اليوم السادس الانسان الذي خلقه الله على صورته يعقوب الرهاوي

Posted by on Sep 26, 2018 in Articles, Library | Comments Off on اليوم السادس الانسان الذي خلقه الله على صورته يعقوب الرهاوي

في الإنسان
الذي خلقه الله على صورته ووضعه كعالم كبير
وعجيب وسط هذا العالم الصغير
مقدمة:
أن الله الصالح والحكيم والقادر على الكل وخالق الكل. والصانع والمعني والمُدبر لكل ما يصنع. الذي يرى خليقته ويعرفها قبل أن يخلقها: إذ أوجد العالم. لم يوجده دون سبب. وحتى أولئك الذين يقومون بعمل ما في هذا العالم. فأنهم لا يقدمون عليه جزافاً وبدون معنى أو سبب. فإذا كان البشر المخلوقون والمتغيرون والمتذبذبون في آرائهم. والذين هم دائماً تحت وطأة اضطرابات العقل. لا يقال عنهم أنهم كثيراً ما يأتون عملاً عبثاً لا حاجة لهم به. فكم بالحري الله الخالق الحكيم وناظر الكل. الذي خلق بمعرفة حكمته. وعمل بقوته المبدعة والقادرة على كل شيء. يجب ألاّ نقول عنه أنه يخلق أو يأتي عملاً عبثاً دون سبب مبرر أو دونما حاجة إليه

فإذا كنا قد جزمنا بهذا ووافقنا عليه. علينا أذن أن نبحث بإمعان الفكر وبشكل لائق. عن السبب المبرر الحقيقي الذي دعا صلاح الله الخالق إلى أن يخلق هذا العالم المنظور. بما فيه من اتقان وجمال السماء والأرض وما يتوسطها. وأية حاجة كانت له لكي يخلق السماء والأرض ويأتي بها إلى الوجود. فالله خالقها لم يكن أبداً بحاجة إلى بيت يسكن فيه. ولا هو محتاج الآن أيضاً إلى سكن. ذاك الذي يقول عنه النبي في مكان ما بكل هدوء. كمن يتحدث عن شخصه: ” قال الرب. ألست أملأ السماء والأرض. فأين البيت الذي تبنون لي “

وكما هو معروف وواضح أن الله الخالق. ذلك العقل الكبير والأول. لم يكن بحاجة إلى بيت مادي ليسكنه. وكذلك العقول الثانوية أي القوات السماوية غير الهيولية. الذين خلقوا على صورته. لم يكونوا كذلك بحاجة إلى بيت للسكن لأنهم ليسوا ماديين حتى يحتاجوا إلى بيت مادي. لكنهم عـقول لطيفة تشبه خالقها نوعاً ما. ولا يمكن أن تحصرهم أجسام. وقد تحصر الأجسام أجساماً أخرى وتكون بحاجة إلى بيوت مادية لسكناها. أن كانت سكاناً لا أمكنة سكن. أما العقول وكل ما ليس بجسم. فلا يمكن للأجسام أن تحصرها كما أسلفنا. وهي ليست بحاجة إلى بيوت ومساكن مادية. وإذا كان الله الخالق الخفي وغير المنظور. غير محتاج إلى هذا البيت. وكذلك العقول التي خلقت على صورته وشبهه. أي جميع القوات الملائكية لم يكونوا هم أيضاً بحاجة إليه ليحتموا فيه. كما لم يكونوا بحاجة إلى الأرض ليمشوا عليها. ولا إلى الماء ليشربوا. ولا إلى الهواء لاستنشاقه من أجل تقويم حياتهم. ولا إلى الشمس والقمر والكواكب لتنير لهم فيميزوا الليل والنهار. فمن الواضح والمعروف أذن أن هذا البيت لم يوجد إلا من أجل الإنسان الذي كان الله عتيداً أن يخلقه على صورته. بعد إكمال خلقة هذا العالم. ليكون بمثابة قصر الملوك الذي يعد مسبقاً للملك. من أجل راحته وسكناه وسائر الذين ينحدرون منه. ومن أجل الحيوانات التي خُلقت مسبقاً لخدمته. والطيور والدبابات التي خلقت على الأرض من أجله

هذا هو سبب خلقة العالم الذي سبقت خلقته من أجل راحة وحاجة الإنسان وما معه من الحيوانات والطيور والدبابات التي تدب على الأرض. فمن أجل هذا الذي كان عتيداً أن يؤتى به إلى الوجود ويقام من قبل الله. ملكاً ومتسلطاً على جميع الكائنات الجسمانية. سبق واعد قصر الملوك هذا

الثالوث والخليقة
فقد سبق إعداد كل الأشياء التي في هذا العالم. كما نوهنا أعلاه. وقد جاءت متكاملة. ولم يعد هناك شيء لإكمال إعداد قصر الملوك هذا. ما خلا مجيء الملك الساكن… بعد هذا يقول الروح الملهم: ” وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض “. وهنا لا بد وأن تأخذنا الدهشة من لطف الله الصالح الرحيم الذي لا يوصف. نحو الإنسان. حيث نلاحظ من هذه الكلمات الأولى الممهدة لوجوده. أنه يعطيه كرامة أعظم من سائر الكائنات المحسوسة التي خلقها قبله. فقد كتب عنها كلمة ” لتكن ” فقط. فكانت. أو “لتخرج الأرض” أو أنه يأمر المياه كذا فتخرج ما كان يريد

أما بالنسبة إلى خلقة الإنسان فقد كتب الروح الملهم كلمات تشبه الانتقال الفكري والمقدمات التي يستعملها البشر في أعمالهم. فعبارة ” لتصنع الإنسان كصورتنا وشبهنا ” التي فاه بها الله هي بمثابة انتقال فكري لديه وهذا يوحي بأن الله فكر فيما لو يخلق الإنسان أولا. فلو لم تكن هذه هي الغاية من هذه الكلمات. أذن لما كان هناك حاجة لله أن يسبق ويفكر في ما يريد أن يعمله. فليس عنده سبق الأمور ثم الندم. وهو ليس بحاجة كذلك إلى مستشارين يشيرون إليه. فقد كتب ” من سبق وعرف فكر الله أو من كان له مشيراً “. فما هو أذن القصد الذي تضمنه قول الله القائل ” لنصنع الإنسان على صورتنا كشبهنا ” ؟. لِمَ لم يقل ما قاله عن سائر الكائنات. فكانت ؟ إذ كان يقول عن الإنسان مثلا. ليكن الإنسان فيكون فور صدور الأمر دون أي ارتباك. فقد قال عن بقية الكائنات. كما سبق الحديث. ” لتكن ” فكانت. ولدى قوله ” ليكن كذا “. كان الكاتب يضيف فيما بعد ويقول: وعمل الله كذا. أما بالنسبة إلى الإنسان فلم يقل ” ليكن الإنسان ” بل ” لنعمل إنساناً ” وبهذا أظهر بصورة واضحة جلية. أن قوله هذا ليس موجهاً إلى ذاته كما اعتاد بعض الناس أن يفعلوا. بل كان موجهاً إلى شخص آخر. أذن لم يقل ذلك لذاته. ولم يكن ذاك الذي قال ” لنصنع الإنسان على صورتنا ” نفسه. بل كان معه شخص أو شخصان. وله أو لهما قال ” لنعمل الإنسان “. ومما يثبت قوله ” لنعمل ” عبارة ” على صورتنا وشبهنا “. فلو أن القائل كان اقنوماً واحداً. ولم يكن إزاءه آخر وآخر. لما قال ذلك أبداً. لأن الواحد ليس بحاجة إلى أن يقول ” لنعمل “. لكنه يعمل بصمت. حيث لا يوجد أمامه من يكلمه. ولو تكلم لقال فقط. لأعمل إنساناً على صورتنا وشبهنا

فلو كان مفرداً لقال على صورتي وشبهي وليس بصيغة الجمع. على صورتنا وشبهنا. وحيث أن الفعل ورد بصيغة الجمع. وكذلك الأسماء فيما بعد. إذ يقول ” على صورتنا وشبهنا ” بصيغة الجمع وليس المفرد. لذا فالمقصود كان كلمته الخالق الذي إليه أشار سليمان في سفر حكمته ” عندما أسس السماء كنت أنا معه “. وروحه القدوس المساوي لهما بالأزلية والسلطان والقوة والإرادة. قال الله الأب غير المنظور ورأس الكل ” لنعمل الإنسان على صورتنا وشبهنا ” مستعملاً الأسماء والأفعال كما اعتدنا نحن البشر أن نفعل. فمن الواضح أن ليس هناك من يعمل صورة وشبهاً لله الذي لا شبه له وهو غير منظور أو مدرك. ولا صورة له أو شبه إطلاقا. سوى كلمته الوحيد الذي يسمى بل هو ابن كوليد مساو في الجوهر والسلطان والإرادة والقوة والفعل. فهذا هو صورته الذي يتمثل به ويرى. الصورة التي تشير إلى اقنومه وشعاع مجده كما جاء في القول الرسولي. فلهذين قال الله ” لنصنع الإنسان ” وبسبب ذلك قال ” على صورتنا وشبهنا ” بصيغة الجمع وليس بصيغة المفرد. ولكن ليس في اللاهوت أقانيم متعددة. الذي بسبب صلاحه شاء أن يخلق الإنسان. لذا قلت أن الألفاظ ” لنعمل ” و ” على صورتنا وشبهنا ” لم تأت بصيغة الجمع. وكذلك فعل ” لنعمل ” والأسماء التي تلته توحي وكأنها تنسب إلى كثيرين. حيث قيل ” على صورتنا كشبهنا ” وليس ” على صورتي كشبهي “

يمكن التعبير عن هذا كالآتي: أن اقنومي الكلمة والروح اللذين وجه إليهما فعل ” لنعمل ” كانا ثابتين في الله الأب القائل. وهو ثابت فيهما. أذن لم يكن بحاجة ليقول لهما ” لنعمل الإنسان على صورتنا ” بل لم تكن هناك أية حاجة للنطق بهذا. ولكي أوضح بجلاء أكثر حقيقة مفهوم هذا الكلام أقول: أن الله لم ينطق بهذا الكلام إطلاقاً. إذ لم يكن اللذان وجه إليهما الكلام بحاجة إلى أن يقال لهما هكذا. لكن الروح الملهم أوردها في الكتاب على هذا النحو من أجلنا. لكي نستطيع أن ندرك سرية وخفاء أعمال الله. فمن هذه الكلمات التي أوردها الروح الملهم عن تكوين الإنسان. يتضح لنا أن اللاهوت الخالق الواحد الأزلي هو ثلاثة أقانيم مقدسة. كما تتضح الكرامة التي أولاها الله للإنسان أكثر من سائر الكائنات المحسوسة التي سبق وخلقها من أجله

قال الله ” لنعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ويتسلطون على سمك البحر وطيور السماء “. ففي هذا القول تعبير واضح عن أن الله لم يخلق إنساناً واحداً بل كثيرين وهم جميع أبناء الجنس البشري. فهو لم يقل ” لنعمل الإنسان ويتسلط ” بل ” لنعمل الإنسان ويتسلطون “. وفي اللغة العبرية لم ترد الكلمة ابن الإنسان بل إنساناً علماً بأن كلمة ” إنسان ” باللغة العبرية لا تأتي بصيغة المفرد بل الجمع. وهذا يدل على أن الله خلق جميع الجنس البشري سوية بشخص آدم وحواء اللذين خلقهما أو جبلهما منذ البداية. ولا أدري ماذا أقول. فأن اسم ” آدم ” بالذات له مدلول جماعي يشمل الجنس البشري برمته. ولا يعني شخصاً واحداً. ومما يثبت هذا. ما كتب عنهم يوم خلقتهم ” ودعا اسمهم آدم “. فمن اسم آدم إذن. ومن كلمة ” إنسان ” وكلمة ” يتسلطون ” الواردة بصيغة الجمع وليس المفرد. يتأكد لنا أن الله خلق جميع الجنس البشري بشخص آدم وحواء اللذين خلقهما أولا. وأمر أن يتسلطوا على سمك البحر وطير السماء والبهائم وكل الأرض. لقد قال الروح الملهم في مطلع كلامه. أن الله تكلم عن تكوين الإنسان وأظهر كرامته الفائقة أكثر من سائر الكائنات المحسوسة التي خلقها من اجله. ثم يستطرد فيقول: وخلق الله الإنسان. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهما وباركهما الله قائلاً: ” اثمروا وأكثروا واملئوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الدبابات التي تدب على الأرض “. فبهذه الكلمات الأولى يقول الروح الكاتب ( الملهم ) أن الله قد تكلم عن خلقة الإنسان. وأظهر كرامته التي تفوق كرامة جميع الخلائق المحسوسة التي خلقها من أجله

ثم يواصل قوله: وخلق الله الإنسان. على مثال الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقه. وباركهم الله وقال له: انموا واكثروا واملئوا الأرض وأخضعوها. تسلطوا على سمك البحر وطير السماء والبهائم وجميع الأرض وكل الدبابات الدابة على الأرض فمن هذه الأقوال يعرف الأمر عينه.. أي اختلاف أقانيم اللاهوت. اقنوم الذي قال أولا ” لنعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ” وأقنوم من عمل الإنسان. وأقنوم من عمله على صورته. يقول: أن الله خلق الإنسان. على صورة الله خلقه. فالذي خلقه والصورة التي خلق عليها. ليسا اقنوماً واحداً بل اثنين. وكذلك الكرامة والسلطان اللذان منحهما الله الخالق للإنسان

وهذا نفسه قاله الروح عنه بلسان داود الذي أظهر بنشيده سمو كرامته وسلطانه ” من هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده وتنقصه قليلا عن الملائكة. وبمجد وبهاء تكلله. تسلطه على جميع أعمال يديك. جعلت كل شيء تحت قدميه. الغنم والبقر جميعها. وبهائم البر أيضاً وطيور السماء وسمك البحر السالك في سبل المياه “. بهذا أظهر الروح الملهم والمرتل مجد الإنسان الفائق أكثر من سائر الكائنات المحسوسة. والسلطان الذي أعطاه الله على جميع ما خلق على الأرض. كما يبدو أيضاً من العبارات التي تظهر أقانيم اللاهوت. ومن العبارات التي قيلت فيه. ومما قاله له الله لدى مباركته إياهم. لكي بهذه كلها يعرف الإنسان قولا وفعلاً بأنه أكرم من سائر الكائنات المحسوسة. ومن أجله خلقت على هذه الصورة. لكي تكون لسكناه وراحته وطعامه. وللحيوانات التي تعيش معه والتي خلقت لأجله وللطيور وكل الدبابات الحية

الإنسان روح وجسد

لقد أظهر لنا موسى في أقوال الكتاب المقدس الإلهية. عظمة العقل الذي منحه الله للإنسان الذي به صار صورة له وشبهاً. كملك ورئيس لجميع ما خلق على الأرض. وحيث أن هذا ( الإنسان ) صنفان مختلفان كما يبدو. وهو مركب وغير بسيط. ومنظور وغير منظور في آن واحد. ومحسوس وعاقـل في آن واحد. وجسماني وهيولي. وروحي دون جسم. لذلك استوجب أن يكون الحديث عنه ذا بعدين مختلفين وليس ذا بعد واحد بسيط. فلنتناول بالحديث كلا من هذين البعدين على حدا بما يتناسب والترتيب المطلوب. ومن اللائق أن يأتي في الأول الحديث عن الجانب المنظور لهذا الحيوان المركب. ومن ثم عن جانبه الخفي وغير المنظور وطبيعته غير المحسوسة وغير المادية. أعني الروحاني والعاقل. وذلك بقدر ما يتيسر لمن هو محصور في الجسد أن يتحدث عن طبيعة غير جسدية ولا مادية التي للإنسان المخلوق على صورة وشبه الله غير المنظور. فهذا هو جسدي وروحي في آن واحد جسماني ومادي. روحي وعقلاني

جسد الإنسان

لنتناول الحديث أولا عن جسدانيته لأن الهيئة المنظورة للجسد. هي بمثابة مسكن لطبيعة النفس غير المنظورة. وأن هذا الإنسان المخلوق المنظور. يرى وكأنه عالم ما صغير ضمن هذا العالم الشاسع الذي سبق ذكره. وتناوله الحديث. وقد أوجده الله الخالق وجعله بمثابة قصر ملكي للإنسان الملك الساكن.. وحيث أن هذا العالم ذو أهمية نظراً إلى تكوينه العجيب الذي يفوق تكوين الأول. فأننا نود أن نسميه “العالم الكبير “ الذي وضع في العالم الصغير. فأنه التأمل الممعن الدقيق. يرى مشابهاً للعالم الكبير من عدة جوانب. إذ توجد هيئته طبقات مختلفة. عليا وسفلى ومتوسطة. وقد أقامتها حكمة خالقها المبدع بشكل مفيد ومناسب يشبه نوعاً ما التناسق الموجود ما بين السماء والأرض. لتكون مسكناً متقناً وملائماً للإنسان ذي العقل الراجح. حيث جعله الله مسكناً يلائم ساكنه الإنسان. في وسط هذا العالم الكبير

بعد هذا الحديث الذي تطرقنا فيه إلى تكوين الهيئة المنظورة للإنسان لنتحدث كاشفين القناع عنه. مبتدئين بأقوال الروح المقدسة والإلهية الواردة في الكتاب الإلهي. فقد جاء فيه عن الإنسان ما يلي “وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأديم – أو كما جاء في تقليد آخر. تراباً من الأرض – ونفخ في أنفه نسمة الحياة. فصار آدم نفساً حية “. فالكتاب المقدس تناول الجبل الكريم للإنسان. صورة الله. بعبارات قليلة وموجزة. أما الحديث الفاحص والمستقصي فأنه يتناول موضوع عملية جبل الإنسان. بالطريقة التي سلكها بالنسبة إلى خلق الحيوانات والطيور والأسماك وكل الدبابات التي خلق الله على الأرض. وكما فعل أيضاً بالنسبة إلى الأعشاب والزروع والعروق والأشجار والنباتات. فأن الله لم يخلق هذه من التراب أو الماء فقط. ولئن جاء في الكتاب المقدس هكذا. ذلك لأنه تصرف بحسب العرف المألوف عند الناس. لكنها كونت من العناصر الأربعة التراب والماء والهواء والنار. فمن هذه كلها ركب الله وبني جسد الإنسان. وليس من عنصر التراب فقط كما يفهم من معناه. ومن الكلام الذي وجهه الله للإنسان بعد أن أخطأ “أنك من التراب وإلى التراب تعود “ فهو لم يكن من التراب فقط. وليس إلى التراب وحده يعود جسد الإنسان لدى انحلاله. بل أنه ركب من العناصر الأربعة لدى خلقته. وسيعود أيضاً إلى أربعتها مرة أخرى عندما ينحل بعد موته

مميزات الجسم البشري

ونظراً إلى وجود اختلافات في هيئة الجسم البشري. لنتحدث عنها بإيجاز. هذه الاختلافات التي أوجدتها الذات الخالقة في هيئة جسمه. كصفات ظاهرة ومتميزة أكثر من سائر حيوانات الأرض. ولكي تؤشر في الوقت نفسه إلى الكرامة الفائقة والرئاسة التي أعطيت له من خالقه. وسيتناول الحديث ما يتيسر عن تكوين خلقته مشيراً إلى كل من الأعضاء التي فيها الاختلافات التي بها يتميز ويختلف خاصة عن بقية الحيوانات

أولاً – الصفة الأولى التي ميزت بها الطبيعة الإنسان هي. أنها أعطت كل الحيوانات التي تمشي أربع أرجل. أما هذا ( الإنسان ) فرجلين فقط. وإذ جعلت لكل الحيوانات أظلافاً مستديرة. فللبهائم أظلاف صلبة ومتينة كالحجر والخشب. وللوحوش أظلاف رخوة ومشقوقة وفعالة. أما للإنسان فراحات طرية ولحمية متينة وممتدة نحو الأمام مثل قاعدة الأعمدة الطويلة. لها أصابع وأظافر في نهايتها وأعقاب تسندها من ورائها

ثانياً – وقد أعطت الجسم البشري صفة أخرى هي: أن جميع البهائم تضع أرجلها الأمامية التي فيها الركب تحت بطونها عندما تجلس عليها. واضعة ركبها أمامها. وكذلك تفعل الوحوش عندما تجلس على أرجلها الخلفية وتستند على الأمامية وكأنها تستند على الأيدي . أما الإنسان فأنه يحني ركبه إلى الأمام. عندما يركع على ركبتيه لكي يسجد لخالقه. أو عندما يجلس على أوراكه واضعاً ركبه أمام يديه لتكون له بمثابة مائدة أو عندما يقضي بها سائر حاجاته

ثالثاً – ومن صفات الجسم البشري. أن للإنسان أظافر رقيقة ومسطحة ولينه ومستديرة نوعاً ما. في حين أن لجميع الوحوش أظافر طويلة ورفيعة بطبيعتها

رابعاً – ومن صفات الإنسان أنه يمسك بيديه كل ما يريد. وبهما يعمل ويسد كل حاجاته. ولئن كان لبعض الوحوش أن تمسك بيديها وبشكل أو آخر ما تريد. كالأسد والكلب والدببة والقردة التي هي أقرب شبهاً بالإنسان من جهة يديها ورجليها

خامساً – ومن صفات الإنسان التي تدل على كونه سيداً. أنه الوحيد الذي لا يوجد له غطاء طبيعي لجسمه. مثل الحيوانات التي لها غطاء طبيعي يغطي جسمها. وذلك ليبرهن على أنه سيد كريم ومتسلط على جميعها. وكمبدع ذكي يستطيع أن يبتكر بعقله ويعد ثياباً مفيدة ومناسبة من الغنم والماعز وغيرها. ويرتديها متى شاء. ويستر بها عورته أو يتدفأ بها أو يتزين بها. ومتى شاء ألقاها عنه من اجل راحته وهيبته

سادساً – ومن صفات الإنسان. وجود الأثدية في صدره وبالقرب من قلبه. في حين أن الطبيعة جعلت أثدية الحيوانات جميعها بين رجليها

سابعاً – ومن صفات الجسم البشري المميزة والظاهرة. القامة المستقيمة والبسيطة التي أعطته إياها الطبيعة من دون سائر حيوانات الأرض. بشبه صرح عال وقائم يرتفع بين أبنية كثيرة أوطأ منه. ويرى فوقها كمن له سلطان عليها. ولكي يكون نظره دائماً نحو السماء. حتى إذا تأمل أعمال الله وأخذ بجمالها وعظمتها. أدرك منها بالتخمين والتقدير. ما يمكن أن يدركه الوثنيون. ويعـرفوا قوة خالقهم وحكمته

ثامناً – ومن صفات قوام وهيئة جسم الإنسان. وجود وجه مستدير ورأس كروي مهيب. ولئن يوجد بين الحيوانات غير الناطقة ما له شبه بوجه الإنسان أو استدارة رأسه. مثل الأسد والنمر والفهد وما يشبهها أن وجد

تاسعاً – ومن صفات الإنسان. بالإضافة إلى ما ذكر. نمو الشعر في أصل أفخاذه لستر عورته رغم الاختلاف في نمو قامات جسمه. وكذلك في أباطه أو بعدها. ويكون ( الشعر ) أيضاً علامة لكمال القامة فينمو الذقن على وجه الذكور أو تحت أفواههم من أجل الجمال. ولكي يكون علامة رئاسة الرجل على المرأة. وتنمو الأثدية على صدور الإناث علامة شهوة الزواج نحو الرجال لتكون أدوات صالحة وملائمة تنبع غذاءً مفيداً لأطفال الجنس البشري

عاشراً – وأفضل كل صفات الجسم البشري. أن يكون رأسه دائماً فوق جميع أعضاء جسمه. في حين أن جميع الحيوانات تحني رؤوسها نحو الأسفل مبرهنة بوضوح على أنها مستعبدة للإنسان. وهو ملكها والمتسلط عليها

الحادي عشر – ومنها أن يكون له شعر فوق رأسه كتاج. يظهر بموقعه وجماله رئاسة الإنسان على جميع حيوانات الأرض. في حين أن جسده خال من الشعر

الثاني عشر – وينفرد الإنسان بصفة ظاهرة ومتميزة وهي بياض شعره في مرحلة شيخوخته. ليس فقط شعر الرأس والذقن. بل ذلك الشعر النادر أيضاً الموجود في جسم الإنسان

هذه هي الاختلافات والصفات المتميزة والظاهرة التي منحتها الطبيعة لجسم الإنسان حينما أبدعه الخالق. لكي يتميز بها عن سائر الحيوانات على الأرض. وربما لو أمعن الإنسان – بدافع حب العمل المتواصل – في البحث. لاكتشف صفات أخرى في تكوين جسم الإنسان غير موجودة في الحيوانات غير الناطقة التي أبدعها الخالق على الأرض

لقد استوفى الحديث حقه بما أوتي من قوة. من جهة هيئة الجسم البشري. البيت والمسكن الأرضي الذي أعده الله الخالق لسكنى الإنسان الحقيقي الذي خلقه على صورته. أو العالم الكبير ضمن الصغير. أي هذا العالم. أو العالم الصغير الذي كون ضمن العالم الكبير الذي يرى ويحدد بوجود السماء والأرض وما يتوسطهما. وليعتبره أي واحد كما يشاء. ويطلق عليه اسماً يناسبه. أما إنساناً خارجياً أو بيتاً طينياً. أو قميصاً لحمياً. أو ثياباً بالية أو إنجازاً مركباً زائلاً. أو لا أدري ما أسميه. حيث يرد في الحديث على مثل هذه التسميات

وكذلك من جهة الصفات الطبيعية والظاهرة التي يتميز بها ويختلف عن سائر الحيوانات والطيور والدبابات التي تدب على الأرض. يقال عنه ما يقال. هذا هو البيت الصغير الذي أعده الله الخالق للعقل – الإنسان الحقيقي الذي خلقه على صورته لكي يسكن فيه ضمن العالم – هذا البيت الكبير الذي تكون من السماء وما فيها

وكذلك من جهة هذا الإنسان المخلوق الذي دعي عالماً صغيراً ضمن الكبير. أو عالماً كبيراً. وكذلك من جهة ما فيه من عجب إذ خلق وأوجد في العالم الصغير. هذا ما حدد عن خلقته وهيئته وتكوين أعضائه. وما فيه من اختلافات

العقل
ولنتحدث عن الإنسان الداخلي أي العقل الذي خلقه الله على صورته وشبهه كما تسلمناه من شريعته. وذلك بقدر ما أعطينا من قوة الكلام. وقد نتجاسر ونحاول الحديث أكثر من قوتنا عما يسمو عن إدراكنا. ومن المناسب أن نبدأ حديثنا من الأعلى

أن الله الخالق القوي والقادر على كل شيء. ذاك الذي له القوة أن يعمل كل ما يشاء وما يوافق مشيئته. ذاك الذي نقل بسهولة الكائنات. المنظورة منها وغير المنظورة من العدم إلى الوجود بمجرد كلمة من اقتداره وإشارة من إرادته. وإذ خلق العقول غير الهيولية الثانوية شبه العقل الكبير الأول: ذاته. وجعلهم أنواراً ثانوية مثل نور أوليته الأكبر والأول. وأعطاهم سلطة ذاتية بطبيعة خلقتهم العاقلة المجردة تماماً من أي ارتباط أو خضوع مادي: أراد أن يخلق ويكون بصورة عجيبة. وعلى صورته وشبهه عقلاً آخر مثلهم. له منذ خلقته. سلطة ذاتية وحرية. وأن شاء أنقذ نفسه بنفسه لدى من هو شبه مثاله دون أن يهلك ولئن كان ساقطاً تحت وطأة المادة. ويوبخ العقول التي أظلمت وصارت بإرادتها أضداداً للنور خالقها. هكذا ولهذا السبب. ولكي يظهر الله مصدر صلاحه وقوة اقتداره وغنى حمته. رغب في أن يخلق هذا الإنسان العاقل قريباً للملائكة غير الجسمانيين أو الماديين. فدعا وحرك ذاته ليخلق العقل البشري أي نفس الإنسان. على صورته وشبهه ويخلطه بطين مادي جسماني ويجعلهما دهشة وأعجوبة. وهما بهذا التركيب والاقتران. ينظران إلى جميع العقول الناطقة الملائكية التي سبقته في الخلقة. ولكي يكون كلامنا واضحاً وصريحاً ويستمد قوة الإيضاح من الكتاب المقدس. نعود ونقتبس ثانية في حديثنا عن خلقة النفس. أقوال الله نفسها عن خلقة الإنسان التي وجهها إلى من هم منه ومعه خالقو الكل مثله. حين أراد أن يظهر نور مجده ومعرفته الكاملة في خلقته للإنسان كشيء عظيم ومحبوب لديه جداً. والتي اقتبسناها أعلاه

قال الروح موحي الكتاب المقدس: أن الله. بعد أن خلق هذا العالم وكونه. قال عن الإنسان الذي كان عتيداً أن يخلقه: ” لنعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. ويتسلطون على سمك البحر وطيور السماء وعلى البهائم وكل الأرض. وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض “. هذا ما كتب وسلم إلينا الروح على لسان الله خالق الإنسان. ثم يقول الروح: ” وخلق الله الإنسان. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهما وباركهما الله قائلاً: انموا واكثروا واملأوا الأرض. وكونوا أسياداً عليها. وتسلطوا على سمك البحر وطيور السماء وكل البهائم وكل الأرض. وكل الدبابات التي تدب على الأرض “. فقد سبقنا وأوردنا أعلاه أقوال الله هذه. لكي نظهر فيها الكرامة التي خلق بها الإنسان أكثر من سائر الحيوانات التي سبقت خلقتها على الأرض. ونوردها هنا أيضاً لنظهر بوضوح من هو الذي خلق على صورة الله وشبهه. جسد الإنسان أم نفسه ؟ وما هي صورة النفس وشبهها بالله ؟. لقد قال: ” لنعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا “. فإذا أخذنا هذه الأقوال الإلهية والسرية بشرياً وبحسب كلامنا المألوف. نجد أن لا صورة لله ولا شبه. وأي شبه نستطيع أن ننسبه إلى جوهر طبيعة مجردة تماماً عن الجسم. لا يرى ولا يدرك. وغير قابل للتأمل أو الوصف. ولكن يظهر ويفهم من هذه. أن طبيعة الإنسان الجسمانية والهيولية ليست على صورة الله وشبهه الذي لا صورة له ولا شبه. بل طبيعة النفس العاقلة غير الجسمانية وغير المنظورة التي منها كانت النفس. وهذا أيضاً أمر يصعب علينا أن نفكر فيه أو نتحدث عنه. أي أن نقول: أن العقل هو الذي خلقه الله فيها على صورته وشبهه مثل سائر عقول الملائكة. وإذ نسمع باسم الصورة والشبه ندرك أن الله الخالق خلق العقول الناطقة وغير الهيولية واللطيفة أي القوات الروحانية شبيهة لفضائلها وحسناتها. وكذلك العقل البشري أي النفس بمقدار ما يمكن تشبيه الطبيعة الخارجية المخلوقة بطبيعة خالقها غير الخارجية وغير المدركة

صفات الله والإنسان
وحيث أننا أسميناه ما لله (صفات ) فضائل وحسنات. إذ لا ندري ماذا وكيف نقول عنها ما لم نستعمل الأسماء والتسميات الخاصة بنا. كما لا نعرف الحسنات التي نعتقدها في الله والتي بها صور وطبع العقل البشري. حتى قيل أنه صورة الله وشبهه

أولاً – بعد أن نفكر وندرك أن الله أزلي ومنذ الأبد ولا بداية له. ولا تدركه مخلوقاته. نقول: أنه عاقل وغير منظور ولا جسم له. وبخاصة عاقل وغير مدرك ولا يطاله العقل. ولئن يمكن تصوره بعض الشيء والإلماح إليه وإذ خلق الله الخالق العقل بدافع صفاته التي بها يقال أنه صورته. لذا قيل عن العقل أنه عاقل. وهو غير منظور ولا جسم له

ثانياً – يقال عن الله. وهو كذلك. أنه غير متناه ولا مدرك نهائياً. حقيقياً وبصورة كاملة. وبهذا أيضاً شبه الله العقل البشري وجعله صورة له. فيقال عنه هو أيضاً أنه غير متناه ولا مدرك بشكل أو آخر. إذ لا يمكن أن نحصره أو نتحراه دون أن نضل

ثالثاً – يقال: عن الله. وهو كذلك. أنه لطيف وسهل وحاذق ويرى كل شيء. وقد تشبه العقل البشري بهذه أيضاً لدى خلقته. وبهذه نفسها يقال عنه أنه صورة الله وشبهه. لأنه هو الآخر لطيف وسهل وحاذق بطبعه ويرى كل شيء بالخيال

رابعاً – يقال: عن الله. وهو كذلك. أنه صالح وعادل. إذ له وحده الصلاح الذي يسمو عن الكل. لهذا قال هو ( المسيح ) ” ليس صالح إلا الله وحده “. الذي له من طبيعته العدل والبر الذي يفوق الجبال علواً كما يرتل. لذلك قال لأبيه. أنك عادل يا أبتاه. والعالم لم يعرفك. وبهذا أيضاً شبه العقل البشري أي طبيعة النفس. ومن هذه الناحية أيضاً يقال أنه صورة خالقه. ويدعي هو الآخر صالحاً وعادلاً بعض الشيء. إذا ما سعى بقدر إمكانه وأتقن التشبه بشبهه ولو جزئياً

خامساً – يقال: عن الله. وهو كذلك. أنه قوي وجبار وقادر على كل شيء. وبهذه أيضاً صور الله وشبه العقل البشري. لذا أودع فيه غضباً وغيرة كحافزين مشجعين للشجاعة. وبها أيضاً يقال أنه صورة خالقه جزئياً. كما يقال عن الناس أيضاً أنهم صور الله وأشباهه عندما يرون أنفسهم أقوياء بإرادتهم ويحملون ثقل الضعفاء

سادساً – يقال: عن الله. وهو كذلك. أنه رحيم ولطيف بالبشر. وبهذا أيضاً شبه العقل البشري بخالقه واكتسب صورته. وبها أيضاً يقال أنه صورة الله. وبسببها جعل له ناموس طبيعي ليحب قريبه كنفسه. ويتصف بالرحمة هو الآخر جزئياً إذا شاء أن يتقن صورته ويحب قريبه كنفسه ويرأف بأخوته. لذلك قال المسيح لتلاميذه: “كونوا رحماء كما أن أباكم هو رحيم “

سابعاً – يقال: عن الله. وهو كذلك. أنه حكيم بطبعه وعارف كل شيء. وهذه أيضاً وضعها الله الخالق في العقل البشري. وطبعه عليها وصوره بها. ويقال تشبيهاً أنه بسبب هذه يدعى عارفاً وحكيماً جزئياً. ويشترك معه عندما يتأمل بتمعن شبهه ويتقبل منه أشعة المعرفة والحكمة. ويتأمل بما هو موجود

ثامناً – يقال: عن الله. وهو كذلك. أنه طاهر وقدوس ومنزه عن كل دنس ونجاسة بصورة تامة تسمو عن الجميع. وقد جعل الله العقل البشري شبهاً بهذه. فيقال عنه هو أيضاً أنه طاهر وقديس بحدود وبقدر ما يمكن للمخلوقين. إذا ما اجتهد بكل قوته وطهر نفسه من الدنس والنجاسة جسداً وروحاً

تاسعاً – يقال: عن الله. وهو كذلك. أنه غير شرير ولا خاطئ ويبغض الشر والاثم. وقد طبع وثبت هذه أيضاً في العقل البشري المشبه بصورته. وجعله هو الآخر أن يبغض الشر ويبغض الاثم. لذا يقال عنه أنه صورة وشبه الله ولو في هذه فقط. لأن له ضميراً في ذاته قاضياً يبغضها حتى عندما ينحرف ويميل إليها بإرداته

عاشراً – يقال: عن الله. وهو كذلك. أنه هادئ وديع ومسالم وطويل الأناة ولم تذكر له إساءة. ولا يكن حقداً ولا يضغن. وبالحقيقة فأن الله قد جعل العقل البشري صورته ومثاله في هذه أيضاً. ويمكنه أن يصورها في ذاته لو شاء فيكون صورة وشبها لله بها. حيث يرى هادئاً وطيباً ووديعاً ومسالماً وطويل الأناة. ولا يذكر الإساءات أو يكن حقداً لأخوته. لذا قال السيد المسيح. ذلك الهادئ والوديع والمسالم. لتلاميذه “انظروا إلي وتعلموا مني فأني وديع ومتواضع القلب. فتجدون راحة لأنفسكم “

هذه هي صور تشبيه العقل البشري وتمثيله بصورة الله خالقه. والتي بها يقال عن كلا نفس الإنسان وعقله. أنهما صورة وشبه الله خالقهما. وسوف نتحدث عنهما بإيجاز زيادة في الإيضاح لمن يرغبون أن يتعلموا
إن صور تشبيه العقل البشري بالله هي: أن يكون مثل خالقه عاقلاً وغير منظور وغير ذي جسم ولا متناه. وغير مدرك. ولطيفاً وحاذقاً وسهلاً. ويرى كل شيء بالخيال عن بعد. وفي الصلاح والعدل والاقتدار والشجاعة والرحمة واللطف والمعرفة والحكمة والفهم. الذي يتطلب في أعمال الله. والطهر والقداسة والابتعاد عن الدنس وقذارة الجسد والروح. وعدم الإساءة. وعدم الاثم. والهدوء والوداعة والمسالمة والطيب وطول الأناة. وعدم ذكر الشر أو الحفيضة. أضف إلى هذه. إقامة الله إياه رئيساً ومتسلطاً على جميع الكائنات المحسوسة. وإعطاؤه السلطان الذاتي والحرية الشخصية. وجعله إياه أن يكون حيث لا يرى ولا يعرف أين هو. ويكمل جميع أعضاء جسمه. ويؤثر وينظم ويحرك جميعها سوية متى وحيثما شاء. مثلما أن الله يكمل كل مخلوقاته ويؤثر فيها وينظمها ويحركها سوية متى وحيثما شاء. وهو غير مدرك ولا متناه. ولا يعرف أين يوجد. وإلى جانب هذا. وما يفوق كل هذه شبهاً. كونه ينظر دائماً إلى مثاله ويستنير به. ويرجع إلى شبهه ويندمج به مثل نور السراج الذي يؤخذ من اللهب ثم يعود ويندمج به من جديد. ورغم أنه مخلوق وله بداية. فقد جعل غير ماءت وغير فاسد ولا نهاية له إلى الأبد. هذا هو التشبيه الكامل للعقل البشري بالله خالقه. وهذه هي صورة النفس البشرية الحقيقية والرئيسية والثابتة لمثلها الخالق

في النفس
لقد اطلعنا الكتاب المقدس من خلال الأقوال التي اقتبسناها عن خلقة الإنسان: على السلطان الذي أعطي له من خالقه على سائر الخليقة المحسوسة. ومن الضروري أن يشمل كلامنا هنا. الحديث عن اتحاد وتركيب هذا الإنسان. وعن هذا أيضاً يجب أن نقتبس من الكتاب المقدس. ونضعه أساساً لما سنقوله فيما بعد. قال الكتاب الإلهي بهذا الصدد: ” وجبل الـرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حية… “. فقد أخبرنا في الأولى. أن الله خلق الإنسان على صورته وشبهه. وفي هذه علمنا ماهية الجسد البشري المخلوق. أي بيت الإنسان. وماهية نفس الإنسان الحقيقي. وأضاف موضحاً. فدعا الجسد تراباً. وأخبرنا في الوقت نفسه من أين أخذه الإله جابله. وأعطى النفس اسما مناسباً – نسمة حية. وهنا لم يقل: ” خلق ” كما فعل في الأول. بل ” جبل “. وأن كلمة “جبل “ تظهر بوضوح بأن الجسد البشري هو طين مجبول من تراب الأرض والماء. يقول “جبل تراباً من الأرض. ونفخ في انفه نسمة حية “. فمن المعلوم أن الخالق استعار الجسد من الأرض التي سبقت خلقتها. أما نسمة الحياة فقد أضافها إلى الجبلة من عنده. فقد سمى روح الله. النفس التي خلقها الله على صورته وشبهه. نسمة الحياة. لذلك أضاف فيما بعد قوله. وكان الإنسان نفساً حية. وبتأثيرها يتحرك الجسد الذي اتحدت به. أما قول الروح “ونفخ في وجهه “ فمعناه. ومثلما يحدث عندنا. أن الذي ينفخ في وجه قريبه. يرسل إليه من ذاته ولسلطانه نفخة الريح إلى وجه من يتقبلها وليس من مكان آخر. هكذا أيضاً وضع الله الخالق في خلقته للإنسان. نفساً حية من ذاته بكل تشابهها. يضاف إليها أنها حية صادرة عن الحي والمحيي ومانح الحياة. وعاقلة من عاقل. وغير مائتة ممن هو غير ماءت. فإذن النفس الناطقة والعاقلة التي لا جسم لها هي من الله الخالق العاقل الذي لا جسم له. ولا يشهد على هذا كتاب الروح الإلهي المقدس فقط. بل هنالك أيضاً رجل من العبرانيين عالم وحكيم ومعروف. سمى جميع النفوس. بنات الله. ليس لأنه وجدها فقط عاقلة من عاقل. بل وإلى جانب هذا. رأى أن محبة أبيها نحوها هي أضعاف محبة الأباء هنا للأبناء والبنات

ولا أجد بأساً من دعم كلامنا بأقوال بعض الوثنيين من كلدان ويونانيين ممن هم خارج حظيرتنا. التي تؤيد الحق وتثبته. قال بعضهم في حديثهم عن الإله بيلوس مشبهين إياه بما لنا: أنه هو الذي خلق هذا العالم. فعندما كون وميز السماء والأرض وما يتوسطهما. انتقل للحال إلى عمل الإنسان كما نقول وكما فعل موسى وكتب. وكتبوا بصورة رمزية وبما يتناسب. هكذا “أن الإله بيلوس هذا عندما قطع رأس نفسه عجن في التراب الدم الذي سكب وجبل الناس. لهذا فأنهم عقلاء ومشتركون بالحكمة الإلهية: أما بيلوس الذي يسمى زوس فقد فصل السماء والأرض عن بعضهما عندما قطع الظلام من وسطه. والحيوانات التي لم تتحمل قوة النور هلكت. والحيوانات التي لم تهلك – كما يبدو هنا – هي قوات الثلاب والشياطين المتمردة الذين صاروا أضداداً لله خالقهم. يقول عندما رأى بيلوس مكاناً خرباً وفارغاً ومثمراً – يبدو أنه يقصد الأرض – أمر أحد الآلهة ليقطع رأسه ويعجن تراباً بالدم المنسكب ويخلق بشراً وحيوانات بإمكانهم احتمال الهواء. ثم أكمل بيلوس نفسه ( خلقة ) الكواكب والشمس والقمر والكواكب الخمسة التائهة “

فهذه تشكل بمفهومها تشبيهاً تقريبياً نوعاً ما لما نقوله نحن. وليست بعيدة كثيراً عن كلمة الحق. فهي الأخرى تخبر وتؤكد على تكوين جزء من البشر من الله. وهم عقلاء لأنهم من الله العاقل. وأصلهم من الله. كما قال وأكد واحد آخر منهم. وأنهم يشتركون في الحكمة الإلهية. ومن العدالة أن يكون المشتركون في حكمة الله. صورة الله. أن الذين يتعاملون منا بالكلمات المألوفة. لا يرون في قطع الله رأسه وانسكاب الدم منه الذي عجنه بالتراب وجبل البشر. سوى أن الله وضع جزءاً منه في جبلة البشر لكي يشتركوا في المعرفة والحكمة. حكمة الله التي يشترك فيها البشر العقلاء وذوو الفهم والذكاء. أولئك الذين صاروا على صورة الله العاقل وشبهه باقتبالهم النفخة الإلهية. فما الذي ترى يجب أن يعتقده الإنسان حقاً فيها. سوى كونها روح الله القدوس منعش ومحيي جميع النفوس الحية والناطقة. ومنير جميع العقول الناطقة. ذاك الذي تسميه الكتب هو الآخر حكمة الله. ولئن كان كثير من ملافنة الكنيسة. مفسري كلام الله في الكتب المقدسة يؤولون عبارة ” نفخ في وجهه نسمة الحياة ” التي قالها الروح عن جبل الإنسان. بأنها تعني تكوين النفس. استناداً إلى كونها وضعت فيما بعد عبارة ” وصار الإنسان نسمة حية “. بيد أن الطوباوي كيرلس الذي أخذ المزيد من روح الله. الملفان الكبير ومخزن كلام الروح. أول عبارة “نفخ في وجهه نسمة “ بشركة الروح القدس . وقد أكد هذا وثبت العبارة بقوله الصريح ” أن النفخة التي نفخها الإله في آدم صورت الإنسان تصويراً ” ويقول ” ونحن نرى ونقول أيضاً أنها شركة الروح القدس “

فإذا كانت نفخة الله هي التي صورت الإنسان تصويراً بحسب تأكيد هذا الرجل الروحاني الذي أكد كونها شركة الروح القدس. فقد ظهر جلياً. أن هذه هي الصورة الحقيقية والشبه الحقيقي بالله الذي خلقنا على صورته والذي بواسطته تكون دائماً للعقل البشري الناطق والمفكر. شركة وفاعلية الروح الإلهي. الذي ينير دائماً الأنفس الناطقة المتشبهة بالله وينقي ويطهر عقولها باستمرار. لكي تقتبل أشعة معرفة الله. لأن الله خلقنا ذوي سلطة ذاتية. ولنا إرادة حرة دائمة تتجه حيثما شئنا. سواء أمال فكرنا نحو الصالحات أم نحو الشر. وأن الخالق المدبر لا يسيرنا بالقوة ولئن يرغب في خلاصنا. ويعيننا على ذلك في كل ظرف ومناسبة. فإذا طهرنا نحن بإرادتنا الحرة. عقولنا كالمرأة لنقتبل في ذواتنا نور شركة الروح الإلهي. نكون حقاً صور الله كما خلقنا. ولكن أن أفسدنا فكرنا وغضضنا الطرف بإرادتنا عن أشعة نور المعرفة الخالق. وعن أشعة نور وصايا الله ونواميسه. وملنا نحو الشهوات الجسدية ونحو متاهات ظلام هذا العالم. نكون قد حكمنا على أنفسنا بأننا لسنا صورة الله كما خلقنا. ونظهر أنفسنا بأننا بعيدون وغرباء عن شركة وفاعلية الروح الإلهي الذي أعطيناه لدى خلقتنا. هكذا أعطى الله الصلاح للإنسان لدى خلقته إياه. وكان صلاحاً غير ثابت أو راسخ. لأنه لم يثبت في الطبع بل وضع في الإرادة التي تلتقط الصلاح مثل الصورة. لذلك فهو مهزوز فينا؛ نظراً إلى إرادتنا السيئة الميالة نحو الشرور منذ طفولتها. وبسبب الخطيئة المسيطرة علينا. وهو بلا عيب من حيث اتحادنا بالصالح ( الله )

لقد ظهر من كلمة الحق التي سلمها إلينا الروح الإلهي في الكتاب المقدس. ما الذي تعنيه صورة النفس وشبهها بالله. وما هي الصور التي تكمل العقل وتصونه بعيداً عن العبث والفساد. كما ظهر أن الأشياء التي دمجها الله في خلقته للإنسان بصورة عجيبة. تختلف عن بعضها البعض وهي غير متساوية في الجوهر والطبيعة. وذلك لكي يظهر قوته وحكمته وغنى صلاحه غير المحدود. ويثير دهشة جميع العقول الناطقة التي سبقت خلقتها. لهذا الاندماج غير المدرك. فقد دمج الروح. روحاً وطيناً لا لطبيعة الأثير. بل للطبيعة العاقلة غير الجسمانية التي دمجت معاً وركبت تركيباً عجيباً مثيراً للدهشة. طبيعة واحدة مركبة من أربعة أجسام. أي من التراب والماء والهواء والنار. منظورة وملموسة وذات أبعاد ثلاثة. وقد جمع الله وركب بحكمة ومهارة طبيعة أخرى روحية عاقلة وغير هيولية. وخلق حيواناً مركباً وعجيباً – الإنسان – من طبائع مضادة ولا تشبه العنصر. هذه التي كانت بعيدة عن بعضها البعض ومختلفة بأشواط غير محدودة. فقد قربها وركب منها طبيعة واحدة مركبة ومتحدة دون تبلبل أو تغيير. ووحدت بشكل عجيب يفوق الوصف لكي تكون واحداً حقاً. وتكون صفات كل منها حقيقية للمركب كله. ولئن تحافظ على عدم امتزاجها. فقد جمع الله معاً. منذ بداية هذا العالم. الطبيعة المنظورة وغير المنظورة. لكي يسبق فيمهد الطريق. كما اعتقد للسر العظيم ليجعله قابلاً للإيمان به وتقبله عندما يتم. وإذا صح هذا هنا. فأن الباحث المستقصي عن الخفايا. يستنتج من الكلام عن تكوين وتركيب هذا الكيان المركب – الإنسان – بأنه سر. لأن الله العارف بالأمور قبل حدوثها. سبق فرأى أن الإنسان الذي خلقه وركبه من مواد مختلفة لا يشبه بعضها البعض. سيخطئ ويسقط وسيبتعد عنه الجنس البشري برمته. وسينزل ويخلي نفسه من أجل إيجاد وخلاص صورته. لذا سبق واتخذ رمزاً ومثالاً لطريقة وسر مجيئه. من تركيب الإنسان من الطبائع المختلفة. لكي يكون شبهاً ودليلاً مناسباً لاتحاد طبيعته مع الطبيعة البشرية التي سبق وخلقت على صورته وشبهه. وسبقت وركبت هي الأخرى من الطبائع المختلفة التي لا تشبه بعضها. وبهذا أصبحت رمزاً. لتقوم دليلاً على اتحاده وتركيبه بها. الأمر الذي كان مزمعاً أن يفعله من أجل خلاصه

ولقد سبق واتخذ سر اتحاد الإنسان رمزاً وإشارة إلى اتحاد الله مع هذه البشرية. باتحاد النفس مع الجسد. ليكون صورة ودليلاً واضحاً وجلياً على اتحاد الله الخالق مع الإنسان بالجسد لدى مجيئه من أجل خلاصه. لذا. عندما جاء خالق الإنسان وأكمل الرمز. لم يتخذ الباحثون في أسرار الكنيسة للبرهان على تأنس الله واتحاده بجسد الطبع البشري ذي النفس. سوى تركيب الإنسان الذي تم من طبائع متباينة. وقد سبق وأشار بهذا إلى جميع الطبائع المتباعدة والمختلفة معاً في الخالق والمخلوق. فتجتمع مع بعضها البعض وتكون طبيعة متحدة وأقنوماً واحداً متحداً وغير منقسم. أقنوم واحد للمسيح الرب. الإنسان والإله. واتحاد تام للإله الإنسان الذي تم باتحاد عجيب غير منفصم. وإذ كان إلهاً بسيطاً صار إلهاً متحداً من أجل خلاص الإنسان المتحد

هكذا سبق الله الخالق. واتخذ رمزاً ودليلاً على اتحاده مع جسد ذي نفس. باتحاد صورته مع الجسد الحي. لأن نحن الذين صرنا بشراً ذوي نفوس كصورته. إذ استعبدنا لشهوات الجسد صرنا جميعاً جسدين. فكان من الضرورة أن يتحد الإله العاقل الذي لا جسد له ولا جسم فيصير ذا جسد من أجل خلاص وتحرير الإنسان من شهوات الجسد. إذ يجعله روحانياً وإلهياً باتحاده به ويعطيه أن يسمى إلهاً كما اشتهى ورغب من قبل عندما خدعته الحية عدوه. هكذا ركبت طبيعة إنسان من هذه المضادات. من التراب والروح. من النفس والجسد. ومن كونه منظوراً وغير منظور. من الحساس والعاقل. من الجسماني والروحاني. من زائل وماءت ومن غير المائت إلى الأبد. وهذا هو سر تركيبه

وبالإضافة إلى هذه الأسرار التي كشفها الحديث وجلاها بوضوح. نتحدث الآن عن تركيب الإنسان الذي يدهش إخوانه العقول الروحية والناطقة الذين إذ يدهشهم تركيبه يمجدون حكمة الخالق. ولكي يمثل اتحاده الله مع الجسد. ويشير الكلام بدقة وإمعان إلى أن هناك سراً آخر أبدعه الخالق الحكيم. سنتناوله بالحديث أيضاً

حيث أن الكلمات التي نطق بها غريغوريوس اللاهوتي الحقيقي هي الهام إلهي. وهي الأكثر مقدرة على وصف هذا السر. لذا سنقتبسها هنا لكي نؤيد بها رأينا. قال في مكان ما وهو يتحدث عن حلقة الإنسان. هكذا “لما كان العقل والحس قد انفصلا عن بعضهما البعض منذ مدة. وانحصر كل منهما ضمن حدوده. وظهرت فيهما عظمة الكلمة خالقهما. فكانا المشيدين الصامتين بعظمة عمله. ودعاة ذوي أصوات صارخة. فلم يكن بعد امتزاج بينهما ولا اتحاد. أي شيء من تلك الأشياء المضادة. وهذا دليل كلمة أعظم. وغنى الطبيعة. كما لم يكن غنى صلاحه قد ظهر بعد. فلما أراد الكلمة المبدع أن يصنع حيواناً واحداً من كليهما. أي من الطبيعة المنظورة. خلق الإنسان. إذ أخذ الجسد من المادة الموجودة من قبل. ووضع من ذاته الحياة التي تعرف بالنفس العاقلة وصورة الله كعالم ثان. يقيم الكبير في الصغير على الأرض ملاكاً آخر. وساجداً متحداً. وناظراً للخليقة المحسوسة. يقف على سر العاقل. ملك كل ما على الأرض. يستمد سلطته من فوق. أراضي وسماوي. زمني وغير ماءت منظور وعاقل. يتوسط العظمة والوضاعة. له روح وجسد على حد سواء. الروح من أجل النعمة. والجسد من أجل الرفعة. فتلك لكي يستمر بواسطتها ممجداً ولي نعمته وهو يكرم بالعظمة. أما هذه فلكي يتألم. ولكي يتذكر ويتأدب عندما يتألم. حيوان يوجد هنا ويتنقل إلى مكان آخر. وختام السر. أنه يتأله بجنوحه نحو الله. إلى هذا يقودني قبس ضئيل من حقيقة سناء الله. فأرى وأحب. وهذا جدير بالذي يحل ويربط في آن واحد. بل ويربط بشكل أرفع وأعظم “

بهذا ظهر السر الثالث. حيث أن النفس الناطقة والمفكرة. عندما ترى ضعف الجسد البشري الذي اقترنت به وتشعر بشهواته. وكأنها شهواتها. لارتباطهما معاً. وينالها العقاب بسبب الشهوة. وتدرك زعزعة الأمور هنا وعدم ثباتها. تهرب مما لا ثبات له أو بقاء وتنضم إلى الأشياء الباقية الثابتة التي لا نهاية لها. لتنقذ خفتها من ثقل من اقترنت به بموجب قصد الله الذي قرنهما معاً لكي يخلصا معاً كذلك. بسبب صورته التي انطبعت وصورت فيهما. أما السر في تركيب الإنسان واتحاد النفس بالجسد معاً الذي يظهر قصد الله الخالق الذي قرنهما لهذه الغاية فأننا نوضحه كالآتي

الحياة
بما أن كلمة ” الحياة ” وسمعها لا تفهم بسهولة وليست على نمط واحد. كما أن قواها ليست كلها واحدة ومتساوية في كل مكان. لذلك فأننا سنبذل بعض الجهد بهذا الصدد. يطلق الوثنيون كلمة ” الحياة ” على البشر الناطقين والحيوانات غير الناطقة. وكذلك على الأشجار والشجيرات. وباختصار نقول: أنهم يطلقونها على كل شيء. له قوة التغذية والنمو. وله نفس. وعلى الأشجار والشجيرات وعلى كل شيء له قدرة النمو من الأرض وإنتاج زرع يحافظ على جنسه كما قال الكتاب المقدس. ويقولون. أن القوة الغذائية والقوة النامية هما واحدة. ومن الواضح أنه لو لم تكن له قوة غريزية ترفعه وتعد القوت من التراب والماء والهواء والنار. حتى إذا دخل إلى جوفه تغذى به وأضاف إلى جسمه فينمو ويكون أغصاناً وأوراقاً: لما دعوه ذات نفس. كما يدعون كذا الخشب اليابس والأحجار التي لا تتغذى ولا تنمو. وبما أن هذه تتغذى وتنمو وتضيف إلى جسمها. لذا يقولون أنها حية ويؤكدون على وجود نفس فيها. ولكن ليس نفساً كاملة. بل من حيث أن لها نفس القوة الغذائية والنامية

القوى الإنسانية
أما بالنسبة إلى الحيوانات والطيور والدبابات التي تدب على الأرض فيقولون أن لحياتها قوتين. الأولى: المغذية والنامية كالتي للشجيرات. والأخرى قوة الحس والحركة التي تدلل على أنها حية. لذا يسمونها ذات نفس ويؤكدون على أن لها نفساً ليس كنفس النباتات غير المتكاملة والتي لها قوة واحدة فقط. كونها أكثر كمالاً منها. ولها قوتان في آن واحد. القوة المغذية والنامية. والقوة الحسية والمتحركة. لكنها ليست كاملة. ويقولون أن لنفس هذه ( الحيوانات ) غضباً وشهوة. لذا فهي تشتهي الآكل وتطلبه بل وتخطفه. وتهدد وتغار وتميل إلى الانتقام. أما عن الإنسان فيقولون. أن له ثلاث قوى وحياة – ونحن أيضاً نؤيد هذا – القوة المغذية والنامية كالتي للنباتات. والقوة الحسية والحركية كالتي للحيوانات. والقوة العاقلة والمفكرة التي أعطيت له كهبة من الله خالقه. باعتباره خلق على صورته وشبهه. لذلك نقول أن للإنسان نفساً متكاملة. مؤكدين أن لنفسه القوى الثلاث. فلهذه النفس غضب وشهوة وفكر منطقي. وليس غريباً أن نصفها بمركبة أفلاطون المؤلفة من حمارين وسائسهما. ولهذا الإنسان المركب شهوة كالتي للحيوانات والتي بسببها يتزوج مثلها لاقامة النسل. ويشتهي وينتزع الطعام مثلها نظراً إلى رابطهما الموحد. ثم هناك الشهوة نحو الصلاح نظراً إلى نمو النفس والجسد جنباً إلى جنب. وكذلك الغضب الذي به يغار ضد الاثم ويكره الشر. لأن كليهما مربوطان تحت مركبة ناطقة ومفكرة كربط الحمير بالمركبة. وهي قابضة على زمام إدارتها كسائس حكيم وقوي. وكمساعدة للنفس. لا بل يبدو أن الله أعطاها هي الأخرى لذاك المركب من أجل استمرار وحفظ الحيوان المركب – الإنسان – ولا يمكن للإنسان أن يتحرك نحو الانتقام من الشر دون غضب. ولا نحو اقتناء الصالحات دون رغبة أو شهوة. لذا فأن كلتيهما منحتا من الخالق الحكيم لتقويم النفس مع الفكر المتأمل المدبر. لكيما يكون الفكر بالنسبة إلى الغضب والشهوة مثل السائس بالنسبة إلى الحمير والمركبة. فيسير ويجاهد بنجاح في ميدان هذا العالم دون أن يسقط إطلاقا. ومثلما يشتهي ويريد الله خالق الإنسان. ومانح الإكليل لجهاد الجنس البشري برمته. هكذا طبعت النفس على كل الفضائل. فكانت صورة الله خالقها. وهكذا ركب الإنسان من ضدين. النفس والجسد. فصار ذا حياة مركبة موضوعة في الوسط وقريبة من كل من الحيوانات غير الناطقة والمائتة. والقوات الروحية العاقلة والناطقة وغير المائتة

وحيث أننا تحدثنا بما أوتينا من قوة. ولئن بتلعثم. عن هيئة الجسم البشري. أي الإنسان الخارجي. وعما فيه من تغييرات وخصائص معروفة. وعن تكوين النفس وتشبيهها بالله. وعن اتحادها العجيب وارتباطها بالجسد المركب الزائل. داعمين حديثنا بأقوال الروح الإلهي القوية والطاهرة. يجدر بنا الآن أن نتحدث عن النفس بإسهاب أكثر. ونبين بقدر الامكان. ماهية النفس وماهية العقل. وهل أن العقل شيء آخر غير النفس أم لا ؟. وما هي خصائص النفس المتميزة والمعروفة التي لا تنسب لأي طبيعة أخرى غريبة. بل إليها فقط

تحديد النفس
إن لفظة ” النفس ” الواردة في قاموس لغتنا النهرية. أي الآرامية. هي مقتبسة من اللغة العريقة. ولا ندري أصل هذه اللفظة ومدلولها لدى اليونان الحكماء وذوي المصطلحات الكثيرة. لأن تشبيه اللفظة بكلمة ” برد ” جاء نتيجة للهذر الكثير والجهالة ولو اعتمدنا ما أقره أولئك الأغبياء وغير الحكماء وغير المستقرين. من أن الأنفس إذ بردت من خدمتها المستمرة وقيامها الحار النشيط أمام خالقها. سميت ” منفصلة ” أي باردة. لذلك فأنها فصلت وأقصيت وتغربت عن الله خالقها وعن الأرواح غير الهيولية والعاقلة والحارة. لتسكن هذا العالم. لأنها التزمت بالارتباط مع الجسد الثقيل الصلب والمليء أوجاعاً وآلاماً. والزائل والمائت. على كل حال. ومهما دعيت ووصفت. سواء ” المنفصلة ” أو نفساً أو لفظة أخرى. فمن الضروري التحدث عن ماهيتها. معطين عنها تعريفاً محدداً وواضحاً. كما ونتحدث بقدر الإمكان عن الطبيعة غير الجسمانية بكلمات تصدر عن جسم

فالنفس هي جوهر مخلوق حي ذاتي الحركة. وإذ هي عاقلة ومن دون جسم. أعدها الله خالقها للارتباط بالجسد. وليس العقل شيئاً آخر غير هذه. أو طبيعة أخرى مغايرة وغريبة عنها. لكن هذا – كما سنحدده بقدر الإمكان – هو العين العاقلة القابلة للنور العاقل والمرشدة للنفس. يرى بالخيال والتشبيه الممعن. الأمور البعيدة كأنها قريبة. هذا هو موقع العقل من النفس. فبواسطته ترى النفس ما ترى. وبه تسمع باعتباره حاسة البصر أو السمع للجسم كله. وبه أيضاً تتذوق أو تشتم أو تمس الأشياء التي تقترب منها. ومثلما أن العين أو الأذن ليست ذات طبيعة أخرى أو غريبة عن طبيعة الجسد. هكذا أيضاً العقل ليس غريباً أو شيئاً آخر سوى طبيعة النفس. أننا استعملنا مصطلح “النفس والعقل “ بالرغم من وجود مدلولات كثيرة تشير إليهما. لأن عنصر “النفس “ أي العقل – قوام الإنسان “ – هو أكثر وضوحاً وانتشاراً. وهذا ما تصبو أن يوجد فينا فيعطينا شبه الله خالقها. الذي بسببه يقال أننا صورة الله. فالله الخالق الذي يشبه صورته هذه. هو عاقل وغير منظور وغير جسماني. والنفس أيضاً أي العقل – صورته – هي الأخرى عاقلة وغير منظورة وغير جسمانية. وهي موضع تعجب من قبل جميع ذوي العقول المبصرة والمفكرة. هذه هي طبيعة النفس. وهذا هو العقل عين هذه ( النفس )

صفات النفس والعقل البشريين

أولاِ – إن صفات النفس الإنسانية الناطقة هي الآتية: أولاً: – أنها الوحيدة التي تتعامل مع الفكر الفاحص من دون سائر العقول المخلوقة الناطقة. فأن الله والملائكة غير الهيوليين. وحتى الأبالسة الماردين. لا يفكرون. وليسوا بحاجة إلى التفكير فيما إذا ينبغي عمل هذا الشيء أم لا. فأنهم يعـرفون بمجرد نظرتهم إليه. إذ لا يوجد حجاب أمام طبيعة العقل. فإذن من صفات النفس البشرية وحدها. أن ترى إذا كان ينبغي أن تفعل هذا الشيء أو لا تفعله وذلك عن طريق الانتقال الفكري والتمحيص

ثانياً – ومن صفات النفس أي العقل البشري. لما كان العقل مرتبطاً ذاتياً بالجسد البشري المتحد به. فأنه يتخيل فكرياً فيرى ويصور في ذاته الأمور البعيدة عنه كأنها قريبة منه. فيغدو وكأنه يسافر ويتنقل دون أن يبتعد عن مكانه. في حين أنه ملازم لمسكنه – الجسد – ولا ينفصل أو ينتقل من بيته. فأنه يرتفع بسرعة نحو السماء. وبسهولة يهبط على الأرض. ويغطس في لجة البحر ويغوص دون خوف. ويطوف أرجاء العالم دون عناء. حيث يرى ويبحث بإمعان كل الأمور. ويتأمل ويدرك بدقة كل أعمال الله خالقه

ثالثاً – ومن الصفات المتميزة والظاهرة للنفس المفكرة أي العقل البشري: عندما ينام الجسد البشري المرتبط بها ويركن إلى الهدوء. ويرتاح هو الآخر معه لارتباطهما ببعضهما. يكون كالإنسان المحصور في بيت مظلم لا يهدأ عن متاهات التفكير. فيتحرك هو الآخر ويتيه في الخفاء محاولاً أن يرى ويزور ما كان يريد أن يراه ويزوره في يقظته. ولئن اعتقد بعضهم أن لبعض الحيوانات غير الناطقة كالكلاب مثلاً. شيئاً من هذا القبيل. أي أنها ترى أحلاماً وتتخيل جزئياً ما تراه في اليقظة

ومن صفات النفس البشرية الناطقة. أنها تتألم بآلام جسدها وتشقى في الأمراض والأوجاع معه وتتعذب مثله في الضيقات. لأنها مرتبطة معه إرادياً وطبيعياً. ولئن كانت غير متألمة بطبيعتها. ومتسامية عن كل ألم ومرض. وهي رصيفة تلك الروحانية غير الهيولية وغير الجسمانية. البعيدة عن كل ألم أو ضيق. والتي تتمتع بالنعمة المليئة بالأطايب والمسرات

وإلى جانب هذه. فللنفس الناطقة والمفكرة أي العقل الذي فيها. صفة أخرى. هي كرهها للشر والخطيئة والاثم. ومحبتها للصلاح والعدل والفضيلة ولئن تزل وتخطئ وتنحرف نحو الآلام والأمراض. ولها أيضاً أن تتوب عن زلاتها إذا ما أخطأت. تطلب الغفران من خالقها الرحيم. وهو بدوره. كمحب للبشر. يمنحها هذه الهبة والقوة والتوبة والمغفرة

بالإضافة إلى فضائل صورته. أعطى الله الخالق العقل البشري. أن يتحرى من ذاته المعارف ويكتشف الأمور الضرورية والنافعة متشبهاً. على قدر الإمكان. بالله خالقه ومثاله

عظمة العقل العجيبة
عندما يتأمل ويبحث فكر الناس العقلاء الباحثين. في الكائنات التي سبق الله وخلقها من أجله. ويأخذه العجب العظيم: يستوجب عليه أن يمجد الله الخالق المبدع الذي وهبه كل هذا الفهم والحكمة لدى خلقته إياه. أو من أجل أعماله العظيمة والعجيبة. أي السماء والأرض وما فيهما. ترى من لا يأخذه العجب وهو يرى إبداعات العقل البشري المدهشة التي تفوق الوصف. أقول هذا بالنسبة إلى أنواع ومقاييس الصناعات المتقنة التي تظهر في الأبنية المختلفة. وإنشاءات المدن والهياكل والحمامات ذات المغاور المختلفة المتعددة الصيفية منها والشتوية. وفي صناعة الهندسة التي تظهر في الأدوار السفلى والعليا والوسطى. الظاهرة منها والخفية. وتقاسيم الشبابيك وزخرفة الأبواب والاواوين المتنوعة والسقوف المتباينة. والأبنية ذات الحيطان المنقوشة والصور المتنوعة على الأحجار الكريمة اللماعة. وأحياناً في البلاط اللماع. وأحياناً في الذهب والفضة والزجاج الثمين البراق. وفي مواد أخرى مختلفة وزاهية. من لا يندهش لإعداد وتركيب الأنابيب وقنوات المياه التي ابتدعتها واخترعتها عقول حاذقة لمهرة الناس في هذا العالم. ترى من لا يندهش عندما يرى الصناعات التي يأتيها الناس الحاذقون بواسطة النار. وعندما يرى المواد المتنوعة المستخرجة من الأرض. الذهب والفضة والنحاس والحديد والزنك والرصاص والزجاج وغيرها من المواد. وما يصنع منها من أشياء وحاجيات ضرورية. من لا يندهش وهو يرى الصناعات التي اخترعها العقل البشري بواسطة الماء والهواء لفائدة البشر واستعمالاتهم. أحجار وأخشاب مصنعة تخدمهم بأتم استعداد. أو الذين يعدون الطعام بواسطة المكاييل ( الغربال ) وغيرهم يرفعون الماء الضروري للسقي من الآبار والبرك العميقة بالمكائن والوسائل الأخرى. وأحياناً يخرجونها من أعماق أنهار جارفة لا تسير جديرة بالدهشة. وكذلك طرق استخدام الهواء التي اكتشفها الإنسان من أجل حرفة الموسيقى والأغاني المتنوعة. في الأرغن المصنوع مثلاً وغيره من الآلات الصالحة لمثل هذه الأمور. ترى كيف نعبر عن دهشتنا واشادتنا بما توصل إليه العقل البشري بمعرفته. من المصنوعات المدهشة المختلفة من الحجر والخشب والجلود والعظام المأخوذة من الحيوانات. ومن طين الأرض الحقير ومن أغصان وأوراق الأشجار وسائر الأعشاب والعروق المتنوعة. وماذا عن اكتفاء الإنسان من الثياب مما ابتكره من الصوف وشعر الحيوانات. ومن قشور أعشاب الأرض ومن أمعاء الديدان. فهذه الأمور التي تدعو إلى الدهشة. تدعو في الوقت نفسه إلى الثناء والعجب. كما تستحق الذكر أيضاً. إبداعات المعرفة البشرية في أنواع النسيج المختلفة والثياب والأغطية المتقنة المتباينة العدة والمصنعة بحكمة. يقول الكتاب الإلهي بخصوصها – أننا نعزز كلامنا بالكلمات الذهبية بدلاً من كلمات الرصاص. أو بعبارة أنسب. لأن كلمات الروح تشد كلامي الهش – قال الله لأيوب: ” من وضع في الطخاء حكمة. أو من أظهر في الشهب فطنة “. ” من أعطى النساء فطنة النسيج ومعرفة النقش “. يقول الله هذا مظهراً به بعض المعرفة الفاعلة التي أوجدها في العقل البشري. وما هي جديرة بالإعجاب والثناء أكثر من هذه. والتي بها ترفع التسابيح لخالق الإنسان ومعطي الحكمة للعقل البشري: إبداعات رجال الفطنة المهرة في الفلاحة. من فلاحة الأرض إلى جمع الغلال والثمار وخزنها. وأنا بدوري أتساءل عن هذه الأمور على غرار قول الله: ترى من الذي أودع الحكمة في خفايا الإنسان. ومن أظهر في شهب العقل البشري فطنة؟ من الذي أعطى البشر كل هذه الحكمة والمعرفة لكي يعرفوا أن ينظموا شؤون الفلاحة ويجمعوا محصول الزرع. والحصاد والدرس. ويتقنوا خزن الخمر والزيت. وأضيف فأقول: من أعطى مثل هذه المعرفة وهذه القوة للذين يجوبون البحر بالسفن. أو أولئك الذين ينجزون أعمالاً ما بواسطة المياه الكثيرة. لكي يعرفوا كيف يهيئون لهم. بطريقة حكيمة. مراكب خشبية فوق المياه. ووسائل ومعدات أخرى. يقتنصون بها مساعدة الرياح. ويسيطرون بذلك على هيجان وقساوة البحار. ويطاون مخاوف أعماق الغمر؟

لقد توصل العقل البشري إلى كل هذه الأمور باكتشافاته. وأمور أخرى كثيرة وعجيبة ورائعة تفوق الوصف. استطاع أن يعدها ويتقنها بمعرفة ومهارة. والبحث وانتهاز الفرص. ليس فقط المفيدة منها. بل والمضرة الآثمة أيضاً. كتلك التي صنعها الناس وأعدوها لصنع الأسلحة لمحاربة بعضهم البعض. وكالتي اخترعها الأعداء المقاتلون لمهاجمة المدن. وكتلك التي صنعها أهالي المدن للدفاع ضد المهاجمين. ولم أطيل الشرح. فأعدد اختراعات حكمة العقل البشري الذي وجد في خلقته صورة وشبهاً لله الذي بهذا أظهره أنه فعلاً مثال صورته. فالله يعمل كل ما يشاء. والعقل البشري يعمل بفطنة كل ما اكتشفه بصلئيل الفنان الماهر مشيد خيمة الشهادة ليكون شاهداً على اختراعات العقل البشري. وحيرام الصوري الذي يثني عليه الكتاب الإلهي. والذي صنع جميع أدوات النحاس لبيت الرب بحسب توصية ورغبة سليمان بن داود ملك إسرائيل. وفنانون آخرون ماهرون أتوا أعمالاً عجيبة جديرة بالثناء في بلدان متعددة ومناطق مختلفة. واشتهروا في هذا العالم بسبب أعمالهم واختراعاتهم العجيبة. التي هي نتيجة الحكمة والمعرفة. مثل فيداس ودادلوس وغيرهم من الصناع الحاذقين. أنه لتطفل منا أن نأتي على ذكر أمثال هؤلاء ومن اشتهروا بالاختراعات

نتطرق هنا إلى ما هو ضروري فقط فنقول: لقد منح الله الخالق العقل البشري حكمة واستنارة بهذا المقدار في ما أتاه من اختراعات وأعمال. حتى بلغ إلى أن يصب بشكل مناسب. أعمال الطبيعة وخلائق الله. ليس فقط بالأقلام التي بها نصنع تماثيل الناس والحيوانات والطيور. من النحاس والحديد والذهب والفضة ومواد أخرى كثيرة. بل من طين الأرض الحقير المجبول. ومن مزج وتركيب الكلس والجبصين ومواد أخرى. وإضافة إلى هذه. نماذج من الأدوية والألوان المختلفة. وقد تقدم بعضهم في أصالة الفن حتى أنهم خدعوا حاسة البصر لدى البشر والحيوانات. نظراً إلى التشابه الحقيقي التام

حياة الإنسان وولادته
على هذه الصورة خلق الله العقل البشري. وثبت فيه حكمة مقارنة ومفكرة ومدركة. ومزجه بطين مركب. متغير وزائل. ومن تركيب هذه. كون هذا الإنسان المنظور وغير المنظور الذي يقال عنه أنه شبه وصورة خالقه. وهكذا أعده لينمو شيئاً فشيئاً ويتقدم نحو الأمام ويكتمل ماراً بمختلف القامات. وكاشفاً تدريجياً عن المعرفة والحكمة التي غرست فيه. ولما كنا قد ذكرنا نمو هذا الإنسان المنظور. في سياق قصته. استوجب أن نعطي هذه الناحية أيضاً. وبحسب الترتيب. ما تحتاجه من الحديث. وكذلك لفترة الحياة التي حددها لها الخالق كما سبق ذكره. فقد جاء في الكتاب الإلهي: أن الله خلق الحيوانات والنباتات ذكراً وأنثى يوم خلقها. وأن الإنسانين الأولين اللذين خلقهما من التراب وكونهما من الأرض. قد جمعهما جسداً واحداً وإرادة واحدة. شأنهما شأن سائر الحيوانات والطيور ذات نفس حية. بواسطة الزواج واتحاد الذكور والإناث بالشهوة والحب والقاء الزرع البشري من الرجل. والدم من المرأة ليقيموا نسلاً لجنسهم داخل رحم المرأة. على هذا النمط رتب الله الخالق أن يتسلسل ويتكاثر الجنس البشري. لذا قال لهم: “أثمروا واكثروا واملأوا الأرض وكونوا أسياداً عليها “. هكذا حدد الله المبدع الحكيم أن تتم صياغة وتركيب الإنسان الحي داخل رحم رطب لحمي وطيني الذي هو حجرة الطبيعة البشرية. مثل غطاء النباتات النضرة في جوف الأرض الرطبة الطينية. لأن قوام الإنسان وتركيبه هو من العناصر الأربعة: التراب والماء والهواء والنار. وربما بسبب هذا حدد الله الخالق المبدع الحكيم أربعين يوماً لاكتمال الجنين في الرحم. مقسماً ومحدداً لكل من العناصر الأربعة بالتساوي عشرة أيام كاملة. وهذا ما يسلم به أيضاً علماء الطبيعة الحاذقون. وكذلك جماعة من ملافنة الكنيسة القديسين الذين حددوا العدد أربعين يوماً لاكتمال صورة وهيئة وقوام الجسد البشري داخل رحم المرأة الحامل. ومن المعروف أنه منذ بدء الحمل يعجن ويتحد معاً النفس والجسد من أجل تركيب قوام طبيعة الإنسان المركبة. وحيث أن كليهما كانا معاً داخل الرحم. فأن الجسد يتغذى ويزداد نمواً ويكتمل ظاهرياً وتدريجياً. أما النفس فهي خفية وغير منظورة. وله قوة غريزية واحدة للحياة فقط حتى اليوم الأربعين. وهي المسماة المغذية والنامية. لذا فأن الجنين لا يتحرك ولا يشعر حتى ذلك اليوم. وبعد اليوم الأربعين حيث تظهر وتنمو في الجنين قوة الحس والحركة. يعرف عند ذاك بكونه حساساً ومتحركاً. ويحرك نفسه داخل رحم أمه مثل يوحنا بن زكريا الذي ارتعش في بطن أمه اليصابات في الشهر السادس كما يشهد الروح المبشر. هذا هو حال الجنين في الرحم. حيث يتغذى وينمو بالقوة الغريزية. ويحس ويتحرك بالقوة الحية حتى الشهر التاسع. حيث يكتمل الحمل البشري. هكذا حدد الله أن يتم حمل الإنسان وولادته خلال تسعة أشهر. ولئن يطرأ أحياناً طارىء على الطبيعة فتنقص المدة المحددة من الخالق أو تزيد

هكذا تحدد وثبت زمن الحمل البشري في البطن. وهكذا يكتمل الجسد البشري داخل أرحام الأمومة. وهو يحمل كلا القوتين النفسيتين اللتين تظهر أفعالهما فيه. واللتين أشرنا إليهما أعلاه. أي القوة الغريزية والقوة الحية. دون أن تظهر فيه قوة النطق والتفكير الذي يعتبر نفس الإنسان الحقيقية المتكاملة. وهكذا يولد الإنسان بعد الحمل في البطن مدة تسعة أشهر. ويخرج إلى هذا العالم التعيس المليء بالجرائم… وهكذا ينمو تدريجياً وبصعوبة وتحفظ. كما تظهر أيضاً النفس الناطقة والمفكرة مع نمو جسدها. حيث يدركها المعنيون تماماً من أعمالها. وينظرون إليها وإلى أعمالها ببصائرهم. وهكذا يبدو نمو هذا ( الإنسان ) صعباً بهذا المقدار. ويأخذ مدة أطول وأكثر من سائر حيوانات الأرض. كما أنه أكثر كرامة بخلقته من سائر الكائنات المحسوسة. ومن هذا يدرك كل واحد جيداً ويتحقق من الكلام القائل. أن أكرم وأحب شيء هو الذي يكتسب بجهد وصعوبة. هكذا يولد الإنسان حيث يتغذى من جسد أمه بواسطة حليب أثدائها حتى السنة الثانية من عمره أو أكثر. توجد بعض الحيوانات التي تنتصب على الأرض فور ولادتها على رجليها وتسير مع أمهاتها. أما الإنسان فحتى بعد مضي سنتين بالكاد يستطيع تثبيت أرجله ليسير على الأرض. وفي حدود السنة الرابعة. أكثر أو أقل قليلاً لدى بعضهم. تظهر النفس الناطقة ذاتها بواسطة الكلام الذي يخرج. والحركات والإشارات الجزئية التي تظهر بداية أعمالها وما في طبيعتها من قوى. وإلى أن ينمو الإنسان حتى السنة السابعة. وله تفكير بسيط ومرن. طاهر وبعيد عن كل شر. ولا يدرك حتى عري جسده الذي كان لآدم. الإنسان الأول وامرأته حواء. خلال فترة حياتهم السعيدة الخالية من الألم والضيق. الحياة المقدسة الطاهرة التي يسميها الكتاب الإلهي رمزياً. فردوس النعيم. هذه هي حال الإنسان في الأسبوع السنوي الأول من حياته. حيث لا وجود للشر فيه. ولا تحسب له خطيئة من قبل الله ديان الأحياء. كما لا يدان حتى من الشرائع الموجودة هنا. ولا من تلك التي هناك نظراً إلى حكم الله العادل. لذا فأن سن السنوات السبع الأولى لا تصلح كثيراً للتربية والتعليم. ولا أن تربى بقضيب التعليم. ولكن يجب أن يقرب منه قضيب التحذير والتخويف من الأمور المضرة. وفي الأسبوع السنوي الثاني من الحياة البشرية. يظهر بجلاء اكتسابه الطبيعي لقوة النطق والتفكير المنسوبة إلى النفس العاقلة. وهذه هي السن الملائمة للتربية والتي تخضع لقضيب المربي. كما أن الذنوب تحسب لمن في هذه السن. وكذلك ما يقضي به الحكام من عقاب

النمو والبلوغ
أن الفتى الذي بلغ السنة الخامسة عشرة. وقد اجتاز الأسبوع السنوي الثاني. يكون أكثر صلاحاً لاقتبال التربية والعلم اعتباراً من السنة السابعة وحتى الخامسة عشرة. حيث أن فكره لم يتدنس بعد بالشهوات التي تستوجب عقاباً من الموجهين. فقد قال سليمان في مطلع أمثاله عن سن الفتى هذه ” لنعطي الجهال حكمة والفتيان معرفة وفكراً “. فلمثل هؤلاء يناسب إعطاء المعرفة والفكر. لأنهم مثل الشمع الطري. لهم استعداد تام لتنطبع فيهم بجدية صورة الفضيلة وتنقش فيهم المعرفة والحكمة. لذلك دعي الذين هم في الأسبوع السنوي الثاني من حياتهم أحداثاُ. وتكون سن الأسبوع السنوي الثالث من حياة الإنسان. أي من السنة الرابعة عشرة وحتى الحادية والعشرين. مهزوزة وتنتفض بسهولة لريح الشهوات وتميل نحو مختلف النزعات بدون استقرار. وهي بحاجة إلى تغطية تامة وحرص دائم. فأنه ينمو وينضج دون سقوط في فترة الأسبوع السنوي الثالث. وليس من العسير إصلاحه واقتباله التأديب وهذا شأنه أيضاً في الأسبوع السنوي الرابع. وعندما يكمل الإنسان الأسابيع السنوية الأربعة. ويبلغ العقد الثالث. يكون قد بلغ ملء قامة الرجال يعرف… … ويصبح أهلاً للرئاسة وإدارة الكثيرين إذا كانت لديه المعرفة والحكمة. هكذا ينمو الإنسان. وهكذا يرحل عن حياة هذا العالم بأعمار متباينة. أي رجلاً كاملاً أو في منتصف العمر أو في الشيخوخة. لكي ينتقل إلى العالم الآخر بمقتضى أمر خالقه. حيث أن الحياة حددت له بسبعين سنة أو ثمانين كقول الكتاب. قال ذلك الروح المرتل بلسان النبي موسى عندما كان يطلب إلى الله من أجل شعب إسرائيل ويترجاه أن يغض النظر عن خطاياهم خلال سنيهم التي هي سبعون سنة وبالكاد ثمانون سنة. هذا هو التحديد الأخير لفترة حياة البشر

عمر الإنسان
وأود أن أقول شيئاً آخر وأنا أنظر إلى فترة حياة رؤساء الآباء الأولين الطويلة الواردة في الكتاب الإلهي التي امتدت لدى معظمهم إلى نحو تسعمائة سنة أو أكثر. كما يشهد الكتاب المقدس. بالنسبة إلى الذين ولدوا من الملائكة أبناء الله الذين شكوا ونكثوا عهدهم مع الله. واتخذوا نساء من بنات قايين وولد منهم رجال مقاتلون وعملوا شروراً كثيرة على الأرض: فقد روى لنا الكتاب المقدس أن الله قال عنهم: ” لا تسكن روحي في هؤلاء الناس إلى الأبد لأنهم بشر. بل تكون أيامهم مائة وعشرين سنة “. في حق هؤلاء فقط أصدر الله هذا الحكم وليس في حق سائر الجنس البشري الذي جاء فيما بعد. أنه لأمر واضح وظاهر أن الكتاب دون وروى عن حياة بعض رؤساء الآباء أنها امتدت بعد الطوفان إلى نحو ستمائة سنة وإلى سبعمائة أو أكثر بالنسبة إلى البعض الآخر. وكذلك زاوس اليوناني طاغية الكريتيين الذي ناهزت حياته السبعمائة سنة كما تروي مدونات وروايات المؤرخين اليونانيين. إضافة إلى هذا نقول: لا زالت حتى الآن حياة بعض الناس الهنود طويلة أكثر من سائر الشعوب. تمتد إلى ثلاثمائة وخمسين سنة أو أربعمائة سنة. ومعظمهم يعمرون حتى مائتي سنة أو مائتي وخمسين. أما في البلاد العربية الخصيبة فيعيشون حتى المائة والثلاثين سنة. ويبدو أن بعضهم حتى الآن ما زال يشملهم تحديد الله للمئة والعشرين لحياة الذين أثموا قبل الطوفان. وليس جميع الجنس البشري. سواء في ذلك الزمان أو بعده

ويجب أن نتحدث عما هو موجود الآن. ففي البلدان الغربية مثل اسبانيا وفرنسا ( غاليا ). وفي البلدان الجنوبية. سومطرة وسيفيثية بالكاد ومع الشيخوخة تمتد حياة الناس إلى نحو ستين سنة. ويستنتج من هذا. أن لمناخات المناطق تأثيراً على الشيخوخة وطول حياة الناس. مع تحديدات الله التي تحدثنا عنها. ولكن يجب أن ندرك أن أمر إطالة حياة البشر على الأرض وكيف ومتى تنتهي أيام حياتهم ويرحلون من هنا. منوط بارادة الله. لأنه يولي اهتمامه بجميعهم على حد سواء. لا بل وبكل واحد بصورة خصوصية. وبحياتهم وخروجهم وانتقالهم

اتحاد النفس بالجسد
وحيث أن الحديث تناول بما فيه الكفاية. خلقة الله للعقل البشري. وما وهبه خالقه من معرفة وحكمة. واكتشافات العقل وأعماله المدهشة. وقوام الإنسان وتركيبه من نفس وجسد. وتسلسله عن طريق الزواج والحمل والولادة والنمو. وعن مختلف سني أعماره وعدد سني حياته. يجب. لا بل من الضرورة. أن نضيف فنتحدث عن اتحاد النفس بالجسد. فمثلما أنها تحافظ على طبيعتها وخصائصها بدون امتزاج أو تبلبل أو اختلاط أو انصهار. وبعيداً عن كل تغيير أو تبديل. كذلك الجسد فأنه مستقل ومحافظ على خصائصه دون امتزاج أو تبلبل أو تغيير. نظراً إلى وحدتهما الحقيقية وتركيبهما الكامل. وكلاهما يشكلان وحدة باطنية غير منقسمة بصورة متشابهة ومتساوية وكأنها كلها شيء واحد بسيط وغير متغير. فهكذا تنسب إلى النفس آلام الجسد وكأنها من صلب طبيعتها. وتنسب إلى الجسد خصائص النفس وكأنها من صلب طبيعته. فينسب إلى النفس جوع الجسد وعطشه. وشهوة الأكل والشرب. والتعب والمرض والضعف والشعور بالبرد والحر وغيرها. فيقال عنها أنها تجوع وتعطش وتعاني المرض وتضعف وتتألم. وكذلك الجسد فأنه يهيج ويخاف ويفزع ويكتئب ويفرح ويفلح ويهش بنشاط للشجاعة والجبروت. هذه كلها تنسب إليه وكأنها من طبيعته وصادرة عنه وليست النفس هي مصدرها. ومثل هذه الأعمال لا تؤكدها النفس والجسد فقط عن طريق الأعمال المنظورة التي يأتيانها. أو العامة وتقليدهم الذين هم الآخرون يؤكدون ذلك. ولا الحديث المألوف الذي يدور حولها. ولكن الكتاب الإلهي أيضاً يشهد ويعلم هذه كلها. نهجاً على ما اعتادت إليه العامة. إذ يقول الروح المرتل: “اشبع الله النفس الجائعة “ و ” بالحديد قيدت نفس يوسف “. والذي يسرق لكي يشبع النفس الجائعة. اسرق. يقول سليمان: في حين أن النفس لا تجوع ولا تشبع بالطعام الجسدي ولا تقيد بالحديد ولا تتألم بسبب أي من هذه الأمور التي تنسب إلى الجسد فقط. ولكن هكذا ينسب أو يكتب كل ما هو للجسد على النفس. وما هو للنفس على الجسد. نظراً إلى وحدتهما الحقيقية والطبيعية التي عملها لهما الله خالقهما. والتركيب الذي يوفق بينهما في الوقت الذي هما بعيدان كثيراً الواحد عن الآخر سواء بالطبيعة أم بالخصائص المختلفة والمضادة. بما هو منظور أو غير منظور. بالحس والتعقل. بالجسد والروح. بالجسم ومن دون جسم. هكذا وحد الله خالقهما. الكلمة الخالق. النفس والجسد في وحدة حقيقية طبيعية وعجيبة وفائقة الوصف في حين أنهما شيئان مختلفان في الهدف وغير متساويين لبعضهما في الجوهر

وهكذا فأن المبدع الحكيم والقادر على كل شيء. سبق وأعدهما متناسبين الواحد للآخر. ينسب ما لأحدهما للآخر ويجعله وكأنه له. ولئن يظن الخصوم بأنهما لا يشبهان بعضهما. سواء بالصفات أو الآلام أو أي شيء آخر. أو الأسماء أو الكلمات التي تشير إليهما. فأنه ( الله ) عمل هذه بحكمة وبشكل رمزي في آن واحد. حيث سبق وأعطى صورة موضحة ورمزاً مشابهاً لسر تجسده. فقد مهد الطريق وأعطى دليلاً على ما قيل عنه من كلام. فمثلما اتحدت النفس البسيطة والعاقلة مع الجسد المركب المحسوس اتحاداً طبيعياً دون امتزاج أو تبلبل. ونسب كل منهما لنفسه ما هو للآخر دون أن يعترض أحد. أو يشك في هذا. لأن العرف والكتاب يشهدان ويوافقان على هذا كما بينا. هكذا اللاهوت البسيط العاقل الأزلي وغير المخلوق. عندما اتحد طبيعياً وحقيقياً بالناسوت المركب والمحسوس والمخلوق. باتحاد طبيعي وأقنومي عجيب لا يحد. دون امتزاج أو تبلبل أو تغيير. حيث أعطى ما هو للناسوت. ونسب إليه ما للناسوت. تشهد على هذا أقوال الإنجيل المقدسة. وليس هناك من يعترض أو يشك من العقول التي تشترك بالمعرفة. فبكل عدالة تنسب إلى ناسوته القوات والأعمال العجيبة التي كان المسيح يصنعها من شفاء المرضى وطرد الشياطين واقامة الموتى. وأن آلام ناسوته ترتقي وجوباً إلى لاهوته. الجوع والعطش. النوم والتعب. الارتباك والضيق. الحزن والخوف. وكذلك الألم والصلب والموت وجميع الأشياء الأخرى المنزهة عن الملام والخطيئة. وكل روح هي من الله. تسلم وتعترف بهذا وتعرف يسوع المسيح الذي جاء بالجسد

الهدف من خلق الإنسان والمصير
إلى هنا ينتهي الحديث المختصر والمحدود الذي قيل عن هذه. وفيه الكفاية لمن يعي كيف يسمع ويعترف. أما الآن فلنوجه حديثنا نحو هدفه. ونقول بلطف. كل ما يدور من كلام من جهة الإنسان. وأن ما يدور عنه هو ولا شك ضروري إذ يدور حول حياته في هذا العالم. وضرورياته فيه. ولماذا وضع فيه. وحتى متى يدع الله الإنسان في هذا العالم ؟ وعن موته وانحلاله منه. وعن بعث جسده من التراب. وقيامته. وعن يوم دينونة الجنس البشري برمته. وعن المجازاة المعروفة والمعترف بها التي تعطى من قبل العدالة لمن يستحق من المدركين والمعترفين. والتي تسميها الكتب المقدسة ملكوت السماء وجحيماً وناراً. عن هذه الأمور يدور الكلام في ما يخص الإنسان

ما هو ضروري للإنسان
لقد أعطي الإنسان. مسلكاً في هذا العالم الذي جاء إليه. وقد أباح له الله المعني والمدبر – أوضح كلامي هنا بأقوال الكتاب الروحي – أن يعمل في أرض اللعنات التي طرح فيها ليأكل خبزاً من عشب الحقل بعرق وجهه. حيث يجني منها بالتعب والعناء والعذاب ما هو ضروري ونافع له فقط. فقد قال له: ” أنك تأكل منها بالآلام والأوجاع طيلة أيام حياتك. وتنبت لك شوكاً وحسكاً. وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تأكل خبزك حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها. لأنك تراب وإلى التراب تعود “. لقد قرر الله للإنسان وأباح له فقط الضروريات التي تخص مسلكه في هذا العالم. وهذه الضروريات هي: أن يبني له بيوتاً من الأرض ليسكنها مع البهائم التي تخدمه. وبها يتقي برد الشتاء القارص. والحر في الصيف. ويجمع منها القوت الضروري له ولبهائمه. ويتزود منها بالأشياء الضرورية لسد حاجاته. مثل الحديد والنحاس وأمور أخرى تشبهها. ويعمل له ثياباً وكسوة منها ومن الحيوانات التي فوقها. ليتدفأ بها في زمن البرد ويغطي عري جسده. إجلالا للطبيعة وتخلصاً وتهرباً من العهارة

هذه هي كما يبدو. الأشياء التي أباح بها الله سرياً للإنسان. من أجل سكناه على الأرض ومسلكه في هذا العالم. ولكي أجمل كلامي بكلام رجل حكيم أورد هنا ما يلي: ” أن العناصر الأساسية لحياة الإنسان هي الخبز والماء والكساء. والبيت لستر عورته “. وبناء على قول هذا الرجل الحكيم. فأن البيت والثياب هي ضرورية لستر عورة الإنسان. وليس من اجل الزينة والتبجح الفارغ والباطل الذي لا طائل تحته؛ إذ يزين باطلاً قبل سكانه. ببلاط ذهبية وأحجار براقة لماعة. وجهد لا جدوى منه. ولكي نعطي لكلامنا إيضاحاً أكثر عن هذه الضروريات. لا بد من إضافة شيء آخر هنا مناسب وضروري. من أقوال هذا الرجل الحكيم. فقد قال بهذا الصدد ما يلي: ” أن رأس كل الأشياء الضرورية لحياة الناس هو الماء والنار والحديد والملح ولب الحنطة والحليب والعسل وعصير العنب. والزيت. وأدوات الغطاء والملابس “. ويضيف سارداً أشياء أخرى مناسبة جداً. ليظهر أن هذه كافية للأتقياء وخائفي الله الذين لا يطمعون في أمور زائدة. ولئن يسعى الجشعون بجشع وراء أمور أخرى. فأنه يقول: أن هذه كلها خلقت صالحة للصالحين وخائفي الله. ولعنة وشراً للأشرار والأثمة. هذه فقط كانت الأشياء الضرورية لسكنى الناس في هذا العالم. أما الذهب والفضة وما يشبهها. فقد وجدت كنتيجة للطمع الشديد. وأثارت على الجنس البشري بل وحياته برمتها حروباً ومظالم وغيرها من الشرور الكثيرة. فأن جميع حاجات الإنسان قد سدت ولم ينقصه شيء حتى ولو لم تكتشف هذه. فليس هناك كلمة واحدة تشير إلى اكتشاف الذهب والفضة قبل الطوفان. حتى ولا ذكر لها إطلاقا. ومع ذلك لم تكن حياته في هذا العالم تنقصها حاجة. ولم تكن له حاجة ماسة إلى الذهب. أذن فليكن معلوماً: أن اكتشاف هذه ليس فقط دون فائدة. بل هو ضار ومسبب للشرور. وأن محبة المال هي أم وأصل كل الشرور كما دعاها القول الرسولي

لماذا الإنسان في العالم ؟
إلى هنا يكون الحديث قد أوضح بإيجاز الأمور الضرورية لمعيشة الناس. أما لماذا وضع الإنسان في عالم العذاب والعناء والأمراض. بعد سقوطه وخطيئته؟ وعلى أية قاعدة تقرر هذا. وحتى متى يخضع لحكم هذا القضاء؟. فسنوضح هذه الأمور الآن بصورة سريعة. فالإنسان لم يرسل إلى هذا العالم ليمكث فيه أو يسكنه إلى الأبد. بل من أجل أن يؤدب فيه كالطفل في مدرسة التربية وتمحى خطيئته وذنب آدم وعصيانه بالكامل. ولكي يدرك عندما يتأدب. أن هذا العالم هو حقاً غابة البكاء وليس مسكناً. وساعة أحلام غير مستقرة أو مستمرة وليس كمال الأشياء. وإذا اعترف بهذا. غض نظر تفكيره عما هو هنا. وإذ ينظر نحو خالقه منتظراً خلاصه. فإنه يتشبث ويصمد دون تزعزع. على رغبة ومحبة الأمور الثابتة والباقية. هذا هو السبب الذي من أجله طرد الإنسان ووضع في هذا العالم. وقد امتد حكم القضاء بهذا المقدار حتى شمل الجنس البشري. لكي يعيش سوية وهو شقي ومعذب بشرور هذا العالم. في الحمل والولادة والتربية والضيقات والأوجاع والنزعات والآلام والأمراض وضعف الشيخوخة. ومن ثم بالموت وفساد الجسد. والبقاء في الأرض حتى اكتمال عدد المختارين المفرزين الموجودين في كيان الإنسان منذ خلقته. المعنيين والمعروفين لدى الله خالقهم. منذ بداية وجود الإنسان. وحين اكتمال هذا العدد. سينقطع فوراً نسل الجنس البشري وتتوقف مسيرة هذا العالم التعيس الشقي. وهذا هو سبب تيهان وغربة الجنس البشري الشقي في هذا العالم

هذه هي حياة الإنسان في هذا العالم. لذا فأنها ستكتمل فيما بعد الموت والفساد في القبور. وانحلال وتلاشي أعضاء الجسد في الأرض. وتبديد عظامنا في الهاوية كما يقول المرتل. فسيرسل الجسد إلى التراب بقرار من الله. ومن هناك ينتقل كل من العناصر إلى ما هو من جنسه. الماء والهواء والنار. حتى يبقى التراب وحده حقاً على الأرض مثيله في الجنس. أما النفس فستنتقل أما عند أنفس الصالحين مع جموع الملائكة القديسين. أو عند أنفس الأثمة مع زمر الأبالسة المتمردين. كل واحد بحسب حكم الله الصادر بحقها حتى يأتي وقت قيامة الجنس البشري كله والدينونة والمجازاة العادلة المقضية على كل واحد بحسب أعماله. وبموجب مسلكه وأفعاله هنا. وبهذا يكون الحديث قد شمل كل هذه الأمور. وتأكد بشهادة الرجال القدامى والمحدثين. آبائنا مثبتي الكنيسة المتبحرين الصادقين والجديرين بالثقة الذين علموا وسلموا إلينا

البعث والقيامة
وحيث أن الحديث تطرق إلى البعث والقيامة. استوجب أن نتوسع قليلاً بشأنها. فنتحدث عن الأمور الهامة مشيرين إلى الأقوال الصادقة التي قيلت فيها. والأقوال المزيفة التي يجب ألا تقبل. إذ ليس لجميع الذين يعترفون ببعث الأموات وقيامة الأجساد من التراب. آراء صائبة فيها. لذا ولكي يكون كلامنا عنها واضحاً ومستنيراً. رأينا أن نضع نصب أعيننا أولاً اختلاف الآراء بشأنها بالترتيب المناسب مع العدد المشير إليها. ومن ثم الكلام الصادق والصائب. إلى جانب الشهادات المقبولة. مضيفين ما يناسب من أقوال الروح الإلهي. إسنادا وتأكيداً لكلامنا بخصوصها

أولاً – لقد خاصم قوم من الهراطقة اليهود المعروفين بالصدوقيين. المسيح. منكرين حدوث قيامة الأموات. وقالوا في حالة حدوثها يكون الزواج بين الرجال والنساء أمراً ضرورياً. إلا أن المسيح برده. سفه هذه الهراطقة وأبطلها قائلاً لأولئك الضالين: ” أنكم تضلون لأنكم لا تعرفون الكتب ولا قوة الله. تعلمون أنه في القيامة لا يتزوج الرجال نساء ولا تكون النساء للرجال. بل يكونون كملائكة الله في السماء. هكذا هم “

ثانياً – وقال آخرون بجنون: أن الأجساد في القيامة تكون روحية أثيرية. لا أجساداً كثيفة ذات احساس ثابت وسليم. ودعماً لرأيهم يستشهدون بقول بولس القائل: ” وأن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد. لكن الآن لا نعرفه بعد “. ويدعون بأن أجسادنا أيضاً ستكون مثل جسد المسيح في القيامة. فهؤلاء يدحضهم قول الرب لتلاميذه: ” المسوني واعرفوا أن ليس للروح لحم وعظام كما ترون لي “. فإذا كان للمسيح بعد القيامة لحم وعظام ملموسة. فهي ليست أثيرية أو روحية. بل جسم سليم وقائم يحتوي على العناصر الأربعة. وإذا دعموا قولهم بدخوله والأبواب مغلقة. فليعلموا أن هذا يدخل في نطاق أعماله الإلهية الخارقة للطبيعة. وليس لأجسادنا أن تدخل بعد القيامة والأبواب مغلقة. أما قول بولس فلا يشير إلى أن جسد المسيح ليس لحماً بعد القيامة. بل إلى أن جسد الرب لا يخضع بعد قيامته من بين الأموات إلى الشهوات الجسدية الطبيعية التي كانت له قبل القيامة. وآخرون يهذون عن قلة العقل ويقولون: سوف لن تكون للأجساد. الهيئة التي كانت لها قبل القيامة. ويتساءلون عن ضلالة. ما الحاجة إلى أن تكون لهم أيد وهم لا يعملون شيئاً. لماذا تكون لهم أرجل وهم ليسوا بحاجة إلى المشي ؟ لماذا تكون لهم أعضاء التناسل وهم لا يتزوجون ؟ أنهم يقولون هذا لأنهم لا يدركون أن ذاك الذي أهله الله ليشترك في صورته مهما كان كبيراً أو صغيراً. لا يدعه يهان أو يهلك. ولا يفكرون بما كتب. بأن كل ما خلقه الله هو حسن. فإذا كان حسناً. كل ما خلقه الله الذي هو أكثر علماً وحكمة. أذن فأعضاء الإناث قد خلقها الله مكون الطبيعة ضرورة وهي حسنة. إذ استحقت هي الأخرى لشركة صورته. لذا فلا تترك للفساد لتهلك وتصير وكأنها لم تكن. لكنها ستستقر في أماكنها لدى تجديد الأجساد البشرية. وسيبقى أيضاً شكل الجسد الذكري. وشكل الجسد الأنثوي. وسيظل الرجل رجلاً والمرأة امرأة. فالمسيح بقوله: “يكونون كملائكة الله لا يزوجون ولا يتزوجون “ لا ينفي وجود رجال ونساء. بل يشير فقط إلى أنهم لا يتزوجون. لذا. وحيث أن جميع الأجساد البشرية اشتركت في صورته. فأنها ستقوم كاملة بهيئاتها وأعضائها الكبيرة والصغيرة دون أن يطرأ عليها نقص ما .ويبعث من جديد صفاء الطبيعة ونقاؤها الكامل. متحرراً من كل الشهوات والعيوب. ومن كل الزوائد والنواقص. ولم أطيل الكلام وقد تجمله كلمات رسولية قليلة ألهمها الروح. تلك التي بها تظهر الأمور الحقيقية والسليمة. قال بولس الإلهي في قيامة الأجساد البشرية: “تزرع بفساد وتقوم بلا فساد. تزرع بهوان وتقوم بالمجد. تزرع بضعف وتقوم بقوة. يزرع جسد نفساني ويقوم جسد روحاني. هناك جسد نفساني وجسد روحاني “

هذا ما قاله الروح الرسولي في الأجساد البشرية. حيث يسمى جسداً نفسانياً. الجسد الذي له جميع الشهوات الجسدية والنفسية كالجوع والعطش والنوم والمرض وما شابهها. والغضب والشهوة والتشوش. الخوف والضيق. وسائر شهوات النفس الأخرى. وهذه كلها تخص ذاك المركب. أما الروحاني فهو الذي قد تحرر من كل هذه. ثم يستطرد الرسول قائلاً: ” لا يستطيع اللحم والدم أن يرثا ملكوت السماء. ولا الفاسد يرث عدم فساد “. فهو يسمي الجسد المستعبد للشهوات الجسدية والنفسية لحماً ودماً وفساداً. أما ملكوت السماء فقد سماه عدم الفساد. وهو ما سيمنح الله للذين يحبونه. ثم يقول: ” لا نرقد كلنا أي نموت. بل كلنا نتغير “. ويشير هنا إلى تحرير الأجساد البشرية من الشهوات. ولما أراد أن يظهر ماهية مفاعيل القيامة وقوتها. قال: ” أن هذا الفاسد سيلبس عدم فساد. وهذا المائت عدم الموت. فيتم القول المكتوب: أن قد ابتلع الموت بالغلبة. فأين شوكتك أيها الموت. وأين غلبتك أيتها الهاوية ؟ “

فقد أوضح الروح الرسولي بهذه الكلمات صراحة. أن تحريراً كاملاً من جميع الشهوات الجسدية والنفسية سيتم للأجساد البشرية في القيامة من بين الأموات وبتسميته دائين كبيرين هما الفساد والموت. يكون قد أخرج وحرر جميع الأجساد التي ستقوم من بين الأموات. من سائر الشهوات. لذا فأن الأجساد ستتحرر في القيامة من جميع شهوات الجسد. وليس من هيئة أعضائها التي أعطتها إياها الطبيعة بأمر خالقها. فهذا هو شكل قيامة الأجساد البشرية بموجب إعلان الأقوال الإلهية

” لما وصل الكاتب. أي المعلم الحكيم. إلى هنا. انتهت حياته وانتهى حديثه. فأكمل البقية الأسقف جاورجي أسقف العرب والطائيين وبني عقيل الذي في عهده تمت كتابة هذا الكتاب وهذه اللوحة أيضاً “

الدينونة
لنتحدث الآن عن الدينونة التي ستتم – كما ذكر – بعد البعث وقيامة أجسادنا من القبور. فنذكر أولاً أن الكثيرين اعتادوا جهلاً. تسمية الدينونة عقاباً. قياساً بالذين يصدرون قرارات حكم ضد البعض ويقرنونها بالعذابات والضيقات والآلام المختلفة. بسبب إجرامهم وشرورهم المتنوعة. لذا يقولون: أن فلاناً أصدر مرات كثيرة أحكاماً قاسية ومريرة ضد المتهم الفلاني. أو أن الحاكم الفلاني لم ينصف كثيراً المتهم الفلاني الذي مثل أمامه. وتوجد هنا وهناك في الكتاب المقدس. عبارات توحي بالظن بأن ما حدث هو حقيقة. كالتي قالها يعقوب أخو الرب في رسالته الجامعة: ” لأن الحكم هو بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة. وكما قال الرسول بولس وأشعيا: ” لأنه بنار يدين الرب ويمتحن بها كل جسد “. وكما جاء في إنجيل يوحنا على لسان مخلصنا: ” الذين عملوا الصالحات إلى قيامة الدينونة “. أنه فحص واستقصاء وامتحان يجريه الديان مع بعضهم عما اقترفوه. ومع البعض الآخر عما عانوه واحتملوه من الغبن والمظالم. والدليل على هذا هو. أن أياً كان يستطيع. لو شاء. أن يجد في الكتب الإلهية ما لا حصر له منها. ويقارن بين الأمور الصغيرة والكبيرة. ومنها شهادة الكتاب. وما أمر الله قضاة بني إسرائيل بواسطة أشعيا النبي قائلاً…. وكذلك … و… كما نبه الله مراراً. وأيضاً وما قاله داود. وما قاله داود وأرميا. وكذلك.. ما قاله داود. والكثير مما هو على غرار ذلك

بيد أن الشهادة الأكثر وضوحاً على حقيقة هذا. ما قاله الروح المرتل نفسه بشأن الأثمة الكاملين الظاهرين. ” لذلك لا تقوم الأشرار في الدين “. فإذا كانت الدينونة عقاباً وعذاباً كزعم بعضهم. فكيف يقول “لا يقوم الأشرار للدينونة “ أي العذاب؟. فهذا لا يتناسب. ولكن المعروف أنه قال هذا بالنسبة إلى الأشرار الذين تميزوا من البطن. فمثل هؤلاء لا يستحقون حتى أن يقوموا في الدينونة مع الصالحين. فأن أعمالهم لا تحتاج إلى بحث وتمحيص أمام الديان. لأنها مكشوفة ومفضوحة أمام كل واحد. لذا فأن دينونة الله العتيد للجنس البشـري عادلة ومستقيمة

وسيكون امتحان وفحص وتمحيص بعد البعث وقيامة أجسادهم من الموت. ويتم ذلك بحسب اعتراف وأقوال كل واحد بشكل ملائم وعادل جداً. ومثلما يحدث في هذا العالم بالنسبة إلى الذين حصلوا على رئاسات عليا أو دنيا. ويودون تسليم بعض السلطات لمن هم أدنى منهم. أي يقيمونهم وكلاء على بيوتهم وأعمالهم. أما كمأجورين أو كعبيد أن حدث. أو أحياناً كأبناء. وكما اعتادوا. عندما تنتهي المدة المقررة. أو عندما يرغب الرؤساء ويحسن لهم أن يمثلوا أمامهم للمقاضاة والامتحان. أي التمحيص والفحص والحساب. في ما أسلم لكل منهم واؤتمن عليه. هكذا الله أيضاً رئيس الرؤساء وملك الملوك وسيد السادات. مزمع أن يمتحن ويدين. أي أن يفحص ويبحث مع كل الناس. في كل الأشياء التي أسلمهم إياها وائتمنهم عليها. وقد سبق فكر مهم إذ منحهم إياها وعن تصرفهم منذ اليوم الأول لخلقتهم وحتى اليوم الأخير يوم بعثهم. ليس فقط بالنسبة إلى ما ذكرناه وسردناه. مما فعل. بل أيضاً بالنسبة إلى أمور أخرى لا تحصى. وإذ فعل الله هذا. لا لكونه محتاجاً إلى الدينونة والفحص ليعرف أعمال وأفعال البشر. لأنه هو الذي يعرف خفايا القلب. وهو فاحص الكلى والقلوب كما هو مكتوب. وكل شيء مكشوف وظاهر أمامه. من أعمال وأقوال وحتى حركات الفكر. ولكن ليظهر للملائكة والناس على السواء. أنه يدين المسكونة بحق والشعوب بالاستقامة. ويجازي بعدل كل إنسان بحسب مسلكه وثمار أعماله كما تصرح الكتب الإلهية: ” معروف هو الرب. قضاء أمضى. الشرير يعلق بعمل يديه “. ثم ” لأنه لا ينسى المسكين إلى الأبد. رجاء البائسين لا يخيب إلى الأبد “

من المعلوم لدى العارفين. أن ما ينسب إلى الله بأنه يجلس على كرسي القضاء ويدين ويفحص ويمتحن ويختبر أعمال الناس وأفعالهم. إنما ينسب إليه بحسب اصطلاحنا نحن البشر. كما كتب عنه أيضاً هنا وهناك في الكتب المقدسة في العهد القديم والجديد. وكما يكتب عنه الآخرون. أو كما ينسب هو إلى نفسه. فلا يوجد هناك أو عنده كرسي أو مجلس ملموس. أو دينونة وامتحان بمعناه الحرفي. بل ما يليق بالله من سلطان غير هيولي ودينونة معينة وامتحان عقلي. وهو وحده يعرف كيف سيكون. لا بد وأن سيكون حقيقة لا كذباً. كما تشير وتنادي كتب جميع الأنبياء والرسل المقدسة. والأكثر وضوحاً وجلاء رب الأنبياء والرسل نفسه يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عندما يظهر في مجيئه. كما كتب بولس. ذاك الذي هو ديان الحق كما رتل داود. ذاك الذي صرخ في الإنجيل المقدس بلسان يوحنا قائلاً: ” أن الآب لا يدين أحداً بل أعطى الحكم كله للابن “. ثم يستطرد: ” وكما أن للأب حياة بذاته. هكذا أعطى الابن أن تكون له الحياة بذاته. وأعطاه سلطاناً أن يدين “

أولاً – إن هذا الديان هو ابن الإنسان الذي ستظهر علامته في المساء. والعتيد أن يرسل ملائكته مع بوق كبير ويجمع مختاريه من الرياح الأربع من رأس السماوات وحتى رأسها الآخر

ثانياً – هذا هو الديان ابن الإنسان العتيد أن يأتي بمجد أبيه مع ملائكته القديسين ليجازي كل واحد كأفعاله

ثالثاً – هذا هو الديان الذي ستقوم ملكة التيمن أمام عرشه في الدين لتحاكم جيل اليهود وتدينهم

رابعاً – هذا هو الديان الذي سيقوم أمامه رجال نينوى ومعهم جيل اليهود ليحاكموه ويدينوه

خامساً – أن هذا الديان والسيد الصالح هو الذي يشد وسطه ويتكئ عبيده الصالحين ويتقدم ويخدمهم إذ يراهم وقد شدوا أوساطهم وأناروا مشاعلهم منتظرين مجيئه من العرس

سادساً – هذا هو الديان الذي أقام على بيته ذلك العبد الأمين الحكيم. ليعطي الطعام في حينه. وعندما يراه يعمل هكذا. يعطيه الطوبى حيث يقيمه على كل ماله

سابعاً – هذا الديان. هو ذلك الرجل الغني الذي كان له وكيل… ولأنه كان يبدد أمواله دعاه سيده وقال له أعطني حساب وكالتك لأنك لن تستطيع بعد الآن أن تكون لي وكيلاً

ثامناً – هذا الديان. هو ذلك الرجل الذي إذ أراد أن يسافر. دعا عبيده وأعطاهم وزنات. ولدى عودته سيثني على الذين تاجروا بها حسنا ويدخلهم إلى فرحه. أما العبد الشرير الكسول الذي طمر وزنته ولم يتاجر بها فيخرجه إلى الظلمة البرانية ويداه ورجلاه مشدودة

تاسعاً – هذا هو الديان الذي يأتي في منتصف الليل مع الصراخ. ويدخل معه إلى خدر العذارى الحكيمات اللواتي أضأن مصابيحهن

عاشراً – هذا هو الديان ابن الله الذي سيعترف أمام أبيه الذي في السماء بكل من يعترف به أمام الناس. ومن أنكره من الناس. ينكره هو الآخر أمام أبيه الذي في السماء

الحادي عشر – هذا الديان هو المسيح الذي نحن جميعاً عتيدون أن نقف أمام عرشه الرهيب عراة مطمئنين ليجازي كل واحد بجسده بحسب ما عمل. صالحات كانت أم سيئات

الثاني عشر – هذا الديان هو ابن الإنسان الذي. إذا ما جاء بمجده وجميع ملائكته القديسين معه. يجلس على عرش مجده وتجتمع أمامه جميع الشعوب. ويميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف عن الجداء. ويقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره. ويوجه للذين عن يمينه العبارة المفرحة قائلاً: ” تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم “. أما الذين عن يساره فيقول لهم: ” اذهبوا عني أيها الملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته “

هذه كلمة موجزة عن الدينونة والامتحان. أي البحث والفحص الذي سيجريه الديان للجنس البشري بعد البعث وقيامة أجسادهم من القبور

مجازاة الصالحات والسيئات
والآن من الضروري أن نتحدث باختصار عن مجازاة الصالحات أو السيئات الواردة في كلام الديان. والتي ستعطى من الديان العادل لكل واحد بحسب ما يستحق. تلك التي تدعى حصراً ملكوتاً وجحيماً

يزعم البعض أن مجازاة الصالحات أي التمتع بالخيرات الذي سيتم للصالحين والأبرار في العالم الآتي. سيدوم إلى الأبد نظراً إلى أن صلاح الله ورحمته غير متناهية وغير قابلة للتحديد. والتي بها يعطينا أكثر مما نستحق من خيراته وأنعامه. أما مجازاة السيئات أي العقاب والعذاب الذي سيأخذه الآئمة والبغاة بسبب أعمالهم الشريرة. فلا يستمر إلى ما لا نهاية. بل سيكون ونهاية للعذاب. وفور ما يتعذب ويتطهر كل واحد بما يستحق. فيدخل الجميع إلى ملكوت السماء. وبذلك يتم ما قاله الرسول الإلهي. حينئذ سيكون الله “إله الجميع “. إذ ليس جديراً بمكاييل الله العادلة ومقاييسه المستقيمة أن يتعذب الإنسان في ذلك العالم إلى الأبد وبلا نهاية. من أجل مدة قصيرة يخطئ خلالها في هذا العالم. علماً بأن فترة العالم برمتها هي قصيرة قياساً بطول فترة العالم الآتي غير المتناهية. وأن يتنعم الصالح إلى الأبد إلى ما لا نهاية. بمقدار ما يأتيه من نعمة الله ولطفه

إن ملافنة البيعة الفقهاء القديسين جميعهم. يعلمون ويرشدون ويخالفون هذه الفكرة والعقيدة الباطلة. أي تلك تزعم بأن للعذاب نهاية. مستشهدين بقول الرب الذي أوردناه بعد الفصل الأخير القائل: ” ويذهب هؤلاء إلى العذاب الأبدي والصالحون إلى الحياة الأبدية “. ومن المعروف أن عبارة ” إلى الأبد ” تنطبق هنا على الفريقين بلا حد ولا نهاية. وأن مجازاة الأعمال الصالحة تدعى ملكوتاً. أما مجازاة الأعمال الشريرة فجهنم النار. ويعرف الفهماء أن هذه التسميات اقتبستها الكتب الإلهية من عرفنا. إذ لا يوجد في هذا العالم أعظم وأسمى وأرفع كرامة ونعيماً وشهرة مما للملوك وأبناء العائلة المالكة. لذا فأن الكلمات المدونة. في محاولتها نقل إلينا ما نستطيع سماعه. دعت حصراً عظم وسمو الخيرات المعدة للقديسين وصانعي الصالحات التي ستكون في العالم العتيد: ملكوتاً. وحيث أنه ليس في هذا العالم ما هو أقسى وأكثر إيلاماً من الأحتراق بالنار. لذلك فأن الكتاب. في محاولته التعبير لنا بقدر المستطاع عن شدة الألم والعذابات المريرة وقساوتها المحفوظة للأثمة وصانعي الأثم في ذلك العالم. دعاها مجتمعة. جهنم النار. وإذ أراد مخلصنا أن يطلعنا. كما أعتقد. على الاختلافات الكثيرة بالنسبة إلى الكثرة والقلة. والزيادة والنقصان. الموجودة في مجاراة الصالحات والسيئات. قال: أن كل واحد سيجازى بحسب أعماله. وكما جاء في مكان ما من إنجيل يوحنا: ” في بيت أبي منازل كثيرة “. فالاختلافات كثيرة بالنسبة إلى الكثرة والقلة والزيادة والنقصان. في صالحات هذا العالم وسيئاته. أي مسراته وضيقاته. كما نلاحظ من الأعمال نفسها

ومثلما نؤمن ونعترف نحن المسيحيين. بأن هناك مجاراة للصالحات والسيئات في العالم الآتي. وهي غير زائلة ولا نهاية لها. بحسب تعليم وشهادة الكتب الموحى بها من الروح. هكذا أيضاً تصورها وقال بها بعض الوثنيين الذين ليس لهم رجاء القيامة كقول الرسول. فقد دعوا مجازاة الأعمال الصالحة. جزر السعداء وبقاع اليزيوس. وكما أعتقد. فأنهم قالوا بهذا لأنهم سمعوا منا أي من كتبنا تذكر الفردوس. أما مجاراة الأعمال الشريرة التي سيتحملها أولئك الذين عاشوا بالأثم. فدعوها جحيم. ويقولون أن هو مكان متوسط في غاية الظلمة ولا أشعة فيه. يكونون فيه وكأنهم غارقون في الطين ويمتصون ماء. وفيه يتعذب الأثمة. هو نهر أكثر برودة من الكل يتعذب فيه جميع الخطاة. هو نهر يغلي أكثر من الكل. يسقط فيه ويتعذب جميع الأثمة. وأعتقد أن هذه الفكرة اقتبسها الوثنيون من سفر دانيال النبي حيث ذكر فيه: “نهر نار جار “ الذي هو أعظم رعباً ورهبة من هذه العذابات وغيرها من الهذيانات الوثنية. فإذا كان قليميس الروماني الذي تتلمذ لبطرس رئيس الرسل يهذي برأيه ويشكك لما كان وثنياً. لأنه لم يكن يدري ما الذي سيحدث بعد موته. إذ كتب عن نفسه في المقال الأول من كتابه ما يلي: كنت أقول: إذا كانت تلك تسبب لي ضيقاً أكثر من هذه. أذن علي أن أحتمل هناك أشياء قاسية لأنني لم أتصرف بالعدالة والبرارة. وأني أسلم. بما يقول بعض الفلاسفة عن مثل وأمكث معاقباً في الهاوية إلى الأبد.
وقد أطلقت كتب الوثنيين. كما ذكرنا أعلاه. هذه التسميات على العقوبات والعذابات والظلمة. أما كتبنا المسيحية فقد دعتها الهاوية التحتانية. البارنية. بكاء وصرير الأسنان. دوداً لا يموت. ناراً لا تنطفىء. نهر نار. جهنم نار

أما الأطايب والتنعمات المعدة للأبرار والتي دعاها الوثنيون جزر السعداء. وبقاع الفردوس كما قلنا. فنسميها نحن المسيحيين: جنة النعيم. جنة المسرات. الخدر الذي لا يزول. العرس الذي لا يحول. مظال النور. منزل الأطايب. مسكن الأفراح. الأماكن الشهية. ملكوت السماء. ومن المعلوم وكما قيل وكتبنا. أن العذابات والتنعمات دعيت كذلك تمشياً مع عرفنا ومصطلحاتنا نحن البشر. كل شعب بحسب تقليده واختلاف لغته. وليس لكونها مادية. فالعقل البشري لا يستطيع أن يدرك كمية وكيفية وماهية مجازاة الشرور. ولا كمية وكيفية وماهية مجازاة الصلاح. بل أنها مثل مرآة ولغز قبل أن نعرف كما عرفنا. وبحسب القول الرسولي: ” العين لم تر. والأذن لم تسمع ولم يخطر على قلب إنسان ما أعده الله للذين يحبونه “. كذلك هو الأمر بالنسبة إلى ما يعده للذين يبغضونه. ولكن هذا أمر لا بد من حدوثه. حيثما يأخذ كل واحد جزاء أعماله وأمانته من الديان العادل. الذي هو ملك الكل وسيد الكل وإله الكل مخلصنا يسوع المسيح

خاتمة
هذه كلها في ما يخص العلة الأولى والخالقة. الأزلية والقادرة على كل شيء. وغير المخلوقة. التي هي الإله الواحد ضابط الكل الذي يفهم بوحدانية الجوهر. ويدرك في الوقت نفسه ويمجد بثلاثية الأقانيم: ففي مقال ما من الكتاب الأول تحدثت أيضاً عن الخليقة التي جاءت إلى الوجود بواسطة العلة الأولى. فتلك غير منظورة وظاهرة. أما هذه فمنظورة ومحسوسة. وفي كتابنا هذا الثاني في مقالات سبع بذلت جهداً بقدر المستطاع وبحسب طاقة تفكيري الطبيعية. يا بني محب الله قسطنطين. يكفي لاستنارتك وفائدتك. ولجميع الذين سيصادفونه في المستقبل. سائلاً إياك وإياهم. أن تقدموا أولاً صلواتكم عوضاً عن ضعفي للجهد الذي بذله حسب طاقته. ومن ثم إذا لاحظتم هنا وهناك في الكلام عن الخليقة ما يخالف تعليم بعض ملافنة البيعة القديسين. فلا تلوموني. فأن كلاً منا تحدث عن الخليقة بحسب إدراكه واعتقاده. وبما رآه ملائماً لطبيعة الأعمال. وأن ما نستفيد من الحديث عن الخليقة. كما يقول الملافنة القديسون. هو أن ندرك الحقيقة. وأن لا يكون هنالك خطر أن أخطأنا. أما في ما يخص الحديث عن اللاهوت أي ملء الألوهية. أو أي حديث عن الإيمان. فأني عارف وواثق بأني لم أجرؤ أن آتي بشيء جديد أو غريب. ما خلا بما نطق به الروح القدس. وتحدثت به كتب الأنبياء والرسل المقدسة. والملافنة المقتدرين بالله. فإياه تبعت أنا الصغير وسلمت به وأسلمته إليك وللآخرين لتقرأوه. وهذا هو الأفضل بالنسبة إلي وإلى كل محب الحق المبين

نصلي كخطاة. ونتضرع للثالوث الأقدس غير المخلوق والأزلي والمساوي في الجوهر. الذي منه تمنح كل حكمة ومعرفة وفهم. وتقدم لخليقة الملائكة الناطقة كلها. وخليقة البشر. كل مثلما يستحق وبقدر ما يستحق. لكي يعطينا المعرفة والحكمة في كل شيء بحسب الدعاء الرسولي. حتماً إذا ما استنرنا به واسترشدنا بالقول والأفعال يؤول ما أتيناه إلى فائدتنا وخلاصنا وعوننا والآخرين. من أجل كرامة… وكرامة… هنا وفي العوالم الآتية في كل ساعة والآن وفي كل أوان وإلى أبد الآبدين آمين

ديباجة الختام
أنتهي المقال السابع من ” الأيام الستة ” أي تكوين الخلائق. تأليف المطران يعقوب أسقف مدينة الرها. المجد للآب الذي ساعد والابن الذي قوى. والروح القدس الذي آزر. آمين

أنتهي هذا الكتاب في الساعة السادسة من يوم الخميس في الثامن من شهر آذار. عام ألف ومئة وثمانية وأربعين بالتقويم المكدوني ( 837م ). كتبه الخاطئ المحتاج إلى رحمة الله. والضعيف والشقي ديوسقورس. الكاتب… والقس في الوظيفة. وأتوسل إليك أيها القارئ أن تخشى الله وتصلي من أجلي. بجاه محبة الغربة

لمجد وعزة وجلال وعظمة الثالوث الأقدس المساوي في الجوهر. الأب والابن والروح القدس. أهتم ووضع هذا الكنز الروحي. إكراما له ومن أجل فائدته وجميع محبي الله الذين يرغبون في … الله من أجل أسمه القدوس اجتهد ووضع. ليكافأه الله برأفته: الحسنات والصالحات في هذا العالم وفي العالم الذي لا يزول: المتعة مع القديسين. والراحة في مظال النور له… ولصاحب الكتاب ويكتب أسمه في سعر الحياة في أورشليم السماوية. ويصنع الراحة والذكر الصالح لموتاه. ويرش عليهم طل الرحمة يوم ظهوره من السماء بصلاة والدة الإله مريم البتول وجميع القديسين آمين

يا ابن الله. وابن البتول مريم. المسيح الإله الحقيقي. ترحم على الكاتب… القس ديوسقورس وأهله برحمتك أن يقف أمامك باسفرار الوجه يوم دينونتك العادلة

“ الأيام الستة “ مار يعقوب الرهاوي

اليوم السادس
الانسان الذي خلقه الله على صورته

يعقوب الرهاوي