الصدقة – الصلاة – الصلاة الربانية – الصوم – الكنز الحقيقي – الله والمال – الله يعتني بنا
الصدقة
عدد 1 : “ احترزوا من ان تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم ، والا فليس لكم اجر عند ابيكم الذي في السماوات.
اي اذا تصدقتم على احد فلا يكن ذلك امام الناس بقصد الافتخار والتكبر . لان الكبرياء تفاجئ الانسان من حيث لا يعلم فكونوا متيقظين منها . و قوله ” قدام الناس ” لا يراد منه انه يرذل الصدقة قدامهم . لكنه يريد الا نعطي صدقاتنا امام الناس طلباً للمجد والمدح منهم . وقوله والا فليس لكم أجر . فكأنه يقول ان كنتم تتصدقون ليراكم الناس ويمدحوكم فقد اضعتم أجركم عند ابيكم السماوي .
عدد 2 : فمتى صنعت صدقة فلا تصوّت قدامك بالبوق ، كما يفعل المرآؤون في المجامع وفي الازقة ، لكي يمجدوا من الناس . الحق اقول : لكم انهم قد استوفوا اجرهم !
فالرحمة هي ذات ربين الله والمجد الباطل ويتوقف ذلك على نيتك . فان عملتها لاجل الله فانه تعالى يوفيكها امام ملائكته ويمدحك لرحمتك للمساكين . وان عملتها طمعاً في احراز المجد العالمي فقد اخذت اجرك من مدح الناس . وقوله ” فلا تهتف قدامك بالبوق ” اي لا تفعل صدقتك على مرأى كثير من الناس بقصد ان يروك ويمجدوك . وقوله “ كما يفعل المرآؤون “ اي كالفريسيين والعشارين الذين كانوا يظهرون للناس ان صدقتهم هي لاجل الله وفي الداخل يقصدون منها اكتساب المجد الباطل وتعظم الناس لهم . فانهم لم يكونوا يتصدقون الا على مرأى من الناس ولذا فقد قال عنهم المسيح انهم قد اخذوا اجرهم من الناس .
عدد 3 : واما انت فمتى صنعت صدقة فلا تعرّف شمالك ما تفعل يمينك ،
قال قوم ان المسيح يأمرنا ان نخفي الصدقة عن معرفة اهلنا القريبين منا كاليمين والشمال . لكن الحقيقة هي انه اذا امكننا فلنخفها عن انفسنا حتى ان ايدينا التي نوزع بواسطتها الصدقة لا تشعر باننا نحن فاعلون الصدقة . وآخرون شبهوا الاعمال الشريرة بالشمال اما اليمين فتشير عن الافكار الصالحة . ثم انك اذا اردت ان تفعل الحسنات فلا تفكر ولا تستشير ولكن اصنعها بلا مشورة ولا مانع او تأخير . ثم يسمي الفكر النجس شمالاً والفكر الطاهر يميناً . وعليه فان ما يرشدك اليه الفكر الصالح تممه . لانه ربما يأتي الفكر الشمالي فيعيقك عنه . وقد شبه المسيح الحنفاء بالشمال والمسيحيين باليمين . ثم اشار على المؤمنين ان يكتموا عن الغير المؤمنين اسرارهم ولا يقبلوا ولا يطليوا منهم شهادة او يمضوا الى محكمتهم ليدانوا امامهم . ثم انه سمى ايضاً الجسد شمالاً .
عدد 4 : لكي تكون صدقتك في الخفاء . فابوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية .
اي يجازيك في العالم الآخر قدام الملائكة وبني البشر .
الصلاة
عدد 5 : ومتى صليت فلا تكن كالمرآئين ، فانهم يحبون ان يصلّوا قائمين في الجمامع وفي زوايا الشوارع ، يصلون ليظهروا للناس . الحق اقول لكم : انهم قد استوفوا اجرهم !
اي انهم في وجوههم يظهرون انهم يصلون لله ومن الداخل لاجل المجد الباطل . فالمسيح يرذل الصلاة التي تكون في المجامع لاجل المجد الباطل .
عدد 6 : وأما انت فمتى صليت فادخل الى مخدعك واغلق بابك ، وصل الى ابيك الذي في الخفاء . فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية .
يريد بالمخدع القلب وبالباب الضمير . اي اذا صليت في البيت او في الكنيسة فادخل الى مخدع قلبك واجمع افكارك من التيه واغلق باب ضميرك عن المجد الباطل وصلّ الى ابيك في الخفية ولكن لا لاجل المجد الباطل وقوله ” هو يجازيك “ اي انه سيوفيك بما تستحقه اذا كنت تصلي في الخفية من غير ان تكون منظوراً للأعين .
عدد 7 : وحينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلاً كالامم ، فانهم يظنون انه بكثرة كلامهم يستجاب لهم .
اي لا تصلوا طمعاً في غنى او رفعة دنيوية او انتقام . ويسمي كثرة الكلام للصلاة التي تكون بافكار مشتتة .
عدد 8 : فلا تتشبهوا بهم . لان اباكم يعلم ما تحتاجون اليه قبل ان تسألوه .
اي لا تتشبهوا بالحنفاء والمرآءين . “ وقوله ان اباكم عالم “ اي وان كان عالماً قبل ان تسألوه بحاجتكم . لكنه يعلمنا ان نصلي كي نزداد تقريباً اليه .
الصلاة الربانية
عدد 9 : فصلوا انتم هكذا : ابانا الذي في السموات ، ليتقدس اسمك .
اي لا تصلوا كالحنفاء والمرآين لكن كما اعلمكم . بل فالصلاة هي ارتفاع العقل الى الله وتقديم النذور له تعالى كقول داود نذوري اوفي وما قد خرج من شفتي . ثم ان الطلبة هي قربان لله بعد تكميل الوعد . فاذاً يجب ان نكمل الصلاة اولاً ثم نقدم الطلبة . فالصلاة تكون على نوعين : الاول ، لفظية كصلاة حنة . والنوع الثاني ، عقلية كصلاة فينحاس . اما سيدنا قد اراد النوع الاخير منها
( ابانا الذي في السموات ) والآب يأتي على معاني كثيرة اب بعيد كآدم الذي هو اب كلنا واب قريب كابراهيم ابي اسحاق . آباء عرضيون كمعلم الاولاد ورجل شيخ ورؤساء الكهنة . والمعلمون الثلثمائة وثمانة عشر فهؤلاء يدعون آباء . والشيطان هو كذلك اب للذين يطيعونه . اما الله تعالى فلا يمكننا ان ندعوه اباً نوع من الانواع الا بواسطة العماد . لاننا مولودون نحن والمسيح من المعمودية . فصرنا له اخوة وبنين لابيه . كقول داود . اني ابشر باسمك اخوتي واعطاهم السلطان ان يصيروا بني الله . ويدعون الاب اباً لهم فالمسيح هو ابن طبيعي لابيه . ونحن بنو النعمة غير انه لا يستحق احد ان يدعو الله اباه . الا ذلك الذي هو كامل في الاعمال الصالحة اما من كانت اعماله نجسة شريرة فالشيطان هو ابوه لانه يكمل ارادته . ثم انه علمنا ان ندعو ابانا بصيغة الجمع لا ابي ليدل على اننا جميعنا جسم واحد كما ان ابانا السماوي هو واحد . فبقوله انا قد ابطل الكبرياء واعلن ان الملوك والسلاطين والمساكين هم في الجنس واحد “ وقوله في السموات “ لا يفيد ان الله هو في السماء فقط لكن ليجذب عقل الذي يصلي من الارض الى السماء لكي يطلب ما هو فوق ، وكذلك ليتميز من الآباء الموجودين في الارض . ويعرف انه في السماء مسكنه .
( يتقدس اسمك ) يعني اذا تذكرنا بالقداسة . فيتقدس ويتمجد اسم الله . وفي الوقت عينه نقدس شفاهنا وافواهنا باسمه لانه قدوس قبل ان ندعوه . وقوله ليتقدس اي يتمجد اسمك يا قدوس . وقدوس هو اسم عبراني معناه التمييز والفرق . لان كل شيء يمتاز عن غيره سواء كان في الحسن والجمال او الغنى او غير ذلك يسميه بالعبراني قدوسا كقوله ان القديسين الذين في الارض والممجدين اسمك . وهذا نص الكتاب . مجدوا اسم قدسه . وان يعلموا ان اسمك يارب وحدك قدوس .
عدد 10 : ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض .
( ليات ملكوتك ) اي لتنجينا من الشرير لان الملكوت يأتي على معان كثيرة كما مر بك قبل والعالم المزمع الذي نكون فيه عديمين الموت يدعى ملكوتاً وكذلك الزمان الذي بعد قيامة السيد المسيح كقوله لا اشرب من عصير هذه الكرمة حتى اشربه جديداً في الملكوت . ثم البشارة والامثال الروحية ، كقوله تشبه ملكوت السماء خميراً . وظهور الثالوث ، كقوله ان ملكوت السماء لا تأتي بالانتظار . وملكوت السماء هي داخلكم وهنا يسمي نعمة الروح القدس التي اخذناها في المعمودية ملكوتاً . وبقوله ” لتكن مشيئتك ” يعلمنا ان نطلب منه لنعمل اعمالاً فاضلة عفيفة وان تكون مشيئته منا نحن المساكين على الارض ان نمجده ( كما في السماء ) اي كما ان مشيئته في السماء هي نافذة عند الملائكة كلك تكون على الارض عندنا .
عدد 11 : خبزنا كفافنا اعطنا اليوم .
ان تعالى قد حصر بالخبز جميع احتياجات الجسد كالاكل والشرب والكسوة والبيت . فهذه كلها لازمة للجسد . وقوله ” اليوم ” اراد الزمان الحاضر .
عدد 12 : واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن ايضاً للمذنبين الينا .
فقد قابل هنا الغفران بالغفران فوعدنا اذا غفرنا لمن هو مثلنا ما اقترفه الينا من الذنب فانه تعالى يغفر لنا كذلك اثمنا فمع انه اله ولا شبيه بين غفرانه وغفراننا قد وعدنا بغفران خطايانا فكم بالاوفر وجب علينا نحن عبيده ان نغفر زلات بعضنا .
عدد 13 : ولا تدخلنا في تجربة ، لكن نجنا من الشرير . لان لك الملك والقوة والمجد الى الابد . آمين .
( لا تدخلنا في تجربة ) اي لا تدن الذين يعاملونا بالشر . نعم فليس من الواجب ان نتهافت نحن على التجارب ولكن يجب علينا دائماً ان نصلي لننجو من تجارب الشيطان اللعين
( لان لك الملك والقوة ) فان كان الملك لله اذاً الشيطان خاضع له وليس قادر على عمل شيء الا اذا اذن له تعالى كما اذن له في تجربته ايوب الصديق والدخول في الخنازير . وله القوة لانه قادر على كل شيء
( والمجد الى الابد ) فالذي مملكته حصينة وقوته قديرة كذلك مجده دائم الى الابد . قد ختم الصلاة بعشر طلبات ورسم العشر الوصايا والعشر التطويبات . فالخمس وصايا الاولى عن النفس والخمس الاخرى عن الجسد ليطهر العشر الحواس . ويرجع وراء الصلاة ليستأصل الغضب والحقد من الضمير والا فالصلاة غير مقبولة .
عدد 14 : فانه ان غفرتم للناس زلاتهم ، يغفر لكم ايضاً ابوكم السماوي .
عدد 15 : وان لم تغفروا للناس زلاتهم ، لا يغفر لكم ابوكم ايضاً زلاتكم .
فيعلمنا بذلك الا نكون حقودين منتقمين لاننا مؤهلين ان نكون يوماً في السماء متمتعين بمشاهدة ابينا السماوي.
الصوم
عدد 16 : ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرآئين ، فانهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين . الحق اقول لكم : انهم قد استوفوا اجرهم .
يريد بذلك ان الكثيرون يتظاهرون بالصوم وهم ليسو صائمين فدينونة هؤلاء ستكون عظيمة لان صومهم هو غش ورثاء
عدد 17 : وأما انت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك ،
عدد 18 : لكي لا تظهر للناس صائماً ، بل لابيك الذي في الخفاء . وابوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية .
لم يشر هنا عن الصيام الاربعين . لكنه اشار عن الصوم عن الشرور وتكريس النفس لله وقمع الجسد لكي يخضع لارادة النفس ومساعدة المساكين على قدر الطاقة وفطم الجسد عن الاكل . وقوله ” ادهن رأسك واغسل وجهك ” ويراد به غسل الوجوه المادية ودهن الرأس الجسدي على ما زعم البعض . لكي يختفي الصيام بهذه الواسطة . وذاك يعرف من ان القدماء كانوا يغتسلون في زمان افراحهم ويدهنون رؤسهم ومع ان الصيام كآبة وحزن فاراد ان يصنع فيه ما يصنع في الفرح . وقد فسر البعض الوجوه والرؤس بالافكار والضمائر اي ان ننقي ضمائرنا وافكارنا من الشرور والاحقاد . وذهب البعض الى ان المسيح امرنا بالغسل لنخفي الصيام مع انه لم يسمع ان الرهبان والصالحين فعلوا مثل هذا . ولكن المسيح اراد بالوجه الجسد البشري . والرأس النفس والعقل فواجب على الانسان ان يغسلهم بالسيرة الورعة وبالاعمال الصالحة . وقوله ” ادهن رأسك ” اي ادهن العقل بالاعمال الصالحة . لان القتال ليس مع لحم ودم ولكن مع الشيطان . ولذلك فقد حثنا على ان ندهن رأسنا قبل كل شيء لانه مسكن النفس . كقوله : ” عينا الحكيم في رأسه ” . يعني في عقل نفسه . فالنفس تدهن بروح القدس اي بالبرارة والمحبة . ثم اوصانا المسيح ان نصوم لكي يخضع الجسد لارادة الروح . ما لم يتنعم بالشهوات كما ان الزؤان اذا منع عنه الماء يبس سريعاً . هكذا الشراهة فانها تضعف بالصيام . كقوله اقنعوا بالقليل لئلا تثقل قلوبكم بالشراهة اذ اننا بالشراهة قد خرجنا من الفردوس فيجب ان ندخل الملكوت بالصيام فالآن يعلمنا التجرد .
كنوز في السماء
عدد 19 : لا تكنزوا لكم كنوزاً على الارض حيث يفسد السوس والصدأ . وحيث ينقب السارقون ويسرقون .
الكنوز الارضية ثلاثة اخطار تعرض لها . السوس يفسدها والآكلة تهلكها والسارقون يسرقونها . فاذا نجت من الخطرين الاولين فلا تنجو من الخطر الاخر كما هو معلوم عند الكل .
عدد 20 : بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء ، حيث لا يفسد سوس ولا صدأ ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون ،
ان المسيح اراد بذلك ان نتصدق على المساكين والمحتاجين لننال تلك الكنوز السماوية التي لا يقربها سوس ولا سارق جزاء اعمالنا الصالحة الخيرية .
عدد 21 : لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضاً.
اي ولو لم يصبك ضرر من الاضرار فهذا الضرر ليس بصغير أي ان قلبك يكون خاضع للارضيات ومطمور في الارض كمثل الكنز .
عدد 22 : سراج الجسد هو العين ، فان كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً ،
أي كما ان العين هي سراج الجسد هكذا القلب هو سراج النفس . فمتى اظلم القلب بالافكار الشريرة زاغ الانسان كله عن الواجب . وقوله العين البسيطة اعني العين النيرة . وقوله العين الشريرة اي المظلمة . فالعين هي ضياء الجسد والقلب ضياء النفس . اي ان كان قلبك هائماً في الارضيات فالنفس لا يمكنها ان تحيا . ثم انه يراد بلفظة العين الاساقفة والمعلمون والكهنة وبالجسد المؤمنون .
عدد 23 : وان كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً ، فإن كان النور الذي فيك ظلاماً فالظلام كم يكون !
اي ان كان قلبك مظلماً بالارضيات فالنفس تكون مظلمة كذلك . وان غرق الملاح فأحرى بالسفينة ان تغرق كذلك وان كان الملك يغلب فكم بالحري اجناده وان كنت وانت في حال البر والقداسة تخطأ فكيف يكون حالك وأنت في حال الخطيئة . وقوله ان كانت عينك بسيطة مضيئة يريد اذا كان المدبرون والمعلمون نيرون بالاعمال والسيرة الصالحة فالشعب الذين يدبرونه يكون سيرته صالحة كذلك . وان كانوا اشراراً بافعالهم فالجسد اي المؤمنون يكونون شراً منهم وكما ان العين تدبر الجسد هكذا العقل يدبر النفس لان به نختار ما نريد .
الله والمال
عدد 24 : لا يقدر أحد ان يخدم سيدين ، لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الآخر ، او يلازم الواحد ويحتقر الآخر . لا تقدرون ان تخدموا الله والمال .
ان المسيح لما رأى كثرة ظلم الناس وتعلقهم الشديد بالمال سمى المال رباً لان محبة المال تعلم الانسان السرقة والظلم واعطاء الفضة بالرباء وحيث انه تعالى يريد ان يكون الانسان رحوماً مستقيماً مجرداً ولا يمكن ان يكون كذلك اذا علق قلبه بمحبة المال فلذا قال لا يستطيع أحد ان يخدم ربين لان الله والمال على طرفي نقيض لكن الانسان يستطيع ان يخدم ربين ذوي رأي واحد وارادة واحدة . ان المال هو رذالة للذين يجمعونه كما قد سمى بولس الرسول البطن الهاً لشقاوة الذين يعبدونها . فان قال قائل انه وجد اغنياء كثيرون عبدوا الله كمثل ابينا ابرهيم وايوب فنجيب انه يمكن ذلك لكن اذا كنت لا تنفقه حسناً فانت عبد له لا لله .
الله يعتني بنا
عدد 25 : “ لذلك اقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ، ولا لأجسادكم بما تلبسون ، اليست الحياة افضل من الطعام ، والجسد افضل من اللباس ؟
أي فان الذي اعطاكم نفساً افضل من الجسد فهو قادر ان يعطيكم القوت الذي هو اقل من النفس فالذي اعطاكم الاشرف فلا يمنع عنكم الادنى . فالنفس والجسد افضل من المخلوقات لخدمتهما . ان الطعام والملبوس جعلا لاجل الانسان فالملبوس للجسد لانه يستتر به والقوت للنفس وان كانت غنية عنه ولكنها لا تريد ان تمكث في الجسد العديم القوت فاذا لم يأكل الجسد فارقته النفس فيموت .
عدد 26 : انظروا الى طيور السماء : انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن ، وابوكم السماوي يقوتها . ألستم أنتم بالحري افضل منها ؟
أي اذ كان يهتم بالطيور التي ليست مخلوقة على صورته ومثاله فكم بالحري يهتم بنا نحن . ورب معترض يقول ان الطيور من طبعها تطير ولا تهتم بالقوت اما الانسان فلا يستطيع ذلك فنجيب ان المسيح له المجد ضرب الطير لنا مثلا لنستحي ونخزى وندع الاهتمام بالمأكل جانبا ونتعلم ان لنا اباً سماوياً يمكنه ان يقوتنا ويهتم بنا كما يهتم بمن هم ادنى منا حتى نهتم بما هو اسمى وافضل .
عدد 27 : ومن منكم اذا اهتم يقدر ان يزيد على قامته ذراعاً واحدة ؟
يعني من منكم اذا ولد يقدر ان يزيد على قامته شيئاً دون اردة الله حتى يبلغ الى القامة الكاملة فهكذا يجب ان تؤمنوا انه تعالى يقوت ويكسو ويرزق ما تحتاجون اليه .
عدد 28 : ولماذا تهتمون باللباس ؟ تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو ! لا تتعب ولا تغزل .
انه تعالى جاء بالطيور برهانا عن المأكل وبالزنابق عن اللباس فان االزنابق مع كونها نباتاً فان الله يلبسها لوناً جميلاً فكم بالحري انتم افضل منها فهذه ليست ذات حياة اما انتم فأحياء
عدد 29: ولكن اقول لكم : انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها .
لم يقدر سليمان ان يلبس كلون واحدة منها لان لونها طبيعي في الحسن والجمال . فقد ذكر ان سليمان لكثرة حكمته حاول مراراً شتى ان يلبس ثوباً كلون الزنابق فلم يقدر .
عدد 30 : فان كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غداً في التنور ، يلبسه الله هكذا أفليس بالحري جداً يلبسكم انتم يا قليلي الايمان ؟
اي ان كان يكسو الشيء الحقير جمالاً فاحر به ان يكسوكم بذلك لانكم قد جبلتم منذ البدء على صورته ومثاله . وسماهم قليلي الايمان منتهراً اياهم بالمحبة ليقبلوا تعليمه .
عدد 31 : فلا تهتموا قائلين : ماذا نأكل ؟ او ماذا نشرب ؟ او ماذا نلبس ؟
عدد 32 : فإن هذه كلها تطلبها الامم . لأن اباكم السماوي يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها .
يريد بالامم البرانية العشارين وما شاكلهم وقوله ابوكم لا الهكم ذلك لكي يفهمهم ان الله يهتم بهم كالاب الرحوم .
عدد 33 : لكن اطلبوا اولاً ملكوت الله وبره ، وهذه كلها تزاد لكم .
يسمي الاشياء الروحية بره وملكوته فكأنه يقول اطلبوا هذه والارضيات تزاد لكم لان الارضيات ليست شيئاً يذكر بالنسبة الى السماويات واراد بملكوت الله المعرفة والايمان به وبره اي السيرة الصالحة والقداسة .
عدد 34 : فلا تهتموا للغد ، لان الغد يهتم بما لنفسه . يكفي اليوم شره .
يسمي الزمان المزمع غداً . وقوله ” الغد يهتم بشأنه ” ليس معناه ان اليوم يهتم . ولكن بما ان الشعب الذي يكلمه كان ناقصا في الايمان فلذا استعمل المجاز في كلامه كما قيل ان الجبال رقصت كالغزلان . وقوله ” يكفي كل يوم شره ” اي تعبه وكده ويسمي الزمان الحاضر يوماً . فيقول لاتهتم لسنين فانك لست عائشاً . فكأنه يقول اطلب ما تحتاج اليه اليوم ولا تهتم للاجيال الاتية . ثم انه تعالى اظهر قدرته في جميع الاوامر فكإله اعطى الوصايا لا كانسان . اما بعض الهراطقة فيرتأي ان الذي كان يتكلم هو غير الذي كان يرى فنجيب انه لو كان كذلك لما قال لهم المسيح ” انا اقول لكم “ولكن الذي انتدبني لبشارته يقول هذا فيتضح اذاً ان المتكلم هو الذي كان يرى كانسان وهو اله متأنس .