أصل مصطلح الموارنة الدكتور متي موسى

Posted by on Aug 8, 2016 in Library | Comments Off on أصل مصطلح الموارنة الدكتور متي موسى

1
يُثير مصطلح موارنة مشكلة تتعلق بالهوية . فبالرغم من حقيقة إطلاق اسم (موارنة) اليوم في لبنان وأجزاء أخرى من العالم على طائفة مسيحية كبيرة تابعة لكنيسة روما ، فقد سعت هذه الطائفة الدينية ، منذ القرن الخامس عشر للبحث عن اصل شرعي ككيان منفصل عن بقية الكنائس الشرقية . هناك عدة أسئلة تدخل في عملية البحث عن الهوية المارونية وهي : هل كانت هناك كنيسة بهذا الاسم منذ القديم؛ وهل كان اسمها مستمداً من فردٍ أو دير؛ ومتى التحقت هذه الطائفة بكنيسة روما ، وكيف حدث ذلك ؟ قدَّم الكتّاب الموارنة الاقدمون والمعاصرون عدة اجوبة لهذه الأسئلة ، لكنها تبدو على الأغلب متضاربة

يقول كاتب القرن الحادي عشر الماروني توما ، أسقف كفرطاب في كتابه الفصول العشرة أن مصطلح موارنة قد اشتق من ماران ، وهي كلمة سريانية تعني ” ربنا يسوع المسيح ” ، وبأن كلمة ماران كانت اسم دير سُمي الموارنة باسمه . ومن هذا الرأي أيضاً جبرائيل ابن القلاعي مطران نيقوسيا الماروني (ت 1516) الذي اعتقد بدوره بأن مصطلح موارنة مشتق من الكلمة السريانية موريو ، وتعني الرب المسيح . إلا أن الكاتب الماروني مرهج نيرون الباني (فاوستوس نيرون ، ت 1711) ، كان من الرأي القائل بأن مصطلح موارنة (بالسريانية ، مورونويي) ، على نحو ما اعتقد توما ، يعود الى دير مارون المسمى باسم ناسك القرن الخامس ، وأصبح هذا الاصطلاح يُطلق عامة على أي امرء تبع إيمان رهبان دير مارون (وهو الإيمان الذي ثبّته مجمع خلقيدونية) . كما يبيِّن مرهج الباني نفسه أيضاً بأن الموارنة قبل نهاية القرن السابع كانوا يدعون بالمردة لكنهم بعد ذلك أصبحوا يدعون بالموارنة

وما من كاتب ماروني حاول أن يشرح بدقة أصل ومنشأ مصطلح ماروني كالبطريرك الماروني اسطفان الدويهي (ت 1704) . الذي كرس فصلين لهذا الموضوع في تاريخه عن الموارنة بعنوان: تاريخ الطائفة المارونية (بيروت ،1890) . أخذ الدويهي آراء المصادر المارونية وغير المارونية معاً بنظر الاعتبار ومحَّص البراهين التي اوردها كلاهما ولكنه ارتاب بادعاءات أولئك الذين ادّعوا بأن الموارنة سمّوا باسم مارون ، وهو ناسك سرياني من القرن الخامس ، ورفض قول بطريرك الاسكندرية الملكي (الخلقيدوني) في القرن العاشر ، سعيد ابن بطريق ( أوطاخي ت 941) ، بأن الموارنة اشتقّوا اسـمهم من راهب يدعى مـارون في عهد الإمبراطور البيزنطي موريس 582 ـ 602 . لأن مـارون هذا كان مونوثيلياً ، اعتبره الموارنة هرطوقياً يؤمن بأنه لم تكن في المسيح سوى مشيئة واحدة وفعل إرادي واحد . كما يعرض الدويهي أيضاً سبباً وجيهاً لرفض آراء علماء كأمثال بارونيوس وموارنة كجبرئيل الصهيوني الذي ادعى بأن الموارنة قد سمّوا باسـم بلدة تدعى مارون تقع في كورة أنطاكية . ربما كان الدويهي متلهفاً للتشكيك بمارون هذا لأسباب أقل موضوعية لأنه حرص بشكل خاص في كتابه تبرئة طائفته وكنيسته من أية وصمةٍ ” بالهرطقة ” المونوثيلية . ولكن في الوقت نفسه لا يتـفق الدويهي مع القلاعي الذي دافع عن الرأي القائل بأن مصطلح ماروني مشتق من المصطلح السرياني موريو ، ومعناه ” الرب ” . يعتقد الدويهي بأن الدير في سورية سمي على اسم الرب المسيح وبأن الموارنة قد استمدوا اسمهم من هذا الدير . ثم يضيف قائلاً بأن مصطلح موريو (الرب) صحيح فقط بالقدر الذي يـشير فيه إلى صحة إيمان الموارنة . بعبارة أخرى ، سمي الموارنة وديرهم على هذا النحو بسبب إيمانهم “الأرثودكسي” تبعاً للصيغة التي حددها مجمع خلقيدونية عام451 ، وهي ان طبيعتي المسيح ، الإلهية والبشرية ، اتحدتا في شخص واحد لكنهما بقيتا منفصلتين بعد الاتحاد . كما يحبذ الدويهي أيضاً رأياً آخر ينسجم مع تقليد الكنيسة المارونية وتصادق عليه كنيسة روما كما تدل عليه كتب الصلوات المارونية ـ وهو رأي روَّجه القلاعي بأن الموارنة سموا باسم مارون الناسك ، ” بطريرك أنطاكية العظمى” . هذا يدعو الى التشويش حقاً ، لأن القلاعي يكتب أيضاً بأن الموارنة اشتقوا اسمهم من مصطلح موريو اي “الرب المسيح” ، وهو ما يدل على أن ديرهم كان أيضاً معروفاً بهذا الاسم . بالرغم من التـشويش فإن زعمه يصبح أكثر بعداً عن التصديق إذا كان القلاعي يُـشير بمصطلح الدير ، ” موريو ” ، إلى دير مارون التقليدي ، طالما أن المؤرخين يقبلون إدعاء بعض الموارنة بأن هذا الدير قد بني في القرن الخامس على نهر العاصي ، في سورية ، وأن مارون الناسك الذي يزعم بأنه أصبح ” أول بطريرك ” للموارنة قد عاش في النصف الثاني من القرن السابع وتوفي عام 707 . إضافة إلى ذلك ، فإن القلاعي على خطأ في تسمية هذا المرء ” مارون ” . وسوف نرى بأن رفاقه من الموارنة يدَّعون بأن أول بطريرك لهم كان راهباً في دير مارون ، إلا أن اسمه كان يوحنا وأنه أصبح أول بطريرك للموارنة في أوائل القرن السابع ، وقد دُعي مارون نسبة إلى اسم الدير

يقول الكاتب الماروني الذائع الصيت يوسف السمعاني ملاحظة في مكتبته الشرقية (1 ، 507) بأن اسطفان الدويهي ومرهج نيرون يزعمان بأن المردة (متمردي ثيوفانس) كانوا يدعون بالموارنة في عام 694 لأنهم تبعوا يوحنا مارون ، ” أول بطريرك للموارنة ” . هناك ملاحظة مماثلة أبداها مؤلف الكتاب الماروني الهدى قال فيها: ” تـنسب الطائفة المارونية إلى مارون يوحنا (كذا) ، بطريرك أنطاكية العظمى” . وقد ناقش السمعاني هذه الآراء وخلص الى القول بأن الموارنة سمّوا بهذا الاسم في القرن السابع ، لا نسبة إلى يوحنا مارون الذي أصبح ” أول بطريرك ” لهم في ذلك القرن ، بل نسبة إلى ناسك القرن الخامس القديس مارون . يقول السمعاني: ” طرح اللبنانيون اسم المردة جانباً وأطلق عليهم اسم الموارنة نسبة إلى مارون الذي كان ديره المشهور مشاداً قرب حماه . كما أن بطريركهم يوحنا دُعي أيضاً باسم هذا الدير “

يستدل من هذا القول أن الموارنة كانوا يدّعون قبل القرن السابع مردةً أطلق عليهم اسم الموارنة ، وعندما اختاروا راهباً يدعى يوحنا من دير مارون بطريركاً لهم تخلوا عن اسم المردة واتخذوا اسم الموارنة . وكما يقول االسمعاني ، ان مصطلح ” موارنة ” لا يدل على مجموعة أو جماعة محددة التعريف قبل القرن السابع . ومن هنا نستشف عدم وجود فرق بين رأي السمعاني ورأي الدويهي ومرهج نيرون . فسواء ادعي الموارنة بهذا الاسم نسبة إلى قديس من القرن الخامس ، مارون ، أو نسبة إلى دير سمي باسم هذا القديس ، أو باسم راهب القرن السابع يوحنا مارون ، كما يدَّعي الدويهي ـ فالحقيقة هي أن الموارنة ، كما يقول السمعاني ، لم يعرفوا بهذا الاسم قبل القرن السابع بل كانوا يدعون بالمردة . وان هؤلاء المردة لم يكونوا في الاصل طائفة كالآريوسيين أو النساطرة ، بل كانوا قوماً محاربين استخدمهم البيزنطيون لقتال العرب

هناك نظرية أخرى تستأثر بالاهتمام وهي نظرية المطران يوسف الدبس (ت 1907) ، الذي حاول ارساء مصطلح ” موارنة ” على قاعدة لاهوتية صرفة . فهو يقول بأنه عندما ازداد عدد الهراطقة في سورية في القرن الخامس الذين اضطهدوا ” الكاثوليك (اي الخلقدونيين)” ، دافع تلامذة القديس مارون عن الإيمان ” الكاثوليكي (الخلقيدوني) ” ضد معارضيه . وكانت النتيجة ان المناوئين الذين رفضوا المجمع الخلقيدوني اخذوا ينعتون الذين قبلوا ايمان هذا المجمع ” الكاثوليكي ” الخلقيدوني بالموارنة تحقيراً لهم

إن ما يعنيه الدبس بالإيمان ” الكاثوليكي ” في هذا السياق هو صيغة ” نهج ” كنيسة روما وكذلك نهج تلك الكنائس التي قبلت مراسيم مجمع خلقدونية . ولكن محاولته تشييد أصل الكنيسة والطائفة المارونيتين على اساسس النزاعات العقائدية التي قسمت الكنيسة إلى معسكرات تتضارب مع نظرية الدويهي والسمعاني بأن الموارنة كانوا يدعون بالمردة قبل القرن السابع ، اي ان الدبس يريد ان يقول بأن كل أهالي لبنان كانوا موارنة منذ القرن الخامس . ويضيف الى ذلك قوله بان هؤلاء الموارنة تمردوا في القرن السابع ضد العرب والإمبراطور البيزنطي يوسطنيان الثاني ، راينوتميتوس (685 ـ 695) معاً . وبسب تمردهم هذا ، دعاهم أعداؤهم وكذلك جيرانهم بالمردة أو Mardaites بمعنى “متمردين” ) . يبدو هنا أن الدويهي والسمعاني يؤكدان على أن أهالي لبنان كانوا يسمون بالمرة منذ القرن الخامس ، إلا أنهم تخلّوا عن هذا الاسم في القرن السابع واتخذوا اسم الموارنة . يدَّعي الدبس ، مجادلاً في هذا الخصوص ، بأن الموارنة كانوا يعرفون بهذا الاسم منذ القرن الخامس ، ثم صار يُـشار إليهم في القرن السابع بالمردة بسبب تمردهم

يمكننا أن نستخلص مما سبق بأن بعض العلماء الموارنة حاولوا أن ينسبوا أصل اسم كنيستهم وطائفتهم إلى مارونين اثنين على الأقل ، أحدهما ناسك وقديس من أوائل القرن الخامس ، والآخر راهب من أواخر القرن السابع يدعى يوحنا مارون وهو الذي أضحى أول بطريرك لهم . بل يزعمون أكثر من ذلك أن الموارنة كانوا يدعون بالمردة لكنهم تخلوا عن هذا الاسم في القرن السابع محبذين اسم الموارنة . ويدَّعي كتّاب موارنة آخرون بأن اسمهم مشتق من دير سمي باسم مارون الذي عاش في القرن الخامس بينما يعتقد المطران يوسف الدبس بأن الموارنة سموا بهذا الاسم منذ القرن الخامس ، لكنهم سموا ايضاً بالمتمردين أو المردة بسبب تمردهم على الدولة البيزنطية في القرن السابع .
مجمل القول ان جميع كتّاب الموارنة كانوا متمسكين بايمان كنيسة روما اي مقررات مجمع خلقيدونية منذ القرن الخامس . ولكن سنرى فيما بعد بان هذا الادعاء لا صحة له تاريخياً

أصل مصطلح الموارنة

الدكتور