمال الصالحة . ومعنى اسم راعوث : الأعمال الصالحة .
عدد 6 : ويسّى ولد داوُد الملك . وداوُد الملك ولد سُلَيْمان من التي لأُوريّا .
ذكر امرأة اوريا ليعرف انه كتب الواقع بدون استحياء من التلميح عن خطيئة داود التي غفرت بواسطة الانجيل ونزول الطبيب الى الارض . وقد عتقَ داود منها ومن قتل اوريّا لان داود لما تشرّف في الفضيلة وتكبّر تخلى الله عنه في الحال فسقط في الفجور مع بتبشع . ثم ندم وبكى ، فأُوحي اليه ان الرب مزمع ان يأتي ويشفيه من الخطيئة . واذ فتش عن المكان الذي يولد فيه مخلصه قال ” لا اعطي وسناً لعينيّ ولا نوماً لأجفاني ” ( مزمور 132 : 4 ) . وبعد ان نال وعد الله عن ذلك قال المزمور التاسع والعشرون والسادس عشر عن هبوط الطبيب الى الموت ليخلص أنفس الخاطئين . وان ارتاب احد بداود انه خاطئ فليعلم ان داود لم يخطئ الا خطيئة واحدة في كل زمان سلطنته ومن اجلها قدم توبة عظيمة مديدة لان الرب سمح ان يسقط في الخطية ليصير مثلاً صالحاً للخاطئين لكي يتوبوا مثله . ولذلك ملك سليمان ابنه في كرسيه ، ليصير معلوماً عند الناس غفران خطيئته ، ولكي لا يظن ان سليمان ابن الفجور كالابن الآخر الذي اماته الله بقصف عمره . وذكر الاربع نساء كرمز للبيعة التي اجتمعت من اربعة اقطار الدنيا.
عدد 7 : وسليمان ولد رَحَبْعام . ورَحَبْعام ولد ابيّا . وأبيّا ولد آسا .
وبعد داود اشار الى أم رحبعام الغريبة الجنس توبيخاً لليهود المفتخرين بالجنس ليعلّمهم ان الجنس ليس المكرّم بل القلب الخائف من الله . فلم يرفض داود بسبب فجوره ولم يخب سليمان من الملك بسبب أمه ، وكذلك الشعوب الكافرة لا تمنعهم عبادة الاصنام من ان يصيروا مقبولين اذا آمنوا .
عدد 8 : وآسا ولد يهوشافاط . ويهوشافاط ولد يورام . ويورام ولد عزيّا .
عدد 9 : وعزيّا ولد يوثام . ويوثام ولد أحاز . وأحاز ولد حزقيّا .
عدد 10 : وحزقيا ولد منسّى . ومنسى ولد آمون . وآمون ولد يوشيّا .
لماذا اجتاز ذكر احزيا ويوآش وامصيا ؟ السبب عند افريقيانوس اسقف عمواس اذ يقول ان المذكورين كانوا خطاة من زرع ايزابل ولذلك لم يذكرهم . والصحيح ان المذكورين ليسوا من زرع ايزابل لأنها كانت امرأة آخاب . أما يورام فقد تزوج عثليا بنت عمري أخت آخاب . وولد منها أحزيا ولو انها دعيت في موضع آخر حسب رأي السبعين ابنة أخاب لاجل نفاقها كما ذهب القديس ساويرس . فاذاً ليسوا من زرع ايزابل ولم يذنبوا أكثر من سليمان وأحاز ومنسى المكتوبين . يقول القديس ساويرس أن يورام ابن يهوشافاط تزوج ابنة آخاب وولد منها احزيا ويوآش وأمصيا . وقد ترك متى هؤلاء لان العبرانيين كانوا يبغضون عبادة اصنام بيت آخاب ، ذاكراً قوله تعالى : اني أجازي ذنوب الآباء في البنين الى ثلاثة والى اربعة أجيال لباغضيّ . ورب معترض يقول ان عثليا ابنة آخاب لم تكن امرأة يورام وام أحزيا بل هي ابنة عمري وأخت آخاب . فان كان سكت عن ذكر أولئك الذين من عثليا لاجل اليهود ، فكيف ذكر عزيا الذي كان مكروهاً منهم ونجساً اكثر من اولئك ؟ فالجواب هو عند اوريجانوس لكي يجعل عدد الاجيال من داود الى السبي اربعة عشر ، لان تكرار الاربعة عشر ثلاث مرات يبلغ 42 على عدد مراحل بني اسرائيل من خروجهم الى دخولهم ارض الميعاد ، وفي نهاية هذا العدد ، عدد الاجيال ، ظهر المسيح وورث والقديسين ارض الفردوس . ويقول كاوركي ( جرجس اسقف العرب ) ، أب الشعوب : ان متى لم يسكت عن ذكر هؤلاء الاشخاص الثلاثة ولم يغيّر عدد القبائل ولم يقل أربعة عشر بدلاً عن سبعة عشر ؛ لكن بما انه كتب انجيله الى اليهود الذين كان الكثيرون منهم عارفين باللغة اليونانية ، فلما أرادوا ان يترجموا الانجيل من العبرانية الى اليونانية ولسان اليوناني لا يستطيع ان يلفظ الاحرف ح ع ص كما يلفظها العبراني والسرياني ، وليس عندهم هذه الاحرف الحلقية ، فلما اتى المترجمون الى يورام وقالوا ولد أحزيا وأحزيا ولد يوآش ويوآش ولد امصيا وأمصيا ولد عزيا ، فأهملوا ثلاثة أسماء وكتبوا يورام ولد عزيا لسبب مشابهة الأسماء . وربما عملوا هذا بإرادتهم حتى يمكنهم ان يجعلوا قياس نسبة القبائل أربعة عشر ، لان عدد الأسابيع كان محبوباً عند اليهود المؤمنين جداً . وهكذا نقلت النسخ عند كل الشعوب ساقطة منها تلك الاسماء . والصحيح عندنا ان المترجمين لم يفصلوا ذلك لأن متى حصر العدد في اربعة عشرة لا في سبعة عشرة . فاذاً متى هو الذي تعمّد ترك الاشخاص المشار اليهم . وقال آخرون ان العبرانيين المؤمنين هم الذين أسقطوا الاسماء الثلاثة من النسبة حتى يحسب من داود الى السبي أربعة عشر جيلاً ، لأن هذا العدد كان محبوباً عندهم . وقد وجدت نسخة سريانية مترجمة من العبرانية مكتوب فيها هؤلاء الثلاثة ولكن بعد ذلك تقول اربعة عشر جيلاً لا سبعة عشر . وعلّل آخرون ترك متى للمذكورين أن اليهود كانوا يرذلونهم ، لان أحزيا صار شريكاً مع بيت آخاب عندما ارسل السفن ليجلب ذهباً وصعد الى راموت جلعاد ووبخه النبي . وبعد ذلك قتله يهواش ، لانه كان قد قتل اولاد يهوياداع الكاهن ، وقُتل أمصيا في الفتنة عندما حرك ملك اسرائيل ليتحارب معه وبسببه ثلم الحائط وديس المقدس . وللقارىء الخيار ان يتمسك بالرأي الذي يحلو لذوقه .
عدد 11 : يوشيّا ولد يَكُنْيا واخوته عند سبي بابل .
لم يرد في سـفر الأيام ان يوشيا ولد يكنيا . ولكن ورد ان يوشيا ولد بنين هم يهواحاز ، والياقيم الذي هو يهوياقيم ، وشلوم ويوحانان ، وصدقيا الذي هو متنيا . وقال آخرون أن يوشيا ولد يهواحاز الذي هو يوحانان ، ويهوياقيم الذي هو الياقيم ، وصدقيا الذي هو متنيا ، وشلوم الذي هو يكنيا ، ودعا آخرون يكنيا شالوم . أما سفر الايام فبعد بني يوشيا يقول ، يهوياقيم الذي هو الياقيم الذي في سبي بابل ولد يكنيا . فكيف لم يكتب متى ان يوشيا ولد يهوياقيم ، ويهوياقيم ولد يكنيا . اما كاوركي فيقول أن متى كتب مستقيماً لكن الكاتب ضلّ وكتب بدل يهوياقيم يكنيا . وقال آخرون أن يهوياقيم قد رُزل لانه قتل أوريا النبي ابن شمعيا ” واخرجوا أوريا من مصر واتوا به الى الملك يهوياقيم فضربه بالسيف وطرح جثته في قبور الشعب ” ( ارميا 26 : 23 ) وسجل بدله ابنه يكنيا . ودفع البعض هذا التعليل بقولهم ان منسى كان أشراً من هذا فكيف كتب متى اسمه ؟ والارجح ان كل واحد منهم يلقب باسمين كيهوياقيم والياقيم ، ويوياكين ويكنيا ابن يهوياقيم ، ويوحانان الملقب شالوم ومتنيا الملقب صدقيا . فاذاً يكنيا هو حفيد يوشيا ودعاه متى ابنه حسب اصطلاح الكتاب الذي دعا لوطا ابن اخي ابراهيم اخاً له كقول ابرام للوط : ” لا تكن مخاصمة بيني وبينك وبين رعاتي ورعاتك لأننا نحن اخوان ( تكوين 13 : 8 ) . وقد دعا لابان احفاده ، ابناء بنتيه ، ابناء له . ومتنيا ايضاً ويهواحاز اللذان هما عمّا يكنيا دعاهما اخويه . وقد قتل فرعون الأعرج يوشيا وسلّط مكانه احاز ابنه . وعُزل هكذا المذكور وملك عوضه أخاه الياقيم ابن يوشيا وسماه يهوياقيم . وبعد موت يهوياقيم ملك ابنه يوياكين الذي هو يكنيا وبعد ذلك دعي باسم ابيه يهوياقيم الذي سباه بختنصر الى بابل وأقام في مكانه متنيا عمه الذي سماه بختنصر صدقيا . واياهم جميعا ذكرهم الانجيلي قائلاً يكنيا واخوته لأن جميعهم ملكوا . وذكر متّى سبي بابل ليبيّن ان اليهود لم يرجعوا عن شرورهم حتى بعد السبي . وانه لا بدّ من سبي آخر لهم يعقب مجيء المسيح . وأن مجيئه تعالى كان لازماً لينجينا من سبي الشيطان والموت . ولم يذكر التغرب في مصر ، كما ذكر الجلاء الى بابل ، لأن ذاك كان قديماً وهذا كان جديداً . لاسيما وان الاول لم يكن بسبب خطاياهم . أما الثاني فكان بسبب خطاياهم . على ان اليهود ما كانوا خائفين من مصر بقدر ما كانوا خائفين من بابل . فاذا كان يوشيا لم ير سبي بابل فلم اذاً قال متى انه ولد يكنيا واخوته في سبي بابل ؟ والجواب أن متى حسب الجلاء منذ زمان يوشيا بداعي كون أرميا تنبأ عنه في زمانه في السنة الثالثة عشر لملكه الى السنة الحادية والثلاثين ، وذلك على قياس قول الله لابراهيم أن زرعك يستعبد للمصريين أربعمئة سنة ، فلا تكون هذه المدة كاملة الا اذا اعتبرنا أولها وقت الوعد بها حتى الخروج . واذا اضفنا مدة غربة ابراهيم في ارض كنعان فتكون المدة كلها أربعمئة وثلاثين سنة كما ورد في الكتاب ” ان عهداً سبق ان أقرّه الله لا تنقضه الشريعة التي جاءت بعده بأربع مئة وثلاثين سنة ، وكأنها تلغي الوعد ” ( غلاطية 3 :17 ) .
عدد 12 : ومن بعد سبي بابل يكنيا ولد شأَلتئيل . وشألتئيل ولد زروبَّابل .
قال ارميا عن يكنيا : ” اكتبوا هذا الرجل عقيماً ، رجلاً لا ينجح في أيامه لأنه لا يجلس أحد من زرعه على كرسي داود ” ( ارميا 22 : 30 ) . وقال متى هنا : ان المسيح تسلسل منهُ . كقول الملاك للعذراء : ” انه يكون عظيماً ، وابن العلي يدعى ، ويعطيه الـرب الإله عرش داود ابيه ” ( لوقا 1 : 32 ) . وقال القديس ساويرس ان ارميا عنى سلطنة يكنيا الأرضية المحصورة حينئذ في اليهودية . اما سلطنة المسيح وكرسيه فليسا ارضيان بل هما سمائيان كما قال تعالى : ” ليست مملكتي من هذا العالم . ولو كانت مملكتي من هذا العالم ، لكان حُراسي يجاهدون لكي لا أُسلم الى اليهود . أما الآن فمملكتي ليست من هنا ” ( يوحنا 18 : 36 ) . لاسيما انه ملك على اقطار الارض . وقال آخرون ان الذي ذكره ارميا كان قبل السبي ، واما الذي ذكره متى فكان بعد السبي . وعند البعض ان الذي ذكره ارميا هو صدقيا ابن يوشيا الذي ذُبح بنوه امام عينيه في السبي وقبل موته كان يطحن في الرحى وهو اعمى . اما الذي ذكره متى فهو يكنيا بن يهوياقيم واسم امه شوشان اخت ارميا النبي ، وهو الذي ولد شالتئيل . على انه يجب البحث عن شالتئيل وزوربابل اللذين ذكرهما متى وهل هما الذين ذكرهما لوقا أم خلافهما ؟ وان كانا هما فلماذا يقول متى شالتئيل بن يكنيا ويقول لوقا شالتئيل ابن نيري ؟ فالجواب كما قال القديس ساويرس : ان متى ولوقا اصطلحا على ان يبتعد كل منهما عن الآخر ثم يعود فيلتقي به في نقطة واحدة وذلك على شكل مجار مياه تتفرق في اقنية مختلفة ثم تتجتمع في نقطة واحدة . ووجه الاتفاق هنا ان شالتئيل الذي ذكره متى هو ابن يكنيا بحسب الطبيعة وهو بعينه الذي ذكره لوقا لكنه ابن نيري بحسب الناموس . لأن ملكي ابو نيري تزوج امرأة اسمها نحشتا بنت اليتان من اورشليم وولد منها نيري . ولما مات ملكي تزوج يهوياقيم الملك نحشتا لاجل حسنها وولد منها يكنيا . فنيري ويكنيا اخوان من ام واحدة ، ثم تزوج نيري امرأة ومات بلا بنين . وتزوج امرأته يكنيا اخوه وولد منها شالتئيل حسب المأمور في الناموس انه اذا مات الرجل بلا بنين يتزوج اخوه امرأته ويقيم زرعاً لاخيه الميت . فشالتئيل هو ابن يكنيا طبيعيا وابن نيري ناموسيا . وعند كاوركي ان الذي ذكره متى هو خلاف الذي ذكره لوقا ، وان نيري الذي ولد من نسل متّان عندما قصد ان يشرف ابنهُ لقّبه باسم شالتئيل بن يكنيا الملك . ونسج على منواله ابنه إذ لقّب ابنه باسم زربابل بن شالتئيل بن يكنيا . ويعرف هذا من اسماء كثيرة ذكرها متى مطابقة للتي ذكرها لوقا كيورام واليعازر والياقيم لانه يتّفق مراراً مع متى في نسبة القبائل ارادة او عرضاً كقول الفلاسفة . ومحل الريب في انه كيف تزوج ملكي الذي من نسل ناثان نحشتا اولاً ، وبعد ان ولد منها نيري ومات ، تزوجها يهوياقيم وهي ارملة وهو فتى ابن ثمانية عشر سنة وولد منها يكنيا ؟ اذ لا يمكن ان تكون امرأة رجل من عامة الشعب امرأة لملك فتى . فاذاً شالتئيل المذكور في متى ليس شالتئيل ابن نيري المكتوب في لوقا . ولم يرد في سفر الملوك ولا في العدد ان يكنيا كان له أخ اسمه نيري مات بلا بنين ثم اخذ امرأته وولد منها شالتئيل ، بل ورد فيهما وفي سفر الايام ان أبناء يوشيا هم يهواحاز ويوحانان ويهوياقيم وصدقيا وشلوم وان ابن يهوياقيم هو يكنيا.
عدد 13 : زربابل ولد أَبيهود . وأبيهود ولد الياقيم . والياقيم ولد عازور .
عدد 14 : وعازور ولد صادوق . وصادوق ولد أَخيم . واخيم ولد أَليود .
عدد 15 : وأليود ولد أليعازر . واليعازر ولد متّان . ومتّان ولد يعقوب .
معنى اسم زربابل زرع بابل . لان هناك زرع وولد . قال متى ان زربابل ولد ابيهود . ولوقا يقول زربابل ولد ريسا . قال مار ساويرس ان زربابل كان له ابنان ، ابيهود وريسا ، فذكر متى الواحد ولوقا الآخر . بدليل ، انه بعد داود ، تشعبت النسبة الى سلسلتين وهما سلسلة ناثان وسلسلة سليمان وتقابلتا بيوسف . فأخذ متى قبيلة سليمان ولوقا قبيلة ناثان لكنهما اجتمعتا قبل زربابل ثم انقسمتا الى سلسلة ابيهود وسلسلة ريسا . وقال كاوركي أب الشعوب ان زربابل الذي ولد ابيهود هو غير الذي ولد ريسا المذكور في لوقا . وقال آخرون ان ابيهود ابن زربابل كان له اسمين ابيهود وريسا . لذلك دعاه الانجيليان كل واحد باسم ، كأولاد يوشيا الذين دعي كل واحد منهم باسمين .
عدد 16 : ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح .
فبقوله منها ، بيّن ظاهراً ان المسيح وُلد من البتول لا من يوسف . وفي النسخة اليونانية مكتوب يوسف خطيب مريم التي منها وُلد يسوع المسيح . وقوله رجل مريم ليظهر قصده ان المراد من النسبة هو مريم فإنها من بيت داود ومن آل ابراهيم . دعا متى يوسف بن يعقوب ولوقا سمّاه ابن هالي . وبيان الاتفاق بينهما ان متّان من قبيلة سليمان تزوج امرأة اسمها استير وولد منها يعقوب ، ولما مات متّان صارت استير امرأة لمتثات من قبيلة ناثان . ومتثات ولد منها هالي فصار لاستير ابنان واحد من متان وآخر من متثات . ثم تزوج هالي امرأة ومات بلا بنين . فتزوج يعقوب اخوه امرأته حسب الناموس ليقيم زرعاّ لاخيه الميت لئلا يبيد اسمه . ويعقوب ولد يوسف . فصار يوسف ابناً ليعقوب حسب الطبيعة ، ولهالي حسب الناموس . فمتى يسميه حسب الطبيعة ولوقا يسميه حسب الناموس . والابن الطبيعي هو المتناسل من الزرع حقاً ، أما الناموسي فهو الذي ينسب للاخ الميت الذي بلا بنين . ثم يتساءل الناس لماذا جعل متى سلسلته من سليمان وجعلها لوقا من ناثان اما يوسف فقد تناسل من سليمان ، ولذلك اتخذ متى السلسلة الاولى ولوقا الثانية ؟ قال فيلوكسينوس ان متى كتب عن النسبة الطبيعية لذلك قال فلاناً ولد فلاناً ، اما لوقا فذكر النسبة الناموسية لذلك ذكر المضمون . وقال افريقيانوس ان أسماء القبائل يحسبها العبرانيون امّا بحسب الطبيعة كقولهم فلان ابن فلان بالتناسل وأما بحسب الناموس كالمولود : ” لا يجاد البنين للذي مات بلا بنين ” وذلك لسبب كفرهم بقيامة الموتى . والانجيليان حسبا نسبة الطبيعة والناموس لان قبيلتي سليمان وناثان اختلطتا بعضهما ببعض ، وكل من الاثنين المنتهيين بهما هو أبو يوسف ، اعني بهما هالي الذي من ناثان ويعقوب الذي من سليمان . فيوسف هو ابن يعقوب طبيعياً وابن هالي ناموسياً . ولمّا بيّن متى نسبة القبائل الطبيعية وان أصل يوسف من داود ، انتقد عمله البعض وقالوا ان يوسف هو ابن هالي لا ابن يعقوب استناداً على النسبة الناموسية . لذلك شاء لوقا ان يوبخ قلّة ادراكهم اعتماداً على يوسف ولو انه ابن هالي بحسب الناموس فهو مع ذلك من داود أب المسيح . لأن لوقا لم يجد مألوفاً عند اليهود أن يختموا النسبة بمريم ويقولوا ان فلاناً ولد مريم التي منها ولد المسيح . ولم تجر العادة عندهم ان يعتمدوا في النسب على النساء . لذلك لم تُحسب مريم بل حُسب يوسف ليمنع تبلبل الرتبة . ثم باعتبار ان يوسف هو ابن داود يتّضح ان مريم هي ابنة داود ايضاً . لان كل قبيلة كانت تلتف على قبيلتها بقطع عن الشواذ . أما كيف ان يوسف ومريم هما أولاد أولاد الاخوة ؟ فانظر واسمع ، ان اليعازر ولد ابنين متّان ويوثان . فمتّان ولد يعقوب ويعقوب ولد يوسف . ويوثان ولد صادوق وصادوق ولد مريم واسم امها دينا وهي حنَّا اخت اليصابات . وهذا معنى قوله ان اليصابات نسيبتك . وكان ذلك تدبيراً الهياًً حتى ينتهي بالمسيح وراثة الملك والكهنوت ويتمّان به لنقصهما . ( لكن يخالف ذلك قول الانجيلي ان اليصابات من بنات هرون ) . ولسبب آخر معقول ذكر الانجيلي يوسف دون مريم لرفع الشبهة عنها لان بتوليتها كانت مستترة ، ما خلا يوسف الذي اعلن لهُ ذلك من الملاك ، وأعلن اليصابات من الروح القدس . قال القديس يوحنا : لم يشأ ان يقتصر الانجيل على ذكر ولادته من البتول حينئذ ، وذلك تدبيراً منه لكي تنجو من القضاء ، اذ لو علم اليهود هذا أولاً لما كانوا يؤمنون ان البتول تلد ، بل بالعكس كانوا سيرجمونها لانهم ينسبون اخراجه الشياطين الى رئيس الشياطين ، فكيف كانوا يصدقون ان بتولاً تلد . ثم يجب الفحص عن ابوي مريم لانهما تسمّيا باسماء كثيرة . فسمي أبوها يهوياقيم يوياكين يوناخير صادوق يوصاداق . وسميت أمّها حنَّا دينا . قال القديس يعقوب الرهاوي : ذكر في القصص ان مريم ابنة يوياكين من سبط يهوذا الذي هو ابن استير وقيل فنتيل ، واستير هو اخو ملكي ابن ياني ابن نيري من قبيلة ناثان . ومن جهة المرأة من قبيلة لاوي . وكان مسكنه في الجبل حيث تعمّرت طبرية ، فسمّي يوسف رجل مريم لأنه خطيبها حسب عادة الكتاب اذ قيل في تثنية الاشتراع : ” إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها فاخرجوهما كليهما الى باب المدينة وارموهما بالحجارة حتى يموتا الفتاة من اجل انها لم تصرخ في المدينة والرجل لأنه أذلّ امرأة صاحبه ” ( تثنية 22 : 24 ) . فقد اتضح مما قيل ان الخطيب يدعى رجلاً والمخطوبة امرأة . ثم يُسأل من أين يُعرف ان المسيح من زرع داود بالجسد ؟ لانه مولود من مريم التي هي ابنة داود ومن زرعه بداعي ان يوسف خطيبها . لأن كل واحد كان يتزوج من قبيلته تلافياً لاختلاط الأسباط وتبلبل الملك وانتقال الموارث من سبط لآخر اذ تقع الفتن والمنازعات بينها ( عدد 26 : 6 ) . فيوسف قد حفظ هذه الوصية واخذ ابنة داود . ولو لم تكن من داود لما كانت صعدت الى بيت لحم مع يوسف بن داود . اما كيف جلس السيد المسيح على كرسي داود ؟ فيقال كرسي داود بثلاثة انواع : الاول ، الكرسي الجسماني المصنوع من خشب العـاج والمزيّن بالذهب والاحجار الثمينة . والثاني ، عبارة عن الرئاسة والتسلط على كل الشعب . والثالث ، عبارة عن وعد الله لداود بقوله : ” سأبني كرسيك الى جيل الاجيال ، وكرسيه كالشمس أمامي ” . اما هذا الوعد فكان لداود ، وقد كمل في شخص مخلصنا فعلاً ، كقـول جبرائيل الملاك لمريم : ” ويعطيه الرب الإله كرسي داود ابيه . ويملك على بيت يعقوب الى الأبد ” ( لوقا 1 : 32 – 33 ) .
عدد 17 : فجميع الأجيال من ابراهيم الى داود أربعة عشر جيلاً ، ومن داود الى سبي بابل أربعة عشر جيلاً ، ومن سبي بابل الى المسيح أربعة عشر جيلاً .
لم يقل متى اثنين واربعين قبيلة . ولم يقسّمها الى ستة أجزاء ، لأن عدد الاسابيع كان محبوباً عند اليهود ، كما اسلفنا ، لكنه حصر الاجيال في ثلاثة اقسام مشيراً بهذا انه كما لم يصعب على اليهود التغيير من سياسة القضاة الى سياسة الملوك ، ومن سياسة الملوك الى سياسة رؤساء الكهنة ، كذلك لا يعسر عليكم التغيير من هذه الى سياسة المسيح . بل ان المسيح هو مجموع هذه الرتب فهو القاضي والديّان والملك وعظيم الأحبار . اذ كان الأولون يدلون عليه خادمين اسراره فقط ، وكانت خدمتهم رمزاً الى خدمته الكاملة . وقد كان اليهود يلومون الرسل بقولهم انكم تفرضون على الناس ناموساً جديداً . واذ أراد متى ان يقصي عن اخوته الملامة اوحى ان سياسة الله في كل حين تغير الأمور الى ما هو أنفع للناس . ولذلك قسم عدد القبائل الى ثلاث رتب ، فاليهود من ابراهم الى شاول كانوا خاضعين للقضاة ، ومتى عدَّ شاول واحداً من القضاة لأنه حكم زماناً قصيراً ورُذِل . وعاشوا تحت حكم الملوك من داود الى السبي . ومن انقضاء عصر الملوك الى المسيح كانوا يتدبرون بعظماء الكهنة . فاذاً قسّم القبائل بحسب تغيير الظروف . وان الذي أقام القضاة وبعدهم الملوك وبعدهم المدبرين فليس بعجب ان يشرق بسياسة ابنهِ . وتغيير الامور لم يفد اليهود شيئاً ، لانهم كانوا يعملون الشرور في زمان القضاة والملوك والمدبرين . قال القديس فيلوكسينوس : قسم القبائل الى ثلاثة أجزاء لأنه في ثلاثة اماكن أظهر الآب الوعد بمجيء ابنِه . وذلك بقوله لابراهيم : بزرعك تتبارك الشعوب . وبقوله لداود : سأقيم زرعك الى الابد . وقال بواسطة نبي آخر : سيرعاهم داود عبدي . وقال آخرون صار هذا الوعد في ذرية آدم من بادئ بدء . ولعل للانجيلي قصد شريف في قسمة الأجيال الى اسابيع مضاعفة ، وهو ان يفسر كلام دانيال عن المسيح المنتظر وانه تمّ بيسوع الذي سبق الأنبياء ونادوا بمجيئه . ثمّة قائل يقول ما الداعي في كون متى سرد الاجيال الاخيرة اثني عشر ثم عدّهم ؟ قال القديس يوحنا : ان متى وضع مدة السبي بدلاً عن القبيلة . وقال كاوركي ان المسيح يعدّ بدل قبيلة . وكما ان لفظة ” الى” ما اخرجت داود من القبائل الاربعة عشر التي في الجزء الاول . هكذا لفظة ” الى ” لم تخرج السبي من الجزء الاخير ، والجزء المتوسط . فيكون العدد في كل منهما باضافة المسيح الى الاخير أربعة عشر . قال آخرون ان الجزء الاخير ترك فيه واحد بين شالتئيل وزربابل وهو ندبيّا . واحصيت مريم بدل ابيها أو احصي المسيح مع العدد فصار أربعة عشر كما أسلفنا . ورب سائل يسأل من أين تلقى متى ولوقا جدول نسبتهما ؟ فالجواب من جملة مصادر ، من الروح القدس اسوة بالانبياء الذين كانوا يعلمون الخفايا ، ومن سفر الايام ، ومن كتاب عزرا ، ومن جدول الانساب الذي كان محفوظاً في الهيكل . وقد كانت لليهود عادة ان يلقن الآباء بنيهم نسبة أسلافهم شفهياً من الخلَف الى السلَف حتى آدم او بالعكس . وقد اشار اليها بولس الرسول ” وتوصي المؤمنين الا ينشغلوا بالاساطير وسلاسل النسب المتشابكة . فتلك الامور تثير المجادلات ولا تعمل على تدبير الله القائم على الإيمان ” ( 1 تيموثاوس 1: 4 ) . ان متى كتب لليهود ، ولذلك ابتدأ من ابراهيم وداود اللذين كان لهما الموعد . أما لوقا فكتب للامم لذلك اوصل سلسلته الى آدم ، موضحاً ان المسيح ظهر منه ، وفي ذلك تقريع لليهود الذين يفاخرون بابراهيم . وأيضا ليري ان من يعتمد ويولد جديداً يصعد الى الله الذي جعلنا أولاداً له واخوة للسيد المسيح . ومن جهة اخرى ليزيل الشك والشبهة في ان البتول تلد على قياس ما عمل الروح في البدء حين جبل جسد آدم بلا زواج . هكذا في آخر الزمان جبل الكلمة جسده من البتول بلا زواج . لان فعل الآب والابن والروح واحد . اما لماذا جعل متى سلسلته تبتدي من الاعلى وتنتهي في الاسفل وفعل لوقا العكس ؟ فنقول ان الكتاب اصطلح هذه العادة وتلك . فقد ورد في سفر راعوث ان فارص ولد حصرون وحصرون ولد آرام وآرام ولد عميناداب والباقي الى داود . وورد في غيره ان ” القانة بن يروحام بن اليهو بن توحو بن صوف . هو افرايمي ( 1 صموئيل 1 : 1 ) . وغاية متى بطريقته التي استخدمها ، وهي التنازل من أعلى الى أوطى ومن فوق الى اسفل ، ان يعلمنا ان الله الكلمة انحدر من فوق وجاء لخلاصنا حسب مواعيده السابقة . أما لوقا فغايته من فعله العكس ، ان يعلمنا ان الذين يعتمدون يصعدون من أسفل الى أعلى . وهذا معلوم لانه أورد جدول نسبته على أثر عماد السيد . واصطلاح متى على ايراد النسبة الطبيعية ليوضح ان الابن المولود جذبنا الى درجة التواضع التي هي من شأن طبيعتنا . أما لوقا فعلمنا بنسبته الوضعية ان الذين تلدهم المعمودية بالنعمة والوضع تنقلهم الى السماء وتصيرهم بنيناً لله . ومحل البحث ان الاسماء التي سردها لوقا اكثر من التي سردها متى من داود الى المسيح فالاولى 43 ، والثانية 28 بقطع النظر عن الاسماء التي اغفل ذكرها والتي لو ضُمّت الى العدد لصار 32 . فنقول ان النسل في عائلتين او قبيلتين لا يستوي البتة . اذ لا بد من ان يزيد في أحدهما وينقص في الاخرى لتقدم أفراد بعضهما في الزواج وتأخر أفراد البعض الآخر مع مساوات السن بين كل منهما . فالنسل من ناثان الى يوسف شيء كما ذكر لوقا ، ومن سليمان الى يوسف شيء آخر كما ذكر متى ، فلا عجب ان زاد الاول عن الثاني . ويوجد سبب آخر معقول لهذه الزيادة وهو ان متى اقتصر على ذكر الآباء والابناء الطبيعيين من داود الى المسيح ، وأما لوقا فزاد على الطبيعيين الناموسيين . واذا قيل لماذا اعتمد متى على النسبة الطبيعية فقط وخالفه لوقا اذ عول على كلتيهما ؟ فنقول ان لوقا لما علم ان اليهود قرعوا متى لقوله ان يعقوب ولد يوسف لكونهم يعلمون يقيناً ان يوسف هو ابن هالي بحسب الشريعة ، سار لوقا على خطة مزدوجة موضحاً ان بنوّة يوسف لهالي الشرعية لا تخرجه البتة عن البنوّة ليعقوب . وقد اعترض يوليانوس الكافر قائلاً : ان كان لوقا اعتمد على النسب الناموسي لماذا لم يدع عوبيد حسب الناموس بل سماه حسب الطبيعة وقال عنه ابن بوعز ولم يسمه ابن ملايون حسب الناموس كما هو مكتوب في راعوث ؟ فنقول ان النسبة من داود الى ابراهيم لا خلاف في كونها طبيعية ، ولا ريب عند اليهود في ذلك ، أما الريب فكان بشان يوسف ، لذلك عوّل لوقا على نسبة الناموس من داود الى المسيح . أما لماذا ذكر متى الرجال والنساء الملومين ، ولوقا ذكر الفاضلين ؟ فنقول ان متى أراد ان يعرّف ان الله جاء ليدعوا الخطأة ولم يستنكف ان يتجسد من جبلة فاسدة لكي يصلحها . أما لوقا فلما اراد ان يعلمنا ان الذين يعتمدون ويصيرون اولاداً لله لا يجب ان يبقوا تحت الخطيئة ، فعدّ جنس ناثان غير الملوم وبذلك لم يذكر يكنيا ومن يشبهه . ثم وضع افرقيانوس واوسابيوس اسم ملكي في تفسيرهما ثالثاً قبل يوسف بن هالي بن ملكي . أما النسخ السريانية الموجودة عندنا فموضوع فيها اسم ملكي خامساً اذ تقرأ هكذا : يوسف بن هالي بن متثات بن لاوي ابن ملكي . وعدّ افريقيانوس خمسين شخصاً في لوقا من ابراهيم الى يوسف . اما في الكتب السريانية ففي لوقا اثنين وخمسين . فلنفحص عن الحقيقة ، يقول غريغوريوس اللاهوتي ان من آدم الى المسيح سبعة وسبعين جيلاً حسب النسبة الواردة في لوقا . ويقول القديس يعقوب السروجي ، في الرسالة التي أرسلها الى مارون ، ان من ابراهيم الى المسيح اثنين وأربعين قبيلة كما كتب متى . أما لوقا فقد جعلها سبعاً وخمسين قبيلة . فيكون حسب قول هؤلاء المعلمين ونسخة الانجيل التي عندهم من آدم الى المسيح سبعاً وخمسين قبيلة ، كقول يعقوب السروجي ، ففقد واحد من السبعة والسبعين من آدم الى المسيح فيكون الباقي من ابراهيم الى يوسف ستة وخمسين ، وليست خمسين حسب رأي افريقيانوس ولا هي سبعة وخمسين كقول القديس يعقوب وغريغوريوس ، بل هي ست وخمسون كمدلول النسخة اليونانية والسريانية . والظاهر ان الكاتب قد أغفل اسماً واحداً وبقي هكذا في نسخ كثيرة .
ميلاد يسوع المسيح
عدد 18 : أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا : لمّا كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف ، قبل ان َيجتمعا ، وُجِدت حبلى من الروح القدس .
دعي الرب يسوع في الكتب المقدسة باثنين وخمسين اسماً . منها ما يناسب الزمان الذي . التجسد نحو قوله الكلمة والابن والمشرق . ومنها ما يناسب الزمان الذي بعد التجسد نحو قوله يسوع المسيح . ومنها تخبر عن اتحاده كقوله عمانوئيل الذي تفسيره إلهنا معنا وهو اشارة الى اللاهوت والناسوت . واسم يسوع هو عبراني معناه المخلص . ويدعى مخلص لانه خلص شعبه من خطاياهم ” فستلد ابناً ، وتسميه يسوع ، لأنه هو الذي يخلص شعبه من خطاياهم ” ( متى 1: 21 ) . ودعاه النبي الشفاء ، لانه قد ” أتى لشفاء المبتلين بالاوجاع والامراض ” ( ملاخي 4 : 2) . وسمّى موسى النبي تلميذه باسم يشوع بن نون رمزاً الى المسيح وكان اولاًً يسمى هوشع . ودعي بالمسيح كونه صار انساناً يقال له ممسوح لانه قد مُسِح ناسوتياً . ان المسح في العهد القديم كان على ثلاثة أنواع : (1) رمز ، كمسحة الملوك والكهنة . (2) مسح بالنعمة أي بالروح سراً وخفياً ، كمسح الانبياء والكهنة. (3) مسح اكرامي لاصلاح الامور ، كمثل ابراهيم وكورش وحزقيال . ثم ان المسح يقال على سبعة انواع : (1) بالكمية ، كما يقاس الشيء بالأذرع والأشبار فيقال ان فلان مسح الارض أي قاسها كما قاس الملاك اورشليم الف ذراعاً . (2) انعاماً ، كالأنبياء الذين مسحوا بالروح سراً . (3) بالزيت ، كمثل الملوك والكهنة الذين مسحوا بالدهن المقدس والناس أيضاً يدهنون مسحاً مطلقاً . (4) بنوع الاكرام ، كابراهيم واسحق المقول عنهما لا تدنوا من مسحائي . (5) بالانتخاب والتخصيص ، كالمختارين لاستقامة الامور مثل كورش وحزقيال المدعوين مسحاء . (6) التثبيت من الايمان والعماد ، كقوله الجسد هو المسيح . (7) بالروح القدس ، كمسحة اللاهوت للناسوت كما مسح المسيح جسده ، أعني بلاهوته وبروحه . الا اننا نقول ان يسوع المسيح هذا الذي نسجد له ليس انساناً فقط ولد من مريم ثم بعد ذلك مسح بالروح وتقدس حسب هذر الهراطقة ، بل هو الله الكلمة المولود من الآب أزلياً . فسمّي مسيحاً لأنه رضي ان يُمسح بالروح ويتقدس بالجسد. وكما هو ، بطبعه ، أشرف من ولادة المرأة ومن الآلآم والموت ، وقَبِل الميلاد والموت والآلام بالجسد لأجلنا ، كذلك ارتضى ان يمسح بالروح اذ هو واهب الروح وقدوس بطبعه وقبِل حلول الروح القدس عليه كغير المحتاج . فاذاً قد قبله بالجسد ليعطينا اياه . وفي كل شيء صار لنا بداءة مثل آدم الثاني كقـول الرسول بولس : “على ان كلّ واحد منّا قد أُعطي نعمة توافق مقدار ما يهبُه المسيح لكي بواسطته يعطينا الروح القدس ” ( افسس 4 : 7 ) . وأيضاً ندعوه مسيحاً لانه ممسوح من الآب أزلياً ” أحببتَ البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك ” ( مزمور 45 : 7 ) . ولان الروح القدس حلّ في بطن العذراء كقول الملاك ” الروح القدس يحلّ عليك ، وقدرة العليّ تظللك . لذلك ايضاً فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله ” ( لوقا 1 : 35 ) وجبل الروح القدس جسد الله الكلمة ومسحه وقدّسه واتّحد الكلمة مع الجسد اتحاداً اقنومياً . وهذا ما عمله الروح لا لأن الابن لم يكن قادراً ان يجبل جسده ويقدسه ، بل ليعرف ان ذاك المولود هو إله وابن طبيعة الروح وليصير عدد الثلاثة أقانيم معلوماً . ان الآب شاء ان يتجسّد الابن والروح القدس جسم الابن بما انه جبل جسده من البتول . كذلك كان هذا العمل نحو رتبة المخلوقات . الآب أمر ان تكون ، والابن عمل ، والروح القدس تمّم وكمّل . بل الآب مسح ، والابن مُسح ، والروح القدس قام مقام المسح . لهذا نسمي الله الكلمة مسيحاً وذلك لسببين : اولاً ، لانه قَبِل ان يمسح بالجسد من الروح القدس . ثانياً ، لان الروح مسح جسده وقدّسه لما اتّحد الله الكلمة معه . ثم نقول ان المسيح ليس انساناً ممسوحاً بالمسح حسبما قيل ولا كتب عنه انه انتُخِب من الله كالبشر . يقول بطرس الرسول ” ان الله مسحه ” ( اعمال 4 : 27 ) لكي يزيل ظن اليهود القائلين انه مضل ، وليؤمنوا انه مرسل من الآب . وأيضاً ان اسم المسيح لم يأخذ قوة حد الاسماء ولا يطلق عليه لفظ ما ، كما يطلق على الانسان والحيوان ، لكن الفعل المضمون يُعرف عند كل أحد تعريفاً . فيُعرف عن المسيح الذي صار انساناً لاجلنا انه إله متجسد ، كالروح الذي له جوهرياً ، أي انه اتخذ جسداً كاملاً مقدساً بالروح القدس ذا نفس عاقلة ناطقة وجعله واحداً مع لاهوته اي اتحد معه اتحاداً اقنومياً . وعدا ذلك ان اسم المسيح يعلمنا الاعتقاد بالثالوث فان الآب مَسح والابن مُسح والروح القدس هو المسحْ أي المسحة . والذي يقول ان المسيح صار انساناً طبيعياً ومُسح بالروح القدس ليتقدس فليقل لنا في أي وقت مُسح أقبل الميلاد ؟ فنقول انه قبل ان يُحبل به في بطن البتول لم يكن له جسداً . وان قيل أثناء المعمودية ، فنقول انه في مولده دعي المسيح . يقول بعض الهراطقة ان معنى يسوع المسيح هو انسان ولكن هذا محض خطأ ، فان اسم يسوع المسيح هو الله الكلمة . لا لأنه إله ، بل لأنه صار انساناً . ثم نقول ان اسم يسوع المسيح لا يعني الجسد المأخوذ من مريم ، ولا يعني انسان وإله معاً ، لكنه يعني الهاً متجسداً . وذلك واضح من قول يسوع لليهود : ” ان الذي قدّسه الآب وأرسله الى العالم أتقولون له إنكَ تُجدف لأني قلتُ إني ابن الله ” ( يوحنا 10 : 36 ) . فمن هو المـرسل من الآب أإنسان هو ، أم إله وانسان معاً ام الله الكلمة ؟ كقول بولس : ” ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ” ( غلاطية 4 : 4 ) . فاذاً ذاك الذي أُرسل من الآب الى العالم هو الكلمة وهو المدعو يسوع . وهو هو المقدس . لا انسان . ولا انسان وإله معاً . لكن الآب هو الذي قدّس الكلمة بالروح القدس الذي مسحه ، لا بما انه إله ابن الله بالطبع ومساوٍ له والروح القدس وهو واهب القداسة ، بل لأنه صار انساناً لاجلنا . وقد قال المسيح ايضاً ” الحق الحق اقول لكم قبل ان يكون ابراهيم انا كائن ” ( يوحنا 8 : 58 ) . فمن هو الذي كان قبل ابراهيم ؟ اهو الإنسان الذي من مريم أم الإله والإنسان معاً ؟ فالانسان الذي من مريم لم يكن قبل ابراهيم فقط ، ولم يكن قبل مريم ، لكنه بعد مريم ولد منها . فقد صار معلوماً ان الذي كان قبل مريم هو الله الكلمة المدعو بهذا الاسم ” يسوع المسيح ” . وقد قال يسوع لليهود ماذا تقولون عن المسيح ابن من هو ؟ فقالوا له ابن داود . فقال لهم : ” فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً : قال الرب لربي أجلس عن يميني . فان كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنهُ ؟ ” ( مت 22 : 42 – 44 ) فمن هو الآن رب داود ، أهو الانسان الذي من مريم الذي لم يكن في زمان داود ولا مريم التي ولد منها ، أم الإله المتجسد الذي يدعى مسيحاً ؟ فدعاه رباً واحداً ولم يقل أرباباً . اعني انه واحد لا كثيرين . فاتضح ان الله الكلمة ابن الآب الطبيعي دعي رباً كما في قوله تعالى : ” فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب من السماء ” ( تك 19 : 24 ) . وكقوله : ” انه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب ” ( لوقا 2 : 11 ) . فاذاً اياه دعا المسيح . ومكتوب أيضاً : ” ان كرسيك يا الله الى دهر الدهور . أحببت البر وأبغصت الإثم من اجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك ” ( مزمور 45 : 6-7 ) . فبعدما سمّاه إلهاً قائلاً كرسيك الى الابد ، يعني لا نهاية ولا فناء لملك سلطانك ، قال من اجل هذا مسحك الله اي ان الآب مسح الابن الكلمة بالروح القدس . فاذاً لا بما انه إله بل بما انه قد صار انساناً . كما قال الكلمة نفسه : ” ان الذي قدّسه الآب وأرسله ” . وايضاً قال : ” انه أفضل من رفقائه لذلك مسحه ” . يعني مسحه افضل منا نحن وافضل من الانبياء والرسل والمسحاء الاخرين . لان جميع الناس يقبلون مسحة الروح القدس على سبيل الهبة والنعمة ، أما الكلمة فلما تقدس ومُسح بالروح فلم يقبلها محتاجاً بل كغير المحتاج وكالغني وواهب النعم كقول يوحنا : ” ملئه نحن جميعاً اخذنا ونعمة فوق نعمة ” ( يوحنا 1 : 16 ) . ولأنه وهاب وابن طبيعة الروح رضي ان يُمسح منه لكي ننال نحن المحتاجون المسحة بواسطته . فاذاً الله الكلمة يدعى المسيح بما انه قد صار انساناً . ويثبت هذا يوحنا قائلاً : ” امتحنوا الأرواح هل هي من الله لا بد ان انبياء كذبة كثيرين قد خرجوا الى العالم . بهذا تعرفون روح الله . كل روح يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فهو من الله وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فليس من الله ” ( 1 يوحنا 4 : 1-3 ) . قال بولس الرسول : ” لنا إله واحد الآب الذي به جميع الاشياء ونحن له ” ( 1 كورنثوس 8 : 6 ) . فنسأل الهراطقة من هو الذي به خلق الكل أهو انسان ؟ حاشا ، لأن الانسان هو خليقته . فاذاً بالله الكلمة خُلق الكل كما قال يوحنا : ” كان في العالم وكُوِّنَ العالم به ولم يعرفه العالم ” ( يوحنا 1 : 10 ) . قال بولس الرسول في رسالته الى أهل كولوسي : ” فإنه فيه خُلِقَ الكُل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين . الكُل به وله قد خُلِق ” ( كولوسي 1 : 16 ) انظر أيضاً ( عبرانيين 11 : 3 ) . فاذاً الذي به خلق الكل هو الله الكلمة الذي دعاه بولس رباً ومسيحاً ، لا الانسان الذي من مريم حسب زعم الهراطقة . وقد قال بولس الى اهل فيلبي ايضاً : ” الذي إذ كان في صورة الله لم يُحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ” ( فيلبي 2 : 6 ) . فهل ذلك يطلق على الانسان ؟ كلا ، فان الانسان فضلاً عن كونه ليس نظيراً لله فقط بل خليقة ومتعبد . أما الابن الكلمة فهو نظير الله الآب ، لانه ابن طبيعي ومساوٍ له في الجوهر ولم يخطف هذا اختطافاً بل طبيعياً كان له . فمن هو أيضاً الذي اخلى ذاته وأخذ صورة عبد أهو الانسان الذي من مريم أم اللاهوت ألم يكن هو الله الكلمة ؟ بلى لان الانسان مجرد على كل حال . وقوله اخلى ذاته لم يتكلم الرسول عن اثنين ، لانه ليس هناك ابنان مساويان لله ولا اثنان اخليا ذاتهما بل واحد هو الله الكلمة بما انه قد صار انساناً وهو الذي اخلى ذاته واخذ جسداً وهو الذي لا يتغير . مكتوب انه اخذ صورة عبد فأيهما الآخذ وايهما المأخوذ ؟ ان الانسان هو المأخوذ وليس بآخذ كما يزعم الهراطقة ، أما اللاهوت والناسوت معاً فغير ممكن ان يكونا كلاهما مأخوذين ، الا ان الواحد آخذ والآخر مأخوذ . فاذاً الله الكلمة هو الآخذ الذي اخذ جسداً ذا نفس عاقلة ناطقة من البتول وجعله معه واحداً . وعلى الله الكلمة قال الرسول ان يسوع المسيح قد اخلى ذاته واخذ صورة عبد وكإنسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب . ” وبعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الاعالي صائراً اعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسماً افضل منهم ” ( عبرانيين 1 : 3 و 4 ) . فما معنى قوله انه اخلى ذاتهُ ؟ معناه أولاً ، انهُ مع كونه الهاً صار انساناً بإرادته ولم يتغير . ثانياً ، ومع كونه ابن الله الازلي وواحداً معه الروح ، وان كان قد تجسد ، هو القدوس في ذاته قبل ان يمسح بالروح القدس بما انه قد تجسد . ثالثاً ، ومع كون طبعه غير قابل الآلآم فقد قبل ان يتألم ويموت بالجسد لا بما انه إله مجرد ، بل بما انه قد صار انساناً وتألم آلاماً طبيعية بعيدة عن الملامة كالجوع والعطش وما اشبه ذلك ، وقبل ان يتسمّى بأسماء دنيّة وهو الإله الرب والملك . فالآباء القديسون الثلاثمائة والثمانية عشر الذين اجتمعوا في نيقية ، قالوا : ” وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب ” . ونحن نقول للضالين ان كان اسم المسيح يدل تعريفاًً على إله وانسان كقولهم . فالاثنان مسحاء ، لذلك يطلق الاسم عليهما كليهما . والاسماء هي ثلاثة : ماسح وممسوح والمسْحة . فالماسح هو فاعل المسحة ، والمسح هو الفعل والممسوح هو الذي وقع عليه الفعل بياناً . وكذلك ان كان اسم المسيح يدل على إله وانسان كقولهم ، اذاً قد مُسِح الانسان ومُسِح الاله ايضاً ، واذا كان ذلك ، لماذا تمتنعون عن القول بان الله الكلمة مُسِح من الآب بالروح القدس بما انه صار انساناً . وأيضاً ، ان كان اسم المسيح يدل على الله والانسان معاً فينتج من القول مسيحان لا مسيح واحد . مثلاً اسم الفَرَس يدل على الفرس البري والفرس البحري اذ يطلق الاسم على كل فرد منهما وعليهما معاً ويقال لها فرسان . كذلك اذا قلتم الانسان مُسِح والله مسحه ، فتكون النتيجة ان المسيح ماسح ومُسِح لا مسيح فقط . وان قلتم ايضاً الانسان هو الممسوح بسبب الاتحاد واشرَكَ الكلمة باسمه لأنه دعي ممسوحاً ، فكان يجب ايضاً ان الكلمة يشرك الانسان باسمه فيدعى ماسحاً . فنسمي اذاً الله الكلمة مسيحاً لا بنوع انه عار عن الجسد بل بما انه قد صار انساناً لم يتغير ، ولا ندعو إنسان متأله مسيحاً كهذيان الهراطقة لانه ليس انساناً قد تأله بل إله قد صار انساناً كما قال البشير : ” الكلمة صار جسداً ” ( يوحنا 1 : 14 ) . وليس أرضياً صار سماوياً بل سماوي قد صار أرضياً كقوله تعالى ” اني قد نزلت من السماء ” ( يوحنا 6 : 56 ) و ” الى خاصته جاء ” ( يوحنا 1 : 11 ) . والمعلمون يشهدون محققين ان الكلمة يسمى المسيح الممسوح بالروح القدس بما انه قد صار انساناً . قال القديس غريغوريوس النازينزي : ” ان مسحة الوحيد هي الروح القدس ” . وبعد كلام وجيز يقـول : ” ان كان المسيح الله الوحيد فالمسحة هي الروح القدس ” . والقديس يوحنا في تفسيره لرسالة الغلاطيين يقول : ” لهذا يسمى يسوع لانه المخلص شعبه من خطاياهم ” ، وفي كنية المسيح ذكر مسحة الروح القدس . والقديس ساويرس في الفصل الثاني والاربعين ضد غراماطيقوس يتساءل : ” لِمَ لم يدع كلمة الله مسيحاً قبل التجسد بل بعد التجسد دعي مسيحاً ؟ ” كقول القديس كيرلس في رسالته الى متوحدي مصر : ” ان الكلمة لم يعط اسم المسيح حين كان بعد عارياً أي قبل تجسده ، بل أعطي حين صار انساناً مثلنا لانه حينئذ مُسح بسبب اتحاده ” . فلذلك لم يوضع اسم المسيح لكلمة الآب قبل ان يولد ولادة بشرية . فان دعي في بعض الاماكن مسيحاً فلا تفهمه الا بحال تجسده . وان سمعت بانه يدعى كلمة بعد كمال التجسد فإياك ان تنسى الجسد المتحد معه . والزعم بان لفظة مسيح تليق لهذا وحده ولذاك وحده هو زعم باطل وكلام هتر بل هو محض خطأ ، لانه بمسحه انسانياً قد مُسحنا به . كما أننا بعماده اعتمدنا معه . قال القديس غريغوريوس الثاولوغوس في المقالة الثانية عن الابن : ” يقال انه يدعى المسيح لأنه إله ” . أما المسحة فلأنه انسان وليست مسحته منحة تمنح القداسة كما تمنح الممسوحين والقديس ساويرس في الرسالة الى مارون يقول : ” ان المتكلم باللاهوت غريغوريوس يقول ان المسيح كامل ليس لاجل الالوهية فقط التي ليس شيء اكمل منها ، بل أيضاً من جهة الجسد المأخوذ الممسوح باللاهوت . وصار كأنه هو الماسح ” . وأنا واثق ان أقول انه كامل في جوهره اللاهوتي وان مسحته دلالة على اتحاد الكلمة مع الناسوت ولو انه صار بالقول دليلاً على المسحة . لانه ما كان يُمسح لو لم يصر انساناً ، لكن بما انه قد قال انه صار ما لم يكن فهذا يعني انه صار الماسح . وأنا واثق من القول ايضاً ان المسيح كامل بطبيعتيه ” اللاهوت والناسوت ” وهو واحد بدون افتراق بعد الإتحاد ليصير هو بعينه ذاك الماسح والممسوح بالفعل . قال القديس فيلكسينوس : ” لهذا يسمى المسيح لان الآب قد أخبر عنه بواسطة الروح القدس انه الابن الطبيعي المساوي له في الجوهر” . كقوله : ” مجدني ايها الآب بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ” ( يوحنا 17 : 5 ) . وقوله : ” فجاء صوت من السماء مَجَّدْتُ وأُمَجِّدُ أيضاً ” ( يوحنا 12 : 28 ) ومن اجل الروح قال : ” عندما يأتيكم روح الحقّ يرشدكم الى الحقّ كله ، لأنه لا يقول شيئاً من عنده ، بل يخبركم بما يسمعه ، ويطلعكم على ما سوف يحدث وهو سيمجدني لأن كل ما سيحدثكم به صادر عني ” ( يوحنا 16 : 13 و 14 ) . فمتى مُسِح المسيح أقبل ان يُحبل به أم في حال الحبل أم بعد الميلاد ؟ قال الهراطقة أنه بعد ان ولد من البتول ولم يصدقوا . ولكنه يتبين من قول متى ” كتاب ميلاد يسوع المسيح ” انه ولد ممسوحاً . أما المعلمين فالبعض يقول انه مٌسح قبل ان يُحبل به أي باعتبار ارساله من الآب مسحة له وبرهانهم قوله تعالى ان الذي قدّسه الآب وارسله الى العالم . ومن الذي صعد الى السماء واحدر المسيح .. الخ . أما نحن فنقول انه في حال الحبل به في البطن مسح الله الكلمة اذ انحدر الروح الى بطن البتول وطهّرها وجبل منها جسداً للكلمة فمسح وقدّس ذاك الجسد واتّحد الكلمة معه اتحاداً اقنومياً ويعرف ذلك من قوله : ” الروح القدس يحلّ عليك وقوة العلي تظللك ” ( لوقا 1 : 35 ).
بقوله ولادة يسوع كانت هكذا . بيّن للسامعين جنسه وأعلمهم ان هذا هو المسيح الذي قال عنه يعقوب : انه سوف يأتي عندما يزول القضيب من يهوذا ( تكوين 49 : 10 ) . وعند نهاية السبعين اسبوعاً التي قال عنها دانيال . فالتعريف هنا عن مولده الجسداني تعليماً . اي انك متى سمعت أحداً يدعوه رجلاً فلا تظن انه يولد حسب ناموس الطبيعة . ولما اراد ان يبين شرف مولده قال : ” أما ولادة ….. ” يعني انه لم يولد كسائر الناس لكنه وُلد بشكل يفوق الطبيعة ومشرف عن طبيعة المولودين لاجل ذلك قال ” فكانت هكذا ” ليبين وحدانية الميلاد الذي لا نظير له.
ان مريم كانت مخطوبة ليوسف وليست زوجة بالمعنى المفهوم وقبل ان يجتمعا وجدت حبلى . ولماذا لم تحبل قبل ان تخطب ؟ الجواب لكي يختفي هذا الامر العجيب عن رئيس هذا العالم . فلم يعرف الشيطان من طريقة مولده انه إله متجسد . قال القديس اغناطيوس : ” ان بتولية مريم وولادتها وموت المسيح اضلوا الشيطان ” . وليختفي الامر عن اليهود لم تحبل قبل الخطبة . ولتصير البتول بريئة وخالصة من القضاء والبلاء ، لكونها مرتبطة برجل ، لم ترجم مثل الفاجرات حسب الشريعة ( تثنية 22 : 23 و24 ) ولان نسبة القبائل لم تكن تُكتب باسم النساء قبلت اسم الخطيب .
( وجدت حبلى ) لا قبل ان تأتي الى بيته لانها كانت ساكنة عنده من قبل الحبل . وهكذا قد سكن يعقوب مع خطيبته في بيت خاله لابان . فقد كانت عادة المخطوبات ان يسكنّ ثلاثة سنوات مع الخطيب وبعدها كنّ يتزوّجن . وهذا لاظهار ان زواجهنّ لم يكن قهراً من الشهوة وتغلبها عليهنّ بل لأجل ايلاد البنين الذين كانوا محسوبين عندهم مجازاة الأجر وأثمار البر . فاحتاجت البتول الى خطيب ليعينها ويحفظها من اليهود حتى انهم اذا رأوها حبلى لا يختلجهم ريب او شك فيرجموها . بل ليذهب معها الى مصر هرباً من وجه هيرودس الذي كان يريد اهلاك الصبي . ثم لنزع عار البتول اذ كان وجود امرأة بلا رجل يجلب عاراً بين اليهود كقول اشعيا : ” ليدع فقط اسمك علينا . انزع عارنا ” ( اشعيا 4 : 1 ) . ولان العادة كانت ان من ينذر نفسه للرب نذر العفة لا يتزوج . والبتول كونها كانت نذراً للرب خُطبت لرجل شيخ كبير السن ليحفظها وليس ليتزوج بها . والشاهد لقولنا ان يشوع بن نون كان نذيراً فما فدا نفسه بثمن ولذلك لم يتزوج امرأة . أما كيف خطبت فيقول القديس غريغوريوس النازينزي واثناسيوس الكبير ويعقوب الرهاوي انها خطبت لتحفظ وهذا بأمر الكهنة لانها كانت نذيرة ويعـرف ذلك من قولها للملاك : ” اني لم أعرف رجلاً ” ( لوقا 1 : 34 ) . أما يعقوب السروجي والقديس ساويرس فقالا انها قد خُطبت للزواج بدليل قول الانجيلي ” قبل ان يتعارفا ” أي أنهما كانا سيتعارفان قريباً ولكن الاعجوبة سبقت الزواج . ولا يصحّ ان نفهم من هذا بانهما تعارفا بعد ذلك كما قال بعض الهراطقة . بل يعرف انها خطبت للزواج مع انها لما حبلت لم يُلم يوسف كمن قد خالف وتجاوز المنذور لله . وبقوله ” قبل ” أبعد يوسف من الشركة.
( وُجِدت حبلى ) يعني صارت معروفة عند يوسف انها حبلى . ولمنع الشك اين وكيف حبلت اذ عادة النساء تحبلن من الرجال . وهذه حبلت ولم تعرف حال الزواج . فمختصراً قال
( من الروح القدس ) فبقوله ” الروح ” بيّن انها لا بشركة يوسف ولا بغيره حبلت . ولانه زاد قائلاً ” القدس ” أظهر ان الحبل ليس من ريح مجتمعة حبلت كما جرى لبعض النساء كقول اشعيا : ” حبلنا تلوّينا كأننا ولدنا ريحاً ” ( 1شعيا 26 : 18 ) . أما لفظة ” من ” فتقال بأنواع شتى : طبيعية كالشعاع من النور . وروحية كالابن من الآب أزلياً . وعملية كالكرسي من النجار . وخلقية كالخليقة من الخالق وبانواع اخرى غير هذه . أما ههنا فهي مفعولية . لان الروح القدس جبل وخلق جسداً والكلمة اتحد معه . ( ومن الروح القدس ) أي الروح القادر على كل شيء ، الذي من البدء خلق آدم الانسان الاول من الارض بلا زواج . واخرج حواء من ضلعه . ” وافْرَخَ العصا ” ( عدد 17 : 8 ) . ” واجرى انهاراً من الصخرة ” ( خروج 17 : 6 ) و ” من الفك اليابس ماء ” ( قضاء 15 : 19 ) و من العواقر بنين ( لوقا 1 : 7 ) وهو الآن من البتول جبل جسـداً طاهراً لله الكلمة . وفي كل حين يخلق الروح مع الكلمة ويتمّم الخليقة كقوله : ” بكلمة الرب خلقت السماوات وبروح فيه جميع جنودها ” ( مزمور 33 : 6 ) . ان الجسد الذي اتّحد الكلمة به هو من البتول لأنها قدمت ما تقدمه النساء الى جبلة الجسد . وهو من الروح لانه قام مقام الرجل فخلقه وجبله ومسحه واتّحد الكلمة به اتحاداً أقنومياً . أما انت فمتى سمعت ان الروح قد عمل هذا فآمن وصدق ولا تفحص . لانه لا جبرائيل ولا متى ولا غيره استطاعوا ان يقولوا كيف صار هذا . لانه سر عجيب وغير مدرك فبشّر ونادي باسم الذي عمله فقط ولا تقل كيف صار . لانه كما يقول القديس كيرلس التفسير غير ممكن . ثم يجب ان نعلم انه لما حُبل بالكلمة وتجسّد من البتول جاء الروح القدس اليها لكي يزيل اللعنة المقولة ” بالوجع تلدين أولاداً ” ( تكوين 3 : 16 ) وليطهرها ويقدّسها ويقام لها مقام الرجل فيجعل الجسد متّحداً بالكلمة ، والكلمة يقبله أولاً ويمسح ويتقدّس به ثم يناوله لنا.
عدد 19 : فيوسف رجلها اذ كان باراً ، ولم يشأ ان يُشهِرها ، أراد تخليتها سرّاً .
الصداقة والعدل يطلقان على من لا يغش ولا يظلم أحداً . والحقيقة ان من اقتنى نوعاً واحداً من انواع العدل يقال انه عادلاً . وهنا يسمى عادلاً المتزين بكل أنواع الفضائل . أما عدالة هذا الرجل البار فكانت ضد الناموس لانه لم يشأ ان يشهرها بل يطلّقها سراً .. ثم نقول كيف ترآءى يوسف رجلاً عادلاً وصدّيقاً . وهل ظن ان البتول طاهرة وبريئة أم انها زانية ؟ فان كان قد ظنّ انها زانية فكان الواجب عليه ان يشهرها ويوبخها . وان كان قد ظنّ انها قديسة فكان الواجب عليه ان يعولها ويهتم بكل ما تحتاج اليه . ولكنه كان عادلاً ورحوماً . أما عدله فكان يوجب عليه ألا يبقي الزانية في بيته . أما رحمته فكانت تشير عليه ان يطلّقها سراً لئلا يكون معها ومخالف للناموس . وقوله سراً يعني شفقة منه ورحمة عليها حتى لا تنفضح ويحكم عليها بالموت كزانية . والارجح انه كان رجلاً عادلاً لانه لم يشهرها اذ لم ير فيها خطيئة ، لا سيما وقد سمع عن حبل اليصابات وسكوت زكريا وارتكاض يوحنا في بطن أمه ، ففكر ان هذه أيضاً اعجوبة . ولاجل هذا لم يحسبها كزانية . ولم يهتم بها كطاهرة .
( أراد تخليتها سراً ) أي لم يذع خبرها لليهود . ولما عاين حبلها سألها مستفهماً عن مصدر حبلها . فأجابته انه من الروح القدس كما قال السروجي . أما هو فوقف متشككاً أي ان كان من الروح فلا يجب ان يدنو منها ، وان كان من الزنى فلا يجب ان يخلط طهارته مع جسم زان . ولهذا اهتم لتخليتها سراً لئلا يقتلها اليهود فيصير مذنباً . وقال آخرون أن مريم لم تجاوبه لانها عرفت انه لم يصدق كلامها كون حبلها فائق الطبيعة والادراك . بل بالحري كان يضطرب منه لدى سماعه . ففكرت في نفسها ان الذي قد شاء ان يولد منها هو يجاوب عنها . وربما انها لم تر واجباً ان تبوح بالسر الذي خاطبها به الملاك فعملت كقول النبي ” من كان حكيماً يحفظ هذا ويتعقّل مراحم الرب ” ( مزمور 107 : 43 ).
عدد 20 : ولكن فيما هو متفكّر في هذه الأمور ، اذا ملاك الرب قد ظهر له في حلمٍ قائلاً : “ يا يوسف ابن داود ، لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك . لأن الذي حُبِل به فيها هو من الروح القدس .
( ولكن فيما هو متفكر ) أي بتخليتها سراً لئلا يشعر اليهود بها فيرجموها ويدان كمذنب . وهنا يسأل البعض لماذا لم يظهر الملاك ليوسف علانية كما ظهر لزكريا وللبتول وللرعاة ؟ الجواب لانه كان رجلاً اميناً فلا يحتاج الى منظراً ظاهراً . أما ظهوره لزكريا علانية فلأنه كان يعسر عليه الايمان بدليل أنه شك بعد ظهور الملاك له . أما ظهوره للبتول فلصعوبة الامر الذي هو فوق الطبيعة . أما للرعاة فلأنهم كانوا أناس ساذجين وجاهلين . وتكون الاحلام على انواع شتى : فهي أحياناً من الله كحلم يوسف وفرعون ونبوخذنصر ودانيال وامراة بيلاطس . وأحياناً من الشيطان مثل الخيالات المظلمة . وتأتي تارة من كثرة انشغال الفكر نهاراً ، فما يُحدّث به الانسان نفسه في النهار يراه بالليل في حلمه . وتاتي طوراً من الامتزاج والخلط الغالب ، كقول الاطباء ان كان الدم غالباً في انسان فإنه يرى قتلاً وسفك دماء في المنام . وان غلبت المرارة السوداء فيرى ظلمة وبيوت مقفلة وكلها تسبب الخوف والفزع . وان غلب البلغم فيرى امطاراً وانهاراً ومياهاً جارية . وان كان مزاجه دموياً وغلبت عليه المرارة الصفراء فيرى ناراً وشمساً وشعاعاً وحريقاً . وترى الاحلام بانواع أخرى . أما حلم يوسف فهو من الله . ويسأل البعض لماذا لم ياتي الملاك الى يوسف قبل ان يفتكر هذا الفكر ؟ والجواب ان ذلك لحكمة من الله ولئلا يشك مثل زكريا . ولعلمه تعالى بان الحبل وتحقيق الملاك له يجعلانه يؤمن بسهولة . لان مريم ايضاً سكتت عن اعلان حبلها ليوسف خوفاً من انه لا يصدق قولها . لان الواقع لو صحّ وقوعه من امرأة لقضي عليها بالموت الشنيع بموجب الشريعة . فجاء الملاك الى البتول قبل ان تحبل لكي لا ترهب ولا تجزع بتغير القضية . لانها لو حبلت من دون معرفة سر حبلها لكانت تقتل نفسها لتتخلص من العيب . أو لكانت تموت من حزنها . ولهذا لم يظهر الملاك ليوسف أولاً ويبشره كزكريا لئلا يرتاب مثله ويعرض له مثلما عرض لزكريا . او لكان عند سماعه انه من الروح يهرب من البتول كمن يهرب من النار المشتعلة وما كان يسكن معها . بل والارجح انه كان هذا لكيلا يبشر البتول قبل الملاك ولأنه من الحق الواجب ان تعلم أم الطفل بامره قبل الآخرين الأخيار .
( يا يوسف بن داود ) دعاه ابن داود لا ابن يعقوب وابن هالي حسب الناموس لكي يذكره بالوعد الذي قد صار لداود وانه هو الذي وعد ان يظهر كما سبق . فقال عنه الناموس والانبياء .
( لا تخف ) فبقوله لا تخف ازال عنه الخوف . لان يوسف كان خائفاً لئلا يكون مذنباً أمام الله اذا احتفظ وآوى في بيته امرأة . لكن الملاك هدأ روعه وشجع قلبه وازال عنه الشكوك واثبت انه قد ارسل من الله
( ان تاخذ مريم ) أي لتأويها عندك . فأنت حسب فكرك اخليتها . ولكن الله يسلمها لك الآن لا أبواها .
( امرأتك ) فسماها امرأته ليعرفه انها ليست مذنبة وفاجرة . فلو كانت كذلك لما دعاها امرأته . بل من الخطبة تدعى المخطوبة امرأة للرجل اكثر من الزيجة معها . وذلك واضح من ان الزانية مع رجل لا تدعى امرأة له ولا اذا دنى منها بأي نوع كان . فقال لا تخف ان تاخذها . يعني لا تظن انها زانية وتخشى مصاحبتها والسكن معها بل كن مؤمناً ومصدقاً انها حبلى من الروح القدس وهيئ نفسك لخدمتها . وقد دعاها امرأته كما دعا مريم أماً ليوحنا مع انه لم يكن مولوداً منها ( يوحنا 19 : 27 ) . ان الملاك لم ينتهر يوسف كما انتهر ابيمالك موبخاً. لان التدبير نحو يوسف كان امره عظيماً والفرق ظاهر بين هذا وذاك . أما يوسف فقد تحقق ممن عرفه أفكاره الخفية ومن جهة الوعد لداود . ومن شهادة اشعيا عن بيت داود . ومن شرف الميلاد . ومع ذلك فان الملاك زاد أمر الحبل وضوحاً فقال
( لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس ) . أي ان الله الكلمة اذ كان مزمعاً ان يتجسد من العذراء سبق الـروح القدس وقدّس الحشاء الذي جبل فيه جسد الله الكلمة . وبقوله ” فيها ” اثبت بان هذا الحبل ليس من زرع رجل ولا شهوة زواج بل من الروح القدس ومن جسد البتول . ولم يقل منها ، لان قوله ليس عن انسان مخلوق جديد بل عن الكلمة الذي صار جسداً . أما نحن فلكوننا نأخذ من أمهاتنا ابتداءنا ما لم نكن من قبل فيقال عنا اننا نولد منهنّ . أما ذاك فلأنه كائن منذ الازل بلاهوته فقيل عنه انه حبل به فيها . فاذاً بما انه قد تأنس قال الملاك ” فيها ” عن ذلك الذي سابقاً كان موجوداً ازلياً وفوق الازمنة . وقوله ” من الروح القدس ” يعني مثل الخليقة وعملها . لا بالولادة الجسدانية كقوله : ” المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح روح هو ” ( يوحنا 3 : 6 ) ولا طبيعياً لان الطبع البسيط هو الجوهر فلا يقبل الافتعال . والحاصل ان قوله من الروح القدس كمثل خليقته . قال القديس ساويرس ان عمل الروح كان خلقة الولد . أما مريم فكانت تدخل عدم النقصان خلا الشهوة والخطية وكما هو معتاد للنساء ان يكون من جوهرهنّ ، فان آدم وحواء بواسطة الشهوة ولدا البنين . والله الكلمة لما شاء ان يجدد طبيعتنا المفسودة فلا شيء من الشهوة صار في الحبل به.
عدد 21 : فـستلد ابناً وتدعو اسمه يسـوع ، لانه يخلص شـعبه من خطاياهم “ .
( فستلد ابناً ) لم يقل الملاك ستلد لك كما قال لزكريا لانها لم تلده ليوسف لكن لخلاص العالم اجمع . ولانه ما كان يقرب لميلاده بشيء .
( وتدعوا اسمه يسوع ) يعني انه ولو لم يكن ولدك الا انه مأذون لك ان تسميه كي لا تصيرغريباً من السياسة . ولوقا يقول ان الملاك قال لمريم ان تسميه ” وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع ” ( لو 1 : 31 ) ولا تناقض بين القولين لان من عادة الاب والام ان يسميا الابناء . أما اسم يسوع فمعناه مخلص . وحتى لا يظن ان الخلاص محسوس بمعنى انه يخلص شعبه من عبودية الملوك القساة أو اي سلطة ظالمة قال البشير لانه يخلص شعبه من خطاياهم أي انه جاء ليحيي الاموات بالخطايا والذنوب ولم يقل الشعوب لئلا يحزن يوسف بسبب عبور الخلاص من الشعب الى الشعوب كما قد عرض ليونان . فلا يتوهمن القارئ اذ ان المـراد بشعبه اليهود فقط بل كل من يؤمن به . كقوله : ” وله يكون خضوع شعوب ” ويقول البعض كيف احيا شعبه ؟ الجواب بالايمان به وبالمعمودية والتوبة . فبقوله ” شعبه ” قد سبق واعلن عن سلطانه ومساواته للآب اذ قد دعا شعب اليهود شعبه كما انهم شعب ابيه . وكلاهما خاص بالله تعالى لا بالانسان . ان يكون الشعب شعباً له . كما هو مكتوب ان الشعب الاسرائيلي هو حصة الرب . وقوله يخلص شعبه من خطاياهم وكقول اليهود : ” من يقدر ان يغفر خطايا الا الله وحده ” ( لوقا 5 : 21 ) فاذاً السيد المسيح هو الله الكلمة وقد صار انساناً ليخلصنا من خطايانا.
عدد 22 : وهذا كُلُه لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل :
تعجب يوسف مما قد صار فقال وهذا كله كان . فما هو هذا كله ؟ هو ان بتول تحبل بلا زواج . وان الله جرّد ذاته وأخذ صورة انسان . والسياج المتوسط قد نقض . والصلح تمّ ما بين الله والناس . فلا تظنوا ان هذا حادث لكنه معد قبل تأسيس العالم وقد اشير اليه بالرموز وأنبأت عنه الانبياء من قديم الزمان ، ولذا قال ليتم ما قيل . ومعنى ذلك ان النبوة ليست علّة لميلاد الابن ولا الملاك جعل النبوة حجة لكلامه فلا تقل لسبب تنبؤ اشعيا عمل الله هكذا لكنه اوحى الى اشعيا فتنبأ فقد كان مزمع ان يتم هذا . وبقوله ” ما قد قيل من الرب ” بيّن ان القائل هو الرب . وبقوله ” بالنبي ” عرّف ان النبي هو آلة للرب . ولو ان اشعيا قال الكلام لكنه كلام الله الذي اوحى به اليه . ثم اورد له هذه النبوة كشهادة كي يعلمه ان التدبير كان موعوداً به من قديم الازمان وليزيل عنه ما ربما جال في فكره من ان حبل العذراء ليس من الله ، مؤكداً له مصدر الحبل كما سبق فأنبأ اشعيا بقوله ” هو ذا العذراء تحبل ” . عدا ذلك فانه أورد له النبوة في الحلم حتى اذا انتبه من النوم لا ينسى الحلم بل يتذكر نبوة النبي فيتأكد صدق الرؤيا ومصدر الحبل.
عدد 23 : “ هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ، ويدعون اسمه عمانوئيل “ الذي تفسيره : الله معنا .
يقول بعض المفسرين اليهود ان النبي لم يذكرها بتولاً بل شابة وصبية فنقول ان هذا الزعم باطل لانه لا يوافق ترجمة الاثنين وسبعن شيخاً التي هي أصح جميع الترجمات . أولاً، لكثرة مترجميها ومطابقة آياتهم . ثانياً ، لانهم ترجموها قبل مجئ المسيح بمدة . على ان قوله ” هوذا العذراء تحبل ” هو علامة كان قد اعطاها الرب لآحاز . فان كانت شابة مزمعة ان تلد من زواج فكيف تكون آية أو علامة لان الآية هي فعل فوق الطبيعة . وقد جرت عادة الكتاب ان يسمي العذراء شابة وصبية كقوله : ” خرجت الصبية لتسقي ماء ” ( تكوين 24 : 14 و16 و57 ) ولا يخفى ان المخطوبة لرجل كانت بتولاً والغير مخطوبة فتاة وشابة وصبية ( تثنية 2 : 22 و 26 – 29 )
( ويدعى عمانوئيل ) لم يقل وتدعوه أنت . لكن يدعى من الناس أي من أعماله العجيبة ومعجزاته الخارقة الطبيعة يعرفون ان الله جاء الينا ليتردد معنا على الارض بالجسد . ودعي عمانوئيل من المعلمين المشهورين من بني البشر . فمن الافعال صار معروفاً انه ” نور وشعاع اشرق للجالسين في الظلمة ” (1 شعيا 9 : 2 ) وليس بالكنية والتسمية دعي هكذا . وان قال اليهود ان المسيح لم يدع من الناس عمانوئيل . فنسألهم متى دُعي اسم اشعيا يستعجل يسبي ويزحم ينهب ( 1شعيا 8 : 3 ) . فلا يمكنهم بيان ذلك . وان كان من اجل السبي والنهب الذي صار في أيامه سماه بالفعل . ومكتوب عن أورشليم انها تدعى مدينة البر والعدل . كذلك عمانوئيل من الفعل قد سمّاه النبي بهذا الاسم يعني لانه تردد معنا بالجسد . فقد جرت عادة الكتاب ان يسمي الحوادث بدل عن الاسم . وعمانوئيل معناه ” الله معنا ” فان قالوا انه مع الصالحين قد تردد . كقوله ليشوع بن نون : ” مثلما كنت مع موسى فأكون معك ” ( يشوع 1 : 5 ) بطريق المعونة . ولم يدع عمانوئيل هناك . فنقول لاجل المولد الجسداني قيل هنا لما صار انساناً وتردد معنا على الارض . وأيضاً فقد قال عمانوئيل ويعني الله معنا وليس معهُ حسب زعم النساطرة الفاسد . فان الكلمة ما اتحد مع انساناً واحد مخلوق ومميز . لكنه اتحد مع طبيعتنا وجذبنا بقوة فاعلة الى الاتحاد معه .
عدد 24 : فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب ، وأخذ امرأته .
يعلمنا عن ضمير يوسف الخاضع ونفسه المنتبهة انه لم يفعل شيئاً بلا تمييز بل خضع للامر الالهي وعمل ما يرضي البتول .
( امرأته ) . أما تسميته امرأته ، فذلك كي لا يصير السر ظاهراً ولكي يمنع سوء الظن . وقد جرت عادة الكتاب ان يسمي المخطوبة امرأة والخطيب رجل كقوله ” اذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل واضطجع معها …. أرجموها بالحجارة … الفتاة من أجل انها لم تصرخ . والرجل من أجل انه اذلّ امرأة صاحبه.. ( تث 22 : 23 و24 ) .
عدد 25 : ولم يَعْرِفْها حتى ولدت ابنها البكر . ودعا اسمه يسوع .
( لم يعرفها ) يعني لم يتزوجها . ولفظه ” حتى ” تقال على ثلاثة أنواع : على ما له حدّ كقوله : ” لم يرتحل الشعب حتى أرجعت مريم ” ( عدد 12 : 15 ) أي بعد شفائها ودخولها المعسكر ارتحل الشعب . وكقوله : ” لا يزول القضيب من يهوذا حتى يأتي شيلون ” ( تكوين 49 : 10 ) أي بعد ما يجيء يزول القضيب اعني الملك . الثاني لفصل الامور كقوله : ” وسار ايليا في البرية حتى أتى وجلس .. ” ( امل 19 : 4 و 8 ) ومعلوم انه بعدما أتى جلس وبعدما وصل الجبل استراح . الثالث تقال على ما لا حد له كقوله : ” وأرسل نوح الغراب فخرج متردداً حتى نشفت المياه ” ( تكوين 8 : 7 ) . ومعلوم انه بعد ما نشفت المياه لم يرجع . وقوله ليعقوب : ” اني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به ” ( تكوين 28 : 15 ) فهل بعد ذلك تركهُ .. حاشا . وقوله : ” ان ميكال ابنة شاول لم يكن لها ولد حتى ماتت ” ( 2 صموئيل 6 : 23 ) فهل ولدت بعد موتها فان لم تلد قبل موتها فكم بالاوفر بعد موتها . وقوله : ” ها أنا معكم كل الايام حتى انقضاء الدهر ” ( متى 28 : 19 ) العلهُ فيما بعد يتركهم . وقوله : ” من الابد وحتى الابد أنت هو يا الله ” ( مزمور 90 : 2 ) فلم يضع حداً على الله . وكثرة السلام حتى يجوز القمر فانه لم يضع نهاية لهذا الخبر . وقوله : ” قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى اضع اعدائك موطئ لقدميك ” ( مزمور 110 : 1 ) فهل يبطل جلوس المسيح عن يمين أبيه بعد أخضاع اعدائه ؟ اما لفظة حتى فأُطلقت هنا على ما لا حدّ له . بمعنى انه لم يعرفها قط لا قبل الولادة ولا بعدها وليس كما يقول الهراطقة انه عرفها بعد ما ولدت ، اذ لا يُفهم من لفظة ” حتى ” انه قبل الولادة لم يعرفها وبعد الولادة عرفها وقد جرت عادة الكتاب ان يستعمل هذا التعريف . أما ان يوسف لم يدن منها فمعلوم هذا من عظم جلال المولود فيها . ومن انها قد صارت مسكناً للروح القدس وقبلت قوة العلي . وانها مباركة في النساء وانها تحبل وتلد بدون وجع وألم لان حبلها وولادتها كانتا على خلاف الطبيعة . ولذا لم يجرأ على الدنو منها . كيف لا وفي وقت آلامه أعلن الرب انها امرأة ليس لها مثيل في النساء اذ سلمها لتلميذه يوحنا . على ان آخرين يقولون ان لفظة ” لم يعرفها ” تقال على وجهين الاول عن الزواج كقوله : ” وعرف آدم حواء امرأته ” ( تكوين 4 : 1 ) . والآخر عن المعرفة كقوله : ” فنظرت وليس من يعرفني ” ( مزمور 142 : 4 ) . وكقول سمعان لربنا : ” انت تعلم ” ( يوحنا 21 : 15 ) . وقال آخرون ان معنى قوله ” لم يعرفها ” يعني لم يعرف سمو مقامها وجلال قدرها وانها والدة الاله حتى ولدت ابنها . اذ رأى العجائب وقت ولادته ، فالملائكة سبّحت والرعاة بشّرت والمجوس سجدت . ونحن نقول كما ان الله المولود منها لم يتغير كذلك بتولية والدته لم تفسد . تلك التي يقول الكتاب انها لم تعرف رجلاً . وزكريا رتبها مع البتولات في الهيكل . ولكن الهراطقة يقولون بانه ان كان لم يحل البتولية فهو لم يأحذ جسداً ولكنه قد حلّ البتولية بخروجه . فنقول ان كانت البتول قد ولدت الهاً فآمن وصدق انها لبثت بتولاً بعد الميلاد لانها ولدت الهاً قديراً كما يدعوه اشعيا ” لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام ” ( اشعيا 9 : 6 ) والبرهان كما انه خرج من القبر وهو غير مفتوح ودخل العلية والابواب مغلقة . هكذا خرج من البطن ولم ينقض البتولية . وأيضاً ولج جسم في جسم ولم يثلمه . والادلة على ذلك كثيرة فحواء خرجت من جنب آدم والمياه جرت من الصخرة . والماء نبع من فك الحمار الميت . فكم بالاحرى ان يولد المسيح من البتول بدون ان ينقض بتوليتها
( ابنها البكر ) لا لأنها ولدت بعده آخر غيره ، كما يزعم الهراطقة ، بل لانه ولد اولاً دعي بكراً . وقد جرت عادة الكتاب ان يدعو بكراً كل فاتح رحم كقوله ” كل فاتح رحم قدوس يدعى ” ( خروج 13 : 1 ) . فالكتاب يدعو هذا بكراً قبل ان يصير له اخوة ولدوا بعده من البتول حاشا ، بل لان هؤلاء الاخوة يهوذا ويعقوب ويوسي أولاد يوسف من امرأة أخرى . وقد دعوا اخوته بالتدبير كما دعي يوسف بها لارتباطه بمريم . اما المسيح فيدعى بكراً على اربعة انواع : اولاً بالطبع ، كقول متى ولدت ابنها البكر . ثانياً بميلاده الازلي ، الذي به صار بكر كل خليقة ( كورنثيوس 1 : 15 ) . ثالث بالعماد ، أي الميلاد الثاني الذي صار به بكر بين اخوة كثيرين ( رؤيا 8 : 29 ) . رابعاً بقيامته ، لانه صار بكر القائمين من الأموات ( رؤيا 1 : 5 )
( ودعا اسمه يسوع ) . اعني مخلص كما قال الملاك في النسخة اليونانية ” ودعا اسمه ” أي يوسف . وقد ذكرنا آنفاً ان للاب والام حق وضع اسماء أولادهم . فمن البتول ولد وليس من مزوجة ليصير معروفاً انه اله قد صار انساناً . وليس انساناً ساذجاً قد تأله . لان الاتلاد من عذراء خاص بالله وحده . وحتى لا يظن الحنفاء انه انسان ساذج مولود من مزوجة . هذا وبما انّ بواسطة حواء البتول صرنا مذنبين . فواجب ان نتبرر بواسطة مريم البتول . وكما ان الكلمة ولد من البتول فوق الطبيعة . هكذا ولدنا من المعمودية فوق الطبيعة وان قيل كيف يمكن ان بتولاً تلد ؟ فنقول ان الغير ممكن لدينا ممكن لدى الله . ولماذا ولد من بتول مخطوبة ؟ كي لا يتعظمن غير المتزوجات على المتزوجات . وليعرف الجميع ان الزواج مفروض من الله تعالى وليس من الشيطان حسب بدعة ماني الهرطوقي . بل وليعرف الجميع ان المسيح إله حق من ان مولده ليس كسائر المواليد فلا يتوهموا انه مثلهم بما انه مولود بلا زواج وتجسد من الروح القدس وولد من البتول وبتوليتها محفوظة . وانه جاء ليكمل المواعيد والنبوات ولكي يخلص شعبه من خطاياهم كما يدلّ عليه اسمه الذي وُضع له قبل ان يولد .
تفسير انجيل متى
( الاصحاح الأول )
مار ديونيسيوس ابن الصليبي
نسب السيد المسيح
عدد 1 : كتابُ ميلادِ يسوعَ المسيحِ ابنِ داودَ ابنِ إِبراهم :
لم يقل متّى ، كقول الانبياء ، قال لي الرب . ولم يقل ، كقول الأنبياء الكذبة لليهود التابعين لهم ، قد رأيت رؤيا . فمتّى كان يكتب للمؤمنين فلم يتشبه بالأنبياء ولم يكتب اسمه في الكتاب لانه كان يكتب اخباراً للمقريبن منه . اما بولس ، بداعي كتابته للبعيدين ، كان يعنّون كل رسالة بإسمه . قال متى ( كتاب ميلاد ) لان ابتداء جميع الصالحات هو الميلاد ، وذلك جرياً على ما فعله موسى النبي اذ سمّى كتابه ” كتاب الخليقة ” لانه ضمّنه الأمور التي حدثت في العالم مدة ألفين ومئتين وستة عشر سنة . كما أنه دعا كتاباً آخر ” سفر الخروج ” لانه ضمّنه رواية خروج الشعب من مصر . وهكذا سمّى متّى كتابه كتاب ميلاد لأنه ضمّنه خبر ولادة الله بالجسد وتدبيره وسياسته وحكمته في خلاص العالم . وقد جرت العادة ان يتّّصف الشئ بأشرف أجزائه ، لذلك وصف كتابه باسم ( كتاب ميلاد ) لا كتاب عماد أو صلب أو قيامة ، حالة كون العماد هو بدء الانجيل . لكن الانجيلي فضّل تقديم ذكر الميلاد ، ليعلّم العبرانيين ان هذا هو المسيح الذي وعد الله ابراهيم وداود بظهوره بالجسد من زرعهما وهو واهب الانجيل الشريف .
ويقال الميلاد بانواع شتى : اولاً ، الميلاد من المرأة . ثانياً ، الميلاد من المعمودية كقوله : ” إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله ” ( يوحنا 3 : 5 ) . ثالثاً، الميلاد من القبر كقوله : ” من سمع مثل هذا ؟ من رأى مثل هذه ؟ هل تمْخَضُ بلاد في يوم واحد أو تولد أمة دفعة واحدة فقد مخضت صهيون بل ولدت بنيها ” ( 1شعيا 66 : 8 ) . رابعاً ، يطلق الميلاد على قبول الكرازة والإيمان كقول بولس الرسول : ” لأني انا ولدتكم في المسيح يسوع بالانجيل ” ( 1 كورنثوس 4 : 15 ) . وقوله : ” وهو قد شاء أن يلدنا بكلمة الحق ” وكقول سليمان الحكيم : ” لا تفتخر بالغد لانك لا تعرف ماذا يلده يوم ” ( امثال 27 : 1 ) ، وقول النبي : ” ان الاثيم قد تمخض وحبل زوراً وولد افكاً ” . خامساً ، كمثل الشعاع والاشراق الذي يتولد من الشمس والنار . والميلاد الازلي كميلاد الابن من الآب ازلياً ، أما هنا فلا يقصد متى ولادة الابن الازلية من الآب بل الولادة الزمنية التي من البتول . على ان الكتاب ذكر ولادة أبرار كثيرين ولكنه لم يعنّون سفراً واحداً بولادة احدهم ما عدا المسيح فقط ، كي يعلم بهذا انه ليس انساناً عادياً لكنه إله قد تأنّس ، وانه لم يولد من أب وأم كعادة الناس بل وُلد بخلاف الطبيعة ولد من الروح القدس ومن العذراء . وقد ابتدأ متى أيضا من المواليد ليبيّن ان المسيح هو ابن يوسف ابن داود ، وإن ظنّ به اليهود انه من يوسف غير عارفين ببنوته الازلية ، لان داود هو ابو يوسف بدليل جدول تلك النسبة
وقد سمّى اليونان سفر الخليقة باسم سفر التكوين لأن التكوين يقال على تسعة أنواع : اولاً ، كون الشيء من لا شيء كتكوين السماء والارض من لا شئ . ثانياً ، من شيء تكوّن كالرقيع والاشجار التي تكوّنت من مادة تقدمت وجودها . ثالثاً ، بمطلق القول كقوله تعالى : ” هو ذا الانسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير والشر ” ( تكوين 3 : 22 ) . رابعاً ، بالانقلاب والتغيير مثل امرأة لوط التي صارت عمود ملح . خامساً ، غير مشير الى شخص ما نحو : ” وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً ” ( تكوين 1 : 13 ) . سادساً ، على سبيل المعونة نحو قوله : ” وكان الرب مع يوسف فكان رجلاً صالحاً ” ( تكوين 39 : 2 ) . سابعاً ، كالكون في زمان كقوله : ” وكنت كإنسان لا يسمع ” . ثامناً ، بالانعام على عبيده كقوله : ” وكان موسى الهاً لفرعون ” . تاسعاً ، بلا تغيير في ذاتيات الكون كما قيل : ” كان هابيل راعي غنم وداود ملكاً ونبياً وهارون كاهناً ولم يتغير احدهم عما كان انساناً بطبعه ” . فبهذا النوع نقول ان الله الكلمة صار انساناً اذ لم يتغير عما هو إله بطبعه.
( ابن داود ابن ابراهيم ) ولم يسمِه ابن يوسف لانه ليس قريبا من ميلاده ، ولا ابن مريم لكون جدول النسبة لا يحتمل ذلك ، فقد جرت عادة الكتاب ان لا تنتسب القبائل من النساء . ولذلك بدأ متى بذكر سلسلة المسيح من داود وابراهيم لان بدء ميلاد المسيح كان من نسلهما . قال الله تعالى لابراهيم : ” بنسلك يتبارك جميع أُمم الارض . من أجل انك سمعت لقولي ” ( تكوين 22 : 18 ) . وقال ايضاً لداود : ” ان من بنيك اجلس على كرسـيك الى ابد الآبدين ” ( مزمور 132 : 12 ) ، ليعلّم العبرانيين ان المسيح قد ظهر من داود حسب قول الانبياء . وسمّاه ابن داود حتى يزيل الظن عنه . ودعي ناصرياً لانه تربى في الناصرة كقول فيلبس لنثنائيل : ” وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس ، والأنبياء في كتبهم وهو يسوع ابن يوسف من الناصرة ” ( يوحنا 1 : 45 ) . لقد صار الوعد لابراهيم منذ البدء لأنه اول الذين رجعوا من عبادة الاصنام . وصار لداود بعده لأنه اول ملك حفظ الوصية وأرضى الله واصعد التابوت واراد ان يبني بيتاً للرب . وقد كتب اسم داود اولاً لعظم شأنه ولأن اليهود كانوا يتوقعون ظهور المسيح من زرعه لا من زرع ابراهيم الذي تشعب الى يهود وغير يهود بل من مدينة داود الخصوصية . وقد تواتر اسم داود على افواه انبيائهم اكثر من ابراهيم مثل قول احدهم : ” واقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه . من ثمرة بطنك اجعل على كرسيك ” ( مزمور 132 : 11 ) و ” حلفت لداود عبدي ” و” ويخرج قضيب من أصل يسي وينبت غصن من اصوله ” ( اشعيا 11 : 1 ) . فقد ذكر داود قبل ابراهيم . وكان قد وعد ابراهيم انه سيكون اباً للشعوب ، اما لداود فقد قال ان من زرعه يظهر المسيح . فكان من الضرورة ان يتقدم اسم ذاك الذي كان مزمعاً أن يخرج المسيح من زرعه ويفضله على الذي هو رئيس الشعوب . وقد ذكر متى اسم ابراهيم بعد داود مباشرة لأنه اليه انتهى الوعد بدعوة الشعوب ، فيسمى المسيح ابن ابراهيم لأنه من سلسلته . فهذا الذي سمّاه متى ابن داود وابراهيم ، سمّاه مرقس ابن الله ، ولوقا سمّاه قوة العلي ، ويوحنا سمّاه ابن الله . فاذاً يسمّى الله الكلمة وقوّة العلي لمساواته مع الآب بالذات ووجوب الوجود ، ويسمى ابن داود ابن ابراهيم لأنه ولد ولادة ثانية زمنية .
عدد 2 : ابراهيم وَلَد اسحق . واسحق ولد يعقوب . ويعقوب ولد يهوذا واخوته .
يضع متى هذه النسبة ليبيّن ظهور السيد المسيح حسب وعد الله لابراهيم ولداود ، وليبيّن انه هو المنتظر من اليهود غير المؤمنين به . ولم يذكر اخوة اسحق ويعقوب لأنه لا اختلاط لهم في جنس بني اسرائيل لكونهم اولاد هاجر واسماعيل وأعراباً وأدوميين . لأن المقصود من النسبة هي نسبة بني اسرائيل ثم نسبة يهوذا ثم نسبة داود.
عدد 3 : ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار . وفارص ولد حَصْرون . وحَصْرون ولد آرام .
عدد 4 : وآرام ولد عمّيناداب . وعمّيناداب ولد نحشون . ونحشون ولد سلمون .
يذكر ثامار ، التي هي من الشعوب التي حُكِم عليها كزانية ، لكي يعلّمنا رحمة الله تعالى ، وأنه لم يصر انساناً فقط بل وُلِد من آباء مثل هؤلاء . لان جميع الناس صاروا تحت الخطيئة فلزم الامر ان يأتي الى الارض ليتلافى شرّ الخطيئة . فان كان داود قد أخطأ وكذلك يهوذا فكم بالأحرى غيرهم . الا انه بمجيئه ستر عيوبنا ، وبشارته تقبل كل من يؤمن به ويتوب من الفجار والزناة مثل يهوذا الزاني وداود الفاجر . لقد جاء بذكر ثامار الزانية لكي لا نخزى بنسبة الآباء الاشرار ونفشل في عمل الفضيلة ، لان صلاح النفس لا يوقفه الآباء الاشرار . فان كان الزاني الراجع الى الفضيلة لا تعيقه شروره السابقة ، فكم بالاحرى ابن الزانية والفاجرة ما دام هو بريء من الخطايا والشرور . فقد جاء بذكر ثامار ليخزي اليهود المفتخرين بابراهيم وبذوي الأعمال غير الصالحة ، وكأني به يقول لهم ان هذه الزانية صارت اماً لداود . ثم نقول ان ثامار لم تقصد الزناء حين جلست على قارعة الطريق ، والدليل على ذلك قول يهوذا عنها : انها أبرّ مني ؛ بل لتلد المسيح الذي كان مخفياً في يهوذا لانها فَجَرت معه لا مع غيره . وقد ارتكبت هذا الفعل وعذرها به ان لا بنين لها لذلك اصطادت يهوذا لأن العاقر كانت مرذولة عند كل الناس . ثم نقول ان ثامار كانت صورة كنيسة الامم عبدة الاصنام الذين خلصوا بميلاد ثامار . ان ثامار كانت من الشعوب والكنيسة هي بنت الشعوب ، وقد زنت ثامار والشعوب ايضاً زنت بعبادة الاصنام . وكما اشتركت ثامار بقبائل المسيح اشتركت البيعة بجسد ودم المسيح . وتفسير اسم ثامار باللغة السريانية هو : هلم ياسيدي ، وكأني بها تنادي ربنا ان يأتي اليها بقولها : انزل عندي واسترح
ولكن لماذا ذكر فارص وزارح ؟ ان معنى اسم زارح هو المشرق ، وهو رمز الى مخافة الله ، التي تجلّت في الآباء كاخنوخ ونوح وابراهيم ومليكصادق ، ثم اختفت هذه المخافة حتى تجلّت بموسى الكليم ومن الآباء المذكورين الى موسى حيث كانت تتراوح بين الظهور والاختفاء . وفارص معناه سياج او قطع ، وهو رمز عن توقف سير عبادة الله الحقيقية . وكما ان زارح أظهر يده ثم جذبها ، هكذا تجلت تقوى الشعب الجديد في أيام نوح وابراهيم ثم اختفت ، ثم دخل الشعب وناموس موسى مثلما ولد فارص اولاً . وترآءى الشعب الجديد ورمزه اخيراً في ولادة فارص الذي من زرعه ظهر المسيح بالجسد.
عدد 5 : وسلمون ولد بوعَز من راحاب . وبوعَز ولد عُوبيد من راعوث . وعوبيد ولد يَسّى .
ذكر راحاب ليبيّن ان المسيح لم يأت للدينونة والانتقام بل جاء ليشفي أوجاعنا ويزيل شرورنا . وكما تزوج سلمون براحاب الزانية ، هكذا خطب الله الطبع الزاني بالأصنام وأضافه اليه وعلّمنا انه قابل التائبين ، وتفسير اسم راحاب : مرافقة الشعب أو الشعوب . وراعوث كانت من الشعوب أيضاً . وقد جاء بذكرها ليبيّن دعوة الشعوب . أما الناموس فقد أخرج من كنيسة اليهود العمونيين والموآبيين ، الذين منهم راعوث ، الى الجيل العاشر واياهم دعا الانجيل بواسطة الايمان بالمسيح . وكما دخلت راعوث في نسب المسيح هكذا دخلت الشعوب في حرية أبناء الله وقد جاء البشير بذكرها ليؤنب كبرياء اليهود ويعلمهم أن داود تناسل منها . وكما أنه لم ينفر بوعز من فقر راعوث هكذا المسيح لم ينفر من البيعة الفقيرة من الأعمال الصالحة . ومعنى اسم راعوث : الأعمال الصالحة .
عدد 6 : ويسّى ولد داوُد الملك . وداوُد الملك ولد سُلَيْمان من التي لأُوريّا .
ذكر امرأة اوريا ليعرف انه كتب الواقع بدون استحياء من التلميح عن خطيئة داود التي غفرت بواسطة الانجيل ونزول الطبيب الى الارض . وقد عتقَ داود منها ومن قتل اوريّا لان داود لما تشرّف في الفضيلة وتكبّر تخلى الله عنه في الحال فسقط في الفجور مع بتبشع . ثم ندم وبكى ، فأُوحي اليه ان الرب مزمع ان يأتي ويشفيه من الخطيئة . واذ فتش عن المكان الذي يولد فيه مخلصه قال ” لا اعطي وسناً لعينيّ ولا نوماً لأجفاني ” ( مزمور 132 : 4 ) . وبعد ان نال وعد الله عن ذلك قال المزمور التاسع والعشرون والسادس عشر عن هبوط الطبيب الى الموت ليخلص أنفس الخاطئين . وان ارتاب احد بداود انه خاطئ فليعلم ان داود لم يخطئ الا خطيئة واحدة في كل زمان سلطنته ومن اجلها قدم توبة عظيمة مديدة لان الرب سمح ان يسقط في الخطية ليصير مثلاً صالحاً للخاطئين لكي يتوبوا مثله . ولذلك ملك سليمان ابنه في كرسيه ، ليصير معلوماً عند الناس غفران خطيئته ، ولكي لا يظن ان سليمان ابن الفجور كالابن الآخر الذي اماته الله بقصف عمره . وذكر الاربع نساء كرمز للبيعة التي اجتمعت من اربعة اقطار الدنيا.
عدد 7 : وسليمان ولد رَحَبْعام . ورَحَبْعام ولد ابيّا . وأبيّا ولد آسا .
وبعد داود اشار الى أم رحبعام الغريبة الجنس توبيخاً لليهود المفتخرين بالجنس ليعلّمهم ان الجنس ليس المكرّم بل القلب الخائف من الله . فلم يرفض داود بسبب فجوره ولم يخب سليمان من الملك بسبب أمه ، وكذلك الشعوب الكافرة لا تمنعهم عبادة الاصنام من ان يصيروا مقبولين اذا آمنوا .
عدد 8 : وآسا ولد يهوشافاط . ويهوشافاط ولد يورام . ويورام ولد عزيّا .
عدد 9 : وعزيّا ولد يوثام . ويوثام ولد أحاز . وأحاز ولد حزقيّا .
عدد 10 : وحزقيا ولد منسّى . ومنسى ولد آمون . وآمون ولد يوشيّا .
لماذا اجتاز ذكر احزيا ويوآش وامصيا ؟ السبب عند افريقيانوس اسقف عمواس اذ يقول ان المذكورين كانوا خطاة من زرع ايزابل ولذلك لم يذكرهم . والصحيح ان المذكورين ليسوا من زرع ايزابل لأنها كانت امرأة آخاب . أما يورام فقد تزوج عثليا بنت عمري أخت آخاب . وولد منها أحزيا ولو انها دعيت في موضع آخر حسب رأي السبعين ابنة أخاب لاجل نفاقها كما ذهب القديس ساويرس . فاذاً ليسوا من زرع ايزابل ولم يذنبوا أكثر من سليمان وأحاز ومنسى المكتوبين . يقول القديس ساويرس أن يورام ابن يهوشافاط تزوج ابنة آخاب وولد منها احزيا ويوآش وأمصيا . وقد ترك متى هؤلاء لان العبرانيين كانوا يبغضون عبادة اصنام بيت آخاب ، ذاكراً قوله تعالى : اني أجازي ذنوب الآباء في البنين الى ثلاثة والى اربعة أجيال لباغضيّ . ورب معترض يقول ان عثليا ابنة آخاب لم تكن امرأة يورام وام أحزيا بل هي ابنة عمري وأخت آخاب . فان كان سكت عن ذكر أولئك الذين من عثليا لاجل اليهود ، فكيف ذكر عزيا الذي كان مكروهاً منهم ونجساً اكثر من اولئك ؟ فالجواب هو عند اوريجانوس لكي يجعل عدد الاجيال من داود الى السبي اربعة عشر ، لان تكرار الاربعة عشر ثلاث مرات يبلغ 42 على عدد مراحل بني اسرائيل من خروجهم الى دخولهم ارض الميعاد ، وفي نهاية هذا العدد ، عدد الاجيال ، ظهر المسيح وورث والقديسين ارض الفردوس . ويقول كاوركي ( جرجس اسقف العرب ) ، أب الشعوب : ان متى لم يسكت عن ذكر هؤلاء الاشخاص الثلاثة ولم يغيّر عدد القبائل ولم يقل أربعة عشر بدلاً عن سبعة عشر ؛ لكن بما انه كتب انجيله الى اليهود الذين كان الكثيرون منهم عارفين باللغة اليونانية ، فلما أرادوا ان يترجموا الانجيل من العبرانية الى اليونانية ولسان اليوناني لا يستطيع ان يلفظ الاحرف ح ع ص كما يلفظها العبراني والسرياني ، وليس عندهم هذه الاحرف الحلقية ، فلما اتى المترجمون الى يورام وقالوا ولد أحزيا وأحزيا ولد يوآش ويوآش ولد امصيا وأمصيا ولد عزيا ، فأهملوا ثلاثة أسماء وكتبوا يورام ولد عزيا لسبب مشابهة الأسماء . وربما عملوا هذا بإرادتهم حتى يمكنهم ان يجعلوا قياس نسبة القبائل أربعة عشر ، لان عدد الأسابيع كان محبوباً عند اليهود المؤمنين جداً . وهكذا نقلت النسخ عند كل الشعوب ساقطة منها تلك الاسماء . والصحيح عندنا ان المترجمين لم يفصلوا ذلك لأن متى حصر العدد في اربعة عشرة لا في سبعة عشرة . فاذاً متى هو الذي تعمّد ترك الاشخاص المشار اليهم . وقال آخرون ان العبرانيين المؤمنين هم الذين أسقطوا الاسماء الثلاثة من النسبة حتى يحسب من داود الى السبي أربعة عشر جيلاً ، لأن هذا العدد كان محبوباً عندهم . وقد وجدت نسخة سريانية مترجمة من العبرانية مكتوب فيها هؤلاء الثلاثة ولكن بعد ذلك تقول اربعة عشر جيلاً لا سبعة عشر . وعلّل آخرون ترك متى للمذكورين أن اليهود كانوا يرذلونهم ، لان أحزيا صار شريكاً مع بيت آخاب عندما ارسل السفن ليجلب ذهباً وصعد الى راموت جلعاد ووبخه النبي . وبعد ذلك قتله يهواش ، لانه كان قد قتل اولاد يهوياداع الكاهن ، وقُتل أمصيا في الفتنة عندما حرك ملك اسرائيل ليتحارب معه وبسببه ثلم الحائط وديس المقدس . وللقارىء الخيار ان يتمسك بالرأي الذي يحلو لذوقه .
عدد 11 : يوشيّا ولد يَكُنْيا واخوته عند سبي بابل .
لم يرد في سـفر الأيام ان يوشيا ولد يكنيا . ولكن ورد ان يوشيا ولد بنين هم يهواحاز ، والياقيم الذي هو يهوياقيم ، وشلوم ويوحانان ، وصدقيا الذي هو متنيا . وقال آخرون أن يوشيا ولد يهواحاز الذي هو يوحانان ، ويهوياقيم الذي هو الياقيم ، وصدقيا الذي هو متنيا ، وشلوم الذي هو يكنيا ، ودعا آخرون يكنيا شالوم . أما سفر الايام فبعد بني يوشيا يقول ، يهوياقيم الذي هو الياقيم الذي في سبي بابل ولد يكنيا . فكيف لم يكتب متى ان يوشيا ولد يهوياقيم ، ويهوياقيم ولد يكنيا . اما كاوركي فيقول أن متى كتب مستقيماً لكن الكاتب ضلّ وكتب بدل يهوياقيم يكنيا . وقال آخرون أن يهوياقيم قد رُزل لانه قتل أوريا النبي ابن شمعيا ” واخرجوا أوريا من مصر واتوا به الى الملك يهوياقيم فضربه بالسيف وطرح جثته في قبور الشعب ” ( ارميا 26 : 23 ) وسجل بدله ابنه يكنيا . ودفع البعض هذا التعليل بقولهم ان منسى كان أشراً من هذا فكيف كتب متى اسمه ؟ والارجح ان كل واحد منهم يلقب باسمين كيهوياقيم والياقيم ، ويوياكين ويكنيا ابن يهوياقيم ، ويوحانان الملقب شالوم ومتنيا الملقب صدقيا . فاذاً يكنيا هو حفيد يوشيا ودعاه متى ابنه حسب اصطلاح الكتاب الذي دعا لوطا ابن اخي ابراهيم اخاً له كقول ابرام للوط : ” لا تكن مخاصمة بيني وبينك وبين رعاتي ورعاتك لأننا نحن اخوان ( تكوين 13 : 8 ) . وقد دعا لابان احفاده ، ابناء بنتيه ، ابناء له . ومتنيا ايضاً ويهواحاز اللذان هما عمّا يكنيا دعاهما اخويه . وقد قتل فرعون الأعرج يوشيا وسلّط مكانه احاز ابنه . وعُزل هكذا المذكور وملك عوضه أخاه الياقيم ابن يوشيا وسماه يهوياقيم . وبعد موت يهوياقيم ملك ابنه يوياكين الذي هو يكنيا وبعد ذلك دعي باسم ابيه يهوياقيم الذي سباه بختنصر الى بابل وأقام في مكانه متنيا عمه الذي سماه بختنصر صدقيا . واياهم جميعا ذكرهم الانجيلي قائلاً يكنيا واخوته لأن جميعهم ملكوا . وذكر متّى سبي بابل ليبيّن ان اليهود لم يرجعوا عن شرورهم حتى بعد السبي . وانه لا بدّ من سبي آخر لهم يعقب مجيء المسيح . وأن مجيئه تعالى كان لازماً لينجينا من سبي الشيطان والموت . ولم يذكر التغرب في مصر ، كما ذكر الجلاء الى بابل ، لأن ذاك كان قديماً وهذا كان جديداً . لاسيما وان الاول لم يكن بسبب خطاياهم . أما الثاني فكان بسبب خطاياهم . على ان اليهود ما كانوا خائفين من مصر بقدر ما كانوا خائفين من بابل . فاذا كان يوشيا لم ير سبي بابل فلم اذاً قال متى انه ولد يكنيا واخوته في سبي بابل ؟ والجواب أن متى حسب الجلاء منذ زمان يوشيا بداعي كون أرميا تنبأ عنه في زمانه في السنة الثالثة عشر لملكه الى السنة الحادية والثلاثين ، وذلك على قياس قول الله لابراهيم أن زرعك يستعبد للمصريين أربعمئة سنة ، فلا تكون هذه المدة كاملة الا اذا اعتبرنا أولها وقت الوعد بها حتى الخروج . واذا اضفنا مدة غربة ابراهيم في ارض كنعان فتكون المدة كلها أربعمئة وثلاثين سنة كما ورد في الكتاب ” ان عهداً سبق ان أقرّه الله لا تنقضه الشريعة التي جاءت بعده بأربع مئة وثلاثين سنة ، وكأنها تلغي الوعد ” ( غلاطية 3 :17 ) .
عدد 12 : ومن بعد سبي بابل يكنيا ولد شأَلتئيل . وشألتئيل ولد زروبَّابل .
قال ارميا عن يكنيا : ” اكتبوا هذا الرجل عقيماً ، رجلاً لا ينجح في أيامه لأنه لا يجلس أحد من زرعه على كرسي داود ” ( ارميا 22 : 30 ) . وقال متى هنا : ان المسيح تسلسل منهُ . كقول الملاك للعذراء : ” انه يكون عظيماً ، وابن العلي يدعى ، ويعطيه الـرب الإله عرش داود ابيه ” ( لوقا 1 : 32 ) . وقال القديس ساويرس ان ارميا عنى سلطنة يكنيا الأرضية المحصورة حينئذ في اليهودية . اما سلطنة المسيح وكرسيه فليسا ارضيان بل هما سمائيان كما قال تعالى : ” ليست مملكتي من هذا العالم . ولو كانت مملكتي من هذا العالم ، لكان حُراسي يجاهدون لكي لا أُسلم الى اليهود . أما الآن فمملكتي ليست من هنا ” ( يوحنا 18 : 36 ) . لاسيما انه ملك على اقطار الارض . وقال آخرون ان الذي ذكره ارميا كان قبل السبي ، واما الذي ذكره متى فكان بعد السبي . وعند البعض ان الذي ذكره ارميا هو صدقيا ابن يوشيا الذي ذُبح بنوه امام عينيه في السبي وقبل موته كان يطحن في الرحى وهو اعمى . اما الذي ذكره متى فهو يكنيا بن يهوياقيم واسم امه شوشان اخت ارميا النبي ، وهو الذي ولد شالتئيل . على انه يجب البحث عن شالتئيل وزوربابل اللذين ذكرهما متى وهل هما الذين ذكرهما لوقا أم خلافهما ؟ وان كانا هما فلماذا يقول متى شالتئيل بن يكنيا ويقول لوقا شالتئيل ابن نيري ؟ فالجواب كما قال القديس ساويرس : ان متى ولوقا اصطلحا على ان يبتعد كل منهما عن الآخر ثم يعود فيلتقي به في نقطة واحدة وذلك على شكل مجار مياه تتفرق في اقنية مختلفة ثم تتجتمع في نقطة واحدة . ووجه الاتفاق هنا ان شالتئيل الذي ذكره متى هو ابن يكنيا بحسب الطبيعة وهو بعينه الذي ذكره لوقا لكنه ابن نيري بحسب الناموس . لأن ملكي ابو نيري تزوج امرأة اسمها نحشتا بنت اليتان من اورشليم وولد منها نيري . ولما مات ملكي تزوج يهوياقيم الملك نحشتا لاجل حسنها وولد منها يكنيا . فنيري ويكنيا اخوان من ام واحدة ، ثم تزوج نيري امرأة ومات بلا بنين . وتزوج امرأته يكنيا اخوه وولد منها شالتئيل حسب المأمور في الناموس انه اذا مات الرجل بلا بنين يتزوج اخوه امرأته ويقيم زرعاً لاخيه الميت . فشالتئيل هو ابن يكنيا طبيعيا وابن نيري ناموسيا . وعند كاوركي ان الذي ذكره متى هو خلاف الذي ذكره لوقا ، وان نيري الذي ولد من نسل متّان عندما قصد ان يشرف ابنهُ لقّبه باسم شالتئيل بن يكنيا الملك . ونسج على منواله ابنه إذ لقّب ابنه باسم زربابل بن شالتئيل بن يكنيا . ويعرف هذا من اسماء كثيرة ذكرها متى مطابقة للتي ذكرها لوقا كيورام واليعازر والياقيم لانه يتّفق مراراً مع متى في نسبة القبائل ارادة او عرضاً كقول الفلاسفة . ومحل الريب في انه كيف تزوج ملكي الذي من نسل ناثان نحشتا اولاً ، وبعد ان ولد منها نيري ومات ، تزوجها يهوياقيم وهي ارملة وهو فتى ابن ثمانية عشر سنة وولد منها يكنيا ؟ اذ لا يمكن ان تكون امرأة رجل من عامة الشعب امرأة لملك فتى . فاذاً شالتئيل المذكور في متى ليس شالتئيل ابن نيري المكتوب في لوقا . ولم يرد في سفر الملوك ولا في العدد ان يكنيا كان له أخ اسمه نيري مات بلا بنين ثم اخذ امرأته وولد منها شالتئيل ، بل ورد فيهما وفي سفر الايام ان أبناء يوشيا هم يهواحاز ويوحانان ويهوياقيم وصدقيا وشلوم وان ابن يهوياقيم هو يكنيا.
عدد 13 : زربابل ولد أَبيهود . وأبيهود ولد الياقيم . والياقيم ولد عازور .
عدد 14 : وعازور ولد صادوق . وصادوق ولد أَخيم . واخيم ولد أَليود .
عدد 15 : وأليود ولد أليعازر . واليعازر ولد متّان . ومتّان ولد يعقوب .
معنى اسم زربابل زرع بابل . لان هناك زرع وولد . قال متى ان زربابل ولد ابيهود . ولوقا يقول زربابل ولد ريسا . قال مار ساويرس ان زربابل كان له ابنان ، ابيهود وريسا ، فذكر متى الواحد ولوقا الآخر . بدليل ، انه بعد داود ، تشعبت النسبة الى سلسلتين وهما سلسلة ناثان وسلسلة سليمان وتقابلتا بيوسف . فأخذ متى قبيلة سليمان ولوقا قبيلة ناثان لكنهما اجتمعتا قبل زربابل ثم انقسمتا الى سلسلة ابيهود وسلسلة ريسا . وقال كاوركي أب الشعوب ان زربابل الذي ولد ابيهود هو غير الذي ولد ريسا المذكور في لوقا . وقال آخرون ان ابيهود ابن زربابل كان له اسمين ابيهود وريسا . لذلك دعاه الانجيليان كل واحد باسم ، كأولاد يوشيا الذين دعي كل واحد منهم باسمين .
عدد 16 : ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح .
فبقوله منها ، بيّن ظاهراً ان المسيح وُلد من البتول لا من يوسف . وفي النسخة اليونانية مكتوب يوسف خطيب مريم التي منها وُلد يسوع المسيح . وقوله رجل مريم ليظهر قصده ان المراد من النسبة هو مريم فإنها من بيت داود ومن آل ابراهيم . دعا متى يوسف بن يعقوب ولوقا سمّاه ابن هالي . وبيان الاتفاق بينهما ان متّان من قبيلة سليمان تزوج امرأة اسمها استير وولد منها يعقوب ، ولما مات متّان صارت استير امرأة لمتثات من قبيلة ناثان . ومتثات ولد منها هالي فصار لاستير ابنان واحد من متان وآخر من متثات . ثم تزوج هالي امرأة ومات بلا بنين . فتزوج يعقوب اخوه امرأته حسب الناموس ليقيم زرعاّ لاخيه الميت لئلا يبيد اسمه . ويعقوب ولد يوسف . فصار يوسف ابناً ليعقوب حسب الطبيعة ، ولهالي حسب الناموس . فمتى يسميه حسب الطبيعة ولوقا يسميه حسب الناموس . والابن الطبيعي هو المتناسل من الزرع حقاً ، أما الناموسي فهو الذي ينسب للاخ الميت الذي بلا بنين . ثم يتساءل الناس لماذا جعل متى سلسلته من سليمان وجعلها لوقا من ناثان اما يوسف فقد تناسل من سليمان ، ولذلك اتخذ متى السلسلة الاولى ولوقا الثانية ؟ قال فيلوكسينوس ان متى كتب عن النسبة الطبيعية لذلك قال فلاناً ولد فلاناً ، اما لوقا فذكر النسبة الناموسية لذلك ذكر المضمون . وقال افريقيانوس ان أسماء القبائل يحسبها العبرانيون امّا بحسب الطبيعة كقولهم فلان ابن فلان بالتناسل وأما بحسب الناموس كالمولود : ” لا يجاد البنين للذي مات بلا بنين ” وذلك لسبب كفرهم بقيامة الموتى . والانجيليان حسبا نسبة الطبيعة والناموس لان قبيلتي سليمان وناثان اختلطتا بعضهما ببعض ، وكل من الاثنين المنتهيين بهما هو أبو يوسف ، اعني بهما هالي الذي من ناثان ويعقوب الذي من سليمان . فيوسف هو ابن يعقوب طبيعياً وابن هالي ناموسياً . ولمّا بيّن متى نسبة القبائل الطبيعية وان أصل يوسف من داود ، انتقد عمله البعض وقالوا ان يوسف هو ابن هالي لا ابن يعقوب استناداً على النسبة الناموسية . لذلك شاء لوقا ان يوبخ قلّة ادراكهم اعتماداً على يوسف ولو انه ابن هالي بحسب الناموس فهو مع ذلك من داود أب المسيح . لأن لوقا لم يجد مألوفاً عند اليهود أن يختموا النسبة بمريم ويقولوا ان فلاناً ولد مريم التي منها ولد المسيح . ولم تجر العادة عندهم ان يعتمدوا في النسب على النساء . لذلك لم تُحسب مريم بل حُسب يوسف ليمنع تبلبل الرتبة . ثم باعتبار ان يوسف هو ابن داود يتّضح ان مريم هي ابنة داود ايضاً . لان كل قبيلة كانت تلتف على قبيلتها بقطع عن الشواذ . أما كيف ان يوسف ومريم هما أولاد أولاد الاخوة ؟ فانظر واسمع ، ان اليعازر ولد ابنين متّان ويوثان . فمتّان ولد يعقوب ويعقوب ولد يوسف . ويوثان ولد صادوق وصادوق ولد مريم واسم امها دينا وهي حنَّا اخت اليصابات . وهذا معنى قوله ان اليصابات نسيبتك . وكان ذلك تدبيراً الهياًً حتى ينتهي بالمسيح وراثة الملك والكهنوت ويتمّان به لنقصهما . ( لكن يخالف ذلك قول الانجيلي ان اليصابات من بنات هرون ) . ولسبب آخر معقول ذكر الانجيلي يوسف دون مريم لرفع الشبهة عنها لان بتوليتها كانت مستترة ، ما خلا يوسف الذي اعلن لهُ ذلك من الملاك ، وأعلن اليصابات من الروح القدس . قال القديس يوحنا : لم يشأ ان يقتصر الانجيل على ذكر ولادته من البتول حينئذ ، وذلك تدبيراً منه لكي تنجو من القضاء ، اذ لو علم اليهود هذا أولاً لما كانوا يؤمنون ان البتول تلد ، بل بالعكس كانوا سيرجمونها لانهم ينسبون اخراجه الشياطين الى رئيس الشياطين ، فكيف كانوا يصدقون ان بتولاً تلد . ثم يجب الفحص عن ابوي مريم لانهما تسمّيا باسماء كثيرة . فسمي أبوها يهوياقيم يوياكين يوناخير صادوق يوصاداق . وسميت أمّها حنَّا دينا . قال القديس يعقوب الرهاوي : ذكر في القصص ان مريم ابنة يوياكين من سبط يهوذا الذي هو ابن استير وقيل فنتيل ، واستير هو اخو ملكي ابن ياني ابن نيري من قبيلة ناثان . ومن جهة المرأة من قبيلة لاوي . وكان مسكنه في الجبل حيث تعمّرت طبرية ، فسمّي يوسف رجل مريم لأنه خطيبها حسب عادة الكتاب اذ قيل في تثنية الاشتراع : ” إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها فاخرجوهما كليهما الى باب المدينة وارموهما بالحجارة حتى يموتا الفتاة من اجل انها لم تصرخ في المدينة والرجل لأنه أذلّ امرأة صاحبه ” ( تثنية 22 : 24 ) . فقد اتضح مما قيل ان الخطيب يدعى رجلاً والمخطوبة امرأة . ثم يُسأل من أين يُعرف ان المسيح من زرع داود بالجسد ؟ لانه مولود من مريم التي هي ابنة داود ومن زرعه بداعي ان يوسف خطيبها . لأن كل واحد كان يتزوج من قبيلته تلافياً لاختلاط الأسباط وتبلبل الملك وانتقال الموارث من سبط لآخر اذ تقع الفتن والمنازعات بينها ( عدد 26 : 6 ) . فيوسف قد حفظ هذه الوصية واخذ ابنة داود . ولو لم تكن من داود لما كانت صعدت الى بيت لحم مع يوسف بن داود . اما كيف جلس السيد المسيح على كرسي داود ؟ فيقال كرسي داود بثلاثة انواع : الاول ، الكرسي الجسماني المصنوع من خشب العـاج والمزيّن بالذهب والاحجار الثمينة . والثاني ، عبارة عن الرئاسة والتسلط على كل الشعب . والثالث ، عبارة عن وعد الله لداود بقوله : ” سأبني كرسيك الى جيل الاجيال ، وكرسيه كالشمس أمامي ” . اما هذا الوعد فكان لداود ، وقد كمل في شخص مخلصنا فعلاً ، كقـول جبرائيل الملاك لمريم : ” ويعطيه الرب الإله كرسي داود ابيه . ويملك على بيت يعقوب الى الأبد ” ( لوقا 1 : 32 – 33 ) .
عدد 17 : فجميع الأجيال من ابراهيم الى داود أربعة عشر جيلاً ، ومن داود الى سبي بابل أربعة عشر جيلاً ، ومن سبي بابل الى المسيح أربعة عشر جيلاً .
لم يقل متى اثنين واربعين قبيلة . ولم يقسّمها الى ستة أجزاء ، لأن عدد الاسابيع كان محبوباً عند اليهود ، كما اسلفنا ، لكنه حصر الاجيال في ثلاثة اقسام مشيراً بهذا انه كما لم يصعب على اليهود التغيير من سياسة القضاة الى سياسة الملوك ، ومن سياسة الملوك الى سياسة رؤساء الكهنة ، كذلك لا يعسر عليكم التغيير من هذه الى سياسة المسيح . بل ان المسيح هو مجموع هذه الرتب فهو القاضي والديّان والملك وعظيم الأحبار . اذ كان الأولون يدلون عليه خادمين اسراره فقط ، وكانت خدمتهم رمزاً الى خدمته الكاملة . وقد كان اليهود يلومون الرسل بقولهم انكم تفرضون على الناس ناموساً جديداً . واذ أراد متى ان يقصي عن اخوته الملامة اوحى ان سياسة الله في كل حين تغير الأمور الى ما هو أنفع للناس . ولذلك قسم عدد القبائل الى ثلاث رتب ، فاليهود من ابراهم الى شاول كانوا خاضعين للقضاة ، ومتى عدَّ شاول واحداً من القضاة لأنه حكم زماناً قصيراً ورُذِل . وعاشوا تحت حكم الملوك من داود الى السبي . ومن انقضاء عصر الملوك الى المسيح كانوا يتدبرون بعظماء الكهنة . فاذاً قسّم القبائل بحسب تغيير الظروف . وان الذي أقام القضاة وبعدهم الملوك وبعدهم المدبرين فليس بعجب ان يشرق بسياسة ابنهِ . وتغيير الامور لم يفد اليهود شيئاً ، لانهم كانوا يعملون الشرور في زمان القضاة والملوك والمدبرين . قال القديس فيلوكسينوس : قسم القبائل الى ثلاثة أجزاء لأنه في ثلاثة اماكن أظهر الآب الوعد بمجيء ابنِه . وذلك بقوله لابراهيم : بزرعك تتبارك الشعوب . وبقوله لداود : سأقيم زرعك الى الابد . وقال بواسطة نبي آخر : سيرعاهم داود عبدي . وقال آخرون صار هذا الوعد في ذرية آدم من بادئ بدء . ولعل للانجيلي قصد شريف في قسمة الأجيال الى اسابيع مضاعفة ، وهو ان يفسر كلام دانيال عن المسيح المنتظر وانه تمّ بيسوع الذي سبق الأنبياء ونادوا بمجيئه . ثمّة قائل يقول ما الداعي في كون متى سرد الاجيال الاخيرة اثني عشر ثم عدّهم ؟ قال القديس يوحنا : ان متى وضع مدة السبي بدلاً عن القبيلة . وقال كاوركي ان المسيح يعدّ بدل قبيلة . وكما ان لفظة ” الى” ما اخرجت داود من القبائل الاربعة عشر التي في الجزء الاول . هكذا لفظة ” الى ” لم تخرج السبي من الجزء الاخير ، والجزء المتوسط . فيكون العدد في كل منهما باضافة المسيح الى الاخير أربعة عشر . قال آخرون ان الجزء الاخير ترك فيه واحد بين شالتئيل وزربابل وهو ندبيّا . واحصيت مريم بدل ابيها أو احصي المسيح مع العدد فصار أربعة عشر كما أسلفنا . ورب سائل يسأل من أين تلقى متى ولوقا جدول نسبتهما ؟ فالجواب من جملة مصادر ، من الروح القدس اسوة بالانبياء الذين كانوا يعلمون الخفايا ، ومن سفر الايام ، ومن كتاب عزرا ، ومن جدول الانساب الذي كان محفوظاً في الهيكل . وقد كانت لليهود عادة ان يلقن الآباء بنيهم نسبة أسلافهم شفهياً من الخلَف الى السلَف حتى آدم او بالعكس . وقد اشار اليها بولس الرسول ” وتوصي المؤمنين الا ينشغلوا بالاساطير وسلاسل النسب المتشابكة . فتلك الامور تثير المجادلات ولا تعمل على تدبير الله القائم على الإيمان ” ( 1 تيموثاوس 1: 4 ) . ان متى كتب لليهود ، ولذلك ابتدأ من ابراهيم وداود اللذين كان لهما الموعد . أما لوقا فكتب للامم لذلك اوصل سلسلته الى آدم ، موضحاً ان المسيح ظهر منه ، وفي ذلك تقريع لليهود الذين يفاخرون بابراهيم . وأيضا ليري ان من يعتمد ويولد جديداً يصعد الى الله الذي جعلنا أولاداً له واخوة للسيد المسيح . ومن جهة اخرى ليزيل الشك والشبهة في ان البتول تلد على قياس ما عمل الروح في البدء حين جبل جسد آدم بلا زواج . هكذا في آخر الزمان جبل الكلمة جسده من البتول بلا زواج . لان فعل الآب والابن والروح واحد . اما لماذا جعل متى سلسلته تبتدي من الاعلى وتنتهي في الاسفل وفعل لوقا العكس ؟ فنقول ان الكتاب اصطلح هذه العادة وتلك . فقد ورد في سفر راعوث ان فارص ولد حصرون وحصرون ولد آرام وآرام ولد عميناداب والباقي الى داود . وورد في غيره ان ” القانة بن يروحام بن اليهو بن توحو بن صوف . هو افرايمي ( 1 صموئيل 1 : 1 ) . وغاية متى بطريقته التي استخدمها ، وهي التنازل من أعلى الى أوطى ومن فوق الى اسفل ، ان يعلمنا ان الله الكلمة انحدر من فوق وجاء لخلاصنا حسب مواعيده السابقة . أما لوقا فغايته من فعله العكس ، ان يعلمنا ان الذين يعتمدون يصعدون من أسفل الى أعلى . وهذا معلوم لانه أورد جدول نسبته على أثر عماد السيد . واصطلاح متى على ايراد النسبة الطبيعية ليوضح ان الابن المولود جذبنا الى درجة التواضع التي هي من شأن طبيعتنا . أما لوقا فعلمنا بنسبته الوضعية ان الذين تلدهم المعمودية بالنعمة والوضع تنقلهم الى السماء وتصيرهم بنيناً لله . ومحل البحث ان الاسماء التي سردها لوقا اكثر من التي سردها متى من داود الى المسيح فالاولى 43 ، والثانية 28 بقطع النظر عن الاسماء التي اغفل ذكرها والتي لو ضُمّت الى العدد لصار 32 . فنقول ان النسل في عائلتين او قبيلتين لا يستوي البتة . اذ لا بد من ان يزيد في أحدهما وينقص في الاخرى لتقدم أفراد بعضهما في الزواج وتأخر أفراد البعض الآخر مع مساوات السن بين كل منهما . فالنسل من ناثان الى يوسف شيء كما ذكر لوقا ، ومن سليمان الى يوسف شيء آخر كما ذكر متى ، فلا عجب ان زاد الاول عن الثاني . ويوجد سبب آخر معقول لهذه الزيادة وهو ان متى اقتصر على ذكر الآباء والابناء الطبيعيين من داود الى المسيح ، وأما لوقا فزاد على الطبيعيين الناموسيين . واذا قيل لماذا اعتمد متى على النسبة الطبيعية فقط وخالفه لوقا اذ عول على كلتيهما ؟ فنقول ان لوقا لما علم ان اليهود قرعوا متى لقوله ان يعقوب ولد يوسف لكونهم يعلمون يقيناً ان يوسف هو ابن هالي بحسب الشريعة ، سار لوقا على خطة مزدوجة موضحاً ان بنوّة يوسف لهالي الشرعية لا تخرجه البتة عن البنوّة ليعقوب . وقد اعترض يوليانوس الكافر قائلاً : ان كان لوقا اعتمد على النسب الناموسي لماذا لم يدع عوبيد حسب الناموس بل سماه حسب الطبيعة وقال عنه ابن بوعز ولم يسمه ابن ملايون حسب الناموس كما هو مكتوب في راعوث ؟ فنقول ان النسبة من داود الى ابراهيم لا خلاف في كونها طبيعية ، ولا ريب عند اليهود في ذلك ، أما الريب فكان بشان يوسف ، لذلك عوّل لوقا على نسبة الناموس من داود الى المسيح . أما لماذا ذكر متى الرجال والنساء الملومين ، ولوقا ذكر الفاضلين ؟ فنقول ان متى أراد ان يعرّف ان الله جاء ليدعوا الخطأة ولم يستنكف ان يتجسد من جبلة فاسدة لكي يصلحها . أما لوقا فلما اراد ان يعلمنا ان الذين يعتمدون ويصيرون اولاداً لله لا يجب ان يبقوا تحت الخطيئة ، فعدّ جنس ناثان غير الملوم وبذلك لم يذكر يكنيا ومن يشبهه . ثم وضع افرقيانوس واوسابيوس اسم ملكي في تفسيرهما ثالثاً قبل يوسف بن هالي بن ملكي . أما النسخ السريانية الموجودة عندنا فموضوع فيها اسم ملكي خامساً اذ تقرأ هكذا : يوسف بن هالي بن متثات بن لاوي ابن ملكي . وعدّ افريقيانوس خمسين شخصاً في لوقا من ابراهيم الى يوسف . اما في الكتب السريانية ففي لوقا اثنين وخمسين . فلنفحص عن الحقيقة ، يقول غريغوريوس اللاهوتي ان من آدم الى المسيح سبعة وسبعين جيلاً حسب النسبة الواردة في لوقا . ويقول القديس يعقوب السروجي ، في الرسالة التي أرسلها الى مارون ، ان من ابراهيم الى المسيح اثنين وأربعين قبيلة كما كتب متى . أما لوقا فقد جعلها سبعاً وخمسين قبيلة . فيكون حسب قول هؤلاء المعلمين ونسخة الانجيل التي عندهم من آدم الى المسيح سبعاً وخمسين قبيلة ، كقول يعقوب السروجي ، ففقد واحد من السبعة والسبعين من آدم الى المسيح فيكون الباقي من ابراهيم الى يوسف ستة وخمسين ، وليست خمسين حسب رأي افريقيانوس ولا هي سبعة وخمسين كقول القديس يعقوب وغريغوريوس ، بل هي ست وخمسون كمدلول النسخة اليونانية والسريانية . والظاهر ان الكاتب قد أغفل اسماً واحداً وبقي هكذا في نسخ كثيرة .
ميلاد يسوع المسيح
عدد 18 : أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا : لمّا كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف ، قبل ان َيجتمعا ، وُجِدت حبلى من الروح القدس .
دعي الرب يسوع في الكتب المقدسة باثنين وخمسين اسماً . منها ما يناسب الزمان الذي . التجسد نحو قوله الكلمة والابن والمشرق . ومنها ما يناسب الزمان الذي بعد التجسد نحو قوله يسوع المسيح . ومنها تخبر عن اتحاده كقوله عمانوئيل الذي تفسيره إلهنا معنا وهو اشارة الى اللاهوت والناسوت . واسم يسوع هو عبراني معناه المخلص . ويدعى مخلص لانه خلص شعبه من خطاياهم ” فستلد ابناً ، وتسميه يسوع ، لأنه هو الذي يخلص شعبه من خطاياهم ” ( متى 1: 21 ) . ودعاه النبي الشفاء ، لانه قد ” أتى لشفاء المبتلين بالاوجاع والامراض ” ( ملاخي 4 : 2) . وسمّى موسى النبي تلميذه باسم يشوع بن نون رمزاً الى المسيح وكان اولاًً يسمى هوشع . ودعي بالمسيح كونه صار انساناً يقال له ممسوح لانه قد مُسِح ناسوتياً . ان المسح في العهد القديم كان على ثلاثة أنواع : (1) رمز ، كمسحة الملوك والكهنة . (2) مسح بالنعمة أي بالروح سراً وخفياً ، كمسح الانبياء والكهنة. (3) مسح اكرامي لاصلاح الامور ، كمثل ابراهيم وكورش وحزقيال . ثم ان المسح يقال على سبعة انواع : (1) بالكمية ، كما يقاس الشيء بالأذرع والأشبار فيقال ان فلان مسح الارض أي قاسها كما قاس الملاك اورشليم الف ذراعاً . (2) انعاماً ، كالأنبياء الذين مسحوا بالروح سراً . (3) بالزيت ، كمثل الملوك والكهنة الذين مسحوا بالدهن المقدس والناس أيضاً يدهنون مسحاً مطلقاً . (4) بنوع الاكرام ، كابراهيم واسحق المقول عنهما لا تدنوا من مسحائي . (5) بالانتخاب والتخصيص ، كالمختارين لاستقامة الامور مثل كورش وحزقيال المدعوين مسحاء . (6) التثبيت من الايمان والعماد ، كقوله الجسد هو المسيح . (7) بالروح القدس ، كمسحة اللاهوت للناسوت كما مسح المسيح جسده ، أعني بلاهوته وبروحه . الا اننا نقول ان يسوع المسيح هذا الذي نسجد له ليس انساناً فقط ولد من مريم ثم بعد ذلك مسح بالروح وتقدس حسب هذر الهراطقة ، بل هو الله الكلمة المولود من الآب أزلياً . فسمّي مسيحاً لأنه رضي ان يُمسح بالروح ويتقدس بالجسد. وكما هو ، بطبعه ، أشرف من ولادة المرأة ومن الآلآم والموت ، وقَبِل الميلاد والموت والآلام بالجسد لأجلنا ، كذلك ارتضى ان يمسح بالروح اذ هو واهب الروح وقدوس بطبعه وقبِل حلول الروح القدس عليه كغير المحتاج . فاذاً قد قبله بالجسد ليعطينا اياه . وفي كل شيء صار لنا بداءة مثل آدم الثاني كقـول الرسول بولس : “على ان كلّ واحد منّا قد أُعطي نعمة توافق مقدار ما يهبُه المسيح لكي بواسطته يعطينا الروح القدس ” ( افسس 4 : 7 ) . وأيضاً ندعوه مسيحاً لانه ممسوح من الآب أزلياً ” أحببتَ البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك ” ( مزمور 45 : 7 ) . ولان الروح القدس حلّ في بطن العذراء كقول الملاك ” الروح القدس يحلّ عليك ، وقدرة العليّ تظللك . لذلك ايضاً فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله ” ( لوقا 1 : 35 ) وجبل الروح القدس جسد الله الكلمة ومسحه وقدّسه واتّحد الكلمة مع الجسد اتحاداً اقنومياً . وهذا ما عمله الروح لا لأن الابن لم يكن قادراً ان يجبل جسده ويقدسه ، بل ليعرف ان ذاك المولود هو إله وابن طبيعة الروح وليصير عدد الثلاثة أقانيم معلوماً . ان الآب شاء ان يتجسّد الابن والروح القدس جسم الابن بما انه جبل جسده من البتول . كذلك كان هذا العمل نحو رتبة المخلوقات . الآب أمر ان تكون ، والابن عمل ، والروح القدس تمّم وكمّل . بل الآب مسح ، والابن مُسح ، والروح القدس قام مقام المسح . لهذا نسمي الله الكلمة مسيحاً وذلك لسببين : اولاً ، لانه قَبِل ان يمسح بالجسد من الروح القدس . ثانياً ، لان الروح مسح جسده وقدّسه لما اتّحد الله الكلمة معه . ثم نقول ان المسيح ليس انساناً ممسوحاً بالمسح حسبما قيل ولا كتب عنه انه انتُخِب من الله كالبشر . يقول بطرس الرسول ” ان الله مسحه ” ( اعمال 4 : 27 ) لكي يزيل ظن اليهود القائلين انه مضل ، وليؤمنوا انه مرسل من الآب . وأيضاً ان اسم المسيح لم يأخذ قوة حد الاسماء ولا يطلق عليه لفظ ما ، كما يطلق على الانسان والحيوان ، لكن الفعل المضمون يُعرف عند كل أحد تعريفاً . فيُعرف عن المسيح الذي صار انساناً لاجلنا انه إله متجسد ، كالروح الذي له جوهرياً ، أي انه اتخذ جسداً كاملاً مقدساً بالروح القدس ذا نفس عاقلة ناطقة وجعله واحداً مع لاهوته اي اتحد معه اتحاداً اقنومياً . وعدا ذلك ان اسم المسيح يعلمنا الاعتقاد بالثالوث فان الآب مَسح والابن مُسح والروح القدس هو المسحْ أي المسحة . والذي يقول ان المسيح صار انساناً طبيعياً ومُسح بالروح القدس ليتقدس فليقل لنا في أي وقت مُسح أقبل الميلاد ؟ فنقول انه قبل ان يُحبل به في بطن البتول لم يكن له جسداً . وان قيل أثناء المعمودية ، فنقول انه في مولده دعي المسيح . يقول بعض الهراطقة ان معنى يسوع المسيح هو انسان ولكن هذا محض خطأ ، فان اسم يسوع المسيح هو الله الكلمة . لا لأنه إله ، بل لأنه صار انساناً . ثم نقول ان اسم يسوع المسيح لا يعني الجسد المأخوذ من مريم ، ولا يعني انسان وإله معاً ، لكنه يعني الهاً متجسداً . وذلك واضح من قول يسوع لليهود : ” ان الذي قدّسه الآب وأرسله الى العالم أتقولون له إنكَ تُجدف لأني قلتُ إني ابن الله ” ( يوحنا 10 : 36 ) . فمن هو المـرسل من الآب أإنسان هو ، أم إله وانسان معاً ام الله الكلمة ؟ كقول بولس : ” ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ” ( غلاطية 4 : 4 ) . فاذاً ذاك الذي أُرسل من الآب الى العالم هو الكلمة وهو المدعو يسوع . وهو هو المقدس . لا انسان . ولا انسان وإله معاً . لكن الآب هو الذي قدّس الكلمة بالروح القدس الذي مسحه ، لا بما انه إله ابن الله بالطبع ومساوٍ له والروح القدس وهو واهب القداسة ، بل لأنه صار انساناً لاجلنا . وقد قال المسيح ايضاً ” الحق الحق اقول لكم قبل ان يكون ابراهيم انا كائن ” ( يوحنا 8 : 58 ) . فمن هو الذي كان قبل ابراهيم ؟ اهو الإنسان الذي من مريم أم الإله والإنسان معاً ؟ فالانسان الذي من مريم لم يكن قبل ابراهيم فقط ، ولم يكن قبل مريم ، لكنه بعد مريم ولد منها . فقد صار معلوماً ان الذي كان قبل مريم هو الله الكلمة المدعو بهذا الاسم ” يسوع المسيح ” . وقد قال يسوع لليهود ماذا تقولون عن المسيح ابن من هو ؟ فقالوا له ابن داود . فقال لهم : ” فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً : قال الرب لربي أجلس عن يميني . فان كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنهُ ؟ ” ( مت 22 : 42 – 44 ) فمن هو الآن رب داود ، أهو الانسان الذي من مريم الذي لم يكن في زمان داود ولا مريم التي ولد منها ، أم الإله المتجسد الذي يدعى مسيحاً ؟ فدعاه رباً واحداً ولم يقل أرباباً . اعني انه واحد لا كثيرين . فاتضح ان الله الكلمة ابن الآب الطبيعي دعي رباً كما في قوله تعالى : ” فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب من السماء ” ( تك 19 : 24 ) . وكقوله : ” انه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب ” ( لوقا 2 : 11 ) . فاذاً اياه دعا المسيح . ومكتوب أيضاً : ” ان كرسيك يا الله الى دهر الدهور . أحببت البر وأبغصت الإثم من اجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك ” ( مزمور 45 : 6-7 ) . فبعدما سمّاه إلهاً قائلاً كرسيك الى الابد ، يعني لا نهاية ولا فناء لملك سلطانك ، قال من اجل هذا مسحك الله اي ان الآب مسح الابن الكلمة بالروح القدس . فاذاً لا بما انه إله بل بما انه قد صار انساناً . كما قال الكلمة نفسه : ” ان الذي قدّسه الآب وأرسله ” . وايضاً قال : ” انه أفضل من رفقائه لذلك مسحه ” . يعني مسحه افضل منا نحن وافضل من الانبياء والرسل والمسحاء الاخرين . لان جميع الناس يقبلون مسحة الروح القدس على سبيل الهبة والنعمة ، أما الكلمة فلما تقدس ومُسح بالروح فلم يقبلها محتاجاً بل كغير المحتاج وكالغني وواهب النعم كقول يوحنا : ” ملئه نحن جميعاً اخذنا ونعمة فوق نعمة ” ( يوحنا 1 : 16 ) . ولأنه وهاب وابن طبيعة الروح رضي ان يُمسح منه لكي ننال نحن المحتاجون المسحة بواسطته . فاذاً الله الكلمة يدعى المسيح بما انه قد صار انساناً . ويثبت هذا يوحنا قائلاً : ” امتحنوا الأرواح هل هي من الله لا بد ان انبياء كذبة كثيرين قد خرجوا الى العالم . بهذا تعرفون روح الله . كل روح يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فهو من الله وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فليس من الله ” ( 1 يوحنا 4 : 1-3 ) . قال بولس الرسول : ” لنا إله واحد الآب الذي به جميع الاشياء ونحن له ” ( 1 كورنثوس 8 : 6 ) . فنسأل الهراطقة من هو الذي به خلق الكل أهو انسان ؟ حاشا ، لأن الانسان هو خليقته . فاذاً بالله الكلمة خُلق الكل كما قال يوحنا : ” كان في العالم وكُوِّنَ العالم به ولم يعرفه العالم ” ( يوحنا 1 : 10 ) . قال بولس الرسول في رسالته الى أهل كولوسي : ” فإنه فيه خُلِقَ الكُل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين . الكُل به وله قد خُلِق ” ( كولوسي 1 : 16 ) انظر أيضاً ( عبرانيين 11 : 3 ) . فاذاً الذي به خلق الكل هو الله الكلمة الذي دعاه بولس رباً ومسيحاً ، لا الانسان الذي من مريم حسب زعم الهراطقة . وقد قال بولس الى اهل فيلبي ايضاً : ” الذي إذ كان في صورة الله لم يُحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ” ( فيلبي 2 : 6 ) . فهل ذلك يطلق على الانسان ؟ كلا ، فان الانسان فضلاً عن كونه ليس نظيراً لله فقط بل خليقة ومتعبد . أما الابن الكلمة فهو نظير الله الآب ، لانه ابن طبيعي ومساوٍ له في الجوهر ولم يخطف هذا اختطافاً بل طبيعياً كان له . فمن هو أيضاً الذي اخلى ذاته وأخذ صورة عبد أهو الانسان الذي من مريم أم اللاهوت ألم يكن هو الله الكلمة ؟ بلى لان الانسان مجرد على كل حال . وقوله اخلى ذاته لم يتكلم الرسول عن اثنين ، لانه ليس هناك ابنان مساويان لله ولا اثنان اخليا ذاتهما بل واحد هو الله الكلمة بما انه قد صار انساناً وهو الذي اخلى ذاته واخذ جسداً وهو الذي لا يتغير . مكتوب انه اخذ صورة عبد فأيهما الآخذ وايهما المأخوذ ؟ ان الانسان هو المأخوذ وليس بآخذ كما يزعم الهراطقة ، أما اللاهوت والناسوت معاً فغير ممكن ان يكونا كلاهما مأخوذين ، الا ان الواحد آخذ والآخر مأخوذ . فاذاً الله الكلمة هو الآخذ الذي اخذ جسداً ذا نفس عاقلة ناطقة من البتول وجعله معه واحداً . وعلى الله الكلمة قال الرسول ان يسوع المسيح قد اخلى ذاته واخذ صورة عبد وكإنسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب . ” وبعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الاعالي صائراً اعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسماً افضل منهم ” ( عبرانيين 1 : 3 و 4 ) . فما معنى قوله انه اخلى ذاتهُ ؟ معناه أولاً ، انهُ مع كونه الهاً صار انساناً بإرادته ولم يتغير . ثانياً ، ومع كونه ابن الله الازلي وواحداً معه الروح ، وان كان قد تجسد ، هو القدوس في ذاته قبل ان يمسح بالروح القدس بما انه قد تجسد . ثالثاً ، ومع كون طبعه غير قابل الآلآم فقد قبل ان يتألم ويموت بالجسد لا بما انه إله مجرد ، بل بما انه قد صار انساناً وتألم آلاماً طبيعية بعيدة عن الملامة كالجوع والعطش وما اشبه ذلك ، وقبل ان يتسمّى بأسماء دنيّة وهو الإله الرب والملك . فالآباء القديسون الثلاثمائة والثمانية عشر الذين اجتمعوا في نيقية ، قالوا : ” وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب ” . ونحن نقول للضالين ان كان اسم المسيح يدل تعريفاًً على إله وانسان كقولهم . فالاثنان مسحاء ، لذلك يطلق الاسم عليهما كليهما . والاسماء هي ثلاثة : ماسح وممسوح والمسْحة . فالماسح هو فاعل المسحة ، والمسح هو الفعل والممسوح هو الذي وقع عليه الفعل بياناً . وكذلك ان كان اسم المسيح يدل على إله وانسان كقولهم ، اذاً قد مُسِح الانسان ومُسِح الاله ايضاً ، واذا كان ذلك ، لماذا تمتنعون عن القول بان الله الكلمة مُسِح من الآب بالروح القدس بما انه صار انساناً . وأيضاً ، ان كان اسم المسيح يدل على الله والانسان معاً فينتج من القول مسيحان لا مسيح واحد . مثلاً اسم الفَرَس يدل على الفرس البري والفرس البحري اذ يطلق الاسم على كل فرد منهما وعليهما معاً ويقال لها فرسان . كذلك اذا قلتم الانسان مُسِح والله مسحه ، فتكون النتيجة ان المسيح ماسح ومُسِح لا مسيح فقط . وان قلتم ايضاً الانسان هو الممسوح بسبب الاتحاد واشرَكَ الكلمة باسمه لأنه دعي ممسوحاً ، فكان يجب ايضاً ان الكلمة يشرك الانسان باسمه فيدعى ماسحاً . فنسمي اذاً الله الكلمة مسيحاً لا بنوع انه عار عن الجسد بل بما انه قد صار انساناً لم يتغير ، ولا ندعو إنسان متأله مسيحاً كهذيان الهراطقة لانه ليس انساناً قد تأله بل إله قد صار انساناً كما قال البشير : ” الكلمة صار جسداً ” ( يوحنا 1 : 14 ) . وليس أرضياً صار سماوياً بل سماوي قد صار أرضياً كقوله تعالى ” اني قد نزلت من السماء ” ( يوحنا 6 : 56 ) و ” الى خاصته جاء ” ( يوحنا 1 : 11 ) . والمعلمون يشهدون محققين ان الكلمة يسمى المسيح الممسوح بالروح القدس بما انه قد صار انساناً . قال القديس غريغوريوس النازينزي : ” ان مسحة الوحيد هي الروح القدس ” . وبعد كلام وجيز يقـول : ” ان كان المسيح الله الوحيد فالمسحة هي الروح القدس ” . والقديس يوحنا في تفسيره لرسالة الغلاطيين يقول : ” لهذا يسمى يسوع لانه المخلص شعبه من خطاياهم ” ، وفي كنية المسيح ذكر مسحة الروح القدس . والقديس ساويرس في الفصل الثاني والاربعين ضد غراماطيقوس يتساءل : ” لِمَ لم يدع كلمة الله مسيحاً قبل التجسد بل بعد التجسد دعي مسيحاً ؟ ” كقول القديس كيرلس في رسالته الى متوحدي مصر : ” ان الكلمة لم يعط اسم المسيح حين كان بعد عارياً أي قبل تجسده ، بل أعطي حين صار انساناً مثلنا لانه حينئذ مُسح بسبب اتحاده ” . فلذلك لم يوضع اسم المسيح لكلمة الآب قبل ان يولد ولادة بشرية . فان دعي في بعض الاماكن مسيحاً فلا تفهمه الا بحال تجسده . وان سمعت بانه يدعى كلمة بعد كمال التجسد فإياك ان تنسى الجسد المتحد معه . والزعم بان لفظة مسيح تليق لهذا وحده ولذاك وحده هو زعم باطل وكلام هتر بل هو محض خطأ ، لانه بمسحه انسانياً قد مُسحنا به . كما أننا بعماده اعتمدنا معه . قال القديس غريغوريوس الثاولوغوس في المقالة الثانية عن الابن : ” يقال انه يدعى المسيح لأنه إله ” . أما المسحة فلأنه انسان وليست مسحته منحة تمنح القداسة كما تمنح الممسوحين والقديس ساويرس في الرسالة الى مارون يقول : ” ان المتكلم باللاهوت غريغوريوس يقول ان المسيح كامل ليس لاجل الالوهية فقط التي ليس شيء اكمل منها ، بل أيضاً من جهة الجسد المأخوذ الممسوح باللاهوت . وصار كأنه هو الماسح ” . وأنا واثق ان أقول انه كامل في جوهره اللاهوتي وان مسحته دلالة على اتحاد الكلمة مع الناسوت ولو انه صار بالقول دليلاً على المسحة . لانه ما كان يُمسح لو لم يصر انساناً ، لكن بما انه قد قال انه صار ما لم يكن فهذا يعني انه صار الماسح . وأنا واثق من القول ايضاً ان المسيح كامل بطبيعتيه ” اللاهوت والناسوت ” وهو واحد بدون افتراق بعد الإتحاد ليصير هو بعينه ذاك الماسح والممسوح بالفعل . قال القديس فيلكسينوس : ” لهذا يسمى المسيح لان الآب قد أخبر عنه بواسطة الروح القدس انه الابن الطبيعي المساوي له في الجوهر” . كقوله : ” مجدني ايها الآب بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ” ( يوحنا 17 : 5 ) . وقوله : ” فجاء صوت من السماء مَجَّدْتُ وأُمَجِّدُ أيضاً ” ( يوحنا 12 : 28 ) ومن اجل الروح قال : ” عندما يأتيكم روح الحقّ يرشدكم الى الحقّ كله ، لأنه لا يقول شيئاً من عنده ، بل يخبركم بما يسمعه ، ويطلعكم على ما سوف يحدث وهو سيمجدني لأن كل ما سيحدثكم به صادر عني ” ( يوحنا 16 : 13 و 14 ) . فمتى مُسِح المسيح أقبل ان يُحبل به أم في حال الحبل أم بعد الميلاد ؟ قال الهراطقة أنه بعد ان ولد من البتول ولم يصدقوا . ولكنه يتبين من قول متى ” كتاب ميلاد يسوع المسيح ” انه ولد ممسوحاً . أما المعلمين فالبعض يقول انه مٌسح قبل ان يُحبل به أي باعتبار ارساله من الآب مسحة له وبرهانهم قوله تعالى ان الذي قدّسه الآب وارسله الى العالم . ومن الذي صعد الى السماء واحدر المسيح .. الخ . أما نحن فنقول انه في حال الحبل به في البطن مسح الله الكلمة اذ انحدر الروح الى بطن البتول وطهّرها وجبل منها جسداً للكلمة فمسح وقدّس ذاك الجسد واتّحد الكلمة معه اتحاداً اقنومياً ويعرف ذلك من قوله : ” الروح القدس يحلّ عليك وقوة العلي تظللك ” ( لوقا 1 : 35 ).
بقوله ولادة يسوع كانت هكذا . بيّن للسامعين جنسه وأعلمهم ان هذا هو المسيح الذي قال عنه يعقوب : انه سوف يأتي عندما يزول القضيب من يهوذا ( تكوين 49 : 10 ) . وعند نهاية السبعين اسبوعاً التي قال عنها دانيال . فالتعريف هنا عن مولده الجسداني تعليماً . اي انك متى سمعت أحداً يدعوه رجلاً فلا تظن انه يولد حسب ناموس الطبيعة . ولما اراد ان يبين شرف مولده قال : ” أما ولادة ….. ” يعني انه لم يولد كسائر الناس لكنه وُلد بشكل يفوق الطبيعة ومشرف عن طبيعة المولودين لاجل ذلك قال ” فكانت هكذا ” ليبين وحدانية الميلاد الذي لا نظير له.
ان مريم كانت مخطوبة ليوسف وليست زوجة بالمعنى المفهوم وقبل ان يجتمعا وجدت حبلى . ولماذا لم تحبل قبل ان تخطب ؟ الجواب لكي يختفي هذا الامر العجيب عن رئيس هذا العالم . فلم يعرف الشيطان من طريقة مولده انه إله متجسد . قال القديس اغناطيوس : ” ان بتولية مريم وولادتها وموت المسيح اضلوا الشيطان ” . وليختفي الامر عن اليهود لم تحبل قبل الخطبة . ولتصير البتول بريئة وخالصة من القضاء والبلاء ، لكونها مرتبطة برجل ، لم ترجم مثل الفاجرات حسب الشريعة ( تثنية 22 : 23 و24 ) ولان نسبة القبائل لم تكن تُكتب باسم النساء قبلت اسم الخطيب .
( وجدت حبلى ) لا قبل ان تأتي الى بيته لانها كانت ساكنة عنده من قبل الحبل . وهكذا قد سكن يعقوب مع خطيبته في بيت خاله لابان . فقد كانت عادة المخطوبات ان يسكنّ ثلاثة سنوات مع الخطيب وبعدها كنّ يتزوّجن . وهذا لاظهار ان زواجهنّ لم يكن قهراً من الشهوة وتغلبها عليهنّ بل لأجل ايلاد البنين الذين كانوا محسوبين عندهم مجازاة الأجر وأثمار البر . فاحتاجت البتول الى خطيب ليعينها ويحفظها من اليهود حتى انهم اذا رأوها حبلى لا يختلجهم ريب او شك فيرجموها . بل ليذهب معها الى مصر هرباً من وجه هيرودس الذي كان يريد اهلاك الصبي . ثم لنزع عار البتول اذ كان وجود امرأة بلا رجل يجلب عاراً بين اليهود كقول اشعيا : ” ليدع فقط اسمك علينا . انزع عارنا ” ( اشعيا 4 : 1 ) . ولان العادة كانت ان من ينذر نفسه للرب نذر العفة لا يتزوج . والبتول كونها كانت نذراً للرب خُطبت لرجل شيخ كبير السن ليحفظها وليس ليتزوج بها . والشاهد لقولنا ان يشوع بن نون كان نذيراً فما فدا نفسه بثمن ولذلك لم يتزوج امرأة . أما كيف خطبت فيقول القديس غريغوريوس النازينزي واثناسيوس الكبير ويعقوب الرهاوي انها خطبت لتحفظ وهذا بأمر الكهنة لانها كانت نذيرة ويعـرف ذلك من قولها للملاك : ” اني لم أعرف رجلاً ” ( لوقا 1 : 34 ) . أما يعقوب السروجي والقديس ساويرس فقالا انها قد خُطبت للزواج بدليل قول الانجيلي ” قبل ان يتعارفا ” أي أنهما كانا سيتعارفان قريباً ولكن الاعجوبة سبقت الزواج . ولا يصحّ ان نفهم من هذا بانهما تعارفا بعد ذلك كما قال بعض الهراطقة . بل يعرف انها خطبت للزواج مع انها لما حبلت لم يُلم يوسف كمن قد خالف وتجاوز المنذور لله . وبقوله ” قبل ” أبعد يوسف من الشركة.
( وُجِدت حبلى ) يعني صارت معروفة عند يوسف انها حبلى . ولمنع الشك اين وكيف حبلت اذ عادة النساء تحبلن من الرجال . وهذه حبلت ولم تعرف حال الزواج . فمختصراً قال
( من الروح القدس ) فبقوله ” الروح ” بيّن انها لا بشركة يوسف ولا بغيره حبلت . ولانه زاد قائلاً ” القدس ” أظهر ان الحبل ليس من ريح مجتمعة حبلت كما جرى لبعض النساء كقول اشعيا : ” حبلنا تلوّينا كأننا ولدنا ريحاً ” ( 1شعيا 26 : 18 ) . أما لفظة ” من ” فتقال بأنواع شتى : طبيعية كالشعاع من النور . وروحية كالابن من الآب أزلياً . وعملية كالكرسي من النجار . وخلقية كالخليقة من الخالق وبانواع اخرى غير هذه . أما ههنا فهي مفعولية . لان الروح القدس جبل وخلق جسداً والكلمة اتحد معه . ( ومن الروح القدس ) أي الروح القادر على كل شيء ، الذي من البدء خلق آدم الانسان الاول من الارض بلا زواج . واخرج حواء من ضلعه . ” وافْرَخَ العصا ” ( عدد 17 : 8 ) . ” واجرى انهاراً من الصخرة ” ( خروج 17 : 6 ) و ” من الفك اليابس ماء ” ( قضاء 15 : 19 ) و من العواقر بنين ( لوقا 1 : 7 ) وهو الآن من البتول جبل جسـداً طاهراً لله الكلمة . وفي كل حين يخلق الروح مع الكلمة ويتمّم الخليقة كقوله : ” بكلمة الرب خلقت السماوات وبروح فيه جميع جنودها ” ( مزمور 33 : 6 ) . ان الجسد الذي اتّحد الكلمة به هو من البتول لأنها قدمت ما تقدمه النساء الى جبلة الجسد . وهو من الروح لانه قام مقام الرجل فخلقه وجبله ومسحه واتّحد الكلمة به اتحاداً أقنومياً . أما انت فمتى سمعت ان الروح قد عمل هذا فآمن وصدق ولا تفحص . لانه لا جبرائيل ولا متى ولا غيره استطاعوا ان يقولوا كيف صار هذا . لانه سر عجيب وغير مدرك فبشّر ونادي باسم الذي عمله فقط ولا تقل كيف صار . لانه كما يقول القديس كيرلس التفسير غير ممكن . ثم يجب ان نعلم انه لما حُبل بالكلمة وتجسّد من البتول جاء الروح القدس اليها لكي يزيل اللعنة المقولة ” بالوجع تلدين أولاداً ” ( تكوين 3 : 16 ) وليطهرها ويقدّسها ويقام لها مقام الرجل فيجعل الجسد متّحداً بالكلمة ، والكلمة يقبله أولاً ويمسح ويتقدّس به ثم يناوله لنا.
عدد 19 : فيوسف رجلها اذ كان باراً ، ولم يشأ ان يُشهِرها ، أراد تخليتها سرّاً .
الصداقة والعدل يطلقان على من لا يغش ولا يظلم أحداً . والحقيقة ان من اقتنى نوعاً واحداً من انواع العدل يقال انه عادلاً . وهنا يسمى عادلاً المتزين بكل أنواع الفضائل . أما عدالة هذا الرجل البار فكانت ضد الناموس لانه لم يشأ ان يشهرها بل يطلّقها سراً .. ثم نقول كيف ترآءى يوسف رجلاً عادلاً وصدّيقاً . وهل ظن ان البتول طاهرة وبريئة أم انها زانية ؟ فان كان قد ظنّ انها زانية فكان الواجب عليه ان يشهرها ويوبخها . وان كان قد ظنّ انها قديسة فكان الواجب عليه ان يعولها ويهتم بكل ما تحتاج اليه . ولكنه كان عادلاً ورحوماً . أما عدله فكان يوجب عليه ألا يبقي الزانية في بيته . أما رحمته فكانت تشير عليه ان يطلّقها سراً لئلا يكون معها ومخالف للناموس . وقوله سراً يعني شفقة منه ورحمة عليها حتى لا تنفضح ويحكم عليها بالموت كزانية . والارجح انه كان رجلاً عادلاً لانه لم يشهرها اذ لم ير فيها خطيئة ، لا سيما وقد سمع عن حبل اليصابات وسكوت زكريا وارتكاض يوحنا في بطن أمه ، ففكر ان هذه أيضاً اعجوبة . ولاجل هذا لم يحسبها كزانية . ولم يهتم بها كطاهرة .
( أراد تخليتها سراً ) أي لم يذع خبرها لليهود . ولما عاين حبلها سألها مستفهماً عن مصدر حبلها . فأجابته انه من الروح القدس كما قال السروجي . أما هو فوقف متشككاً أي ان كان من الروح فلا يجب ان يدنو منها ، وان كان من الزنى فلا يجب ان يخلط طهارته مع جسم زان . ولهذا اهتم لتخليتها سراً لئلا يقتلها اليهود فيصير مذنباً . وقال آخرون أن مريم لم تجاوبه لانها عرفت انه لم يصدق كلامها كون حبلها فائق الطبيعة والادراك . بل بالحري كان يضطرب منه لدى سماعه . ففكرت في نفسها ان الذي قد شاء ان يولد منها هو يجاوب عنها . وربما انها لم تر واجباً ان تبوح بالسر الذي خاطبها به الملاك فعملت كقول النبي ” من كان حكيماً يحفظ هذا ويتعقّل مراحم الرب ” ( مزمور 107 : 43 ).
عدد 20 : ولكن فيما هو متفكّر في هذه الأمور ، اذا ملاك الرب قد ظهر له في حلمٍ قائلاً : “ يا يوسف ابن داود ، لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك . لأن الذي حُبِل به فيها هو من الروح القدس .
( ولكن فيما هو متفكر ) أي بتخليتها سراً لئلا يشعر اليهود بها فيرجموها ويدان كمذنب . وهنا يسأل البعض لماذا لم يظهر الملاك ليوسف علانية كما ظهر لزكريا وللبتول وللرعاة ؟ الجواب لانه كان رجلاً اميناً فلا يحتاج الى منظراً ظاهراً . أما ظهوره لزكريا علانية فلأنه كان يعسر عليه الايمان بدليل أنه شك بعد ظهور الملاك له . أما ظهوره للبتول فلصعوبة الامر الذي هو فوق الطبيعة . أما للرعاة فلأنهم كانوا أناس ساذجين وجاهلين . وتكون الاحلام على انواع شتى : فهي أحياناً من الله كحلم يوسف وفرعون ونبوخذنصر ودانيال وامراة بيلاطس . وأحياناً من الشيطان مثل الخيالات المظلمة . وتأتي تارة من كثرة انشغال الفكر نهاراً ، فما يُحدّث به الانسان نفسه في النهار يراه بالليل في حلمه . وتاتي طوراً من الامتزاج والخلط الغالب ، كقول الاطباء ان كان الدم غالباً في انسان فإنه يرى قتلاً وسفك دماء في المنام . وان غلبت المرارة السوداء فيرى ظلمة وبيوت مقفلة وكلها تسبب الخوف والفزع . وان غلب البلغم فيرى امطاراً وانهاراً ومياهاً جارية . وان كان مزاجه دموياً وغلبت عليه المرارة الصفراء فيرى ناراً وشمساً وشعاعاً وحريقاً . وترى الاحلام بانواع أخرى . أما حلم يوسف فهو من الله . ويسأل البعض لماذا لم ياتي الملاك الى يوسف قبل ان يفتكر هذا الفكر ؟ والجواب ان ذلك لحكمة من الله ولئلا يشك مثل زكريا . ولعلمه تعالى بان الحبل وتحقيق الملاك له يجعلانه يؤمن بسهولة . لان مريم ايضاً سكتت عن اعلان حبلها ليوسف خوفاً من انه لا يصدق قولها . لان الواقع لو صحّ وقوعه من امرأة لقضي عليها بالموت الشنيع بموجب الشريعة . فجاء الملاك الى البتول قبل ان تحبل لكي لا ترهب ولا تجزع بتغير القضية . لانها لو حبلت من دون معرفة سر حبلها لكانت تقتل نفسها لتتخلص من العيب . أو لكانت تموت من حزنها . ولهذا لم يظهر الملاك ليوسف أولاً ويبشره كزكريا لئلا يرتاب مثله ويعرض له مثلما عرض لزكريا . او لكان عند سماعه انه من الروح يهرب من البتول كمن يهرب من النار المشتعلة وما كان يسكن معها . بل والارجح انه كان هذا لكيلا يبشر البتول قبل الملاك ولأنه من الحق الواجب ان تعلم أم الطفل بامره قبل الآخرين الأخيار .
( يا يوسف بن داود ) دعاه ابن داود لا ابن يعقوب وابن هالي حسب الناموس لكي يذكره بالوعد الذي قد صار لداود وانه هو الذي وعد ان يظهر كما سبق . فقال عنه الناموس والانبياء .
( لا تخف ) فبقوله لا تخف ازال عنه الخوف . لان يوسف كان خائفاً لئلا يكون مذنباً أمام الله اذا احتفظ وآوى في بيته امرأة . لكن الملاك هدأ روعه وشجع قلبه وازال عنه الشكوك واثبت انه قد ارسل من الله
( ان تاخذ مريم ) أي لتأويها عندك . فأنت حسب فكرك اخليتها . ولكن الله يسلمها لك الآن لا أبواها .
( امرأتك ) فسماها امرأته ليعرفه انها ليست مذنبة وفاجرة . فلو كانت كذلك لما دعاها امرأته . بل من الخطبة تدعى المخطوبة امرأة للرجل اكثر من الزيجة معها . وذلك واضح من ان الزانية مع رجل لا تدعى امرأة له ولا اذا دنى منها بأي نوع كان . فقال لا تخف ان تاخذها . يعني لا تظن انها زانية وتخشى مصاحبتها والسكن معها بل كن مؤمناً ومصدقاً انها حبلى من الروح القدس وهيئ نفسك لخدمتها . وقد دعاها امرأته كما دعا مريم أماً ليوحنا مع انه لم يكن مولوداً منها ( يوحنا 19 : 27 ) . ان الملاك لم ينتهر يوسف كما انتهر ابيمالك موبخاً. لان التدبير نحو يوسف كان امره عظيماً والفرق ظاهر بين هذا وذاك . أما يوسف فقد تحقق ممن عرفه أفكاره الخفية ومن جهة الوعد لداود . ومن شهادة اشعيا عن بيت داود . ومن شرف الميلاد . ومع ذلك فان الملاك زاد أمر الحبل وضوحاً فقال
( لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس ) . أي ان الله الكلمة اذ كان مزمعاً ان يتجسد من العذراء سبق الـروح القدس وقدّس الحشاء الذي جبل فيه جسد الله الكلمة . وبقوله ” فيها ” اثبت بان هذا الحبل ليس من زرع رجل ولا شهوة زواج بل من الروح القدس ومن جسد البتول . ولم يقل منها ، لان قوله ليس عن انسان مخلوق جديد بل عن الكلمة الذي صار جسداً . أما نحن فلكوننا نأخذ من أمهاتنا ابتداءنا ما لم نكن من قبل فيقال عنا اننا نولد منهنّ . أما ذاك فلأنه كائن منذ الازل بلاهوته فقيل عنه انه حبل به فيها . فاذاً بما انه قد تأنس قال الملاك ” فيها ” عن ذلك الذي سابقاً كان موجوداً ازلياً وفوق الازمنة . وقوله ” من الروح القدس ” يعني مثل الخليقة وعملها . لا بالولادة الجسدانية كقوله : ” المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح روح هو ” ( يوحنا 3 : 6 ) ولا طبيعياً لان الطبع البسيط هو الجوهر فلا يقبل الافتعال . والحاصل ان قوله من الروح القدس كمثل خليقته . قال القديس ساويرس ان عمل الروح كان خلقة الولد . أما مريم فكانت تدخل عدم النقصان خلا الشهوة والخطية وكما هو معتاد للنساء ان يكون من جوهرهنّ ، فان آدم وحواء بواسطة الشهوة ولدا البنين . والله الكلمة لما شاء ان يجدد طبيعتنا المفسودة فلا شيء من الشهوة صار في الحبل به.
عدد 21 : فـستلد ابناً وتدعو اسمه يسـوع ، لانه يخلص شـعبه من خطاياهم “ .
( فستلد ابناً ) لم يقل الملاك ستلد لك كما قال لزكريا لانها لم تلده ليوسف لكن لخلاص العالم اجمع . ولانه ما كان يقرب لميلاده بشيء .
( وتدعوا اسمه يسوع ) يعني انه ولو لم يكن ولدك الا انه مأذون لك ان تسميه كي لا تصيرغريباً من السياسة . ولوقا يقول ان الملاك قال لمريم ان تسميه ” وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع ” ( لو 1 : 31 ) ولا تناقض بين القولين لان من عادة الاب والام ان يسميا الابناء . أما اسم يسوع فمعناه مخلص . وحتى لا يظن ان الخلاص محسوس بمعنى انه يخلص شعبه من عبودية الملوك القساة أو اي سلطة ظالمة قال البشير لانه يخلص شعبه من خطاياهم أي انه جاء ليحيي الاموات بالخطايا والذنوب ولم يقل الشعوب لئلا يحزن يوسف بسبب عبور الخلاص من الشعب الى الشعوب كما قد عرض ليونان . فلا يتوهمن القارئ اذ ان المـراد بشعبه اليهود فقط بل كل من يؤمن به . كقوله : ” وله يكون خضوع شعوب ” ويقول البعض كيف احيا شعبه ؟ الجواب بالايمان به وبالمعمودية والتوبة . فبقوله ” شعبه ” قد سبق واعلن عن سلطانه ومساواته للآب اذ قد دعا شعب اليهود شعبه كما انهم شعب ابيه . وكلاهما خاص بالله تعالى لا بالانسان . ان يكون الشعب شعباً له . كما هو مكتوب ان الشعب الاسرائيلي هو حصة الرب . وقوله يخلص شعبه من خطاياهم وكقول اليهود : ” من يقدر ان يغفر خطايا الا الله وحده ” ( لوقا 5 : 21 ) فاذاً السيد المسيح هو الله الكلمة وقد صار انساناً ليخلصنا من خطايانا.
عدد 22 : وهذا كُلُه لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل :
تعجب يوسف مما قد صار فقال وهذا كله كان . فما هو هذا كله ؟ هو ان بتول تحبل بلا زواج . وان الله جرّد ذاته وأخذ صورة انسان . والسياج المتوسط قد نقض . والصلح تمّ ما بين الله والناس . فلا تظنوا ان هذا حادث لكنه معد قبل تأسيس العالم وقد اشير اليه بالرموز وأنبأت عنه الانبياء من قديم الزمان ، ولذا قال ليتم ما قيل . ومعنى ذلك ان النبوة ليست علّة لميلاد الابن ولا الملاك جعل النبوة حجة لكلامه فلا تقل لسبب تنبؤ اشعيا عمل الله هكذا لكنه اوحى الى اشعيا فتنبأ فقد كان مزمع ان يتم هذا . وبقوله ” ما قد قيل من الرب ” بيّن ان القائل هو الرب . وبقوله ” بالنبي ” عرّف ان النبي هو آلة للرب . ولو ان اشعيا قال الكلام لكنه كلام الله الذي اوحى به اليه . ثم اورد له هذه النبوة كشهادة كي يعلمه ان التدبير كان موعوداً به من قديم الازمان وليزيل عنه ما ربما جال في فكره من ان حبل العذراء ليس من الله ، مؤكداً له مصدر الحبل كما سبق فأنبأ اشعيا بقوله ” هو ذا العذراء تحبل ” . عدا ذلك فانه أورد له النبوة في الحلم حتى اذا انتبه من النوم لا ينسى الحلم بل يتذكر نبوة النبي فيتأكد صدق الرؤيا ومصدر الحبل.
عدد 23 : “ هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ، ويدعون اسمه عمانوئيل “ الذي تفسيره : الله معنا .
يقول بعض المفسرين اليهود ان النبي لم يذكرها بتولاً بل شابة وصبية فنقول ان هذا الزعم باطل لانه لا يوافق ترجمة الاثنين وسبعن شيخاً التي هي أصح جميع الترجمات . أولاً، لكثرة مترجميها ومطابقة آياتهم . ثانياً ، لانهم ترجموها قبل مجئ المسيح بمدة . على ان قوله ” هوذا العذراء تحبل ” هو علامة كان قد اعطاها الرب لآحاز . فان كانت شابة مزمعة ان تلد من زواج فكيف تكون آية أو علامة لان الآية هي فعل فوق الطبيعة . وقد جرت عادة الكتاب ان يسمي العذراء شابة وصبية كقوله : ” خرجت الصبية لتسقي ماء ” ( تكوين 24 : 14 و16 و57 ) ولا يخفى ان المخطوبة لرجل كانت بتولاً والغير مخطوبة فتاة وشابة وصبية ( تثنية 2 : 22 و 26 – 29 )
( ويدعى عمانوئيل ) لم يقل وتدعوه أنت . لكن يدعى من الناس أي من أعماله العجيبة ومعجزاته الخارقة الطبيعة يعرفون ان الله جاء الينا ليتردد معنا على الارض بالجسد . ودعي عمانوئيل من المعلمين المشهورين من بني البشر . فمن الافعال صار معروفاً انه ” نور وشعاع اشرق للجالسين في الظلمة ” (1 شعيا 9 : 2 ) وليس بالكنية والتسمية دعي هكذا . وان قال اليهود ان المسيح لم يدع من الناس عمانوئيل . فنسألهم متى دُعي اسم اشعيا يستعجل يسبي ويزحم ينهب ( 1شعيا 8 : 3 ) . فلا يمكنهم بيان ذلك . وان كان من اجل السبي والنهب الذي صار في أيامه سماه بالفعل . ومكتوب عن أورشليم انها تدعى مدينة البر والعدل . كذلك عمانوئيل من الفعل قد سمّاه النبي بهذا الاسم يعني لانه تردد معنا بالجسد . فقد جرت عادة الكتاب ان يسمي الحوادث بدل عن الاسم . وعمانوئيل معناه ” الله معنا ” فان قالوا انه مع الصالحين قد تردد . كقوله ليشوع بن نون : ” مثلما كنت مع موسى فأكون معك ” ( يشوع 1 : 5 ) بطريق المعونة . ولم يدع عمانوئيل هناك . فنقول لاجل المولد الجسداني قيل هنا لما صار انساناً وتردد معنا على الارض . وأيضاً فقد قال عمانوئيل ويعني الله معنا وليس معهُ حسب زعم النساطرة الفاسد . فان الكلمة ما اتحد مع انساناً واحد مخلوق ومميز . لكنه اتحد مع طبيعتنا وجذبنا بقوة فاعلة الى الاتحاد معه .
عدد 24 : فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب ، وأخذ امرأته .
يعلمنا عن ضمير يوسف الخاضع ونفسه المنتبهة انه لم يفعل شيئاً بلا تمييز بل خضع للامر الالهي وعمل ما يرضي البتول .
( امرأته ) . أما تسميته امرأته ، فذلك كي لا يصير السر ظاهراً ولكي يمنع سوء الظن . وقد جرت عادة الكتاب ان يسمي المخطوبة امرأة والخطيب رجل كقوله ” اذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل واضطجع معها …. أرجموها بالحجارة … الفتاة من أجل انها لم تصرخ . والرجل من أجل انه اذلّ امرأة صاحبه.. ( تث 22 : 23 و24 ) .
عدد 25 : ولم يَعْرِفْها حتى ولدت ابنها البكر . ودعا اسمه يسوع .
( لم يعرفها ) يعني لم يتزوجها . ولفظه ” حتى ” تقال على ثلاثة أنواع : على ما له حدّ كقوله : ” لم يرتحل الشعب حتى أرجعت مريم ” ( عدد 12 : 15 ) أي بعد شفائها ودخولها المعسكر ارتحل الشعب . وكقوله : ” لا يزول القضيب من يهوذا حتى يأتي شيلون ” ( تكوين 49 : 10 ) أي بعد ما يجيء يزول القضيب اعني الملك . الثاني لفصل الامور كقوله : ” وسار ايليا في البرية حتى أتى وجلس .. ” ( امل 19 : 4 و 8 ) ومعلوم انه بعدما أتى جلس وبعدما وصل الجبل استراح . الثالث تقال على ما لا حد له كقوله : ” وأرسل نوح الغراب فخرج متردداً حتى نشفت المياه ” ( تكوين 8 : 7 ) . ومعلوم انه بعد ما نشفت المياه لم يرجع . وقوله ليعقوب : ” اني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به ” ( تكوين 28 : 15 ) فهل بعد ذلك تركهُ .. حاشا . وقوله : ” ان ميكال ابنة شاول لم يكن لها ولد حتى ماتت ” ( 2 صموئيل 6 : 23 ) فهل ولدت بعد موتها فان لم تلد قبل موتها فكم بالاوفر بعد موتها . وقوله : ” ها أنا معكم كل الايام حتى انقضاء الدهر ” ( متى 28 : 19 ) العلهُ فيما بعد يتركهم . وقوله : ” من الابد وحتى الابد أنت هو يا الله ” ( مزمور 90 : 2 ) فلم يضع حداً على الله . وكثرة السلام حتى يجوز القمر فانه لم يضع نهاية لهذا الخبر . وقوله : ” قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى اضع اعدائك موطئ لقدميك ” ( مزمور 110 : 1 ) فهل يبطل جلوس المسيح عن يمين أبيه بعد أخضاع اعدائه ؟ اما لفظة حتى فأُطلقت هنا على ما لا حدّ له . بمعنى انه لم يعرفها قط لا قبل الولادة ولا بعدها وليس كما يقول الهراطقة انه عرفها بعد ما ولدت ، اذ لا يُفهم من لفظة ” حتى ” انه قبل الولادة لم يعرفها وبعد الولادة عرفها وقد جرت عادة الكتاب ان يستعمل هذا التعريف . أما ان يوسف لم يدن منها فمعلوم هذا من عظم جلال المولود فيها . ومن انها قد صارت مسكناً للروح القدس وقبلت قوة العلي . وانها مباركة في النساء وانها تحبل وتلد بدون وجع وألم لان حبلها وولادتها كانتا على خلاف الطبيعة . ولذا لم يجرأ على الدنو منها . كيف لا وفي وقت آلامه أعلن الرب انها امرأة ليس لها مثيل في النساء اذ سلمها لتلميذه يوحنا . على ان آخرين يقولون ان لفظة ” لم يعرفها ” تقال على وجهين الاول عن الزواج كقوله : ” وعرف آدم حواء امرأته ” ( تكوين 4 : 1 ) . والآخر عن المعرفة كقوله : ” فنظرت وليس من يعرفني ” ( مزمور 142 : 4 ) . وكقول سمعان لربنا : ” انت تعلم ” ( يوحنا 21 : 15 ) . وقال آخرون ان معنى قوله ” لم يعرفها ” يعني لم يعرف سمو مقامها وجلال قدرها وانها والدة الاله حتى ولدت ابنها . اذ رأى العجائب وقت ولادته ، فالملائكة سبّحت والرعاة بشّرت والمجوس سجدت . ونحن نقول كما ان الله المولود منها لم يتغير كذلك بتولية والدته لم تفسد . تلك التي يقول الكتاب انها لم تعرف رجلاً . وزكريا رتبها مع البتولات في الهيكل . ولكن الهراطقة يقولون بانه ان كان لم يحل البتولية فهو لم يأحذ جسداً ولكنه قد حلّ البتولية بخروجه . فنقول ان كانت البتول قد ولدت الهاً فآمن وصدق انها لبثت بتولاً بعد الميلاد لانها ولدت الهاً قديراً كما يدعوه اشعيا ” لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام ” ( اشعيا 9 : 6 ) والبرهان كما انه خرج من القبر وهو غير مفتوح ودخل العلية والابواب مغلقة . هكذا خرج من البطن ولم ينقض البتولية . وأيضاً ولج جسم في جسم ولم يثلمه . والادلة على ذلك كثيرة فحواء خرجت من جنب آدم والمياه جرت من الصخرة . والماء نبع من فك الحمار الميت . فكم بالاحرى ان يولد المسيح من البتول بدون ان ينقض بتوليتها
( ابنها البكر ) لا لأنها ولدت بعده آخر غيره ، كما يزعم الهراطقة ، بل لانه ولد اولاً دعي بكراً . وقد جرت عادة الكتاب ان يدعو بكراً كل فاتح رحم كقوله ” كل فاتح رحم قدوس يدعى ” ( خروج 13 : 1 ) . فالكتاب يدعو هذا بكراً قبل ان يصير له اخوة ولدوا بعده من البتول حاشا ، بل لان هؤلاء الاخوة يهوذا ويعقوب ويوسي أولاد يوسف من امرأة أخرى . وقد دعوا اخوته بالتدبير كما دعي يوسف بها لارتباطه بمريم . اما المسيح فيدعى بكراً على اربعة انواع : اولاً بالطبع ، كقول متى ولدت ابنها البكر . ثانياً بميلاده الازلي ، الذي به صار بكر كل خليقة ( كورنثيوس 1 : 15 ) . ثالث بالعماد ، أي الميلاد الثاني الذي صار به بكر بين اخوة كثيرين ( رؤيا 8 : 29 ) . رابعاً بقيامته ، لانه صار بكر القائمين من الأموات ( رؤيا 1 : 5 )
( ودعا اسمه يسوع ) . اعني مخلص كما قال الملاك في النسخة اليونانية ” ودعا اسمه ” أي يوسف . وقد ذكرنا آنفاً ان للاب والام حق وضع اسماء أولادهم . فمن البتول ولد وليس من مزوجة ليصير معروفاً انه اله قد صار انساناً . وليس انساناً ساذجاً قد تأله . لان الاتلاد من عذراء خاص بالله وحده . وحتى لا يظن الحنفاء انه انسان ساذج مولود من مزوجة . هذا وبما انّ بواسطة حواء البتول صرنا مذنبين . فواجب ان نتبرر بواسطة مريم البتول . وكما ان الكلمة ولد من البتول فوق الطبيعة . هكذا ولدنا من المعمودية فوق الطبيعة وان قيل كيف يمكن ان بتولاً تلد ؟ فنقول ان الغير ممكن لدينا ممكن لدى الله . ولماذا ولد من بتول مخطوبة ؟ كي لا يتعظمن غير المتزوجات على المتزوجات . وليعرف الجميع ان الزواج مفروض من الله تعالى وليس من الشيطان حسب بدعة ماني الهرطوقي . بل وليعرف الجميع ان المسيح إله حق من ان مولده ليس كسائر المواليد فلا يتوهموا انه مثلهم بما انه مولود بلا زواج وتجسد من الروح القدس وولد من البتول وبتوليتها محفوظة . وانه جاء ليكمل المواعيد والنبوات ولكي يخلص شعبه من خطاياهم كما يدلّ عليه اسمه الذي وُضع له قبل ان يولد .
تفسير انجيل متى
( الاصحاح الأول )
مار ديونيسيوس ابن الصليبي