22
يظهر أن كنيسة روما قد ألقت على عاتق الرهبان الفرنسيسكان في سورية وفلسطين ، في الفترة التي تلت مجمع فلورنسا ، المزيد من المسؤوليات لرعاية شؤون الكنيسة المارونية . وكان الراهب الفلمنكي الأخ غريفون (ت 1475) احد هؤلاء الأخوة الفرنسيسكان البارزين
تلقى غريفون تعليمه في باريس ، حيث درس اللاهوت واللغة اليونانية . وعلى غرار العديد من الرهبان الأتقياء ، تملكته رغبة شديدة لزيارة الأماكن المقدسة في أورشليم ، مما دفعه إلى القيام برحلة إلى فلسطين قبيل نهاية سنة 1442 . وعاد إلى روما بعد عامين يرافقه وفد ماروني إلى البابا يوجين الرابع . من المرجح أن غاية الوفد كانت الاستعانة بالبابا لتقديم المساعدة إلى الكنيسة المارونية وطائفتها . وقد استجاب البابا كما تمت روايته سابقاً ، وعيَّن بطرس دي فيرارا موفداً له إلى الموارنة والملكيين عام 1444 . عاد غريفون إلى فلسطين مع بطرس دي فيرارا عام 1444 ، ولكن بعد ست سنوات تمَّ نقله إلى المرسلية الفرنسيسكانية في لبنان ، ووصل بيروت عام 1450 مع الأخ الفرنسيسكاني فرنسيس البرشلوني ، الذي أصبح رفيق عمره
إن ما أزعج غريفون ، وهو الكاثوليكي الروماني الغيور ، هو رؤية العديد من المسيحيين في الشرق خارجين عن شركة كنيسة روما ، مما حمله على الاعتقاد بان مسؤولية إرجاعهم إلى الحظيرة الكاثوليكية تقع على عاتقه . ومن أجل تحقيق هذا الهدف عكف غريفون على دراسة اللغتين الضروريتين للتعامل مع مسيحيي الشرق ، وهما العربية والسريانية بكل اتقان . غير أن مسؤوليته الرئيسية كانت تهدف موارنة لبنان . وتدلُ المراجع الفرنسيسكانية على أن الأخ غريفون كان نشيطاً جداً في بناء كنائس جديدة في لبنان لإزالة العديد من الأضاليلفي الكنيسة المارونية . ويقول الأب لامنس في هذا الصدد ان ازالة هذه الاضاليل لا يعني بحال من الأحوال التخلص من الأخطاء في إيمان الموارنة لأن الكتّاب الذين ينكرون بان الموارنة كانوا دائماً على الإيمان “الكاثوليكي” يقرون أنفسهم بأن الموارنة تمسكوا بهذا الإيمان الكاثوليكي بعد مجمع فلورنسا ، اي إيمان كنيسة روما . ويلمح الأب لامنس ضمناً بأن المقصود بكلمة “اضاليل” في هذا السياق هي الأضاليل المرتبطة بالمسائل الأخلاقية ، لا بالقضايا العقائدية المتعلقة بإيمان الموارنة . وهنا يبدو أن هدف لامنس هو تبرئة الموارنة من المونوثيلية ، التي اعتبرتها كنيسة روما ، وهي كنيسته ، هرطقة
هناك مصادر كاثوليكية أخرى تتعلق بالأخ غريفون تـناقض المصادر الفرنسيسكانية التي يستـشهد بها الأب لامنس كما تـناقض أيضاً النتائج التي توصل إليها حول هذه المسألة . واذا تأملنا ما كتبه المطران مرقس اللشبوني ، وهو مؤرخ من الرهبنة الفرنسيسكانية يستـشهد به البطريرك الدويهي ، نرى ان الأخ غريفون هو الذي أعاد الموارنة إلى الإيمان ” الصحيح ” واجتذبهم الى طاعة كنيسة روما . ويروي المطران مرقس اللشبوني فعاليات غريفون والأخ الفرنسيسكاني فرنسيس في تعليم العديد من ” غير المؤمنين ” ويعني بذلك من غير الكاثوليك وتعميدهم . كما انه يروي أعجوبةً قام بها غريفون وهي تحريك الشمس من الغرب إلى الشرق لكي يحمل أحد الوجهاء اللبنانيين المرتابين على الإيمان بالمسيح يسوع . وأخيراً يقول مرقس بأن البابا كاليستوس رسم الأخ غريفون مطراناً ثم بطريركاً للموارنة .
هناك كاثوليكي آخر يربط اهتداء الموارنة إلى الكثلكة بأعجوبة غريفون في نقل الشمس من الغرب إلى الشرق هو رئيس الأساقفة الإيطالي مارك ، مطران بورتو ، الذي يفيد بأن الموارنة كانوا ” هراطقة وعبدة أصنام قام غريفون بهدايتهم عام 1450 وعمدهم مع أميرهم بعد أن إجترح اعجوبة بتحريك الشمس وهي على وشك المغيب بضع درجات إلى الشرق ” . يحاول البطريرك الدويهي تفنيد صحة هذه الأقوال مستبعداً أن يكون غريفون قد رسم بطريركاً للموارنة أو أن يكون قد أعاد الشمس من الغرب إلى الشرق . لكنه يورد نصاً كاملاً لرسالة موجهة من غريفون إلى الموارنة يثني فيها على إيمانهم وطاعتهم لكرسي روما الرسولي ، إلا أن الدويهي يصرّ بأن الأخ غريفون لم يرشد الموارنة إلى إيمان كنيسة روما . ربما كان الدويهي على صواب خاصة اذا القينا نظرة سطحية عابرة على رسالة الاخ غريفون ، ولكن غريفون يؤكد في رسالته لا على تـفاصيل إيمان الموارنة فحسب بل ايضاً خضوعهم لسيادة كنيسة روما . ويعتبر غرضه شديد الوضوح عندما يورد في مطلع رسالته العقيدة البطرسية وهي من ركائز عقيدة كنيسة روما . ثم يمضي غريفون ليروي في رسالته بأن البطريرك ارميا العمشيتي اجتمع هو ومطارنته والعديد من العلمانيين في طرابلس بعد عودته من روما إلى لبنان وتعهدوا باتباع إيمان كنيسة روما . إلا أنه لا يذكر أبداً بأن الموارنة في زمنه ، اي في القرن الخاامس عشر ، قاموا بتنقيح كتبهم الدينية أو إيمانهم لتلائم إيمان كنيسة روما . لا بد أن غريفون ، الذي عاش مدة طويلة في الشرق بين الموارنة ، وجد (كما وجدت الارساليات الكاثوليكية الرومانية بعده) بأن العديد من التعاليم المارونية لم تكن متفقة مع تعاليم كنيسة روما ونتيجة لذلك سعىَ إلى إزالة هذه الأضاليل . ولدينا شهادة حاسمة بهذا الصدد ادلى بها الاخ سوريانو الموفد الفرنسيسكاني إلى الموارنة والتي ستناقش بعدئذ حيث حتّم بأن الأخ غريفون هو الذي أرشد الموارنة للاعتراف بطبيعتين في المسيح ـ واحدة إلهية ، والأخرى بشرية ، مما يعني بأنهم كانوا مونوفيزيين (يعاقبة)
رحل غريفون مرة ثانية إلى روما ، وربما في الفترة بين 1455ـ1458 في عهد البابا كاليكستس الثالث ، إلا أنه لا توجد معلومات عن هذه الرحلة . ولكن عندما توفي البطريرك الماروني يعقوب الحدثي في عام 1458 ، وانتخب أخوه بطرس الحدثي ( 1458ـ1492) المعروف بابن حسان ، بطريركاً خلفاً له . وأختار الكهنة والأعيان الموارنة الأخ غريفون ليحمل رسالة إلى البابا بولس الثاني ، عبّروا فيها عن طاعتهم وطاعة البطريرك الجديد لكرسي روما والتمسوا تثبيت البابا للبطريرك . حمل الأخ غريفون الرسالة ووصل روما برفقة الأخ سمعان والأخ اسكندر في النصف الأول من عام 1469 . وعند تلقيه الرسالة أمر البابا الذي كان مرتاباً من معتقدات الموارنة بالقيام بجمع المعلومات المستفيضة عن البطريرك الجديد وعن تعليمه وإيمانه وعن صحة إيمان رعاياه . ومع أن غريفون دافع عن إيمان البطريرك الماروني وكنيسته لدى البابا ، إلا أن البابا ظلَّ يخامره الشك بكون الموارنة صادقين في ادعائهم بالتقيد بكنيسة روما وتعاليمها . وهنا يجب التساؤل لو ان غريفون كان واثقاً من معتقدات الكنيسة المارونية وموقفها من كنيسة روما لما أرسل رسالة من روما إلى الموارنة يشرح فيها علاقتهم مع روما منذ الوقت الذي زار فيه البطريرك ارميا العمشيتي روما في مطلع القرن الثالث عشر ؟ . ولما كان بعد ان وصف هذه العلاقة بين الكنيستين ، ليختم رسـالته بالقول ” أننا نسأل الله أن تؤمنوا وتوافقوا بمقتضى ذلك وبأن ما أخبرت سيدي البابا عنكم لصحيح ” ( يمكن تـفسير هذه الملاحظات الختامية بأنها تعني بأن غريفون كان يأمل أن يبقى الموارنة مخلصين لتعاليم كنيسة روما . كما نعلم من رسالة البابا إلى البطريرك الجديد والمؤرخة في 13 آب 1469 أنه لم يكن واثـقاً فيما يخصّ إيمان الموارنة . يوضح البابا في هذه الرسالة تعاليم كنيسة روما ، معلناً ثـقته بأن البطريرك كان على استعداد لقبول توجيهه وتوجيهات كنيسته . والذي يجب سؤاله هنا هو لو أن البابا كان واثقاً من إيمان البطريرك وإيمان الكنيسة المارونية لكان موقفه في رسالته إلى البطريرك ايجابياً لا يعتريه الشك بخصوص هذا الإيمان . ومهما يكن من أمر ، فقد كانت غاية غريفون الأساسية هي ان يجتذب الكنيسة المارونية لتكون شديدة القربى بكنيسة روما . بل ان الأب لامنس نفسه يقول بأن غريفون نجح في استئصال كل شوائبهم ” العقائدية والدينية وإعادة إيمان الموارنة إلى بهائه ” . إن ما يعنيه لامنس “بالشوائب ” و ” الأضاليل ” في هذا السياق هو العادات الدينية الشرقية العديدة التي كانت الكنيسة المارونية تمارسها ، كسلطة الكهنة في مسح المعتمدين بالميرون المقدس ومناولة القربان المقدس للاطفال الرضع بعد معموديتهم واستعمال الأسرار المحفوظة في الصوم الأربعيني ومناولة عنصري الخبز والخمر في الأيام العادية . كل هذه العادات كانت العادات الأساسية للكنيسة السريانية الأرثوذكسية وغيرها من الكنائس الشرقية قبل أن تنتقل بعضها إلى الكثلكة وتخضع لسياسة تحويل الكنائس الشرقية الى كنائس لاتينية والتي قامت بها بنجاح نسبياً إرساليات روما التبشيرية . صحيح أن الأخ غريفون طلب من روما السماح للموارنة بالحفاظ على بعض طقوسهم الدينية الشرقية إلا اننا نعلم من الأب لامنس بأن غريفون نجح أيضاً في استئصال العديد من هذه الطقوس والتقاليد ، واستبدالها في نهاية الأمر بطقوس وتقاليد لاتينية . والحقيقة هي ان رأي غريفون عن الموارنة والكنائس الشرقية الأخرى لم يكن مختلفاً عن رأي كنيسة روما : فهو يعتبرها كنائس هرطوقية انفصلت عن ” الكنيسة الأم ” ولهذا كان من الواجب إعادتها إلى الحظيرة الكاثوليكية
يقول الاب لامنس ان ” الإصلاحات ” التي حاول غريفون القيام بها واجهت مقاومة . وان جماعة صغيرة من الموارنة اعتقدت بأن غيرة غريفون التبشيرية جاءت في وقت غير مناسب . إلا أن معارضة هذه الجماعة لهذه ” الإصلاحات ” كانت قصيرة العمر ، ويرجع الفضل في ذلك إلى جهود أحد المقدمين (حكام المقاطعات) في شمال لبنان ، الذي ارتد ، مع العديد من الموارنة ، إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية واعتـنق عقيدتها في الطبيعة المتجسدة الواحدة للوغوس الإلهي
كان الموارنة في القرن الخامس عشر خاضعين في الأمور الدينية لسلطة بطريركهم المقيم في دير قنوبين . أما في الأمور العلمانية فقد كانةا خاضعين للمقدمين (وهو منصب وراثي) ، الذين وان كانوا متمتعون بالحكم الذاتي الا انهم كانوا مسؤولين مباشرة لدى المماليك في مصر الذين تدخلوا مراراً في شؤون لبنان الداخلية . كان هؤلاء المقدمون يحكمون عدة مقاطعات في شمال لبنان أخصهم مقدم بشري عبدالمنعم أيوب (1470ـ1495) الذي اهتدى إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية معتنقاً إيمانها
إن مصدرنا الرئيسي عن المعلومات حول ارتداد عدد كبير من الموارنة ومنهم المقدم عبدالمنعم هو زجلية القلاعي والرواية التاريخية للدويهي ، الذي يتابع القلاعي . ومما يجب ذكره هنا هو ان هذه الأحداث عندما جرت في النصف الثاني من القرن الخامس عشر كان الموارنة لا يزالون جماعة صغيرة يقتصر وجودها على الجزء الشمالي من لبنان . وكان السواد الأعظم من المسيحيين في لبنان ينتمون إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية أو إلى كنيسة الروم الأرثوذكس (البيزنطيين) . وبينما يصرح الاب لامنس بأن ” اليعاقبة ” فقط عاشوا في مكان ما من لبنان فإن الدويهي يروي بأن عدداً كبيراً من هؤلاء السريان ” اليعاقبة ” عاشوا في لبنان وطفقوا ينشرون ” أضاليلهم ” بين الموارنة . وكان العديد من هؤلاء السريان الأرثوذكس لبنانيين من أهالي البلاد أصلاً ، لكن الآخرين كانوا قد هاجروا إلى لبنان من سورية وأقاموا في ذلك البلد أجيالاً . يقول الدويهي أن السبب الذي دعا الموارنة ليصيروا ” يعاقبة ” (سريان أرثوذكس) هو أن طقوس الكنيستين السريانية والمارونية متماثلة ولم يكن باستطاعتهم التفريق بينهما
أصبح العديد من تابعي الإيمان السرياني الأرثوذكسي “اليعاقبة” من ذوي النفوذ في العديد من القرى في شمال لبنان نظراً لجهود أساقفتهم وكهنتهم . وكان من ابرز مطارنتهم سويريوس عيسى مطران حردين (1443ـ1480) والمطران ديوسقوروس عيسى ضو (1454ـ1477) الذي اجتذب العديد من أهالي قرية باقوفا إلى إيمان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية . كان المطران عيسى ضو من أهالي لبنان وتخضع لسلطته ابرشيتا طرابلس في لبنان وأورشليم . وكما يقول الدويهي فقد أصبح أهالي الحارة السفلى من باقوفا ” يعاقبة ” بجهود مطرانهم ديوسقوروس عيسى ضو مما أثار حنق أهالي أهدن إلى حد كبير ودفعهم إلى مهاجمة المهتدين وتخريب منازلهم ايضاً كما هدموا دير الغوبه مقر كرسي مفريانهم . هذا ما يدل على أن السريان الأرثوذكس كانوا كثيري العدد في الجزء الشمالي من لبنان بحيث كانت لهم كنائسهم ومفريانهم
نعلم ايضاً من رواية الدويهي القائمة على زجلية القلاعي كيف اهتدى المقدم عبدالمنعم البشراني وعدد كبير من الموارنة في شمال لبنان إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية . يقول الدويهي أن المقدم الشاب عبدالمنعم كان يقدر العلم . وفي أحد الأيام قامت جماعة من الرهبان ” اليعاقبة ” على الأرجح من سورية ، بزيارة عمه ، المقدم رزق الله (ت 1472) وكان معهم كتاب مكتوب بالكرشونية (وهي اللغة العربية المكتوبة بخط سرياني) يحتوي على عقيدة الكنيسة السريانية . طلب عبدالمنعم منهم تدريسه هذا الكتاب وتحليل العقيدة التي يحتويها . وبعد أن تكونت له معرفة عن هذه العقيدة استحسنها واهتدى إلى إيمان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية . وعندما خلف عمه كمقدم عام 1472 ، أنشأ تاجر سرياني ، هو موسى بن عطشه ، علاقة معه . وعندما تزوج عبدالمنعم أرسل ابن عطشه بعض الكهنة يحملون إليه هدايا الزفاف
ويظهر ان عبدالمنعم أحب الكهنة وطلب منهم البقاء معه . وشيد قرب بيته كنيسة سماها باسم القديس السرياني برصوم . وفي هذه الأثناء ، عاد نوح الباقوفي وهو قسيس ، وأحد الموارنة المرتدين إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية ، من أورشليم للاقامة في الفراديس قرب قرية بان في شمال لبنان وأخذ يعظ بالطبيعة المتجسدة الواحدة للوغوس الإلهي ، وهي عقيدة الكنيسة السريانية . ونجح نوح في اجتذاب العديد من المهتدين من امثال عيسى وابن شعبان اللذين يذكرهما القلاعي في زجليته . وكان من هؤلاء المهتدين عدد من الرهبان والكهنة رسمهم في اورشليم مُعلم نـوح المـطران ديوسقوروس عيسى ضو( واخذ المهتدون كبقية السريان الأرثوذكس برسم إشارة الصليب بأصبع واحدة للدلالة على وحدانية طبيعتي المسيح بعد اتحادهما ، واعترفوا فقط بالمجامع الثـلاثة الأولى وهي نيقية والقسـطنطينية وأفسس . كما قام العديد من الرهبان الآخرين من دير مار يعقوب السرياني في قرية أهدن بنشـر عقيدة الطبيعة الواحدة التي يسميها الدويهي ” هرطقة ” (25) . وقد زاد عددرتدين إلى الكنيسة السريانية من الموارنة الى حدّ أثار ذعر البطريرك الماروني بطرس الحدثي ، المعروف بابن حسان الذي أرسل كهنة إلى هؤلاء المرتدين معاتباً وناصحاً إياهم بالعودة إلى كنيستهم ، إلا أنهم رفضوا ، سيما وأنهم تمتعوا بحماية المقدم عبدالمنعم ومساندته . ومن ثم حصل شقاق طائفي وصل ذروته ما بين عامي 1487ـ1488 ، حيث قامت في شمال لبنان فئتان ، أحداهما مارونية والأخرى سريانية أرثوذكسية . واحتدم الاحتكاك بينهما حتى اصبح تلاحمهما وشيكاً . وفي هذه الغضون اخذ مطران أهدن الماروني وشعبه ينصحون الكاهن السرياني الأرثوذكسي يعقوب وأتباعه والرهبان الذين كانوا يقيمون في دير مار يعقوب السرياني بالعودة إلى الكنيسة المارونية ، ولكن دون جدوى؛ بل على العكس اختار هؤلاء السريان واحداً من كهنتهم وهو ابراهيم حيبلوس ليكون مطراناً عليهم . اما موارنة أهدن الذين لم يكونوا أنداداً لهؤلاء السريان فقد طلبوا المساعدة من مقدم بسكنتا وأتباعه . فاستجاب المقدم وأتباعه وتوجهوا مصطحبين رجالاً من منطقة الضنيّة ، إلى أهدن في صباح أحد أيام الآحاد من عام 1488 . ولما علم السريان بأن قوة كبيرة كانت تـزحف نحو أهدن أصابهم الهلع فغادروا القرية . وذهب بعضهم إلى حردين ، وآخرون إلى كفرحورة وأبحر البعض الآخر إلى قبرص . يقول الدويهي بأن جبـل لبنـان تمتع بالسلام بعد طرد هؤلاء ” المتطفلين ” . هنا لا نجد مندوحة من التحذير حول هذه الحادثة فهي مستمدة من رواية الدويهي التي تعتمد على زجلية القلاعي . يروي الدويهي هذه الحادثة مرتين ، مرة في : تـاريخ الأزمنة ومرة ثانية في: تـاريخ الطائفة المارونية . ان الروايتين مشوشتان جداً الى حدّ يربك القارئ الذي لا دراية له بهذه الفترة من تاريخ لبنان . إلا أنه بوسعنا أن نستـنتج من هذه الحادثة بأن قوة السريان الأرثوذكس في لبنان لم تمحق كلياً بل ما ظلوا أقـوياء يدعمهم المقدم عبدالمنعم وهذا ما نعلمه من مساعي القلاعي في مهاجمة المعتقدات الدينية لهؤلاء السريان الأرثوذكس
عاد جبرائيل القلاعي ومارونيان آخران كان قد أختارهما الأخ غريفون للدراسة في مدينة البندقية إلى لبنان عام 1493 بعد انهاء تعليمهما . بدأ القلاعي ، وهو الكاثوليكي الفرنسيسكاني الغيور جداً بانتقاد السريان والمقدم عبدالمنعم الذي يدعمهم ، انتقاداً شديداً عند عودته إلى لبنان . وفي عام 1494 الّف كتابه مارون الطوباني وأرسله إلى البطريرك شمعون (سمعان) الحدثي ، الذي خلف عمه بطرس بعد وفاته في عام 1492 . يحاول القلاعي في هذا الكتاب البرهان على سيادة كنيسة روما وصحة إيمانها . كما يحاول البرهان ايضا بأن الموارنة كانوا متشبثين بإيمان كنيسة روما منذ انعقاد مجمع خلقيدونية (451) . كتب القلاعي زجليته في الفترة ذاتها ، وقد اعتبرها الكتّاب الموارنة سجلاً تاريخياً للكنيسة المارونية وطائفتها منذ القرن السابع وحتى القرن السادس عشر . وتضم هذه الزجلية القصة المستـشهد بها سابقاً عن نهوض السريان وسقوطهم في شمال لبنان . ويعتبر الكتّاب الموارنة القلاعي أولَ مؤرخ لهم وأول مدافع عن إيمانهم
ولكن بعد ان فقد السريان مساندة المقدم عبدالمنعم بوفاته عام 1495 ، اخذوا بالإنصهار بالموارنة تدريجياً؛ إلا أن عدداً منهم عاش في حردين في مقاطعة البترون حتى القرن الثامن عشر . وبالرغم من هذا الإنصهار فإن الكنيسة المارونية ابقت على العديد من عقائد الكنيسة السريانية الأرثوذكسية حتى نهاية القرن السادس عشر وهو ما أدى إلى إرسال المزيد من الارساليات التبشيرية البابوية للتحقق من صحة إيمان الكنيسة والطائفة المارونيتين
بعد وفاة الأخ غريفون عام 1475 ، يبلغنا فرنسيسكاني آخر هو الراهب سوريانو ، عن انتـشار ” عادات سيئة ” مرة أخرى بين الموارنة . بدون ان يشرح طبيعة هذه العادات السيئة إلا أنه بوسعنا التخمين بأنها كانت تتعلق بإيمان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية . ويروي سوريانو بأن البابا سيكستس الرابع قام ، بسبب هذه العادات ، بإرسال الأخ الفرنسيسكاني اسكندر داريوستا إلى الموارنة حيث أقام بينهم ثلاث سنوات . ويستمر قائلاً سوريانو بأن ” البابا لاون العاشر أرسلني إلى الموارنة أخيرا لهذا السبب عينه ، عام 1515 يرافقني الأخ الفرنسيسكاني فرنسيس دي بوتينزا ، وهو مندوب في مجلس البابا ” . ولم تكن هذه اول رحلة قام بها سوريانو إلى لبنان لأنه كان قد وصل إلى لبنان لأول مرة في أواخر عام 1514 . ونستدل من قول سوريانو أن الموارنة قد ارتدوا على ما يظهر مرة أخرى إلى معتقداتهم الدينية وتقاليدهم السابقة ” اي اليعقوبية ” وهو ما حثَّ البابا سيكستس الرابع والبابا لاون العاشر على إرسال رهبان فرنسيسكان لتقويم ما كان يعتبر زيفاناً دينياً . وكان سوريانو ، كغريفون ، جديراً بهذه المهمة . كان رجلاً يتمتع بخبرة دينية ودنيوية . كان تاجراً في البندقية قبل انضمامه إلى سلك الرهبنة الفرنسيسكانية ، وتجول كثيراً في الشرق ، فزار مصر وسورية وفلسطين . كما كان يحسن الى حدّ ما اللغتين اليونانية والعربية والاكثر من ذلك كان يتمتع بحب الاستطلاع لمعرفة احوال الناس والكتب المسطّرة عنهم
قبل وصول سوريانو إلى لبنان بعام واحد أوفد البطريرك الماروني شمعون (سمعان) الحدثي الذي تمَّ تنصيبه حديثاً ، أحد كهنته ، وهو بطرس ، إلى روما مع رسالة من الأخ ماركو دي فلورانس الرئيس الأعلى للرهبنة الفرنسيسكانية في بيروت تضمنت طلباً إلى البابا بإرسال الباليوم وتثبيت البطريرك في منصبه . لكن البابا لاون العاشر رفض الاستجابة لطلب البطريرك ما لم يتلقَ منه رسالة موجهة إليه شخصياً . وهنا يحاول الدويهي تبرير فشل البطريرك في إرسال رسالة شخصية إلى البابا بقوله بأن البطريرك كان قد أرسل احد الكهنة بطرس إلى الأخ دي فلورانس للاستـفهام عن السفينة المتوجهة إلى أوروبا . ولكن عندما وصل بطرس إلى بيروت ، وجد أن السفينة كانت على أهبة السفر ونظراً لعدم وجود ما يكفي من الوقت للاتصال بالبطريرك وحمل رسالته إلى البابا ، قام الأخ دوفلورانس بإجبار بطرس على السفر معه إلى روما حاملاً فقط رسالته هو إلى البابا . مهما يكن من أمر ، فقد وصل بطرس إلى روما وسلم رسالة الأخ دي فلورانس إلى البابا استدعى البابا على اثرها مستـشاريه كما استدعى بطرس ، وتساءل عن إيمان الموارنة وعن عاداتهم وبطريركهم . ولكن بطرس لم يستطع إقناع البابا ومستـشاريه باستقامة إيمان الموارنة وأخيراً غادر روما حاملاً رسالتين ـ احداهما موجهة إلى البطريرك والأخرى إلى الأخ دي فلورانس . تدلان على أن كرسي روما لم يكن على ثـقة بإيمان الموارنة بالرغم من مرور مئتي عام على نشوء العلاقة معهم ، وخاصة فعّاليات الارساليات التبشيرية الباباوية التي أرسلت إليهم . في هاتين الرسالتين طلب البابا من البطريرك والرئيس الفرنسيسكاني الأعلى للرهبنة في بيروت إبلاغه عن إيمان الطائفة المارونية وعن تقاليدها الدينية وصلواتها وطريقة تقديسها للميرون المقدس ، وكيفية انتخاب بطريرك جديد وفيما إذا كان في حوزة الموارنة رسائل كتبها باباوات سابقون . وحسبما يقول الدويهي حمل سوريانو رسالة البابا إلى البطريرك الذي كان يُـقيم في دير قنوبين يصحبه شخص قام بالترجمة من اللاتينية إلى العربية . وبعد سماع مضمون الرسالة أرسل البطريرك جواباً في آذار من عام 1514 ، اورد فيه عشر نقاط جواباً على اسئلة البابا . هذا بالإضافة الى اصراره على طاعته وطاعة شعبه لكرسي روما . وألحق البطريرك بهذه الرسالة ست رسائل أخرى من باباوات سابقين موجهة إلى عدة بطاركة من اسلافه سلمها القس بطرس جميعاً الى البابا ، كما كتب سوريانو إلى البابا يؤيد رسالة البطريرك . كتب البابا ثانية إلى البطريرك ، ممتدحاً إيمانه وإيمان الكنيسة المارونية ، ” التي اختارها الله ، من بين سائر كنائس الشرق ، لعبادته بإيمان وبأن الله أرادها أن تكون محمية في وسط الكفر والهرطقة كما تحمى الورود بين الأشواك ” . بالرغم من هذا المديح ، كان البابا لا يزال غير واثق من صحة إيمان الموارنة ، لأنه يورد كثيراً من النقاط العقائدية ، إحداها انبثاق الروح القدس من الآب والابن ، ويطلب منهم الاعتراف بهذا والتمسك به
لم يكن البابا لاون العاشر مخطئاً في الشك بصحة إيمان الموارنة ، ولكنه كان مخطئاً في وصفهم بـ ” الورود بين الأشواك ” وبالعيش في وسط ” الكفر والهرطقة ” . فمن المعروف ان طقوس الموارنة وكتبهم الطقسية وقديسيها وعقائدهم كانت في القرن السادس عشر ما تزال طقوس الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكتبها الطقسية وقديسوها وعقائدها ، كما سيتم شرحه فيما بعد . اضافة الى ذلك ، لم تكن كنيسة روما قد أجرت سوى علاقة واهية وسطحية مع الكنيسة والطائفة المارونيتين منذ القرن الثالث عشر ربما جهلاً منها بتاريخ الكنائس الشرقية وتقليدها الديني ، ومنها الكنيسة المارونية . هنا يجب السؤال لماذا كل هذه الارساليات التبشيرية وكل هذه التحريات التي اخذتها كنيسة روما على عاتقها لو أن الباباوات المتعاقبين كانوا على يقين من الإيمان الصحيح للكنيسة المارونية ومن موقف بطاركتها تجاه كرسي روما ؟ ولماذا اصر العديد من الباباوات ، منذ اينوسنت الثالث ، على أن يعترف الموارنة بإيمان كنيسة روما وعقائدها ؟ الجواب هو أن الموارنة حتى نهاية القرن السادس عشر لم يكونوا من المؤمنين ” بسيادة البابا المطلقة على الأرض ” . واذا ذهبنا أبعد من ذلك في دراستنا العلاقات بين الكنيسة المارونية وكنيسة روما لوجدنا أن روما مازالت توفد ارساليات إلى الموارنة للتحري عن ” إيمانهم الصحيح ” وفحص كتبهم الدينية ، وهي المصادر الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها في تحديد صحة ذلك الإيمان . وبعد بداية النصف الثاني من القرن السادس عشر بوقت قصير اصبح لدى كنيسة روما الحافز للقيام بمثل هذا التحري بمناسبة انتخاب ميخائيل الرزي (1567ـ1581) للمنصب البطريركي عام 1567 . و ما أن تمت رسامة البطريرك حتى قدمت الطائفة المارونية في قبرص عريضة إلى البابا بيوس الخامس (1566ـ1572) تتهم البطريرك الجديد بأنه يعقوبي (سرياني أرثوذكسي) أصلاً ومعتقداً . وقد أزعجت هذه الأنباء البابا ومستـشاريه فطلبوا من الكاردينال كارافا المسؤول عن الشؤون المارونية التحقيق في هذه المسألة . وفي 8 حزيران 1569 ، كتب البابا إلى رئيس الرهبانية فرنسيس في أورشليم طالباً منه السفر إلى لبنان والقيام بتحريات وافية حول التهم الموجهة ضد البطريرك وإرسال معلومات إلى روما تخصّ عمر البطريرك ومعتقداته ، إذا كان انتخابه ورسامته قد تما بموافقة أعيان الكنيسة المارونية وحسب التقاليد المارونية . كما طلب منه ايضا أن يتحرى بشكل وافٍ عن معتقد الموارنة وتقاليدهم وعاداتهم وموقفهم من كنيسة روما . ذهب فرنسيس إلى لبنان وقدم الرسائل التي كان قد تلقاها من البابا والكاردينال كارافا إلى البطريرك الذي قرأها حالاً ودعا إلى اجتماع قبيل نهاية تشرين الثاني من 1569 . في هذا الاجتماع عرض البطريرك الرسائل التي تضم الاتهامات التي وجهها ضده موارنة قبرص ، على الكهنة المجتمعين وعلى أعيان آخرين . ولما قرأ الأعيان هذه الاتهامات أعلنوا بصوت واحد بأن بطريركهم رجلٌ صالحٌ وبارٌ . عندئذٍ كتب عدة أساقفة وكذلك فرنسيس تقريراً يعلنون فيه بأن البطريرك الجديد ذو إيمان سليم وبأنهم اختاروه بإرادتهم الخاصة ليكون بطريركهم ، بالرغم من كونه رفض في البدء هذا المنصب . كما شهد البطريرك خطياً قائلاً ” إن كنت قد انتهكت أي تقليد من تقاليد الكرسي البطريركي الماروني أكون مسؤولاً أمام الله تعالى وأمام الكرسي الرسولي ” . لكن التقرير حول هذا الاجتماع ورسالة البطريرك لم يصلا البابا بسبب الصراع الداخلي بين مقدمي بشري رزق الله وأخيه عاشينا . ولم يكن الوضع الخارجي بأفضل بسبب غزو الحكومة العثمانية قبرص تدعمها جيوش سورية وقد تأثر لبنان وخاصة بشري بحالة الحرب . لذلك لم يستطع موفد البطريرك ان يغادر إلى روما حتى عام 1577
يورد البطريرك اسطفان الدويهي هذه الأحداث كما يدلي باسباب اخرى تخص اتهام البطريرك ميخائيل الرزي بأنه من أصل ” يعقوبي ” . يقول الدويهي بأن عائلة الرزي عاشت في الحارتين العليا والسفلى من قرية باقوفا . وقد ارتد أفراد عائلة البطريرك الذين كانوا يعيشون في الحارة السفلى إلى الكنيسة اليعقوبية (السريانية الأرثوذكسية) وأخيراً طردهم أهالي أهدن الموارنة . إلا أن أولئك الذين عاشوا في القسم الأعلى من القرية ظلوا موارنة؛ ولكن أجبروا في النهاية على مغادرة القرية إلى أماكن أخرى مثل كفرحورا . ان رواية الدويهي هذه يلفها الغموض لانه لا يخبرنا أي قسم من العائلة كان البطريرك ينتمي إليه . فإن كانت عائلته مازالت مارونية ، كما يدّعي الدويهي ، فما الذي يدعو موارنة قبرص إلى اتهامه بأنه من أصل يعقوبي ؟ لا بد وأنه كان ينتمي إلى ذلك القسم من العائلة الذي صار ” يعقوبياً ” . والخلاصة فان الحقيقة التاريخية تدل على أن عائلة الرزي كانت في الأصل سريانية أرثوذكسية ” يعقوبية ” وأن أحد أجدادها الأوائل كان قد هاجر من بلاد ما بين النهرين (العراق) إلى لبنان
وفي الوقت الذي تحسن فيه الوضع في لبنان والشرق بحيث يسمح للبطريرك ميخائيل الرزي الاتصال بروما كان البابا بيوس الخامس قد توفي وخلفه البابا ، غريغوريوس الثالث عشر (1573ـ1585) . أوفد البطريرك الجديد إلى البابا احد مطارنته ، هو المطران يوسف وبمعيته أقليميس خوري أهدن . وزودهما برسائل منه ومن أعيان موارنة آخرين تتضمن تعبيرهم عن الطاعة والخضوع لكرسي روما . غادر الموفدان لبنان في 10 نيسان 1577 . وعندما تسلم البابا هذه الرسائل بعث بجواب إلى البطريرك يضم بعض الإرشادات أهمها أن يكف الموارنة عن استعمال ترنيمة التقديسات الثلاث مع عبارة يا من صُلبت لأجلنا . ثم يمضي البابا ليخبر البطريرك ميخائيل الرزي بأنه علم بأن بعض التعاليم قد وجدت طريقها إلى كنيسة البطريرك منبهاً إياه بوجوب السير على خطى أسلافه والتخلي عن أي تعليم غريب عن تقاليد كنيسة روما . واحتج البابا بصورة خاصة على إضافة الموارنة ، أثناء احتفالهم بالقربان المقدس ، لما يدعوه ” بعبارات بعيدة عن الحقيقة وعن الإيمان الذي تدين به روما ” إلى التقديسات الثلاث . وهذه العبارات هي ” يا من وُلدت وصُلبت من أجلنا ” أو ” يا من قمت من القبر وصعدت إلى السماء ، ارحمنا ” . يقول البابا بأن هذه العبارات يجب ألا توجه إلى الثالوث بأكمله . فهي تشكل “هرطقة ” مماثلة ” لهرطقة ” بطرس القصّار الأنطاكي التي أدانها المجمع الخامس (ويعني عبارة ، يا من صُلبت لأجلنا ، والتي يعتقد بأن بطرس القصّار قد أضافها إلى التقديسات الثلاث) . وحيث انه لا الآب او الروح القدس من الثالوث قد صلبا ، لذا امر البابا الموارنة بشدّة بإسقاط هذه الإضافات إلى التقديسات الثلاث من صلواتهم وطقوسهم . قد يكون المطران أقليميس يوسف داود على صواب في القول بأن الموارنة أسقطوا هذه الإضافات إلى التقديسات الثلاث منذ ذلك الحين من صلواتهم وخاصة عبارة يا من صُلبت لأجلنا . إلا أن كتبهم الطقسية ما تزال مليئة بها
قيل ما يكفي حتى الآن عن التقديسات الثلاث وكيف استعملتها الكنيسة المارونية بنفس الصيغة التي استعملتها الكنيسة السريانية الأرثوذكسية . ولكن الاكثر اهمية في هذا الصدد هو أن الكنيسة المارونية مازالت حتى بعد عام 1577 تتلو هذه الترنيمة بالصيغة التي اعتبرتها كنيسة روما هرطوقية . لان الكتب الطقسية المارونية كانت تزخر بعقائد الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وباسماء قديسيها التي وصفتها كنيسة روما بأنها هرطوقية . ومع ذلك نجد ، منذ القرن الثالث عشر وحتى القرن السادس عشر ، بابا واحداً فقط هو غريغوريوس الثالث عشر يمنع الموارنة صراحة من استعمال التقديسات الثلاث بصيغتها ” الهرطوقية ” . وسوف نرى اذا قام احد بدراسة العقائد التي تحتويها كتب الموارنة دراسة موضوعية خالية من الغرض لوجد أن الموارنة كانوا سرياناً أرثوذكس “يعاقبة”
ارسالية الأخ غريفون الى الموارنة
الدكتور متي موسى