تعريفه – موضوعه – أهميته – فوائده – مصادره – أزمنته
– عصوره – أقسامه – أشهر مؤرخيه – أنواعه – ما قيل فيه
ليس بإنســانٍ ولا عاقـــلٍ من لا يعي التاريخ في صدرهِ
ومن درى اخباراً من قبله أضاف أعمـاراً الى عمره
تعريفه:
التاريخ لغةً تعين الوقت. ومصطلح علمي يبحث عن أحوال الأمم الغابرة وانباء العصور السالفة واخبار الوقائع الماضية بوجه الحقيقة والتفصيل منذ فجر الحياة الى يومنا هذا. وهو من أهم العلوم التي يفتقر الانسان اليها اذ به تستنير الأذهان في معرفة نفسية الشعوب وعلل سقوطها وأسباب نهوضها. ولولا التاريخ لجهل الأحفاد أخبار الأجداد وغابت أخبار السلف عن الخلف. فهو كما وصفه شيشرون الخطيب الروماني : أنه شاهد الأزمنة، ونور الحق، وحياة الذكر، ومدبر الحياة ورسول القدم
موضوعه
هو أخبار الماضين من الأنبياء والحكماء والمشاهير والدول من حيث نشأتها ونموّها وهبوطها والأمم من حيث أخلاقها وعاداتها وأنسابها وصنائعها وعقائدها وتجاراتها. فهو يتضمن البحث عن ذلك كله مع تعيين الاوقات وبيان العلل والأسباب. فليس التاريخ مجرد سرد القصص والأحاديث بل هو حقائق سياسية واجتماعية ذات علاقة بالآداب والمؤثرات الاقتصادية والمواقع الجغرافية. فكل حادث تاريخي نتيجة عمّا قبله وسبب لما بعده فإذا تهيأت الأسباب حصلت المسبّبات. وما التاريخ سوى سلسلة حوادث متّصلة الحلقات يجمعها جامع السببيّة
أهمية التاريخ
للتاريخ أهمية كبرى بالنظر للمميزات التي امتاز بها عن سائر العلوم فهو يوقظ روح الهمّة والانتباه في نفس مطالعه ويضرم نار المحبة الوطنية في قلب دارسه. وحسبنا دليلاً ساطعاً على عظم أهميته شدة اعتناء الغربيين به واهتمامهم الزائد بتدريسه في مدارسهم وتفننهم الغريب في أساليب تلقينه لطلابهم وتوسعهم العجيب في فروعه شأنهم في بقية العلوم العصرية. فالمربون عندهم يوسعون له المقام الأول بين الدروس وينزلونه المنزلة اللائقة به في برامج المدارس وعليه يعولون في بث الروح الوطنية والعاطفة القومية في نفوس الصغار من أبناء قومهم. وفضلاً عن هذا فقد دلّت التجارب على ان التاريخ من جملة العوامل القويّة التي تمهد أسباب النجاح أمام الذين يتولون احدى المناصب الوطنية او الوظائف المالية او الخدم الاجتماعية. اذ قلما يتوفق الانسان الى ما يرمي اليه في احدى هذه الوظائف ان لم يكن عارفاً الحقائق التاريخية معرفة تامة مطلعاً على دقائقها اطلاعاً واسعاً. لأن التواريخ كما قال باكون شيخ فلاسفة الانكليز ” تجعل الانسان ذكياً “
والمطّلع على حقائق تاريخ أمته ليس كمن يجهلها لأن الأول بمعرفته ماضي أمته ووقوفه على أدوارها السالفة التي مرّت بها تضطرم في قلبه نار المحبة الجنسيّة التي طبع الانسان عليها فينصرف اذ ذاك الى التفاني في سبيل خدمتها مغالياً في الحرص على صوالحها بكل ما أوتيه من حول وقوة متطرفاً في محبتها. أما الثاني فلجهله ماضي أمته تصغر في عينيه قيمتها فيعرض عن خدمتها وتهون عليه مصالحها. وهو لا يبالي بأمر من أمورها سواء عنده ان نهضت او كبت لأن الاشياء ترخص عادة في نظر أصحابها اذا جهلوا قيمتها وتغلو في أعينهم متى علموا ثمنها. ومن الامور المقررة أن الأشياء لا تقدر الا بعد ان تعرف ماهيتها
ومما يؤسف له أن نرى ابناءَ شعبنا جاهلين تاريخ أمتهم وقوميتهم معرضين عن درس حقائقه ولا يخفى ما لهذا النقص الاجتماعي من التأثير في حياة الشعب ومصيرها فقد اوشكت المحبة الوطنية أن تزول من قلوبهم وهانت عليهم الطائفة كما هان الفلس عند المبذر. وقد شبّه أحد المشاهير الأمم التي تجهل تاريخها بالأبناء الذين يجهلون آباءَهم
فوائد التاريخ
فوائد التاريخ كثيرة ويمكن حصرها فيما يأتي
أولاً – ان الانسان بمطالعة التاريخ يقف على جميع التقلبات التي طرأَت على الكون منذ أول عهده. فيعلم حوادث البشر في الأزمنة الماضية ويقف على عقائد الأمم البائدة ومدنيتها وسائر أحوالها بوجه التفصيل كأنه قد عاش منذ بداءَة العالم وشاهد كل الوقائع بعينه مع أن عمر الانسان قصير جداً فمطالعة التاريخ تزيد من عمره
ثانياً – بمطالعة أخبار الماضين يتعظ المرء فيتخذ العبرة والمثال الحسن اذ يعلم سرّ نجاح بعض الدول وانقراض او تأخر غيرها فتتّضح لديه اذ ذاك جلياً فضائل الأمم العظيمة الراقية التي فازت على أقرانها في مضمار المدنية، ورذائل الأمم السافلة التي داهمها الانقراض بسبب فساد أخلاق ابنائها وانغماسهم في الشهوات والرذائل فينظر الى أحوالهم بعين التبصر والانتقاد ويستخرج من ذلك عبراً لنفسه وللملّة التي ينتسب اليها
مصادر التاريخ
قد يسأل القارئ عن كيفية وصول أخبار الأقدمين الينا وعن المصادر التي أعتمد عليها المؤرخون في تسطير الحوادث وتدوين الأخبار فنقول أن مآخذ التاريخ التي تكوّن المرجع في تسطيره هي كل أنواع الآثار وهذه الآثار على ثلاثة انواع وبها وصلت الينا أخبار الأقدمين وهي: الآثار المضبوطة، والآثار المنقولة والآثار القديمة
الآثار المضبوطة : هي تصانيف المصنّفين الذين عاشوا في وقت وقوع الحوادث التي دوّنوها كتاريخ صلاح الدين لابن شدّاد، والفتح القدسي للعماد الكاتب، وتاريخ الصليبيين للبطريرك ميخائيل الملقب بالكبير. وهذه اصح التواريخ كلّها ومثلها المحرّرات الرسمية والمعاهدات الدولية والشروط الاتفاقية المقامة بين شعوب مختلفة وكذلك المجلات والجرائد. ومنها الأشعار التاريخية عند أكثر الشعوب كأشعار هوميروس القصصية التي ضمّنها تاريخ اليونان القديم وانتصارهم على أمم الأرض المعروفة في ذلك الزمان.
الآثار المنقولة : هي الأحاديث المنقولة أي الأخبار غير المكتوبة والمنقولة من شخص الى آخر في أزمنة متتابعة. فقد كان الانسان في أول عهده يقصّ ما جرى له من الحوادث والوقائع على أولاده واحفاده وهؤلاء بدورهم كانوا ينقلونها لأبنائهم وأحفادهم جيلاً بعد جيل ويلبسونها من الزخرف والغرابة ثوباً يجعل جلّها مستحيلاً. وبقي الحال على هذا المنوال حتى ابتداع الكتابة فسارع إذ ذاك الناس الى تدوين أعمالهم ونقشها على صفائح المعدن أو الآجر. وهذه الآثار قلّما يوثق بها أو يعتمد عليها لأنه بإنتقالها من شخص الى آخر يشوبها التغيير ويعتريها زيادة أو نقصان والتقليل النادر منها تظل سالمة صادقة.
الآثار القديمة : هي الأبنية والتماثيل والعواميد والأسلحة والتوابيت والنقود الباقية من الأمم السالفة أعني ما ترك القدماء من الأطلال كخرابات مصر وبعلبك وتدمر وبقايا مصنوعاتهم كالمنقوشات والأواني الخزفية والحجرية. وعلى كثير من تلك الآثار كتابات بخطوط غريبة استخرج منها أخبار كثيرة مهمة حتى أن بعض الممالك كمصر وبابلونيا وآشور لم يعرف لها تاريخ الا بواسطة النقوش والكتابات التي اكتشفت على آثارها. وهذه الكتابات والنقوش بقيت مجهولة عهداً طويلاً حتى توفق علماء الآثار الى حلّها وقراءتها بعد مقاساة الأتعاب الشديدة وأهم تلك الكتابات والخطوط الخط الهيروغليفي المنقوش على الآثار المصرية الذي حلّه العالم الفرنساوي شمبليون سنة 1822 والخط المسماري المنقوش على العاديات المكتشفة في وادي الدجلة والفرات وقد أهتدى الى حل رموزه هنري رولنصن سنة 1837. فكل هذه الآثار تشهد لحقيقة التاريخ شهادة تنطق بلسان حالها عن صحة مضمونها
أزمنة التاريخ
يقسم مؤرخوا أوربا أزمنة التاريخ الى قسمين: الأول، الأزمنة المجهولة وتعرف بأزمنة ما قبل التاريخ وهي المدة التي مضت قبل ابتداع الكتابة. والثاني، الأزمنة التاريخية وهي المدة التي تلت ابتداع الكتابة
أزمنة ما قبل التاريخ
هي الأدوار التي مرّت على الانسان منذ الخليقة الى عهد اختراع الكتابة. ولم يرد شيء من أخبار الامم التي عاشت في تلك العصور سوى ما روته الكتب المقدسة وهو مجمل لا يشفي الغليل انما أستدل العلماء على بعض أحوالهم وعاداتهم من الآثار التي خلّفوها فعثر عليها المنقبون مدفونة في بطون الارض على بعد سحيق بين ركام من حصى ورمل وتراب تجمعت تدريجياً فأحاطتها وحافظتها من فعل الهواء وحرارة الشمس. وقد تفرغ جماعة من الباحثين لدرس هذه الآثار وفحصها فادّى تنقيبهم الى الوقوف على حقائق كثيرة بحالة الانسان الذي عاش في تلك الأزمنة وأفضى بهم الى وضع قواعد علم جديد هو ” الاركيولوجيا ” اي علم العاديات وهو من العلوم الحديثة التي لا يزيد عمرها عن مائة عام يبحث عما يكتشف من آثار الانسان
وقد قسموا هذه الأزمنة الى أربعة أعصر كبرى ودعي كل منها باسم المادة التي صنع منها الانسان أدواته وأسلحته في ذلك الدور وهي: العصر الحجري، والعصر الحجري الحديث، والعصر البرونزي والعصر الحديدي
العصر الحجري القديم: هو الدور الذي أتخذ فيه الانسان أسلحته وأدواته من الشظايا الصوانيّة دون أن ينحتها أو يهذبها وكانت عيشته في هذا الدور ساذجة فطرية
العصر الحجري الحديث : أخذ الانسان في هذا الدور يستخدم الأدوات والأسلحة من الحجارة المنحوتة والمصقولة صقلاً محكماً
العصر البرونزي : في هذا الدور أهتدى الانسان الى البرونز وشرع في إذابته واستخدامه في لوازم معيشته
العصر الحديدي : هو آخر أدوار أزمنة ما قبل التاريخ وفيه خطى الانسان خطوة مهمة في طرق الحضارة باكتشافه معدن الحديد. ويعد هذا الدور بمثابة جسر موصل بين الأزمنة التاريخية والأزمنة السابقة للتاريخ
الأزمنة التاريخية وأقسامها
الأزمنة التاريخية هي الأعصر التي مرّت على الانسان منذ اختراع الكتابة الى يومنا هذا ويقسمها المؤرخون عادةً الى أربعة أدوار كبرى وهي القرون
الأولى ـ القرون الوسطى ـ القرون الأخيرة ـ القرون الحديثة
القرون الأولى : هي المدة التي مضت منذ فجر التاريخ الى إنقراض الامبراطورية الرومانية الغربية سنة 476 م. ففي تلك السنة انتهت غزوات البرابرة للسلطنة المذكورة فزالت وأنقرضت ودخلت اوربا في طور جديد وصارت تدار الأمور على نظام حديث نشأت منه ممالكها المعروفة في يومنا الحاضر
القرون الوسطى : تبتدئ هذه القرون من إنقراض السلطنة الرومانية الغربية سنة 476 م وتنتهي بإنقراض السلطنة الرومانية الشرقية وفتح القسطنطينية بيد العثمانيين سنة 1453. ومدة هذا الدور هي 977 سنة وقد دعيت القرون الوسطى بالقرون المظلمة لتوغل اوربا يومئذٍ في الظلمة والجهالة
القرون الأخيرة : تبتدئ من إنقراض السلطنة الرومانية الشرقية سنة 1453 وتنتهي بالثورة الفرنساوية سنة 1789. تلك الثورة التي نشرت لواء العدالة والحرية وسبّبت انقلاباً عظيماً في أحوال العالم. ومدة هذا الدور 336 سنة وفيه خطت الأمم نحو المدنية خطوات واسعة وبزغت أنوار الحضارة في أفق اوربا
القرون الحديثة : تتضمن الحوادث والوقائع التي جرت منذ الثورة الفرنساوية 1789 الى وقتنا الحاضر
اقسام التاريخ
يقسم التاريخ الى : مدني وقد تقدم ذكره، وديني وطبيعي
فالتاريخ الديني
يبحث عن أمور الدين منذ الوحي به الى أيامنا وفروعه ثلاثة: الاول، ماسطر الاخبار الدينية السابقة زمان المسيح وذلك هو تاريخ العهد القديم وركنه الأسفار الالهية القديمة. والثاني، ما دوّن أخبار المسيح وسيرة المخلص وهو تاريخ العهد الجديد ويؤخذ من أخبار العهد الجديد. والثالث، ما ذكر الاحوال الدينية بعد المسيح وهو تاريخ الكنيسة ونشأتها ونموها وانتصارها على أهل البدع مع ذكر مجامعها وسير أحبارها
أما التاريخ الطبيعي
فيبحث عن الموجودات العضوية وغير العضوية المؤلفة منها الكرة الأرضية ويعـرف بعلم المواليد الثلاثة وهو يقسـم الى ثلاثة اقسام كبرى وهي :
علم الحيوان ـ علم النبات ـ علم المعادن
أقسام التاريخ المدني: يقسم التاريخ المدني الى عام وخاص. فالتاريخ العام يبحث عن حوادث ووقائع العالم أجمع. والتاريخ الخاص يبحث عن حوادث قوم أو دولة ما فقط دون أن يبحث عن الأمم الأخرى ما لم يكن لها علاقة مع ذلك القوم. واذا اقتصر التاريخ الخاص على ذكر شخص يسمى ترجمة أو سيرة.
ويقسم التاريخ بإعتبار موضوعه الى عدة أقسام: تاريخ السياسةـ وتاريخ القضاءـ وتاريخ التجارةـ وتاريخ الادب, وتاريخ الاجتماع, وتاريخ الاقتصاد
واضع علم التاريخ
ان واضع علم التاريخ غير معلوم إنما يؤخذ من الكتابات المنقوشة على العاديات المصرية والآشورية أن المصريين والآشوريين القدماء كانوا أكثر الناس ميلاً الى تدوين حوادثهم بالكتابة الهيروغليفية والمسمارية على الصخور والحجارة والآجر. ويقال أن الرغبة في تدوين الأخبار قصد اطلاع الأحفاد والأعقاب عليها هي التي دفعت الانسان الى استنباط الكتابة
أول مؤرخي العالم
أول مؤرخ كتب التاريخ على الطريقة العلمية هو هيرودتس الرحّالة اليوناني الذائع الصيت الملقب بأبي التاريخ. وظهر بعده في القرن الرابع قبل الميلاد مؤرخ اسمه تسياس وهو طبيب فارسي كتب كتاباً في تاريخ الفرس القديم. وهيرودتس هذا وتسياس وهوميروس الشاعر اليوناني الذي نظم أشعاره القصصية في القرن العاشر قبل الميلاد هم عمدة التاريخ القديم واليهم المرجع في تحقيق الحوادث القديمة فيما عدا التاريخ المقدس
اول كتاب مقدس تاريخي
اول كتاب مقدس دونت فيه الحوادث والوقائع التاريخية بصورة منسّقة هو التوراة وقد كتبت في القرن الخامس عشر قبل الميلاد
المؤرخون
المؤرخون هم الفئة التي تتفرغ لتحقيق الحوادث وتمييز غثها من سمينها والبحث عن أسبابها ونتائجها وعواقبها وهو يقسمون من حيث صحة الرواية الى قسمين: راوون ومشاهدون. امّا الراوون، فهم الذين ينقلون ما يرونه امّا سماعاً أو استدلالاً. والمشاهدون هم الذين يشاهدون الوقائع بأنفسهم ويدوّنون ما يشاهدونه ويسمّى المؤرخ المشاهد “شاهد عين” وهؤلاء أصدق المؤرخين وأولى بالإعتماد على تواريخهم لا سيما اذا خلصوا من شوائب الاغراض
علاقة الجغرافية بالتاريخ
للجغرافية علاقة كلية بالتاريخ من شأنه أن يسجل الحوادث التي جرت. والجغرافية من شأنها أن تفيدنا عن الأماكن والبلدان التي حدثت فيها تلك الحوادث. وهنالك علوم تعدّ مساعدة للتاريخ ونبراساً للمؤرخ وهي: علم معرفة التآليف والكتب Bibliography معرفة الكتب القديمة Pateography علم المسكوكات القديمة Numismatics علم الكتابات Epigraphy علم السجلات Sigilography السياسة او مؤامرات الدول واتصالاتها Diplomacy علم التوقيت chronology علم الآثار القديمة Archaology علم قراءة الاقلام Calligrapyh علم اللغات Linguistics
أشهر مؤرخي السريان
ان أشهر مؤرخي السريان هو العلامة الكبير مار غريغوريوس ابن العبري مفريان المشرق المعروف بأبي الفرج الملطي المتوفي سنة 1286 الذي خلف آثاراً أدبية جليلة نشرت أسمه في سائر الآفاق وخلّدت ذكره على ممرّ الأيام. وقد رزقت مؤلفاته القيّمة حظاًَ من عناية ذوي الفضل في الشرق والغرب نخصّ بالذكر منها تصانيفه التاريخية التي نالت قسطاً وافراً من إهتمام العلماء وهذه التواريخ عبارة عن تأليف واسع وضعه بالسريانية ودعاه كتاب تاريخ الأزمنة وقسمه الى ثلاثة مجلدات : يحتوي اولها كتاب تاريخ الدول يتضمن اخبار العالم ودولة العشر الكبرى منذ الخليقة الى قرب سنة وفاة المؤلف 1284 وقد نشر هذا القسم بالطبع الأب بيجان سنة 1890. اما القسم الثاني فهو فرعان : فرع يتضمن أخبار قدماء الأحبار وأسماء بطاركة انطاكية مع ذكر تراجمهم وأخبارهم، وفرع يبحث عن مفارنة المشرق الذين أورد اخبارهم مفصلة الى زمانه وهذا القسم ايضاً نشره بالطبع المستشرقان ابلوس ولامي سنة 1872 – 1873 في لوفان.وعرّب المؤلف القسم الأول من تاريخه الى العربية تلبية لطلب بعض وجهاء العرب ودعاه بتاريخ مختصر الدول وقد ضمّنه أموراً كثيرة لا توجد في المطول السرياني ولا سيما فيما يتعلق بدولتي الاسلام والمغول وتراجم العلماء والاطباء وهذا التاريخ طبع لأول مرة سنة 1663 في مدينة اكسفورد بالعربية واللاتينية بمراجعة العلامة يوكوك وهي طبعة نادرة الوجود كثيرة الاغلاط ثم ترجمة بوّر الى الالمانية سنة 1783 وأعيد طبعه بالعربية سنة 1890 في بيروت بهمة الاب صالحاني. روى المؤلف كل ما روى في تواريخه عن خبرة، وذكر الوقائع والسير والتراجم على ضياء الشمس لا رسم القلم ولولاه لفاتتنا حوادث كثيرة. وذكر الكثيرين من مشاهير الشرق وكتبته المبرّزين لا سيما أنه أخذ عن غيره من المؤرخين ممن ضاعت تآليفهم أو عزّ وجودها وهذا ما جعل الاوربيين يتهافتون على اقتناء تواريخه في نشرها طمعاً في جليل فوائدها
أشهر مؤرخي السريان
يلي ابن العبري البطريرك ميخائيل الكبير 1199 + صاحب التآليف النفيسة منها تاريخه السرياني الكبير من عهد الخليقة الى أواخر أيامه وقد عني بنشره الاب يوحنا شابو J. B. Chabot مع ترجمته الى الفرنسية باريس 1898 – 1910 ولهذا التاريخ ترجمة أرمنية نقلها الى الفرنسية لانجلو V. Langlois ) ونشرها سنة 1868. وروى الناشر في مقدمة الكتاب أن الورتبيت داود ترجم القسم الأول منه وأكمل ترجمة القسم الثاني القس اسحق سنة 1248 مضيفاً اليه أهم الحوادث التي جرت في أيامه. وقد نشر بعض فصول من هذا التاريخ دولوريه ( Dulaurier ) في المجلة الآسيوية2. وللتاريخ المذكور ترجمة عربية ركيكة بالخط الكرشوني يوجد منها أربعة نسخ الاولى في مكتبة دير الزعفران والثانية في مكتبة ديرنا مار مرقس بالقدس والثالثة في المتحف البريطاني في لندن والرابعة في قرية صدد. ويرتقي تاريخ هذه الاخيرة الى القرن الخامس عشر نسخها أحد رهبان دير مار موسى في النبك اسمه “ربان عبدالله الحلبي من عيلة الشدياق”
وهناك فئة من المؤرخين عاشت قبل الجيل العاشر منها يوحنا اسقف آسيا الآمدي الذي طبع تاريخه كورتون سنة 1853. ومار يعقوب الرهاوي صاحب التاريخ الذي ذكره مراراً ايليا مطران نصيبين. والبطريرك ديونوسيوس التلمحري مؤلف التاريخ الشهير الذي أسهب في وصفه العلامة ريت3 وغيرهم مما لا يسعنا الوقت لذكرهم
اشهر مؤرخي الكنيسة
ان أشهر مؤرخي الكنيسة هو اوسابيوس اسقف قيصرية فلسطين ولد نحو سنة 270 م وجُعل اسقفاً على قيصرية فلسطين سنة 315 وتوفي نحو سنة 338 وهو أبو التاريخ الكنسي. يقع تاريخه في عشر مجلدات وأشتهر بكونه أهم تاريخ كنسي وُضع في الازمنة القديمة
مشاهير المؤرخين في الأعصر القديمة
اشتهر في الأعصر القديمة جماعة من المؤرخين نخصّ بالذكر منهم سنكنياتون المؤرخ الفينيقي، وفيلون الجبيلي، ومانيثون الكاهن المصري الذي عاش في القرن الثالث قبل المسيح، وكنفوشيوس المشترع الصيني معاصر هيرودتس، وبدروسوس الكاهن الآشوري الذي صنف تاريخاً وقدمه لبطليموس فلادلفوس ملك مصر سنة 283 ق. م، واكسينوفون اليوناني الذي وصفه شيشرون بأن كتاباته أحلى من العسل فلقب بالنحلة وتوفي سنة 355 ق م. وديونوسيوس الهاليكرناسي اليوناني الذي الّف كتاباً في آثار رومية القديمة في عشرين مجلداً فُقد معظمه ويوسيفوس المؤرخ العبراني الشهير في رومية سنة 103 م
مؤرخوا العرب
امّا مؤرخوا العرب فكثيرون وقد استقصي ما صنفوه من التواريخ فبلغ زهاء الف وخمسمائة وأشهرهم اليعقوبي وابن بطريق وابن جرير الطبري وابن خلدون وابن الأثير وابن خلكان وابن العبري وابي الفداء وابن الوردي والرازي والبخاري والمقريزي والادريسي والمسعودي والاصبهاني وابن الجوزي وابن المحاسن والنويري وابن عربشاه وابن بشكوال وغيرهم كثيرين يطول بنا ذكرهم
أعظم مؤرخي العرب
ان أعظم مؤرخي العرب بلا مراء هو العلامة ابن خلدون فقد أتى على ذكر فواعل الأحداث ونتائجها وذكر ما للهيئة والبيئة والاقتصاد من العلاقات في تكوينها ومقدمته تعرف عند الغربيين باسم ( Prologamina ) وقد ترجمت هذه الى جميع اللغات الحية
العظماء الذين ولعوا بالتاريخ
كان الاسكندر مولعاً جداً بمطالعة أشعار هوميروس التاريخية، والسلطان سليم الفاتح كان يطالع سير القياصرة، والملك كارلوس الخامس كان منكباً على مطالعة سيرة الملك لويس الحادي عشر، وكان الامبراطور شارلمان مغرماً بالتاريخ حتى انه كان يقيم اناسـاً يقرأون له فصولاً منه أثناء تناوله الطعام. ويروى عن نابليون الأول أنه كان منشغفاً بمطالعة سيرة يوليوس قيصر بطل الرومان وهنيبال القرطجني
أنواع التاريخ
للتاريخ معنى آخر وهو : عصرٌ، او مدة طويلة من الزمن وقعت في بدايتها حادثة عظمى كظهور نبيّ أو تبدل دولة او تأسيس مدينة، هذا ما نعنيه عندما نقول التاريخ الميلادي والتاريخ الهجري. أما الحوادث التي يجعل المؤرخون ابتداء تاريخهم منها فتختلف بإختلاف الأمم والممالك، فاليونانيون يبدأون بتاريخهم من الألعاب الأولمبية التي كانت تجري مرة كل أربع سنوات، والرومانيون من بناء مدينة روما، واليهود من خلق آدم، والمسيحيون من ميلاد المسيح، والمسلمون من هجرة النبي من مكة الى المدينة وقد جرت في 16 تموز سنة 622 م وهم يؤرخون بالليالي لاعتمادهم على رؤية الهلال، والأقباط يؤرخون من مقتل الشهداء في عهد الامبراطور ديوكلسيانوس فيبدأون من يوم تولية هذا الامبراطور في 29 آب سنة 284 م، والارمن يعتبرون يوم اجتماع ( تيبن ) الذي حرّم أحكام مجمع خلقيدونية بدءاً لتاريخهم وقد عقد في 9 تموز سنة 522
علم التاريخ امس واليوم
كان التاريخ في باديء أمره عبارة عن سرد وقائع متناسقة وأخبار متتابعة خالية من الفائدة العلمية. فكان المؤرخون يعنون بتدوين أسماء الملوك والسلاطين وتعيين أوقات جلوسهم ووفاتهم وأشهر حروبهم ووقائعهم مع بيان عدد الجنود التي أنزلوها الى ميدان الحروب ومقدار القتلى والاسرى الى غير ذلك من الامور التي لا ينطوي تحتها فائدة تذكر. فأهملوا البحث عن حالة الأمة من الوجهة الاجتماعية والاقتصادية والصناعية. وهكذا بقي التاريخ لا يكاد يكون له شأن مذكور بين العلوم والفنون الى القرن التاسع عشر حين نهض بعض المحققين فصيّروه علماً قائماً بذاته فخرج اذ ذاك عن كونه وقائع مسرودة الى حقائق سياسية واجتماعية مرتبطة بالآداب والمؤثرات الاقتصادية والمواقع الجغرافية وأصبح من العلوم التي يتلقاها الطلبة في المدارس فوضعت في أصوله الكتب الموثوقة المأخوذة عن أصدق المصادر الّفها فريق من الكتبة الذين قلّبوا خزائن الأوراق الرسمية لحكوماتهم رأساً على عقب ولم يسأموا من التنقيب بين ألوف السجلات الرازخة تحت غشاء من غبار الأجيال التي مرت عليها سعياً وراء الحقائق التاريخية الموجودة فيها
ما قيل في التاريخ
لقد أكثر العلماء من تحديد التاريخ ووصفه والتنويه بفضله وهاك شيئاً مما قيل فيه نجعله مسك الختام لبحثنا هذا
قال ابن خلدون فيلسوف مؤرخي العرب: “اعلم أن فنّ التاريخ فنّ عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية اذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياستهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا “
وقال احد الفلاسفة القدماء: “أعظم أمر يبحث عنه الانسان هو الانسان”
وقال ابن الاثير: ” التاريخ معاد معنوي يعيد الأعصار وقد سلفت وينشر أهلها وقد ذهبت آثارهم وعفت. وبه يستفيد من عقول التجارب من كان غراً ويلقى من بعده من الامم وهلمَّ جرا فهم لديه أحياء وقد تضمنتهم بطون القبور وعنه غيب وقد جعلتهم الأخبار في عداد الحضور. ولولا التاريخ لجهلت الأنساب ونسيت الأحساب ولم يعلم الانسان ان أصله من تراب وكذلك لولاه لماتت الدول بموت زعمائها وعمي عن الأواخر أحوال قدمائها ولم يجد علماً بما تداولته الارض من حوادث سمائها “
وقال الجبرتي في تاريخه “عجائب الآثار في التراجم والاخبار” ما يأتي : ” اعلم أن فن التاريخ من أجلّ الفنون قدراً واعمّها بين الأنام فائدة اذ به عرفت الشرائع والأحكام وما جرى للأمم في سالف الأزمان من غرائب الحوادث التي تستنير بها الأذهان. فلا جرم ان كانت مطالعة الكتب التاريخية منتجة للتخلي عن الخصال المذمومة والخلال الرديّة والتحلي بالأخلاق الشريفة ومحاسن الفضائل والسير المنيفة ليطلع بها الانسان في يسير من الزمان على وقائع آلاف من السنين كأنه قد عمر وشاهد هذا الحين فهو فن تشد اليه الرحال وتسمّوا اليه همم الملوك والاقيال منافعه عامة تشترك فيها الخاصة والعامة تندرج فيه علوم كثيرة لولاه ماثبتت اصولها ولا تشعبت فروعها “
وفي كتاب “أخبار الدول وآثار الأول” للقرماني مايأتي: ”علم التاريخ هو الأخبار عن الكائنات السابقة في العالم والحادثات سواء عهد حالها أو تقادم فهو السبيل الى معرفة أخبار من مضى من الأمم وكيف حلّ بالمعاند السخط والغضب فآل أمره الى التلف والعطب وكشف عورات الكاذبين وتمييز حال الصادقين ولولا التاريخ لماتت معرفة الدول بموت ملوكها وخفي عن الاواخر عرفان حال الأُول وسلوكها “
وقال موفق الدين البغدادي:”وينبغي للانسان أن يقرأ التواريخ وان يطلع على السير وتجارب الامم فيصير بذلك كأنه في عمره القصير قد أدرك الامم الخالية وعاصرهم وعاشرهم وعرف خيرهم وشرهم “
وقال بعض الملوك يوصي ولده: “يا بنيّ لا تغفل عن قراءة الكتب ولا سيما التواريخ القديمة فإنك تطلع بها بكل سهولة على ما كسبه غيرك بكل مشقة”
هذا ما عنّ لنا كتابته في هذا الموضوع ولعلّ القراء من أبناء شعوبنا يجدون فيما كتبناه دافعاً لدرس تاريخ أجدادهم حتى اذا ما علموا أخبارهم ووقفوا على احوالهم أقتفوا خطواتهم وساروا على آثارهم
المؤسسة الامريكية للدراسات السريانية – نيوجرسي