سميراميس الملكة الاسطورة التي تناساها احفادها العراقيون !!

Posted by on Sep 21, 2023 in Library, دراسات سريانية | Comments Off on سميراميس الملكة الاسطورة التي تناساها احفادها العراقيون !!


سميراميس الهة شمسية يتعبدها العراقيون

ان اسطورة سميراميس دليل ساطع وفاجع على مدى تناسي العراقيين لتاريخهم . فهذه الاسطورة التي خلبت ألباب البشرية وفرضت حضورها في الأدب وفي التاريخ وفي الرسم وفي الموسيقى وفي السينما وفي المسرح وفي السحر وفي السياحة ، اي في كل مجالات الحياة في العالم اجمع ، إلا العراقيون احفادها فقد تناسوها، فهم يتذكرونها اقل بكثير ممن يتذكرون بلقيس ملكة اليمن ، على سبيل المثال ؟؟؟!!!

لقد خلبت حكاية سميراميس هذه الملكة العراقية ألباب الناس في العالم أجمع على مر ّالقرون منذ اكثر من الفي عام .  فهي تشتهر بالجمال والقوة والحكمة وبقدرتها الفائقة على ادارة الدولة وقيادة الحروب والتوسع بالفتوحات وروح الاصلاح والتعمير . تنسب لها الاساطير بانها هي التي شيدت بابل بحدائقها المعلقة ، وانشأت العديد من المدن  وغزت مصر وجزءاً كبيراً من آسيا والحبشة ، وحاربت الميديين ، وأخيراً قادت هجوماً غير ناجحاً على الهند كاد يؤدي بحياتها .

ما لا يحصى من كتب البحث والروايات التي صدرت عن سميراميس

اما في العصور الحديثة فان صيتها لم يتوقها ، حيث انجزت عنها العديد من الكتب والروايات والاوبرات العالمية والمسرحيات ، ولم تبخل عليها هوليود باكبر افلامها. ويحمل اسم  سميراميس  في جميع انحاء العالم وفي جميع اللغات ما لايحصى من المراكز السياحية والفنادق ودور التجميل والانوثة والمتعة . يصفها الكاتب ويفي ميليفل في ثنايا روايته  ساركادون . . اسطورة الملكة العظيمة : كانت فائقة الجمال ، لا شك في الامر ، ذلك الجمال الذي تعجز الكلمات عن وصفه ، انه الجمال المنتصر، ليس باقل من الجمال الذي  يذعن له الآخرون رغماً عن ارادتهم   .

كانت تشتهر بأن لها قوة خارقة كبطلة عراقية إذ تكاد ان تكون الرديف الانثوي للبطل الذكوري  كلكامش . كانت تمتلك عيون ساطعة رغم كثافة رموشها و نظراتها الودودة ، لكن يشع منها وهج عبقرية القائد الذي يستطيع ان يأمر جيشا و يؤسس امبراطورية . ان شخصيتها الخلابة المهيمنة جعلتها تكتسب شهرة ذائعة الصيت حتى ان ماركريت  ملكة الدانمارك والسويد والنرويج  1353-1412 و كذلك  كاترين الثانية  قيصرة روسيا 1729-1796 صنفتا كليهما على انهما سميراميس اوروبا .


انتشار الاسطورة

   حسب الاسطورة ان اسم سميراميس يعني الحمامة ، واطلق عليها هذا الأسم لأن االحمائم احتضنتها عند مولدها وورعتها وأشرفت على غذائها . .
وتحكي الاسطورة انه انسابت سيول عارمة ذات يوم على منابع نهر الفرات ففاض النهر وتدفقت مياهه وخرجت الأسماك تستلقي على الشاطئ . وكانت بين تلك الأسماك سمكتان كبيرتان سبحت الى وسط النهر وبدأتا بدفع بيضة كبيرة طافية على السطح الى ضفة الفرات ، واذ بحمامة بيضاء كبيرة تهبط من السماء وتحتضن البيضة بعيداً عن مجرى النهر .
ورقدت الحمامة على البيضة حتى فقست ، ومن داخل البيضة خرجت طفلة رائعة الجمال وحولها أأسراب من الحمام ترف بعضها عليها بأجنحتها لترد عنها حر النهار وبرد الليل .
ثم بدأت الحمائم تبحث عن غذاء للطفلة ، فاهتدت إلى مكان يضع فيه الرعاة ما يصنعون من جبن وحليب فتأخذ الحمائم منها بمقدار ما تحمل مناقيرها، لتقدمه للطفلة التي عاشت مع حمائمها سعيدة لا تعرف أبداً طعم الشقاء .

وقد تنبه الرعاة إلى جبنهم المنقور وحليبهم المنقوص، فقرروا ترك أحدهم ليراقب المكان وشهد الراعي الحمائم وهي تحط حول الجبن وتلتقط قطعه الصغيرة ، وتملأ مناقيرها بالحليب وتطير به إلى مكان ليس ببعيد ، فأخبر الراعي رفاقه فتبعوا الحمائم حتى وصلوا إلى حيث صبية ذات جمال رائع ، فأخذوها إلى خيامهم، واتفقوا على أن يبيعوها في سسوق نينوى العظيم .

وفي صبيحة ذات يوم حملوا الفتاة وقد اطلقوا عليها اسم سميراميس إلى سوق نينوى . واتفق أن كان ذلك اليوم يوم موسم للزواج الذي يقام كل عام ، حيث تجتمع في السوق الكبير جموع الشبان والشابات قادمة من كل نواحي المملكة، لينتقي كل شاب عروساً شابة ، أو ينتقي صبية يحملها إلى داره فيربيها إلى أن تبلغ سن الزواج فيتزوجها أو يقدمها عروساً لأحد ابنائه . كانت ساحة سوق نينوى تغص بالشيوخ الكهول والشبان . دخل الرعاة بالصبية الصغيرة الحسناء إلى حيث يعرضونها للبيع . جلس الرعاة مع الصبية في أول الصف ، فشاهدهم سيما ناظر مرابط خيول الملك ، وكان عقيماً لا ولد له ففهفا قلبه إلى سميراميس ورغب في تبنيها .
ودعا سيما الرعاة وساومهم على ثمنها ، وعندما تمت الصفقة ، عاد بها إلى منزله . ما أن رأت زوجته هذه الصبية ذات الجمال الرائع حتى فرحت فرحاً غامراً واعتنت بها عنايتها بابنته ، وظلت ترعاها حتى كبرت واستدارت وبرزت أنوثتها كأجمل ما تكون النساء!

و في يوم ما كان اونس مستشار للملك ، يتفقد الجمهور المحتشد بأمر من الملك واذا بعينه تقع على سميراميس وهي الآن في عمر مناسب للزواج ، فيصعق مذهولا من جمالها وبراءتها . فقام باخذها معه الى نينوى و تزوجها هناك ، و صار لهما طفلين ربما توأمين هما هيفاتة و هيداسغة . يبدو أنهما كانوا سعداء ، كانت سميراميس فائقة الذكاء حيث كانت تقدم لزوجها النصح والمشورة في الامور الخطيرة فأصبح ناجحاً في كل مساعيه . اثناء ذلك كان ملك نينوى ينضم حملة عسكرية ضد الجارة باكتريا ، فأعد جيشاً ضخماً لهذا الغرض لأنه كان يدرك  صعوبة الاستيلاء عليها . بعد الهجوم الاول استطاع ان يسيطر على البلد برمته ما عدا العاصمة باكترا التي صمدت . شعرالملك  بالحاجة الى اونس و لذا ارسل في طلبه ، لكن اونس لا يريد مفارقة زوجته الحبيبة فسألها ان كانت ترغب في مرافقته ، ففعلت .

 هناك بعد ان تابعت سميراميس سير المعارك و درستها بعناية و ضعت العديد من الملاحظات عن الطريقة التي  يدار بها الحصار . فبما ان القتال كان  يجري في السهل فقط وان كل من المدافعين والمهاجمين لم يعروا القلعة اهمية ، طلبت  سميراميس ارسال مجموعة من الجنود المدربين على القتال في الجبال ، الى المرتفع الشاهق الذي كان يحمي الموقع . ففعلوا ذلك ملتفين حول خاصرة العدوالمدافع وهكذا وجد الاعداء انفسهم محاصرين و لا خيار لهم سوى الاستسلام .

في ثنايا هذه الاحداث صار الملك  نينوس  شديد الاعجاب بسميراميس لما ابدته من شجاعة ومهارة لحسم المعركة . منذ اللحظة اخذ الملك يتمعن في وجهها الساحر و جمالها المدهش،  فادرك ان قلبه غير قادر على مقاومة سحرها ، و لذا طلب منها ان تكون زوجته وملكته . ثم عرض على اونس ان يأخذ ابنته بدلا عنها ، الا ان اونس رفض ذلك . مما حدا بالملك ان يهدده بقلع عينيه ، وتحت وطأة الخوف واليأس استسلم اونس لمطلب الملك ،  غير انه انهى حياته بعد فترة وجيزة من زواجها من الملك .  هكذا افلح نينوس بالزواج من  سميراميس  وصار لهم طفلا اسمياه  نيناس  . بعد موت الملك اعتلت العرش كملكة لنينوى عاصمة بلاد النهرين .

حسب الاسطورة الرائجة ، دام حكمها 42 عاما ، لكن الواقع انها كانت تحكم سوية مع زوجها الملك ، فقط السنوات الخمس الاخيرة حكمت بمفردها بعد وفاة زوجها . و قد بدأت حكمها ببناء ضريح فخم في نينوى تمجيداً لزوجها الملك نينوس . وتنسب اليها الاسطورة الشعبية بانها هي التي بنت مدينة بابل ، حيث شرعت بعزيمة لا تنثني بحملة واسعة النطاق ببناء مدينة لنفسها ليس بعيدا عن نينوى ، هذه المدينة الجديدة هي  بابل . و قد استخدمت لهذا الغرض اكثر من مليوني عامل طبقاً لما يقوله المؤرخ الاغريقي ديودروس ، جالبة اياهم من كل ارجاء الامبراطورية المترامية الاطراف لانجاز هذه المهمة الضخمة . ان محيط السور وحده كان حوالي 66 كيلومترا طولاً ، اما عرضه فقد كان بامكان 6 عربات تجرها خيول  بالمرور فوقه وهي تسير جنبا الى جنب ، وارتفاعه حوالي100 متر . تم تشييد 250 برج لحماية المدينة ،  واقيم كذلك جسر بطول 900 متر على نهر الفرات الذي كان يمر وسط المدينة . وقد اقيمت عند نهاية كل جسر قلعة محصنة كانت الملكة تستخدمها كدار استراحة ، هذه القلاع كانت متصلة بعضها ببعص عبر ممرات سرية تحت النهر . وفي هذه لفترة نفسها بنيت الحدائق المعلقة الشهيرة .

ثم اخذت جيوش العراقيين في السنوات اللاحقة بالتوغل بعيدا في آسيا ، وهناك اشادت الملكة متنزه فسيح مقابل جبل باجستان ، و عدد آخر من النوافير المزخرفة عند ايكافاتانا . وقد فاقت شهرتها اي من النساء المقاتلات في تلك العصور . يقال ان سميراميس كانت مسؤولة عن نشؤ العديد من مدن العالم القديم والتي أقيمت على نهري دجلة والفرات ، وكذلك عن اقامة العديد من اجمل واروع الاضرحة الفريدة والمواقع النادرة الاخرى في كل آسيا . أما عسكرياً فقد استولت على ميديا واخضعت مصر والجزء الاكبر من الحبشة ، و كذلك قامت بحملة لاخضاع الهند، فانشأت جيشاً جراراً لهذا الغرض ونجحت في عبور نهر السند ، لكن جيشها جوبه بأعداد هائلة من الفيلة المدربة مما افزعوا الخيل والجند ، وانسحب جيشها فاراً و تعرضت هي نفسها لطعنة كادت تودي بحياتها ، وتمكنت بعد جهد شاق من عبور النهر ، و هنا امرت بتدمير الجسر الذي اشادته كي لا يستطيع العدو من العبور عليه لملاحقتها .

الاصل التاريخي للاسطورة

من الواضح ان معظم هذه الانجازات قد نسبتها خطأ الاسطورة الى  سميراميس ، فليست هي التي بنت بابل ، ثم ان الملك العراقي نبوخذنصر هوالذي اشاد هذه الحدائق تلبية لرغبة زوجته الميدية .

 يبدو ان اسم سميراميس هوالتحرف الاغريقي للاسم العراقي سمورامات وهي ملكة حقيقية مقدسة ، وهي ام الملك الآشوري  اداد – نيناري الثالث الذي حكم بين 810- 783 قبل الميلاد و زوجة الملك شمشي – اداد الخامس ، حكم بين   823 – 811 قبل الميلاد ، و هو بدوره ابن شلمنصر الثالث وقد حكم بين 859 – 824 قبل الميلاد ، و قد تميز حكمها بالغلاظة خاصة بين 810- 805 قبل الميلاد .

من المؤكد ان هذه الحكاية الاسطورية  مقتبسة من شخصية حقيقية هي الملكة العراقية سمورات . بعد ذلك بقرون طويلة حرّف الاغريق هذا الاسم الى سميراميس . وهي أصلها من منطقة بابل ، وتزوجت من ملك  نينوى  شمسو حدد الخامس 823-811 ق .م  . بعد ان توفى زوجها لم يكن يبلغ ابنها ولي العهد حدد نيراني 811-783ق م  سن الرشد ، فاستلمت زوجته سمير امات المملكة والحكم

وأصبحت وصية على عرش ولدها لمدة 5 سنوات حتى بلغ سن الرشد . صحيح انها استلمت الحكم رسمياً لفترة خمسة سنوات ، الا انها كانت تشارك بالحكم منذ ايام زوجها وكذلك مع ابنها . ان شخصيتها القوية وذكائها الحاد وجمالها الاخاذ جلعلها تفرض سطوتها طويلاً وتمسك بتلابيب دولة بلاد النهرين طيلة عشرات السنين . و قد عثر على نقش حجري تذكاري في  مدينة آشور واخر في  كالح  تصور فيه  على انها الملكة التي حكمت خلفا لزوجها المتوفى . لم تكتف هذه المرأة العظيمة بالسلطة السياسية وإدارة شؤون البلاد بل تعدتها إلى التأثير في الحياة الدينية والفكرية والاجتماعي . فهي رغم انها تشارك سكان آشور بالحضارة العراقية المشتركة ، الا ان اصلها الجنوبي منحها بعض الخصوصيات المذهبية والثقافية حيث تمكنت ان تشيع مثل هذه المؤثرات البابلية على طريقة الحكم وعلى الكهنوت الآشوري وعلى عموم الحياة في نينوى .  فأضفت نوعا من الرقة والروحانية الجنوبية على المذهب الآشوري الذي كان يتسم اكثر في تقديس الفحولة المتمثل بالاله آشور وكذلك الميل الى منطق القوة الحرب . بل حتى انها نجحت بابراز ادوار آلهة كانت ثانوية عند الآشوريين مثل اله الحكمة نبو . لقد ملكت سمورامات كالملوك العظام ، حيث أقامت مسلة لتخلد ذكرها في ساحة المسلات في معبد آشور ، وقد سجل على هذه المسلة العبارة التالية : مسلة سمورامات ملكة سيد القصر – شمس حدد ملك الكون ملك آشور والد حدد نيراني ملك الكون ملك آشور وكنة شلما نصر ملك الجهات الاربعة . .

يعتقد ان سمورامات ، قد حكمت بصورة مباشرة او غير مباشرة طيلة  42 سنة ، وقامت بمشاريع عمرانية واسعة واهمها بناء مدينة آشور بمعابدها وقصورها الضخمة واحاطتها بالاسوار العالية . من الاعمال الجبارة التي قامت بها هذه الملكة بناء نفق مقبب من الحجر تحت مجرى نهر دجلة ليوصل طرفي المدينة .  كذلك قامت بعد ذلك بفتوحات كثيرة استطاعت ان تسيطر على مصر وبلاد الشام وبلاد ميديا، ويعتقد انها ربما قد بلغت الهند .

 

Mesopotamia.com