قصة احيقار

Posted by on Jun 10, 2022 in Library, دراسات سريانية | Comments Off on قصة احيقار

 إنّها قصّة جميلة كتبت باللغة الآراميَّة قبل القرن الخامس قبل الميلاد في البلاد الآشوريَّة . وقد جاءت إشارة إلى هذه القصّة في ما كتبه ” اقليميس الإسكندري ” و ” سترابون ” ، واستخدمت في الترجمة اليونانيَّة لـ ” سفر طوبيا ” كما استعملها ” ديمقريطس ” و ” ميناندر

أما عن أصلها الآرامي فيقول “رينان” : ” لا يمكننا أن نشكّ في أنَّ السواد الأعظم من الشعب الآشوري كان يتكلّم اللغة الآراميَّة بنوع اعتيادي . . فالآراميَّة كانت مستعملـة من قبل الموظفين الكبار في البلاد الآشوريَّة الذين أرسلهم “سنحاريب” للتفاوض مع “حزقيا” الملك . . ولما أعقب الحكم الفارسي الحكم الآشوري ، حافظت اللغة الآراميَّة على مكانتها الرفيعة وأهّميتها الكبرى

إنّنا نرى نماذج من هذه اللغة – وقد تأثّرت قليلاً باللغة العبريَّة – في بعض فقرات من ” سفر عزرا ” المعاصر لـ ” أحيقار ” . وربّما نقل هذا النصّ الآرامي إلى لغة آراميَّة متطـوّرة في مطلع التاريخ الميلادي ، أي بعد مرور 600 سنة أو 700 سنة على تأليف الكتاب ، حينما كانت الآراميَّة في مرحلتها الانتقاليَّة . والاعتقاد السائد الآن هو أنّ هذه الترجمة الآراميَّة هي أصل جميع الترجمات التي ظهرت للقصّة بعد ذلك . فالنصّ العربي مثلاً قد تُرجم رأساً من النصّ الآرامي الحديث ، ولكنّه استعان بنصوص أخرى عديدة ، وكذلك النصّ الأرمني ، وكذلك النصّ السلافي القديم الذي أتى من الآراميَّة بواسطة اليونانيَّة

أمّا المخطوطات الآراميَّة المعروفة فهي متأخّرة وتتضمّن اختلافات عديدة . فقد جاء الآرامي في مخطوطات كثيرة ، بعضها في خزانة كمبردج ) عدد 2020 ( وغيرها في برلين ) ساخو 336 و 134( وقد كتبت في ” تلّ كيف ” سنة 1883 أو 1884 ، ومنها صحيفة في المتحف البريطاني ( رقم 7200 ) وفقرة أخرى في برلين ( ساخو 162 ) ومخطوطة مخرومة في بدايتها ونهايتها في المتحف البريطاني ( عدد 2313 )  وأخرى في ” دير السيّدة ” بالقرب من القوش ( رقم 100 ) ، وهناك أيضاً ثلاث مخطوطات لقصّة أحيقار محفوظة في أورميا . وقد قام العالم ” فرنسيس نو ” بدراسة لهذه القصّة دراسة وافية

مضمون الكتاب

في الكتاب مجموعتان من الأمثال الحكميَّة تتخلّلها قصّة ملخّصها أنّ ” أحيقار ” كان وزيراً أو كاتباُ أو مستشاراً لـ ” سنحاريب ” ملك آشور ونينوى ( 704 – 671 م ) ، ثمّ لابنه ” أسرحدون ” ( 680 – 668 ق.م )  . وقد حباه الله حكمة مدهشة واكتسب ثروة طائلة في البلاط الآشوري . ولكنّه ظلّ بلا وريث رغم تعدّد زوجاته ، وقد بلغ عددهنّ الستين ، حسب ما جاء في الكتاب ( الفصل الأول ، العدد الثاني ) . ويرى البعض في ذلك قصاصاً لنبذه إله إسرائيل وارتداده إلى الوثنيَّة ، ويرى الآخرون أنّه كان وثنيّاً ، ثمّ رجع إلى عبادة الإله الحقّ ، كما يظهر ذلك من التعابير التي وردت في القصّة . وإذ ذاك تبنّى ” نادان ” ابن أخته ، وهو بعد رضيع ، ليقيمه وريثاً وخلفاً له في وظيفته في البلاط الآشوري . وأخذ يربّيه تربية حسنة ويبذل له النصح الكثير الذي نجده في الحلقة الأولى من نصائحه الحكيمة ( من الفصل الثاني إلى الفصل الثالث ) . غير أنّ نادان لم يصغِ إلى نصائح خاله ، بل ساءت سيرته ، فاستردّ أحيقار الميراث منه ومنحه لأخيه الأصغر ” نبوزردان ” . فحقد عليه نادان وأراد الإيقاع به بمكيدة دبّرها له ، إذ كتب رسائل باسم خاله موجّهة إلى الفرعون وإلى ملك الفرس قصد التواطؤ معهما لقلب نظام الحكـم في الإمبراطورية الآشوريَّة ، ورتّب الأمور لكي تقع هذه الرسائل في يد الملـك الآشوري  . وإذ ذاك حكم أسرحدون بالموت على أحيقار بتهمة الخيانة الكبرى . غير أنّ أحيقار نجا من الموت ، لأنّ الجلاد كان صديقاً له فلم يردْ أن يضرب عنقه ، بل أوصاه أن يختبئ في حديقة بيته

وبعد زمان طلب ملك مصر من الملك الآشوري أن يرسلَ إليه رجلاً حكيماً يستطيع أن يجيب عن أسئلته ويبني له بلاطاً في الجوّ . فأسقط في يد الملك الآشوري وأسف على أحيقار وحكمته الخارقة . فظهر أحيقار إلى الوجود ثانية وذهب إلى مصر ليجيب عن أسئلة فرعون . وإذ عرف سؤال فرعون ، أعدّ نسرين وغلامين وشريطين من القطن طول كلّ منهما ألفا ذراع . وأخذ يدرّب النسرين والغلامين فيربط النسرين بالشريطين ويمرّن الغلامين على الركوب على ظهرهما ثمّ يطلقهما فيطيران في الجوّ ، وهناك يصيح الغلامان : ” قدّموا لنا الحجر والملاط ” . وجاء اليوم المعيّن ، وطلب منه فرعون أن يبني له بيتاً بين السماء والأرض ، فطلب منه أحيقار أن يعدّ الحجر والملاط لهذا الغرض ، ثمّ أطلق أحيقار النسرين وعليهما الغلامان ، ولما استقرّا بين السماء والأرض ، صرخ الغلامان : ” أرسلوا الحجارة ، فنحن على استعداد للعمل ” . وأخذ أحيقار وأتباعه يصرخون في الفعلة وجند الملك لكي يقدّموا للبنّاءين ما يريدان . وإذ رأى الملك استحالة نقل شيء إليهما ، اعترف لأحيقار بالنصر . . . وفي اليوم التالي قال فرعون لأحيقار : ” إنّ حصان سيّدك إذا صهل في نينوى سمعته خيلنا هنا فطرحت ” . فلمّا سمع أحيقار ذلك أحضر سـنوراً وأخذ يجلده جلداً شديداً ، فأخبروا الملك بذلك ، فاستدعاه وقال له : ” لمَ تجلد هذا الحيوان المسكين ؟ ” . فقال له أحيقار : ” إنّ سيّدي الملك كان قد أهدى إليّ ديكاً يعرف ساعات النهار والليل ، وقد تركته في نينوى ، فقام عليه هذا السنور في هذه الليلة وقطع رأسه ، ولذلك فإنّي أجلده ” . فقال له فرعون : ” إنّ بين مصر ونينوى ثمانية وستّين فرسخاً ، فكيف يستطيع السنور الذهاب إلى نينوى والعودة منها في ليلة واحدة؟ ” . فقال له أحيقار : ” إذا كانت بين مصر ونينوى هذه المسافة ، فكيف تسمع خيلك صوت حصان سيّدي ؟

واستمرّت هذه الألغاز ، فتارة يطلب منه الملك أن يفتل له حبلاً من رمل البحر ، وطوراً أن يخيط له حجر رحى قد انكسرت ، ويجيب أحيقـار عن أسئلته بأجوبة مفحمة ، حتى نال إعجاب فرعون وهداياه الكثيرة .

ولدى عودته إلى البلاد الآشورية مثقلاً بالهدايا والإكرام ، طلب إلى الملك أسرحدون أن يسلّم إليه نادان ، فربط أحيقار يدي نادان بسلاسل من حديد وألقاه في مكان مظلم من بيته وجعل غذاءه الخبز والماء ، وكان يجلده جلداً مبرحاً قائلاً له : ” قيل بالأمثال إنّ من لا يسمع من أذنيه أسمعوه من قفاه ” . وهنا يبدأ الجزء الثاني من الحكم ( الفصل 23 وهو طويل جدّاً ويتكوّن من 142 حكمة ) . وخوفاً من القصاص الصارم الذي توقّعه من خاله ، انتفخ نادان ثمّ انفجر ومات . وتأتي الخاتمة في الفصل الخامس والثلاثين ، وقد زادها على الكتاب أحد المؤلّفين المتأخّرين وقد يكون مسيحياً نظراً إلى التعابير التي وردت فيها مثل : ” الخطيئة المميتة ” و ” ملكوت السماء ” و ” السعادة الأبدية ” . وفي هذه الخاتمة يذكر أنّ أحيقار كان وثنياً في البداية ثمّ آمن بالإله الواحد في نهاية حياته

    أمّا عن شخصيّة أحيقار فيقال إنّه ابن ” عنائيل ” أخي ” طوبيا ” الذي ورد ذكره في الكتاب المقدّس

(  فرنسيس نو ، قصّة أحيقار ص 50 – 51

من حكـم أحيقـار

 يا بنيّ ، عصفور حقير في يدك خير من ألف في الهواء .

 يا بنيّ ، نقل الحجارة مع رجل حكيم خير من شرب الخمر مع رجل لئيم .

 يا بنيّ ، إذا أكل الغني الحيّة قالوا أكلها تطبّباً ، وإذا أكلها الفقير قالوا أكلها جوعاً .

 يا بنيّ ، إذا أرسلت الحكيم في حاجة فلا توصه كثيراً لأنّه يقضي حاجتك كما تريد ، ولا ترسل  . الأحمق بل امضِ أنت واقضِ حاجتك

يا بنيّ ، إذا سمعت كلمة فدعها تموت في قلبك ولا تكشفها لغيرك لئلاّ تصبح جمرة تحرق لسانك .  وتترك الألم في جسدك وتكسبك الخزي والعار عند الله والناس .

يا بنيّ ، أنت صرت لي مثل قملة الحنطة لا تصلح لشيء وإنّما تفسد الحنطة وتنخرها .

 يا بنيّ ، أنت صرت لي مثل كلب أرغمه البرد على اللجوء إلى محل الخبّازين ، وحينما دبّت الحرارة  . في جسمه شرع ينبح عليهم ويعضّهم وبدؤوا هم بضربه . وإذ لم يكفّ عن النبح اضطرّوا إلى قتله خوفاً من عضّاته .

يا بني ، لا تزن بامرأة صاحبك لئلا يزني آخرون بامرأتك .

يا بني ، كل نصيبك، ولا تهزأ بجارك .

يا بني ، ان الأثيم يقع ولا ينهض ، أما المستقيم فلا يتزعزع ، لأن الله معه .

يا بني ، اخضع ابنك وهو طفل قبل ان يفوقك قوة وشدة ، فيتمرد عليك وتخجل من كل أعمال السوء التي يعملها .

يا بني ، لا تجلب عليك لعنة أبيك وأمك ، والا فانك لن تفرح بنعمة بنيك .

يا بني ، لا تشتم ربك في يوم مصيبتك وبؤسك فانه اذا سمعك يغضب عليك .

يا بني  ، اقض في شبابك قضاء عادلا كي تنال وقارا في شيبتك .