(تاريخ الحضارات السامية ( الحلقة الأولى

Posted by on Mar 20, 2018 in Articles, Library | Comments Off on (تاريخ الحضارات السامية ( الحلقة الأولى

تاريخ الحضارات السامية ( الحلقة الأولى ) * :

لعل من الضروري القول : انَّ الحضارة ، أية حضارة ، ليست ثمرة جهود فرد ، أو شعب ، أو مجموعة أمم ، بل هي صنع الإنسان في مختلف عصوره القديمة والحديثة والمستقبلية .. يتضافر ويتكافل لخلقها مع أخيه الإنسان للسير والانتقال من حسن إلى أحسن ..وقد تولي أمة ما اهتمامها لناحية حضارية من دون الأخرى ، وتسهم من ثم على قدر طاقتها في تشييد صرح هذه الحضارة الإنسانية العالمية التي ينعم بها الجميع على تفاوت تبعا للمؤهلات والظروف.

فلا فضل والحالة هذه لشعبٍ على آخر ، إذ لا حياة ولا استمرار للجهد الإنساني الكبير إذا لم يعضده الأفراد في أي قطر وُجدوا ، وفي أي وقت عاشوا ، وهكذا تظهر بوضوح كل تلك الصفة الاجتماعية ـ الاشتراكية التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان مهما اختلف اللون ، وتميز العرق ، وبعدت المسافات ، إذ أن الحضارة الإنسانية للإنسان، ونتيجة جهد الإنسان وفي خدمة الإنسان.

ومن هذا المنطلق فتاريخ الحضارة بمفهومه الحقيقي ، هو التاريخ الذي يتناول بالدروس سجل الجماعات البشرية والمدنيات ، ويرى في هذا التراث مراحل التطور الحضاري الذي عرفته الإنسانية في رقيها الصاعد ، ويحصي على كل جماعة ما أسدته من خير للتراث المشترك يصعب تجريده من غاية تجعل الحضارة وقفا علينا نحن أبناء هذا القرن.

وليس ثمة شك في أن سوريا هي ملتقى طرق وملتقى شعوب أيضا . فقد استوطنتها عدة شعوب وتناوبت السيطرة عليها تاركة فيها عنصريات مختلفة القوميات انصهرت رويداً رويداً في كل متجانس وتاركة أيضا بقايا أثرية يحاول المعاصرون تنسيقها . ولنقتصر بين هذه الشعوب على الآراميين من دون غيرهم ، إذ أن حضارتهم تنطوي ، في بعض مظاهرها ، على أهمية راهنة .

الآراميــون

فالآراميون أيضاً ساميون ، جاءوا من إحدى مناطق الصحراء السورية العربية، كانوا في البدء بدواً رحلا منتظمين قبائل ، بلغوا الأصقاع العليا من بلاد ما بين النهرين حيث نجدهم ، على بعض الكثافة ، مستقرين في حرّان أولاً ، ثم هاجروا، ابتداء من القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلى سوريا حيث أسّسوا مستعمرات حضرية . بيد انهم لم يقدموا يوماً على طرد قدامى السكان كلياً ، ولم يتوصلوا إلى غمرهم عدداً ، كما انهم لم يؤسّسوا يوماً دولةً واحدةً ، بل ممالك متعددة قد تتحارب أحياناً.
ولعلّ أهم ممالكهم تلك التي قامت في واحة دمشق الكبرى عند لحف جبل لبنان الشرقي ، وهي مملكة أسرة ( بن حدد) ـ ابن حداد ـ ومملكة هازائيل (ايل ينظر) . وبإستطاعتنا أن نذكر ، إلى جانب مملكة حرّان ، ممالك أخرى كثيرة : في حلب ، وحماة على العاصي ، وزنجرلي عند لحف أمانوس ، وغيرها ، ويمكن القول انهم بلغوا أوج الازدهار في القرنين الحادي عشر والعاشر إذ سدّوا الطريق أمام الآشوريين نحو الغرب والشمال الغربي.

وليس لدينا من الحقائق التاريخية الثابتة ما نستعين به على تعيين موطن الآراميين الأصلي ، أو زمن نزوحهم ، أو دخولهم إلى أراضي الهلال الخصيب . وأقدم ما نقرأه عنهم ورد في إحدى رسائل تل العمارنة ، في القرن الرابع عشر ق.م. والإشارة في هذه الرسالة إلى قبائل ( الأخلامو ) ، التي غزت اراضي الفرات في عهد قردونياش ، ملك بابل .

ولعلّ الداعي إلى استقرار هذه القبائل في نواحي الفرات أو دولة المتاني التي سيطرت على هذه المنطقة قروناً عديدة كانت قد بدأت تتقهقر وتتلاشى . وكان من الطبيعي أن يطمع الأخلامو في مواردها ، وان يزاحموا في ذلك الحثيين والآشوريين.

إنّ الاسم أخلامو بدأ يقترن بالاسم آرام . ولعل الداعي إلى هذا أنّ قبيلة آرام الأخلاميّة أثبتت زعامتها على سائر أخواتها القبائل الأخلامية الأخرى ، ففرضت ، مع مرور الزمن ، اسمها عليها كلها.

ويرى رجال الاختصاص أن غزوات القبائل الأخلامية ـ الآرامية بلغت اشدها عنفاً وحجماً في القرن الحادي عشر ق. م . وان هذه القبائل وطّدت سلطتها في هذا القرن نفسه على منحنى الفرات الكبير ، فأسست مملكة بيت أدين، حول مدينة تل برسيب ، وبيت بخياني في وادي الخابور ، ونصيبينة، وخوريزانة ، وجدارة إلى الشرق . واحتلت عشائر المسوخو الآرامية ضفتي الفرات من عانة حتى ربيقو، بينما استقرت عشائر اللاقي الآرامية في منطقة سنجار، وعشائر العوتات على ضفتي الدجلة بين الزاب والأدهم . وتمكن ادد أبال أيدين الآرامي ، في السنة 1.83 ، من الاستئثار بعرش بابل . ففاوضه ملك آشور المعاصر ، وحالفه وتزوج ابنته.

ويعتقد بعضهم أن قبائل كلدو التي احتلت منطقة الفرات السفلى في هذه الآونة نفسها ، هي أيضا آرامية . واتجه الآراميون غرباً ، فتغلبوا على بقايا الحثيين في كركميش ( جرابلس) ، وحلب ، وحماة . وذلك في أواخر القرن الحادي عشر . وتابعوا غزواتهم في وادي العاصي ، وسهل البقاع ، حتى تخوم فلسطين ..واحتلوا دمشق وتوابعها ، ووقفوا عند حدود فلسطين .

وأنشأ الآراميون في منطقتهم الغربية عدداً من الدويلات أشهرها صوبة . وأصلها الآرامي صهوبة ، ومعناها الحمراء . وهي خلقيس اليونان . وخلقيس باليونانية معناه النحاس الأحمر . وخلقيس هي عنجر البقاع .

ويستدل من المراجع الآشورية المسمارية ، ومن أخبار الملوك الثاني ، أنّ حزائيل كان أعظم محارب أنجبه الآراميون ، فإنّه بعد أن صدّ هجومين قام بهما شلماناصر الثالث، في السنتين 842 و 838 ، جهّز حملة على إسرائيل ووسّع ملكه في شرقي الأردن حتى أرنون ، وأنّ ياهو ، ملك إسرائيل ( 842 ـ 81)، الذي كان قد أدّى الجزية صاغـراً لشلماناصر الثالث، اصبح بيد حزائيل ، ولم يبق له إلاّ خمسون فارساً ، وعشر مركبات ، وعشرة آلاف راجل ( لأنّ حزائيل أفناهم ووضعهم كالتراب للدوس).

وأقام ذاكر ، ملك حماة الآرامي ، في أواخر القرن التاسع ، وحوالي السنة 8.5 ق.م. ، أثراً تذكارياً على بعد أربعين كيلو متراً إلى جنوبي حلب وغربيها، يخلّد به انتصاره على حلف آرامي ترأسه بن هدد الثالث ، ملك دمشق ، وابن حزائيل ، وشمل عدداً من الدويلات الآرامية بينها دمشق ، وارباد ، وقي، وعمق، وجرجم ، وشمأل ، وماليز ، ويشكر به الإله بعل شمين الذي استجاب سؤاله ، وخلّصه من يد أعدائه . وهناك أثر تذكاري آرامي أخر أقامه كيلامو الآرامي ، ملك شمأل في قصره ، في زنجرلي ، في منتصف القرن التاسع ، وباللغة الفينيقية ، وقد ذكر فيه أسماء أسلافه في الملك ، وتغنّى بعطفه على رعيته، وبقوته وصموده في وجه أعدائه المحيطين به .

وقد يجوز القول أنّ الآراميين أخذوا بمدنيات الشعوب التي حلّوا محلّها . فإنّ ما اكتشفه العالم الألماني فون ابنهايم من آثار الآراميين في تل خلف ، عند رأس الخابور وإلى غربيه ، من تماثيل ونقوش بارزة لا يختلف اختلافاً كبيراً عن آثار الميتانيين قبلهم . وقل الأمر نفسه عن آثار الآراميين في زنجرلي، فإنها تكاد تكون حثية في ذوقها وصنعها ، ومثل هذا في حماة ، فإن النسر المزدوج الرأس الذي يعزي صنعه إلى الآراميين فيها لا يختلف عن نسور الحيثيين قبلهم . وفي دمشق ، عاصمة الدولة الآرامية الكبرى ، وفي جدار جامعها الكبير نقشٌ بارزٌ آرامي فيه سفنكس فينيقي في طرازه ، مما يدلّ على أن ملوك دمشق الآراميين استعانوا ، في الأرجح ، بصنّاع فينيقيين لتشييد هيكلهم العظيم للإله هدد . وليس في مجموعة العاج الدمشقية التي تحمل اسم حزائيل ، التي وجدت في أرسلان طاش ، ما يختلف عن الكثير من نوعها الذي وجد في مجدو والسامرة وغيرهما ، مما جمع بين عناصر فنية مختلفة مصرية وفينيقية وحثية وايجية ، وتمثال ملكارت ، الذي وجد في حلب ، وهو الذي أقامه بين هدد الأول ، ملك دمشق ، حثي في طرازه بالأكثر.

وكان الآراميون في سورية يعدّون من ألد الأعداء للمملكة الإسرائيلية . وقد استمرت الحرب بينهما في معظم سني القرن التاسع قبل الميلاد . وكان النصر فيها حليف السوريين حتى انهم في إحدى حروبهم تمكنوا من حصار ( السامرة ) عاصمة المملكة الإسرائيلية . وفي حوالي عام 8.5 ق. م . قام ( حزائيل بن بنهدد) ملك آرام الدمشقي بحملة ضد إسرائيل ، فوسع ممتلكاته في شرقي الأردن حتى نهر الموجب ، ووصلت فتوحاته إلى ( جت ـ عراق المنشية ) في السهل الساحلي الفلسطيني . وكان مزمعا أن يقتحم القدس ، غير انه تحول عنها بعد أن قـدَّم له ملكها الكنوز والهدايا الذهبية . وهكذا أضحت إسرائيل وكأنها تابعة لآرام . وبعد وفاة ( حزائيل) الذي كان يعدّ أعظم محارب آرامي ، خسر خلفاؤه، بسبب هجمات الآشوريين المتكررة ، كل ما كان قد استولى عليه .

وفي عام 734 قام ملك آشور تغلات فلاسر الثالث ( فاكتسح مقاطعات دمشق الست عشرة وخرّب مدنها الخمسمائة والإحدى والتسعين . وفرّ رصين ملك دمشق الآرامي من أمام وجهه ، ودخل دمشق دخول الفأر ،وهناك حُصر كأنه في قفص) . وطال أمر حصار دمشق ، ولكنها سقطت في يد آشور في السنة 732 ، فقُتل ملكها ، وقُطعت جنائنها ، وسُبي أهلها ، وبسقوط دمشق انتهى تاريخ الآراميين السياسي.

والآراميون هؤلاء عُرفوا بعد تنصرهم باسم ( السريان ) ولغتهم السريانية . وهي لا تختلف كثيرا عن اللهجات السريانية الباقية إلى يومنا هذا .

وقد اندمج الآراميون ( السريان ) أخيراً بالعرب ، بعد الفتوحات الإسلامية نظراً لتشابه أصلهم وقرابتهم .

الحضارة الآرامية : اللغة .. الديانة .. التجارة ( الحلقة الثانية )

نرى في ماضي البشرية ، وتاريخها السحيق ، حضارات عديدة ، لكلٍ منها مجموعة من الأفكار والنظم السياسية ، ومستوى من العيش المادي والتقنية ، وطاقات على الإنتاج ، وقدرة على تأمين العلاقات الاجتماعية على اختلاف مظاهرها الدينية ، والفكرية ، والفنية .
ومن هذا المنطلق فالتاريخ بمفهومه الحقيقي ، استحضار للماضي بكلِ مظاهره وواقعه ، فعلينا إذن أن نصف بدقة المظاهر الحياتية والمكانية .. كما يجب علينا أن ندرس المؤثرات التي تفاعلت بها هذه الحضارات .. وانفعلت .

اللغـة الآراميـة

اللغة الآرامية إحدى اللغات السامية ، واللغات السامية مجموعة لغات ميتة وحية ، متقاربة في المفردات ، والاشتقاق ، والتركيب ، وأساليب التعبير ، مما يدلّ على تحدّرها من أرومة واحـدة . وتنقسم هذه اللغات إلى شعبتين رئيسيتين :

شمالية : وتشمل البابلية والآشورية ، والعبرية ، والفينيقية ، والآرامية التي نحن بصددها .

وجنوبية : وتضمّ العربية بفرعيها : العدناني ( الشمالي) ، والقحطاني (الجنوبي) ، وما إليها من لهجات عديدة ، والحبشية ، وما إليها من لهجات .

أمّا الآرامية فمصطلح لغوي يشمل عدة لهجات متقاربة . وقد كانت مواطن الآرامية قدماً تمتد من منابع دجلة والفرات شمالا ، إلى تيماء في شمالي الحجاز ، ومن الشاطئ السوري اللبناني غرباً إلى صحراء سورية ، وبلاد الأنباط (شرقي الأردن وحوران ) شرقا . وقد وُجِد في جزيرة الفيلة ، جنوبي مصر ، وثائق مكتوبة على البردي يرجع عهدها إلى القرن السادس والقرن الرابع ق. م . حيث كان هناك مستعمرة يهودية بقيت إلى زمن البطالة . وكانت الآرامية ، بعد انقراض سلطان العبران السياسي ، لغة العبران العامة ، وزمن الحكم الفارسي ، كانت اللغة الرسمية في جميع المقاطعات الواقعة غربي الفرات حتى مصر . ذلك لان الفرس ، كورثة للمملكة الآشورية ، اعتبروا الآرامية لغة رسمية . لان سواد الناس في فتوحاتهم الجديدة كانوا يتكلمون الآرامية ، ولأان الآرامية نظاماً كتابياً حسناً ، ولأنها كانت لغة التجارة والفكر آنذاك .

وقد تقدم أن قبائل آرامية كانت منتشرة في سورية الجغرافية حوالي القرن الخامس عشر ق. م. ولكنها لم تكون دولة متحدة بل كانت دويلات ، ويذكر الكتاب المقدس عدة دويلات آرامية أهمها آرام دمشق في منطقة الشام ، وآرام صوبة في البقاع ، وآرام معكة في سفوح جبل حرمون ( جبل الشيخ ) ، وآرام نهرايم أي العراق القديم . ويجب ألا يغرب عن بالنا أن لا ذكر لسورية في الكتاب ، إنما هو يذكر آرام . ولكن الإغريق أطلقوا على آرام اسم سورية ، وسمّوا أهلها سريان ، ولغتهم السريانية . غير أن العرب ، في العصور المتوسطة ، فرّقوا بين سورية كوحدة جغرافية وبين سريان وسريانية كاسم لأقلية دينية لغوية ولكنه تاريخيا ، لافرق بين سريان وسوريين ، وسريانية ولغة سورية القديمة ، أي الآرامية .
أما اللهجات التي تندرج تحت هذا المصطلح اللغوي الشامل فهي :

أ_ آرامية الكتاب : أي الفقرات والفصول التي كتبت بلهجة آرامية كان أهل فلسطين يتكلمونها ، وذلك في سفر عزرا ودانيال .

ب_آرامية الترجوم : والترجوم كلمة عبرية من أصل آرامي معناها التفسير . والترجوم هو ترجمة أسفار الكتاب العبرية إلى لهجة فلسطين العامية ، التي كانت الآرامية ، وليس الكلدانية ، كما يظن خطأ وذلك لان عامة العبران تخلوا في حياتهم اليومية عن العبرية ، واستعاضوا عنها بالآرامية ، لأنها كانت اللغة الشائعة .

ج_لهجة مسيحيي فلسطين : فإن لدينا ترجمة للأناجيل ترجمها مسيحيو فلسطين في القرن الخامس للميلاد ، ولا تختلف عن آرامية الترجوم .
د_آرامية السامريين : فإنهم ترجموا كتابهم المقدس ، أسفار موسى الخمسة إلى لهجة آرامية . وذلك عندما أصبحت الآرامية اللغة الرسمية الشائعة في جميع أنحاء الشرق الأدنى القديم .

هـ آرامية التلمود : والتلمود كلمة عبرية معناها التعليم والإرشاد ( من فعل لمد، ومنها تلميذ بالعربية) وهناك تلمودان : اورشليمي ، ويرجع عهده إلى القرن الرابع ق . م . وبابلي، ويرجع عهده إلى القرن السادس ، والتلمودان مكتوبان بلهجة آرامية مشوبة بالعبرية .

و_آرامية تدمر : فإن جميع النقوش التي بين أيدينا مكتوبة بلهجة آرامية . وقد يكون التدمريون من أصل عربي . ولكن لغتهم لم تكن العربية بل الآرامية ، كما تدل النقوش الكتابية التي وصلت إلينا من تدمر .

ز_الأنباط : وتمتد من حوران إلى البتراء ، وكان الأنباط من قبائل عربية غير أن لغتهم الرسمية واللغة التي ابقوا لنا منها آثارا عديدة فإنها كانت آرامية مشوبة ببعض المفردات العربية .

ح_وأخيرا وأهمها جميعا آرامية ( الرها ) أو ( أوديسا ) : كما كان يسميها الإغريق ( مدينة أورفا الحالية ) وهي التي تعرف في يومنا هذا بالسريالية ولا تزال حية تتكلم بها أقليات دينية وتقام بها الطقوس، وكان أهل الرها يدعون انهم أول من تنصر . وذلك زمن ملكهم ابجر الأسود بن معن . قيل أن ابجر تنصر حالا بعد موت المسيح . وقد ترجم الكتاب المقدس إلى لهجتهم ، وسميت ترجمته بالترجمة البسيطة . وعندما تنصَّر أهل الرها تخلو عن اسمهم القديم ( آراميين ) وتسموا بالسريان ، أي السوريين، وذلك لان لفظة آرامي أصبحت إذ ذاك ، مرادفة للفظة وثني،ولفظة سرياني مرادفة للفظة مسيحي ، ولم يبق منهم على الوثنية سوى مدينة حران التي ظلت تباهي بوثنيتها إلى زمن الإسلام .

أما الخط الآرامي ، رغم ما يظهر في من تباين بالنسبة إلى المناطق التي كانت موطن الآرامية ، فمشتق من الخط الفينيقي الذي هو أبٌ لكلَ هجاءٍ تال. ومن هذا الخط الآرامي اشتق فيما بعد ، وفي عصور متأخرة ، الخط العربي .

أما اللغة الآرامية القديمة فلا نعرف عنها الكثير ، ولم يتجمع بعد عند علماء اللغات السامية مادة لغوية تكفي لوضع كتاب في قواعدها وأحكامها وأساليب التركيب فيها . وقد وصل إلينا رُقَمٌ عديدة من مناطق متباينة ومن عصور مختلفة. ولكن هذه الرُقَم جاءت خلواً من الحروف المصوتة ، على ما هو معروف لدى خبراء الخط السامي عامة . فكان علماء الساميات ، الذين عنوا بها ، يستعينون بالسريانية والعبرانية على قراءتها وفهمها . واتهم بعضهم الآرامية بأنها لغة بدائية فقيرة بالمفردات جافة في أساليب التركيب ، ضيقة في الاشتقاق ، محدودة في النتاج الأدبي . ولكن نولدكه ، في مقاله الرائع عن اللغات السامية ( والذي تُرجم إلى الموسوعة البريطانية ) ينفي عنها هذه التهمة ، ويؤكد أنها كانت لغة حية نامية متطورة ، وسَّعت الفكر الهيليني في عهد ازدهارها . وما أدرانا أن يكون الآراميون قد أنتجوا أدباً جميلاً ، ولكنه لم يصلنا منه شيء .

الديـانة الآراميـة

ليس هناك ما يلفت النظر في فن الآراميين طيلة هذا العهد القديم . وما كانت الديانة لتلفت الأنظار وتتسم ببعض الأهمية لولا الشهرة التي ستعرفها بعض عبادتهم في عهد الإمبراطورية الرومانية .

فديانتهم هذه لا ابتكار ولا تفرد فيها ، بل هي مزيج جوهره كنعاني انضمت إليه تأثيرات ميتانية وحثية فينيقية . ومما سهل استساغة هذه التأثيرات أن العبادات التي عكستها تنحدر هي نفسها من العبادات الكنعانية . وهكذا فقد عرف اسم إبل هنا وهناك ، كما أن اله الزوبعة ( حدد) خصوصا ـ واسمه رامون أي ( القاصف) في دمشق ـ يعرف باسم بعل في أكثر الأحيان . وكذلك فإن عشترت هي المثال الأصلي لأغلبية الآلهات . ثم أن آلهة ما بين النهرين الكثيري العدد أيضا لم يتميزوا عن الآلهة الكنعانية ، باستثناء بعل حرّان الإله القمر سين الذي جاء من اور في بلاد الكلدانيين وأُكرِم في هذه المدينة منذ عهد سحيق ، محافظاً على اسمه دون تغيير .

إلا أن الآراميين آثروا هدد على غيره . فشاعت عبادته بينهم في منطقة الفرات . وفي سورية الشمالية في زنجرلي . ولكن مركز عبادته الرئيس كان في منبج . وهو إله البرق والرعد ، إله العاصفة والتخريب. ولا غرو فهدَّ يهدُّ هداً : هدم وضعضع وكسر بشدة صوت . ومن ألقابه رمون ومعناه (الراعد) . ومن هنا قول نعمان في سفر الملوك الثاني : ( فاسجد في بيت رمون ) ، أي في هيكل هدد رمون في دمشق ، ويظهر هدد في نقش بارز في زنجرلي ممسكاً رمحاً مثلث الشعب . ومطرقةً للتعبير عن البرق والرعد . وفي ملاطية نراه واقفاً على ظهر ثور وهو شعار التوالد .

وكان لهدد هذا شريكة في العبادة تدعى عطار . وهي اترغاتيس اليونان والرومان . آلهة التوالد . وكان شعارها هلالًا مقترناً بقرص الشمس . وأشرك الآراميون في شمالي ( زنجرلي ، مع هدد ، الإلهين الكنعانيين إيل ورشف ، وإله الشمس ، وفي النيرب ، سحر ( القمر ) ، ونكال ، وتوسكو، وفي حماة بعل شماين ، أي بعل السماوات ، وفي دمشق إيل الكنعاني ، وادوناي الفينيقي ، بالإضافة إلى عطار ، وفي بعلبك عطار وإله الشمس .

وقال الآراميون ، مع غيرهم من الشعوب السامية ببقاء أمواتهم أحياءً في قبورهم ، وباتصالهم بعالم الأموات تحت الأرض حيث لا نور ولا فرح و واعتبروا إزعاج الأموات جريمة لا تغتفر .
الدور التجاري

أما دورها التجاري فأقل غموضاً . فالموقع الجغرافي لسورية وشمالي بلاد ما بين النهرين الذي جعل منهما طريقاً طبيعية للتجارة بين الساحل الفينيقيون وآسيا الصغرى من جهة ومن مناطق اسفل الفرات ودجلة من جهة أخرى ، قد سمح لهما ، كوسطاء، بإظهار المزيد من النشاط الواسع . فقاموا براً في بعض مناطق الشرق الأدنى بما قام به الفينيقون بحراً .

وما لبثت الصناعة والتجارة في سورية أن طبقت أصولًا تقنية افضل فنالت شهرة كبرى وأسهمت في ثروة دمشق . ولكن القوافل كانت قد تقاطرت على هذه المدينة منذ قبل الفتح المقدوني . ثم أن تنقلات الآراميين قبل إقامتهم الحضرية المستقرة ، وأقدام الملوك الآشوريين مراراً على نفيهم ، وهجرة تجارهم الطوعية إلى الإمبراطوريات الواسعة الأرجاء التي انخرطوا في عداد رعاياها ، كل هذه الأسباب قد أفضت إلى إحلال جماعات ، كبيرة أو صغيرة ، ممن يتعاطون التجارة ، في مدن عديدة نائية جدا في بعض الأحيان . وقد استفادوا من هذا الوجود المتزايد في كل مكان ، حتى في عهد السيطرة اليونانية ، وأصبحوا في أيام الإمبراطورية الرومانية ، التجار في كل أمصار العالم القديم تقريبا .

وقد يصح القول أن الآراميين احتكروا تجارة الهلال الخصيب الداخلية ، مدة طويلة من الزمن فاتجروا بالأرجوان الفينيقي ، وبكتان أفريقية ، وعاجها ، وأبنوسها ، وبلؤلؤ الخليج الفارسي. وأصبحت دمشق في القرنين التاسع والثامن ق. م . ثغر البادية ، كما كانت جبيل ، وصور ، وصيدا ، ثغور البحر. ولا نزال نعثر على موازينهم البرونزية في جميع أنحاء العراق ، وسورية ، و لبنان ، وفلسطين .

الآراميـة لغـة الشـرق ( الحلقة الأخيرة )

لتاريخ الحضارات التي ظهرت في العصور القديمة طابع مؤثر ، فقد تطور من المدنيات المسكونية البدائية حضارات أخذت بالتطور والتكامل إلى أن ازدهرت وزالت الواحدة تلو الأخرى ، وقد أسهمت كل منها في نماء التراث البشري المشترك.. ومن جهة أخرى ، فالحضارات الكبرى التي نشأت واستشرى أمرها ضمّت في كينونتها ممالك ودولًا تعايشت معا وتفاعلت على فترات من تطورها .. وهكذا بدأ العالم القديم وكأنّ قوة خفية تحركه وتدفعه من حيث لا يدري نحو وحدة إنسانية تتجدد دهراً بعد دهر .. فالحضارات تتعاقب وتهوي بعد أن تحاول كل منها أن تسهم على قدر طاقتها في خدمة البشرية .

الكتـابة الآراميـة

بلغ الآراميون درجة عالية من المدنية فكانوا في سنة 1… ق . م . يستعملون في كتاباتهم الحروف الهجائية التي أخذوها عن الفينيقيين . وهو أقدم أسلوب للكتابة معروف استعملت فيه الحروف الهجائية وحدها . وأخذوا عن المصريين القلم والحبر اللذين لا يستغني عنهما مطلقا في الكتابة بحروف الهجاء ، وكما حملت قوافل البابليين في الأزمنة الأولى قطع الآجر المكتوبة بالخط المسماري إلى أطراف آسيا الغربية كذلك حملت إليها القوافل الآرامية قوائم حسابات التجار وسنداتهم المكتوبة بالحروف الهجائية فحلت الحروف الهجائية الآرامية الفينيقية محل العلامات المسمارية .

وانتشرت في جميع أنحاء آسية الغربية ثم جاوزت الفرات . إلى بلاد فارس وأواسط آسية حتى بلغت أخيراً إلى الهند وصارت بعد زمان حروف هجاء للشعوب الشرقية أيضا .

وحينما سار التجار الآراميون كانت لغتهم بالطبع تسير معهم . فلم يمر عليها زمن طويل حتى شاع استعمالها تدريجياً على تخوم البادية . وأصبح عدد المتكلمين بها في بلاد آشور نفسها يربو على المتكلمين بالآشورية . وكلما وصلت إلى يد تاجر آرامي آجرة مكتوبة بالآشورية كان يتناول قلمه ويعلق عليها حواش بالآرامية . وبعد مدة من الزمان أجمع الرأي العام على أن تدار الأشغال العمومية باللغتين الآشورية والآرامية .
هذا في الشؤون العمومية . وأما في الحكومة فإذا كان الكاتب آراميا فبالطبع كان يدوّن المحاضر بقلم على ملف البردي وإذا كان آشوريا كان يكتب على الآجر بقلم قصب كالّ الرأس.

وأصبحت اللغة الآرامية لغة الهلال الخصيب كله . حتى أنها حلت محل العبرانية الفلسطينية ، وهكذا صار هذا اللسان التجاري الآرامي بعد ذلك بقرون عديدة اللغة التي تكلم بها المسيح ومن عاصره من العبرانيين في فلسطين .

وكانت أولى نتائج ذلك انتشار لغتهم التي انصهرت لهجاتها المتعددة في لغة آرامية عامة . وهم لم يكتبوها بحروف مسمارية ، بل طبقوا عليها أبجدية مشتقة من الأبجدية الفينيقية . فحملت سهولة استعمالها الملوك الآشوريين على استخدام الكَتَبَة الآراميين المنتشرين هنا وهناك في إدارتهم ، للكتابة على البردي . وذهب الاخمينيون إلى ابعد من ذلك فجعلوا من الآرامية لغة إمبراطوريتهم الإدارية . وإذا ما أضفنا إلى ذلك نشاط الآراميين التجاري يتضح لنا كيف أن لغتهم قد عمَّ استعمالها وحلت محل لغات أخرى كثيرة . وتبين لنا نجاحاتها أسباب اضمحلال اللغات القديمة الخاصة في بلاد ما بين النهرين . فاصيبت العبرانية بالشلل حتى في فلسطين . لذلك نرى في التوراة بعض المقاطع الآرامية . فكتاب دانيال يعلموا بالعبرانية بل بالآرامية . وكذلك أيضا فإن اللغة السريانية وهي لغة المسيحيين في سوريا وبلاد ما بين النهرين طيلة أحقاب طويلة ، تشتق من اللغة الآرامية .

تاريـخ اللغـة الآراميـة

كانت الآرامية لهجة القبائل البدوية التي ذكرتها رسائل تل العمارنة في القرن الرابع عشر ق . م . والتي ذكرها الآشوريون في أحد نصوصهم وأطلقوا عليها اسم ( أكلامو) أو ( أخلامو) ، وكانت هذه القبائل تقيم في تخوم وديان دجلة والفرات .

مع قلب الأزمنة ، واتساع رقعة سكن القبائل المذكورة ، ظهرت لهجات عديدة ، وأصبحت الآرامية تدل على تفرع للغة السامية يضم عدة لهجات .

مقارنة الآرامية مع عبرية كتاب العهد القديم ، تظهر آثار تطور اكبر أصاب هذه اللغة ، على صعيد نظامها الصوتي والحرفي ، وفيما يتعلق بالإعراب الذي فُقِدَ فيها تماماً في حين احتفظت العبرية ببعض مظاهره . وقد اكتسبت الآرامية عدداً من مفردات الألفاظ والأدوات ، واغتنت بالتوريات والجمل التابعة .

ويمكن تمييز مرحلتين أساسيتين في تاريخ اللغة الآرامية :

المرحلة الأولى : سابقة لانقسام اللغة إلى لهجات متعددة ، وتمتد من القرن التاسع ق . م. وحتى موت الاسكندر الكبير عام 323 ق . م . وتعرف بمرحلة الآرامية الشائعة أو المشتركة.

المرحلة الثانية : تمتد من موت الاسكندر إلى يومنا هذا . وقد ظهرت في هذه المرحلة لهجات عديدة اصبح اغلبها من اللغات الأدبية .

ينقسم تاريخ الآرامية المشتركة إلى عدة مراحل . فهناك المرحلة القديمة وقد دونت بها كتابات القرنين التاسع والثامن ق. م. ، مثال نص إهداء ، من بر هدد إلى الإله ملقارت ( مطلع القرن الثامن ق. م. ) وكتابات ارسلان طاش ( قرابة القرن الثامن ق. م. ) وكتابات زاكر ( نهاية القرن التاسع الميلادي) والنقوش على القرميد التي عثر عليها في حماة ( القرنان التاسع والثامن ق. م. ) ومسلات السفيرة ( قرابة العام 75. ق . م. ) وكذلك سائر النصوص العائدة إلى العالم الآرامي السياسي ( جوزانا وشمبأل وارباد ودمشق) . هذه الكتابات دونت بالأبجدية الفينيقية ، مع فارق أن بعض الأحرف الحلقية والشبه صامتة استُعملت لترمز إلى الأحرف الصامتة ( الحركات ).

وانتشرت الآرامية في القرن الثامن ق. م. بفضل الفتوحات الآشورية والبابلية، فحلت مكان الأكادية كلغة دبلوماسية . وهذه الآرامية تسمى الآرامية الكلاسيكية المتأثرة بالأكادية . وآثارها في مسلات النيرب ، وألواح تل حلف ، وفي تعويذة آرامية لآشور ، وكتابات نمرود.

ومن ثمَّ تمَّ استيلاء قورش على بابل عام 539 ق .م. وأسس إمبراطورية تمتد من بلاد فارس إلى النيل والهندوس . وكانت الآرامية هي اللغة الرسمية للأجهزة الإدارية التي كانت تشرف من سوس على الجهاز السياسي الهائل . وكانت الآرامية في خدمة المبادلات التجارية والسياسية والثقافية . وقد تراكبت هذه اللغة مع اللهجات المحلية ، في مختلف المناطق ، محتفظة بوحدة بينه ومن دون أن تفسد اللهجات المذكورة . ويطلق على هذه الآرامية اسم آرامية الإمبراطورية . وقد عثر على عدد كبير من الوثائق العائدة للحقبة الأمينية في جميع مرزبانات الإمبراطورية الفارسية ، من الأفغانيتان والهند شرقاً إلى مصر غرباً .وأشهر هذه الوثائق هي برديات ( يت ) ( الفنتين) التي تعود إلى القرن الخامس ق. م. والصادرة عن إحدى المستعمرات اليهودية العسكرية المستقلة .

تتكشف آرامية الإمبراطورية عن دلائل عديدة لتطورها الصوتي والغراماطيقي. وقد تطعمت بعبارات فارسية من المصطلحات الإدارية والعسكرية . وأتخذت الآرامية طابعاً صورياً رمزياً في الكتابات الفارسية استمر حتى العام 247ق . م. وذلك أن عدداً كبيراً من الكلمات كانت تُكتب بالآرامية وتحوَّل عند القراءة إلى مرادفها البهلوي.

وعندما فتح الاسكندر الكبير الشرق حلَّت اللغة الإغريقية محل الآرامية . وانقسمت الآرامية إلى لهجات عدة . أما الخط الآرامي المنحدر من الخط الأفريقي اعتباراً من القرن السابع ق. م. فقد تولدت منه أقلام جديدة ، منها الأحرف المربعة ( سترانجلو ) التي تبنّاها العبرانيون والأحرف النبطية والتدمرية والسريانية والمائدية .

وانقسمت الآرامية إلى فرعين رئيسيين : فرع غربي وآخر شرقي. ويحتوي الفرع الغربي على اللهجات التالية :

أولا : آرامية الكتاب المقدس ( القرنان الثالث ، والثاني ق. م.م) التي يطلق عليها خطأ اسم الكلدانية . وقد استعملت هذه اللهجة في سفر عزرا ثم في سفر دانيال ( 167 ــ 166) ق . م. وأصبحت لهجة محلية في فلسطين .

ثانيـا: اللهجة التدمرية .

ثالثـا: اللهجة النبطية .

رابعـا: اللهجة اليهودية الآرامية الغربية .

خامسا: اللهجة السامرية .

سادسا: اللهجة المسيحية الآرامية .

سابعـا: اللهجة الآرامية الجديدة .

أما الفرع الشرقي الذي تطور في بابل ، منذ العصر السلوقي اعتبارا من القرن الرابع ق .م. فهو ينقسم إلى اللهجات التالية :

اولا: السريانية .

ثانيـا: اليهودية الآرامية الشرقية .

ثالثـا: المندية .

رابعـا: اللهجات الآرامية الشرقية الحديثة .

تراجعت الآرامية الشرقية والغربية أمام اللهجة العربية التي عمت كامل المنطقة، فلم يسلم بعدها إلا لهجات ثلاث جماعات صغيرة من الشعوب الآرامية ، تتمثل إحداها في شعب طور عابدين في أعالي دجلة . وقد تبدلت البنية الآرامية القديمة تبدلاً كبيراً في هذه اللهجة فظهرت فيها صيغ فعلية جديدة مشتقة من المصدر حلت مكان صيغ الماضي والمضارع . واصبحت أداة التعريف تختلف باختلاف الجنس والعدد . وهناك لهجة ثانية هي السريانية الجديدة ، وثالثة هي لهجة الموصل . وهذه الأخيرة تقع بين لهجة طور عابدين ولهجة اورميا .

ومع آخر عهد الإمبراطورية الرومانية بعثت الثقافة الآرامية مجدداً ، وتراجعت اللغة الإغريقية أمام السريانية ، وظهر عدد كبير من الكتاب يستعملون إحدى اللغتين المذكورتين . ونشأت بطريركيتا أورشليم وإنطاكية .وظهرت مدارس انطاكية والرها ونصيبين ، ورهبان أمثال القديس سابا ، ونساك ، وعموديون أمثال القديس سمعان، ما أسهم إسهاماً كبيرا في الحقبة ما بين القرنين الرابع والسابع الميلاديين ، بترسيخ أسس العقيدة المسيحية . وقد تميزت العقيدة المسيحية بالعاطفة الدينية القوية والروح القومية المعادية لبيزنطة ، مما أدى إلى ظهور الكنائس الهرطوقية التي كانت تستعمل السريانية لغة لها ، ونشأت النسطورية في القرن الخامس انطلاقا من إنطاكية ، ولاقت اتباعاً لها في شرقي الفرات . إلّا أن مذهب الطبيعة الواحدة ، الذي دافع عنه سويروس بطريريك إنطاكية ويعقوب البرادعي مؤسس الكنيسة اليعقوبية ، تغلب على المذهب الأرثوذكسي الممثل من يومها بالكنيسة الملكية ، وبموارنة لبنان الكاثوليكيين ذوي الطقس السرياني . وتدخل هيراقليوس الأول في الجدل القائم ، ونتج عن ذلك تحديد جديد للمسيحية قائم على مذهب الإرادة الواحدة لدى المسيح .

مصـادر الحلقـات

1_معجم الحضارات السامية _ هنري ، س ، عبودي
2_تاريخ الحضارات العام _ مجموعة مؤلفين
3_العصور القديمة _ جيمس برستد
4_تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين _ فيليب حتي
5_مقارنة الأديان _ د. احمد شلبي
6_بلادنا فلسطين _ مصطفى مراد الدباغ
7_العرب قبل الإسلام _ د. جواد علي