هذه قصة حب بابلية رواها الشاعر الروماني اوفيديوس ( ٤٣ ق.م – ١٨ م ) واقتبسها الاغريق ورووها بين أساطيرهم عن بابل . والقصة تدور حول الحب الممنوع الذي لا يزال ممنوعاً في أوساط واسعة من الشرق وهي من ميتولوجيا الاصول – عن كيفية وجود التوت الشامي او الرومي الاحمر القاني بعد ان كان ابيض كالثلج . وقد تبدل لونه بشكل غريب . انها مأساة . ولقد كان موت عاشقين شابين السبب في ذلك التبديل
في بابل العظيمة ، مدينة الملكة سميراميس ( شمورامات ) عاش شاب اسمه ، بيرم ، وهو من أجمل فتيان الشرق وصبية اسمها ( تسبين ) من ألطف بناته . سكنا في بيتين متلاصقين يفصل ما بينهما جدار مشترك
ترعرعا جنباً الى جنب ومع نموهما كان ينمو في قلبيهما حب عاصف اقوى من أي عائق . كانا يتوقان الى الزواج لكن تقاليد الأهل لا تسمح . وكلما حاولا اخماد حبهما تأججت ناره . فالحب دائماً يجد سبيله ولم يعد بالامكان فصلهما الى الأبد
في الجدار المشترك اكتشف العاشقان شقاً لم يلحظه أحد من قبل وكأن العشاق لا يفوتهم شىء . تبادلا همسات الحب عبر الحائط المشقوق . تسبين من جانب وبيرم من الجهة الاخرى ، حتى أصبح ذلك الفاصل المشؤوم وسيلتهما الوحيدة للاتصال . انه يسمح للكلمات ان تخرقه ولا يسمح للقبلة ان تمر فيه . وفي الليل قبل ان يأوي كل الى فراشه كان يطبع قبلة على ذلك الجدار البارد ويمر بخياله عبر الجدار . وفي كل صباح عندما يطل الفجر ليمحو النجوم في قبة السماء . وتذيب أشعة الشمس الصقيع العالق بالاعشاب . كانا يسرعان الخطى الى الشق بعد ليل ملؤه السهاد ليتبادلا همساتهما من جديد ويندبان سوء طالعهما وقسوة القدر
الى أن أتى يوم قرر العصفور الحبيس ان يفر من قفصه . لقد اتفقا ذات ليلة على التسلل والهرب خارج المدينة الى البرية حيث يجدان الحرية من المجتمع وتقاليده وتواعدا على اللقاء عند قبر “ فينوس “ مؤسس نينوى الاسطوري . وكانت تظلل القبر توتة وارفة الظلال تبرز من بين اوراقها الخضر ثمار بيضاء كالثلج ويتدفق من تحتها “ فوار “ ماء عذب . لقد تلهفا لتنفيذ الخطة وانتظرا ذلك النهار لينقضي وكأنه سنة كاملة
انحدر “ شمش “ نحو الغرب ليدخل في أحشاء أمه الأرض . ويختفي حيث تلتصق الأرض بالسماء ثم أرخى الليل سدوله . ولكن البدر “ سين “ قد صعد في الجلد ليرسل نوراً لطيفاً يخفف حلوكة الليل . وكان ذلك مواتيآ لتسبين كي تتلمس طريق الهرب الى قبر فينوس وشجرة التوت حيث يكون اللقاء . لم تجد بيرم في انتظارها ، لقد تأخر ، قلقت ، شدد الحب من عزيمتها فتشجعت وانتظرت وحدها في سكون الليل . وفجأة لمحت من بعيد لبوة تخرج من الغابة تهرول نحو النبع لتروي ظمأها بعد أن افترست وملأ الدم شدقيها
هربت تسبين قبل ان تراها اللبوة ، ركضت لكن النسيم أسقط منديلها ولم تأبه لالتقاطه ، مرت اللبوة بالمنديل فمزقته بفمها المدمى ثم شربت وقفلت عائدة الى عرينها في الغاب
حضر بيرم ولم يجد سوى المنديل الملطخ بالدم وآثار خطى اللبوة في الغبار فتطلع حوله واذا هي تدخل الغابة . كان المشهد واضحاً وفظيعاً وخلاصته كانت واضحة بالنسبة له . فهو المسؤول عن موت حبيبته وهو الذي تأخر وتركها وحدها تنتظر في هذا المكان الموحش وليس بقربها سوى بقايا جثة في قبر . انها غضة الشباب لكنها لا تقوى على الدفاع عن نفسها وصار شعوره بالذنب قاتلاً
صاح “ انا من قتلك “ لملم المنديل وقبله ثم قبله ، وهرول نحو شجرة التوت وخاطبها قائلاً “ انك الآن ستشربين دمي “ . واستل سيفه وغرزه بين أضلاعه ففار دمه بعيداً ولطخ الثمار البيض فاصطبغت بالاحمر القاني ثم هو يتخبط بدمائه
كان حب تسبين أشد من الخوف فعادت واتجهت نحو الشجرة فوق القبر ، كانت الشجرة في مكانها لكن شيئاً قد تغير . لم تعد ترى الثمار البيضاء وقد كانت هناك قبل وقت قصير . سمعت انيناً فارتعدت . رجعت الى الوراء ، خافت ، حدقت تحت ضوء القمر . انه بيرم في بركة من دمائه
ركضت اليه وطوقته بذراعيها . لقد كان جلده بارداً مبللاً بالعرق قبلت شفتيه الباردتين ورجته ان ينظر مرة واحدة اليها ، قالت “ انا تسبين كلمني أتوسل اليك “ وعند سماع اسمها فتح عينيه الثقيلتين ورمقها بنظرة الوداع الأخير ولم تكن نظرة طويلة ، لأن الموت قد اطفأ نور عينيه . كان سيفه ساقطاً بجانبه ، ومنديلها الممزق ما يزال عالقاً في قبضته ففهمت بدقة دون كلام “ أنت قتلت نفسك بسبب حبك لي وما كان شىء ليفصل بيننا سوى الموت ، وأما الآن فحتى الموت لن يفرق بيننا “ ، وأغمدت السيف في أحشائها وهو لا يزال مبللاً بدم حبيبها المتجمد
رأت الآلهة المأساة وأشفقت على نهايتها المفجعة ، كذلك ندم الأهل حيث لا ينفع الندم وبقيت ثمار التوت الحمراء تذكاراً أبدياً لحبهما العاصف تعود كل عام . وفي زجاجة واحدة وضع رمادهما ، وهكذا لم يفرقهما شىء حتى ولا الموت