الأطباء السريان في العصر العباسي – ٢

Posted by on Nov 13, 2020 in Books, Library, الاطباء السريان في العصر العباسي - ابن ابي اصيبعة | Comments Off on الأطباء السريان في العصر العباسي – ٢

– 2 –

 

اللجلاج – عبدالله الطيفوري – زكريا الطيفوري – إسرائيل بن زكريا الطيفوري – يزيد بن زيد – عبدوس بن زيد – سهل الكوسج – سابور بن سهل – إسرائيل بن سهل

 

اللجلاج 

 

قال يوسف بن إبراهيم : حدثني إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت أن أباه سهل ، حدّثه : أن المنصور لما حجَّ حجّته التي توفي فيها ، رافق ابن اللجلاج  متطبب المنصور ، فكانا متى نام المنصور تنادما إلى أن سأل ابن اللجلاج وقد عمل فيه النبيذ ، أبا سهل عما بقي من عمر المنصور . قال إسماعيل: فاعظم ذلك والدي وقطع النبيذ وجعل على نفسه أن لا ينادمه ، وهجره ثلاثة أيام ، ثم اصطلحا بعد ذلك ، فلما جلسا على نبيذهما، قال ابن اللجلاج لأبي سهل : “سألتك عن علمك ببعض الأمور فبخلت به وهجرتني ، ولست أبخل عليك بعلمي فاسمعه” ثم قال : “إن المنصور رجل محرور تزداد يبوسة بدنه كلما أسن ، وقد حلق رأسه بالحيرة، وجعل مكان الشعر الذي حلقه غالية وهو في هذا الحجاز يداوم الغالية، وما يقبل قولي في تركها ، ولا أحسبه يبلغ إلى قيد  حتى يحدث في دماغه من اليبس ما لا يكون عندي ولا عند أحد من المتطببين حيلة في ترطيبه . فليس يبلغ فيد ، إن بلغها إلاّ مريضاً ولا يبلغ مكة أن بلغها وبه حياة . قال إسماعيل ، قال لي والدي: فوالله ما بلغ المنصور فيد إلا وهو عليل وما وافى مكة إلا وهو ميت فدُفن ببئر ميمون

 

قال يوسف: فحدثت إبراهيم بن المهدي بهذا الحديث فاستحسنه ، وسألني عن اسم أبي سهل بن نوبخت فاعلمته باني لا أعرفه . فقال إن الخبر في اسمه أطرف من حديثك الذي حدثتني عن ابنه ، فاحفظ عني . ثم قال لي : حدثني أبو سهل بن نوبخت ، أنه لما ضعف عن خدمة المنصور أمره المنصور بإحضار ولده ليقوم مقامه ، قال أبو سهل : فأدخلت على المنصور فلما مثلت بين يديه قال لي : تسـم لأمير المؤمنين ؟ فقلت : خرخشا ذماه طيماذاه ماذرياد خسرو بهمشاذ . فقال لي: كل ما ذكرت اسمك؟ قلت : نعم ، فتبسَّم ثم قال لي : ما صنع أبوك شيئا؛ فاختر مني خلة من خلتين ، قلت : وما هما ؟ قال : أما أن اقتصر بك من كل ما ذكرت على طيماذ ، وأما أن اجعل لك كنية تقوم مقام الاسم وهي أبو سهل : قد رضيت بالكنية . فثبت كنيته وبطل اسمه . فحدث بهذا الحديث إسماعيل بن أبي سهل فقال : صدق أبو اسحق ، كذا حدثني والدي

 

عبد اللـه الطيفوري 

 

كان حسن العقل ، طيَّب الحديث على لكنة سوادية كانت في لسانه شديدة لان مولده كان في بعض قرى كسكر كان من احظى خلق الله عند الهادي

 

قال يوسف بن إبراهيم : حدثني الطيفوري انه كان متطبباً لطيفور الذي كان يقول انه أخو الخيزران والناس يقولون أو أكثرهم انه مولى الخيزران ولما وجّه المنصور المهدي إلى الري لمحاربة سنقار، حمل المهدي الخيزران ، وهي حامل بموسى وخرج طيفور معها وأخرجني معه ، ولم تكن الخيزران علمت بما رزقت من الحمل . وكان عيسى المعروف بأبي قريش صيدلانياً في العسكر ، فلمّا تبيَّنت الخيزران ارتفاع العلّة بعثت بمائها مع عجوز ممَّن معها وقالت لها : “اعرضي هذا الماء على جميع المتطببين الذين في عسكر المهدي ، وجميع من ينظر في ذلك” . ففعلت العجوز، وكنّا في ذلك الوقت بهمدان . واجتازت في منصرفها بخيمة عيسى فرأت جماعة من غلمان أهل العسكر وقوفاً يعرضون عليه قوارير الماء فكرهت أن تجوزه قبل أن ينظر إلى الماء ، فقال لها ، عند نظره إلى الماء : “هذا ماء امرأة ، وهي حامل بغـلام” فأدَّت  العجوز عنه ما قال إلى الخيزران . فسجدت شكراً لله ، وأطلقت عدة مماليك ، وسارت إلى المهدي فأخبرته بما قالت العجوز فأظهر من السرور بذلك أكثر من سرورها ، وأمر بإحضار عيسى ، وسأله عما قالت العجوز فأعلمه أن الأمر على ما ذكرت . فوصله ووصلته الخيزران بمال جليل ، وأمره بلزوم الخدمة وترك خيمته وما كان فيها من متاع الصيادلة

 

قال الطيفوري : فأراد طيفور أن ينفعني فأرسل إلى الخيزران أنَّ متطببي ماهرٌ بصناعة الطب فابعثني إليه بالماء حتى يراه . ففعلت ذلك في اليوم الثاني ، فقال لي : قل مثل قول عيسى فأعلمته أنَّ الماء يدلُّ على أنها حامل ، فأمّا تمييز الغلام من الجارية فذلك ما لا أقوله . فجَهدَ بيَّ كل الجهد أن أجيبه إلى ذلك فلم افعل صيانةً لنفسي عن الاكتساب بالمخرقة . فأدَّى قولي إليها فأمرت لي بألف درهم واحد وأمرت بملازمتها . فلمّا وافت الري ولدت بها الهادي . وصحَّ عند المهدي أن أبا قريش عنين  بعد أن امتحن بكل محنة ، فسرَّ بذلك واحظاه وتقدم عنده على جميع الخصيان . وكان ذلك من أسباب الصنع لي . فضُممت إلى أمير المؤمنين موسى ودُعيت متطببه وهو رضيع وفطيم

 

ثم ولدت هارون الرشيد بالري أيضا فكأن مولده كان شؤماً على الهادي لأن الحظوة كلها أو أكثرها صارت له دونه . فأضرَّ بيَّ ذلك في جاهي ، وما كنت فيه من كثرة الدخل ، إلى أن ترعرع موسى ففهم الأمر . فكان ذلك مما زاد في جاهي وجميل رأيه فيَّ . فكان ينيلني من افضاله أكثر مما كانت الخيزران تنيلنيه ، وفتح الله على المهدي وقتل سنقار وطراحته شهريار أبا مهرويه: وخلد ، وبسخنز  أبا الحرث بن بسخنز ، والربعين وسبى زراريهم ، فكان من ذلك السبي مهرويه وخلد وقرابتهما شاهك وكانت على مائدة شهريار وهي أم السندي ابن شاهك،  وكان منهم الحرث بن بسخنز وجميع هؤلاء الموالي الرازيين

 

ثم أدرك الهادي وأفضت الخلافة إلى المهدي فاتصل بي الأمر وعظم قدري لأني صرت متطبب ولي العهد . ثم ملك الهادي أمّة العزيز ، فكانت اعزَّ عليه من جلدة ما بين عينيه ، وهي أم جعفر وعبد الله وإسماعيل واسحق وعيسى المعروف بالجرجاني وموسى الأعمى وأم عيسى زوج المأمون وأم محمد وعبيد الله ابنتيه . فبناني موسى الهادي جميع ولدها ، وأعلم أمّة العزيز أنه يتبرك بي ، فنلت منها اكثر من أملي مما كان من الهاد

 

ثم دبر الهادي البيعة لابنه جعفر ابن موسى ، فدعاني قبل البيعة بيوم فخلع علي وحملني على دابة من دواب رحله بسرجه ولجامه ، وأمر لي بمائة ألف حملت إلى منزلي ، وقال : لا تبرح الدار باقي يومك وليلتك واكثر نهار غدك حتى أبايع لابنك جعفر ، فتنصرف إلى منزلك وأنت أنبل الناس لأنك توليت تربية ابن خليفة صار ولي العهد ، ووَليَ وليُّ العهد الخلافة فربيت ابنه إلى أن صار ولي عهده وبلغ أمة العزيز الخبر ، ففعلت بي مثل الذي فعل الهادي من الصلة وحملت إلى منزلي ثياب صحاح ، ولم تحملني على دابة وأقمت في الدار بعيساباذ إلى أن طلعت الشمس من غد اليوم الذي نلت فيه ما نلت

 

ثم جلس الهادي وقد أحضر جميع بني هاشم فأخذت عليهم البيعة لجعفر، واحلفوا عليها وعلى خلع الرشيد . ثم آل زائدة فكان يزيد بن مزيد أول من خلع الرشيد وبايع جعفر بعده ، ثم شراحيل بن معن بن زائدة وأهل بيته ، ثم سعيد بن سلم بن مسلم ؛ ثم آل مالك . وكان أول من بايع منهم عبد الله : ثم الصحابة وسائر مشايخ العرب ، ثم القواد . فما انتصف النهار إلاّ وقد بايع اكثر القواد ، وكان في القـواد هرثمة بن أعين ولقبه المشئوم ، وكان المنصور قد قوّده على خمسمائة ولم يكن له حـركة بعد أن قود فتوفي اكثر أصحابه ، ولم يثبت له مكان من توفي منهم فأحضروه وأمروه بالبيعة فقال له : يا أمير المؤمنين لمن أبايع ؟ فقال لـه : لجعفر بن أمير المؤمنين . قال : إن يميني مشـغولة ببيعة أمير المؤمنين وشمالي مشغولة ببيعة هارون فأبايع بماذا ؟ فقال له : تخلع هارون وتبايع جعفراً . فقال : “يا أمير المؤمنين أنا رجل أدين بنصيحتك ونصيحة الأئِمَّة منكم أهل البيت وباللـه لو تخوفت أن تحرقني على صدقي إياك بالنار لما حجزني ذلك عن صدقك . إنَّ البيعة ، يا أمير المؤمنين ، إنما هي إيمان وقد حلفت لهارون بمثل ما تستحلفني به لجعفر . وإن خلعت اليوم هارون خلعت جعفر في غد ؛ وكذلك جميع من حلف لهارون على هذا فغدر به . قال ، فاستشاط موسى من قوله وأمر بوجء  عنقه . وتسرعت جماعة من الموالي والقواد نحوه بالجررة  والعمد فنهاهم الهادي عنه

 

ثم عاوده الأمر بالبيعة فقال : يا أمير المؤمنين قَولي هذا قَولي الأول . فزبره  الهادي وقال له : اخرج إلى لعنة الله ، لا بايعت ولا بايع أصحابك الف سنة” . ثم أمر بإخراجه من الدار بعيساباذا وإسقاط قيادته وقال : أطلقوه لينفذ حيث أحب ، لاصَحَبه الله ولا كلأَهٌ . ثم وَجَمَ مقدار نصف ساعة لا يأمر ولا ينهى ، ثم رفع رأسه وقال ليندون خادمه : الحق الفاجر . فقال له: أَلحَقْهُ فأصنع به ماذا ؟ فقال : ترده على أمير المؤمنين. قال ، فلحقه يندون فيما بين باب خراسان وباب بردان بالقرب من الموضع المعروف بباب النقب وهو يريد منزله على نهر المهدي فرده . فلما دخل قال له : يا حائك تبايع أهل بيت أمير المؤمنين فيهم عم جده وعمَّ أبيه وعمومته واخوته وسائر لحمته، وتبايع وجوه العرب والموالي والقواد ، وتمسك أنت عن البيعة؟ فقال هرثمة : يا أمير المؤمنين وما حاجتك إلى بيعة الحائك بعد بيعة من ذكرت من أشراف الناس؟ إلاَّ أنَّ الأمر على ما حكيتٌ لك ، انه لا يخلع اليوم أحد هارون ويبقى في غد لجعفر

 

قال الطيفوري : فالتفت الهادي إلى من حضر مجلسه فقال لهم : شاهت الوجوه ، صَدَقَ ولله هرثمة وبر ، وغدرتم . وأمر الهادي عند هذا الكلام لهرثمة بخمسين ألف درهم ، وأقطعه الموضع الذي لحقه فيه يندون ، فسُميَّ ذلك الموضع عسكر هرثمة إلى هذه الغاية . وانصرف الناس كلهم، في أمر عظيم من أمر ذي قدر ، قد غمَّه ما لقيه به الخليفة . ومما يتوقعه من البلاء إن حدث بالهادي حادث ، لمسارعتهم إلى خلع الرشيد، ومن بطانته لجعفر قد كانوا أملوا خلافة صاحبهم ، والغنى بما قد قلد منها ، فصاروا يتخوفون على نفس صاحبهم التلف . وعلى أنفسهم أن سلموا من القتل والبلاء والفقر

 

ودخل موسى الهادي على أمّة العزيز فقالت له : “يا أمير المؤمنين ما أحسب أحداً عاين ولا سمع بمثل ما عاينّا وسمعناً، فإِنّا أصبحنا في غاية الأمل لهذا الفتى ، وأمسينا على غاية الخوف عليه. فقال : “إنَّ الأمر لعلى ما ذكرت وأزيدك واحدة”. قالت : “وما هي يا أمير المؤمنين” ؟ قال : “أمرت برد هرثمة لأضرب عنقه . فلما مثل بين يدي حيل بيني وبينه واضطررت إلى أن وصلته وأقطعته ، وأنا على زيادة ورفع مرتبته والتنويه باسمه ،” فبكت أمّة العزيز ، فقال لها : “أرجو أن يسرك الله” . فتوهمت وتوهم جميع من يطيف بها أنه على اغتيال الرشيد بالسم ، فلم يمهل ولم تمض به ليال قلائل حتى توفي الهادي ووُلي الخلافة هارون الرشيد ، فوالله لقد أحسن غاية الإحسان في أمر جعفر وزاده نعماً إلى نعمه وزوَّجه أم محمد ابنته.

 

قال يوسف بن إبراهيم ، وحدثني أبو مسلم عن حميد الطائي المعروف بالطوسي – ولم يكن حميد طوسياً وكانت كورته في الديوان مرو ، وكذلك كورة طاهر مرو ، والطاهر ولي بوشنج ؛ وموسى ابن أبي العباس الشاشي لم تكن كورته الشاش ، وكورته هراة ، ومحمد بن أبي الفضل الطوسي كورته نسا ، وهو منسوب إلى طوس ؛ والسبب في نسب هؤلاء وعدة من أصحاب الدولة إلى غير كورهم أن منهم من كان مخرجه في كورة فنسب إلى الكورة التي فيها ضياعه ، ومنهم من ولي بلداً طالت فيه ولايته إياه فنسب إلى ذلك البلد – قال أبو مسلم : اعتلَّ أبو غانم، يعني أباه ، علّة صعبة فتولى علاجه منها الطيفوري المتطبب وكان في ابي غانم حدّة شديدة تخرجه إلى قذف أصحابه ، والى الإقدام بالمكروه عليهم . فإني لواقف على رأسه وأنا غلام في قبادر زبيرون إذ دخل عليع الطيفوري فجسَّ عرقه ونظر إلى مائه ، ثم ناجاه بشيءٍ لم افهمه ، فقال له : كذبت يا ماص بظر  أمه ، فقال له الطيفوري : أعض الله ، أكذبنا بكذا وكذا من أمه . فقلت في نفسي ذهبت والله نفس الطيفوري . فقال أبو غانم : “يا ابن الكافرة لقد أقدمت ، ويلك كيف اجترأت علي بهذا ؟ فقال له : “والله ما احتملت سيدي الهادي قط على لقائي بحرف خشن” ولقد كان يقذفني فارد عليه مثل قوله فكيف احتمل لك وأنت كلب قذفي ؟ ” فحلف لي أبو مسلم انه رأى أباه ضاحكاً باكياً يفهم في بعض أسرة وجهه الضحك ، وفي بعضها البكاء ثم قال له : “والله! انك كنت ترد على أمير المؤمنين الهادي القذف الذي كان يقذفك به” ؟ فقال له الطيفوري: اللهم نعم . فقال له : فأسألك بالله لما أحببت في عرض حميد ما أحببت وقذفته بما شئت من القذف ؛ متى قذفتك ؟ ثم بكى على الهادي بكاء كثيرا

 

قال يوسف : فسألت الطيفوري عما حدثني به أبو مسلم من ذلك فبكى حتى تخوفت عليه الموت مما تداخله من الجزع عند ذكر حميد وقال: والله ما عاشرت بعد الهادي أحر نفساً ، ولا أكرم طبعاً، ولا أطيب عشرة، ولا أشد إنصافاً من حميد ؛ إلاَّ انه كان صاحب جيش فكان يظهر ما يجب على أصحاب الجيوش إظهاره ، فإذا صار مع إخوانه كان كأنه من المنقطعين إليهم لا من المفضلين عليهم

 

قال يوسف: وحدثني الطيفوري أنَّه كان مع حميد الطوسي بقصر ابن هبيرة أيام تغلب صاحبنا على مدينة السلام وما والاها فقدمت عليه جماعة من جبل طيء عليهم رئيس لهم يقدمونه على أنفسهم ، ويقرّون له بالفضل والسؤدد عليهم . فأذن له في الدخول عليه في مجلس عام قد إحتشـد لإظهار عدده فيه ، ثم قال لذلك الرئيس : “ما أقدمك يا ابن عم ؟ ” فقال له : قدمت مدداً لك إذ كنت على محاربة هذا الدعي لما لا يجب له ولا يستحقه ، يعني صاحبنا . فقال له حميد: “لست أقبل مددا إلاَّ من وثقت بصرامته ، وقوة قلبه ، واحتماله لما تصعب على أكثر الناس في نصرتي ؛ ولا بد من امتحانك ، فان خرجت على المحنة قبلتك ، وإلا رددتك إلى أهلك”. فقال له الطائي : “فامتحني بما أحببت ! ” فأخرج حميد عمودا من تحت مصلاه ثم قال له “أبسط ذراعك”. فبسط ذراعه ، فحمل حميد العمود على عاتقه ثم هوى به إلى ذراع الطائي . فلما قرب العمود من ذراعه رفع يده فاظهر حميد غضباً عليه ، ثم قال له: رددت يدي . فترضاه الطائي ثم دعاه إلى معاودة امتحانه . فأمره حميد بإظهار ذراعه، ففعل ، فرفع حميد العمود ليضرب به ذراعه . فلما قرب العمود من ذراع  الطائي فعل مثل فعله في المرة الأولى . فلما جذب ذراعه ولم يمكن حميداً من ضربها بالعمود أمر بسجنه بعد سحبه في مجلسه وأخذ دوابه ودواب أصحابه وطردهم من معسكره. فانصرفوا من عنده رجالة بأسوأ حال

 

قال الطيفوري فلمته على ما كان منه . فاستضحك ثم قال لي : “أطلقت لك الضحك مني، والاستهزاء بي وقذف عرضي متى تكلمت في الطب بحضرتك بشيء تنكره . فأما قيادة الجيوش فذلك ما ليس لك فيه حظ ، فلا تنكرن مخالفة رأيك رأيي” . ثم قال لي : أنا رجل من يمن وكان الرسول، صلى الله عليه وسلم ، مَضريّاً ، والخـلافة في أيدي مَضر. فكما أني أحب قومي فكذلك الخلفاء تحب قومها وإن أظهرت ميلاً إلى قومي في بعض الأوقات ، وانحرافاً عمّن هو أمس بها رحماً مني ، فإني غير شاك في ميلها إليهم إذا حقت الحقائق . ومعي من أبناء نزار بشر كثير وكان في استشعاري من قدم علي من قومي مفسدة لقلوب من قد امتحنته ، وعرفت بلاءه من النزارية . ولست أدري لعل كل من أتاني من عشيرتي لا يساوي رجلا واحدا من التزارية ، فأردت بما كان مني استجلاب قلوب من معي وأن ينصرف من أتاني من عشيرتي منذرين لا مبشرين . لأنهم متى انصرفوا منذرين انقطعت عنا مادتهم ، ومتى انصرفوا مبشرين أتاني منهم من لا يسعه مال ما في أيدينا من السواد”

فعلمت أنه قد أصاب التدبير ولم يخطىء فيما بنى عليه أمر

 

زكريا بن الطيفوري 

 

قال يوسف بن إبراهيم ، حدثني زكريا بن الطيفوري قال : كنت مع الافشين  في معسكره وهو في محاربة بابك  فأمر بإحصاء جميع من في عسكره من التجار وحوانيتهم ، وصناعة رجل رجل منهم فرفع ذلك إليه . فلما بلغت القراءة بالقارىء إلى موضع الصيادلة قال لي : “يا زكريا ضبط هؤلاء الصيادلة عندي أولى ما تقدم فيه ، فامتحنهم حتى نعرف منهم الناصح من غيره ، ومن له دين ومن لا دين له” . فقلت : “اعزَّ اللـه الأمير ، أن يوسف لقوة الكيميائي كان يدخل على المأمون كثيرا ويعمل بين يديه . فقال له يوماً : ويحك يا يوسف ليس في الكيمياء شيء ؟ فقال له : “بلى يا أمير المؤمنين ، وإنما آفة الكيمياء الصيادلة . قال له المأمون: ويحك وكيف ذلك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إن الصيدلاني لا يُطلب منه إنسان شيئا من الأشياء كان عنده أو لم يكن إلا أخبره بأنه عنده، ودفع إليه شيئا من الأشياء التي عنده، وقال هذا الذي طلبت فان رأى أمير المؤمنين أن يضع اسما لا يعرف ويوجه جماعة إلى الصيادلة في طلبه ليبتاعه فليفعل . فقال له المأمون: قد وضعت الاسم وهو سقطيثا – وسقطيثا ضيعة تقرب من مدينة السلام. ووجه المأمون جماعة من الرسل يسألهم عن سقطيثا، فكلهم ذكر انه عنده، وأخذ الثمن من الرسل ودفع إليهم شيئا من حانوته، فصاروا إلى المأمون بأشـياء مختلفة فمنهم من أتى ببعض البزور ومنهم من أتى بقطعة من حجر ومنهم من أتى بوبر فاستحسن المأمون نصح يوسف عن نفسه وأقطعه ضيعة على النهر المعروف بنهر الكلبة ، فهي في أيدي ورثته ومنها معاشهم” . فأن رأى الأمير أن يمتحن هؤلاء الصيادلة بمثل محنة المأمون فليفعل . فدعا الافشين بدفتر من دفاتر الاسروشنية فاخرج منها نحواً من عشرين اسماً ووجه إلى الصيادلة من يطلب منهم أدوية مسـماة بتلك الأسماء ، فبعضهم أنكـرها وبعضهم أدعى معرفتها وأخذ الدراهم من الرسل ودفع إليهم شيئا من حانوته ، فأمر الأفشين بإحضار جميع الصيادلة فلما حضروا كتب لمن أنكر معرفة تلك الأسماء منشورات أذن لهم فيها بالمقام في عسكره ونفى الباقين عن العسكر ولم يأذن لأحد منهم في المقام ، ونادى المنادي بنفيهم ، وبإباحة دم من وجد منهم في معسكره . وكتب إلى المعتصم يسأله البعثة إليه بصيادلة لهم أديان ومذهب جميل، ومتطببين كذلك ؛ فاستحسن المعتصم ذلك ووجه إليه بما سأل

 

إسرائيل بن زكريا الطيفوري 

 

متطبّب الفتح  بن خاقان كان مقدّماً في صناعة الطب ، جليلَ القـدر عند الخلفاء والملوك ، كثيري الإِحترام له . وكان مختصاً بخدمة الفتح بن خاقان بصناعة الطب وله منه الجامكية الكثيرة والأنعام الوافرة وكان المتوكل بالله يرى له كثيراً ويعتمد عليه ، وله عند المتوكل المنزلة المكينة . ومن ذلك مما حكاه اسحق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب أنَّ إسرائيل بن زكريا ابن الطيفوري وجـد  على أمير المؤمنين المتوكل لما احتجم بغير إذنه ، فافتدى غضبه بثلاثة آلاف دينار وضيعة تغلُّ له في السنة خمسين ألف درهم ، وهبها له وسجَّل له عليها

 

وحكي عن عيسى بن ماسة قال : رأيت المتوكل وقد عاده يوما ، وقد غشي عليه ، فصيَّر يده تحت رأسه مخدةً ، ثم قال للوزير : يا عبد الله حياتي معلقة بحياته ان عدمته لا أعيش ثم اعتل فوجه إليه سعيد بن صالح حاجبه وموسى بن عبد الملك كاتبه يعودانه

 

ونقلت من بعض التواريخ أنَّ الفتح بن خاقان كان كثير العناية بإسرائيل بن الطيفوري فقدَّمه عند المتوكل ولم يزل حتى أَنَسَ به المتوكل وجعله في مرتبة بختيشوع وعظِم قدره ، وكان متى ركِب إلى دار المتوكل يكون موكبه مثل موكب الأمراء وإجلاء القواد وبين يديه أصحاب المقارع ، واقطعه المتوكل قطيعة بسر من رأى وأمر المتوكل صقلاب وابن الخيبري بأن يركبا معه ويدور جميع سر من رأى حتى يختار المكان الذي يريده ، فركبا حتى اختار من الحيز خمسين ألف ذراع وضربا المنار عليه، ودفع إليه ثلاثمائة الف درهم للنفقة عليه

 

 

يزيد بن زيد 

 

يزيد بن زيـد بن يوحنا بن أبي خالد ، متطبب المأمون كان جيد العلم ، حسن المعالجة موصوفاً بالفضل وكان قد خدم المأمون بصناعة الطب ، وخدم أيضا إبراهيم بن المهدي وكان له منه الإحسان الكثير والإنعام الغزير ، والعناية البالغة والجامكية الوافرة . وكان يقال له أيضاً يزيد بور

 

قال يوسف بن إبراهيم : حدثني أبو اسحق إبراهيم بن المهدي أن ثمامة العبسي القعقاعي وهو أبو عثمان بن ثمامة صاحب الجبار اعتلَّ من خلفة تطاولت به ، وكان شيخاً كبيراً . قال أبو اسحق: فسألني الرشيد عن علَّته وأين بلَغتْ به ، فأعلمتُه أني لا أعرف له خبراً ، فأظـهَر إنكاراً لقولي ثمَّ قال: رجلٌ غريبٌ من أهل الشرف قد رغِب في مصاهَرة أهله عبد الملك بن مروان وقد وَلدت أختُه خليفتين الوليد وسليمان ابني عبد الملك ، وقد رغب أبوك في مصاهرته فتزوج أخته ورغِبتُ أنا أخوكَ في مثل ذلك منه فتزوجت ابنته ، وهو مع ذلك صحابي لجدك وأبيك ولأختك وأخيك ، فلا توجب على نفسك عيادته ؟ ” ثم امرني بالمصير إليه لعيادته ، فنهضت وأخذت معي متطبّبي يزيد وصرتُ إليه . فدخلتُ على رجل توهمتُ انَّه في آخر حشاشة بقيت من نفسه ولم أر فيه للمسألة موضعاً فأمر يزيد متطببي بإِحضار متطبّبه فحضر فسأله عن حاله فأخبره انه يقوم في اليوم والليلة مائة مجلس . وأقبل يزيد يسأل المتطبّب عن باب من الأدوية التي تشرب وعن السفوفات والحقن ، فلم يذكر لذلك المتطبّب شيئاً إلاَّ أعلمه انه قد عالجه به فلم ينجح فيه . فوجم عند ذلك يزيد مقدار ساعة ثم رفع رأسه وقال : قد بقي شيء واحد إن عمِل به رجوت أن ينتفع به ، وان لم ينجحْ فيه فلا علاج له”

 

قال أبو اسحق: فرأيت ثمامة قد قويت نفسه عندما سمع من يزيد ما سمع ثم قال : وما ذلك الشيء الذي بقي ، متعت بك ؟ قال له شربة اصطمخيقون . فقال ثمامة : أحبّ أن أرى هذه الشربة حتى أشمُّ رائحتها فأخرج يزيد من كَمهِ منديلاً فيه أدوية وفيه شربة اصطمخيقون . فأمر بها ثمامة فحلت ، ثم أتى بها فرمى بها في فيه وابتلعها . فوالله ما وصلت إلى جوفه حتى سمعت منه أصواتاً لم أشك في أني لم ابلغ باب داره إلاّ وقد مات. فنهضت ومتطببي معي ، وما أعقل غماً . وأمرت خادماً لي كان يحمل معي الإسطرلاب  إذا ركبت بالمقام في داره وتعرف خبر ما يكون منه . فتخلف ، فوافاني كتاب الخادم بعد الأزوال يعلمني “انه قام من بعد طلوع الشمس إلى زوالها خمسين مرة” فقلت : تلفت والله نفس ثمامة. ثم وافى كتاب الخادم بعد غروب الشمس “انه قام منذ زوال الشمس إلى غروبها عشرين مجلساً”. ثم صار إلى الغلام مع طلوع الشمس فذكر انه لم يكن منه منذ غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلاّ ثلاثة مجالس ، ولم يكن منه إلى وقت طلوع الفجر شيء” . فركبتُ إليه بعد أن صلَّيت الغداة فوجدته نائماً ، وكان لا ينام ، فانتبه لي، فسألته عن خبره ، فأعلمني أنَّه لم يزل في وجع من جوفه مانع له النوم والقرار منذ أكثر من أربعين ليلة حتى أخذ تلك الشربة . فلمّا انقطع فعل الشربة انقطع عنه ذلك الوجع، وانه لم يشته طعاماً منذ ذلك الوقت وانه ما يبصرني في وقته من غلبة الجوع عليه . وسأل الإذن في الأكل فأَذن له يزيد في أكل أسفيدباجه قد طبخت من فروج كسكري سمين ثم اتباعها زيرباجة ، ففعل ذلك

 

وصرت إلى الرشيد فأخبرته بما كان من أمر ثمامة . فاحضر المتطبب وقال له : ويحك كيف أقدمت على إسقائِه حب الاصطمخيقون ؟ فقال: “يا أمير المؤمنين هذا رجل كان في جوفه كيموس فاسد ، فلم يكن يدخل في جوفه دواء ولا غذاء إلا أفسده ذلك الكيموس . وكان كلما فسد من تلك الأدوية والأغذية صار مادة لذلك الفساد ، فكانت العلَّة لهذا السبب تزداد. فعلِمت أنَّه لا علاج له إلا بدواءٍ قويٍ يقوى على قَلْع ذلك الكيموس . وكان أقوى الأشياء التي يمكن أن يسقاها الاصطمخيقون ، فقلت له فيه الذي قلت . ولم أقدم أيضا على القول انه يبرئه لا محالة ، وإنما قلت بقي شيء واحد فإن هولم ينفعه فلا علاج له . وإنما قلت ذلك لاني رأيت الرجل عليلاً قد أضعَفته العلَّة ، وأَذْهَبت أكثرَ قواه . فلم آمن عليه التلف أن شربه ، وكنت أرجو له العافية بشربه إياه. وكنت اعلم انه إن لم يشربه أيضا تلف” . فاستحسن الرشيد ما كان من قوله ووصله بعشرة آلاف درهم . ثم عاد الرشيد ثمامة وقال له : لقد أقدمت من شرب ذلك الدواء على أمر عظيم ، وخاصةً إذ كان المتطبب لم يصرح لك بأن في شربه العافية” . فقال ثمامة: “يا أمير المؤمنين كنت قد يئست من نفسي وسمِعت المتطبب يقول إن شرب هذا الدواء رجوت أن ينفعه ، فاخترت المقام على الرجاء ولو لحظة ، على اليأس من الحياة فشربته، وكانت في ذلك خيرة من الله عظيمة”

 

أقول وهذه الحكاية تناسب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلَّم انه جاء إليه رجلٌ من العرب فقال : “يا رسول الله إنَّ أخي قد غلب عليه الخوف وداويناه ولم ينقطع عنه بشيء فقال له عليه السلام : “أطعمه عسل النحل” . فراح وأطعمه إياه فزاد الإسهال ، فأتى إليه وقال : “يا رسول الله، كثر الإسهال به من وقت أطعمته” فقال : “أطعمه العسل” . فأطعمه ، فزاد الإسـهال اكثر . فشكا ذلك إلى النبي ، عليه السلام ، فقال : “أطعِمه أيضاً العسل” فأطعمه أيضا في اليوم الثالث فتقاصر الإسهال وانقطع بالكليّة . فاخبر النبي عليه السلام ، بذلك فقال : “صدق الله وكذبت بطن أخيك”. وانما قال النبي عليه السلام له ذلك لكونه كان قد علم أن في خمل معدة المريض رطوبات لزجة غليظة قد ازلقت معدته فكلَّما مرَّ بها شيء من الأدوية القابضةلم يؤثر فيها ، والرطوبات باقية على حالها والأطعمة تزلق عنها ، فيبقى الإسهال دائما . فلمّا تناول العسل جلا تلك الرطوبات واحدرها ، فكثر الإسهال أولاً بخروجها وتوالى ذلك إلى أن نفدت تلك الرطوبات بأسرها فانقطع الإسهال وبرىء الرجل ، فقوله “صدق الله” يعني بالعلم الذي أوجده الله عزَّ وجل لنبيه وعرفه به ، وقوله “وكذبت بطن أخيك” يعني ما كان يظهر من بطنه من الإسهال وكثرته بطريق العرض ، وليس هو مرض حقيقي ، فكانت بطنه كاذبة في ذلك

 

عبدوس بن زيد 

 

قال أبو علي القباني عن أبيه أن القاسم بن عبيد الله مرض في حياة أبيه مرضاً حاداً في تموز وحلَّ به القولنج الصعب ، فانفرد بعلاجه عبدوس بن زيد وسقاه ماء أصول قد طبخ وطرح فيه اصل الكرفس والرازيانج  ودَهن الخروع وجعل فيه شيئاّ من ايارج فيقرا ، فحين شربه سكن وجعه واجاب طبعه مجلسين فأفاق ، ثم أعطاه من غد ذلك اليوم ماء شعير فاستظرف هذا منه . وقال أبو علي القباني أن أخاه اسحق بن علي مرض وغلبت الحرارة على مزاجه ، والنحول على بدنه، حتى أداه إلى الضعف ورد ما يأكله . فسقاه عبدوس بن زيد هذه الأصول بالايارج ودهن الخروع في حزيران أربعة عشر يوما فعوفي وصلحت معدته . وقال : في مثل هذه الأيام تحم حمى حادة كنت حياً خلصتك بأذن الله وان كنت ميتاً فعلامة عافيتك له دائر سنة أن تنطلق طبيعتك في اليوم السابع فإن انطلقت عوفيت ومع هذا فقد نقرت معدتك نقراً لو طرحت فيها الحجارة لطحنتها ” ، فلما انقضت السنة مرض عبدوس وحمَّ أخي كما قال وكان مرضهما في يوم واحد . فما زال عبدوس يراعي أخي ويسأل عن خبره إلى أن قيل له قد انطلقت طبيعته ، فقال : قد تخلص ومات عبدوس في الغد من ذلك اليوم

ولعبدوس بن زيد من الكتب : كتاب التذكرة في الطب

سهل الكوسـج 

 

كان سهل الكوسج ، أبو سابور بن سهل صاحب الاقراباذين ، المشهور من أهل الأهواز وكان الحى. وإنما لقب بالكوسج على سبيل التضاد . وكان عالماً في الطب إلاّ أنَّه دون ابنه في العلم وكانت في لسانه لكنة خوزيّة . وكان كثير الهزل فغلب هزله جده. وكان متى اجتمع  مع يوحنا بن ماسوية : وجورجس بن بختيشوع ، وعيسى بن حكم ، وعيسى بن أبي خالد ، وزكريا ابن الطيفوري ، ويعقوب صاحب البيمارستان ، والحسن بن قريش ، وعيسى المسلم ، وسهل بن جبير، وهذه الطبقة من المتطببين قصر عنهم في العبارة ولم يقصر عنهم في العلاج . وكلهم كان يخاف لسانه لطول كان فيه وبذاء . وكانت له السن  على جماعتهم. وكان انقطاعه إلى سلام الابرش ، وكان سلام لا يفارق هرثمة بن أعين أيام محاصرته مدينة السلام فكان سهل هذا قد خص بهرثمة بن أعين حتى كان يكون معه في ليله ونهاره وسمره . وكان بدعابته الكثيرة التي كانت فيه طيب العشرة

 

قال يوسف بن إبراهيم : ومن دعابات سهل الكوسج انه تمارض في سنة تسع ومائتين ، وأحضر شهوداً يشهدهم على وصيته ؛ وكتب كتاباً اثبت فيه أسماء أولاده . فاثبت أولهم جورجس بن ميخائيل وأمه مريم بنت بختيشوع أخت جبرائيل ، والثاني يوحنا بن ماسويه ، والثالث والرابع والخامس سابور ويوحنا وخذاهويه ولد سهل المعروفين . وذكر انه أصاب أم جورجس وأم يوحنا بن ماسويه زنا واحبلهما بجورجس ويوحنا

 

قال يوسف: ومن دعاباته اني حضرته عند أعين بن هرثمة بن أعين ، وقد دارت بينه وبين جورجس ملاحاة في حمى ربع قد كانت طالت بأعين ، فعرفه بمثل ما اشهد به في وصيته . وكان في جورجس تلفت كثير إلى من عن يمينه وشماله من الناس ، واخرجته الحدّة إلى زمع  أصابه فصاح سهل : “صرى وهك المسيه ، أخروا في أذنه ، آية خرسي ، أراد صرع” – وحق المسيح اقرؤا في أذنه آية الكرسي

 

قال يوسف : ومن دعاباته انه خرج في يوم الشعانين يريد دير الجاثليق والمواضع التي تخرج إليها النصارى في يوم الشعانين  ، فرأى يوحنا بن ماسوية في هيئة احسن من هيئته وعلى دابة افره من دابته ، ومعه غلمان له روقة  فحسده على الظاهر من نعمته ؛ فصار إلى صاحب مسلحة الناحية ، فقال له : “إن ابني يعقني وقد أعجبته نفسه ، وربما أخرجه العجب بنفسه وبنعمته إلى جحود أبوي ، وإن أنت بطحته وضربته عشرين درة  موجعة أعطيتك عشرين ديناراً “. ثم أخرج الدنانير فدفعها إلى رجل وثق به صاحب المسلحة ، ثم اعتزل ناحية إلى أن بلغ يوحنا إلى الموضع الذي هو فيه ، فقدَّمه إلى صاحب المسلحة وقال : “هذا ابني يعقني ويستخف بي” . فجحد أن يكون ابنه فلم يكلمه صاحب المسلحة حتى بطح يوحنا وضربه عشرين درة ضرباً مبرحا

 

سـابور بن سـهل 

 

كان ملازماً لبيمارستان جندي سابور ومعالجة المرضى به وكان فاضلاً عالماً بقوى الأدوية المفردة وتركيبها وتقدّم عند المتوكل وكان يرى له وكذلك عند من تولى بعده من الخلفاء . وتوفي في أيام المهتدي بالله . وكانت وفاة سابور بن سهل في يوم الاثنين من ذي الحجة سنة خمس وخمسين ومائتين

 

ولسابور بن سهل من الكتب : كتاب الاقرا باذين الكبير المشهور ، جعله سبعة عشر باباً وهو الذي كان من المعمول عليه في البيمارستان ودكاكين الصيادلة وخصوصا قبل ظهور الاقراباذين الذي ألّفه أمين الدولة بن التلميذ . كتاب قوى الأطعمة ومضارها ومنافعها ، كتاب الرد على حنين في كتابه في الفرق بين الغذاء والدواء المسهل. القول في النوم واليقظة ، كتاب إبدال الأدوية

 

إسرائيل بن سهل 

 

كان متقدماً في صناعة الطب ، حسن العلاج خبيراً بتركيب الأدوية . وله كتاب مشهور في الترياق وقد أجاد عمله وبالغ في تأليفه